القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 24
أنتِ تدرين أنني ذو لُبانَهْ
أنتِ تدرين أنني ذو لُبانَهْ / الهوى يستثيرُ فيَّ المَجانَهْ
وقوافيَّ مثلَ حُسنك لما / تَتَعرَّينَ حرّةٌ عُريانة
وإذا الحبُّ ثار فيَّ فلا تَمْنَعُ / أيُّ احتشامة ثوَرَانه
فلماذا تُحاولين بأنْ أعلنَ / ما يُنكِرُ الورى إعلانه
ولماذا تُهيِّجِين من الشاعِر / أغفى إحساسُهُ بركانه
لا تقولي تجهُّمٌ وانقباضٌ / بُغَّضا منه وجهَه ولسانه
فهما ثورةٌ على الدهر منّي / كجَواد لا يرتضي مَيدانه
أنا في مجلسٍ يضمُّكِ نشوانُ / سروراً كأنني في حانه
لوتُحسيِّنَ ما أحسُّ إذا رجَّفْتِ / في الرَّقص بطنَك الخمصانه
رجفة لا تمسُّ ما بين رفْغَيْكِ / وتُبقي الصدرَ الجميلَ مكانه
والذراعَينَ كلُّ ريانةٍ فعماءَ / تََلْقى في فَعمةٍ رَيّانه
والثُدِيَّيْنِ كلُّ رُمانة فرعاءَ / تَهزا بأُختِها الرُمّانه
عاريا ظهرُك الرشيقُ تحبُ العينُ / منه اتساقَهُ واتزانه
ما به من نحافةٍ يُستَشَفُّ العظمُ / منها ولا به من سَمانه
خُصَّ بالمحض من بُلهَنَيةِ العَيشِ / وأُعطي من الصبا عنفوانه
وتراه يجيء بين ظُهور الخُرَّدِ / الغيدِ سابقاً أقرانه
إذ تميلين يَمنة ويَساراً / مثلما لاعبت صَباً خيزُرانه
عندما تبسمين فينا فتفترُُّ / الشفاهُ اللطافُ عن أقحُوانه
إذ يحار الراؤون في حُسنك الفتّانِ / بل في ثيابك الفَتّانه
رُب جسمٍ تُطرى الملاحةُ فيه / ثم تَعدوه مُطرياً فُستانه
ما به من نقيصةٍ وكأنّ الثوب / أضحى متمماً نُقصانه
إن كفاً قاست عليك لباساً / مثلَ هذا مهّارةٌ شيطانه
عَرَفتْ كيف تَبروزين / إلى الجمهُور فيه لتخِلبي أذهانه
ضيَّقت مُلتقى نهودكِ / والكشْحَين منه وشمرَّت أردانه
وأشارت إلى اللعوبَيْن بالألباب / منا بوردةٍ مُزدانه
ليت شعري ما السرُّ في ان بدت / للعَين جَهراً أعضاؤُكِ الحُسّانه
واختفى عضْوُك الذي مازَه الله / على كل ما لديك وزانه
الذي نال حُظوةً حُرِم الانسانُ / منها خُصَّت الإنسانه
وتمنّى على الطبيعة شَكلا / هو من خير ما يكونُ فكانه
وَمَحلاً خِصبا فحلَّ بوادٍ / أنبتَ اللهُ حولَهُ ريحانه
لم يُرد من بَراه مُتعةَ نَفسٍ / ان يُغَطّى ولم يُردْ كِتمانه
ككتابٍ كشَّفت عن صفحتيهِ / ثم غطيَّت عَنوةً عُنوانه
أو غَديرٍ جمِّ المساربِ عذبٍ / حَرمَّوه وحلَّلوا شُطْئَانه
هيكلٌ من هياكِل اللهِ سُدَّ البابُ / منه وكفنَّوا صُلبانه
جسمُك الغضُ مَنطقٌ يدحَض / الحجّة لو لم تُسَتِّري بُرهانه
ملءَ عيني رأيت منكِ مع الأخرى / غرامَ البَناتِ يا فتّانه
رشفةٌ قد حُرمْتُها منك باتت / عند غيري رخيصةً مُستَهانه
أذ تلهَّتْ بمَحزِمٍ منك بُغيا النفس / من أن تستطيع منكِ احتضانه
وثنَتْ كفَّها إلى مهبِط الأشواقِ / منيّ فمَسحَّت أركانه
معها " بعتِ " خفةً ومُجونا / ومعي " بِعتِ " عفّةً ورزَانه
لو كإتيان هذه لك آتي / رجلاً لم تحبِّذي إتيانه
أتُريدين أن أقولَ لمن لم / يدر ما بينكُنَّ من إدمانه
فتيات الهوى استبحن من اللذات / ما لم يُبِحنَه فتيانه
أعروسان في مكان وعِرِّيسانِ / كلٌ منهم يُخَلَّى وشانه
قبل أن تبكيَ النُّبوغَ المُضاعا
قبل أن تبكيَ النُّبوغَ المُضاعا / سُبَّ من جرَّ هذه الأوضاعا
سبّ من شاء أن تموت وأمثالُك / همّاً وأن تروحوا ضَياعا
سبَّ من شاء أن تعيشَ فلولٌ / حيث أهلُ البلاد تقضي جياعا
داوِني إنَّ بين جنبيَّ قلباً / يشتكي طولَ دهره أوجاعا
ليت أني مع السوائم في الأرض / شرودٌ يرعى القَتاد انتجاعا
لا ترى عينيَ الديارَ ولا تسمعُ / أذني ما لا تُّطيق استماعا
جُلْ معي جولةً تُريك احتقار / الشعب والجهلَ والشقاءَ جِماعا
تجدِ الكوخَ خالياً من حُطام / الدهر والبيتَ خاوياً يتداعى
واستمع لا تجدْ سوى نَبضاتِ القلب / دقَّت خزفَ الحساب ارتياعا
فلقد أقبلت جُباةٌ تسومُ الحيَّ / عنفاً ومهنةً واتضاعا
إنَ هذا الفلاّحَ لم يبقَ إلا َّ / العِرضُ منه يُجِلّه أن يباعا
بعد عشر مشت بِطاءً ثقالا / مثلَّما عاكست رياحٌ شِراعا
عرّفَتْنا الآلامَ لوناً فلونا / وأرتنا المماتَ ساعاً فساعا
اختبرنا إنَّا أسأنا اختباراً / واقتنعنا إنا أسأنا اقتناعا
وندِمنا فهل نكفّر عمَّا / قد جنينا اجتراحهً وابتداعا
لو سالنا تلك الدماءَ لقالتْ / وهي تَغلي حماسةً واندفاعا
ملأ الله دُورَكمْ من خيالي / شبحاً مرعباً يَهُزّ النخاعا
وغدوتمْ لهول ما يعتريكمْ / تُنكرون الأبصار والأسماعا
تحسبون الورى عقاربَ خضراً / وتَرَوْن الدُّروب ملأى ضِباعا
والليال كلحاءَ لا نجمَ فيها / وتمرّ الأيام سوداً سِراعا
ليتكمْ طِرتُمُ شَعاعاً جزاءً / عن نُفوس أطرتموها شَعاعا
بالأماني جذّابةً قُدتُموها / للمنّيات فانجذبنَ انصياعا
وادعيتم مستقبلاً لو رأته / هكذا لم تضع عليه صُواعاً
ألهذا هَرقْتُموني وأضحى / ألفُ عرض وألف مُلكُ مُشاعا
أفوحدي كنتُ الشَّجاعةَ فيكمْ / أولا تملكون بعدُ شُجاعا
كلُّ هذا ولم تصونوا رُبوعاً / سِلتُ فيها ولم تُجيدوا الدفاعا
إنّ هذا المتاعَ بخساً ليأبى الله / أن تفصِدوا عليه ذراعا
قلْ لمن سِلتُ قانياً تحت / رجليهِ وأقطعته القُرى والضيِّاعا
خَبَّروني بأن عيشة قومي / لا تساوي حذاءك اللماعا
مشت الناس للأمام ارتكاضاً / ومشَيْنا إلى الوراء ارتجاعا
في سبيل الأفراد هُوجاً رِكاكاً / ذهب الشعب كلُّه إقطاعا
طعنوا في الصميم من يركُن / الشعبُ إليه ونصبَّوا القُطَّاعا
شحنوهم من خائنِ وبذئٍ / ومُريبٍ شحنَ القِطارِ المتاعا
ثمّ صبوهمُ على الوطن المنكوب / سوطاً يلتاع منه التياعا
خمَدت عبقريةٌ طالما احتيجتْ / لتُلقي على الخطوب شُعاعا
وانزوت في بُيوتها أدباءٌ / حَطَمت خِيفةَ الهوان اليراعا
ملءُ دور العراق أفئدةٌ / حَرَّى تَشكِّى من الأذى أنواعا
وجهودٌ سُحِقن في حينَ / ترجِّتْ منها البلاد انتفاعا
فكأنَّ الاحرار طرّا على هذي / النكايات أجمعوا إجماعا
اثأري أنفساً حُبسن على الضيم / وكيلي للشرّ بالصاع صاعا
واستعيني بشاعر وأديب / وأزيحي عمَّا تَرينَ القِناعا
لا يُراد الشعورُُ والقلمُ الحرّ / إذا كان خائفاً مُرتاعا
هيَّجوا النار انها أهونُ الشرّينِ / وقعاً ولا تَهيجوا الطباعا
إنَّ هذي القوى لهُنَّ اجتماعٌ / عن قريب يهدّد الاجتماعا
عصفت قوَّةُ الشعوب بأرسى / أمم الأرض فاقتُلِعن اقتلاعا
أنهِ هذا الصراع يا دمُ بين الشعب / والظلم قد أطلت الصراعا
عَدِّ عنك الكؤوسَ قد طِبتُ نَفسا
عَدِّ عنك الكؤوسَ قد طِبتُ نَفسا / واسقِنيها مراشفاً لك لُعْسا
إن يُحسَّ الغرامَ قلبي فحقٌّ / خلق اللهُ عَبده لُيحِسّا
لست انسى عيشي وخيرُ زَمانٍ / زَمَنٌ طِيبُ عيشهِ ليسَ يُنسَى
حبذا دجلةٌ وعيشيَ رَهْوٌ / طيب الرَوحتين مغدىً وُممسْى
حينَ ايامُنا من الدهر يومٌ / فيه تُستَفرغ الكؤوس وتُحسى
يَحسَب الشَربُ أنهم علموا الغيب / وهم يخطئون ظَنّاً وَحدْسا
طاف وهناً بها علينا إلى أن / لم يكد أن يعي من القوم حِسا
عيَّ منا اللسانُ فالكل خُرْسٌ / ينقُلون الحديثَ رَمزاً وهَمسْا
رمتُ كأساً ومذ تلجلجتُ اوميت / بكفي فظنّني رُمتُ خَمسا
فأتاني بها فلمْ اعترضها / حذراً أن يكونَ مثليَ جبسا
إن ردَّ الكريم عارٌ على النَفس / وحاشاي انني صُنتُ نَفسْا
أُفرغَت كالنُضار بل هي أبهى / فعليها لم يوجب الشرعُ خُمسا
ولها في العُروقِ نبضٌ خفيٌ / مثلما يُمسك الطبيبُ المِجَسا
وكأن النديمَ لما جلاها / افقٌ يُطلِعُ المَسرَّةَ شمسا
يا نديمي أمري اليكَ فزدْني / او فدَعني فلستُ أنطقُ نَبسا
لا تقطِّبْ اني ارى الانس جِناً / وتبسَّمْ لأحسَبَ الجنَّ إنسا
ما ترى الفجرَ والدجى في امتزاج / مثل خيطَي ثوب خِلاطاً وَمسَّا
كم أرادَ الصبحُ المُتاحُ انطلاقاً / وأرادت له دَياجيه حَبْسا
ما شربنا الكؤوس الا لانّا / قد رأينا فيها لخديكَ عَكْسا
انتَ تدري حرمانَ ذي العقل في الناسِ / فزدني منها جُنوناً ومَسا
لا تُمِلها عني وفيَّ حَراكٌ / واسقنِها حتى ترانيَ يَبسا
إن عُمْراً مستلطَفاً باعه المرء / بغير الكؤوس قد بيعَ بَخْسا
أنا حِلس الطِلا ولست كشيخ / خلسَ الدينَ وهو يُحسَب حِلسا
لو يبيع الخَمّار دَيناً بدينِ / لاشتراها وباع أخراه وكسْا
ان أحلى مما يسبح هذا الحبرُ / قرْعُ النديم بالكأس جَرْسا
لا تلُم في الطِلا ولا في انتهاكي / ما أبى الله .. اذ نهى ان تُحسّا
ان نيل الحرام أشهى من الحِلِّ / وأحلى نيلاً واعذبُ كأسا
قد طويتُ الحديثَ خوفَ رقيب / يبتغى فيه مطعناً ليَدُسّا
وهجرنا الكؤوسَ لكن لعُرسٍ / هو اصفى كأساً واطيبُ أُنسا
وانتقلنا لكن لبُرج سُعود / قَرنَ الله فيه بدرْاً وشَمسا
هي جَلَّت عُرساً فزيدت بهاءً / دارةُ المجدِ إنهُ جلَّ عُرسا
طاب مُمسى سروره فليبكِّرْ / أبدَ الدهر مُصبِحاً حيث أمسى
لك عمٌّ احيا مزايا ذويه / وأرانا الجدودَ تنفُضُ رمْسا
لا تلمه ان هزَّ للشعر عِطفاً / إنّ فيه من دوحة المجدِ رِسّا
هو اصفَى من اللُجينِ وأوفى / في المعالي من الهضاب وأرسَى
وهو إن ينتسِبْ فمن أهل بيت / اذهبَ الله عنه عاراً ورِجسا
بيت مجدٍ كالبحر طامٍ ولكن / أنت فيه أبا الضيائينِ مَرْسى
يا بنَ بنتٍ البيت الذي كان نَجماً / لكَ سعداً وفي أعاديك نَحسا
لستُ انسى مدحَ الجواد ومن كان / من المدح فرضُه كيف يُنسى
مستفيضُ الندى وكم من يَمينٍ / صخرةٌ زلقَة الجوانب مَلسا
حَيَّرت مادحيكَ رقهُ طبعٍ / تَحلِفُ الخمرُ أنها منه أقسى
قد بلونا سجليكَ قبضاً وبسطا / وخَبَرنا دَهرَيك نُعمى وبُؤسى
فوجدناكَ في الجميع رضيّاً / وحميداً مصَّبحاً ومُمَسَّى
وهززنا في الأريحية غُصناً / ورأينا في الدست رضوى وقُدْسا
وكأن اللغات بتن يفرقن / كما تشتهيه نِعمَ وبئسا
فكسونَ الصديقَ شهماً ونَدْبا / واعدن العَدُوَّ نذلاً ونِكسا
وارتديتَ العلى لباساً وتاجاً / وسواك ارتدى الحريرَ الدِمَقسا
لك كفٌ كالركن فينا فأقصى / منيةِ النَفس عندنا ان تُمَسّا
وبليدٍ لا يكتفي من سَنا النار / بومضٍ حتى يجرِّبَ لمسا
قال هل القنَّه قلتُ : تَعْيَا / قال : حتى غباره قلتُ : نَحسْا
رُوضِّت كُّفه فلولا رجامُ / الناس اقرى بها الطيور وعسا
رِدْ نداه وبطشَه وتُقساه / واتركُنْ حاتِماً وعمراً وقُسّا
وذكرنا في اليوم عُرسَ علىٍّ / فكأنَّ السرورَ قد كان أمسى
حيث مُدّاحه تجول وثوب النحس / يُنضى ومِطرفَ السعد يُكسي
طاب غَرْساً مُصدّقاً لا كمن يُحسَبُ / نُكراً ان قيل قد طاب غَرْسا
هو قاسٍ ان اغضَبُوه ولكن / لو يَهُزّ الصَفَا نَداهُ لحَسّا
لو تكون النجوم بُرداً وتاجاً / لكسيناكَهُنّ عِطفاً ورأسا
ان علوتم فحقكم اولستم / قد رَفَعتم لكعبةِ الله أسُّا
هزني مدحُكم فقلتُ ولا يصلُح / عودُ الغناء حتى يُجَسّا
ايها المقتفُونَ شأْوي هَلمّوا / وخذوا عَنيَ البلاغةَ دَرسْا
انا آليت ان أُعيد رسوماً / منه أضحت بعد ابن حبوبَ دُرسا
انا لا أدَّعي النبوةَ الاّ / أنني أرجعُ المقاويلَ خُرسْا
انا في الشعر فارسٌ إن أغالَب / يكنِ الطبعُ لي مِجَنّاً وتُرسا
كل ُّ محبوكةٍ فلا تُبصرُ المعنى / مُعّمىً ولا ترى اللفظ لَبْسا
واذا ما ارتمت عليَّ القوافي / نلتُ مختارَها وعِفتُ الأخسا
ان اكن اصغرَ المجيدين سِناً / فانا أكبرُ المجيدين نَفْسا
طبقّت شهرتي البلادَ وما / جاوز عمري عشراً وسبعاً وخمساً
أرجِعي ما استطعتِ لي من شَبابي
أرجِعي ما استطعتِ لي من شَبابي / يا سُهولاً تَدَثَّرَتْ بالهِضابِ
غسَلَ البحرُ أخْمَصَيْها ورشَّتْ / عبِقاتُ النَّدى جِباهَ الرَّوابي
واحتواها " صِنّينُ " بينَ ذِراعيه / عجوزاً له رُواءُ الشَّباب
كلَّلتْ رأسَهُ " الثّلوجُ " ومسَّتْهُ / بأذيِالها مُتونُ السَّحاب
وانثنى " كالاطار " يحتضِنُ الصّورةَ / تُزْهَى أو جَدْولٍ في كتاب
كلَّما غامَ كُربةً من ضَبابٍ / فرَّجَتْ عنه قُبْلةٌ من شِهاب
وبدَتْ عندَ سفحِه خاشِعاتُ / الدور مثل " الزٍّميت " في مِحراب
وحواليَهِ من ذَراريهِ أنماطٌ / لِطافٌ من مُسْتَقِلٍّ وكابي
و " القُرَيَّاتُ " كالعرائس تُجْلى / كلَّ آنٍ تلوحُ في جِلباب
منْ رقيقِ الغُيوم تحتَ نِقابِ / ومِنَ الشَّمسِ طلقةً في إهاب
وهي في الحالتين فِتنةُ راءٍ / بينَ لونينِ من مُشِعٍّ وخابي
والبيوتُ المُبَعْثراتُ " نَثارُ " / العُرس مبثوثةً بدونِ حساب
وتراها بينَ الخمائلِ تلتفُّ / عليها عمارةً في غاب
وتماسَكْنَ – والطبيعةُ شِعرٌ - / كقوافٍ يَلْمَعْنَ غيرَ نوابي
زهوُ حُمْرِ القبِاب في الجبَلِ الأخضرِ / يَسبي كزهو أهلِ القباب
و " الكرومُ " المُعرِّشاتُ حُبالى / مُرضِعاتٌ كرائمَ الأعناب
حانياتٌ على " الدوالي " تُحَلِّينَ / عناقيدَ زينةً للكعاب
رافعاتُ الرءوسِ شُكْراً وأُخرى / ساجداتٌ شُكْراً على الأعتاب
سِلْنَ في الحَقْل مثلَ رُوحٍ لجسمٍ / وتمدَّدْنَ فيهِ كالأعصاب
وتصايَحْنَ: أين .أينَ النَّدامى ؟ / وتغامَزْنَ ثَمَّ للأكواب
وتخازَرْنَ والمَعاصِرُ أبصاراً / حِداداً مَلِيئةً بالسّباب
نَظَراتٍ كانت خِطاباً بليغاً / ولدى " العاصرينَ " فحوى الخطاب
إنَّ خيرَ الشُهورِ إرثاً لشهرٍ / ما تَلقَّى " أيلولُ " من شهرِ " آب"
كيفَ لا ترقصُ الطبيعةُ في أرضٍ / ثراها مُخَضَّبٌ بالشراب
غاضَ " نبعُ " النَّهارِ يُؤْذنُ ضوء البدرِ / قد فاضَ نبعهُ بانسِكاب
وانزوَتْ تلكُمُ الخليعهُ ! طولَ اليومِ / " عُريانةً " وراءَ حجاب
وأتتْ في غَيابةِ " الشَّفَقِ "الأحمرِ / ما تشتهي مِنَ الألعاب
أي لونٍ ألقتْ على الأرضِ حَلَّى / كلَّ ما فوقَها وأيَّ خِضاب
هدأ الحَقْلُ والمدينةُ والغابُ / ودوَّى الصَّدى ورَجْعُ الجواب
ثمَّ سدَّ الدُروبَ جيشُ " الكَدودين " / طَوالَ النَّهارِ في أتعاب
حبَّذا منظرُ " الفؤوس " استراحتْ / في " نِطاقِ " الفلاَّحِ والحطَّاب
واستقلَّ الجبالَ " راعي " غُنَيْماتٍ / يُدَوّي " بزجلَةٍ " و " عتاب"
يا مَثارَ الأحلامِ يا عالَمَ الشّعر / طريّاً يا جَنَّةً من تراب
يا خيالاً لولا الحقيقةُ تُنبي / عنه كنَّا من أمرهِ في ارتياب
حسبُ نفسي من كلِّ ما يأسِرُ النَّفْسَ / اغتِراراً من الأماني العِذاب
هجعةٌ في ظِلال " أرزِكِ" تَنفي / مِن هُمومي ووَحشتي واكتئابي
وصديقي وحشٌ أعزُّ وأوفى / من حسودٍ ومن صديقٍ محابي
لا أقولُ " العدوُّ " إنَّ عِداتي / " نَسَبٌ " واضحٌ من الأنساب؟!
كلَّما شاقني التأملُ لفتَّني مجاري / المياهِ بينَ الشِّعاب
بينَ صفَّيْ " صَنَوْبرٍ " كشُعورِ الغيد / لُمَّتْ على قُدودٍ رِطاب
آيةُ اللهِ عندَ لُبنانً َ هذا الحسنُ / في عامرٍ له وخراب
رُبَّ " وادٍ " بادي المقاتِلِ تعلوهُ / الأخاديدُ كالجروح الرِّغاب
كانَ في سِحرهِ كآخَرَ زاهٍ / مستفيضِ المياهِ والأعشاب
وفِجاجٍ مَغْبَرّةٍ كُنَّ أبهى / روعةً من مُفَيَّحاتٍ رِحاب
قلتُ إذ حِرتُ : أيُّ أرض لها الفضلُ / على غيرها وحارَ صِحابي !
أدْخُلوا " جنَّةَ " النَّعيم تُلاقوا / ألفَ " رضوانَ " فاتحاً ألفَ باب
غيرَ أنّي أنكرتُ في جنَّةِ الفِردوسِ / "ربّاً " مُوَكَّلاً بعذاب!
إيهِ " لُبنانُ " والحديثُ شجونٌ / هل يُطيقُ البيانُ دَفعاً لما بي ؟
حارَ طيَّ الَّلهاةِ مّني سؤالٌ / أنا أدرى بردِّهِ والجواب!
ما تقولونَ في أديبٍ " حريبٍ! / مُسْتَقلٍّ " يلوذُ ب " الانتداب" ؟
خلتُ أني فررْتُ مِن " جوِّ بغدادَ " / وطُغيانِ " جَوْرها " الَّلَّهاب
ومِنَ البغيِ والتَّعَسّفِ والذُّلِّ / فظيعاً مُحَكَّماً في الرّقاب
ومِنَ الزّاحفينَ كالدُودِ " هُوناً " / تحتَ رِجليْ " مسْتَعْمِرٍ " غَلَّاب
ومنَ" الصَّائلينَ " في الحُكْمِ زُوراً / كخيولٍ " مُسوَّماتٍ " عراب
خِلْتُ أنّي نجوتُ مِنْ ذا ومن / بَطشةِ عاتٍ وخائنٍ كذّاب
غانماً " سَفرتي " وها أنا في حالٍ / تُريني غنيمتي في الإياب
أفيَبْقَى " الأحرارُ " مِنَّا ومِنكُم / بينَ سَوْطِ " الغريبِ " والإرهاب؟
أنا مذ همتُ فيكمُ كانَ دأبي
أنا مذ همتُ فيكمُ كانَ دأبي / أنَّ ما ترتَضون يحمله قلبي
إن تزيدوا الجوى فأهلاً وإلا / حَسبُكُم ما لقيتُ منكم وحسبي
وبحسبي من الأحبةِ ظُلماً / ان يُعَدَّ الغُلُوُّ في الحبِّ ذنبي
يعلم الناسُ ما لأكابدُ منكمْ / في سبيل الهَوى ويعلَمُ ربي
يا أبا صادقٍ أُحبُّك حُباً / ليس يبقي على اصطبار المُحِّب
إن عتَبنْا فلم يكن عن مَلال / أحسَنُ الوُدِّ ما يشاب بعَتْب
لستُ أدري عَقَقْتُ صَحبيَ لما / هِمتُ أم عَقَّني لأجلك صَحْبي
غير أني أراكَ وافقتَ طَبْعي / دونَ هذا الوَرَى وجانَسْتَ لُبي
واراني صَبّاً بأخلاقك الغُرِّ / وما كنتُ قبل ذاك بصَب
ولعَمري لقد تربيَّتُ حتى / عَرَفَ الناسُ فيكَ فضل المربي
ايُّ عيشٍ لي في العمارة رَغْدٌ / وزَمَانٌ مَضىَ هنالِك عَذْب
وأحاديثُ لا تُمَل من الوجدِ / بلَفظٍ كاللؤلؤ الرَطَبِ رَطْب
حبذا دجلةٌ وعن جانبيها / تَتَمشّى الظلالُ جَنباً لجنب
ان تَسَلْني عن الزَّمان وأهليهِ / فاني طِبٌّ بهم ايَّ طِب
عِش كما تشتهي اذا كنت خِبّاً / والزَم البيتَ إن تكنْ غيرَ خِب
ليت مولى " حَمدان " يُنشَرُ حياً / ليرى كيفَ حالهُ " المتنبي "
قلت للمعجَبينَ بابنِ العميدِ
قلت للمعجَبينَ بابنِ العميدِ / ومُساماتهِ لعبدِ الحميدِ
إنَّ هذا وذاك عبادُ أصنام / ومأساةُ سّيدٍ ومسود
هم أناسٌ تولّعوا بالثريدِ / واستُميلوا بزاهياتِ البُرود
وأتَيْنا من بعدِ ألْفٍ نغني / النفسَ في وصف أكلِهِمْ للثَّريد
قد شَغَلْنا افكارَنا بقديمٍ / وَنَسِينا تقديرَ جيلٍ جديد
أن خيرَ الآدابِ ما انهض الشعبَ / وما فكَّ من إسارِ قيود
رونقٌ شاع في الثَّرى وعلى الرو
رونقٌ شاع في الثَّرى وعلى الرو / ضةِ لطفٌ من السَّما مسكوبُ
ما أرقَّ الأصيلَ سال بشفَّافِ / شعاعٍ منه الفضاءُ الرحيب
كلُّ شيءٍ تحت السماء بلونٍ / شفقيًّ مورَّدٍ مخضوب
وكأن الآفاقَ تَحْتَضِنُ الأرضَ / بآصالِها إطارٌ ذهيب
مَتّعِ العينَ إنَّ حُسناً تراهُ / الآنَ من بعدِ ساعةٍ منهوب
والذي يخلَعُ الأصيلُ على الأرض / بكفِّ الدُّجى أخِيذٌ سليب
منظرٌ للحقولِ إذ تُشرقُ الشمسُ / جميلٌ وإذ يَحيِنُ الغروب
ولقد هزّني مسيلُ غديرٍ / مِنْ على جانبيهِ روضٌ عشيب
يُظهِر الشيءَ ضدُّه وتُجارى / بسواها محاسنٌ وعيوب
وكذاكَ المرعى الخصيبُ يُحلّيه / إلى الناظرينَ مرعىً جديب
ثمَّ دبَّ المَساءُ تَقْدمُه الأطيارُ / مرعوبةً وريحٌ جَنوب
وغناءٌ يتلو غناءً ورُعيانٌ / بقُطْعانِهم تَضيقُ الدروب
يَحْبِسُ العينَ لانتشار الدياجي / في السَّما منظرٌ لطيفٌ مَهيب
شفَقٌ رائعٌ رويداً رويداً / تحتَ جُنحٍ من الظلام يذوب
وترى السُحبَ طيَّةً تِلوَ أُخرى / قد أُجيد التنسيقُ والترتيب
وتراها وشعلةً الشفقِ الأحمرِ / تبدو أثناءها وتغيب
كرَمادٍ خلاَّهُ وانزاحَ عنه / قبسٌ وسْطَ غابةٍ مشبوب
ثمَّ سدَّ الأفقَ الدُّخانُ تعالى / من بيوتٍ للنارِ فيها شُبوب
منظرٌ يبعثُ الفراهة والأنسَ لقلبِ / الفلاّح حين يئوب
يعرفُ اللقمةَ الهنيئةَ في البيتِ / مُجدٌّ طولَ النهار دَءوب
بُرهةً ريثما انقضى سمرٌ / تقطرُ لطفاُ أطرافُه وتَطيب
واستقلَّ السريرَ أو حُزمةَ القشِّ / أريبٌ نِضْوٌ حريبٌ تَريب
سكنَتْ كلُّ نأمةٍ واستقرَّتْ / واستفزَّ الأسماعَ حتَّى الدَّبيب
واحتواهمْ كالموتِ نومٌ عميق / وتغشَّاهُمُ سكونٌ رهيب
ولقد تَخرِقُ الهدوءَ شُويهاتٌ / وديكٌ يدعو وديكٌ يُجيب
أو نداءاتُ حارسٍ وهو في الأشباح / لاحتْ لعينه مستريب
أو صدَى " طَلقةٍ " يبيتُ عليها / أحدُ الجانبينِ وهو حريب
تركَ الزارعُ المَزارعَ للكلب / فأضحى خلالَهنَّ يجوب
شامخٌ كالذي يُناطُ به الحكمُ / له جَيئةٌ بها وذُهوب
كانَ جُهدُ الفلاّحِ خفَّف عنه / جَهدهُ فهو مُستكِنٌّ أديب
وهو في الميلِ غيرهُ الصبحَ وحشٌ / هائجٌ ضيِّق الفؤادِ غَضوب
فاحصٌ ظُفْرَه ونابيهِ أحلى / ما لديهِ أظفارهُ والنُيوب
إنَّه عن رِعاية الحَقلِ مسئول / على ترك أمره معتوب
وكثيراً ما سرَّه أنَّه بات / جريحاً ورأسًه مشجوب
ليرى السيّدُ الذي ناب عنه / أنَّ حيوانَه شُجاعٌ أريب
ولكيلا يرى مُسامحةً / يَعدِلُ منها لغيره ويُنيب
للقُريَّاتِ عالَمٌ مُستقلٌّ / هو عن عالَمٍ سواه غريب
يتساوى غروبُهم وركودُ النفس / منهم وفجرهُم والهبُوب
كطيور السماءِ همّهُمُ الأوحدُ / زرعٌ يرَعْونه وحبوب
يلحظون السماءَ آناً فآناً / ضحكُهم طوعُ أمرها والقُطوب
أتُرى الجوَّ هادئاً أمْ عَصوفاً / أتصوبُ السماء أمْ لا تصوب
إن يومَ الفلاّحِ مهما اكتسى حُسناً / بغير الغيومِ يومٌ عصيب
وهو بالغيمِ يخنقُ القلب والأفقَ / جميلٌ في عينه محبوب
للقُرى روعةٌ وللقرويِّين / إذا صابَ أرضهم شُؤبوب
تُبْصِرُ الكلَّ ثمَّ حتى الصَّبايا / فوقَ سِيمائهم هناءٌ وطِيب
يُفرِح البيتَ أنَّه سوف تُمسي / بقراتٌ فيه وعنزٌ حَلوب
ويرى الطفلُ أنَّ حصتَّه إذْ / يُخصبُ الوالدان ثوبٌ قشيب
أذكياءٌ عيونُهم تسبقُ الألسُنَ / عمَّا ترومه وتنوب
والذي يَستمدُّ من عالم القريةِ / وَحياً وعيشةً لَلبيب
مطمئنونَ يحلُمونَ بأنَّ الخيرَ / والشرَّ كُلّهُ مكتوب
لا يطيرونَ من سرورٍ ولا حزنٍ / شَعاعاً لأنه محسوب
ولقد يغضَبون إذ ينزلُ الغيثُ / شحيحاً .والأرضُ عطشى تلوب
أتُرى كانَ يعوِز اللهَ ماءٌ / لو أتتْ دِيمةٌ علينا سَكوب
ثمَّ يستفظعون إثمَ الذي قالوا / فينوونَ عندهُ أنْ يتوبوا
فإذا الشمسُ فوقهم فيقولون / أعُقبى إنابةٍ تعذيب
أفإيمانُنا بعيدٌ عنِ الخيرِ / وُكفراننا إليه قريب
هكذا يَرجِعُ التقيُّ أمامَ / العقلِ وهو المشكِّكُ المغلوب
قلتُ إذ رِيعَ خاطري من مُحيطٍ / كلُّ ما فيه موحشٌ وكئيب
ليس عدلاً تشاؤمُ المرءِ في الدنيا / وفيها هذا المحيط الطَروب
مِلءُ عينيكَ خضرة تَستسرٌّ / النفسُ منها وتُستطار القلوب
عندَهم مثلَ غيرِهم رغباتٌ / وعليهمْ كما عليه خطوب
غير أنّ الحياةَ حيثُ / تكونُ المدنيَّاتُ جُلّها تعذيب
كلَّما استُحدثتْ ضروبُ أمانٍ / أعقبتها من البلايا ضروب
وكأنَّ السرورَ يُومِض برقاً / من خِلال الغيومِ ثمَّ يَغيب
لا ترى ثَمَّ – غيرَ أن يتركَ الحبُّ / شحوباً – وجهاً علاهُ الشحوب
ثمّ لاشيء عن سنا الشمس ممنوعٌ / ولا عن طلاقةٍ محجوب
الهواءُ الهبَّابُ والنورُ / والخضرةُ تأتي ما ليس يأتي الطبيب
ثمّ باسمِ الحصادِ في كلّ حقلٍ / تتناجى حبيبةٌ وحبيب
قال فردٌ منهمْ لأخرى وقد / هَيَّجَ نفسيهما ربيعٌ خصيب
طابَ مَنشا زروعِنا فأجابت : / إنَّ نشءاً يرعاهُ كْفءٌ يطيب
قال ما أصبرَ الحقولَ على الناسِ / فقالتْ ومثلُهنَّ القلوب
إنّ ما تفعلُ المناجلُ فيها / دونَ ما يفعلُ الشجا والوجيب
ينهضُ الزرعُ بعدَ حصدٍ وقد / يُجتثُّ من أصله فؤادٌ كئيب
يا فؤادي المكروبُ بعثرَكَ الهمُّ / كما بُعثِرَ الثرى المكروب
وعيوني هلاّ نَضبتِ وقد ينضبُ / من فرطِ ما يسيل القليب
عندَهم منطقٌ هنالكَ للحبِّ / جميلٌ وعندَهم أُسلوب
ولهم في الغرامِ أَكْثَر ممّا / لسواهمْ مضايقٌ ودروب
مُلَحٌ خُصصِّتْ لهم ونِكاتٌ / ملؤهنَّ الإبداعُ والتهذيب
ثَمَّ تحتَ الستارِ ممتَلكٌ بالحبِّ / عفواً ومثلُه مغصوب
إنهمْ يُذنبونَ . ثم يقولون: / محالٌ أنْ لا تكونَ ذُنوب
نحنُ نبتُ الطبيعةِ البِكرِ فينا / حسناتٌ منها وفينا عيوب
بنتُنا وابنُنا معاً يرقُبانِ الزرعَ / والضرعَ والضمير رقيب
ليس ندري ما يفعلانِ ولا نعلمُ / عمَّا زُرّتْ عليه الجيوب
ما علينا ما غابَ عنَّا فعندَ / اللهِ تُحصى مظاهرٌ وغيوب
غيرَ أنَّا ندري وكنَّا شباباً / نتصابى أنَّ الجمالَ جَذوب
والفتى ما استطاعَ مُندفِعٌ نحو / الصباباتِ والفتاةُ لَعوب
بالتصابي يُذكي الشبابُ ويغتُّر / كما بالرِّياح يُذكى اللهيب
ثمّ عندَ اللقاء يُعرفُ إن كان / هنلكم " نجيبةٌ ! " أو نجيب
إنّ بعضَ الرجال يبدو أمامَ الحبِّ / صُلباً والأكثرون يذوب
والتجاريبُ علَّمتنا بأنّ المرءَ / غِرٌّ يُقيمه التجريب
ليس بِدعاً أن نَستريبَ ولكن / نتمنىَّ ألاّ نرى ما يُريب
ليس فينا والحمدُ للهِ حتى الآنَ / بيتٌ " إناؤهُ مقلوب "
فإذا كانَ ما نخافُ فهرقُ الدّمِ / سهلٌ كما تُراقُ ذَنوب
منطقٌ للعقولِ أقربُ ممَّا / يدَّعيه أخو عَفافٍ مُريب
ولقد يرمزونَ " عنَّا " بأنَّا / كلُّ ما في محيطنا مَثلوب
فيقولون: قد تطيحُ من العارِ / بيوتٌ وقد تثورُ حروب
والخَناسبَّةٌ علينا ولكن / في القُرى كلُّ ناقصٍ مسبوب
عندنا كالفتى " الخفيفِ " لئيمٌ / وجبانٌ وغادرٌ وكذوب
يُخجِلُ الناسَ في القُرى أنَّ فرداً / من أُلاءٍ عليهمُ محسوب
إنَّه من خصائص المدنيَّاتِ / إليها شنارهُم منسوب
في القُرى يوسعوننا وصماتٍ / مُخجِلٍ أمرها " البداةَ " مَعيب
فيقولونَ : كلُّ شيءٍ صريحٍ / عندنا – عندكم خليطٌ مَشوب
شُوّشَتْ منكم وسيطتْ سِماتٌ / ولُغاتٌ ولهجةٌ وحليب
إنَّكم من نماذجِ العَربِ الساطينَ / ظُلماً عليهم تعريب!
كجليبٍ من البضائعِ يأتيكم من / العالمينَ وجةٌ جليب
هو منكمْ كالأهلِ في كلِّ شيءٍ / وهو فينا عن كلِّ شيءٍ جنيب
إنَّكم تمدحونَ خُبثاً وعدواناً / وغدراً كأنما المرءُ ذيب
سلَمي لي سَلمى وحسبي بقاكِ
سلَمي لي سَلمى وحسبي بقاكِ / إنَّ فيه بقاءَ من يَهواكِ
يستجدُّ الحياةَ للمرء مرآك / ويُحي ذكرى الشباب غِناك
جذبتني عيناكِ حتى إذا ما / الهبَتْني تحرَّكَت شفتاك
ولقد هانت الصبابةُ لو أنّى / أتتْني تَعِلةً من لُماك
وأرتْني يداكِ يبتدران الرَّقصَ / أضعافَ ما أرتْ قدَماك
تلتوي هذه كما التَبسَ الخَيْطُ / وتلتَفُّ تلكَ كالشُبّاك
تعتريني خواطرٌ فيكِ أحياناً / فأرتدُّ باديَ الإِرتباك
تتحّرى كفّاي تقليدَ كفيَّكِ / وتحكي خُطايَ وقعَ خُطاك
فانا في انقِباضةٍ وانبساطٍ / تارةً وانفراجةٍ واصطكِاك
وانتقاضٍ طَوراً كما انتقض الطائرُ / من وَقفةٍ على الأسلاك
ويراني من ليس يدري كأني / بِيَ مسٌ وقد أكونُ كذالك
أنا أهواكِ لا أريدُ جزاءً / غيرَ علمٍ بأنني أهواك
اطلُبيني بين الجموعِ على حينِ / احتشادٍ ما بينهم واشتباك
تعرفيني من دونهم بسِماتي / والتفاني وحيرتي وانهماكي
رُبَّ يومٍ فيه تصيَّدني الهمُّ / كما صيِد طائرٌ بشِراك
وكأني أرى الحياةَ بمسودِّ / زُجاج فكلُّ شيءٍ باكي
ملءَ نفسي وغرفتي يتراءى / شَبَحُ الهمَّ لي وملءَ السِكاك
لم تكن سلوةً لقلبي عمّا / أنا فيه إلا بأنّي أراك
قد شكوناكِ لا لذمٍّ ولكن / ليس يخلو الغرامُ إلا لشاكي
لي قلبٌ لو جاز نسيانهُ صدريَ / يوماً لجازَ أنْ ينساك
يتنزَّى طولَ الليالي ولا مِثلَ / تَنزيِّه إن جَرَت ذكراك
ويَرَى تارة من اليأس من لُقياكِ / مستسلماً بغَير حرَاك
أنتِ سلمى – وُليِّتِ مُلكاً فسوسيه / برفقٍ بحَق من وَلاّك
وهبَيه عهدَ اقتطاعٍ وكانتِ / لك في الحكم أُسوةٌ بسِواك
فارعَيِ القلبَ حرمةً مثلما / تَرعَيْن مُلكا – يُجْنى من الأملاك
افتحي لي بابَ السرور فقد سُدَّ / وبابُ السرور لي شفتاك
واطرُدي هذه الهمومَ وسَلِّي / حُزن وجهي بوجهك الضحّاك
في يَديك الجميلتَينِ إذا شئتِ / ارتهاني ومن يَديَك فَكاكي
إن رأيتِ الحديثَ يمتازُ بالرقةِ / والُلطف فيكِ عمَّن عَداك
والقوافي يَلَذُّها السَمْعُ من دونِ / قوافٍ تشدو بحسن سواك
فلأني أُجِلُّ حبَّك عن أنْ / يُتَلقَّى الا بقَلبٍ ذاكي
ولأن الشعورَ يُوريهِ ابداعُكِ / وَرْيَ الزِنادِ بالإحتِكاك
ان هذا الجمالَ سَلمى غذاءُ الروُح / لولاهُ آذَنَتْ بهَلاك
وأرى مَن يلومُ فيه كمن يرشِدُ / ذا بُلغةٍ الى الإِمساك
أو كساعٍ يَسعى لتجفيف ماءِ / النَهر إشفاقةً على الأسماك
الرَعاعُ الرَعاعُ والجَدَل الفارغُ / اني من شَرّهم في حمِاك
ضايقتْني حتى بادراكيِ الحسنَ / نفوسٌ ضعيفةٌ الادراك
تقتضي الناس أنْ يكونوا صدى الأهواءِ / منها كما تكونُ الحواكي
قال لي صاحبي يزهِّدُني فيكِ / بهذي المُغالَطاتِ الرِكاك
لكَ فيها مُزاحِمون وما خيرُ / غَرامٍ يكونُ بالاشتراك
قُلت: اخطأتَ لا أبالي وهَبْها / وردةً في منابِتِ الأشواك
اتُراني أعافُها ثم هَبْني / أنني في عواطِفي – إشتِراكي
أنا هذا أنا – وما كنتُ يوماً / في شُعوري ونَزعتي بمَلاك
ثم إني أجَلُّ من ان أُماشي / في مذاقي جماعةً وأُحاكي
أنا أهوى ما اشتّهيه ومن لا / يرتَضيني قامَتْ عليه البَواكي
انا مذ كنتُ كنتُ ما بين نفسي / والسخافاتِ هذِه في عِراك
رمق الأُفقَ طرفُه فترامى
رمق الأُفقَ طرفُه فترامى / ورأى الحق فوقه فتعامى
كلَّ يوم للحاكمين كؤوس / جرَّعوها الشعوب جاماً فجاما
كَذَب الخائفون ما الضيمُ منا / أيُّ شعب يُرضيه أن يستضاما!؟
إن حفِظتمْ على الصُّدور وساماً / فمن الشعب قد أضعتم وساما
آيتا العرب في ندىً وزِحام / طيِّبوا ذكركم وموتوا كراما
انا ذاك الحر العراقي إمّا / حَنَّ يستنهضُ العراقُ الشام
كم نفوسٍ شريفةٍ حسَّاسه
كم نفوسٍ شريفةٍ حسَّاسه / سحقوهنَّ عن طريقِ الخساسه
وطباعٍ رقيقةٍ قابَلتهنَّ / الليالي بغِلْظَةٍ وشراسه
ما لضعفٍ شكوايَ دهري / فما أنكرُ بأسي وإن تحاميتُ باسه
غيرَ أني أردتُ للنجحِ مقياساً / صحيحاً فلم أجدْ مقياسه!
وقديماً مسَّتْ شكوكٌ عقولاً / وأطالتْ من نابهٍ وَسواسه
استغلَّتْ شعورَها شعراءٌ / لم تنشني ظرافةً وكيَاسه
وارتمتْ بي إلى المَطاوحِ نفسٌ / غمرتها انقباضةٌ واحتراسه
عدَّتِ النُبلَ رابحاً واستهانتْ / من نعيمٍ ولذَّةٍ إفلاسه
كلَّما أوشكتْ تبلُّ .. من الاخلاصِ / والصدقِ عاودتْها انتكاسه
تَعِسَ المرءُ حارِماً نفسَه كلَّ / اللذاذاتِ قانعاً بالقداسه
اِستفيقي لا بدَّ أنْ تُشبهي الدَّهرَ / انقلابا .. وأنْ تُحاكي أُناسه
لكِ في هذه الحياةِ نصيبٌ / اِغنميهِ انتهازةً وافتراسه
فالليالي بلهاءُ فيها لمن يُحسن / إبساسةً لها إسلاسه
مُخلَفاتٍ حلبتِها .. وأُناسٌ / حلَبوها درّارةً بسَّاسه
كلُّ هذا ولستُ أُنكرُ أنّي / من لذاذاتها اختلستُ اختلاسه
ألفُ إيحاشةٍ من الدَّهر قد / غطَّتْ عليها في ليلةٍ إيناسه
ليلةٌ تُغضبُ التقاليدَ في الناس / وتُرضي مشاعراً حسَّاسه
من ليالي الشبابِ بسَّامةٌ إنَّ / لياليَّ جُلّها عبَّاسه
ومعي صاحبٌ تفرَّستُ فيه / كلَّ خيرٍ فلمْ تخني الفَراسه
أريحيُّ ملء الطبيعةِ منه / عزَّةٌ وانتباهةٌ وسلاسه
خِدْنُ لَهوٍ ..إني أُحبّ من الشاعر / في هذه الحياةِ انغماسه
عرَّقتْ فيه طيّباتٌ ويأبى / المرءُ إلاَّ عروقَه الدسَّاسه
ولقد رُزْتُه على كلّ حالاتِ / الليالي فما ذممتُ مَساسه
كان مقهى " رشيد " موعدنا عصراً / وكنَّا من سابقٍ أحلاسه
مجلسٌ زانَهُ الشبابُ وأخلوا / " للزهاويِّ" صدرَه والرياسه
هو إنْ شئتَ مجمعٌ للدُّعاباتِ / وإن شتتَ معهدٌ للدراسه
ثمَّ كلن العِشاءُ فانصرف الشيخُ / كسيحاً موِّدعاً جُلاّسه
وافترقنا نُريد" مَهَرانَ" نبغي / وَرطة ًفي لذاذةٍ وارتكاسه
تارةً صاحبي يُصفِّقُ كأسي / وأنا تارةً أُصفِّق كاسه
وجديرٌ أنْ يُمتِعَ المرءُ بالخمرةِ / نفساً . وأنْ يُثقِّلَ راسه
قبلَ أن تَهجُمَ الليالي عليه / فتُعري من الصِّبا أفراسه
أتُراه على حياةٍ قديراً / بعدَ ما يُودِعونه أرماسه
فاحتسبنا كأساً وأُخرى فدبَّتْ / سَورةٌ لم تدعْ بنا إحساسه
وهَذينْا بما استكنَّت به النفسُ / وجاشتْ غريزةٌ خنَّاسه
لا " الحسينُ الخليعُ " يبلغُ شأوينا / ولا " مسلمٌ " ولا ذو " النُواسه"
قال لي صاحبي الظريفُ وفي الكفّ / ارتعاشٌ وفي اللسانِ انحباسه :
أين غادرتَ " عِمَّةً " واحتفاظاً / قلتُ : إني طرحتُها في الكُناسه
ثم عُجنا لمسرحٍ أسرجته / كلُّ رَودٍ وضَّاءةٍ كالماسه
حدَّدوةُ بكلّ فينانةٍ خضراءَ / بالزهرِ عطرتْ أنفاسه
ولقد زادتِ الوجوهَ به حُسناً / ولُطفاً للكهرباء انعكاسه
ثمَّ جَسُّوا أوتارَهم فأثرنَ / اللهوَ أيدٍ قديرةٌ جسَّاسه
وتنادَوا بالرقصِ فيه فأهوى / كلُّ لدنٍ للدنةٍ ميَّاسه
خُطةٌ للعواطف الهُوج فاقَتْ / خُطّةَ الحربَ جذوةً وحماسه
أُغرمَ الجمعُ واستجاب نفوساً / تتقاضاهُ حاجة مسَّاسة
ناقِلاً خطوَةُ على نغمةِ العودِ / وطوراً مرَّجفاً أعجاسه
وتلاقى الصدرانِ .. واصطكَّتِ / الأفخاذُ .. حتى لم تبقَ إلا لُماسه!!
حرَّكوا ساكناً فهبَّ رفيقي / لامساً باليدينِ منه لباسه!!
ثمَّ نادى مُعربداً لُيحيِّ / الله مغناكَ وليُدِمْ أعراسه
وخرَجْنا منه وقد نصلَ الليلُ / وهدَّتْ إغفاءَةٌ حُرّاسه
ما لبغدادَ بعدَ هاتيكمُ الضجَّةِ / تشكو أحياؤها إخراسه
واقتحمنا بيتاً تعوَّد أنْ نطرق / في الليلِ خُلسةً أحلاسه
وأخذنا بكفِّ كلِّ مَهاةٍ / رنَّقَتْ في الجفونِ منها نُعاسه
لم أُطِلْ سومَها وكنتُ متى يعجبني / الشئُ لا أُطيلُ مِكاسه!
قلتُ إذ عيَّرتنيَ الضعفَ لمَّا / خذلتني عنها يدٌ فرّاسه:
لستُ أعيا إنْ فاتني أخذيَ الشيء / بعنفٍ عن أخذهِ بالسياسه
ثمَّ كانتْ دعابةٌ فَمُجونٌ / فارتخاءٌ . فلذةٌ .! فانغماسه !!
وعلى اسمِ الشيطانِ دُستُ عَضوضاً / ناتئَ الجنبتَينِ حلوَ المداسه!
لبَداً .. تنهلُ اللُبانةُ منه ! / لا بحزْنٍ ضَرسٍ .. ولاذي دَهاسه!
وكأنّ العبيرَ في ضرَمِ اللذَّةِ / يُذكي بنفحةٍ أنفاسه..!
وكأنّ الثِقْل المرجّحَ بين الصدرِ / والصدرِ .. يستطيبُ مراسه
وكأنّ " البديعَ " في روعة الأسلوب ! / يُملي " طِباقه ! " و" جِناسه"
واستجدَّتْ من بعدِ تلك أمورٌ / كلّهنَّ ارتيابةٌ والتباسه
عرَّفتنا معنى السعادةِ لمّا / أنْ وضعنا حدّاً بها للتعاسه
بسَمَ الدهرُ وتجافى / بعدَها كاشِراً لنا أضراسه
صاحبي لا ترُعكَ خِسَّةُ دهر / " كم نفوسٍ حسَّاسه"
جرّبيني منْ قبلِ انْ تزدَريني
جرّبيني منْ قبلِ انْ تزدَريني / وإذا ما ذممتِني فاهجرِيِني
ويَقيناً ستندمينَ على أنَّكِ / من قبلُ كنتِ لمْ تعرفيني
لا تقيسي على ملامحِ وجهي / وتقاطيعِه جميعَ شؤوني
أنا لي في الحياةِ طبعٌ رقيقٌ / يتنافى ولونَ وجهي الحزين
قبلكِ اغترَّ معشرٌ قرأوني / من جبينٍ مكَّللٍ بالغُصونِ
وفريقٌ من وجنتينِ شَحوبين / وقدْ فاتتِ الجميعَ عُيوني
إقرأيني منها ففيها مطاوي النفسِ / طُراً وكلُّ سرٍّ دَفين
فيهما رغبةٌ تفيضُ . وإخلاصٌ / وشكٌّ مخامرٌ لليقين
فيهما شهوةٌ تثورُ . وعقلٌ / خاذِلي تارةً وطوراً مُعيني
فيهما دافعُ الغريزةِ يُغريني / وعدوى وراثةٍ تَزويني
أنا ضدُّ الجمهور في العيشِ / والتفكيرِ طُرّاً . وضدُّه في الدِّين
كلُّ ما في الحياةِ من مُتَع العيشِ / ومن لذَّةٍ بها يزدهيني
التقاليدُ والمداجاةُ في الناسِ / عدوٌّ لكلِّ حُرٍّ فطين
أنجِديني : في عالمٍ تَنهشُ " الذُئبانُ " / لحمي فيه .. ولا تُسلِميني
وأنا ابن العشرين مَنْ مرجِعٌ لي / إنْ تقضَّتْ لذاذةَ العشرين
إبسِمي لي تَبسِمْ حياتي وإنْ كانتْ / حياةً مليئةً بالشُّجون
أنصِيفيني تُكفِّري عن ذُنوبِ / الناسِ طُرّاً فإنهمْ ظلموني
إعطِفي ساعةً على شاعرٍ حر / رقيقٍ يعيشُ عيشَ السجين
أخذتني الهمومُ إلّا قليلاً / أدركيني ومن يديها خذيني
ساعةً ثم أنطوى عنكِ محمولاً / بكُرهٍ لظُلمةٍ وسكون
حيث لا رونقُ الصباح يُحييِّني / ولا الفجرُ باسماً يُغريني
حيثُ لا " دجلةٌ " تلاعبُ جنبيها / ظِلالُ النخيلِ والزيِّتون
حيثُ صَحبي لا يملكونَ مُواساتي / بشيءٍ إلّا بأنْ يبكوني
مَتِّعيني قبلَ المماتِ فما يُدريكِ / ما بعدَه وما يُدريني
وَهبي أنَّ بعدَ يوميَ يوماً / يقتضيني مُخلِّفاتِ الدُّيون
فمَنِ الضامنونَ أنَّكِ في الحشرِ / إذا ما طلَبتِني تجديني
فستُغرينَ بالمحاسنِ رُضواناً / فيُلقيكِ بين حُورٍ وعِين
وأنا في جهنَّمٍ معَ أشياخٍ / غواةٍ بِغيَّهمْ غمروني
أحرَجتني طبيعتي وبآرائِهم / ازدَدْتُ بَلةً في الطين
بالشفيعِ " العُريان " استملكي خيرَ / مكانٍ . وأنتِ خيرُ مكين
ودعيني مُستعرضاً في جحيمي / كلَّ وجهٍ مُذمَّمٍ ملعون
وستُشجينَ إذ ترينَ معَ البُزلِ / القناعيسِ حيرةَ ابن اللبون
عن يساري أعمى المعرَّةِ و " الشيخُ " / الزهاويُّ مقعداً عن يميني
إئذَني لي أنزِلْ خفيفاً على صدركِ / عذْباً كقطرةٍ من مَعين
وافتحي لي الحديثَ تستملحي خفَّةَ / رُوحي وتستطيبي مُجوني
تعرِفي أنني ظريفٌ جديرٌ / فوقَ هذي " النهود" أنْ ترفعني
مؤنِسٌ كابتسامةٍ حولَ ثغريكِ / جذوبٌ كسحرٍ تلكَ العيون
إسمحي لي بقُبلةٍ تملِكيني / ودعي لي الخَيارَ في التعيين
قرِّبيني من اللذاذةِ ألمَسْها / أريني بداعةَ التكوين
إنزليني إلى " الحضيضِ " إذا ما شئتِ / أو فوقَ ربوةٍ فضعيني
كلُّ مافي الوجودِ من عقباتٍ / عن وصولي إليكِ لا يَثنيني
إحمليني كالطفلِ بين ذِراعيكِ / احتضاناً ومثلَه دَّلليني
وإذا ما سُئلتِ عني فقولي / ليسَ بِدعاً إغاثةُ المسكين
لستُ أُمّاً لكنْ بأمثالِ " هذا " / شاءتِ الأُمهات أنْ تبتليني
أشتهي أنْ أراكِ يوماً على ما / ينبغي مَن تكشُّفٍ للمصُون
غيرَ أني أرجو إذا ازدهتِ النفسُ / وفاضَ الغرامُ أنْ تعذُريني
" اِلطمِيني "إذا مَجُنتُ فعمداً / أتحرَّى المجونَ كي تَلْطمِيني
وإذا ما يدي استطالتْ فمِنْ شَعركِ / لُطفاً بخُصلةٍ قيِّديني
ما أشدَّ احتياجةِ الشاعر الحسَّاسِ / يوماً لساعةٍ مِن جنون
ذهب الناس من
ذهب الناس من / الدنيا بِمُلْكٍ ونعيمِ
وذهبنا نحن بالأشعارِ / والذوقِ السليم
إي وعيشٍ مضى عليك بَهيِّ
إي وعيشٍ مضى عليك بَهيِّ / وشُعاعٍ من شّطِكِ الذهبيِّ
والتفافِ النَّخيل حولَكَ حتَّى / لو تقصَّيْتَ لم تجدْ غيرَ في
وانبساطِ السَّفْحِ الذَّي زاحمته / دَفَعاتٌ من مَوجكَ الثَّوْري
وسنا الشَّمس حين مجَّتْ لُعاباً / ارسلته من نورها الكسروي
فتخالُ الضياءَ والماءُ موجٌ / في رواحٍ من جانبٍ ومجي
كخيوطٍ من فضَّةٍ بتْنَ طوع الرّيح / بين الشمال والشرقي
وابتسام البدرِ المطلِّ إذا ما / بات يجلو الدُّجى بوجهٍ وَضي
وزمانٍ حلوٍ كطلِّ ندّيٍ / لم يَشُبْهُ صفوُ السَّماء بشي
لو تحولْتَ عن مجاريك أو حُلت / لما جئتَ بالنكير الفري
يا فُراتي وهل يُحاكيك نهرٌ / في جمالِ الضُحى وبردِ العَشِي
ملكتْ جانبيك عُرْبٌ أضاعوا / إذ أضاعوا حِماكَ عهدَ قُصي
نضجتْ بالصَّغار منهم جلودٌ / ولقد تنضج الجلودُ بِكَي
إي ومجرى الجيادِ يومَ التنّاَدي / ومجرِّ الرماح حول الندي
دنَّسَتْ طُهْرَكَ المطامعُ حتَّى / لم تَعُدْ تَنْقَعُ الغليلَ برِيِ
الخَنى ..أين عنه نفسُ أبيّ / والحِمىَ.. أ]ن عنه طَرْفُ الحَمِي
لا القنا يومَ تنثني لِمَذَبٍ / عن حريم ٍ ولا الظبى لكمي
آه ..لولا خِصبُ العراق وريفٌ / هو لولاه لم يكن بمرِي
ما استجاشتْ له المطامعُ والتفَّتْ / عليه من المَحَلِّ القَصِي
واستخفَّتْ به الشعوبُ وباتَتْ / وهي ترنو له بلحظٍ خفيّ
قد نطقنا حتَّى رُمينا بهُجْرٍ / وسكتنا حتَّى اتُهِمنا بِعي
ورضِينا حُكْمَ الزَّمانِ وما كانَ / احتكامُ الزمانِ بالمَرْضي
فإذا كلُّ يومِنا مثلُ أمسٍ / وإذا كلُّ رُشدنا مثلُ غَي
وعلمنا ان ليس نملك أمراً / فصبرنا على احتكام " الوصي !"
علَّموها فقد كفاكُمْ شَنارا
علَّموها فقد كفاكُمْ شَنارا / وكفاها أنّ تحسَبَ العلمَ عارا
وكفانا من التّقهقُرِ أنّا / لم نعالج حتى الأمورَ الصغارا
هذه حالُنا على حينَ كادتْ / أممُ الغربِ تسبِقُ الأقدارا
أنجب الشرقُ جامداً يحسبُ المرأةَ / عاراً وأنجبت طيارا
تحكم البرلمانَ من أمم الدنيا / نساءٌ تمثلُ الأقطارا
ونساء العراقِ تُمنعُ أن ترسمَ خطّاً / أَوْ تَقْرأَ الأسفارا
علِّموها وأوْسِعوها من التّهذيب / ما يجعلُ النّفوسَ كبارا
ولكي تُحسنوا سياسةَ شعبٍ / بَرهنوا أنّكم تسوسون دارا
أنَّكُمْ باحتقاركُمْ للنساء اليومَ / أوسعتُمُ الرّجالَ احتقارا
أفَمِنْ أجلِ أنْ تعيشوا تُريدونَ / لثلْثّيْ أهلِ البلادِ الدّمارا
إنَّ خيراً من أن تعيشَ فتاةٌ / قبضةَ الجهلِ أن تموتَ انتحارا
أيُّ نفعٍ من عيشةٍ بين زوجينِ / بعيدين نزعةً واختبارا
وخلال البيوتِ لا تجدون اليومَ / إلاّ خصومةً وشِجارا
اختياراً بالبنت سيروا إلى صالحها / قبل أن تسيروا اضطرارا
فعلى قدر ما تزيدون في الضغط / عليها ستُوجدونَ انفجارا
وَهَبوا مرةً نجحتم فلا تنخدعوا / سوف تُخْذلون مرارا
ولدى الأمرِ لا محالةَ مغلوبٌ / ضعيفٌ يقاومُ التّيارا
وأرى جامداً يصارعُ تجديداً / كَقَزْمٍ مصارعٍ جبّارا
أينَ عن حرمة الأمومةِ داستْها / وحوشٌ المصلحونَ الغَيارى
قادة للجمودِ والجهلٍ في الشرق / على الشعب تنصُرُ استعمارا
لو بكفي ملأت دور المحامين / عن المرأة الجْهولةِ نارا
ازدراءً بالدينِ أن يُحسَبَ الدّينُ / بجهلٍ وخزيةٍ أمّارا
وبلاءُ الأديانِ في الشرق هُوجٌ / باسمه سامَوا النفوسَ احتكار
تُزدَرى رغبةُ الجماهيرِ في الشرقِ / وتُنْسى إنْ خالفت أنفارا
أسلَموا أمرهم إلى " الشيخ " عُمياناً / وساروا يَقفونه حيثُ سارا
وامتطاهم حتى إذا نالَ بغياً / خَلَعَ اللُّجْمَ عنهُمُ والعِذارا
نَبذَ القِشْرَ نحوهم باحتقار / وَحوَى اللبَّ وحدَهُ والخِيارا
دفعوا غُنْمَهمُ إليه وراحواً / يحمِلون الأثقالَ والأوزارا
عاطلاتٍ نساؤهم ونساء " الشيخ " / حُلِّينَ لؤلؤاً ونُضارا
وإذا جاءت الشدائدُ تَترى / قدَّموهم وولَّوا الأدبار
حالةٌ تُلهب الغيَارى وتستصرخ / غُلبَ الرجالِ والأحرارا
ان بينَ الضُلوعِ مما استغلوه / بتضليلهم قلوباً حِرارا
يُعوزُ الشعبَ كي يسيرَ إلى المجد / حثيثاً وكي يُوَقَّى العِثارا
حاكمٌ مطَلَقٌ يكون بما يعرف / من خير شعبه مختارا
يتحرَّى هذى الشنائعَ في الشرق بنفس / لا تَرهَب الأخطارا
إن يُطَعْ كان مشفقاً واذا ما / أحوجوا كان فاتكا جزارا
أو فلا يُرتَجى نهوضٌ لشعبٍ / ان يُقدِّمْ شبراً يُعيَقْ أشبارا
صاحبي لو تكونُ من أعدائي
صاحبي لو تكونُ من أعدائي / لتمنَّيتَ أن تموتَ بدائي
لتمنيت أن يكونَ لك الطُولان / طُولُ الأذى وطُولُ البقاء
أنا إنْ كنت مُرهقاً في شبابي
أنا إنْ كنت مُرهقاً في شبابي / مُثقلاً بالهموم والأوصابِ
فمتى أعرف الطلاقةَ والأنسَ / ألمَّا أكونُ تحت التراب؟
خبَّروني فانني من لُباناتي / وعيشي رهينُ أمرٍ عُجاب
أيُّ حالٍ هذي وما السرُّ في تكوين / خلقٍ بهذه الأعصاب
أبداً ينظرُ الحوداثَ والعالمَ / والناسَ من وراءِ ضَباب
ليس شيءٌ من التجانس في نفسٍ / نواسيَّةٍ وعيشٍ صَحابي
شمتتْ بي رجعيَّةٌ ألهبتها / فكرةٌ حرَّة بسوطِ عذاب
وشكتني مسرَّةٌ وارتياحٌ / وبكتني مُجانةٌ وتصابي
تدَّعيني لِما وراء ثيابِ البعض / نفسٌ سريعةُ الاِلتهاب
فتَراني وقد حُرِمت أُسلّي / النفس عنها بلمس تلك الثياب
فإذا لم تكنْ تعوَّضْتُ عنها / صُوراً من تخيّلاتٍ عِذاب
ولقد تخطر " المباذل " في بالي / بشكلٍ يدعو إلى الاِضطراب
أو بشكل يدعو إلى استحياء / أو بشكل يدعو إلى الاعجاب
فتُراني مفكراً هل مواتاة التراضي / أحلى من الاغتصاب ؟
وهل " الفَعلةُ " التي خنتُ فيها / خَلَّتي والتي دعت لاجتنابي
والتي جِئتُها أُكفّر عنها / بكتابٍ أردفته بكتاب
كنت عينَ المصيب فيها وكانت / فَعلةٌ مثلَ تلك عينَ الصواب؟
بشر جاش بالعواطف حتى / جذبتهُ جريمةُ الاِرتكاب
أم تُراني لبست فيها على حين / اندفاع مني لباسَ ذئاب ؟
أتُراها نتيجة الشرب أم أنيَ / ظلماً ألصقتها بالشراب ؟
قلَّ صبري على زمانٍ ألدِّ
قلَّ صبري على زمانٍ ألدِّ / وخُطوبٍ ألبَسَنْنَي غيرَ بُردي
وتقاليدَ لا تطاقُ وناسٍ / لا يُجيدون غيرَ لُؤمٍ وحِقْد
آنست مَنْ معي قوافٍ حِسانٌ / سوف تبقى أُنْسَ الشجييِّن بعدي
حملتْ همَّهُمْ ورُحْتُ غريباً / عنهمُ حاملاً هموميَ وحدي
أفرَشوني شوكَ القتاد وخصُّوا / بالرياحين كلَّ جِبْسٍ ووَغْد
وزَوَوْا كلَّ ما أودُّ احتكاراً / وأتوني بكل ما لم أودّ
وأجالوا أفراسَهُمْ في مَلاهٍ / ضربوا بينها وبيني بِسُدّ
ثم قالوا صفِ الحياةَ بلطفٍ / رغمَ أنَّ الحياةَ تجري بضدي
كيف يسطيعُ رسمَ شَكلِ المسرّاتِ / نزيلٌ في غرفة مثلِ لَحْد
تائه في حياته ليس يَدري / أيُّ بابٍ إلى السُّرورِ يُؤدّي
قد وصفتُ الشَّقاءَ أروعَ وَصفٍ / من بلاءٍ وخبرةٍ مستَمَدّ
وأرَيْتُ الناسَ الحياةَ جحيماً / قاذفاً أنْفُساً لطافاً بوقْد
فأروني رفاهةً ونعيماً / لأُريكم تصويرَ جنةِ خُلْد
صدماتُ الزمانِ تُبْقي خدوشاً / في أصَمٍّ من الجلاميدِ صَلدْ
أفتنجو من هذه الغَيرِ السودِ / خلايا دمٍ وقطعةُ جِلد
أكلتْ قلبيَ الهمومُ وهدّت / كلّ حولي واستنزفتْ كلَّ جهدي
فتراني وليس غيرُ اطِّلابٍ / لكفافٍ من المطاليبِ عندي
بدلاً من تقلُّبي في نعيمٍ / سابغ الظلِّ ذي أفانينَ رَغْد
هذه العيشةُ الرفيهةُ لا عركُ / زمانٍ ملآنَ بالنحس نَكْد
ما عسى تبلُغُ القناعةُ من نفس / طروبٍ لغيرِها مستعِد
أين من تستثيرُ طبعي بهزاتِ / التصابي منها وتقدَحُ زندي
من تشكي الغرامِ والوجدِ إني / ذو احتياج إلى غرامٍ ووجد
قد سئمتُ الجفافَ في العيش لارشفةُ / ثغرٍ ولا نعومةُ خدّ
وردةٌ من حديقةِ الشعرِ أُهديها / إلى مطعمي بقطفةِ ورد
ليس عندي أعزّ ُ منها وحسبي / أنني خيرُ ما تملكتُ أُهدي
اشتهي عُلْقةً بحبلِ غرامٍ / أوْجدِيها ولو بكاذبِ وعد
لست ادري فربّما كان نحسي / في غرامي وربّما كان سعدي
غيرَ أنيّ أُحسُّ أنَ شعوراً / تستفزينه بُقربٍ وبُعد
لا تَشِحّي ولا تجودي ولكنْ / اتركيني ما بين جَزْر ومَد
ثم قولي هاكَ الذي تبتغيه / ثم لمّا أقولُ هاتيه رُدّي
لوحةٌ مالها نظيرٌ وقوفُ العاشقِ / الصبِ بينِ أخذٍ وردْ
لا لأجلي لكنْ التّلهي / بقوافي حرّكي بعضَ وَجْدي
أَولا ترغبين أن يَتَغّنى / بمعانيكِ مُعْجَباً كلُّ فرد
رُبَّ جسمٍ يَبْلى به عبقريٌّ / لا يرى عن تَصْويرِهِ من مَردّ
حاشدِ الذهنً بالصبابةِ يأتي / من ضُروبِ البيان فيها بحشْد
وتراه عَفْوَ القريحةِ يَخْتارُ / أناشيدَ تُعْجِزُ المتصدِّي
سَهُلَتْ فهو مثلُ سيلٍ تَجارى / في مسيلٍ دَمْثٍ يُعيد ويُبدي
يَلمِسُ الشيخُ في قوافيه بُقيا / أثَرٍ من شبابهِ المسَتَردّ
ويُعيدُ الصِبا إليه وبلقى / في مريرِ الذكْرى حلاوةَ شُهْد
فهو يُسْدي إلى الوجودِ جميلا / وهو لولا الغَرامُ ما كانُ يُسْدي
ولقد تَضْمنُ البداعةَ في الفنِّ / وتخليدهِ بضاضةُ زند
ما عرفنا دعدّيةً تتصّبى / كلَّ نَفسٍ لولا تحكُّمُ دَعْد
لا جفافُ الحجاز أضرمَ تلك الروحَ / فيها ولا خشونةُ نجد
هي إلهامةٌ يَنِزّ لها الحبُّ / على الشاعرينِ من غير قَصْد
وُلد الالمعيُ فالنجمُ واجمْ
وُلد الالمعيُ فالنجمُ واجمْ / باهتٌ من سُطوع هذا المُزاحمْ
أتُرى عالمَ السموات ينحطُّ / جلالاً عن واطئات العوالم
أم تظُن السماء في مهرجانٍ / لقريب من الملائك قادم
أم تُرى جاءت الشياطينُ تختصُّ / بروح مشكك متشائم
كيفما شاء فليكنْ إن فكراً / عبقرياً على المَجرة حائم
قال نجمٌ لآخرٍ : ليت أني / لثرى الكوفةِ المعطر لاثم
ولبيتٍ أناره عبقرىٌ / لم ينوَّر بمثله الأُفقُ خادم
ليت أني بريقُ عينيه أو أني / لنور القلب المشعِ مقاسم
أيها " الكوكبُ الجديدُ " تخيرْني / إذا ارتحت بسمةً في المباسم
ولقد قال ماردٌ يتلظى / في جحيمٍ على البرية ناقم :
أزعجتْ جوَّنا روائحُ من خبثٍ / وضَعفٍ على الثرى متراكم
لا أرى رسم بُرثُنٍ بين أظلافٍ / عجافٍ كثيرةٍ ومناسم
أفنسلُ المَلاك هذا وما كان / ملاك موكلاً بالجَرائم؟
أفهذا نسلُ الشياطينِ والشيطانُ / لم يَرْبُ في دُموع المآتم
إنَّ فيه أمراً عجيباً مخيفاً / ضعفَ مستَغشَمٍ وقسوةَ غاشم
لو ملكنا هذي اللُّحومَ لكانت / للذُباب المنحطِّ نِعمَ الولائم
وأُرانا نحتاج خَلقاً كهذا / عاصفاً ثائراً قويَّ الشكائم
فَلْنرجّف أعصابهَ وهو يقظانُ / ونزعجْ أحلامه وهو نائم
ولْنُوِّجْههُ قبْلةً لا يلقّى / عندها غيرَ حاقدٍ أو مخاصم
ولْنُثرْهُ ليملأ الكونَ عُنفاً / نفسٌ يُلهبُ المشاعر جاحم
أيها الماردُ العظيمُ تقبّلْ / ضَرَماً تستشيطُ منه الضرائم
وسأهديكَ ان تقبلتَ منى / مِعولاً من لظىً فإنك هادم!!
وسلامٌ عليك يوم تُناوِي / لؤمَ أطماعِهمْ ويومَ تهاجم
بُشِّر ألمنجبُ " الحسين " بمولودٍ / عليه من الْخُلود علائم
سابح الذهن حالم بلشقاتِ / شريد العينين بين الغمائم
وانبرت عبقَرٌ تزجِّي من الجنّ / وفوداً مزهوةً بالمواسم
واتى الكونَ " ضيفهُ " بدويَّ الرعد / يلقاه لا بسجع الحمائِم
عالماً أنَّ صوت خَلْقٍ ضعفٍ / غيرُ كفءٍ لمثل هذي الغلاصِم
فارشاً دربَهُ بشوك من الفقرِ / وجمرٍ من ضِغنةٍ وسخائِم
قائلاً :هذه حدودي تخطا / ها عظامٌ إلى أمورٍ عظائِم
ربما يفُرشَ الطريقُ بنثر الزَهر / لكن للغانيات النَواعم
قُبَل الأمهات أجدرُ ما كانَتْ / بوجهٍ مُلوَّحٍ للسمائِم
يا صليباً عوداً تحدَّته أنيابُ / الرزايا فما استلانَ بعاجِم
ورأي المجدَ خيرَ ما كان مجداً / حينَ يُستَلُّ من شُدوق الأراقِم
شامخٌ أنتَ والحزازاتُ تنهارُو / باقٍ وتضمحلُّ الشتائِم
وحياةُ الابطالِ قد يُعْجِز الشاعرَ / تفسيُرها كحَلِّ الطَلاسم
ربَّما استضعَفَ القويُّ سَديدَ / الرأي يأتيه من ضعيفٍ مُسالِم
ايُّ نَفْس هذي التي لا تعُدُّ العمرَ / غُنْماً إلا بظِلِّ المَغارِم
تَطرَحُ الخفضَ تحت خُفِّ بَعيرٍ / وتَرى العيشَ ناعماً غيرَ ناعِم
وتَلََذُّ الهجيرَ تحسَب أنَّ الذلَّ / يجري من حيثُ تَجري النسائِم
وترى العزَ والرجولةَ وصفينِ / غريبَينِ عن مُقيمٍ ملازِم
كلُّ ما تشتهيهِ أن تَصحب الصارمَ / عَضْباً وأن تَخُبَّ الرواسِم
هكذا النابغونَ في العُدْمِ لم تُرضِعْهُمُ / الغُنْجَ عاطفاتٌ روائِم
ونبوغُ الرجال أرفعُ من أنْ / يحتويه قَصْرٌ رفيعُ الدَعائِم
إنما يَبعَث النبيَّ إلى العالَمِ / بَيتٌ مُهَفْهفُ النورِ قاتِم
" كندةٌ " أينَ ؟ لم تُبقِّ يَد الدهرِ / عليها ولا تَدُلُّ المَعالم ؟
لم تخلف كفُّ الليالي من الكوفَةِ / إلا مُحرَّقاتِ الركائِم
أحصيد دور الثقافة في الشرقِ / ألا يستينُ منهُنَّ قائِم؟
أين بيتُ الجبار باق على سمعِ / الليالي مما يَقول زمازِم؟
" جُعف " منسيَّةٌ افاض عليها الشعرُ / ما كانَ في " أُمَيٍّ " و " هاشم "
لست أدري " اكوفة " المتنبي / أنجبته أم أنجبته العواصِم
غير ان النُبوغَ يَذوي وينمو / بين جوٍّ نابٍ وجوٍّ ملائِم
" حَلبٌ " فتَّقَت أضاميمَ ذِهنٍ / كان من قبلُ " وردةً " في كمائِم
أيُّ بحر من البيان بامواجِ / المعاني فياضةً متلاطِم
كَذَبَ المدَّعونَ معنىً كريماً / في قوافٍ مُهلهلاتٍ ألائِم
وَهبِ اللفظَ سُلَّماً فمتى استحسنتِ / العينُ واهباتِ السلالم؟
حجةُ العاجزين عن منطق الافذاذِ / يُخفون عجزَهم بالمزاعِم
روعةُ الحرب قد خلَعتَ عليها / روعةً من نسيجك المتلاحِم
شعَّ بين السطور ومضُ سِنانٍ / ثم غَطَّت عليه لَمعةُ صارِم
ما "ابن حمدان " إذ يقودُ من الموتِ / جيوشاً تُزجَى لموتٍ مُداهِم
بالغ ما بلَغْتَ في وصفك الجيشَيْن / اذ يقدحانِ زندَ الملاحِم
إذ يضمُّ القلبُ الجناحَ فترتدّ / الخوافي مهيضةً والقوادِم
وفرِاخ الطُيور في قُلَل الاجيال / تَهدي لها الظنونَ الرواجِم
لك عند الجُرْدِ الاصائلِ دَيْنٌ / مستَحقُّ الأداءِ في النَسل لازِم
كم أغرٍّ " مُحَجَّلٍ " ودَّ لو يُهديكَ / ما في جَبينه والمعاصِم
واجتلينا شعرَ الطبيعة في شعرك / تَفْتَّر عن ثُغورٍ بواسِم
شِعْبُ " بَوّان " لا تخيُّلُ فنّانٍ / غَنٌّ عنه ولا ذِهنُ راسِم
متعهُ الشاعرِ المفكرِ يقظانَ / ومَسْرى خيالِه وهو حالِم
لا تعفَّيْتَ من " مَمَرٍّ " كريمٍ / خلَّدَتْكَ المُحسَّناتُ الكرائِم
ايه خصمَ الملوك حتى يُقيموا / لك أمثولةَ النظيرِ المُزاحِم
عَضُدُ الدولة استشارَك بالإعزازِ / واللُطف يا عدوَّ الأعاجِم
رُحتَ عنه وأنت خَوفَ اشتياقٍ / لسِواه على فُؤادِكَ خاتِم
إن ذلك الوَداعَ كان نذيراً / بحِمامٍ دلَّتْ عليه عَلائِم
فلتُحيِّ الاجيالُ مغناكَ بالريحانِ / وَلْتَلْتَثِمْهُ وهي جَواثِم
رَمْز قَوميةٍ بَنَتهُ البَوادي / مُشمخرَّ البِناء ثَبتَ الدعائم
بدويَّ المُناحِ أرهفَ منه الحسَّ / جوٌّ مُشَعْشَعٌ غيرُ غائِم
لدِمشقٍ يَدٌ على الشِعرِ بيضاءُ / بما زيَّنَتْ له من مَواسِم
وسلامٌ على النُبوغ ففيما / تَسْقُط الذكريات وهو يُقاوِم
ما انتفاعي بغيض هذي الدُّموعِ
ما انتفاعي بغيض هذي الدُّموعِ / والجْوى مِلْءُ مهجتي وضُلوعي
لا أُحب العِناقَ من أجل ذكرى / خَلّفتها عناقةُ التوديع
لم أكُنْ قبل أن يَحينَ نواكُمْ / عارفاً قَدْرَ شمليَ المجموع
قد رأيتمْ تجلُّدي لسواكمْ / فاسألوا كيف كان فيكم وُلوعي
هَيّنٌ كلُّ ما أُلاقيهِ منكمْ / في الهوى غَيْرَ ذِلّتي وخضوعي
عتب الناسُ قبلنا فأساءوا / رُبّ عتبٍ يجرُّ للتقريع
أين فضلُ الشباب إن لم يكن لي / حين أرجو وصالَكُمْ بشفيع
نَفَسُ الشعر شاهدٌ لذويهِ / ليس يخفى المصنوعُ بالتصنيع
إن أُضيَّعْ فسوف يُنْشَدُ شعرٌ / بدويٌّ برقةِ المطبوع
قد سمِعْنا بفارسٍ وكفانا / حُسْنُ مرئيّها عن المسموع
جاء فصلُ الربيع يَفْتَرُّ حسناً / وهنا .. هاهنا رُواءُ الربيع
رَجَع الحسنُ بعدما فات منها / قلَّ ما بينَ فَوْتِهِ والرُّجوع
واذا ما الشتاءُ جاء وردت / قطعاتُ الثلوجِ كَفَّ الصقيع
وأتى الصيفُ فاستفاضت شَعابٌ / غمرتها الرّبى بماءٍ مَريع
وتولى الأشجارَ زِيٌّ غريبٌ / فهي خضرُ الأصولِ بيض الفروع
فهناك الجمالُ وهو بسيطٌ / تجتليه والحسن وهو طبيعي
أوَّل العهدِ بالَّتي حَمَّلتني
أوَّل العهدِ بالَّتي حَمَّلتني / شططاً في الهوى وأمراً فِرِيّا
وَضْعُ كفّي في كفّها تتلظَّى / مِن غرامٍ . كمَنْ يُناوِل شَيّا
رجفَت رَجفْةً قرأتُ التشهّي / فوقَها واضحاً . بليغاً . قويّا
ثم قالت بطرفها بعدَ لأيٍ : / عن طريقٍ سهلٍ وصَلْتَ إليّا!
وهيَ سمراءُ في التقاطيع منها / يجِدُ الحالمونَ شِبعاً ورِيّا
ينفحُ العَطر جِلدُها ويسيلُ الدِفءُ / في عِرْقها لذيذاً شهيّا
لو قرأتَ الخطَّ ! الذي واسَطَ النهدينِ / يستهدفُ الطريقَ السويّا!
لتَمَشَّيْتَ فوقَه بالتمنّي / ووصلت الكنزَ الثمينَ الخفيّا
وتصبَّاكَ منتهاهُ تصبّي / عالَمٍ آخرٍ تقيّاً نَقيّا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025