القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 31
هل تركتم غير الجوى لفؤادي
هل تركتم غير الجوى لفؤادي / أو كحلتم عيني بغير السُّهاد
قد بعدتم عن أعين فهي غرقى / بدموعي ولي فؤادٌ صادي
ثم وكّلتم السهاد عليها / يمنع العين عن لذيذ الرقاد
مَن مجيري من الأحبة يجفون / وتعدو منهم عليَّ الغوادي
علموا أنني عليل ومن لي / أن أرى طيفهم من العواد
نزلوا وادي الغضا فكأن ال / دمع مني سيول ذاك الوادي
تركتني أظعانهم يوم بانوا / وحدا فيهم من البين حادي
بين دمع على المنازل موقو / فٍ وشمل مشتت بالبعاد
وفؤاد يروعه كل يوم / ذكر أيامنا الحسان الجياد
يا رفيقي وأين عهدك بالجزَع / سقاه الغمام صوب عهاد
وسقت دارنا بميثاء مزن / من ذوات الإبراق والإرعاد
تتلظى كأنَّما أوْقَدَتْها / زفراتي بحرّها الوقاد
فتظنّ البروق منها سيوفاً / مذهبات سُلَّت من الأغماد
موقراتٍ بما حملن من الماء / رواءً إلى الديار الصوادي
ملقيات أثقالها باذلات / ما لديها على الرُّبا والوهاد
فترى الروض شاكراً من نداها / نعمة بالأزهار والأوراد
تتوالى على ملاعبَ للِغز / لان فيها ومصرع الآساد
أربعٍ كلَّما وقفت عليها / كانَ طرفي فيها من الأجواد
ومناخٍ لنا يريق من الأجفان / غير الذي تريق الغوادي
فلنا فيه ما لهذي المطايا / حرقة في القلوب والأكباد
كنت أرجو برداً من الوجد لكن / ما لحر الغرام من إبراد
إنَّ في الظاعنين أبناءَ ودٍّ / لم يراعوا في الود عهد ودادي
أين ميعاد من هَوِيت هواه / ومتى نلتقي على ميعاد
وتمادى هذا الجفاء وما هذا / التجافي منه وهذا التمادي
لا أرى الدهر باسماً أو أراني / بعد رغم المنى أنوف الأعادي
منشداً في أبي الثناء ثناءً / خالد الذكر دائم الإنشاد
كم قصدناه بالقصيد وما زا / ل من الناس كعبة القصاد
ووردنا بحراً طمى وأُفيضت / من أياديه للأنام الأيادي
ووجدنا منه حلاوة لفظ / شق فيها مرائر الحساد
في لسان بحدِّهِ قد رمى / رؤوس الإلحاد بالأعضاد
فإذا سوّدت يداه كتاباً / فبياض العلى بذاك السواد
وصباح الحق المبين لعيني / ينجلي من سواد ذاك المداد
عارف بالغايات من مبتدأها / ولغايات كل شيء مبادي
وإذا المسلمون رامت هداها / كانَ من بينها الإمام الهادي
زاجر بالآيات عن منهج الغيّ / ومهدي إلى سبيل الرشاد
وارثٌ علم جده سيد الر / سل وسر الآباء في الأولاد
سؤدد في الأماجد السادة ال / غر قديماً والسادة الأمجاد
فاتك بالكلام في كل بحث / فتكات الحسام يوم جلاد
سعدت هذه البلاد بشهم / عزّ وجدان مثله في البلاد
جامع للعلوم شفع المعالي / مفرد الفضل واحد الآحاد
نال ما لم ينل سواه ومن / دون ورد الآمال خرط القتاد
والقوافي تروي أحاديث عل / ياه صِحاحاً قويّة الإسناد
كيف نحصي ما قد حويت وهل / تحصى نجوم السماء بالأرصاد
إن تُعدد مناقباً لك قوم / عجزت عن نهاية الأعداد
يا عماد الدِّين القويم وما زل / ت عظيم البنا رفيع العماد
إنَّما أنت آية الله للنا / س جميعاً ورحمة للعباد
وببغداد ما حللت مقيماً / فالمقام المحمود في بغداد
لم أزل أرتجيك في هذه الد / نيا وأرجوك بعدها في المعاد
أنا عمّا سواك أغنى البرايا / ولما يُرتجَ من الزهاد
طوقتني النعماء منك ونعما / ؤك مثل الأطواق في الأجياد
غمرتني مكارم منك تترى / يا كريم الآباء والأجداد
نائل من علاك كل مرام / بالغ من نداك كل مراد
حزت أجر الصيام والعيد وافا / ك بما تشتهي بخير معاد
كل عيد عليك عاد جديداً / فهو عيد من أشرف الأعياد
يا إمام الهدى ويا صفوة الله
يا إمام الهدى ويا صفوة الله / ويا من هَدَى هُداه العبادا
يا ابن بنتِ الرسول يا ابن عليٍّ / حيّ هذا النادي وهذا المنادى
قد أتينا بثوب جدّك نسعى / وأتيناك سيّدي وفّادا
فأتيناك راجلين احتراماً / واحتشاماً وهيبة وانقيادا
نتهادى به إليك جميعاً / وبه كانت المطايا تهادى
راميات سهم النوى عن قسيٍّ / قاطعات دكادكاً ووهادا
طالبات موسى بن جعفر فيه / وكذا القدوة الإمام الجوادا
من نبيٍّ قد شَرَّف العرشَ لمَّا / أن ترقَّى بالله سَبعاً شدادا
شرف في ثياب قبر نبيّ / عَطَّرتْ في ورودها بغدادا
ومزايا الفخار أورثتموها / شرف الجد يورث الأولادا
أنتم عِلَّةُ الوجود وفيكم / قد عَرَفنا التكوين والإيجادا
ما ركنتم إلى نفائس دنيا / ولقد كنتم بها أفرادا
وانتقلتم منها وأنتم أناس / ما اتخذتم إلاَّ رضا الله زادا
ولقد قمتمُ الليالي قياماً / واكتحلتم من القيام السهادا
إن يكونوا كما أذاعوا فمن ذا / مهّد الأرض سطوة والبلادا
ومحا الشرك بالمواضي غزاةً / وسطا سطوة الأسوة جهادا
حيث إنَّ الإله يرضى بهذا / بل بهذا من القديم أرادا
فجزيتم عن أجركم بنعيم / تتوالى الأرواح والأجسادا
وابتغيتم رضا الإله ولا ز / لتمُ بعزٍّ يصاحب الآبادا
أنتم يا بني البتول أناسٌ / قد صَعَدْتُم بالفجر سبعاً شدادا
آل بيت النبيّ والسادة الطُّ / هْرِ رجال لم يبرحوا أمجادا
فَضَلوا بالفضائل الخلق طرًّا / مثلما تَفْضلُ الظبا الأغمادا
ليس يحصي عليهم المدح منِّي / ولو أنَّ البحار صارت مدادا
أنتم الذخر يوم حشر ونشر / ومعاذاً إذا رأينا المعادا
كاظم الغيظ سالم الصدر عافٍ / وما هوى قطّ صدره الأحقادا
قد وقفنا لدى علاك وأل / قينا إلى بابك الرفيع القيادا
مع أنَّ الذنوب قد أوثقتنا / نرتجي الوعد نختشي الإبعادا
ومددنا إليك أيدي محتاج / يرجِّي بفضلك الإمدادا
وبكينا من الخشوع بدمع / هو طوراً وطوراً فرادى
قد وَفَدنا آل النبيَّ عليكم / زوّدونا من رفدكم إرفادا
بسواد الذنوب جئنا لنمحو / ببياض الغفران هذا السوادا
وطلبنا عفو المهيمن عنَّا / وأغظنا الأعداء والإلحادا
موطن تنزل الملائك فيه / ومقام يَسُرُّ هذا الفؤادا
أيُّها الطاهر الزكيّ أغِثْنا / وأنِلْنا الإسعاف والإسعادا
وعليٌّ أباك يا ابن عليّ / كي ينال المنى بكم والمرادا
مستزيداً بفضلكم حيث كنتم / منهلاً ما استزيد إلاَّ وزادا
فعليك السلام يا خيرة الخلق / سلامٌ يبقى ويأبى النفادا
هَل عَرَفْتَ الديار من آل نُعمى
هَل عَرَفْتَ الديار من آل نُعمى / ومحلاًّ عفى لبين ألمَّا
تُنكِر العين بعد معرفةٍ من / ها طلولاً كأنَّما كنَّ رقما
فسقى الأرسم الدوارسَ دمعٌ / لم يغادر من أرسُم الدار رسما
قد ذكرنا بها العصور الخوالي / عهد هندٍ ودار سعدى وسلمى
ووقوفي على المنازل ممَّا / خضب الطرف بالنجيع وأدمى
وأذاعت سرَّ الهوى عبراتٌ / هي لا تستطيع للحب كتما
يوم هاجت بالإدكار قلوباً / أصبحت من صوارم البين كلمى
أين أيَّامنا وتلك التصابي / صرمتها أيدي الحوادث صرما
يا ابن وُدّي إنَّ المودةَ عندي / أن أراني أُرمي بما أنت تُرمى
أفتروى وما تبلّ غليلاً / مهج يا هذيم بالوجد تظما
سلبت صحَّتي مراض جفون / ما كستني إلاَّ غراماً وسقما
حكمت بالهوى على دنف الق / لب وأمضت على المتيم حكما
وبنفسي عدل القوام ظلوم / ما اتّقى الله في دم طُلَّ ظلما
لا تلمني على هواه فلا أس / مع عَذلاً ولا أعي منك لوما
ظعن الظاعنون فاستمطر ال / دَمع فؤادي سحًّا عليهم وسجما
أعِدُ النفس منهم بالأماني / وأعدُّ الأيام يوماً فيوما
أنصِفونا من هجركم بوصول / أنا راضٍ منكم بحتّى ولمّا
وهبوا النوم أن يمرّ بجفني / فلعلّ الخيال يطرق نوما
رب ليل قطعته بمليح / أشْهَدَ البدر من محيَّاه تمَّا
وإذا وسوست شياطين همٍ / رجمتها شهب المدامة رجما
فكأنَّ الهلالَ نصفُ سوارٍ / والثريا كأنَّها قرط أسما
بِتُّ حتَّى انبلج الصبح منه / أرشف الراح من مراشف ألمى
ذاك عيش مضى ولهو تقضَّى / أبدل الجهل بالتصرم حلما
ذقت طعم الحياة حلواً ومراً / وبلوت الزمان حرباً وسلما
وتحنكت بالتجارب حتَّى / كشفت لي عن كلِّ أمرٍ معمَّى
قد تقلَّبتُ في البلاد طويلاً / وقتلت الخطوب عزماً وحزما
لم يطش لي سهم إذا أنا س / دَّدْتُ إلى غاية المطالب سهما
لي بآل النبيّ كلّ قصيدٍ / أسمعت بالفخار حتَّى الأصمّا
حجج تفحم المجادل فيها / وتردّ الحسَّاد صمًّا وبُكما
وإذا عاند المعاند يوماً / أرغمت أنفَ من يعاند رغما
سرَّني في الأشراف نجل عليّ / وهو عبد الرحمن فضلاً وفهما
علويٌّ يريك وجهاً حييًّا / وفؤاداً شهماً وأنفاً أشما
ناشئ بالتقى على صهوات ال / خيل عزًّا وفي المدارس علما
طائع خاشع تقيٌّ نقيٌّ / ينقضي دهره صلاة وصوما
بأبي الناسك الأبيَّ فلا يح / مل وِزراً ولا يُحَمَّل ضيما
كم رمى فكره دقيق المعاني / فأصاب المرمى البعيد وأصمى
لا ترى في الإنجاب أثقب زنداً / منه في صحبه وأبعد مرمى
عنصر طيب وأصل كريم / وجميل قد خصّ منهم وعمَّا
سادة أشرف الأنام نجاراً / ثم أذكى أباً وأطهر أمَّا
شَرَّفَ الله ذاتهم واجتباهم / واصطفاهم على البريّة قوما
لا يزالون يرفعون بيوتاً / للمعالي لا تقبل الدهر هدما
تستخفّ الجبالَ منهم حلومٌ / طالما استنزلت من الشمّ عصما
وإذا اعتلت العلاء بداءٍ / حسموا داءها على الفور حسما
وعلى سائر البرية فضلاً / سال سيل النوال منهم فطمَّا
قسموا العمر للعبادة قسماً / منذ عاشوا وللمكارم قسما
شربوا خمرة المحبَّة في الله / وفضّوا عنها من المسك ختما
وسرت من وجودهم نفحات / كنّ روح الوجود إن كانَ جسما
تنجلي فيهم الكروب إذا ما / لُحْنَ غُبراً أنّى يَلُحْنَ وَقُتْما
ما تجلّت وجوههم قط إلاَّ / وجَلَت ليل خطبها المدلهمّا
هِمَمٌ في بني النبيّ كفتنا / من جميع الأمور ما قد أهمّا
يا ابن من لا تشير إلاَّ إليه / أنمل العزّ إن أشار وأومى
يا عليّ الجناب وابن عليٍّ / طابق الاسم بالصفات المسمى
رضي الله عنكم من أناسٍ / شيّدوا للعلى مناراً وإسما
أوجبت مدحكم عليَّ أيادٍ / في زمان من حقّه أنْ يُذمّا
أبتغي الفوز بالثناء عليكم / وأراه فيما أحاول غنما
حيث أمحو وِزراً وأثبت أجراً / فائزاً بالمنى وأمحق إثما
والقوافي لولا جزيل عطاياك / شكتنا بفقدها الأهل يتما
قد تحلّت بكم فكنتم حلاها / وحلت في الأذواق نثراً ونظما
وإليكم غرّ المناقب تعزى / وإليكم جلّ المكارم تنمى
ما استطاع الإنكار منهنّ شيئاً / حاسدٌ عن محاسن الصبح أعمى
زِيدَ لوماً فزاد في الحبِّ وجدا
زِيدَ لوماً فزاد في الحبِّ وجدا / مستهامٌ تخيَّل الغيّ رشدا
مازج الحبَّ مرَّة فأراه / أنَّ هزل الغرام يصبح جدَّا
ورمى قلبه بجذوة نارٍ / أَوْقَدته بلاعجِ الشَّوق وقدا
من غرامٍ رمى به كلّ مرمى / يتلظَّى فلم يجد عنه بدَّا
لو صغى للعذول ما كانَ أَمسى / دنفاً في شؤونه يتردَّى
يسأل الركب عن منازل نجد / ناشداً منه كيف خلّفتَ نجدا
يتشافى من عهدها بالأَحادي / ث ويرعى لها على النأي عهدا
فهو يقضي حقوقاً لها عليه / ويؤدِّي ما ينبغي أنْ يؤدَّى
يا ابن وُدّي وأَكثر الناس حقًّا / في التصابي عليك أكثر ودَّا
كفكف الدمعَ ما استطعت فإنِّي / لست أسطيع للمدامع ردَّا
وإذا ما دعوت للصَّبر قلبي / كانَ لي يا هذيم خصماً ألدَّا
زارني طارق الخيال ووافى / من سليمى يجوب غوراً ووهدا
كيف زار الخيال في غسق اللَّ / يل إلى أعيني وأنَّى تسدَّى
وتوالى حرّ الحشا وتولَّى / إذ تصدَّى لمغرمٍ ما تصدَّى
وشجتني والصبّ بالبين يشجي / أنيق في ظعون ظمياء تحدى
ورسوم من آل ميٍّ بوالٍ / أصبحَتْ فيه أعيُن الركب تندى
بعد ما كانَ للنياق مناخاً / ولعهد الهوى مراحاً ومغدى
زجر العيس صاحبي يوم أقبل / نَ عليها فقلت مهلاً رويدا
خَلِّنا والمطيّ نستفرغ الدم / ع لأطلالها ونذكر عهدا
ونعاني أسًى لأرسم دارٍ / شقيت من بعاد سَلمَى وسعدى
يا سقتها السماء وبل غوادٍ / حاملاتٍ للريّ برقاً ورعدا
كلَّما قطَّبتْ من الجوّ وجهاً / عاد فيها بياضه مسودَّا
من نياق ضوامر جاوز الوجد / بأحشائها من الحبِّ حدَّا
تترامى بنا لدار عليٍّ / ذي الصِّفات العلى ذميلاً ووخدا
كلَّما أصدرتْ أياديه وفداً / أوردت من غير جدواه وفدا
باذل من نفيس ما يقتنيه / من نوالٍ ما يخجل الغيث رفدا
أريحيٌّ تهدى إليه القوافي / والقوافي لمثل علياه تهدى
فيرينا السحاب يمطر وبلاً / ونريه الرِّياض تنبت وردا
ينظم المجد من مناقب علياه / بجيد الأنام عقداً فعقدا
ولآبائه الكرام الأَعالي / زادهم ربّهم نعيماً وخلدا
حضراتٌ تطوى إليها الفيافي / وتقدّ البيداء بالسَّير قدَّا
إنْ سرتْ من ثنائهم نفحات / عادَ فيها حرّ الهواجر بردا
فكأَنَّ السرّ الإِلهي منهم / لازمٌ في أهليه لا يتعدَّى
يا عليّ الجناب وابن عليٍّ / أكرم الناس أحسن الناس جدا
أنتَ أعلى يداً وأطول باعاً / في المعالي وأنتَ أثقب زندا
هل تدانى برفعة وعلاء / أو تضاهى فلم نجد لك ندَّا
مثلت لي أيديك وهي تهادي / مثل وبل الغمام بل هي أندى
لا أرى الوِرد بعد ظلّك عذباً / لا ولا العيش بعد جودك رغدا
كلَّما قلت أورد العدم نقصي / مدَّني بالنوال جودك مدَّا
يرتجي غيري الثراء وأرجو / منك بعد الثراء عزًّا ومجدا
فإذا زدتُ من جنابك قرباً / زدت عن خطَّة النوائب بعدا
كلّ يومٍ أنال منك مراماً / من بلوغ المنى وأبلغ قصدا
فإذا كنتَ راضياً أنت عنِّي / لا أُبالي أنْ يضمر الدهر حقدا
إنَّ نعماك كلَّما صيَّرتني / لك عبداً أرى لي الدهر عبدا
لست أقضي شكرانها ولو أنِّي / أملأُ الخافقين شكراً وحمدا
فاهنأ يا سيِّدي بأشرف عيدٍ / كلّ عام عليك يُرْزَق عَوْدا
مَن يحاول في الدهر مجداً أثيلا
مَن يحاول في الدهر مجداً أثيلا / فليجرّد الحُسامَ الصقيلا
جعل السيف ضامناً وكفيلاً / بالمعالي لمن أراد كفيلا
في ظلال السيوف أيّ مقيلٍ / لبني المجد فاتَّخذه مقيلا
وإذا ما سلكت ثم سبيلاً / فاجعل السيف هادياً ودليلا
عرَّفتكم حوادث الدهر أمراً / كانَ من قبل هذه مجهولا
كشفت عن ضمائر تضمر الغدر / وتبدي وفاءها المستحيلا
وإذا لم تجد خليلاً وفيًّا / فاعلم أنَّ الحسام أوفى خليلا
طالما عرّف الزَّمان بقومٍ / بدَّلتهم خطوبه تبديلا
لا تبلّ الغليل ما عشت منهم / أو يبلّ الصَّمصام فيهم غليلا
وإذا لم يكن لحلمك أهل / فمن الحلم أن تكون جهولا
لا أرى فعلك الجميل بمن لم / يرع عهداً من الجميل جميلا
رضي الله عنك أغضبت قوماً / ما أرادوا غير الفساد حصولا
فلبئس القوم الذين أرادوا / بك من سائر الأنام بديلا
وسَعَوْا في خرابها فاستفادوا / أملاً خائباً وعوناً خذولا
ويميناً لو يملكوها علينا / تركوها معالماً وطلولا
إنَّما حاولوا أمانيَّ نفسٍ / حَمَلَتهم إذ ذاكَ عبئاً ثقيلا
ربَّما غرَّت المطامع قوماً / غادرت منهم العزيز ذليلا
أمَّلوا والمحال ما أمَّلوه / سؤدداً عنك فيهم لن يحولا
لم ينالوا ما نلتَ من رفعة القدر / ولو جيء بالجيوش قبيلا
أجمَعوا أمْرَهُم ولله أمرٌ / كانَ من فوق أمرهم مفعولا
ثمَّ لمَّا جاؤوا إليكم سراعاً / نزلوا عن مرابض الأُسد ميلا
فعبرتم نهر المجرَّة مُخلين / مكاناً لهم عريضاً طويلا
نزلوا منزل الشيوخ وتأبى / شفرة السَّيف أن يكونوا نزولا
ثمَّ لم يلبثوا خلافك في الدَّار / كما يشتهون إلاَّ قليلا
رحلتها عنهم سيوفٌ حداد / ورجالٌ تعيي الرجال الفحولا
إنْ تصادم بها قواعد رضوى / أوشكت في صدامهم أن تزولا
بذلت نفسها لديك ورامتْ / منك في بذلها الرضا والقبولا
كلَّما استلَّت المهنّدة البيض / أسالت من الدّماء سيولا
فتركت الأَعداء ترتقبُ الموت / من الرعب بكرةً وأصيلا
وملأَت الأَقطار بالخيل والرَّجل / صليلاً مريعة وصهيلا
إنَّ يوماً عبرت فيه عليهم / كانَ يوماً على العداة مهولا
يوم ضاقَ الرَّحب الفسيح عليها / فتنادت عنك الرَّحيل الرَّحيلا
هربوا قبل أن بروا صولة اللَّي / ث وإن يشهروا دماً مطولا
يومَ كانَ الفرار أهونَ من أنْ / تستبيح السُّيوف منها قتيلا
ذلَّ من لا يرى المنيَّة عزًّا / في سبيل العُلى وعاشَ ذليلا
لو أقاموا فيها ولو بعض يوم / لأخذت الأَعداء أخذاً وبيلا
ولأكثرت فيهم القتل والسَّبْ / يَ ومثّلتهم بها تمثيلا
وتركت النساء ثكلى أيامى / تكثر النَّوح بعدهم والعويلا
إنَّ لله حكمةً حيّرت فيك / حلوماً سليمةً وعقولا
بلغتك الأَقدار ما كنت تبغيه / وكفَّت عدوّك المخذولا
وشفيت الصدور منَّا فقلنا / صحّ جسم العُلى وكانَ عليلا
أيَّد الله فارس بن عجيل / مثل ما أيَّد الإِله عجيلا
وبما رحمةٌ من الله حلَّت / بلغ اليوم آمل مأمولا
أمِنَ الخائفون في ظلِّ قومٍ / منع الخطب بأسه أن يصولا
عاد للملك حافظاً ومن الل / هُ على الناس ستره المسبولا
كلَّما كرَّ كرَّةً بعد أُخرى / بعث الرُّعب في القلوب رسولا
ما ثناه عن المكارم ثانٍ / وأبى أن يرى الكريم بخيلا
يقتفي إثْرَ جَدِّه وأبيهِ / وكذا تتبع الفروع الأُصولا
فهنيئاً لكم معارج للمجد / شباباً تسمونها وكهولا
رفعة في العلاء أورثتموها / من قديم الزَّمان جيلاً فجيلا
والمعالي لا ترتضي حيث شاءت / غير أكفائها الكرام بعولا
إنَّ أسلافكم إذا خطبوها / جعلوا مهرها قناً ونصولا
قد بذلتم من النضار سيولاً / وجررتم من الفخار ذيولا
لا تنال العداة منكم مراماً / أفيرجون للنجوم وصولا
كيفَ تدنو منكم وأنتمْ أُسودٌ / ما اتَّخذتم غير الأَسنَّة غيلا
فإذا ما ادَّعيتم الفخر يوماً / فكفى بالقنا شهوداً عدولا
قد خلقتم صبابة في المعالي / صبوة الصّبّ ما أطاعَ العذولا
فانتشيتم وللهوى نشوات / فكأَنّي بكم سقيتم شمولا
لا برحتم مناهلاً ترد العا / فون من عذبِ وردها سلسبيلا
وبقيتم مدى الزَّمان وأبقيتم / حديثاً عن بأسكم منقولا
أترى في الوجود مثلَكَ عالمْ
أترى في الوجود مثلَكَ عالمْ / يردُ الناسُ بحرَه المتلاطمْ
أنت من أشرف العوالم ذاتاً / إنما هذه الرجال عوالم
أظهر الله فيك للناس سرًّا / ما لذاك السرّ الربوبيّ كاتم
ولك الله ما برحت صراطاً / مستقيماً وعارضاً متراكم
كل ظامٍ على مناهل ما أو / تيت من فضل ربك حايم
تتلقى الأفهام منك وما تن / طق إلاَّ بالحق والحقّ ناجم
كلمات كأنهن سيوف / أين من فضلك السيوف الصوارم
يا قوام الدِّين الحنيفيّ وال / دين لعمري بمثل ذاتك قائم
إنَّما أنتَ رحمة الله في الأر / ض على أُمَّةٍ لها الله راحم
أنتَ للحقّ واليقين صباح / راح يجلو ليلاً من الشك فاحم
شهد الله أنَّها معجزات / لم تسلّم بالحق من لا يسالم
حجج تفحم المجادل بالباطل / والجاحد الألدّ المخاصم
وضعت للورى موازين بالق / سط وفيها لا زال دفع المظالم
طاوَلَتْ هذه السماء بأيدٍ / قصّرت دونها يدا كل ظالم
قد رأينا ولليالي صروف / قطبت وجهها وثغرك باسم
لا تبالي إذا حكمْتَ بأمر الل / ه والعدل بالذي أنت حاكم
آمرٌ بالمعروف ناهٍ عن المنكر / آتٍ بالحقّ ماضي العزائم
وإذا ما أمرتَ لله أمراً / لست تخشى في الله لومة لائم
لك جدُّ الكلام والكلم الطيّ / ب يؤتي كل امرئٍ ما يلائم
نَبَّهَتْ من أرَدْتَ من سِنة الغ / فلة فاستيقظ الَّذي كانَ نائم
رجع المجرم الَّذي اقترف الذن / ب منيباً فيها وأصبحَ نادم
أعرَبتْ عن بلاغةٍ لك أقلا / م فِصاحُ الإعراب وهي أعاجم
غرّدت ما جرت بأيديك في / الطرس شبيهاً تغريدها بالحمائم
نافثات وهي الجداول للفضل / بقلب العدى سموم الأراقم
اتَّبعنا بالحق ملّة إبراهيم حني / فاً والحقُّ بالحقِّ قائم
واتَّخَذْناه قبلةً وإماماً / ومشيد البيت الرفيع الدعائم
أنت لا غيرك الإمام لقوم / سلكوا في الندى سبيل المكارم
نشروا ذكر ما طوته الليالي / قبل هذا من عهد كعب وحاتم
كتبوا فوق جبهة الدهر أنّ / الدهر عبدٌ لهم رقيق وخادم
زهدوا في الدنى فما راقهم في / ها نفيس من الغنى والغنائم
دَرَّ دَرُّ الندى أعاد أكُفًّا / من أناسٍ أعداؤهن الدراهم
بأبي سادة الأنام جميعاً / وهُداة الأنام أبناء هاشم
من ليوث ضراغم وغيوث / وبحور سواهم وخضارم
قال منهم للمكرمات قؤول / هكذا هكذا تكون المكارم
يتعدى جميل فعلهم الناس / وإنْ كانَ ذلك الفعل لازم
طهْر الله ذاتهم واصطفاهم / قبل ما يُنتَجون من صلب آدم
دائم الفخر خالد الذكر ما غير / فخارٍ لكم مدى الدهر دائم
واردٌ شرعة العلوم الَّتي ليس / عليها إذا وَرَدْتِّ مزاحم
لم ينلها سواك نعمة مولى / أنت فيها تحلّ طوق النعايم
طالما حَثْحَثَ النياق حثيثاً / راغبٌ في بديع فضلك هائم
قد وفدنا على كريم إذا استُج / دي جادت يمينه بالكرائم
ووقفنا بموقف العلم والتد / ريس والفضل والندى والمكارم
وشهدنا معالم المجد فيها / قد تعالت فيا لها من معالم
ثم شِمْنا برق المكارم قد لا / ح سناه من بين تلك المباسم
ولثمنا يدي عظيم قريب / من عظيم تعدَّه للعظائم
كَشَفَتْ غمَّةَ النوائب عنا / ثم نابت لنا مناب الغمائم
لم تزل تتبع الجميل جميلاً / فهي إذ ذاك ساجم إثر ساجم
هذه سيّدي عريضة داعيك / وكانت عن الوداد تراجم
كلّما أثبتت مديحك فيها / كانَ إثباتها لمحو المآثم
أطلُبُ العفو في مديحك والغف / ران والصفح عن جميع الجرائم
فتقبّل مني وما زال قِدماً / ناثراً في مديحك العبد ناظم
بقوافٍ على عداك عَوادٍ / يا فدتك العدى ووجهك سالم
شرب القوم من لماك عقاراً
شرب القوم من لماك عقاراً / فهمُ اليوم في هواك سكارى
وتجلّى لهم جبينك كالصبح / فراحت به العقول حيارى
قَلَّدَتْك الجفون سيفاً صقيلاً / ومن القدّ ذابلاً خطارا
يا لها من لواحظ في فؤادي / هي أمضى من الحسام غرارا
يا غني الجمال عن كل حسن / لست أشكو إلاَّ إليك افتقارا
سائلينا يا ميّ ما صنع الحبّ / فقد جاور الحدود وجارا
في سبيل الهوى حشاشة صبٍّ / صيرتها حرارة الوجد نارا
ملكت رقة الحسان وأضحت / بهواها تستعبد الأحرارا
لا أقرّ الندى عيون ظباءٍ / أعْدَمتْنا يوم الفراق القرارا
من مجيري من لوعة وغرام / تركتني أُعالجُ الأفكارا
ودموعاً يذيلها ألَم البين / وقلباً من بعدهم مستطارا
ساعداني على الغرام فهذا ال / وجد لم أستطع عليه اصطبارا
وأنشدا لي قلباً مضى أثر الرك / ب وقولاً عن ركبهم أين سارا
آل ميّ وللمحبّ حقوق / هل عَرَفْتُم من بعدهن الذمارا
ما رعيتم حق الجوار لصبٍ / ظَلَّ يرعى ذِمامَكم والجوارا
واصطفى قلبه هواكم ولإنْ كا / ن كما قيل صفوُهُ أكدارا
كم دموع قد أطلق الوجد منّا / وقلوب بالرقمتين أسارى
باكرتها الصّبا صباحاً فجاءت / تحمل الزند عنهم والعرارا
بَلِّغينا يا ريحُ أنفاس أرضٍ / طالما قد خَلَعْتُ فيها العذارا
ووهبنا منه العقول عقاراً / أدركتْ من حوادث الدهر ثارا
أطلعت أكؤس السقاة شموساً / يستحيل الظلام منا نهارا
تحسب الكأس والحباب عليه / فلكاً في نجومه دوّارا
كم تبدّت لنا بوجه مليح / جنّةً تدخل المحبَّ النارا
وكأنَّ النجوم طرف حسود / قد رأى طلعة الصباح فغارا
إذ تجلّى كأنّه ظُلمة الشّعر / تبدّى على نحور العذارى
وعلى هذه اللذائذ مرّت / واستمرَّت أوقاتها استمرارا
أفيقضى لها بردٍ فأقضي / من ليالي أيّامها أوطارا
قوضّي للمسير أيّتها النوق / وجوبي مهامهاً وقفارا
أهبوب النسيم ذكّرك الحيّ / وأذكى منك الجوى تذكارا
وادكرتِ الأطلال حياً فأرسل / ت عليه من الدموع الغزارا
والهوى للنفوس لا زال كالريح / يذيع الأشجان والأسرارا
وكأنّي أرى هواك وإن لم / تظهريه إلى الحمى إقرارا
لا سقاك الحيا إذا أنت حاولت / سوى ربع محمود دارا
آية الله يفحم الله فيه / كلّ من كانَ فاجراً كفارا
يذهل الفكر بالمعاني وبالخطّ / يروق العيون والأبصارا
راكب من سوابق العزم خيلاً / أمِنَتْ في سباقهن العثارا
أظهر المعجزات في العلم حتَّى / كانَ منها الحسودُ أنْ يتوارى
حجج تلزم الجحود فما يقدر / يوماً لشمسها إنكارا
قلّد الله ديننا بشهاب ال / دين سيفاً مهنداً بتارا
فحقيق لمثل بغداد أن تفخر / فيه وتفضل الأمصارا
يا أبا عبد الله قد نلت عزاً / كانَ ذلاً على عداك وعارا
كل من نال غير ذاتك فضلاً / كانَ حلياً من غيره مستعارا
كلما زدت بالعلوم اطّلاعاً / زادك الله رفعة ووقارا
وإذا طاولتك أبواعُ قوم / أصبحتْ عن مدى علاك قصارا
أنتَ في العلم واحدٌ لا يسا / ووك مقاماً ورتبة وفخارا
هل تنوب العصيّ عن مضرب / السيف وتغني عن العقاب الحبارى
فإذا قيست الأكابر في عليا / ك كانوا كما عَلِمْتَ صغارا
أعجز الخلق ما صنعتَ إلى أنْ / علموا أنك الَّذي لا يجارى
وبتفسيرك الكتاب الَّذي أوضح / ت فيه من العلوم منارا
قد حلا لفظه وراق فهل / كنت من الشهد لفظه مشتارا
ومبانيه تملك اللبّ في الحسن / بلاغاً وحكمة واختصارا
كم رموزٍ كشفتها بذكاءٍ / كاشف عن دقيقها الأستارا
بتصانيفك الَّتي الهدي فيها / قد ملأت الفجاجَ والأقطارا
فإذا كنت أكبر الناس قدراً / ما لنا لا نرى بك استكبارا
أنت معنىً كُوِّنْتَ في خاطر ال / دهر إلى أن برزَت منه ابتكارا
وكأنَّ الزمان أذنبَ حتَّى / بك قد جاءنا الزمان اعتذارا
فتنقلت في مناصب مجد / وكذا البدر لم يزل سيارا
صرت تاجاً على رؤوس المعالي / وأرى المجدَ حيثما صرت صارا
مالكي في جمال برّ سجايا / أعْوزَتْنا الأشباه والأنظارا
حيث لم أستطع مكافاتك الفض / ل بشيء أنْشَدْتُك الأشعارا
وقليل لك المديح وإنْ كنتُ / بمديحك شاعراً مكثارا
لا عدمنا على دوام الليالي / طلعةً منك تخجل الأقمارا
أيُّها القبر لا بَرِحْتَ مَصوباً
أيُّها القبر لا بَرِحْتَ مَصوباً / من غزيرِ الحيا بصيّب مُزْنِ
دفنوا في ثراك أكرمَ مَيْتٍ / خال ما بينه المَنونُ وبيني
من أبٍ كانَ بي رؤوفاً رحيماً / جُزِيَ الخيرَ والمثوبة عني
سوف أبكيه ما حييت وإن كا / ن بكائي عليه ليس بمغن
نال من ربِّه مقاماً كريماً / يتمنّى مكانه المتمنِّي
قلت لما مضى وأرَّختُه قد / نِلتَ عبد الوهاب جنَّاتِ عدن
يا إماماً في الدِّين والمذْهب الح
يا إماماً في الدِّين والمذْهب الح / قّ على علمك الأَنام عيالُ
رضي الله عنك أوْضَحتَ للنا / س منار الهُدى فبادَ الضلال
قد ملأت الدُّنيا بعلمك حتَّى / نلت بالعلم غايةً لا تنال
كلَّما قالت الأَئمَّة قولاً / فإلى ما تقول أنتَ المآل
إنَّما أنتَ قدوة الكلّ بالكلِّ / وعنك التفضيل والإِجمال
رحمةُ الله لم تزل تتوالى / ما توالى الغدوُّ ولآصال
شمِلَتْ حضرةً مقدَّسةً فيك / وقبراً عليك منك جلال
فبأبوابها تناخُ المطايا / وبأفنانها تُحَطُّ الرِّحال
فاز من زارها ومن حلَّ فيها / وعليه الخضوع والإِذلال
يا مفيضاً من روحه نفحات / منك يستوهب الكمال كمال
سار بالشَّوق قاصداً من فروقٍ / وإليك المسير والانتقال
زورة تمحق الذنوب وفيها / للمنيبين منحة ونوال
عن خلوصٍ وعن ثبات اعتقاد / أوقَفَتْه ببابك الآمال
ودعاه إليك وهو بعيد / سفر عن بلاده وارتحال
لم تعقْه فدافد وحزون / وقفار مهولة وجبال
فطوى في مسيرة الأرض طيًّا / حين وافى وما اعتراه ملال
إنْ يصادفْ منك القبول فقد / فازَ وثَمَّ الإِسعاد والإِقبال
لم يَخِبْ لآملٌ بما يرتجيه / وله فيك عِزَّةٌ واتّصال
أنت قطب في عالم العلم منه / تستمدّ الأَقطاب والأَبدال
بك في العالمين يرحمنا اللَّ / هُ وعنَّا تخفّف الأَثقال
أيّ جمع هذا وأيّ اتِّفاق
أيّ جمع هذا وأيّ اتِّفاق / وصحابٍ أماجد ورفاق
خالفوا داعي الشّقاق وشقُّوا / بالتئام منه عصيّ الشّقاق
كلّ فرد منهم من الفضل كنز / ليس يخشى الإِملاق في الإِنفاق
أيّ ناد نادي الأَجلّ شها / ب الدِّين بحر العلوم مفتي العراق
لو أفضيت علومه في البرايا / شمل العالمين بالإِغراق
محرقٌ حجَّة الغياد ولا بدْعة / فإنَّ الشهاب للإحراق
كاشف الغمّ إنْ توالت غموم / فارج الهمِّ عند ضيق الخناق
فإلى فضله تهادى المطايا / وإلى ربعه حنين النياق
فهو إذ ذاك ملجأ النَّاس طرًّا / وأجلّ الورى على الإِطلاق
فتأمَّل فيما حوى اليوم نادي / ه ففيه مكارم الأَخلاق
جمعوا بين شدَّة البأس في / الجدّ وفي الهزل رقَّة العشَّاق
إنَّما السَّاعة الَّتي جمعتهم / جمعت لي محاسن الآفاق
فغدتْ مثل روضة باكرتها / غاديات بالوابل المهراق
فكأَنَّ الحديث فيه مدام / حملتها إليَّ كفُّ السَّاقي
مجلس ما انطوى على غير أُنسٍ / وخلى من تحاسد ونفاق
يا له مجلس بأحمد قد أش / رق في الحُسن غاية الإِشراق
دبَّ فيه السُّرور من كلّ وجهٍ / بأديب الزَّمان عبد الباقي
وتعالى إلى المعالي عليٌّ / وبالعوالي وبالسيوف الرقاق
وعلا قدره بقدر عليٍّ / وتسامى فكان في الفخر راقي
قلَّد النَّاس أيدياً من نداه / فهي مثل الأَطواق في الأَعناق
كم شكرنا غداة يقتسم الوفد / نداه مقسّم الأَرزاق
أسعد الله السَّعيد لديهم / كلّ عذب الكلام حلو المذاق
فأراعوا هذا الزَّمان بجمع / لا أُريعوا من بعدها بالفراق
أيُّ نارٍ بها الجوانحُ تُصْلى
أيُّ نارٍ بها الجوانحُ تُصْلى / وجُفونٍ تَصوب بالدَّمع وبْلا
كلَّما لاح بارق هاج وجد / وجرى مدمعٌ له واستهلاّ
مغرم لا يعي الملامة في الح / بِّ ولا يرعوي فيقبل عذلا
ما يفيد المشوق يا سَعْدُ أمسى / مُكثِراً من بكائه أو مقلاّ
صَرَعَتْه العيون نُجلاً وهل تص / رع إلاَّ عيونها الغيد نجلا
وسَقَتْه كأسَ الغرام وما كا / نَ ليشفي الغرام عَلاً ونَهلا
ما يعاني من الصبابة صَبٌّ / كانَ قبل الهوى عزيزاً فذلاّ
قد أذلَّ الغرامُ كلَّ عزيز / والهوى يترك الأَعزّ الأَذلاّ
وبنفسي مهفهف العطف أحوى / حرَّم الله من دمي ما استحلاّ
قل لأحبابنا وهل يجمع الده / ر على بعدهم من الدار شملا
ما تسلَّيت في سواكم ومن لي / بفؤاد في غيركم يتسلَّى
فرَّق الدهر بيننا بالتَّنائي / وقضى بالنَّوى وما كانَ عدلا
علِّلونا منكُم ولو بخيالٍ / يهتدي طيفه فيطرق ليلا
فعسى المهجة الَّتي أظْمَأَتْها / زفرةُ الوجد بعدكم أن تُبَلاّ
إنَّ وُرْقاً ناحت على الغصن شجواً / أنا منها بذلك النَّوح أولى
وشجتنا بنوحها حين ناحت / فكأَنَّ الورقاء إذ ذاك ثكلى
ذكَّرتني وربَّما هيَّج الذِكرُ / زماناً مضى وعصراً تولَّى
وهوى مربع لظمياءَ أقوى / تسحب المزن في مغانيه ذيلا
فسقى ملعبَ الغزال وميضٌ / من هطول يسقي رذاذاً وهطلا
أفأشفي الجوى بآرام رَبْعٍ / صحَّ فيه نسيمه واعتلاّ
رُبَّ طيفٍ من آل ميٍّ طروق / زار وهناً فقلت أهلاً وسهلا
نوَّلتني الأَحلامُ منه الأَماني / وانقضى عهده وما نلت نيلا
إذ تصدَّى لمغرم مات صدَّا / وتولَّى حرّ الغرام وولَّى
زائراً كالسَّراب لاحَ لصادٍ / قبل أن يذهب الظماء اضمحلاّ
واللَّيالي تريك كلّ عجيبٍ / وتزيد الخطوب بالشَّهم عقلا
وإذا ما محت أعاجيب شكلٍ / أثْبَتَت من عجائب الدهر شكلا
قد أكلت الزَّمان حلواً ومرًّا / وشربت الأيام خمراً وخلاّ
وأَبَتْ لي أُبوَّتي إنْ أُداري / معْشراً من مدارك الفضل غفلا
لا أُداري ولا أُمالي ولا أش / هدُ زوراً ولا أُبدِّلُ نقلا
قد كفاني ربِّي استماحة قومٍ / أشربوا في الصُّدور غِلاًّ وبخلا
بأبي القاسمِ الَّذي طابَ في النَّا / س نِجاراً وطابَ فرعاً وأصلا
وإذا عَدَّدَتْ بنيها المعالي / كانَ أعلى بني المعالي محلاّ
فخر آل الزهير والجبل الباذخ / أضحى على الجبال مُطلاّ
ظلَّ من يستظلّ بظلٍّ / لا عدمناه في الأَماجد ظِلاّ
كلَّ يومٍ وكلَّ آنٍ لديه / يجتدي سائل ويبلغ سؤلا
بأبي وافر العطايا إذا ما / أكثرَ النَّيل بالعطاء استقلاّ
وعيال ذوو العقول عليه / في أُمور تدقّ فهماً وعقلا
عصمة للأفكار من خطأ الرأ / ي وهادٍ للفكر من أن يضلاّ
نوَّر الله منك قلباً ذكيًّا / ظُلَمُ الشَّكّ فيه لا شكَّ تجلى
غادر المحل في أياديه خصباً / في زمان يغادر الخصب محلا
كم أيادٍ تلك الأَيادي أفاضت / وأسالت من وابل الجود سيلا
سابق من يجيء بالفضل بَعْداً / لاحقٌ بالجميل من كانَ قبلا
شَهِدَ اللهُ والأنام جميعاً / أنَّه الصَّارم الَّذي لن يُفلاّ
إنْ تُجرِّده كاشفاً لِمُلِمٍّ / فكما جرَّدَت يمينك نصلا
وعلى ما يلوح لي منه مرأًى / قَرَأَ المجدُ سَطْرَه واستملاّ
يا حُساماً هززته مشرفيًّا / صَقَلَتْهُ قيْنَ المروءة صقلا
مِن جليلٍ أعزَّك الله في العا / لم قدراً سما فعزَّ وجلاّ
أيّ نادٍ ولم يكنْ لك فيه / آيةٌ من جميل ذكرك تتلى
قد حكيت الشّمّ الرَّواسي وقاراً / وثباتاً في الحادثات ونبلا
وبنات الأَفكار لم ترضَ إلاَّ / كُفؤها من أكارم النَّاس بعلا
أيُّها المُنعم المؤمَّل للفضل / حباك الإِله ما دمت فضلا
أَلْبَسَتْني نعماك من قبل هذا / جِدَّةً من مفاخر ليس تبلى
كلّ يومٍ تراك عيناي عيدٌ / عند مثلي ولا أرى لك مثلا
فإذا قلتُ في ثنائك قولاً / قيلَ لي أنتَ أصدق النَّاس قولا
فبما نعمةٍ عليَّ وفضلٍ / أثقَلَتْني أيديك بالشُّكر حملا
لا يزال العيد الَّذي أنتَ فيه / عائداً بالسُّرور حَوْلاً فَحَوْلا
من أبي الهدى لاح فينا مظهرْ
من أبي الهدى لاح فينا مظهرْ / فَتَجلّى لنا بنورٍ أزهرْ
هو كالبحر إنْ تَرِدْه تراه / معدن الدرّ بل مقرّ الجوهر
عُدم الفضل من تباعد عنه / ذاك في الغيّ قد أبى واستكبر
هذه الدَّارُ ما عسى أن تكونا
هذه الدَّارُ ما عسى أن تكونا / فاقضِ فيها لها عَليك دُيونا
كانَ عهدي بها ومن كانَ فيها / أشرَقَتْ ولانتْ غصونا
يا دياراً عَهِدتُها قبلَ هذا / جنَّةً أزْلِفَتْ وحوراً وعِينا
كنتِ للشادن الأَغنّ كناساً / مثلما كنتِ للهزبر عرينا
قَد وقفنا على بقايا رسومٍ / دارساتٍ كأسطرٍ قد مُحينا
فبذلنا لها ذخائر دمعٍ / كانَ لولا الوقوف فيها مصونا
ذكَّرتْنا الهوى وعهد التَّصابي / فذكرنا من عهدها ما نسينا
هلْ عَجِبْتُمْ والحبُّ أمرٌ عجيبٌ / كيفَ يَستعذبُ العذابَ المهينا
أو سألتم بعد النوى عن فؤادي / فسَلوا الظاعنين والنازحينا
وبنفسي أحبَّة يومَ بانوا / حَرَّموا النومَ أنْ يمَسَّ الجفونا
عَرَّضوا حين أعرضوا ثمَّ قالوا / قَدْ فتنَّاك في الغرامِ فتونا
إنْ أطلنا الحنينَ شوقاً إليكم / فعلى الصَّبِّ أنْ يطيل الحنينا
ربَّ ورقاءَ غَرَّدَتْ فشجتني / وكذاك الحزين يشجي الحزينا
رَدَّدَتْ نَوحَها فردَّدت منِّي / زفرةً تصدع الحشا وأنينا
ردِّدي ما استطعت أيَّتها الوُرْقُ / شجوناً من الأَسى ولحونا
وأعيدي شكوى الغرام عَلَيْنا / واجهدي لا شقيتِ أنْ تسعدينا
لو شكوناك ما بنا لشرحنا / لكِ من لوعة الغرامِ متونا
ما أطعنا اللُّوَّامَ والحبُّ يأبى / أنْ يطيعَ المتيَّمُ الَّلائمينا
لهف نفسي على مراشف ألْمى / أوْدَعَ الثغرَ منه داراً ثمينا
لانَ عطفاً مهفهفُ القدِّ قاسٍ / كلَّما زادَ قسوةً زدْتُ لينا
يا شفائي من عِلَّةٍ بَرَّحَتْ بي / إنَّ في القلبِ منك داءً دفينا
يا ترى تجمع المقادير ما كانَ / وأنَّى لنا بها أنْ تكونا
في ليالٍ أمضيتُها بعناق / لا يظنُّ المريب فينا الظنونا
فرَّقَتْنا أيدي النوى فافترقنا / ورمينا ببَيْنها وابتلينا
بينَ شرقٍ ومغربٍ نَنْتَحيه / فشمالاً طوراً وطوراً يمينا
أسعدَ الله فِرقَةَ العزِّ لمَّا / كانَ عبد الرحمن فيها خدينا
قدَّمتْه الولاةُ واتَّخذته / في الملمَّات صاحباً ومعينا
واستَمدَّتْ من رأيه فَلَقَ الصُّبحِ / بَياناً منه وعلماً رصينا
جَذَبَ النَّاسَ بالجميل إليه / وحباهم بفضله أجمعينا
فرأتْ ما يَسُرُّها من كريمٍ / من سُراة الأَشراف والأَنجبينا
شِيَمٌ عن إبائه في المعالي / أسلَكَتْه طريقها المسنونا
تَستَحيل الحزونُ فيه سهُولاً / بعدَ ما كانت السهول حزونا
ويهون الأَمر العظيمُ لديه / وحَرِيٌّ بمثلِهِ أنْ يهونا
زانَ ما شان في حوادث شتَّى / ومحا ما يشين في ما يزينا
فإذا قستُه بأَبناء عَصري / كانَ أعلى كعباً وأندى يمينا
قد وَجَدْناك والرِّجال ضروبٌ / والتجاريبُ تظهرُ المكنونا
عروةٌ من عُرا السَّعادة وثقى / قد وثقنا بها وحبلاً متينا
هذه النَّاس منذ جئتَ إليها / زَجَرَتْ منك طائراً ميمونا
كلّ أرضٍ تحلُّها كانَ أهلو / ها بما ترتجيه مستبشرينا
وإذا رُوِّعَتْ ومثلُك فيها / أصبحوا في ديارهم آمنينا
يا شريفَ الأَخلاق وابنَ شريفٍ / أشرفَ النَّاس أثبتَ النَّاس دينا
أحمِدُ الله أن رأتكَ عيوني / فرأتْ ما يَقُرُّ فيك العيونا
وشَمَمْنا من عَرف ذاتك طيباً / فكأنِّي إذ ذاك في دارينا
وَوَرَدْنا نداك عذباً فراتاً / إنَّما أنتَ منهلُ الواردينا
لك في الصالحات ما سوفَ يبقى / ذكرها في الجميل حيناً فحينا
حُزتَ فهماً وفطنةً وذكاءً / وتَفَنَّنْتَ في الأُمور فنونا
وتولَّيتَ في الحقيقة أمراً / كانَ من لطفه المهيمن فينا
سيرة ترتضى جُبِلَتْ عليها / ومزايا ترضي بها العالمينا
فاهنأ بالصَّوم والمثوبة فيه / وجزيل الصِّيام في الصَّائمينا
وبعيدٍ يعودُ في كلِّ عامٍ / لكَ بالخيرِ كافلاً وضمينا
ذَكّراني عَهْدَ الصبا بسعاد
ذَكّراني عَهْدَ الصبا بسعاد / وخَوافي الجوى عليَّ بوادي
ورَواحي مع الهوى وغدوّي / لا عداها يوماً مصبُّ الغوادي
وبياض المشيب سَوَّدَ حَظي / عِنْدَ بيض المها سوادَ المداد
يا ابن وُدِّي وللمودَّة حقٌّ / فاقضِ إن شئتَ لي حقوق الوداد
وأَعِدْ لي ما كانَ من برحاء / كنتُ منها في طاعة وانقياد
يومَ حانَ الوداع من آل ميّ / فأرانا تَفَتُّتَ الأَكباد
تركوا عَبرتي تصوب وَوَجدي / في هياجٍ ومهجتي في اتّقاد
هلْ علمْتُمْ في بينكم أنَّ عيني / لم تذق بعدكم لذيذ الرقاد
لا أذوق الكرى ولا أطعمُ الغم / ضَ ولا تَنثني لطيفٍ وسادي
واللَّيالي الَّتي تَمرُّ وتمضي / ألَّفَتْ بين مقلتي والسُّهاد
كلّ يومٍ أرى اصطباري عنكم / في انتقاص ولوعَتي في ازدياد
قد أخذتم منِّي الفؤاد فردُّوا / في تَدانيكم عَليَّ فؤادي
وأعيدوا ما كانَ منَّا ومنكم / وليَكُنْ ما جَرى على المعتاد
أينَ عهدي بهم فقد طال عهدي / فسُقي عهدهم بصَوب عِهاد
فمرضي في هواك زادني سقاماً / فَلَعلِّي أراك في عوَّادي
فَدموعي على هَواك غزارٌ / وفؤادي إلى رضابك صادي
يا عَذولاً يَظُنُّ أنَّ صلاحي / في سُلُوِّي وذاك عينُ فَسادي
أنا فيما أراه عنكَ بوادٍ / في هيامي وأنتَ عنِّي بواد
إنَّما أعينُ الظِّباء وما يج / هل منها مصارع الآساد
ما أراني من القوام المفدَّى / ما أراني من القنا الميَّاد
ولحاظٍ كأنَّهنَّ بقلبي / مُرهَفَات سُلَّتْ من الأَغماد
أيُّ قلبٍ عذَّبته بصدودٍ / ودُنُوٍّ نَغَّصَتْهُ ببعاد
لم يُفدْني تطلُّبي من ثِمادٍ / أبتغيه ورقَّةٍ من جَماد
ما لحظي من اغترابي وما لي / موُلعٌ بالاتهام والإِنجاد
ويَدُ البين طالما قَذَفَتْني / غُرَّةً في دكادك ووهاد
وتَقَلَّبْتُ في البلاد وماذا / أبتَغي من تَقَلُّبي في البلاد
ليتَ شعري وليتني كنتُ أدري / ما مرامي من النوى ومرادي
وببغدادَ من أُحاولُ فيها / أشْرَفُ الحاضرين في بغداد
وهو عبد الرحمن نجلُ عليٍّ / عَلَويُّ الآباء والأَجداد
التَّقيّ النَّقيّ قولاً وفعلاً / والكريمُ الجوادُ وابنُ الجواد
رفعَ اللهُ ذِكره في المعالي / من عَليِّ العُلى رفيع العماد
شَرَفٌ باذخ ورفعةُ ذكر / رَغِمَتْ عندها أُنوفُ الأَعادي
هكذا هكذا المكارم تروى / والمزايا من طارف وتلاد
ساد بالعلم والتُّقى سيّد النا / س فخاراً للسَّادة الأَمجاد
يَقتَني المالَ للنَّوال وإنْ كا / نَ لَعَمري فيه من الزهّاد
شرح اللهُ صدْرَهُ فأرانا / في سَواد الخطوب بيض الأَيادي
كم رَوَتْنا الرُّواة عنه حديثاً / صَحَّ عندي بصحّة الإِسناد
وأَعَدْتُ الحديثَ عنه فقالوا / ما أُحيلى هذا الحديث المعاد
فَيُريني حلاوة الجود جوداً / وأُريه حَلاوةَ الإِنشاد
عَلِمَ اللهُ أنَّه في حِجاهُ / مُفْرَدُ العَصْر واحدُ الآحاد
صَيْرَفِيُّ الكلام لفظاً ومعنًى / من بصير بذوقهِ نقَّاد
يعرف الفضل أهْلَهُ وذَووه / وامتياز الأَضداد بالأَضداد
إنْ تغابَتْ عنه أُناسٌ لأمرٍ / أَو عَمَتْ عنه أعينُ الحسَّاد
فكذاك البياض وهو نقيٌّ / مُبْتلى في نقائه بالسَّواد
يا بني الغوث والرُّجوع إليكم / حينَ تعدو من الخطوب العوادي
يكشف الله فيكم الضُّرَّ عنَّا / وبكم نَقْتَفي سَبيلَ الرَّشاد
كيفَ لا نستمدُّ من رُوحِ قوم / شُفَعَاء لنا بيوم المعاد
رضيَ الله عنهم ورضوا عنه / خيار العباد بين العباد
فولائي لهم وخالص حبِّي / هو ديني ومذهبي واعتقادي
فعلى ذلك الجناب اعتمادي / وإلى ذلك الجناب استنادي
فضلكم يشمل العُفاة جميعاً / ونداكم للصادر الوَرَّاد
إنَّ لله فيكم كنز عِلْمٍ / ما له ما بقيتم من نفاد
إنْ حدا هذه القصائد حادٍ / فلها من جميل فِعلك حادي
وعليكم تملي القوافي ثناءً / عطراتِ الأَنفاسِ في كلِّ ناد
وإذا ما أردْتُ مدحَ سواكُم / فكأنِّي اخترطت شوك القتاد
ربحت فيكم تجارة شعري / لا رماها في غيركم بالكساد
أنا في شكركم أروح وأغدو / فأنا الرَّائح الشكورُ الغادي
كم دمٍ فيك أيُّها الرِّيمُ طُلاّ
كم دمٍ فيك أيُّها الرِّيمُ طُلاّ / وفؤادٍ بجَمرةِ الوجد يَصلى
فأناسٌ بخمرِ عَينيك صَرعى / وأناسٌ بسَيْف جفنيكَ قتلى
قلْ لعينيك إنَّها قَتَلْتنا / أحسِني بالمتيَّم الصبِّ قتلا
ولك الله من حبيبٍ ملولٍ / غير أنَّ الهوى به لن يُملاّ
يا عزيزاً أذلُّ طوعاً لديه / والهوى يترك الأعزَّ الأذلا
إنْ تعجِّلْ بالهجر منك عذابي / أو تُؤاخِذْ متيّميك فمهلا
وإذا ما اسْتَحْليْتَ أَنْتَ تلافي / كانَ عندي وريقِك العذبِ أحلى
لا يملُّ العَذابَ فيك معنّى / نُصحاً وسواك الَّذي يَملُّ ويُقلى
يتراءى لعاذلي أنَّني أسمَعُ / نُصحاً له وأقبلُ عذلا
يأمُرُ القلبَ بالسلوّ ومن لي / بفؤادٍ يُرضيه أن يتسلّى
خَلِّني والهوى بآرامِ سَلْعٍ / يا خَليلي ولا عدمتُك خلاّ
ربَّ طيفٍ من آل ميٍّ طروقٍ / زارَ وَهناً فقلت أهلاً وسهلا
إنَّ من أرسَلَتْك من بعد منعٍ / قد أساءتْ قطعاً وأحْسَنتْ وصلا
بعثَتْ طيفَها ولم تتناءى / عن مزاري إلاَّ دلالاً وبخلا
فلقد كاد أنْ يَبُلَّ غليلي / ذلك الطيف في الكرى أو بلاّ
نَظَرتْ أعيُني منازلَ في الجزع / فأرْسَلْتُ دمعها المستهلاّ
لم أُكَفْكف دَمعي بفضل ردائي / بادّكار الأحباب حتَّى ابتلاّ
فسُقيت الغمامَ يا دار ظمياءَ / موقراتٌ نسيمُها المعتلاّ
طالما كنتُ فيك والعيش غضٌ / وعروسٌ من المدامة تجلى
أشْرَبُ الرَّاح من مراشف ألمى / جاعلاً لي تُفَّاحَ خَدَّيه نَقلا
فابكِ عَنِّي عَهْدَ الصّبا أو تباكَ / لبكائي والصبُّ بالدمع أولى
أينَ ذاك الهوى وكيف تقضّى / كانَ خمراً فما له صار خلاّ
صاحبي هذه المطيُّ الَّتي سا / رت عِشاءً تجوبُ وَعراً وسهلا
زادَها الوجْدُ غُلَّةً والنوى / وَجْداً وفُرْقَةُ الشَّملِ غِلاّ
تَتَلظَّى كأنَّها في حَشاها / جمراتٌ تذوبُ منها وتَصْلى
وغَدَتْ بعدَ طيِّها الأرض طياً / آكلاتٍ أخفافَها البيدُ أكلا
أتراها تَبغي النَّدى من عليٍّ / فَنَداه لم يُبْقِ في النفس سؤلا
ساد أقرانَه وكان غلاماً / ثم سادَ الجميعَ إذ صار كهلا
وانْتَضَتْه يَدُ العُلى مَشرفيًّا / صَقَلتْه قَينُ السِّيادة صقلا
فأراعَ الزمانَ منه جمالٌ / وجَلا كلَّ غيهبٍ إذ تجلّى
غَمَرَ النَّاس بالجميل فقُلْنا / هكذا هكذا الكرامُ وإلاّ
بأيادٍ تكون في المحْل خِصباً / في زمان يصيّر الخطب محلا
باذلاً كلَّ ما يروق ويحلو / لا مُملاًّ ولا ملولاً بذلا
والفتى الهاشمي إنْ جادَ أغنا / ك وإن أجْزَلَ العطاءَ استَقَلاّ
ربَّما خلْتَه لفرطِ نَداه / مُكثراً وهو عند ذاك مُقِلاّ
وسواءٌ لَدَيه في حالَتَيه / كَثُرَ المالُ عِنده أو قلاّ
آلُ بيت إن كنتَ لم تَدْرِ ما هم / فاسأَلِ البيتَ عنهمُ والمصلّى
بأبي أَنْتَ من سُلالَةِ طه / أشرَفُ الكائنات عقلاً ونقلا
سَيِّدٌ لا يمينه تَقْبَلُ القَبض / ولا طبعُهُ يلائم بُخلا
وبما قد سَبَقْتَ مَن جاءَ بعداً / سيّدي قد أدْرَكْتَ من كانَ قبلا
ما تعالَتْ قَومٌ إلى المجد إلاَّ / كنت أعلى مِنْهم وأَنْتَ الأعلى
طيّب الفرع طيّب الذات تُخشى / سطوات الظبا وترجى نيلا
وإذا كنتَ أطيبَ النَّاس فرعاً / كنتَ لا شك أطيبَ النَّاس أصلا
يا عليَّ الجناب وابنَ عليٍّ / والمعالي لم ترض غيرك بَعلا
قد بَلَوْناك يوم لا الغيثُ ينه / لُّ فَشِمناك عارضاً منهلا
وَوَجَدْناك للجميع مَلاذاً / يَرتجيك الجميعُ جوداً وفضلا
والأماني تُلقي ببابك رحلاً / كلَّ يوم تمضي وتملأُ رحلا
وتلاقي حُلاحِلاً جعل الله / عُلاه على البريّة ظلاّ
ربَّما كانَ في الأوائل مثلاً / لك واليوم لم نجد لك مثلا
أَنْتَ ذاتٌ تُرى لدى كلّ يوم / ترتقي منصباً وتعلو محلاّ
أَنْتَ في كلِّ موضعٍ ومكانٍ / آيةٌ من جميل ذكرك تتلى
فإذا قُلتُ في مديحك شيئاً / قيلَ لي أَنْتَ أصدقُ النَّاس قولا
فتقبَّل مولايَ فيك ثَنائي / وليَ الفخرُ إن تكُنْ ليَ مولى
وتكرَّمْ بأخذِه ولَكَ الفَضلُ / وما زِلتَ للفضائل أهلا
لا تزال الأيام في كلِّ حَوْلٍ / لكَ عيداً ودُمْتَ حَوْلاً فحَولا
من لصبِّ متَيَّمٍ مستهام
من لصبِّ متَيَّمٍ مستهام / دَنِفٍ من صبابةٍ وغَرامِ
لامَه اللاّئمون في الحبِّ جهلاً / وهو في معزلٍ عن اللوَّام
لا تلوما على الهوى دَنِفَ القل / ب فما للهوى وما للملام
كيف يصحو من سكرة الوجد صبٌّ / تاه في سكره بغير ودام
وَرَمته فغادرته صريعاً / يا لقومي لواحظُ الآرام
جرَّدت أعينُ الظباء سيوفاً / ورَمَتْنا ألحاظها بسهام
لستُ أنسى منازل اللَّهو كنتْ / مشرقات بكلٍّ بدرٍ تمام
تنجلي أكؤس من الرَّاح فيها / يضحك الرَّوض من بكاء الغمام
بين آسٍ ونرجسٍ وبهارٍ / وهزارٍ وبُلبُلٍ ويمام
ومليحٍ مهفهف القدّ ساجي الطَّر / ف عذب الرّضاب لدن القوام
يمزج الرَّاح من لماه ويس / قينا حلالاً يشوبه حرام
وبروحي ذاك الغرير المفدَّى / فيه وجدي وصبوتي وهيامي
شَهِدَتْ واوُ صدغه مذْ تبدَّى / أنَّ لامَ العذار أحسن لام
لو ترَشَّفْتَ من لماه رحيقاً / لشفاني من علَّتي وسقامي
ربَّ ليلٍ أطَعْتُ فيه التَّصابي / باختلاسي مسرَّة الأَيَّام
بَرَزَتْ في الظَّلام شمس الحميَّا / فمَحَتْ بالضّياء جُنْحَ الظَّلام
فانتشقْنا نوافجَ المسك لمَّا / فضَّ عنها السُّقاة مسك الختام
من معيدٌ عليَّ أيَّام لهوٍ / أعقبَتْنا عن وصلها بانصرام
وزمان مضى عيش تقضى / ما أرى عَوْده ولو في المنام
مرَّ والدَّهر فيه طلق المحيا / كمرور الخيال في الأَحلام
لو تبلُّ الدُّموع غلَّة صبٍّ / بلَّ دمعي يوم الغميم أُوامي
يوم حانَ النَّوى فسالت دموع / لم أخَلْها إلاَّ انسجام ركام
وتلظَّت حشاشة أوقدوها / آل ميٍّ من بينهم بضرام
كلَّما نسّمت رياح صباها / قلتُ يا ريح بلِّغيها سلامي
سُقيت دارهم أحبَّة قلبي / من دموعي بمثل صَوب الغَمام
إنَّ أيَّامنا على القرب منهم / صُدِعَتْ بالفراق بعد التئام
ذمَّةٌ قد وفيت فيها لديهم / وعلى الحرِّ أن يفي بالذّمام
لو تراني من بعدهم وادّكاري / ماضيات العصور والأَعوام
أتلهَّى تعلُّلاً بالأَماني / بنثارٍ أقول أو بنظام
فإذا قلتُ في الكرام قصيداً / ذقّتُ فيها حلاوةَ الانسجام
زانَ شعري وزانَ نظمي ونثري / صدق مدحي للسَّادة الأَعلام
وإذا رمت في الرِّجال كريماً / كانَ عيد الرحمن أقصى مرامي
إنَّما أعرف المكارم منه / من كريمِ الأَخلاق نجل الكرام
قسم الفضل في الرِّجال فأضحى / حظُّه منه وافر الأَقسام
لو تغنَّى الحمام بالمدح فيه / أرقصَ البان في غناء الحمَام
طاهر لا يشوبه دنس الآ / ثام فما لاث قطُّ بالآثام
لو تأمَّلتَ في علوم حواها / قلت هاتيك منحةَ الإِلهام
أُوتي الفضل والكمال غلاماً / يا له الله سيِّداً من غلام
ناشئ مذ كانَ في طاعة الله / صلاةً موصولةً بصيام
ثابت الجأش لا يراع لأمرٍ / ثابت عند زلَّة الأَقدام
إنَّ فيه والحمْد لله ما ير / فع قدر العلوم بين الأَنام
فطنة تدرك الغوامض علماً / حُجِبَتْ عن مدارك الأَفهام
أدبٌ رائعٌ وعلمٌ غزيرٌ / أينَ منه الأزهار في الأَكمام
فإذا ما سمعت منه كلاماً / كانَ ذاك الكلام حرّ الكلام
يا شفاءَ الصُّدور من عِلَلِ / الجهلِ ويا برءها من الآلام
يا رفيع العماد يا ابن عليٍّ / يا ابن عالي الذّرا عليّ المقام
أَنْتَ غيثٌ على العُفاة هطول / أَنْتَ بحرٌ من المكارم طامي
آل بيت النبيّ لا زال فيكم / ثقتي في ولائكم واعتصامي
قد سرت منكم بنا نفحاتٌ / سريان الأَرواح في الأَجسام
قد أَعدُّوا لكلِّ أمر عظيم / واستعدُّوا للنقض والإِبرام
دامَ مجدٌ لهم وللناس مجد / ما سواهم وما له من دوام
شيَّدوها مبانياً للمعالي / ما بناها مشيّد الأَهرام
طهَّر الله ذاتكم واصطفاكم / حجَّة للإسلام في الإِسلام
عَلقَتْ فيكم المطالب منَّا / منذ كنتم وما علقتم بذام
كلُّ فرد منكم إمامٌ لعصر / ما فَقَدنا منكم به من إمام
أَرْضَعَتْه أُمُّ العُلى بلبان / قد عهدناه قبل عهد الفطام
فلئنْ سار فيكم ذكر شعري / آخذاً بالإِنجاد والإِتهام
فبكم عِصْمتي وفيكم فخاري / وبلوغ المنى ونيل الحطام
إنْ كتمت الثناء حيناً عليكم / ضاق صدري به عن الاكتتام
فابق في نعمةٍ عَلَينا من الل / ه مفيضاً سوابغ الإِنعام
واهنأ يا سيِّدي بعيدٍ سعيدٍ / عائد بالسُّرور في كلّ عام
أَترجَّى الفتوح في المدح فيكم / بافتتاحي بمدحكم واختتامي
لا تَلُمْ مُغْرَماً رآك فهاما
لا تَلُمْ مُغْرَماً رآك فهاما / كلُّ صبٍّ تَرَكْتَهُ مُستهاما
لو رآك العذول يوماً بعيني / تَرَكَ العذل في الهوى والملاما
يا غلاماً نهاية الحُسن فيه / ما رأت مثله العيون غلاما
تاركٌ في الأَحشاء ناراً وفي الأَج / فان دَمْعاً وفي القلوب غراما
أتراني أبلُّ فيك غليلاً / أَمْ تراني أنال منك مراما
كلَّما قلت أَنْتَ برؤٌ لقلبي / بَعَثَتْ لي منك العيون سقاما
وَبوحْيٍ من سِحْر عَينيك يوحي / لفؤادي صبابة وغراما
عمرك الله هذي كبدي الحرَّى / تشكَّت إلى لماك الأُواما
فاسقني من رحيق ريقك صِرفاً / لا يريني كأس المدام مداما
حام خالٌ على زلالٍ برودٍ / هو فيك فاصطلاها ضراما
أَطْعَمَتْهُ في فيك أطماعُنا في / ك فما نال بردَها والسَّلاما
أَوَلَمْ تخشَ يا مليحُ من الله / بقتلي من غير ذنبٍ أثاما
فالأَمانَ الأَمانَ من سحر عينيك / فقد جَرَّدْتَ علينا حساما
لستُ أَدري وقد تَثَنَّيْتُ تيهاً / أَقَضيباً هَزَزْته أمْ قواما
ما هَصَرنا إلاَّ قوامك غصناً / ونظرنا إلاّكَ بدراً تماما
لم تَدُمْ لذَّةٌ لعَيْني بمرآك / فما للهوى بصَبِّكَ داما
فإذا مَرَّ بي ادِّكارُك يوماً / قَعَدَ الوَجْدُ بالفؤاد وقاما
فأجرني من مثل هجرك إنِّي / لا أرى العيش جفوةً وانصراما
بل أَعدُّ اليوم الَّذي أَنْتَ تجفو / فيه دهراً ويوم هجرك عاما
أينَ منك الآرام في مسرح السّرب / إذا قلتُ تشبه الآراما
يا غزالاً يرعى سويدا فؤادي / لا الخزامى بحاجر والثماما
صَرَعَتْ مقلتاكَ بالسّحر أقوا / ماً وداوَتْ من دائها أقواما
كم سَهِرْتُ الدُّجى بأعين صبٍّ / أمطرت مزنها فكان ركاما
والتمستُ الكرى لطرفي بطرفي / فرأيتُ الكرى عليَّ حراما
يا خليليَّ خلِّياني من اللَّوم / فإنِّي لا أسمع اللوَّاما
واتحفاني بطيب أخبار نجدٍ / وصِفا لي ربوعها والخياما
واذكرا لي من العراق شهاب / الدِّين نثراً في مدحه ونظاما
فبذكر الكرام تنتعش الرُّو / ح انتعاشاً فتطربُ الأَجساما
سادَ سادات عَصْره ولأمرٍ / فاخَر التِّبرُ والنّضارُ الرغاما
لم يَزَلْ للعلاء والمجد أقسا / ماً وللعلم والنّهى أقساما
فَعَلا في سماء كلّ فخارٍ / فتعالى علاؤه وتسامى
خارق فكره من العلم ما لم / يقبل الخرق قبلُ والالتئاما
فأرى النَّاس ما سواه وهاداً / مُذْ أرينا علومه الأَعلاما
يا إماماً للمسلمين هُماماً / بأبي ذلك الإِمام الهماما
إنَّما أَنْتَ رحمةٌ رَحِم الله / بها المسلمين والإِسلاما
يكشف الله فيك عن مشكلات ال / علم سرًّا ويرفع الإِيهاما
بكلامٍ يشفي الصدور من الجهل / شفاءً ويبرئ الأسقما
فكأنَّ العلومَ توحى إلى قَلبكَ / في السرِّ يقظةً ومناما
ولقد كِدْتَ أن ترى ما وراء الغَ / يْبِ عُلوماً أُلهِمتَها إلهاما
جلّ مجدٌ حَوَيْته أن يضاهى / وكمال رُزِقْتَه أن يُراما
قَصُرَتْ دون ما بَلَغْتَ الأعالي / عن محلٍّ حَللْتَه ومقاما
لم ينالوا أخفافها وتسنَّمتَ / برغم الأنوف منها السناما
قد رأيناك يوم جدٍّ وهزلٍ / قد نهرت الأفكار والأفهاما
فاقتطفنا من الرياض وروداً / وسمعنا من الدراري كلاما
وانتشقنا نسيم رقّةِ لفظ / كنسيم الصَّبا ونشر الخزامى
حججٌ منك توضح الحقَّ حتَّى / أفْحَمتْ كلَّ ملحدٍ إفحاما
نبَّهَتْ بعد رقّة الجهل قوماً / لم يكونوا من قبل إلاَّ نياما
مَحَقتْ ظلمة الضلالة والغيّ / كما بمحق الضياءُ الظلاما
يمنع البيض خطّ أقلامك السم / ر بلاغاً أن تسبق الأقلاما
أَنْتَ مقدامها إذا أصبح المق / دام فيها لا يحسن الإقداما
أَنْتَ أعلى من أن يقال كريمٌ / إن عَدَدْنا من الأنام الكراما
تغمرُ النَّاس بالجميل وصَوْبُ / المزن يسقي البطاح والآكاما
فإذا عَدَّتِ الأماجد يوماً / كنت بدءاً لها وكنتَ الختاما
جَدَّ في وَجْده بكم فَعَلاما
جَدَّ في وَجْده بكم فَعَلاما / عَذَلَ العاذِلُ المحبّ ولاما
ما درى لا درى بصبوة عانٍ / وَجَدَ الوجدَ في هواكم فهاما
يستلذُّ العذابَ من جهة الحبّ / ويحتار في الشّفاء السّقاما
أيُّها النازحون عنَّا بقلبٍ / أخلَقَ الصَّبر واستجدَّ الهياما
عَلِّلونا منكم ولو بنسيمٍ / يحملُ الشّيح عنكم والخزامى
وأْذَنوا للخيال يطرقُ ليلاً / أن يزور الخيالُ منكم مناما
لستُ أدري ولا المفنّد يدري / أمَلاً ما يزيدني أم غراما
أينَ عهدُ الهوى بآرام نجدٍ / وبلوغ المَشوق فيها المراما
ذَكِّراني بها مسرَّات عيشٍ / ليته عادَ بعد ذاك وداما
وابكِياها معي وإنْ كنتُ أولى / عَبْرَةً منكما عليها انسجاما
ربَّما يَنْفَعُ البكاء غليلاً / أو تبلُّ الدُّموعُ منا أُواما
وبنفس أحبَّةً أوقَدوها / لوعةً في الحشا فشَبَّتْ ضراما
حرموا عَينَيَّ الكرى يوم بانوا / واستباحوا دمي وكانَ حراما
يا لقومي وكلّ آية عذر / تعذر المستهام من أنْ يُلاما
كيفَ ينجو من الصَّبابة صبٌّ / فَوَّقَتْ نحوه العيونُ سهاما
ورَمَتْهُ بسهمِها فأصابتْ / حين أصْمَتْ فؤاده المستهاما
هل عَرَفْتَ الدّيارَ من آل ميٍّ / بعد أن أصْبَحَت طلولاً رماما
ليتَ شعري وأينَ أيَّام فروى / أفكانت أيَّامها أحلاما
ينْبِتُ الحُسن في ثراها غُصوناً / كلّ غصن يُقِلُّ بدراً تماما
مَن لصادٍ ظامي الحشا يتلظَّى / غُلَّةً في فؤاده واضطراما
لو رشفْنا الحياة من ريق أَلمى / ما شكوْنا من الجوى آلاما
لا تنوبُ المدام عن رشفاتٍ / من شفاهٍ تعافُ فيها المداما
حبَّذا العيش والمدام مدامٌ / ذلك العصر والندامى ندامى
فسقاها الغمامُ أربُعَ لهوٍ / كلَّما استسقَتِ الدِّيار الغماما
كانَ صَحبي بها وكنَّا جميعاً / نُشْبِهُ العِقْد بهجةً وانتظاما
فإذا عنَّ ذكرهم لفؤادي / قَعدَ الوجدُ بالفؤادِ وقاما
أَترى في الأَنجاب كابن عليٍّ / وهو عبد الرَّحمن شهماً هماما
ناشئٌ في الشَّباب في طاعة الل / ه فكان الصَّوام والقوَّاما
لا ينال الشيطانُ منه مراماً / ثقةً منه بالتقى واعتصاما
يرتَقي في الكمال يوماً فيوماً / ويسود الرِّجال عاماً فعاما
فطنة تكشفُ الغوامض في الع / لم ظهوراً وترفع الإِيهاما
فتراه إذا تأَمَّلْتَ فيه / ألهمَ العلمَ والحجى إلهاما
زانه الله بالتقى وحباه / عفَّةً في طباعه واحتشاما
طاهرٌ لا يمسّه دنس السُّو / ءِ عفافاً ولا يداني أثاما
فيه من جدِّه مناقب شتَّى / مُدْهِشات الأَفكار والأَفهاما
مَنْ أراه الترياق من ضرر السّ / مّ أراه على العدوّ سماما
فرع آل البيت الَّذي شرَّف الل / ه وأعلاهُمُ لديه مقاما
فتمَسَّكْ بهم ولذْ بحماهم / فهُمُ العروة الَّتي لا انفصاما
يبعثُ الله منهم كلّ عصرٍ / علماء أفاضلاً أعلاما
يمحقون الضلالَ من ظلمة الكف / رِ كما يمحقُ الضّياء الظَّلاما
يُنفقون الأَموال حبًّا لوجه الل / ه منهم ويطعمون الطَّعاما
دَحَضوا الغيَّ بالرَّشاد فما / زالوا إلى الله يرشدون الأَناما
كلَّما استبشروا بميلادِ طفلٍ / نشّر المسلمين والإِسلاما
وينال الوليدُ منهم علاءً / قبل أن يبلُغَ الوليد الفطاما
نوَّلوا وابلاً وجادوا غيوثاً / واستهلّوا بشاشة وابتساما
لو سألتَ العُلى أجابَتْكَ عنهم / أو سأَلتَ السُّيوفَ والأَقلاما
لا يُضام النزيلُ فيهم بحالٍ / وأبى الله جارَهم أن يُضاما
بلَغوا غاية المعالي قعوداً / تعجزُ الرَّاغبون فيها قياما
بأبي سيِّداً تهلّل طفلاً / وزكا عنصراً وسادَ غلاما
وكأنِّي به وقد وَلِيَ الأَمرَ / وأَضحى للعارفين إماما
هكذا تُخْبِرُ السَّعادة عَنْهُ / ويُطيلُ العرفانُ فيه الكلاما
يتَحلَّى من فضله بِحُلْيٍ / نَظَمَتْهُ غرُّ القوافي نظاما
يا رعى الله للأحبَّة في الجَزْع
يا رعى الله للأحبَّة في الجَزْع / زماناً مضى وعَهداً تقضّى
وبناءً من الشباب قويًّا / هَدَمَ الشيبُ ركنَه فانقضّا
يا زماناً مضى ولم يُبْقِ إلاَّ / لوعةً في الحشا وجرحاً ممضّا
قد مضى مثل وامض البرق عيشٌ / كانَ لي في الغميم بل هو أمضى
كم وَرَدنا فيه من الريق عَذْباً / ورَعَينا فيه من العيش روضا
واقتطفنا من الخُدود وُروداً / وهَصَرنا قدًّا من الغيد غضّا
وجَرَيْنا في كلِّ مضمار لهوٍ / وسَعَيْنا إلى الصبابة ركضا
سنّة للهوى وعهد التصابي / رفَضَتْها نفسي الأبيَّةُ رفضا
من مُعيري من الشبيبة حِلْياً / أتحلّى به وإنْ كانَ قرضا
لاح في عارضيَّ وَخْطُ مشيبٍ / عاد مُسْودُّه به مُبيضّا
غضَّ منه طرف الغواني ولولا / وَخَطَ الشيب طرفها ما غضّا
وأراني والعمر بسطٌ وقبضٌ / بعد بسطٍ من الصبابة قبضا
رَوِّح النَّفس ما استطعت فهَيْهاتَ / تُلاقي يوماً من العيش خفضا
أفيُعطيك في مشيبك يومٌ / ما تمنّى من الشباب فترضى
والليالي تُرضي على الشبيبة نفلاً / فابك مما ترى من الشيب فرضا
شفَّها السَّيْرُ والأسى والغرامُ
شفَّها السَّيْرُ والأسى والغرامُ / وبَراها الإنجادُ والإتهامُ
كم فَرَتْ مهمهاً وجابَتْ قِفاراً / واشتكتها الأوهاد والأعلام
فترفَّقْ بها فإنَّ حشاها / لو تأمَّلْتها جوىً وغرام
جَعَلتْ وِردَها من الماء عبًّا / أفيطفى من الدموع ضرام
كم ألَمَّت بنا على آل ميٍّ / ونبا من دروسها الآلام
يوم لاح الحمى فقلت لصحبي / هذه دارهم وتلك الخيام
فنثرنا من الهوى عبراتٍ / فَحَسِبْنا أنَّ الدموع ركام
كلَّمتنا الديار وهي سكوتٌ / إنَّ بعضاً من السكوت كلام
ذكَّرَتْنا بها وما دام عيشاً / أيُّ عيشٍ دامت له الأيام
ما عَلِمنا حتَّى انقضت وتولَّتْ / أنَّ أيامنا بها أحلام
إذ جَلَونا من الحميّا عروساً / بنت كرم لها الزجاج لثام
يا لها ساعةً بمجلس أنس / غاب جام بها وأشرَفَ جام
ضيَّعَتْها أيدي الحوادثِ منَّا / مثلَ ما ضَيَّعَ الجميلَ اللئام
نطلب الدهر أن يعود وهَيْها / ت يروّى من السَّراب الأوام
وبنفسي ذاك الغرير المفدى / ففؤادي بحيه مستهام
واشتياقي إلى ارتشاف رضاب / حَسَدَتْ ذلك الرضابَ المدام
يا غزالاً فدىً لعينيك قلبي / نظراتٌ أرْسَلْتها أمْ سِهام
هِمْتُ وَجْداً وذُبْتُ فيك هياما / وقليلٌ على هواك الهيام
كيف تخفى سريرةُ الحبِّ عنكم / وأخو الوجد دَمْعُه نمّام
ظَعَنَ الركب ضحوةً وأراني / لم يطب لي بعد الحبيب مقام
فاترك الهزل يوم جَدَّ بجدِّ / إنَّ هزل المقام بالشهم ذام
واطلبِ العزَّ بالقنا والمواضي / إنَّما العزّ ذابل وحسام
فمرام المنى ونيل المعالي / بسوى البيض والقنا لا يرام
وتمسَّك بسَمْهريّ وشيج / فالعوالي إلى المعالي زمام
واقتحمها إذا نَبَتْ بك يوماً / فأرى المجدَ بابُه الاقتحام
وادفع الشرّ إن عَلِمتَ بشرٍّ / ربَّما يدفع السّقامَ السقامُ
فمتى تكبر العزائم بأساً / صَغُرَتْ عندها الأُمور العظام
وتَقَلَّدْ بالرأي قبل المواضي / ليس يجدي بغير رأي صِدام
رُبَّ رأي بالخطب يفعل ما لا / يفعل السَّمهريُّ والصَّمصام
واحْذرِ الغَدْرَ من طباع لئيم / عنده الغدر بالصَّديق ذمام
وادَّخر للوغى مقالة حربٍ / لا تقوّي الأَجسامَ إلاَّ العظام
لا تلومي فتًى يخوض المنايا / كلُّ جبنٍ من الحِمام حِمامُ
واصبري فالأَسى سحابةُ صيفٍ / وَلرَبِّي بأمره أَحكام

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025