المجموع : 178
فتنٌ عمَّت البلاد فَما أغ
فتنٌ عمَّت البلاد فَما أغ / نى عَن المرء أَهله وَالعَشيرُ
وإذا ثارَت الجَماعَة يوماً / فَهيَ قَد لا تَدري لماذا تَثور
ليست الحرب غير نار تشبُّ
ليست الحرب غير نار تشبُّ / حيث يَشقى شعبٌ وَيسعد شعبُ
إنها قبل أن تشب لظاها / عاصفٌ بين أُمتين تهب
وَعراص همى السحابُ ملحّاً
وَعراص همى السحابُ ملحّاً / في ثراها فخددتها السيولُ
أَنبت الغيث في المهابط منها / شجرات مَع الرياح تَميل
ترسل الشمس في الغدوّ شعاعاً / فيرد الشعاع منها الأصيل
قَد سرينا نؤم أَرضاً بها لَيْ / لى وَفخذٌ من أَهل لَيلى حلولُ
نستحث المطي في مهمه قف / رٍ يناجي به الذئاب الغول
تذرع البيد وانيات مهازي / لُ وَهَل يحمد السرى المَهزول
تَتَهادى بين التلول فَتَمشي / مبعدات عنها وَتَبقى التلول
وَالخطى للكلال تقصر حيناً / وَلِحثِّ الرجال حيناً تَطول
هيَ تَمشي إلى الشمال ثقالاً / وَخياشيمها إلى الغرب ميل
صاخبات كأَنَّهن ثكالى / غابَ عَنها وَراءَها المَثكول
تَبتَغي بالسرى وصولاً إلى الحي / يِ مريحاً وَلَيسَ ثَمَّ وصول
وَبَدا بعد ساعة مكفهرّاً / عارضٌ في أفق الشمال عجول
يَتَرامى فيه وَتحدوه ريح / ذات عصف يخف منه الثَقيل
فأَتانا وَفيه برق وَرَعدٌ / وَمياه تَفيض منها السيول
يرزم الرعد كالمَدافع فيه / وَيوالي إرزامَهُ فَيَطول
وَتَكاد الأرض الَّتي قد جثمنا / فوقها من هول الهَزيم تَزول
ظلمة فَوقَ ظلمة فوق أخرى / في دياجيرها تضل العقول
هطلت ساعة تهول وَزالَت / غير أنا عَن الطَريق عدول
قد ضللنا الطَريق نخبط في الأر / ضِ كَما ضلَّ ذو عمىً مسمول
وإذا في أيامن الغرب منا / كَرَجاء المسلول ضوء ضَئيل
فَتَساءَلنا للسَلامة عنه / وأَجابَ الخَبير منا يَقول
لمعت نارهم وَقَد عسعس اللَي / لُ وَمل الحادي وَحار الدَليل
قد رحلنا نحثحث العيس لَيلاً / عَن بلاد بها الكِرام قَليل
ذل فيها العَزيز مِمّا يلاقي / من صعاليكها وَعز الذَليل
قد لقينا منهم جفاء وَضيماً / أَنا وَالشعر وَالنجار الأصيل
من قَديم يا أَهل بَغداد أَنتم / أمةٌ عندها يضيع الجَميل
لَست أَنسى وَلا الدجنّة تنسى
لَست أَنسى وَلا الدجنّة تنسى / إِذ شجتني حمامة في الوادي
بنُواحٍ يَحكي نياحة ثكلى / نزلت بابنها الوَحيد العوادي
في رَبيع الشباب مات جَميلاً / فهيَ تَبكي وَحيدها وَتنادي
أَخرَجته وَاللَيل أسود داج / من فؤاد يحكي حَزين فؤادي
رددته لما أَرنَّت فجاء ال / لَيل يَبكي من ذلك الترداد
حجبت شخصها الدجنة عني / فهو إلا تسجيعها غير بادي
غير أني سمعتها تتغنى / موهناً فوقَ غصنها المياد
إنَّ سجع الحَمام في الأسحارِ
إنَّ سجع الحَمام في الأسحارِ / وَهبوب النَّسيم بعد القطارِ
وَبَريق الندى عَلى الأزهارِ / وَخَرير الماء الزلال الجاري
موحيات إِليَّ بالأشعارِ /
فإذا ما دَعا الحمام هديلا / سحراً وَالنَسيم هب بليلا
وَأَراني الندى ميحيّاً صَقيلا / وَجرى الماء حيث ألفى مسيلا
جاشَ شدو بالشعر في أفكاري /
فترنمت كالطيور صباحا / بغناء يمازج الأرواحا
ذاكَ سر الهوى به القلب باحا / في نَشيد يولي النفوس ارتياحا
قَد تعلمته من الأطيار /
حبذا الروض في زَمان الرَبيع / إن حسن الأزهار فيه طَبيعي
مرَّ فيه النَسيم غير سَريع / فوقَ سطح مثل السماء بَديع
فيه تَزهو النجوم بالأنوار /
وَشدا الطير منشداً بالبديه / غزلاً رائقاً تفنَّن فيه
إيه يا طير إيه أَحسنت إيهِ / إن لحناً في الروض تُسمِعُنِيه
هُوَ أَحلى من نغمة الأوتار /
اشدُ يا طير لا تعدّاك خَيرُ / صوتك القصد فاِعتمد لا غيرُ
لا تخف ما عليك مني ضيرُ / أَنا أَيضا يا طير مثلك طيرُ
قَلَمي في شدو الهوى منقاري /
لست أَنسى فيما سمعت الهزارا / إنه كان فاتناً سحّارا
صاح في الروض صيحة ثم طارا / فكأَنَّ الهزار أَضرم نارا
عند ما صاح في حشى الجلَّنار /
وأَعاد الشحرور أَلحان وجدِ / طائراً من نهد هناك لنهدِ
بين نبتٍ يضوع عرفاً ووردِ / من خزامَى وَياسمينٍ ورند
وَشَقيقٍ وَنرجسٍ وعرار /
وَنحا العَندَليب دعصاً جَميلا / عقد الزهر فوقه إكليلا
فَتَدانى منه قَليلا قَليلا / وَتلافى الغَرام فصلاً طَويلا
بان تأَثيره عَلى الأزهار /
وأتى زهرة تألَّقُ زهوا / فأطالا تناجياً بالشكوى
ثم غنى وَقالَ في الوصف شدوا / موقف جامعي ومن أَنا أهوى
طالَ فيه عتابه واعتذاري /
قرب جورية يفوح شذاها / ذات لون من السماء أَتاها
في شعاع للشمس طبق هواها / قبلت فاه وَهوَ قبل فاها
لتلاقٍ من بعد شحط المزار /
زار إذ ذر قرنها في الأفْقِ / ترمق الروض من أَقاصي الشرقِ
فزها ما فيه بذاك الرَّمْقِ / من ورود حمرٍ وصفرٍ وزرقِ
أَظهرت ما للنور من أَسرار /
إن حسن الرَبيع للعين فاتنْ / كَم به من زهر كثير المحاسنْ
غير أن الزَمان يا قوم خائنْ / فلأزهاره جمال ولكنْ
هي آه قصيرة الأعمار /
حبذا الروض إنه قد تزيَّنْ / ببهار وأقحوان وسوسنْ
زرته في الصباح حين تبينْ / وأطلت الجلوس فيه إلى أن
صعدت في السماء شمس النهار /
حيث فَوقي للسرو ظلٌّ ظَليلُ / وَعَلى السرو للحمام هَديلُ
وَبساط للزهر تحتي خميل / وأمامي روض نضير جَميل
وَغَدير للماء عند يَساري /
وَبذات اليَمين مني تَفورُ / عين ماء كأنه بللورُ
ذاب لطفاً فاِهتز فيه النور / وَعلى العين وهيَ تجري طيور
رفرفت من فواختٍ وَقماري /
إذ تمشَّت ريحٌ تريدُ وصولا / لغصونٍ بسقن في البعد طولا
فتخطت بنفسجاً مطلولا / ثم مرَّت عجْلى تجرُّ ذيولا
فوقَ ماء يَسيل في أنهار /
عبرته حتى اِلتقت بالغصونِ / ولوت من أعطافها والمتونِ
فبكت من حزن عليها عيوني / يا بنات النبات هجت شجوني
بتلويك اليوم في الأشجار /
يا بَنات النبات رعتِ حَياتي / إذ تأوَّدت يا بَنات النباتِ
ليت ما فيك من أذاة بذاتي / بأبي أَنتَ فاِهدئي من بنات
تنحني للهوى بكل انكسار /
وَالقماريّ حاضناتٌ فروعا / مبديات بسجعهن خشوعا
يتشاكين بينهن الولوعا / وأنا صامت أصب دموعا
هنَّ مني عَلى الخدود جواري /
وَتغنى بعض الحمام غناءَ / ذا فنون أَجادها ما شاءَ
فَشكا في غضونها البرحاء / وَبَكى واِستثار مني بكاء
لم يكن منع فيضه في اِقتداري /
إنما يا حمام جددت دائي / بالَّذي قَد رجعته من غناء
لَم تَبكي مفتشاً في السَماء / أَو هَل يا حمام إلفك نائي
وله أَنتَ جاثم في اِنتظاري /
قالَ وَالقَول من حمام هَديرُ / طارَ صبحاً إلفي وَلست أطيرُ
قد رَماني ظلماً بسهم شرير / فَجناحي بما رَماني كَسير
فأنا جاثمٌ هنا باضطرار /
إنني قد بسطت واضح عذري / فأفدني خبْراً بما لست أَدري
إن أحبابك اِستقلوا بفجر / فَلِماذا وَالحب بالمرء مغري
ماكِث أنت بعدهم في الديار /
إن من كانَ بين جنبيه قلبُ / ما كذا يصرم الَّذين يحبُّ
لَيسَ ينسى الأحباب من هو صبُّ / إن دعواك للمحبة كذْبُ
هُوَ من صبغة الحَقيقة عاري /
قد كذبت الهوى فَما أَنت إلا / مدَّعٍ لَيسَ يتبع القَول فعلا
رحلوا ثم لَم تَزَل أَنت حلا / أَنتَ لَو كنت في الحَقيقة خلا
لتتبَّعتهم عَلى الآثار /
حوِّلن يا حمامُ ظنَّك عني / فالَّذي قد ظننت آثمُ ظنِّ
يا حمام اتئد وَلا تتَّهمني / أَنا مأمور بالمقام لأني
بَينَ قَومي من مطلقي الأفكار /
طلعت في جلالة ووقارِ
طلعت في جلالة ووقارِ / من وَراء التلاع شمس النهارِ
طلعت من حجابها كإله ال / حسن في موكب من الأنوار
وَتَجَلَّت مثل العروس بوجه / نوره باهر أولي الأبصار
فكست منكب الربى وَحوالي / ها رداءً مطرزاً بالنضار
وأدرَّت عَلى الرياض شعاعاً / لجَّ في لثم مبسم الأزهار
كُلَمّا مس ظاهر الأرض أعطى / رونقاً للتراب والأحجار
ما تدانى إلا أَذاع نشاطاً / لحياة الحيوان والأشجار
وَلَه في جَداول الروض رقص / فوق سطح الماء الزلال الجاري
وأَضاءَ الهواء فهو كبحرٍ / ماج في لج نوره الموّار
إن للشمس منظراً لَيسَ يُلفَى / مثله في النجوم والأقمار
منظراً راق حسنه غير أني / كل يوم أَراه بالتكرار
أترى أَفزع الغزالة ذيبُ
أترى أَفزع الغزالة ذيبُ / فَهي تَسعى شَريدة وَتغيبُ
وقد اصفر وجهها كفتاة / قلبها من وشك الفراق كَئيب
أَم أَتَت نصف دورةٍ هَذه الأر / ض دَنا فيه من ذكاء غروب
وَعَلاها السحاب فاحمرَّ منها / إذ توارَت ذوائِبٌ وَجيوب
صاح ما هذه الدماء أراها / بعيوني أَفي السماء حروب
أَم ترى في يد الطَبيعة لوحاً / نظر الروح نحوه مجلوب
تقف العين عنده وَهي حيرى / يستبيها جماله المحبوب
حار في وصفه الأديب فَلا يَع / لم ماذا عَسى يَقول الأديب
وانظر البر إن مشهده بع / دَ غروبٍ لها شجيٌّ مهيب
بقر الحي من مراتعها تر / جع في مشية خطاها قَريب
وَقَطيع الأغنام من وجهة الشر / قِ إلى جانب الخيام يؤوب
وَصغار الحملان مَربوطة تص / بو إِلى أمّهاتها وَتَلوب
تسمع الأمهات وَهي إليها / مسرعات بغامها فَتُجيب
مشهد للغروب في البر شاج / فَتَكاد القلوب منه تَذوب
مشهد يعجز المصوِّرُ وَالشا / عرُ عَن رسمه وَيعيا الخَطيب
أَنت مِمّا تُبدينه من صفاءِ
أَنت مِمّا تُبدينه من صفاءِ / يا سَماء العِراق خير سَماءِ
انظريني فقد أحبك قَلبي / وأَحبتك مثله حوبائي
انظريني إذا العنادل غنت / سحراً فوق منكب الشجراء
انظريني ليلاً إذا الشمس غابَت / بعيون النجوم في الظلماء
انظريني إذا الخَليقة أَخفت / ما لَها فوقَ الأرض من ضوضاء
انظريني إذا الطَبيعة أَصغَت / في الدياجي الى خَرير الماء
انظريني إِذا الحوادث رامَت / هدأة في الصباح أَو في المَساء
انظريني إذا الخَريف تَراءى / آسيا من أَشجاره الجَرداء
انظريني إذا غَدا الروض خلواً / من زهور أَو زهره من رواء
انظريني من الفروج خلال ال / سحب سراً بعينك الزَرقاء
انظريني اذا نظرت بِعَيني / وَهيَ شكرى إليك عند البكاء
هي في اللانهاية السَوداءِ / تَتَراءى كسنةٍ بيضاءِ
سدم هَذه المجرَّة تنأى / وَشموس جلَّت عَن الإحصاء
شبه واد تَرى عَلى ضفتيه / كركام كَرائم الحصباء
هيَ سيل من الهيولى طفت في / ه نجوم كَثيرة كالغثاء
زبد في نهر جرى من أثير / وَفَقاقيع منه في دأماء
تَتَجافى مدفوعة وَلكل / فلكٌ في أَعماق هَذا الفضاء
لم تحد في اندفاعها قيد شبر / عَن سَبيل لها هناك سواء
ما رأت في البَصير عَيني اهتداء / كاِهتداء الطَبيعة العَمياء
انها قد تحركت في طريقي / نِ هما قد تقابلا في السماء
ما اِختلاف هناك في السير إلا / لاختلاف في وجهة الأنواء
أَكر قد تدحرجَت منذ كانَت / واِستمرَت من غير ما إبطاء
وَلكلٍّ توابعٌ أَنا استب / عدُ حرمانها من الأحياء
قال لي العَقل ما تحرك هَذا ال / كَون إلا بدافع الكَهرباء
هيَ نفسُ النجوم لَيسَت سواها / وَهيَ ما في النجوم من أَضواء
الهيولي هي الأثير تردّى / صوراً ثم شق جيب الرداء
منك يا أَيُّها الأثير بدا الكَو / ن وَفيه الوجود للأشياء
أَنتَ سر المَكانَ وَالكَون وَالده / رِ وسر الحَياة في الغبراء
أَنتَ شيءٌ وَغير شيءٍ وَكافي / كلَّ شيءٍ يا حيرة الحكماء
كَم نجوم يخفين بعد ظهور / وَنجوم يظهرن بعد خفاء
يوصل النور بعضهنَّ بألف / من سنينا إلى عيون الرائي
دفعتها يد الطَبيعة بالقو / وة منها قنابلاً في السماء
من نجوم حمر وَصفر وزرق / وَنجوم خلافها بيضاء
إن منها ما كانَ فَرداً وَمنها / ذا بناءٍ مثنىً وفوق الثُنائي
لست أَدري وَلَيتَني كنتُ أَدري / في خلاء تطوافها أم ملاء
عندهن القوى العَديدة لكن / لم يجئنا منهنَّ غير الضياء
عَجَبي مِن نسرينِ قد وقع الوا / حدُ والثاني طائرٌ في الفضاء
وَسماكينِ رامحٍ يطعن اللَي / لَ دراكاً وأعزل في اللقاء
لهف نَفسي عَلى بناتٍ حسانٍ / أيّ نعشٍ حملنَهُ في العراء
ويل أَهل السماء من عقرب جا / ءت إليهم تدبّ في الظلماء
وَلَقَد باتَ أَرنَب الجو يَرنو / من بعيد للحيَّة الرقطاء
قَد تَمَنَّى العيوق أَن يسلم الجد / يُ من الذئب ناصتاً للعواء
رجف التوأمان لما تَراءى / أسدٌ ذو براثن عقفاء
عاف للذعر حين أَبصر فهداً / فرس الجو سنبل الخضراء
وَلَقَد باتَ راجفاً حمل الزه / رِ أَمام التنين خوف البلاء
هَل بعين الشعرى الغميضاء لَيلاً / أَخبروني قذى من الأقذاء
ما أَظن الميزان يوزن فيه / بعض ما في الحلوى من الأشياء
أَيُريد الراعي الصديّ ليروى / فَلَقَد أَلقى دلوه في الدلاء
قَد تَرى في السماء بالعين لَيلاً / سرطاناً كمثله في الماء
أَيُّها الحوت قل إلى أَي وقت / هَكَذا أَنتَ سابح في الفضاء
يخطف الثعلب الدجاجَة لَولا ال / كلب قد باتَ حارساً بالدَهاء
هَل تَرى ممسك الأعنة يَدنو / من مجال الشجاع في الهيجاء
قَد رأَيت السماك يطعن بالرم / حِ جيوش الظلماء في الأحشاء
وَرأَيتَ الجبار يحرق أَسنا / ناً على الطالِعات بعد المساء
وَأَرى السعد ذابحاً ذا أَثامٍ / وَأَرى الغول منه غير براء
هَل أَصاب الرامي وَقَد سدد السه / مَ من القوس منكب الجوزاء
قَد أَرى في النجوم دبينِ مازا / لا يدوران بينها في الفضاء
مِن كَبير ومن صَغير وكل / منهما حول القطب ذو تعداء
وَقرود النجوم أَربعة قد / درن منها في غابة غبياء
ما أبص الإكليل يطلع لَيلاً / وَالثريّا مَرفوعة في السماء
خفق القَلب للعناق بليل / وأطال الجاثي زَمان الثواء
تحسب الفرقدين صنوين داما / لإخاء وَما هما لإخاء
وَدت المرأة المسلسلة الإب / حار فوق السَفينة القوراء
وَسهيلٌ وَلَيسَ مثل سهيلٍ / متعب من تنفس الصعداء
في السماء الشبان جم غَفير / ثم ما إن بها سوى عذراء
إن ذاكَ الكرسي بين الدراري / يِ لرب للعزة القعساء
وَلَقَد أَكبر السها في عيوني / ما لنجم السها من العلياء
أَنا أَهوى الشعرى العبور لما قد / جمعت من سنىً لها وَسناء
وإذا عُدَّتِ الكواكبُ شعراً / فهي بيتُ القَصيدة العصماء
إِنَّ هَذا الوجود سر تفشَّى / في سماء وَسيعة الأرجاء
وكأن النجوم فيها قلوب / خفقت في جوانح الظلماء
وإذا الشمس وَالكواكِب جمعا / ء زوت نورها فيا للعماء
وَلعل الحَكيم يقرأ فيها / من مراد الحَقيقة الخرساء
كلمات وَقَد تَكون رموزاً / كتبت في صحيفة زرقاء
أعين الجاهلين مَهما تَساوَت / لا تَراها كأعين العلماء
قَد حَلَلنا طيف النجوم عَلى بع / دٍ بعيد بآلة صماء
فَعَرَفنا مقومات الثريا / وَعلمنا عناصر الجوزاء
إنما النور حين يقدم منها / حامل جملة من الأنباء
وَحدة في الوجود بالرغم عما / وَضَعوه من كثرة الأسماء
لَيسَ للعالم الَّذي نحن نحيا / ضمنه من بداية وانتهاء
ظنه الناس للفناء وإني / مَع نقصي حسبته للبقاء
لَيسَ يفنى فيما علمت من الأش / ياءِ إلا ظواهر الأشياء
ربما تظهر الحَقيقة بيضا / ء لَنا من تصادم الآراء
أَيُّها الجهر بالحَقائِق مني / أنت دائي وَقَد تَكون دوائي
لَست أَدري وقد وقفت مَكاني / أَأَمامي سعادتي أَم وَرائي
هَذه الأرض ذرة قَد توارَت / عَن عيون النجوم في تيهاء
هي إحدى توابع الشمس تَجري / حولها كالفراشة العَشواء
فأَتاها فصولها كالربيعي / نِ عليها وَصيفها وَالشتاء
وَلَها حول نفسها دوران / هُوَ داعي صباحها وَالمساء
دورتان الأولى عَلى النفس والأخ / رى عَلى الشَمس في زَمانٍ سواء
إِنَّ أَرضاً تَمشي عليها وَئيداً / كرة قَد تَدَحرَجَت في السماء
أيُّها العَقل أي بدع تَراه / إن جرت في الفضاء بنت الفضاء
جوفها في نار تئزُّ من الحم / مى أَزيزاً وَسَطحها في ماء
وَعلى الأرض دار في كل شهر / قمر ذو وَجاهَة وَبَهاء
كل ضوء يريكه في صفاح / فمن الشمس مصدر الأضواء
نصفه يستنير منه وَنصف / منه باق في لَيلَةٍ لَيلاء
دل أن لَيسَ كائناً فيه ماءٌ / ما تَرى في سَمائه من صفاء
لا كُسوفٌ وَلا خسوفٌ إذا لَم / يقع النيران في الأفياء
إِنَّما هَذه التوابع يجري / نَ درا كاً في الجو حول ذكاء
أَخبروا أنهن مرتبطات / بِذَكاء من جذبها برشاء
ثم لَم يجزموا أَهن بَنات ال / شمس أَم جئنها من الأنحاء
رشقتها النجوم من كل صوب / بسهام للدفع ذات مضاء
رشقتها من الجوانب لما / وَجدتها تجري بغير وقاء
غير أَنَّ النضال بالنبل مِمّا / لَيسَ يؤذي كالطعنة النجلاء
إنما هذه القوى عند ظَني / نجمت من مَعامل الكيمياء
ما أَرى في جواهر الجسم إلا / قوة قد تكاثَفَت في البناء
وَهيَ تنحل في العَناصر بالبط / ءِ إلى قوة بلا اِستثناء
قوة في الكون اِستقرت وأخرى / ما اِستقَرَّت كالجِسم وَالكَهرباء
ثُمَّ إن الشموس منحلة في / سدم بعد فقدها للماء
لَيسَ يَبني السديم شمساً كَما شا / ع لدى زمرة من العلماء
إن أَدنى توابع الشمس فيما / علموه عطارد في السماء
دار أَطرافها كَما يَلعَب الخش / فُ إلى جنب ظبية أَدماء
بعده الزهرة الجَميلة تأَتي / كَوكباً للصباح أَو للمساء
تسحر العين كلما قابلتنا / في اللَيالي بوجهها الوضاء
لَم يَكُن عند وَصفها حين تَبدو / لا مَديحي شَيئاً وَلا إطرائي
ثم هذي الأرض الَّتي نحن نحيا / فَوقها خاضعين للأهواء
ثُمَّ يأَتي المريخ فهو لنا يب / دو مضيئاً كنقطة حَمراء
بعده تأَخذ النُجيمات يجري / ن درا كاً في الجو كالأقرباء
بَعدَها المشتري وَهَل هُوَ إلا / ملك الزاهرات ذو الخَيلاء
ثم يأَتي وَراءه زحلٌ في / حلقاتٍ عليه ذات ضياء
ثم فاِعلَم يدور في الجو أورا / نوس مخفياً عَن عيون الرائي
ثم نبتون وَهُوَ آخر مادا / ر عَلى الشمس من بنات الفضاء
تِلك سَياراتٌ يحمن عَلى النا / ر تباعاً كالهيم حول الماء
تلك أَجرامٌ لَيسَ يبعثن نوراً / غير ما يقتبسنه من ذكاء
إن كلاً منهنَّ يَجري من الغَر / ب إِلى الشرق حولها في زَهاء
وَهوَ عند الدنو منها سَريع / وَهوَ عند الإبعاد ذو إبطاء
وَلكل سوى القريبين أَقما / ر عليه تدور في الأنحاء
رب سيّاحة أَتَت مِن بَعيد / تطلب الشمس صبة باللقاء
ذات ذيل تجره كَسَديم / خلفها أَو ذؤابةٍ شهباء
غادة من غيد السماء إلى من / قد أَحبت تَمشي عَلى اِستحياء
وَأَرى إِذ مَشَت عليها اضطراباً / أَهي سكرى بخمرة صهباء
فإذا ما طافَت به مرة عا / دت سَريعاً أَدراجها للوراء
ما هُوَ القصد وَالمزار بَعيد / يا تُرى من زيارة الحسناء
إن للشمس موكباً فيه تَمشي / نَحو نجمٍ ضمن الثريا نائي
وَأَرى في اصطدامها بسواها / وَهُوَ الزعم أَكبر الأرزاء
إن أَصابَت إحدى التوابع ضرَّا / ءُ أَحس الجَميع بالضراء
ما تأَذَّى عضو من الجسم إلّا / تتأذى بقية الأعضاء
إن دفع الأثير شد عراها / بذكاء فظن جذب ذكاء
إنه وَالوجود عبءٌ ثَقيل / قائم في الفضاء بالأعباء
ذاكَ أَنَّ الأثير يَجري إِلى الشم / س كأمثالها من الأنحاء
وَلإيضاحه أَقولُ وَقولي / لَيسَ إلا رأَياً من الآراء
حَرَكات الأَلِكْتُروناتِ ضمن ال / جسم تَنفي الأثير في الأثناء
فَيَسيل الأثير رداً لما اختل / لَ به من توازن في البناء
فَهوَ يَزجو بجريه ما يلاقي / هِ إليها من أكرة أَو هباء
وأراها من الأثير الَّذي يَج / ري إليها من حولها في نماء
فَهيَ تَنمو حَتى تَكون شموساً / ذات شعّيْ حرارةٍ وَضياء
وَلَقَد كانَت الشموس قَديماً / تابعات لغيرها في السماء
ثُمَّ لما نمت كَثيراً تَناءَت / بعدُ عنها وأغربت في التنائي
وَلَقَد جئت بالحقائق أَشدو / وَتَركت الخَيال للشعراء
إن بين المَريخ وَالمُشتَري مِن / ها نجيماتٌ هنَّ غير بطاء
لَيسَ في الظن أَن تَكون حَياة / فوق تلك الركائب الأنضاء
وَلَقَد جاءَت الحَياة إلى الغب / راء مَدفوعة من الزهراء
إنَّها مركز النظام الَّذي عُد / دَتُ له أَرضنا من الأجزاء
أدفأتنا وَقَد يَعود إليها / ما لنا من سعادة وَشَقاء
قدحت في السماء بالزند فابيض / ضت من النار فحمة الظلماء
كَم لَها في أَشعة أَرسلتهن / نَ إلى الأرض من يد بيضاء
حسنت في عَيني وَقَلبي لما / بزغت في غلالة صفراء
وَضعت إكليلاً بهياً من النو / رِ عَلى رأَسها يد الكبرياء
أطلعتها يَد الطَبيعَة لما / جَحَدوها كحجة غَراء
كَم عَلَيها يبين من كلف كال / خال قد زانَ وجنة الحسناء
رب ليل للشهب فيه عَلى الأر / ضِ مثال من غارة شعواء
اسبحي في السماء أَيَتُّها الأر / ضُ وَلا تزعجي سماك السماء
ما سَعيد إلا الَّذي عاشَ عمراً / مَع جيرانه حَليف الولاء
وَعَلى خط محور لك دوري / مَع أَطواد سطحك الشماء
يا سَماء العِراق إني مَريض / يا سَماء العراق أَنت شفائي
اِفتَحي في ستار سحبك شقّاً / وانظريني بعينك الزَرقاء
إنما أَخشى أَن أَموت فَتَبقى / حاجةٌ لي لَم تقض في الحوباء
هَهُنا كانَ الشعب يُلفي دَليلا
هَهُنا كانَ الشعب يُلفي دَليلا / كُلَّما رام لِلمَعالي وصولا
هَهُنا كانَ العلم يَجلو السَجايا / وَيُنير الحجى وَيَهدي السَبيلا
هَهُنا في ظلال هذي المَباني / لبس الشرقُ غرة وَحجولا
هَهُنا كانَت الحَضارَةُ تَبني / للحكومات في البلاد أُصولا
من هنا كان السلم يَبسطُ فوق ال / أرض من ظله جناحاً طَويلا
من هنا كانَ الدين ينشر للنا / س بياناً يفسر التَنزيلا
من هنا كانَت العُروبَة تجني / شرفاً باذِخاً وَمَجداً أَثيلا
من هُنا كانَت السَعادة تُلقي / فوق قطر العراق ظلاً ظَليلا
من هُنا كانَ العلم يَسقي شَباباً / ظمئوا للعُلى وَيَسقي كهولا
من هنا كانَت الخلافة تُهدي / للبَرايا فطاحلاً وَفحولا
من هنا كانَ العدل يبدي سَلاماً / من هنا كانَ الحكم يَلقى عدولا
من هنا كانَ الشرق يهدي الى الغر / ب ضياء به ينير العقولا
وَفنوناً في روضها العين تَرعى / نرجساً أَو بنفسجاً مطلولا
قَد أَممنا المستنصريَّةَ صبحاً / فوجدناها أَرسماً وَطلولا
ووقفنا حيناً نكفكف بالأي / دي دموعاً يأبين إلا همولا
في عراصٍ تنكَّرت وَربوع / بدّلتها يدُ البلى تَبديلا
أَيُّها الربع أَينَ أَهلك ساروا / قل إذا كنت قادِراً أَن تَقولا
لا أَرى أَن يحير ربعٌ جواباً / كانَ عنه بنفسه مَشغولا
قَد بكينا فيه علوماً توارَت / وَبكينا فيه نجوماً أَفولا
واِستلمنا الجدران منه اِحتراماً / وَلثمنا ترابه تَبجيلا
حجرات بعد النضارة منها / لبست غبرة وأَبدَت نحولا
وَبيوت قد أَظلمت بعد أَن كا / نت تضيء الحَياة دَهراً طَويلا
وَبنت حولها العناكِبُ بالنس / جِ بيوتاً وَبتنَ فيها حلولا
وَعراص تعاورتها السوافي / وَمشت فوقها تجرّ الذيولا
بعد أَن كانَت للعلوم محطاً / حط فيها المتاجرون حمولا
وَصروح للعلم مرتفعات / قوضتها الأيام إلا قَليلا
قاومَت خلفة الحوادِث دهراً / ثم شق البِلى إليها سَبيلا
تهبط الشمس أَرضها كل يوم / وَتحييها بكرة وَأَصيلا
كل تلك السنين وَهي عصور / لَم يزرها النَسيم إلا بَليلا
هدم الدهر موفيات لرضوى / إنَّ للدهر عند رَضوى ذحولا
حيثما تلتفت تشاهد جداراً / مزقته الأيام عرضاً وَطولا
منهل للعلوم عذب به كا / نت عطاش القطرين تَروي الغَليلا
يا لثديٍ قد جف من بعد ما قد / رضعته الأجداد جيلاً فَجيلا
يا لأمٍّ من بعد ما حضنتهم / ترك الدهر شلوَها مأكولا
إننا يا دار الرجاء شبيها / ن كلانا قاسى الشقاء الوَبيلا
وَكِلانا يا معهد العلم مبدٍ / جسداً ناحلاً وَجسماً عَليلا
قَد لعمري أَمسَت عليك الليالي / وَعليَّ الحَياة عبئاً ثَقيلا
أيُّها المعهد الجَليل سلام / لَيسَ ما قد قاسيت شَيئاً قَليلا
إن دهراً قد هدَّ منك بناءً / لَم يَكن عمَّا قَد أَتى مَسؤولا
كنت يَنبوع حكمة لأناسٍ / تخذوا الحق صاحباً وَخَليلا
اِهتَدوا بالقرآن فاِتبعوه / وأجلُّوا التوراة والإنجيلا
أَيُّها المعهد القَديم أَتلقى / جدةً بعد أن بليت طَويلا
أَيُرينا طلوعه من جديد / فيك نجمٌ للعلم لاقى أفولا
أَيُّها العلم لح إذا الجهل أَدجى / كوكباً وابعثِ الضياء رسولا
تَتَمَنّى النفوس في كل أَرض / أن تراك العيون منها جَميلا
أَيُّها الجهل أَنتَ ليل مخوفٌ / باتَ يُرخي من الظلام سدولا
أَيُّها الليل دلَّنا في سرانا / قبل أَن تعجل النجوم أفولا
أَنا أَرجو إذا سَرى فيك قَومي / أن تكون الشعرى لقومي دَليلا
أَيُّها المغربان إني أرى في / أفق المشرقين نوراً ضَئيلا
وَعَسى أَن يَكون عنوان فجر / لنهار في العين يَبدو جَميلا
يا ضَريحاً فيه الرشيد يَنامُ
يا ضَريحاً فيه الرشيد يَنامُ / مطمئناً مني عليك سَلامُ
أَكبرت لَيلة الرَشيد اللَيالي / وَمَضت في إكبارها الأيام
المَنايا يرميننا كل يوم / بسهامٍ فَلا تطيش السهام
هدَّ ركن البَيت الزَهاوي خطب / جلَلٌ جاءهم ورزء جسام
أَكلة لا تَسوغ ثم شكاة / ثم داء في الجوف ثم حمام
جئتُ صبحاً أُسائل القبر عنه / وَعَلى القبر هيبةٌ واِحتشام
أَيُّها القبر كيف فيك رَشيد / أَشَديد كَذا عليه السقام
لا تَكُن في وجه الرَشيد عبوساً / فَهوَ في وجه ضيفه بسام
جاءَت الصحف حاملات نعيا
جاءَت الصحف حاملات نعيا / أَكبرته الأسماع في بغداد
فَبَكَت في بَغداد حقي عيونٌ / كانَ حقي منها مكانَ السواد
كانَ مندوبها وَكانَت تباهي / برجاحاته جميعَ البلاد
فَبَكينا شبابه وَبَكينا / جلداً فيه راسخ الأوتاد
بأبي أَنتَ من أَديب شجاعٍ / نامَ في اللحد بعد طول الجهاد
رقدة في ملحودة سبقتها / وقفات له بصدر النادي
ماتَ في ميعة الشباب إذ العز / م صَديق إذ الزَمان معادي
قد لبسنا ثوب الحداد عليه / أنا وَالعلم وَالحجى وَبلادي
نم بعيداً في خلوة الأجداثِ
نم بعيداً في خلوة الأجداثِ / من رغاء الخطوب والأحداثِ
نم بها واترك النزاع مثاراً / من جراء الأموال للوراث
أَنتَ في القبر غير منزعج من / صخب فوقه ومن هثهاث
قد تشبثت حينما كنت حياً / بحبال من المنى أنكاث
عابراً عرض البحر وَالبحر عجا / ج بأَمواجه عَلى الأرماث
من لرب الآمال قال غروراً / إن تلك الحبال غير رثاث
أَفعم الرزء كلَّ قلب غَليلا
أَفعم الرزء كلَّ قلب غَليلا / وَأَبى أَن يَكون إلا جَليلا
قَد أَصابَت يد المَنيَّة رأَساً / عقد المجد فوقه إكليلا
لطمت وَجهها عليه القوافي / وَأَطالَت بيض المَعاني العَويلا
لمن الجازِعات يبكين في البي / تِ وَيعْوِلْنَ بكرة وَأَصيلا
رزء عبد الرَحمن واحرَّ قَلبا / لا يريني الصبر الجَميل جَميلا
إِنَّ لِلعَين في المَدامع منها / بعد عبد الرحمن سبحاً طَويلا
البسي للحداد يا ابنة عدنا / ن سواداً فموئل القوم غيلا
من بَني يعرب عَلى الرَغم منهم / أَخذ المَوت سيداً بهلولا
عجل الموت بالعَميد فأودى / ما عَلى المَوت لَو تأنّى قَليلا
بعد يأس له من الأرض باد / مدّ طرفاً إلى السماء كَليلا
لَيتَ شعري ماذا الَّذي كانَ يَبغي / حينما مد طرفه ليَقولا
كثرت غارَة المَنايا عَلَينا / أَترى أَن لِلمَنايا ذحولا
ربَّ بيت سمعت فيه هتافاً / ثم إني سمعت فيه عويلا
وَعيون للحزن مغرورقاتٍ / تَبتَغي مثل دمعها أَن تسيلا
قَد أَضاعَ العصر الأخير لعمري / كَوكباً في جو العراق جَميلا
المَعالي وَلا كرزء المَعالي / فقدت غرة لها وَحجولا
إنني مشفق عَلى غير جدوى / من تراب عَلى محياك هيلا
خشيَتي أن تطيل في القبر نوماً / فيشق البلى إليك سَبيلا
وَبودي أن يفتحوا فيه باباً / ليهب الصبا عليك بَليلا
وإذا الطب لَم يجئ بشفاء / تَرتَجيه فالمَوت يَشفي العَليلا
أَإِذا ما نجا امرؤ من جدال / أَخذته الأمراض أخذاً وَبيلا
قَد أَضاعَ العِراق أنفاً أبياً / وَلِساناً حلواً وَرأياً أَصيلا
أَنما ناموس الوراثة في الأح / ياء أن تتبع الفروع الأصولا
لَم يَكُن ما جُرعتَه من دواء / كل تلك الأيام يغني فَتيلا
كبر الداء فيك وَهوَ دَخيل / أَعضل الداء ما يَكون دَخيلا
ما زوى الداء منك تلك السجايا / فَلَقَد كنت أي وَرَبي حمولا
فتبسمت يوم كنت صَحيحاً / وَتبسمت يوم كنت عَليلا
سوف يُلقي رحاله كلُّ حيٍّ / حيث أَلقى أَهل العصور الأولى
تلك أرواحٌ أطلقتها المَنايا / فكأَنَّ الأجساد كانَت كبولا
وَكأنَّ الَّذين عاشوا وَماتوا / قَد تواصوا بالهلك جيلاً فَجيلا
في هدوء الثرى ينام رجال / أغمدتهم يد المَنايا نصولا
وَعدوني اللقاء بعد قَليل / حبذا الوعد لَم يكن ممطولا
إنما هذه الخَليقَة سفر / يقرأ الفَيلَسوف منه فصولا
أَيُّها القبر المستجدّ سلامٌ / وَعَسى أَن يَلقى سَلامي قبولا
بأبي أَنتَ من ضَريحٍ كَريم / ضم بين الضلوع منه نَبيلا
زرت تلك القبور أَبكي شباباً / كنت فيها دفنتُهم وَكهولا
سرني مطلع النجوم فَلَمّا / أَفلت عَن عيني بكيت الأفولا
قل لمن يحبس الدموع بعيني / هِ ألا خل للدموع السَبيلا
خلها في الخدود تَجري خفافاً / ساحبات وَراءهنَّ الذيولا
قيل عَبد الرَحمَن يَشكو زكاماً / ثُمَّ قالوا يَشكو ضَنىً وَنحولا
ثُمَّ قالوا خراجةٌ فيه لا بد / دَ من الشق عاجلاً لتزولا
ثُمَّ قالوا الحمَّى الَّتي لازمَته / تيفوئيدٌ قد لا تدوم طَويلا
ثُمَّ قالوا أَضاعَ من شدة الحم / مى نُهاه وَالرشد إلا قَليلا
ثُمَّ قالوا قَضى وَذلك ما قَد / كنت أَخشى من أَن يقال فَقيلا
يا لَه من رزء عَلى غير وَعدٍ / قد أَتى نازِلاً فَكانَ جَليلا
رب إن المُنافقين ببغدا
رب إن المُنافقين ببغدا / د كَثير وَقَد أَتوا أضرارا
رب إني نصحتهم أن يَتوبوا / ثم إني أَنذرتهم إنذارا
رب إني دعوت قَومي لَيلاً / ثم إِني دعوت قَومي نهارا
ضل قَومي فَلَم يَزدهم دُعائي / رب إلا بَعداً وإلا فرارا
رب إني دعوتهم فَتَمادوا / وأَصروا واِستكبروا اِستكبارا
ثم إِنّي أَتيت جهراً دعائي / ثُمَّ إِني أَسررته إِسرارا
قلت يا قَوم اِستَغفروا اللَه تنجوا / إنه كانَ راحماً غفارا
إنه يرسل السماء عليكم / مثلما تَبتَغونها مدرارا
إنه اللَه يجعل الأرض جنا / ت وَيُجري من تحتها الأنهارا
إِنَّه اللَه وحده خلق النا / س من الأرض تحتهم أَطوارا
فَعَصوني يا رب واِتبعوا من / لا يَزيد الأنام إلا خسارا
مكر القوم بي وأنت حَفيظي / ربِّ مكراً من بغيهم كبارا
إن قَومي قَد أَفسَدوا لا تذر رب / ب عَلى الأَرض منهمُ ديارا
إن تذرهم يا رب في غيهم لا / يلدوا إلا فاجراً كفارا
إنهم من ضلالهم في تبار / لا تزدهم يا رب إلا تبارا
إِنَّ حزني في أَرض بغداد بادي
إِنَّ حزني في أَرض بغداد بادي / كل يوم في شدة واِزديادِ
ربّ أَبدل لي قربها بالبعاد / إن بغداد وهي أم البلاد
كرهتها نَفسي وملَّ فؤادي /
أَنا مِن بَغداد وَبَغداد مِنّي / مبدياً ضجرة وَمنها التجني
وَلَقَد ساءَ بالعَواقِب ظني / نجني رب نجني رب إني
قَد سئمت الحَياةَ في بَغداد /
إنني عائشٌ بها بين قوم / ليس من نوع ما يسومون سومي
ليتهم ينتهون إذ طال لومي / ما أقاسيه ثَمَّ في كل يوم
شفّ جسمي وفتَّ في الأعضادِ /
لبَّثتني عوائقي تلبيثا / في ديار بالظلم فيهنَّ عيثا
بين قوم لا يَفقهون حَديثا / ساقهم للشقاء سوقاً حَثيثا
ما بهم من جهالة وَعناد /
كم لهم من صحائفٍ سوَّدوها / بخطايا منهم بها خلَّدوها
فتن إن تقادمت جدّدوها / كلما نارها انطفت أوقدوها
بالوشايات أيَّما إيقادِ /
إنني في يم تلاطَم شرّا / بين أَمواجٍ أزبدت لَيسَ يُدرى
أَي موج يَكون لي فيه قَبرا / إنما زورقي توسط بحرا
ثار فيه الأمواج كالأطواد /
كل يوم مصيبة تتجدد / ليَ فيها ومشكل يتولد
وعدوّ بشرّه يتوعد / بلدة عفتها على أنني قد
كان فيها لشقوتي ميلادي /
بلدة عمَّ جانبيها الخراب / ما بها عن قتل النفوس اجتنابُ
في حماها الذي دهاه اغتصاب / للعذارى من الدماء خضاب
في زمان الأعراس والأعيادِ /
ظهرت في عز الجمال وبانت / قبل هذا بأعصرٍ ثم هانت
وإلى الظلم والعذاب استكانت / أصبحت للشقاءِ أرضاً وكانت
في زمان الرشيدِ أرض رشادِ /
أصبحت بعد ذاك بغدادُ أرضاً / لنفوس من الجهالة مرضى
في رجالٍ لا يستطيعون نهضاً / أين بغداد في زمان تقضَّى
حيث كانت بغداد أرقى البلادِ /
أين تلك الآمالُ تلك الأماني / أين تلك الرياضُ تلك المجاني
أين تلك الربوع تلك المغاني / أين تلك الشبان تلك الغواني
أتواصوا جميعهم بالنفادِ /
أين ذهن قد كان يشبه برقاً / سرعةً في فهم الأمور وخفقا
حرقته نار التوقُّدِ حرقاً / إنك اليوم لو تفتش تلقى
جمرة منه في ركام الرمادِ /
وَيحَ قَلبي فإنه قد ريعا / حينَ سارَ الأظعان سيراً سَريعا
عَن ربوع كانوا لهنَّ رَبيعا / فالبسي إِذ قضوا وَبادوا جَميعا
لهم يا بَغدادُ ثوب الحداد /
لا تُقِم بالديار فهي خلاء / فارقتها الدُّمى وعزَّ اللقاءُ
ارتحل فالبقاءُ فيها شقاء / ذُمَّ في هذه الربوع بقاء
بعد سلمى وزينبٍ وسعادِ /
لبست من وشي النظام برودا / في زمانٍ قد انقضى لن يعودا
ليته دام ظلُّه ممدودا / هي كانت للعلم فيه عهودا
جاد تلك العهود صوبُ العِهادِ /
إن حكم الزمان في الناس ماضي / إنه لو علمت أحكم قاض
رضى المرءُ أو غدا غير راضي / كل ملك فإنه لانقراض
كل كون فإنه لفسادِ /
أَهل بَغداد بدَّلوا الصدق زورا / رب لا كانَ ذنبهم مغفورا
زَرَعوا للشرور فيها بذورا / أَيُّها الزارِعونَ فيها شرورا
سوف لا تحمدون يوم الحصاد /
أهلها لا كانوا هنالك أهلا / ذهلوا عن طريقة العلم ذهلا
وسعوا يطلبون بالعلم جهلا / أيها السائرون في الجهل مهلا
ستذمون سير هذا الوادي /
من يكن عالما فليس يُحقَّى / علماءُ البلاد أعلى وأكبر
إنهم كالجبال قدراً على الأر / ضُ وإن الجبال كالأوتادِ
بعد ربي من كل ما يُتصور /
بي وإن هان عند قَومي حَياتي / أَهلُ بَغداد قد رقوا دَرَجات
فَلَهم باسمي شهرة في الجهات / أَنا كالصفر لست شَيئاً بِذاتي
وأَزيد المقدار للأعداد /
ستثير الأيام فيها دخانا / ويزيد الفساد آناً فآنا
ليت من كان مفسداً لا كانا / كلما جئتها لِأُصلحَ شانا
سارع المفسدون للإفسادِ /
إن نفسي يا ويح نفسي تُحسُّ / ألما ما حسَّته تاللَهِ نفسُ
كبدٌ لي مقروحة لا تجس / يا طيب الأدواء إنك نَطس
هل تداوي القروح في الأكبادِ /
قد كسبنا علماً لنكسب قدرا / ما حسبنا أن يُحسب العلمُ وِزرا
في بلاد الجهل أمست مقرّا / هجرتها أفاضلُ الناس هجرا
بعد أن كانت كعبة القصادِ /
أَيُّها العلم أَنتَ في الشرق نكرُ / وأثامٌ وَأَنتَ في الغرب فخرُ
بك تؤذَى ناس وَناس تسر / فيك نفع وَفيك يا علم ضر
إنما أَنتَ جامع الأضداد /
حالة في بغداد لا ترتضيها / مذ خلت من علومها وذويها
ليس منها فيها سوى مدّعيها / قل لمن جاء يبتغي العلم فيها
عطلت من معلِّميه النوادي /
أهملوا إذ توهموا الغَيَّ رشدا / في حياة لهم جهاداً وجهدا
فأُعيضوا من ثروة الملك فقدا / جهلوا لا هداهمُ اللَه قصدا
أنه في الحياة كل الجهادِ /
إن أرضاً لها يقال العراق / قبحت من رجالها الأخلاقُ
كل ما فيهمُ فليس يُطاق / نخوة عن وقاحةٍ ونفاقُ
معَ لؤمٍ وصِلَّةٌ في تمادي /
إن حرية الكلام رداح / تتفانى في حبها الأرواحُ
غادة وصلها لغيري مباح / أعلى من يقول حقاً جناح
ربِّ قد طال كربتي واضطهادي /
وعدتني قرباً ولم تف وعدا / بل أراها تزيد في البعد بعدا
وجد الوحش في المعاهد معدى / بعد سعدي إن العدالة سعدي
ليت سعدي مقيمة في بلادي /
أيها العدل أنت أنت الحبيب / إن عيشي ما غبتَ ليس يطيبُ
ما لمن قد دعوته لا يجيب / كل هذا الصدود منه عجيب
أعدَته عن الوصال العوادي /
جئت يوماً إلى حِماه أخبُّ / فسباني منه الجمال الأحبُّ
فإليهِ ما زلت من ذاك أصبو / وله انقادَ فيه مِنّيَ قلب
كان لولا الغرام صعب القيادِ /
فاق منه الجمالُ كل جمال / لست أدري وحبُّه شغل بالي
البخل قد صد أم لدلال / أنا في حبه مريض فمالي
لا أراه يجئ في عوَّادي /
إن ذاك الحبيب جمُّ المحاسن / حبه في غيابةِ القلب كامن
وهو صعب الحصول غير مواطن / يطلب الناسُ أن ينالوه لكن
دون ما يطلبون خرطُ القتادِ /
ليس فيكم لا درَّ درُّ أبيكم / من يحامي عن حوضكم ويقيكم
فأملوا ذاك في ذراري بنيكم / واصبروا ربما سيولد فيكم
رجل باسل طويل النجادِ /
إنما حادث الليالي موالي / للأَعادي ما للأعادي وَما لي
كيدهم فوق طاقَتي واحتمالي / ارحميني يا حادِثات اللَيالي
لا تعيني عليّ كيد الأعادي /
أَنتَ يا عدل كالضياء وأجملْ / ما لآسٍ إلا عليك المعوّل
بك أحلام لَيلنا نتأول /
أَيُّها العدل إنما أَنتَ للقل / ب مراد وَفوق كل مراد
أَيُّها العدل أَنتَ بدر التَمام / قَد توارى لَيلاً وَراء الغمام
أَبدُ كيما تشقَّ جيب الظلام / كَم كِرام تحت التراب نيام
يشبهون السيوف في الأغماد /
ربِّ أنت الخبير أنت اللطيف / ربِّ إني كما علمت ضعيفُ
ربِّ إن السجون ربِّ تخيف / ربِّ يا ربِّ إن جسمي نحيف
ليس لي طاقة على الأصفادِ /
ويح نَفسي مِمّا تعانيه نَفسي / إن يَومي في بؤسه مثل أَمسي
أَنا بالموت وحده متأسي / عل عَيني إذا تبوأت رَمسي
تَستَطيب الرقاد في الألحاد /
ليَ في كربتي سبات عميقُ / أنظر الموت حين منه أُفيق
مثلما ينظر الصديقَ الصديق / إنه وحده عَلَيَّ شفيق
سينجيني من ذوي الأحقادِ /
للمنايا لو يعلم المرء فضل / إذ بها من همومها النفس تخلو
يتساوى هناك عزّ وذل / إن طول الرقاد في القبر يحلو
لي بعد العنا وطول السهادِ /
المَنايا لطف فلولا المَنايا / خلدت في الشقاء هذي البَرايا
بالمَنايا انقضاء كل القَضايا / في المَنايا نهاية للرزايا
للمَنايا عَلى البرايا أَيادي /
قل لمن مات ثاوياً قَرَّ عينا / إنك الآن قد تأَدَّيت دينا
حين لاقيت فقي كروبك حَينَا / إن للموت في الكروب علينا
منناً كالأطواق في الأجيادِ /
ليَ ظن أو أنهُ بعض وهم / يذهب الفيلسوف منه لذمي
أن سيرقى روحي لألمع نجم / وسيبقى في وهدة القبر جسمي
هل إلى الجسم حاجة في الوهادِ /
ليس في فسحة المجرة ضيق / إنها للأرواح نعم الطريقُ
هل لنفسي إذا تعالت مُعيق / نظرٌ لي إلى السماءِ عميق
يتحرى نهاية الأبعادِ /
حين يهتز في الفضاءِ الأثير / أين تمضي أمواجه وتسيرُ
لست أدري وهل بذاك خبير / أَعلى الروح في الثريا أمير
مثلما في الثرى على الأجسادِ /
حُسنُ هذي النجوم يا روح يقضى / إن في الجو مرتقى لك يُرضى
بعضها في نظامها فوق بعض / إنما نحن ساكنون بأرض
هي أدنى مراتب الإيجادِ /
ارتقى يا نفس ارتقى للسماء / والحقى بالشعري وبالجوزاءِ
ثم بيني للأرض بعد المساء / مثل نجم مغلفٍ بضياء
هو للمدلجين في الليل هادي /
لا تلاقين في السماء خصوما / لا ولا ظالما ولا مظلوما
ليس عيشٌ في جوِّها مذموما / إن في أعماق السماء نجوما
سابحات سبحاً بغير استنادِ /
سبحت في الفضاء عرضاً طولا / ساقها سائقٌ لها أن تجولا
معقبات بعد الطلوع أفولا / يقرأُ الفيلسوف فيها فصولا
من كتاب الدهور والآبادِ /
كل نجم منها بدون شبيه / دائر في بعدٍ بوجه وجيهِ
فلك جاز كل عقلٍ نبيه / المبادي مثل النهايات فيه
والنهايات فيه مثل المبادي /
رُبَّ ناهٍ في مصر وهو خليلي / حاسب دجلةً كوادي النيل
عاذل لي على البكا والعويل / ما لديه علم بخطبي الجليل
أنا في واد والعذول بوادي /
أنتم الناس أيها السعداء / ما أصابت بلادكم ضراءُ
لكم الروح إن قبلتم فداء / ما عليكم وأنتم قدراء
لو مددتم لنا يدا الإسعاد /
أَين عزي في دولة الأتراكِ
أَين عزي في دولة الأتراكِ / أَنا مِمّا فقدته أَنا باكي
كنت بالأمس راضياً عَن حَياتي / وأَنا اليوم من حَياتي شاكي
أكثرت من حزن عيوني بكاها / يا عيوني في الحزن ما أَبكاك
لَيسَ حقاً وَلا قَريباً إليه / أَن يقاس الباكي عَلى المُتباكي
إنني اليوم في بلادي أَسيرٌ / ليت شعري مَتى يَكون فكاكي
عند وَهني في أُخريات حَياتي / عاركتني الأيام شر عراكِ
جعلتني دَريئة في زَمان / بان ضعفي فيه لطعن دراك
بعد أَزهار الروض أعززْ علينا / أَن نَرى الروض منبت الأشواك
قد تورطتِ ويك نَفسيَ فيما / كنت عنه بشدة أَنهاكِ
يا لسان الشكاة لا تَتَكَلَّم / جهرة إِن في الكلام هَلاكي
في بِلادي عَلى ودادِ بلادي
في بِلادي عَلى ودادِ بلادي / أَنا إلا إذا رحلت حَقيرُ
أَنا ذاكَ السَعيد يوم أَراني / لَيسَ إِلّا مني عليّ أَمير
بعد زهوي لَم يَبقَ مني إلا / جسد ناحل وَقَلب كَسير
لَيسَ يغنيني قولُ من قد رآني / هُوَ ذا شاعرُ العِراق الكَبير
في عيون الَّذين تُنعمُ فيهم / تقرأ العينُ ما تكن الصدور
ما عَسى أَن تفيد نَفسي المَساعي
ما عَسى أَن تفيد نَفسي المَساعي / إن قَضَت بالحبوط فيها الدواعي
أَنا وَالحق في العراق مضاعا / نِ وَما فيه غيرنا بمضاع
وإذا جرت البقاع شقاء / لمقيم فتلك شر البقاع
لَيسَ يَدري بما أُقاسيه إلا / من تضاهي أَوجاعه أَوجاعي
وَخطوب صارعتهنَّ فَما عا / ب شهودي وإن غُلبت صراعى
أَتُرى أَن في العراق صحاباً / ليَ إن ضعت يُكبرون ضياعي
أَو إذا ما أَزمعت يوماً رَحيلاً / عَن بِلادي يهمُّ قوماً زَماعي
لك يا نفس من رجائك بالأي / يام صرحٌ جداره متداعي
يا مغاني الصبا وأرض شبابي / ما طلبت الفراق لَولا الدواعي
اسمحي لي أَن ألثم الأرض والأح / جار وَالجدر منك قبل الوداع
ما اِجتماع يَكون بعد اِفتراقٍ / كاِفتراق يَكون بعد اِجتماعِ
إنني قد دافعت عنك بشعري / كشجاع فَما أفاد دِفاعي
وإذا كانَت الخصوم كثاراً / لَم يكن ذا جَدوى دفاعُ الشجاع
لَيسَ ما تَسمعونه من صَرير / دون ما تسمعونه من قراع
إنما نحن في العراق بعصرٍ / يَتَسامى فيه الفَتى بالخداع
وإذا ما يئست بالشعر من إد / راكَ ما أبتغي كسرت يراعي
أمَروا بالسكوت وَهوَ لحرٍّ / ألف القول لَيسَ بالمستطاع
أَيُّها العقل لا تلمني فَما قَد / جاءَه القلب لَم يكن باطلاعي
أَيُّها القلب إن أَمرت بعودي / بعد حين فأَنتَ غير مطاع
لَيسَ لي فاِبتعد عليك اِعتمادٌ / أَنتَ يا مال لست من أَشياعي
وَلَقَد كالَ لي الأعادي هواناً / وَلهم قد أَكيلُ صاعاً بصاع
لست أَرضى عقلاً يخالف عقلي / وَطِباعاً بعيدة عَن طِباعي
بين جمهور الناس صار مذاعاً / خبر كانَ أَمس غير مذاع
كَم إِلى كَم أَعيش بين ذئاب / كاشرات وأنمر وَضباع
إنما الناس في مدينة بغدا / د قَطيع قد نامَ عنه الراعي
لهف نَفسي عَلى خلالٍ لِقَومي
لهف نَفسي عَلى خلالٍ لِقَومي / أَفلت بعد نشرها الأنوارا
لست أَدري أَتِلك بيض سجايا / أَم نجوم عَن مُقلَتي تتوارى
إِن يَكن أَهلها الكِرام تولَّوا / فَلَقَد خلَّفوا لنا آثارا
خير قوم تبوأوا خير أَرض / لا يذم النَزيل فيهم جوارا
سل عَن القوم دارسات طلول / تَرَكوها تخبر الأخبارا
ترك الدهرُ وَالحوادِثُ منها / عبراً للعيون واِستعبارا
إن من كانَ ذا حجىً وَنَشاطٍ / طلب الفوز يمتطي الأخطارا
مشيه للأمام غير مبال / أسهولاً يجوب أَم أوعارا
وَالَّذي كانَ عاجِز الرأي فدماً / فَهو إِن خابَ عاتب الأقدارا
دجلة إِن درى بنو دجلة أَن / يَستَفيدوا منها تَفيض نضارا
إن أَعمالكم لعمري ساءَت / يعرباً في ضريحه وَنزارا
أَيُّها الشعب طال نومك فايقظ / لِلمَساعي فاللَيل صار نهارا
أَنا أُبدي للشعب خالص نصحي / وَعلى الشعب بعد أَن يختارا
أَيُّها الناس إنما الناس في الغر / بِ جنوا من رقيِّهم أَثمارا
اِستَفادوا من الطَبيعة حتى اس / تخدموا كَهرباءها وَالبخارا
ثُمَّ أَنتُم من البَعيد إليهم / أَيُّها الناس تنظرون حيارى
أَيُّها الناس مرَّ وقت المَلاهي
أَيُّها الناس مرَّ وقت المَلاهي / أَيُّها الناس إنما أنا ناهي
أَيُّها الناس قد دهتكم دواهي / أَيُّها الناس سارعوا لانتباه
أَيُّها الناس أنتم في رقادِ /
إنما العلم للممالك صونُ / وَعَلى الجهل لَيسَ يثبت كونُ
بين هَذا وَذاكَ لا شك بونُ / إن هَذا لَونٌ وَذلك لونُ
لا يَكون البياض مثل السوادِ /
اِستَنيروا بالعلم فالعلم نورُ / إِنَّما بِالعلوم تنفى الشرورُ
ضجرت من هَذا السكون القبورُ / انفضوا عنكم الخمول وَثوروا
أنا ناديت لَو يثير المنادى /
إنما العلم أَصلُ ما نَحتاجُ / فيه نفع لنا وَفيه اِبتهاجُ
فهو الرأس أَو عَلى الرأس تاجُ / أَو عَلى التاج درة أَو سِراجُ
مُستَنير كالكوكب الوقادِ /