المجموع : 199
إن من بعض ما هي الأطوارُ
إن من بعض ما هي الأطوارُ / لي مقام فيه اسمه الأغيارُ
وهو زيد كذا وعمرو وبكر / وبهم فيه تنشد الأشعار
فإذا قلت فيه قال فلان / وفلان فإنها أستار
نعم القائل الذي قد ذكرنا / لكن الكنز نحن وهو الجدار
وهو جفن من الجفون لعيني / وأنا الجسم منه وهو الشعار
وأنا اللب والبرية قشر / وأنا الوجه والجميع خِمار
كلهم من مداد نوري حروف / وأنا الشمس والسوى أقمار
والذي عندهم من العلم طلٌّ / والذي منه عندنا فبحار
بانةٌ غردت عليها طيور / أنا وحدي من بينهن الهزار
أنا عبد الغني مع من معي في / هذه الحال والغنى الافتقار
وسوانا عبد الفقير مَنِ الدر / هَمُ مولاه ذاك والدينار
ربنا اللَهُ في جميع المجالي / ما على وجهنا الجميل غبار
والأحباء حضرة البسط تجلى / من هدانا عليه الأسرار
والأعادي مظاهر القبض منا / عندهم من شئوننا الإنكار
فالأهاجي لسان قهر وذل / لأناس بناهم الكفار
والثنا رحمة تخص بلطف / مَن إليهم بالمؤمنين يشار
ذاتنا قد بدت لنا بصفات / هي أنتم يا أيها الأبرار
وتجلت لنا بأحوال سوء / هي أهل الفساد والأشرار
وخرجنا عن كل قيد بملك / ودخلنا في كل قيد يعار
لا تطالب بنا عقول البرايا / كل عقل في أمرنا محتار
كيف تدري العقول من ليس يبقى / في تجل وما له استقرار
وجميع الشئون تظهر عنه / وعليه في العالمين المدار
أنت من بعض وصفنا فتأدب / لا تغالط ونحن نور ونار
قد نظرنا لذاتنا بعيون ال / كل والكل بعضنا المستعار
فرأينا الوجوه مختلفات / وبدت من كمامها الأزهار
وعلينا تلونت حضرات / بالتجلي جميعها أنوار
فلهذا ترى التكلم منا / كيف شئنا وكيفما نختار
ولنا الألسن الكثيرة فينا / بلغات حارت بها الأفكار
فكأن الذات الشريفة دوح / وكأنّي من فوقها أطيار
أتغنَّى وتارة أتعنى / ونظامٌ طوراً وطوراً نثار
وغرام طوراً بأحور أحوى / حسدت حسن وجهه الأقمار
وبهيفاء تارة ذات دلٍّ / شعرها الليل والجبين نهار
وبروض وجدول الماء طوراً / وبكأس من المدام يدار
وبزهد وعفة وخشوع / وعلوم بها العقول تحار
وأنا العارف المحقق طوراً / أبذل النصح عندي استبصار
وعلى الضد تارة ولذاتي / كل حين بوصفها أطوار
ولنا ههنا مظاهر شتى / حصرتنا وما لهن انحصار
وهي ذاتي أحب أني أراها / تتجلى فترفع الأستار
والمعاني جميعها لمحات / لبطون المنى بها إظهار
وجميع الكلام في السمع مني / والتسابيح ذاك والأذكار
وسلامي إليَّ مني تجلي / ه عليَّ البكور والأسحار
قد أحاط الوجود بالأشياءِ
قد أحاط الوجود بالأشياءِ / وتبدى بها بغير خفاءِ
فهو فيها ومالها من وجود / غيره فالحلول محض افتراء
وهي فيه أيضا أحاطة علم / سابق في تقديره والقضاء
فافهموا يا عقول قول إمام / حقق الأمر رغبة الإقتداء
واعرفوا قول في إذا هي قيلت / ههنا في الإله رب السماء
كيف محض الوجوه بالعدم الصر / ف يكون امتزاجه في الثراء
إنما ذاك جاء في الذكر يتلى / وهو حق في مذهب الأولياء
كن غنيّاً في صورة الفقراءِ
كن غنيّاً في صورة الفقراءِ / لا فقيراً في صورة الأغنياءِ
ومرادي بالفقر ما كان فقراً / دنيوياً للأخذ والإعطاء
لا مرادي بالفقر لله ربي / ذاك فقر ما إن له من عناء
ذاك عز بدون ذل وعلم / فاصطبر إنه لخير بلاء
وتمسك بربك الحق واقنع / بالتجلي في سائر الأشياء
وانفض القلب من غبار الترجي / والتمني لجاههم والعلاء
إنما جاههم توهُّم عزٍّ / في هوان وشهرة في خفاء
وعلاهم محض استفالٍ وخفض / واحتقار عند البصير الرائي
وتحقق بما ترى يا أنا من / كل شيء تحقق العلماء
إن هذا مع الذي أنت فيه / هو سر الجميع عند الترائي
لا سواه وما السوى فيه إلا / عن عمود تنوع الأفياء
منعتني حقيقتي عن سواها / منع صادٍ رأى سراباً كماء
فتوقفت لا اكتراثاً وعجزاً / إنما النور طارد الظلماء
حضرة الغيب سترها الأشياءُ
حضرة الغيب سترها الأشياءُ / فهي عنه كأنها الأفياءُ
تختفي تارة وتظهر طوراً / للذي قربته كيف تشاء
والذي أبعدته يجهل هذا / كل أنوارها له ظلماء
قدرت ما تشاء من كل حكمٍ / أزلاً إذ به لها إيماء
ثم لما توجهت لترى ما / قدرته ووجهها تلقاء
صبغ الرسم بالوجود فقالوا / وأطالوا وعم ذاك العماء
لا تقل هذه التباسة عقل / ليس للعقل في اليقين بقاء
حرف همزٍ وشكل رمزٍ تبدى / حركت أرضَه عليه السماء
إنه إنه عظيم عظيم / هو هذا إذا استحال الإناء
وهو في العين ساكن فتراه / غينها شين فيه وهو افتراء
ومضت لقمة لآدم كانت / مضغتها بجوفها حواء
أحمد الاسم في السماء بعيسى / وبقومي محمد عنه جاءوا
كل حمد فذاك منه إليه / راجع حيثما تنزَّل ماء
ليس للروح عندنا بعد هذا ال / أمر في الحس ما تراه النساء
قوم عيسى ترهبوا ليزيلوا / وصفَهم بالذكور وهو الدواء
ولنا ملَّة الذكور بذكرٍ / منزل فهي ملة سمحاء
إنها الهمزة الشريفة قدراً / في انقلاب القلوب فهي التواء
وهي حرف لنا وما هي حرف / حيث إبدالها له إبداء
حركات من السكون تبدت / لفجور وللتقى إيحاء
عزة في مذلة وارتفاع / في انخفاض وما الجميع سواء
هذه هذه وهذا وهذا / والذي والتي وهم أولياء
قد تولاهم المفيض عليهم / فهم الأشقياء والسعداء
جل هذا المقام حضرة طه / سيد الرسل أنه لا يجاء
لكن الإنحراف في كل حرف / يقتضي قدر ما يطيق الوعاء
فابدل الهمزة التي أنت تدري / ألفاً ساكناً هم الألفاء
حرك الذت آلة الأسماءِ
حرك الذت آلة الأسماءِ / فتنصَّت لطيب هذا الغناءِ
يا غناء هو الحوادث تبدو / ثم تخفى سريعة الإيحاء
هو مثل الأصوات في إيقاع / وانتظام لسامعٍ ولرائي
لمعُ برقٍ إلهامُ كلِّ وليٍّ / وحي حق لسائر الأنبياء
فتأمل كلامنا وتحقق / بالتجلي واخرج من الظلماء
فالتجلي إن قمت يوماً به لا / بك تعرف من أنت بالأضواء
هذه هذه معارف قوم / هم كتاب الله العزيز العلاء
جاء عن أحمد النبي إلينا / ثم كُنَّاهُ معشرَ الأولياء
فيه أنَّا نقوم بالشرع صدقاً / مع ما عندنا من الإصغاء
لتقادير ربنا نافذات / بالورى في سعادة أوشقاء
فاسمعوا يا عقول هذا وكفوا / عن جمود لمائكم في الإناء
واعلموا أنكم بخلق جديد / كل وقت كالبارق المترائي
أمر رب علا وجل وهذا / واحد في ظهوره والخفاء
وهو خلق لقوله كان أمر ال / لَهِ يعني مقدرات القضاء
آمنوا إن جهلتم العلم منا / أو فلا تؤمنوا هما بالسواء
عندنا ليس عندكم واستفال / في السوى لا يقاس بالإرتقاء
واحذروا تنكروا من الجهل قولا / قاله صادق من العلماء
أنا عندي أن الشهودَ حجابُ
أنا عندي أن الشهودَ حجابُ / والتنائي سيان والإقترابُ
فادخلوا دار صبوتي يا ندامى / واحذروا أن يريبكم مرتاب
هذه ملة المفضل طه / فافهموا إن تكن لكم ألباب
ما عليكم من لفظها العذب فيها / للذي ينكر المعاني عذاب
فهلموا إلى الحمى وارفعوا عن / بابه الستر فهو نعم الباب
واشربوا فضلَ خمرتي من إنائي / وسط حاني يا أيها الأحباب
إنما عندي الشراب وغيري / عنده موضع الشراب سراب
أنا خمار ديرها وكفوفي / هذه عند أهلها أكواب
ورَهابينُها رعيَّةُ حكمي / كل داع بي عندهم مستجاب
قرب الفجر فاشربوا بِكْرَ دَنٍّ / ما على وجهها سواكم نقاب
وارفعوا لي نفوسكم عن كؤوس / هي فيها لكم يورق الشراب
هي بحر وما سواها فموج / وهي خمر والعالمون حباب
قام شماس ديرها يتمشى / وعليه من نورها أثواب
وجلتها القسوسُ بين أناس / عندهم في جمالها أوصاب
فاحتسَوها ما بين جنك وعود / حيث راق الصبا ورق رباب
ثم راحوا مجردين سكارى / وتثنوا معربدين فغابوا
خرجوا عن نفوسهم وعن الكو / ن وعن كل ما لهم يستطاب
ثم عن ذلك الخروج فكانوا / صوراً للوجود فيها انقلاب
وهم الحان والدنان وكاسا / ت الطلا والديار والأبواب
وهم الفوز في جنان نعيم / وسواهم جهنم وعذاب
طفِّحوا الكأسَ يا سقاة الحميَّا / دار من فرط رقصنا الدولاب
وبأشواقنا الحمائم هاجت / فغناءٌ على الربا وانتحاب
والبرايا عن الحبيب سؤال / كلهم حائر ونحن جواب
بين أهل الجحود والتكذيبِ
بين أهل الجحود والتكذيبِ / كل أمر من الأمور عجيبِ
تركوا ريبةً بأهل ارتيابٍ / واسترابوا في أمر كل أريبِ
كثر الإفتراء منهم جهاراً / ولهم فيه غاية التشبيب
وله بينهم إدارة كأس / مزجته حلاوة التقريب
كم سمعنا منهم قبيحة قذف / أوصلوها بالعار والتعييب
طعنوا بالتوهمات علينا / في أمور بدت لكل لبيب
واستخفوا بنا على سوء ظن / ثم عادوا باللوم والتأنيب
أنكروا رؤية الملاح وألغوا / بالتساوي ما بين ظبيٍ وذيب
وأرادوا أبطال رؤية فرق / في الورى بين يابس ورطيب
كل ذا من كثافة الطبع فيهم / وقصور العقل الخبيث السليب
ولهم قبح نيةٍ في سواهم / أوصلتهم غدا إلى التعذيب
طال ما أهلك المهيمن منهم / جسداً من ضلاله في لهيب
وأكب الإله في النار نفساً / نشأت بالنفاق في تقليب
وابتلاهم ربي بكل بلاء / علَّ أن يرجعوا بقلب منيب
وعليهم من الرزايا توالت / ظلمات كوابل في الصبيب
فأصروا واستكبروا بنفوس / لم تخف من رب إليها قريب
لا اتعاظ ولا اعتبار بشيءٍ / عندهم في شهادة ومغيب
وهم العمي عن سواء سبيل / لا يبالون بالبصير الرقيب
أهملو النفس ثم في الغير همّوا / بكثير التنقير والتنقيب
كلما نبهوا على الحق ناموا / عنه بالإضطرار والتغليب
بعدت شقَّةُ الكمال عليهم / فتسلوا عن ذاك بالتكذيب
قمت فيهم معلماً حسب جهدي / ناصحاً بين سائلٍ ومجيب
داعياً للهدى بإخلاص قلب / وكلام فصل وصدر رحيب
حافظاً مع كبيرهم وصغير / حرمات الوداد بالترحيب
فرأوني بوصفهم ورموني / بالذي فيه هم من التركيب
زعموا أن حذقهم كاشف عن / خبث أمري فاستقبحوا نفح طيبي
قلبوني وغيروني لديهم / وعلى الناس أعجموا تعريبي
ألحدوا في صفات مدحي ومالوا / عن صوابي وأبعدوا تقريبي
فعلوا مثل فعل أهل اعتزال / في كلام المهيمن المستجيب
حيث قالوا فيه بأغراض نفس / يتقالون كل روض خصيب
جعلوه مذاهباً بعقول / دب فيها الوسواس أي دبيب
وأحالوه باطلاً وهو حق / ظاهر الحكم عند كل نجيب
كل هذا وليس يخفى أذاني / بالهدى بينهم ولا تثويبي
وأنا الشمس لا تراني عيون / عميت عن جمال وجه حبيبي
فإذا رمتني فسر مثل سيري / لا تصافح كفي بكف خضيب
كن معي لي مقلداً أو توقف / دائماً لا تخض مع المستغيب
لم أكلفك أن ترى حسن حالي / في البرايا أو أن تكون نسيبي
أو على النصر لي أراك مقيماً / أو بدنياك أن تزيد نصيبي
إنما الجود منك جود ذباب / كف جهداً من الأذى عن لسيب
يا نفوسا يستنبطون المعاني / من قبيح الكلام بالترتيب
إن تكونوا في السوء أهل اجتهاد / أهله بين مخطئٍ ومصيب
وأراكم مصممين على ما / فيه أنتم بغير ما تثريب
أتساوون كل أبيض عرضٍ / في المعالي بأسود غربيب
هب عليكم تلوح مشتبهات / أنفس القوم وهي في تهذيب
ما استطعتم بالذوق أن تفرقوا ما / بين فرث ورائق من حليب
ما نفوس قد أسلمت كنفوس / عابدات من الهوى للصليب
رب ناس لهم جسوم رجال / ونفوس خلت من التأديب
وعقول بالوهم تنقاد طوعا / للهوى والضلال قود الجنيب
من أتاهم بعلمهم جحدوه / كيف من جاءهم بعلم غريب
بادروا بالوقوع في أهل بدر / ثم أضحى وقوعهم في القليب
أنكروا الكشف في الطريق وقالوا / كل هذا تخيلات المريب
فتراهم للشر في تهوين / وتراهم للخير في تصعيب
أنطقوا كل بومة بهواهم / وأرادوا السكوت للعندليب
حاولوا يطفئون بالزور نوري / ويذلون عز قدري المهيب
فرأوا من عناية الله بي ما / أصبحو منه في أسى ونحيب
وإلى الله قد توسلت فيهم / وعليهم رب العباد حسيبي
خلني في محبة المحبوب
خلني في محبة المحبوب / فهي عندي نهاية المطلوب
وتباعد يا جاهلاً يا خبيثاً / عن طريقي وعد عن أسلوبي
بك لو قد أراد ربك خيراً / قلت مما عملت يا نفس توبي
لكن الله قد أضلك جهلاً / بالمقام المعظم المرغوب
إن تكن قد أعبت ما أنا فيه / ثم أصبحت منكراً مشروبي
أنت في الكفر حيث تجعل عيباً / ليس من كان فيه بالمعيوب
وعلى الله منكر والنبيي / ن بما قد عددته في الذنوب
فإلَهُ الورى له محبوبٌ / واسمه المصطفى شفاء القلوب
وكذاك الرسول من جاء يدعو / نا بحقٍ للفرض والمندوب
كان محبوبه ابن حارثة زي / داً تبناه فهو كالمنسوب
ولموسى فتاه يوشع محبو / بٌ وقد جل عن جميع العيوب
وابن يعقوب وهو يوسف حسن / كان محبوب ذي التقى يعقوب
ثم داوود كان بالحسن مغرى / وسقى بالجمال ألطف كوب
ظن داوود إنما قد فتنا / ه كما قال عالم بالغيوب
وكثير من أمة الخير كانوا / بهوى الحسن في فؤاد طروب
ولنا اسوة بهم عن عفاف / وتقى واستقامة ورسوب
فإذا ما رميتنا بقبيح / أو ليس الجميع بالمكتوب
طبعنا الحب ليس ينفك عنا / بأباطيل جاهل محجوب
لكن الله حسبنا فهو كافي / نا على كل ذي افتراء كذوب
حرم آمنٌ لكعبة قلبي
حرم آمنٌ لكعبة قلبي / أنا فيه مخطوف عقل ولب
هائم أطلب الوجود فألقى / حجباً أسدلت ببعد وقرب
وهو فينا مظاهر ومجالي / إن سلكنا به مسالك حب
يا بني قومنا قفوا بحمانا / واصحبونا وشاركونا بشرب
هذه طلعة الحبيب جهارا / تجمع الحسن للنواظر تسبي
أنا شَرْقٌ لشمسها فاجتلوني / ليس عني يوماً تميل لغرب
أنا ربي بما أقول عليم / حيث بي كان قائلاً أنا ربي
كل لطف من لطفه مستعار / وهو عني على الحقيقة يبني
كنته حين كانني فاستوينا / في ترجي اللقا وتفريج كربي
وهي روح مهبها ذات أمر / وأنا هائم بذاك المهب
وإذا ما ناديت أطلب أمراً / فهي بي ذلك النداء تلبي
فاعروفوني بها ولا تعرفوها / بي فستر الوجود ذلك دأبي
أنت قيد الوجود إن غبت غابا
أنت قيد الوجود إن غبت غابا / وإذا ما حضرت كنت حجابا
وكذا الكائنات علواً و سفلاً / هو منهنَّ لابسٌ أثوابا
كل ذا باعتبار نفسك أَمَّا / هو في ذاته فجلَّ مهابا
واحد مطلق عن القيد بل عن / قيد إطلاقه يلوح اقترابا
وهو في بيت عزة وجلال / لست تلقى إليه غيرك بابا
قف على بابه به وتأدب / بخشوع وقبل الأعتابا
كن بلا أنت تكشف الحجب عنه / ويريك الذي أرى الإنجابا
وجهه النور ظاهر بك لكن / عنه أبدى عليك منه نقابا
يا نديمي خذ المدامة مني / إنني قد أدرت هذا الشرابا
وبسطت البساط في دار قومي / وملأت الكؤس والأكوابا
وكنست الكنائس السود مما / كان فيها حتى البياض أجابا
واستحالت إلى الأصول فروع / أحكمتها يد الفناء انقلابا
فوجودي هو الوجود الحقيقي / والتصاوير فيه كانت خضابا
إن علمي علم اليقين بأني / كنت سعدى وزينباً والربابا
كنت ليلى أنا ومجنون ليلى / والمحبين قبل والأحبابا
وأنا الآن كل ما هو باد / وسأبدو حبائباً وصحابا
مثل فعل الحرباء يصبغ منها / كل لون به تلوح الإهابا
وهي في أي صبغة هي فيها / ذاتها لا تزال والألقابا
كل شيء نطق الوجود حروف / عاليات تحيّر الألبابا
قلم إن بحثت عنه ولوح / باعتبار ولقبوه الكتابا
وهي عين ترى وتدرك أبدت / ما سواها الجفون والأهدابا
شمس ذات لها الأشعة أسما / ء عليها الجميع كان سحابا
تتجلى بنا فنظهر عنها / مثل ما يظهر البقاع السرابا
لكن الغِرُّ بالحقائق لا يع / رف شيأ فيحسب الشهد صابا
ويظن الوجود قسمين هذا / خطأ منه لا يكون صوابا
ويزيد الشرك الخفي عليه / كلما غاير الشراب الحبابا
والكلام المجازعين الحقيقي / وترى في معناهما استغرابا
لكن المنكر الجهول غبى / ومحب السوى له يتغابى
والذي يفهم الأمور تراه / جامعاً فارقاً عصياً مجابا
هذا ملة بها الله أدنى / منه أهل الكمال والأقطابا
لم يوفق لها الإله سوى من / خرَّ نجماً على الجهول شهابا
حافظاً لما يزل عهود التصابي / في شهود الوجود والآدابا
فعليه السلام ما حن قلب / نحو أحبابه وزاد التهابا
وبسعدى رأى العذاب نعيماً / حين وافته والنعيم عذابا
أنت عبد الغنيِّ فاقنع بدلق
أنت عبد الغنيِّ فاقنع بدلق /
واصحب الناس بالتقى لا بملق /
وبوجه لمن يلاقيك طلق /
عش عزيزاً ولا تذل لخلق / واطلب الرزق في بلاد الحبيب
لا تدع في الفؤاد همّاً وكربا /
وتحقق وطب من الغيب شربا /
واقصد الله واقترب منه قربا /
ثم سر في البلاد شرقاً وغربا / وتوكل على القريب المجيب
خذ بعلم الصوفي وعلم الفقيه /
واترك الإدِّعا فلا خير فيه /
والتزم سرة النبيل النبيه /
فعسى أن تنال ما ترتجيه / بيد اللطف من مكان قريب
شمس باء الوجود ذات غروبِ
شمس باء الوجود ذات غروبِ / في ذوات ما إن لها من قلوبِ
ولها نقطة هناك لديهم / حجبتهم بها عن المحبوب
يا رجال الهوى قفوا لكلامي / واستعينوا به على المطلوب
إنكم إنكم وإني وإني / وهي وهي التي عفت عن ذنوبي
وهي ذات الخطاب صيغة شفع / قد تسامت بالوتر للحيسوب
حرف باء مقدس رقمتنا / يده فوق قشرها باللبوب
ولها العقل حاجر حجرات / هي حضرات ذاته في الغروب
كل من حقق الأمور رآها / بين أطواقه وبين الجيوب
يا سقى الله لذة الموت لما
يا سقى الله لذة الموت لما / يتلاقى المحب والمحبوبُ
إنما الموت نشأة وسرور / وهو شيء يلذ لي ويطب
أنا والله لست في حكم طبع / لا أرى عنه نفرة يا أديب
هو لو لم يكن به غير روح / غالب للإله ليس يغيب
لكفانا وكيف وهو خلاص / من كثيف به أنا المحجوب
إنما بيت عزتي وهو قلبي
إنما بيت عزتي وهو قلبي / نازل فيه منه قرآن ربي
ليلة القدر جملة فاستمعه / بكلامي مفصلا يا محبي
كل نظم وكل نثر أتاكم / من كلامي فإنه قشر لبي
فافهموه به يكون عليكم / نازلاً للذي دعاه يلبي
يا عطاش النفوس هذا زلال / بارد فاشربوا له مثل شربي
بعد قيء الكون الذي هو فان / بين شرق من الرسوم وغرب
إنها السيئات من تاب صارت / حسنات له بتبديل سلب
واستحالت بمن تجلى عليها / فأحالت ذاك البعاد بقرب
هو هذا نعم وما هو هذا / واسألوا عنه كل صاحب قلب
تجدوه الصواب لا ريب فيه / عندكم مذهباً لحزن وكرب
واستقيموا عليه لا تتركوه / بالشياطين إن أتوكم بحرب
هذه مدة تكون وتمضى / سرعة فاغنموا معارف وهب
كل من يعشق المليح تراه / صابراً في الهوى لشتم وضرب
فرَّ دهري بحقِّه
فرَّ دهري بحقِّه /
من يدي مستحقه /
يا رؤفا بخلقه /
صوح النبتُ فاسقه / نهلةً من سحائبك
فقرنا زاد فاغننا /
واعطنا ما هو المنا /
ثم فرج همومنا /
وأغثنا فإننا / في ترجي مواهبك
أنا كل الوجود والكائناتِ
أنا كل الوجود والكائناتِ / أنا كل الأرواح كل الذواتِ
أنا كل العقول بل كل شيء / في جميع الأزمان والأوقات
ليس كل الوجود إلا أسامي / والمسمى بكل ذلك ذاتي
والتباسي عليك حيث لباسي / كل شيء يلقيك في الآفات
يا بني هذه العصابة إني / جاعلٌ حبكم مكان حياتي
لي فؤاد يحن شوقاً إليكم / كل حين في سائر الحالات
إنما نحن واحد نتجارى / في بحار الوجود كالموجات
لمحات تلوح من نور أمر / وبقاء الجميع في اللمحات
ولعين العيون في كل شأن / صور تستقل عند عداتي
والتجلي في كل نوع مفيد / عكس ما نحن فيه والحق آت
واقترابي تباعدي وعلومي / عين جهلي والنفي في إثباتي
حبذا ضجة السماع سحيراً / إن تكن بالدفوف والنايات
وصرير الطنبور والجنك لما / شاكلته رقيقة النغمات
وصياح السنطير للهو يدعو / وكؤوس الطلا بأيدي السقاة
مجلس فيه موسم للأماني / وهو بالأنس حف واللذات
سيما والملاح تخطر فيه / بوجوه محمرة الوجنات
هذه هذه المظاهر لاحت / لا خصوص الشخوص والهيآت
صرخ الناي فاستمع يا نديمي / وتنصت لهذه النفخات
وتأمل ما في سماعك منه / وخذ الأمر من يد الأصوات
صور تلك في السماع تجلت / ثم ولت وما لها من ثبات
واضطراب الجسوم بالوجد يحكي / دوران الأفلاك بالحركات
عارف الله عارف كل شيء / وسواه من جملة الأموات
كثر القول من ذوي الجهل فينا / فالصواب السكوت بالأخبات
قولهم صادق عليهم لأن ال / حكم فرع عن التصور آت
والذي نحن فيه هم في سواه / أين نور الهدى من الظلمات
لو يحوزون ذرة من صواب / تركونا وهذه الآيات
يا أخي العين لو ترى بك ما بي / كنت مثلي تفوه بالشطحات
أنا صب أهيم في كل شيء / حيث ألغيت جملة الكائنات
وتجلت علي ذات خمار / نورها لاح من جميع جهاتي
وأنا حافظ قضية حكمي / والحدود التي بهن نجاتي
فلهذا أحب كل لذيذ / وفؤادي يدوم في الشهوات
وأنا مغرم بكل مليح / في حياتي هنا وبعد مماتي
وإذا لامني الجهول أنادي / حسبك الجهل عن أتم صفاتي
ليت شعري مذ كررت نظراتي
ليت شعري مذ كررت نظراتي / أنا ساع في الموت أو في الحياة
يا غلاماً إذا اعتبرتك جسماً / أو ترقيت قلت روح الذوات
وإذا ما فنيت عنك وعني / قلت يارب في أتم الصفات
لك عندي في الكل صورة وجه / جل عن كل صورة بالتفات
أنت غيري حقيقة ولو اَني / قلت لما فنيت ذاتك ذاتي
آه من لي بمفرد يتثنى / فيفوه اللسان بالشطحات
نحن في كفه كؤوس مدام / دائرات في سائر الأوقات
من يَرُمنا يسكر بنا خارجاً عن / كلِّ شيءٍ يرى من الكائنات
عدم ظاهر بمحض وجود / بل وجود يغيب بالغفلات
وإذا شاء كان أكشف شيء / وهو إن شاء أغيب الغائبات
هذه عادة المظاهر تبدو / للهلاك السريع أو للنجاة
والذي يعشق الملاحة يفنى / في العيون الفواتر الناعسات
يا وجوداً وكل شيء سواه / عدم ظاهر به في الجهات
إن أردنا قلنا بأنك أنا / حيث منا لا شيء ماض وآت
وإذا ما هياكل الجهل لامت / فالسوى نحن مثلهم عن ثبات
نحن في النور سائرون إلينا / وجميع الأنام في الظلمات
إنني إن أمت فما أنا ميتُ
إنني إن أمت فما أنا ميتُ / أنا حي بمن إليه اهتديتُ
وأنارت مشكاة ذاتي بمصبا / ح علومي وفي الزجاجة زيتُ
رمت من رامني بصدق وداد / وإذا ما دعا له لبيت
ولروحي الحضور في كل حي / فيلذ التصبيح والتبنيت
إن لله في ابن آدم ملكاً / لا زوال له ولا تفويت
سر ذات به الخلافة قامت / وعليه الأحياء والتمويت
نظري في ظواهر الكون فخر / والتفاتي إلى البواطن صيت
من سواه افتقرت لما تبدى / لي جهراً حتى به استغنيت
ولعقلي بسره تكميل / ولقلبي بأمره تثبيت
إن تأملت فالجميع معان / ولنطق الوجود هم تصويت
عطس الكون بي وقد كنت حمداً / منه حتى له أنا التشميت
من يزرني يزر أشعة نور ال / مصطفى ضمها ضريح نحيت
وهو حي في قبر جسم محب / بغذاء الهوى له تقويت
وله قلبي المدينة كشفاً / أين منها بغداد أو تكريت
عالماً كن أو طالباً أو محباً / مثل ما قال تلق ما قد لقيت
لا تكن رابعاً فتهلك جهلاً / بالذي قد أمرت أو قد نهيت
يا شبيهي بصورة الجسم قد أس / معت حياً لو أنني ناديت
ليت هذا البعيد منك قريب / ليت لو قربت بعيدك ليت
قف على هذه الشخوص فإما / ملك في الثياب أو عفريت
وتجنب عن الحلول وحقق / كل شيء فذاك للحق بيت
وتأمل فالفرق بالله جمع / واجتماع على السوى تشتيت
كفة الغيب كفة الحسناتِ
كفة الغيب كفة الحسناتِ / وهو في الكون كفة السيئاتِ
وانظر الميل فهو للقلب مني / ميل قلب الميزان ميزان ذاتي
وأقيموا للوزن بالقسط هذا / قول ربي في محكم الآيات
وكذاك الصراط مني إليه / نفخة الروح لاتصال الحياة
وهو جمر على جهنم جهل / هو أغيار حضرة الحضرات
ما إلى جنة الصفات سواه / من طريق في هذه الظلمات
فإذا مات صاحب الفتح منا / ورقى بالفنا ذرى الدرجات
ثم أحياه ربه يوم حشر / عرف الكل واهتدى بلغات
ورأى ما رأى وحقق كشفاً / أن سر الوجود في الحركات
حركات الوجود لا حركات / سكنات وليس بالسكنات
وشؤون ومالها من وجود / وهي بالقلب للوجود المواتي
هي طوراً به تلوح وطوراً / هو يبدو بها لأهل النجاة
أيها الغافلون مهلاً رويداً / لم أوافق لكم على الغفلات
أنا في رؤيتي تصرف ربي / بي تشاغلت عن تصرف ذاتي
غاب نوري في نوره فمحاني / وأزالت صفاته لصفاتي
وهو حقٌّ ذاتاً ووصفاً وإني / باطل زاهق بغير ثبات
صيغة مستحيلة تتلاشى / بالتجلي في سائر الحالات
بوجودي فغذني يا قوتي
بوجودي فغذني يا قوتي / وبناري لم يحترق ياقوتي
كلنا واحد إذا نحن كنا / خارج الملك فيه والملكوت
وكثير وبعضنا غير بعض / في ثياب اللاهوت والناسوت
وأنا أنت إن تجردت عني / نحو غيب الغيوب في اللاهوت
وتنزلت في النعوت وفارق / ت وجودي إلى فضاء الثبوت
ثم جولت في ثبوتك ذوقي / وتنزلت فيك للتابوت
ولهذا أكون أنت ولا تش / عر بي أنت يا حبيس البيوت
إنني مطلق وإنك قيد / لي ببحري كيونس والحوت
وإذا ما أردت مثلك كم لي / شبح في ظهوره منحوت
أنا ساع في هدم كل بناء / دون مرأى حقيقتي المبحوت
وبجهل أراك تبني نفوساً / وجسوماً بناية العنكبوت
ليت داوود روح مثلك لو يق / تل نفساً أضل من جالوت