المجموع : 68
هَمَّتِ الفُلكُ وَاِحتَواها الماءُ
هَمَّتِ الفُلكُ وَاِحتَواها الماءُ / وَحَداها بِمَن تُقِلُّ الرَجاءُ
ضَرَبَ البَحرُ ذو العُبابِ حَوالَي / ها سَماءً قَد أَكبَرَتها السَماءُ
وَرَأى المارِقونَ مِن شَرَكِ الأَر / ضِ شِباكاً تَمُدُّها الدَأماءُ
وَجِبالاً مَوائِجاً في جِبالٍ / تَتَدَجّى كَأَنَّها الظَلماءُ
وَدَوِيّاً كَما تَأَهَّبَتِ الخَي / لُ وَهاجَت حُماتَها الهَيجاءُ
لُجَّةٌ عِندَ لُجَّةٍ عِندَ أُخرى / كَهِضابٍ ماجَت بِها البَيداءُ
وَسَفينٌ طَوراً تَلوحُ وَحيناً / يَتَوَلّى أَشباحَهُنَّ الخَفاءُ
نازِلاتٌ في سَيرِها صاعِداتٌ / كَالهَوادي يَهُزُّهُنَّ الحُداءُ
رَبِّ إِن شِئتَ فَالفَضاءُ مَضيقٌ / وَإِذا شِئتَ فَالمَضيقُ فَضاءُ
فَاِجعَلِ البَحرَ عِصمَةً وَاِبعَثِ الرَح / مَةَ فيها الرِياحُ وَالأَنواءُ
أَنتَ أُنسٌ لَنا إِذا بَعُدَ الإِن / سُ وَأَنتَ الحَياةُ وَالإِحياءُ
يَتَوَلّى البِحارَ مَهما اِدلَهَمَّت / مِنكَ في كُلِّ جانِبٍ لَألاءُ
وَإِذا ما عَلَت فَذاكَ قِيامٌ / وَإِذا ما رَغَت فَذاكَ دُعاءُ
فَإِذا راعَها جَلالُكَ خَرَّت / هَيبَةً فَهيَ وَالبِساطُ سَواءُ
وَالعَريضُ الطَويلُ مِنها كِتابٌ / لَكَ فيهِ تَحِيَّةٌ وَثَناءُ
يا زَمانَ البِحارِ لَولاكَ لَم تُف / جَع بِنُعمى زَمانِها الوَجناءُ
فَقَديماً عَن وَخدِها ضاقَ وَجهُ ال / أَرضِ وَاِنقادَ بِالشِراعِ الماءُ
وَاِنتَهَت إِمرَةُ البِحارِ إِلى الشَر / قِ وَقامَ الوُجودُ فيما يَشاءُ
وَبَنَينا فَلَم نُخَلِّ لِبانٍ / وَعَلَونا فَلَم يَجُزنا عَلاءُ
وَمَلَكنا فَالمالِكونَ عَبيدٌ / وَالبَرايا بِأَسرِهِم أُسَراءُ
قُل لِبانٍ بَنى فَشادَ فَغالى / لَم يَجُز مِصرَ في الزَمانِ بِناءُ
لَيسَ في المُمكِناتِ أَن تُنقَلَ الأَج / بالُ شُمّاً وَأَن تُنالَ السَماءُ
أَجفَلَ الجِنُّ عَن عَزائِمَ فِرعَو / نَ وَدانَت لِبَأسِها الآناءُ
شادَ ما لَم يُشِد زَمانٌ وَلا أَن / شَأَ عَصرٌ وَلا بَنى بَنّاءُ
هَيكَلٌ تُنثَرُ الدِياناتُ فيهِ / فَهيَ وَالناسُ وَالقُرونُ هَباءُ
وَقُبورٌ تَحُطُّ فيها اللَيالي / وَيُوارى الإِصباحُ وَالإِمساءُ
تَشفَقُ الشَمسُ وَالكَواكِبُ مِنها / وَالجَديدانِ وَالبِلى وَالفَناءُ
زَعَموا أَنَّها دَعائِمُ شيدَت / بِيَدِ البَغيِ مِلؤُها ظَلماءُ
فَاِعذُرِ الحاسِدينَ فيها إِذا لا / موا فَصَعبٌ عَلى الحَسودِ الثَناءُ
دُمِّرَ الناسُ وَالرَعِيَّةُ في تَش / ييدِها وَالخَلائِقُ الأُسَراءُ
أَينَ كانَ القَضاءُ وَالعَدلُ وَالحِك / مَةُ وَالرَأيُ وَالنُهى وَالذَكاءُ
وَبَنو الشَمسِ مِن أَعِزَّةِ مِصرٍ / وَالعُلومُ الَّتي بِها يُستَضاءُ
فَاِدَّعَوا ما اِدَّعى أَصاغِرُ آثي / نا وَدَعواهُمُ خَناً وَاِفتِراءُ
وَرَأَوا لِلَّذينَ سادوا وَشادوا / سُبَّةً أَن تُسَخَّرَ الأَعداءُ
إِن يَكُن غَيرَ ما أَتَوهُ فَخارٌ / فَأَنا مِنكَ يا فَخارُ بَراءُ
لَيتَ شِعري وَالدَهرُ حَربُ بَنيهِ / وَأَياديهِ عِندَهُم أَفياءُ
ما الَّذي داخَلَ اللَيالِيَ مِنّا / في صِبانا وَلِلَّيالي دَهاءُ
فَعَلا الدَهرُ فَوقَ عَلياءِ فِرعَو / نَ وَهَمَّت بِمُلكِهِ الأَرزاءُ
أَعلَنَت أَمرَها الذِئابُ وَكانوا / في ثِيابِ الرُعاةِ مِن قَبلُ جاؤوا
وَأَتى كُلُّ شامِتٍ مِن عِدا المُل / كِ إِلَيهِم وَاِنضَمَّتِ الأَجزاءُ
وَمَضى المالِكونَ إِلّا بَقايا / لَهُمُ في ثَرى الصَعيدِ اِلتِجاءُ
فَعَلى دَولَةِ البُناةِ سَلامٌ / وَعَلى ما بَنى البُناةُ العَفاءُ
وَإِذا مِصرُ شاةُ خَيرٍ لِراعي السَو / ءِ تُؤذى في نَسلِها وَتُساءُ
قَد أَذَلَّ الرِجالَ فَهيَ عَبيدٌ / وَنُفوسَ الرِجالِ فَهيَ إِماءُ
فَإِذا شاءَ فَالرِقابُ فِداهُ / وَيَسيرٌ إِذا أَرادَ الدِماءُ
وَلِقَومٍ نَوالُهُ وَرِضاهُ / وَلِأَقوامِ القِلى وَالجَفاءُ
فَفَريقٌ مُمَتَّعونَ بِمِصرٍ / وَفَريقٍ في أَرضِهِم غُرَباءُ
إِن مَلَكتَ النُفوسَ فَاِبغِ رِضاها / فَلَها ثَورَةٌ وَفيها مَضاءُ
يَسكُنُ الوَحشُ لِلوُثوبِ مِنَ الأَس / رِ فَكَيفَ الخَلائِقُ العُقَلاءُ
يَحسَبُ الظالِمونَ أَن سَيَسودو / نَ وَأَن لَن يُؤَيَّدَ الضُعَفاءُ
وَاللَيالي جَوائِرٌ مِثلَما جا / روا وَلِلدَهرِ مِثلَهُم أَهواءُ
لَبِثَت مِصرُ في الظَلامِ إِلى أَن / قيلَ ماتَ الصَباحُ وَالأَضواءُ
لَم يَكُن ذاكَ مِن عَمىً كُلُّ عَينٍ / حَجَبَ اللَيلُ ضَوءَها عَمياءُ
ما نَراها دَعا الوَفاءُ بَنيها / وَأَتاهُم مِنَ القُبورِ النِداءُ
لِيُزيحوا عَنها العِدا فَأَزاحوا / وَأُزيحَت عَن جَفنِها الأَقذاءُ
وَأُعيدَ المَجدُ القَديمُ وَقامَت / في مَعالي آبائِها الأَبناءُ
وَأَتى الدَهرُ تائِباً بِعَظيمٍ / مِن عَظيمٍ آباؤُهُ عُظَماءُ
مَن كَرَمسيسَ في المُلوكِ حَديثاً / وَلِرَمسيسٍ المُلوكُ فِداءُ
بايَعَتهُ القُلوبُ في صُلبِ سيتي / يَومَ أَن شاقَها إِلَيهِ الرَجاءُ
وَاِستَعدَّ العُبّادُ لِلمَولِدِ الأَك / بَرِ وَاِزَّيَّنَت لَهُ الغَبراءُ
جَلَّ سيزوستَريسُ عَهداً وَجَلَّت / في صِباهُ الآياتُ وَالآلاءُ
فَسَمِعنا عَنِ الصَبِيِّ الَّذي يَع / فو وَطَبعُ الصِبا الغَشومُ الإِباءُ
وَيَرى الناسَ وَالمُلوكَ سَواءً / وَهَلِ الناسُ وَالمُلوكُ سَواءُ
وَأَرانا التاريخُ فِرعَونَ يَمشي / لَم يَحُل دونَ بِشرِهِ كِبرِياءُ
يولَدُ السَيِّدُ المُتَوَّجُ غَضّاً / طَهَّرَتهُ في مَهدِها النَعماءُ
لَم يُغَيِّرهُ يَومَ ميلادِهِ بُؤ / سٌ وَلا نالَهُ وَليداً شَقاءُ
فَإِذا ما المُمَلِّقونَ تَوَلَّو / هُ تَوَلَّى طِباعَهُ الخُيَلاءُ
وَسَرى في فُؤادِهِ زُخرُفُ القَو / لِ تَراهُ مُستَعذَباً وَهوَ داءُ
فَإِذا أَبيَضُ الهَديلِ غُرابٌ / وَإِذا أَبلَجُ الصَباحِ مَساءُ
جَلَّ رَمسيسُ فِطرَةً وَتَعالى / شيعَةً أَن يَقودَهُ السُفَهاءُ
وَسَما لِلعُلا فَنالَ مَكاناً / لَم يَنَلهُ الأَمثالُ وَالنُظَراءُ
وَجُيوشٌ يَنهَضنَ بِالأَرضِ مَلكاً / وَلِواءٌ مِن تَحتِهِ الأَحياءُ
وَوُجودٌ يُساسُ وَالقَولُ فيهِ / ما يَقولُ القُضاةُ وَالحُكَماءُ
وَبِناءٌ إِلى بِناءٍ يَوَدُّ الخُل / دُ لَو نالَ عُمرَهُ وَالبَقاءُ
وَعُلومٌ تُحيِ البِلادَ وَبِنتا / هورُ فَخرُ البِلادِ وَالشُعَراءُ
إيهِ سيزوستَريسَ ماذا يَنالُ ال / وَصفُ يَوماً أَو يَبلُغُ الإِطراءُ
كَبُرَت ذاتُكَ العَلِيَّةُ أَن تُح / صي ثَناها الأَلقابُ وَالأَسماءُ
لَكَ آمونُ وَالهِلالُ إِذا يَك / بُرُ وَالشَمسُ وَالضُحى آباءُ
وَلَكَ الريفُ وَالصَعيدُ وَتاجا / مِصرَ وَالعَرشُ عالِياً وَالرِداءُ
وَلَكَ المُنشَآتُ في كُلِّ بَحرٍ / وَلَكَ البَرُّ أَرضُهُ وَالسَماءُ
لَيتَ لَم يُبلِكَ الزَمانُ وَلَم يَب / لَ لِمُلكِ البِلادِ فيكَ رَجاءُ
هَكَذا الدَهرُ حالَةٌ ثُمَّ ضِدٌّ / ما لِحالٍ مَعَ الزَمانِ بَقاءُ
لا رَعاكَ التاريخُ يا يَومَ قَمبي / زَ وَلا طَنطَنَت بِكَ الأَنباءُ
دارَتِ الدائِراتُ فيكَ وَنالَت / هَذِهِ الأُمَّةَ اليَدُ العَسراءُ
فَمُبصِرٌ مِمّا جَنَيتَ لِمِصرٍ / أَيُّ داءٍ ما إِن إِلَيهِ دَواءُ
نَكَدٌ خالِدٌ وَبُؤسٌ مُقيمٌ / وَشَقاءٌ يَجُدُّ مِنهُ شَقاءُ
يَومَ مَنفيسَ وَالبِلادُ لِكِسرى / وَالمُلوكُ المُطاعَةُ الأَعداءُ
يَأمُرُ السَيفُ في الرِقابِ وَيَنهى / وَلِمِصرٍ عَلى القَذى إِغضاءُ
جيءَ بِالمالِكِ العَزيزِ ذَليلاً / لَم تُزَلزِل فُؤادَهُ البَأساءُ
يُبصِرُ الآلَ إِذ يُراحُ بِهِم في / مَوقِفِ الذُلِّ عَنوَةً وَيُجاءُ
بِنتُ فِرعَونَ في السَلاسِلِ تَمشي / أَزعَجَ الدَهرُ عُريُها وَالحَفاءُ
فَكَأَن لَم يَنهَض بِهَودَجِها الدَه / رُ وَلا سارَ خَلفَها الأُمَراءُ
وَأَبوها العَظيمُ يَنظُرُ لَمّا / رُدِّيَت مِثلَما تُرَدّى الإِماءُ
أُعطِيَت جَرَّةً وَقيلَ إِلَيكِ الن / نَهر قومي كَما تَقومُ النِساءُ
فَمَشَت تُظهِرُ الإِباءَ وَتَحمي الدَم / عَ أَن تَستَرِقَّهُ الضَرّاءُ
وَالأَعادي شَواخِصٌ وَأَبوها / بِيَدِ الخَطبِ صَخرَةٌ صَمّاءُ
فَأَرادوا لِيَنظُروا دَمعَ فِرعَو / نَ وَفِرعَونُ دَمعُهُ العَنقاءُ
فَأَرَوهُ الصَديقَ في ثَوبِ فَقرٍ / يَسأَلُ الجَمعَ وَالسُؤالُ بَلاءُ
فَبَكى رَحمَةً وَما كانَ مَن يَب / كي وَلَكِنَّما أَرادَ الوَفاءُ
هَكَذا المُلكُ وَالمُلوكُ وَإِن جا / رَ زَمانٌ وَرَوَّعَت بَلواءُ
لا تَسَلني ما دَولَةُ الفُرسِ ساءَت / دَولَةُ الفُرسِ في البِلادِ وَساؤوا
أُمَّةٌ هَمُّها الخَرائِبُ تُبلي / ها وَحَقُّ الخَرائِبِ الإِعلاءُ
سَلَبَت مِصرَ عِزَّها وَكَسَتها / ذِلَّةً ما لَها الزَمانَ اِنقِضاءُ
وَاِرتَوى سَيفُها فَعاجَلَها ال / لَهُ بِسَيفٍ ما إِن لَهُ إِرواءُ
طِلبَةٌ لِلعِبادِ كانَت لِإِسكَن / دَرَ في نَيلِها اليَدُ البَيضاءُ
شادَ إِسكَندَرٌ لِمِصرَ بِناءً / لَم تَشِدهُ المُلوكُ وَالأُمَراءُ
بَلَداً يَرحَلُ الأَنامُ إِلَيهِ / وَيَحُجُّ الطُلّابُ وَالحُكَماءُ
عاشَ عُمراً في البَحرِ ثَغرَ المَعالي / وَالمَنارَ الَّذي بِهِ الاِهتِداءُ
مُطمَئِنّاً مِنَ الكَتائِبِ وَالكُت / بِ بِما يَنتَهي إِلَيهِ العَلاءُ
يَبعَثُ الضَوءَ لِلبِلادِ فَتَسري / في سَناهُ الفُهومُ وَالفُهَماءُ
وَالجَواري في البَحرِ يُظهِرنَ عِزَّ ال / مُلكِ وَالبَحرُ صَولَةٌ وَثَراءُ
وَالرَعايا في نِعمَةٍ وَلِبَطلَي / موسَ في الأَرضِ دَولَةٌ عَلياءُ
فَقَضى اللَهُ أَن تُضَيِّعَ هَذا ال / مُلكَ أُنثى صَعبٌ عَلَيها الوَفاءُ
تَخِذَتها روما إِلى الشَرِّ تَمهي / داً وَتَمهيدُهُ بِأُنثى بَلاءُ
فَتَناهى الفَسادُ في هَذِهِ الأَر / ضِ وَجازَ الأَبالِسَ الإِغواءُ
ضَيَّعَت قَيصَرَ البَرِيَّةِ أُنثى / يا لَرَبّي مِمّا تَجُرُّ النِساءُ
فَتَنَت مِنهُ كَهفَ روما المُرَجّى / وَالحُسامَ الَّذي بِهِ الاِتِّقاءُ
قاهِرَ الخَصمِ وَالجَحافِلِ مَهما / جَدَّ هَولُ الوَغى وَجَدَّ اللِقاءُ
فَأَتاها مَن لَيسَ تَملُكُهُ أُن / ثى وَلا تَستَرِقُّهُ هَيفاءُ
بَطَلُ الدَولَتَينِ حامى حِمى رو / ما الَّذي لا تَقودُهُ الأَهواءُ
أَخَذَ المُلكَ وَهيَ في قَبضَةِ الأَف / عى عَنِ المُلكِ وَالهَوى عَمياءُ
سَلَبَتها الحَياةَ فَاِعجَب لِرَقطا / ءَ أَراحَت مِنها الوَرى رَقطاءُ
لَم تُصِب بِالخِداعِ نُجحاً وَلَكِن / خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ
قَتَلَت نَفسَها وَظَنَّت فِداءً / صَغُرَت نَفسُها وَقَلَّ الفِداءُ
سَل كِلوبَترَةَ المُكايِدِ هَلّا / صَدَّها عَن وَلاءِ روما الدَهاءُ
فَبِروما تَأَيَّدَت وَبِروما / هِيَ تَشقى وَهَكَذا الأَعداءُ
وَلِروما المُلكُ الَّذي طالَما وا / فاهُ في السِرِّ نُصحُها وَالوَلاءُ
وَتَوَلَّت مِصراً يَمينٌ عَلى المِص / رِيِّ مِن دونِ ذا الوَرى عَسراءُ
تُسمِعُ الأَرضُ قَيصَراً حينَ تَدعو / وَعَقيمٌ مِن أَهلِ مِصرَ الدُعاءُ
وَيُنيلُ الوَرى الحُقوقَ فَإِن نا / دَتهُ مِصرٌ فَأُذنُهُ صَمّاءُ
فَاِصبِري مِصرُ لِلبَلاءِ وَأَنّى / لَكِ وَالصَبرُ لِلبَلاءِ بَلاءُ
ذا الَّذي كُنتِ تَلتَجينَ إِلَيهِ / لَيسَ مِنهُ إِلى سِواهُ النَجاءُ
رَبِّ شُقتَ العِبادَ أَزمانَ لا كُت / بٌ بِها يُهتَدى وَلا أَنبِياءُ
ذَهَبوا في الهَوى مَذاهِبَ شَتّى / جَمَعَتها الحَقيقَةُ الزَهراءُ
فَإِذا لَقَّبوا قَوِيّاً إِلَها / فَلَهُ بِالقُوى إِلَيكِ اِنتِهاءُ
وَإِذا آثَروا جَميلاً بِتَنزي / هٍ فَإِنَّ الجَمالَ مِنكِ حِباءُ
وَإِذا أَنشَئوا التَماثيلَ غُرّاً / فَإِلَيكِ الرُموزُ وَالإيماءُ
وَإِذا قَدَّروا الكَواكِبَ أَربا / باً فَمِنكِ السَنا وَمِنكِ السَناءُ
وَإِذا أَلَّهوا النَباتَ فَمِن آ / ثارِ نُعماكِ حُسنُهُ وَالنَماءُ
وَإِذا يَمَّموا الجِبالَ سُجوداً / فَالمُرادُ الجَلالَةُ الشَمّاءُ
وَإِذا تُعبَدُ البِحارُ مَعَ الأَس / ماكِ وَالعاصِفاتُ وَالأَنواءُ
وَسِباعُ السَماءِ وَالأَرضِ وَالأَر / حامُ وَالأُمَّهاتُ وَالآباءُ
لِعُلاكَ المُذَكَّراتُ عَبيدٌ / خُضَّعٌ وَالمُؤَنَّثاتُ إِماءُ
جَمَعَ الخَلقَ وَالفَضيلَةَ سِرٌّ / شَفَّ عَنهُ الحِجابُ فَهوَ ضِياءُ
سَجَدَت مِصرُ في الزَمانِ لِإيزي / سَ النَدى مَن لَها اليَدُ البَيضاءُ
إِن تَلِ البَرَّ فَالبِلادُ نُضارٌ / أَو تَلِ البَحرَ فَالرِياحُ رُخاءُ
أَو تَلِ النَفسَ فَهيَ في كُلِّ عُضوٍ / أَو تَلِ الأُفقَ فَهيَ فيهِ ذُكاءُ
قيلَ إيزيسُ رَبَّةَ الكَونِ لَولا / أَن تَوَحَّدتِ لَم تَكُ الأَشياءُ
وَاِتَّخَذتِ الأَنوارَ حُجباً فَلَم تُب / صِركِ أَرضٌ وَلا رَأَتكِ سَماءُ
أَنتِ ما أَظهَرَ الوُجودُ وَما أَخ / فى وَأَنتِ الإِظهارُ وَالإِخفاءُ
لَكَ آبيسُ وَالمُحَبَّبُ أوزي / ريسُ وَاِبناهُ كُلُّهُم أَولِياءُ
مُثِّلَت لِلعُيونِ ذاتُكِ وَالتَم / ثيلُ يُدني مَن لا لَهُ إِدناءُ
وَاِدَّعاكِ اليونانُ مِن بَعدِ مِصرٍ / وَتَلاهُ في حُبِّكِ القُدَماءُ
فَإِذا قيلَ ما مَفاخِرَ مِصرٍ / قيلَ مِنها إيزيسُها الغَرّاءُ
رَبِّ هَذي عُقولُنا في صِباها / نالَها الخَوفُ وَاِستَباها الرَجاءُ
فعَشِقناكَ قَبلَ أَن تَأتِيَ الرُس / لُ وَقامَت بِحُبِّكَ الأَعضاءُ
وَوَصَلنا السُرى فَلَولا ظَلامُ ال / جَهلِ لَم يَخطُنا إِلَيكِ اِهتِداءُ
وَاِتَّخَذنا الأَسماءَ شَتّى فَلَمّا / جاءَ موسى اِنتَهَت لَكَ الأَسماءُ
حَجَّنا في الزَمانِ سِحراً بِسِحرٍ / وَاِطمَأَنَّت إِلى العَصا السُعَداءُ
وَيُريدُ الإِلَهُ أَن يُكرَمَ العَق / لُ وَأَلّا تُحَقَّرَ الآراءُ
ظَنَّ فِرعَونُ أَنَّ موسى لَهُ وا / فٍ وَعِندَ الكِرامِ يُرجى الوَفاءُ
لَم يَكُن في حِسابِهِ يَومَ رَبّى / أَن سَيَأتي ضِدَّ الجَزاءِ الجَزاءُ
فَرَأى اللَهُ أَن يَعِقَّ وَلِلَّ / هِ تَفي لا لِغَيرِهِ الأَنبِياءُ
مِصرُ موسى عِندَ اِنتِماءٍ وَموسى / مِصرُ إِن كانَ نِسبَةٌ وَاِنتِماءُ
فَبِهِ فَخرُها المُؤَيَّدُ مَهما / هُزَّ بِالسَيِّدِ الكَليمِ اللِواءُ
إِن تَكُن قَد جَفَتهُ في ساعَةِ الشَكِّ / فَحَظُّ الكَبيرِ مِنها الجَفاءُ
خِلَّةٌ لِلبِلادِ يَشقى بِها النا / سُ وَتَشقى الدِيارُ وَالأَبناءُ
فَكَبيرٌ أَلّا يُصانَ كَبيرٌ / وَعَظيمٌ أَن يُنبَذَ العُظَماءُ
وُلِدَ الرِفقُ يَومَ مَولِدِ عيسى / وَالمُروءاتُ وَالهُدى وَالحَياءُ
وَاِزدَهى الكَونُ بِالوَليدِ وَضاءَت / بِسَناهُ مِنَ الثَرى الأَرجاءُ
وَسَرَت آيَةُ المَسيحِ كَما يَس / ري مِنَ الفَجرِ في الوُجودِ الضِياءُ
تَملَأُ الأَرضَ وَالعَوالِمَ نوراً / فَالثَرى مائِجٌ بَهاً وَضّاءُ
لا وَعيدٌ لا صَولَةٌ لا اِنتِقامُ / لا حُسامٌ لا غَزوَةٌ لا دِماءُ
مَلَكٌ جاوَرَ التُرابَ فَلَمّا / مَلَّ نابَت عَنِ التُرابِ السَماءُ
وَأَطاعَتهُ في الإِلَهِ شُيوخٌ / خُشَّعٌ خُضَّعٌ لَهُ ضُعَفاءُ
أَذعَنَ الناسُ وَالمُلوكُ إِلى ما / رَسَموا وَالعُقولُ وَالعُقَلاءُ
فَلَهُم وَقفَةٌ عَلى كُلِّ أَرضٍ / وَعَلى كُلِّ شاطِئٍ إِرساءُ
دَخَلوا ثَيبَةً فَأَحسَنَ لُقيا / هُم رِجالٌ بِثيبَةٍ حُكَماءُ
فَهِموا السِرَّ حينَ ذاقوا وَسَهلٌ / أَن يَنالَ الحَقائِقَ الفُهَماءُ
فَإِذا الهَيكَلُ المُقَدَّسُ دَيرٌ / وَإِذا الدَيرُ رَونَقٌ وَبَهاءُ
وَإِذا ثَيبَةٌ لِعيسى وَمَنفي / سُ وَنَيلُ الثَراءِ وَالبَطحاءُ
إِنَّما الأَرضُ وَالفَضاءُ لِرَبّي / وَمُلوكُ الحَقيقَةِ الأَنبِياءُ
لَهُمُ الحُبُّ خالِصاً مِن رَعايا / هُم وَكُلُّ الهَوى لَهُم وَالوَلاءُ
إِنَّما يُنكِرُ الدِياناتِ قَومٌ / هُم بِما يُنكِرونَهُ أَشقِياءُ
هَرِمَت دَولَةُ القَياصِرِ وَالدَو / لاتُ كَالناسِ داؤُهُنَّ الفَناءُ
لَيسَ تُغني عَنها البِلادُ وَلا ما / لُ الأَقاليمِ إِن أَتاها النِداءُ
نالَ روما ما نالَ مِن قَبلُ آثي / نا وَسيمَتهُ ثَيبَةُ العَصماءُ
سُنَّةُ اللَهِ في المَمالِكِ مِن قَب / لُ وَمِن بَعدِ ما لِنُعمى بَقاءُ
أَظلَمَ الشَرقُ بَعدَ قَيصَرَ وَالغَر / بُ وَعَمَّ البَرِيَّةَ الإِدجاءُ
فَالوَرى في ضَلالِهِ مُتَمادٍ / يَفتُكُ الجَهلُ فيهِ وَالجُهَلاءُ
عَرَّفَ اللَهَ ضِلَّةً فَهوَ شَخصٌ / أَو شِهابٌ أَو صَخرَةٌ صَمّاءُ
وَتَوَلّى عَلى النُفوسِ هَوى الأَو / ثانِ حَتّى اِنتَهَت لَهُ الأَهواءُ
فَرَأى اللَهُ أَن تُطَهَّرَ بِالسَي / فِ وَأَن تَغسِلَ الخَطايا الدِماءُ
وَكَذاكَ النُفوسُ وَهيَ مِراضٌ / بَعضُ أَعضائِها لِبَعضٍ فِداءُ
لَم يُعادِ اللَهُ العَبيدَ وَلَكِن / شَقِيَت بِالغَباوَةِ الأَغبِياءُ
وَإِذا جَلَّتِ الذُنوبُ وَهالَت / فَمِنَ العَدلِ أَن يَهولَ الجَزاءُ
أَشرَقَ النورُ في العَوالِمِ لَمّا / بَشَّرَتها بِأَحمَدَ الأَنباءُ
بِاليَتيمِ الأُمِّيِّ وَالبَشَرِ المو / حى إِلَيهِ العُلومُ وَالأَسماءُ
قُوَّةُ اللَهِ إِن تَوَلَّت ضَعيفاً / تَعِبَت في مِراسِهِ الأَقوِياءُ
أَشرَفُ المُرسَلينَ آيَتُهُ النُط / قُ مُبيناً وَقَومُهُ الفُصَحاءُ
لَم يَفُه بِالنَوابِغِ الغُرِّ حَتّى / سَبَقَ الخَلقَ نَحوَهُ البُلَغاءُ
وَأَتَتهُ العُقولُ مُنقادَةَ اللُب / بِ وَلَبّى الأَعوانُ وَالنُصَراءُ
جاءَ لِلناسِ وَالسَرائِرُ فَوضى / لَم يُؤَلِّف شَتاتُهُنّ لِواءُ
وَحِمى اللَهُ مُستَباحٌ وَشَرعُ ال / لَهِ وَالحَقُّ وَالصَوابُ وَراءُ
فَلِجِبريلَ جَيئَةٌ وَرَواحٌ / وَهُبوطٌ إِلى الثَرى وَاِرتِقاءُ
يُحسَبُ الأُفقُ في جَناحَيهِ نورٌ / سُلِبَتهُ النُجومُ وَالجَوزاءُ
تِلكَ آيُ الفُرقانِ أَرسَلَها ال / لَهُ ضِياءً يَهدي بِهِ مَن يَشاءُ
نَسَخَت سُنَّةَ النَبِيّينَ وَالرُس / لِ كَما يَنسَخُ الضِياءَ الضِياءُ
وَحَماها غُرٌّ كِرامٌ أَشِدّا / ءُ عَلى الخَصمِ بَينَهُم رُحَماءُ
أُمَّةٌ يَنتَهي البَيانُ إِلَيها / وَتَؤولُ العُلومُ وَالعُلَماءُ
جازَتِ النَجمَ وَاِطمَأَنَّت بِأُفقٍ / مُطمَئِنٍّ بِهِ السَنا وَالسَناءُ
كُلَّما حَثَّتِ الرِكابَ لِأَرضٍ / جاوَرَ الرُشدُ أَهلَها وَالذَكاءُ
وَعَلا الحَقُّ بَينَهُم وَسَما الفَض / لُ وَنالَت حُقوقَها الضُعَفاءُ
تَحمِلُ النَجمَ وَالوَسيلَةَ وَالمي / زانَ مِن دينِها إِلى مَن تَشاءُ
وَتُنيلُ الوُجودَ مِنهُ نِظاماً / هُوَ طِبُّ الوُجودِ وَهوَ الدَواءُ
يَرجِعُ الناسُ وَالعُصورُ إِلى ما / سَنَّ وَالجاحِدونَ وَالأَعداءُ
فيهِ ما تَشتَهي العَزائِمُ إِن هَم / مَ ذَووها وَيَشتَهي الأَذكِياءُ
فَلِمَن حاوَلَ النَعيمَ نَعيمٌ / وَلِمَن آثَرَ الشَقاءَ شَقاءُ
أَيَرى العُجمُ مِن بَني الظِلِّ وَالما / ءِ عَجيباً أَن تُنجِبَ البَيداءُ
وَتُثيرُ الخِيامُ آسادَ هَيجا / ءَ تَراها آسادَها الهَيجاءُ
ما أَنافَت عَلى السَواعِدِ حَتّى ال / أَرضُ طُرّاً في أَسرِها وَالفَضاءُ
تَشهَدُ الصينُ وَالبِحارُ وَبَغدا / دُ وَمِصرٌ وَالغَربُ وَالحَمراءُ
مَن كَعَمرِو البِلادِ وَالضادُ مِمّا / شادَ فيها وَالمِلَّةُ الغَرّاءُ
شادَ لِلمُسلِمينَ رُكناً جَساماً / ضافِيَ الظِلِّ دَأبُهُ الإيواءُ
طالَما قامَتِ الخِلافَةُ فيهِ / فَاِطمَأَنَّت وَقامَتِ الخُلَفاءُ
وَاِنتَهى الدينُ بِالرَجاءِ إِلَيهِ / وَبَنو الدينِ إِذ هُمُ ضُعَفاءُ
مَن يَصُنهُ يَصُن بَقِيَّةَ عِزٍّ / غَيَّضَ التُركُ صَفوَهُ وَالثَواءُ
فَاِبكِ عَمَراً إِن كُنتَ مُنصِفَ عَمرو / إِنَّ عُمَراً لَنَيِّرٌ وَضّاءُ
جادَ لِلمُسلِمينَ بِالنيلِ وَالني / لُ لِمَن يَقتَنيهِ أَفريقاءُ
فَهيَ تَعلو شَأناً إِذا حُرِّرَ الني / لُ وَفي رِقِّهِ لَها إِزراءُ
وَاِذكُرِ الغُرَّ آلَ أَيّوبَ وَاِمدَح / فَمِنَ المَدحِ لِلرِجالِ جَزاءُ
هُم حُماةُ الإِسلامِ وَالنَفَرُ البي / ضُ المُلوكُ الأَعِزَّةُ الصُلَحاءُ
كُلَّ يَومٍ بِالصالِحِيَّةِ حِصنٌ / وَبِبُلبَيسَ قَلعَةٌ شَمّاءُ
وَبِمِصرٍ لِلعِلمِ دارٌ وَلِلضَي / فانِ نارٌ عَظيمَةٌ حَمراءُ
وَلِأَعداءِ آلِ أَيّوبَ قَتلٌ / وَلِأَسراهُمُ قِرىً وَثَواءُ
يَعرِفُ الدينُ مَن صَلاحٌ وَيَدري / مَن هُوَ المَسجِدانِ وَالإِسراءُ
إِنَّهُ حِصنُهُ الَّذي كانَ حِصناً / وَحُماهُ الَّذي بِهِ الاِحتِماءُ
يَومَ سارَ الصَليبُ وَالحامِلوهُ / وَمَشى الغَربُ قَومُهُ وَالنِساءُ
بِنُفوسٍ تَجولُ فيها الأَماني / وَقُلوبٍ تَثورُ فيها الدِماءُ
يُضمِرونَ الدَمارَ لِلحَقِّ وَالنا / سِ وَدينِ الَّذينَ بِالحَقِّ جاؤوا
وَيَهُدّونَ بِالتِلاوَةِ وَالصُل / بانِ ما شادَ بِالقَنا البَنّاءُ
فَتَلَقَّتهُمُ عَزائِمُ صِدقٍ / نُصَّ لِلدينِ بَينَهُنَّ خِباءُ
مَزَّقَت جَمعَهُم عَلى كُلِّ أَرضٍ / مِثلَما مَزَّقَ الظَلامَ الضِياءُ
وَسَبَت أَمرَدَ المُلوكِ فَرَدَّت / هُ وَما فيهِ لِلرَعايا رَجاءُ
وَلَو أَنَّ المَليكَ هيبَ أَذاهُ / لَم يُخَلِّصهُ مِن أَذاها الفِداءُ
هَكَذا المُسلِمونَ وَالعَرَبُ الخا / لونَ لا ما يَقولُهُ الأَعداءُ
فَبِهِم في الزَمانِ نِلنا اللَيالي / وَبِهِم في الوَرى لَنا أَنباءُ
لَيسَ لِلذُلِّ حيلَةٌ في نُفوسٍ / يَستَوي المَوتُ عِندَها وَالبَقاءُ
وَاِذكُرِ التُركَ إِنَّهُم لَم يُطاعوا / فَيَرى الناسُ أَحسَنوا أَم أَساؤوا
حَكَمَت دَولَةُ الجَراكِسِ عَنهُمُ / وَهيَ في الدَهرِ دَولَةٌ عَسراءُ
وَاِستَبَدَّت بِالأَمرِ مِنهُم فَبا / شا التُركِ في مِصرَ آلَةٌ صَمّاءُ
يَأخُذُ المالَ مِن مَواعيدَ ما كا / نوا لَها مُنجِزينَ فَهيَ هَباءُ
وَيَسومونَهُ الرِضا بِأُمورٍ / لَيسَ يَرضى أَقَلَّهُنَّ الرَضاءُ
فَيُداري لِيَعصِمَ الغَدَ مِنهُم / وَالمُداراةُ حِكمَةٌ وَدَهاءُ
وَأَتى النَسرُ يَنهَبُ الأَرضَ نَهباً / حَولَهُ قَومُهُ النُسورُ ظِماءُ
يَشتَهي النيلَ أَن يُشيدَ عَلَيهِ / دَولَةً عَرضُها الثَرى وَالسَماءُ
حَلُمَت رومَةٌ بِها في اللَيالي / وَرَآها القَياصِرُ الأَقوِياءُ
فَأَتَت مِصرَ رُسلُهُم تَتَوالى / وَتَرامَت سودانَها العُلَماءُ
وَلَوِ اِستَشهَدَ الفَرَنسيسُ روما / لَأَتَتهُم مِن رومَةَ الأَنباءُ
عَلِمَت كُلُّ دَولَةٍ قَد تَوَلَّت / أَنَّنا سُمُّها وَأَنّا الوَباءُ
قاهِرُ العَصرِ وَالمَمالِكِ نابِل / يونُ وَلَّت قُوّادُهُ الكُبَراءُ
جاءَ طَيشاً وَراحَ طَيشاً وَمِن قَب / لُ أَطاشَت أُناسَها العَلياءُ
سَكَتَت عَنهُ يَومَ عَيَّرَها الأَه / رامُ لَكِن سُكوتُها اِستِهزاءُ
فَهيَ توحي إِلَيهِ أَن تِلكَ واتِر / لو فَأَينَ الجُيوشُ أَينَ اللِواءُ
وأتى المنتمي لأمة عثما / ن عليٌّ: من يعرف الأحياء
ملك الحلم والعزائم إن عد / دت ملوك الزمان والأمراء
رام بالريف والصعيد أمورا / لم تنل كنه غورها الاغبياء
رام تاجيهما وعرش المعالي / ويروم العظائم العظماء
أمل ابيض الخلال رفيع / صغرته الأذلة الأشقياء
فكفاه أن جاء ميتا فأحيا / وكفى مصر ذلك الإحياء
غالِ في قيمَةِ اِبنِ بُطرُسَ غالي
غالِ في قيمَةِ اِبنِ بُطرُسَ غالي / عَلِمَ اللَهُ لَيسَ في الحَقِّ غالي
نَحتَفي بِالأَديبِ وَالحَقُّ يَقضي / وَجَلالُ الأَخلاقِ وَالأَعمالِ
أَدَبُ الأَكثَرينَ قَولٌ وَهَذا / أَدَبٌ في النُفوسِ وَالأَفعالِ
يُظهِرُ المَدحُ رَونَقَ الرَجُلِ الما / جِدِ كَالسَيفِ يَزدَهي بِالصِقالِ
رُبَّ مَدحٍ أَذاعَ في الناسِ فَضلاً / وَأَتاهُمُ بِقُدرَةٍ وَمِثالِ
وَثَناءٍ عَلى فَتى عَمَّ قَوماً / قيمَةُ العِقدِ حُسنُ بَعضِ اللَآلي
إِنَّما يَقدُرُ الكِرامُ كَريمٌ / وَيُقيمُ الرِجالُ وَزنَ الرِجالِ
وَإِذا عَظَّمَ البِلادَ بَنوها / أَنَزَلتُهُم مَنازِلَ الإِجلالِ
تَوَّجَت هامَهُم كَما تَوَّجوها / بِكَريمٍ مِنَ الثَناءِ وَغالي
إِنَّما واصِفٌ بِناءٌ مِنَ الأَخ / لاقِ في دَولَةِ المَشارِقِ عالي
وَنَجيبٌ مُهَذَّبٌ مِن نَجيبٍ / هَذَّبَتهُ تَجارِبُ الأَحوالِ
واهِبُ المالِ وَالشَبابِ لِما يَن / فَعُ لا لِلهَوى وَلا لِلضَلالِ
وَمُذيقُ العُقولِ في الغَربِ مِمّا / عَصَرَ العُربُ في السِنينَ الخَوالي
في كِتابٍ حَوى المَحاسِنَ في الشِع / رِ وَأَوعى جَوائِزَ الأَمثالِ
مِن صِفاتٍ كَأَنَّها العَينُ صِدقاً / في أَداءِ الوُجوهِ وَالأَشكالِ
وَنَسيبٌ تُحاذِرُ الغيدُ مِنهُ / شَرَكَ الحُسنِ أَو شِباكَ الدَلالِ
وَنِظامٍ كَأَنَّهُ فَلَكُ اللَي / لِ إِذا لاحَ وَهوَ بِالزُهرِ حالي
وَبَيانٍ كَما تَجَلّىعَلى الرُس / لِ تَجَلّى عَلى رُعاةِ الضالِ
ما عِلمُنا لِغَيرِهِم مِن لِسانٍ / زالَ أَهلوهُ وَهوَ في إِقبالِ
بَلِيَت هاشِمٌ وَبادَت نِزارٌ / وَاللِسانُ المُبينُ لَيسَ بِبالي
كُلَّما هَمَّ مَجدُهُ بِزَوالٍ / قامَ فَحلُ فَحالَ دونَ الزَوالِ
يا بَني مِصرَ لَم أَقُل أُمَّةَ ال / قِبطِ فَهَذا تَشَبُّثٌ بِمُحالِ
وَاِحتِيالٌ عَلى خَيالٍ مِنَ المَج / دِ وَدَعوى مِنَ العِراضِ الطِوالِ
إِنَّما نَحنُ مُسلِمينَ وَقِبطاً / أُمَّةٌ وُحِّدَت عَلى الأَجيالِ
سَبَقَ النيلُ بِالأُبُوَّةِ فينا / فَهوَ أَصلُ وَآدَمُ الجَدُّ تالي
نَحنُ مِن طينِهِ الكَريمِ عَلى اللَ / هِ وَمِن مائِهِ القَراحِ الزُلالِ
مَرَّ ما مَرَّ مِن قُرونٍ عَلَينا / رُسَّفاً في القُيودِ وَالأَغلالِ
وَاِنقَضى الدَهرُ بَينَ زَغرَدَةِ العُر / سِ وَحَثوِ التُرابِ وَالإِعوالِ
ما تَحَلّى بِكُم يَسوعُ وَلا كُن / نا لِطَهَ وَدينِهِ بِجَمالِ
وَتُضاعُ البِلادُ بِالقَومِ عَنها / وَتُضاعُ الأُمورُ بِالإِهمالِ
يا شَبابَ الدِيارِ مِصرُ إِلَيكُم / وَلِواءُ العَرينِ لِلأَشبالِ
كُلَّما رُوِّعَت بِشُبهَةِ بَأسٍ / جَعَلَتكُم مَعاقِلَ الآمالِ
هَيِّؤوها لِما يَليقُ بِمَنفٍ / وَكَريمِ الآثارِ وَالأَطلالِ
وَاِنهَضوا نَهضَةَ الشُعوبِ لِدُنيا / وَحَياةٍ كَبيرَةِ الأَشغالِ
وَإِلى اللَهِ مَن مَشى بِصَليبٍ / في يَدَيهِ وَمَن مَشى بِهِلالِ
رَضِيَ المُسلِمونَ وَالإِسلامُ
رَضِيَ المُسلِمونَ وَالإِسلامُ / فَرعَ عُثمانَ دُم فِداكَ الدَوامُ
كَيفَ نَحصي عَلى عُلاكَ ثَناءُ / لَكَ مِنكَ الثَناءُ وَالإِكرامُ
هَل كَلامُ العِبادِ في الشَمسِ إِلّا / أَنَّها الشَمسُ لَيسَ فيها كَلامُ
وَمَكانُ الإِمامِ أَعلى وَلَكِن / بِأَحاديثِهِ يَتيهُ الأَنامُ
إيهِ عَبدَ الحَميدِ جَلَّ زَمانٌ / أَنتَ فيهِ خَليفَةٌ وَإِمامُ
ما رَأَت مِثلَ ذا الَّذي تَبتَني ال / أَقوامُ مَجداً وَلَن يَرى الأَقوامُ
دَولَةٌ شادَ رُكنَها أَلفُ عامٍ / وَمِئاتٌ تُعيدُها أَعوامُ
وَأَساسٌ مِن عَهدِ عُثمانَ يُبنى / في ثَمانٍ وَمِثلُهُنَّ يُقامُ
حِكمَةٌ حالَ كُلُّ هَذا التَجَلّي / دونَها أَن تَنالَها الأَفهامُ
يَسأَلُ الناسُ عِندَها الناسَ هَل في الن / ناسِ ذو المُقلَةِ الَّتي لا تَنامُ
أَم مِنَ الناسِ بَعدُ مَن قَولُهُ وَح / يٌ كَريمٌ وَفِعلُهُ إِلهامُ
صَدَقَ الخَلقُ أَنتَ هَذا وَهَذا / يا عَظيماً ما جازَهُ إِعظامُ
شَرَفٌ باذِخٌ وَمُلكٌ كَبيرٌ / وَيَمينٌ بُسطٌ وَأَمرٌ جِسامُ
عُمَرٌ أَنتَ بَيدَ أَنَّكَ ظِلٌّ / لِلبَرايا وَعِصمَةٌ وَسَلامُ
ما تَتَوَّجتَ بِالخِلافَةِ حَتّى / تُوِّجَ البائِسونَ وَالأَيتامُ
وَسَرى الخِصبُ وَالنَماءُ وَوافى ال / بِشرُ وَالظِلُّ وَالجَنى وَالغَمامُ
وَتَلَقّى الهِلالَ مِنكَ جَبينٌ / فيهِ حُسنٌ وَبِالعُفاةِ غَرامُ
فَسَلامٌ عَلَيهُمُ وَعَلَيهِ / يَومَ حَيَّتهُمُ بِهِ الأَيّامُ
وَبَدا المُلكُ مُلكُ عُثمانَ مِن عَل / ياكَ في الذِروَةِ الَّتي لا تُرامُ
يَهرَعُ العَرشُ وَالمُلوكُ إِلَيهِ / وَبَنو العَصرِ وَالوُلاةُ الفِخامُ
هَكَذا الدَهرُ حالَةٌ ثُمَّ ضِدٌّ / ما لِحالٍ مَعَ الزَمانِ دَوامُ
وَلَأَنتَ الَّذي رَعَّيتُهُ الأُس / دُ وَمَسرى ظِلالِها الآجامُ
أُمَّةُ التُركِ وَالعِراقُ وَأَهلو / هُ وَلُبنانُ وَالرُبى وَالخِيامُ
عالَمٌ لَم يَكُن لِيُنظَم لَولا / أَنَّكَ السِلمُ وَسطَهُ وَالوِئامُ
هَذَّبَتهُ السُيوفُ في الدَهرِ وَاليَو / مَ أَتَمَّت تَهذيبَهُ الأَقلامُ
أَيَقولونَ سَكرَةٌ لَن تَجَلّى / وَقُعودٌ مَعَ الهَوى وَقِيامُ
لَيَذوقُنَّ لِلمُهَلهِلِ صَحواً / تَشرُفُ الكَأسُ عِندَهُ وَالمُدامُ
وَضَعَ الشَرقُ في يَدَيكَ يَدَيهِ / وَأَتَت مِن حُماتِهِ الأَقسامُ
بِالوَلاءِ الَّذي تُريدُ الأَيادي / وَالوَلاءِ الَّذي يُريدُ المُقامُ
غَيرَ غاوٍ أَو خائِنٍ أَو حَسودٍ / بَرِئَت مِن أولَئِكَ الأَحلامُ
كَيفَ تُهدى لِما تُشيدُ عُيونٌ / في الثَرى مِلؤُها حَصىً وَرُغامُ
مُقَلٌ عانَتِ الظَلامَ طَويلاً / فَعَماها في أَن يَزولَ الظَلامُ
قَد تَعيشُ النُفوسُ في الضَيمِ حَتّى / لَتُري الضَيمَ أَنَّها لا تُضامُ
أَيُّها النافِرونَ عودوا إِلَينا / وَلِجوا البابَ إِنَّهُ الإِسلامُ
غَرَضٌ أَنتُمُ وَفي الدَهرِ سَهمٌ / يَومَ لا تَدفَعُ السِهامَ السِهامُ
نِمتُمُ ثُمَّ تَطلُبونَ المَعالي / وَالمَعالي عَلى النِيامِ حَرامُ
شَرُّ عَيشِ الرِجالِ ما كانَ حُلماً / قَد تُسيغُ المَنِيَّةَ الأَحلامُ
وَيَبيتُ الزَمانُ أَندَلُسِيّاً / ثُمَّ يُضحي وَناسُهُ أَعجامُ
عالِيَ البابِ هَزَّ بابُكَ مِنّا / فَسَعَينا وَفي النُفوسِ مَرامُ
وَتَجَلَّيتَ فَاِستَلَمنا كَما لِلنا / سِ بِالرُكنِ ذي الجَلالِ اِستِلامُ
نَستَميحُ الإِمامَ نَصراً لِمِصرٍ / مِثلَما يَنصُرُ الحُسامَ الحُسامُ
فَلِمِصرٍ وَأَنتَ بِالحُبِّ أَدرى / بِكَ ياحامِيَ الحِمى اِستِعصامُ
يَشهَدُ اللَهُ لِلنُفوسِ بِهَذا / وَكَفانا أَن يَشهَدَ العَلّامُ
وَإِلى السَيِّدِ الخَليفَةِ نَشكو / جَورَ دَهرٍ أَحرارُهُ ظُلّامُ
وَعَدوها لَنا وُعوداً كِباراً / هَل رَأَيتَ القُرى عَلاها الجَهامُ
فَمَلَلنا وَلَم يَكُ الداءُ يَحمي / أَن تَمَلَّ الأَرواحُ وَالأَجسامُ
يَمنَعُ القَيدُ أَن تَقومَ فَهَل تا / جٌ فَبِالتاجِ لِلبِلادِ قِيامُ
فَاِرفَعِ الصَوتَ إِنَّها هِيَ مِصرٌ / وَاِرفَعِ الصَوتَ إِنَّها الأَهرامُ
وَاِرعَ مِصراً وَلَم تَزَل خَيرَ راعٍ / فَلَها بِالَّذي أَرَتكَ زِمامُ
إِنَّ جُهدَ الوَفاءِ ما أَنتَ آتٍ / فَليَقُم في وَقائِكَ الخُدّامُ
وَليَصولوا بِمَن لَهُ الدَهرُ عَبدٌ / وَلَهُ السَعدُ تابِعٌ وَغُلامُ
فَاللِواءُ الَّذي تَلَقَّوا رَفيعٌ / وَالأُمورُ الَّتي تَوَلَّوا عِظامُ
مَن يُرِد حَقَّهُ فَلِلحَقِّ أَنصا / رٌ كَثيرٌ وَفي الزَمانِ كِرامُ
لا تَروقَنَّ نَومَةُ الحَقِّ لِلبا / غي فَلِلحَقِّ هَبَّةٌ وَاِنتِقامُ
إِنَّ لِلوَحشِ وَالعِظامُ مُناها / لَمَنايا أَسبابُهُنَّ العِظامُ
رافِعَ الضادِ لِلسُها هَل قَبولٌ / فَيُباهي النُجومَ هَذا النِظامُ
قامَتِ الضادُ في فَمي لَكَ حُبّاً / فَهيَ فيهِ تَحِيَّةٌ وَاِبتِسامُ
إِنَّ في يَلدِزِ الهَوى لَخِلالا / أَنا صَبٌّ بِلُطفِها مُستَهامُ
قَد تَجَلَّت لِخَيرِ بَدرٍ أَقَلَّت / في كَمالٍ بَدَت لَهُ أَعلامُ
فَاِلزَمِ التَمَّ أَيُّها البَدرُ دَوماً / وَاِلزَمِ البَدرَ أَيُّهَذا التَمامُ
قِف بِروما وَشاهِدِ الأَمرَ وَاِشهَد
قِف بِروما وَشاهِدِ الأَمرَ وَاِشهَد / أَنَّ لِلمُلكِ مالِكاً سُبحانَه
دَولَةٌ في الثَرى وَأَنقاضُ مُلكٍ / هَدَمَ الدَهرُ في العُلا بُنيانَه
مَزَّقَت تاجَهُ الخُطوبُ وَأَلقَت / في التُرابِ الَّذي أَرى صَولَجانَه
طَلَلٌ عِندَ دِمنَةٍ عِندَ رَسمٍ / كَكِتابٍ مَحا البِلى عُنوانَه
وَتَماثيلُ كَالحَقائِقِ تَزدا / دُ وُضوحاً عَلى المَدى وَإِبّانَه
مَن رَآها يَقولُ هَذي مُلوكُ / الدَهرِ هَذا وَقارُهُم وَالرَزانَه
وَبَقايا هَياكِلٍ وَقُصورٍ / بَينَ أَخذِ البِلى وَدَفعِ المَتانَه
عَبَثَ الدَهرُ بِالحَوارِيِّ فيها / وَبَيلَيوسَ لَم يَهَب أُرجُوانَه
وَجَرَت هاهُنا أُمورٌ كِبارٌ / واصَلَ الدَهرُ بَعدَها جَرَيانَه
راحَ دينٌ وَجاءَ دينٌ وَوَلّى / مُلكُ قَومٍ وَحَلَّ مَلِكٌ مَكانَه
وَالَّذي حَصَّلَ المُجِدّونَ إِهرا / قُ دِماءٍ خَليقَةٍ بِالصِيانَه
لَيتَ شِعري إِلامَ يَقتَتِلُ النا / سُ عَلى ذي الدَنِيَّةِ الفَتّانَه
بَلَدٌ كانَ لِلنَصارى قَتاداً / صارَ مُلكَ القُسوسِ عَرشُ الدِيانَه
وَشُعوبٌ يَمحونَ آيَةَ عيسى / ثُمَّ يُعلونَ في البَرِيَّةِ شانَه
وَيُهينونَ صاحِبَ الروحِ مَيتاً / وَيُعِزّونَ بَعدَهُ أَكفانَه
عالَمٌ قُلَّبٌ وَأَحلامُ خَلقٍ / تَتَبارى غَباوَةً وَفَطانَه
رَومَةُ الزَهوِ في الشَرائِعِ وَالحِك / مَةِ في الحُكمِ وَالهَوى وَالمَجانَه
وَالتَناهي فَما تَعَدّى عَزيزاً / فيكِ عِزٌّ وَلا مَهيناً مَهانَه
ما لِحَيٍّ لَم يُمسِ مِنكِ قَبيلٌ / أَو بِلادٌ يُعِدُّها أَوطانَه
يُصبِحُ الناسُ فيكِ مَولى وَعَبداً / وَيَرى عَبدُكِ الوَرى غِلمانَه
أَينَ مُلكٌ في الشَرقِ وَالغَربِ عالٍ / تَحسُدُ الشَمسُ في الضُحى سُلطانَه
قادِرٌ يَمسَخُ المَمالِكَ أَعما / لاً وَيُعطي وَسيعَها أَعوانَه
أَينَ مالٌ جَبَيتِهِ وَرَعايا / كُلُّهُم خازِنٌ وَأَنتِ الخَزانَه
أَينَ أَشرَافُكِ الَّذينَ طَغَوا في الدَه / رِ حَتّى أَذاقَهُم طُغيانَه
أَينَ قاضيكِ ما أَناخَ عَلَيهِ / أَينَ ناديكِ ما دَهى شَيخانَه
قَد رَأَينا عَلَيكِ آثارَ حُزنٍ / وَمِنَ الدورِ ما تَرى أَحزانَه
اِقصِري وَاِسأَلي عَنِ الدَهرِ مِصراً / هَل قَضَت مَرَّتَينِ مِنهُ اللُبانَه
إِنَّ مَن فَرَّقَ العِبادَ شُعوباً / جَعَلَ القِسطَ بَينَها ميزانَه
هَبكِ أَفنَيتِ بِالحِدادِ اللَيالي / لَن تَرَدّى عَلى الوَرى رومانَه
اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي
اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي / اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي
وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ / صُوِّرَت مِن تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ
عَصَفَت كَالصِبا اللَعوبِ وَمَرَّت / سِنَةً حُلوَةً وَلَذَّةُ خَلسِ
وَسَلا مِصرَ هَل سَلا القَلبُ عَنها / أَو أَسا جُرحَهُ الزَمانَ المُؤَسّي
كُلَّما مَرَّتِ اللَيالي عَلَيهِ / رَقَّ وَالعَهدُ في اللَيالي تُقَسّي
مُستَطارٌ إِذا البَواخِرُ رَنَّت / أَوَّلَ اللَيلِ أَو عَوَت بَعدَ جَرسِ
راهِبٌ في الضُلوعِ لِلسُفنِ فَطنُ / كُلَّما ثُرنَ شاعَهُنَّ بِنَقسِ
يا اِبنَةَ اليَمِّ ما أَبوكِ بَخيلٌ / ما لَهُ مولَعاً بِمَنعٍ وَحَبسِ
أَحرامٌ عَلى بَلابِلِهِ الدَو / حُ حَلالٌ لِلطَيرِ مِن كُلِّ جِنسِ
كُلُّ دارٍ أَحَقُّ بِالأَهلِ إِلّا / في خَبيثٍ مِنَ المَذاهِبِ رِجسِ
نَفسي مِرجَلٌ وَقَلبي شِراعٌ / بِهِما في الدُموعِ سيري وَأَرسي
وَاِجعَلي وَجهَكِ الفَنارَ وَمَجرا / كِ يَدَ الثَغرِ بَينَ رَملٍ وَمَكسِ
وَطَني لَو شُغِلتُ بِالخُلدِ عَنهُ / نازَعَتني إِلَيهِ في الخُلدِ نَفسي
وَهَفا بِالفُؤادِ في سَلسَبيلٍ / ظَمَأٌ لِلسَوادِ مِن عَينِ شَمسِ
شَهِدَ اللَهُ لَم يَغِب عَن جُفوني / شَخصُهُ ساعَةً وَلَم يَخلُ حِسّي
يُصبِحُ الفِكرُ وَالمَسَلَّةُ نادي / هِ وَبِالسَرحَةِ الزَكِيَّةِ يُمسي
وَكَأَنّي أَرى الجَزيرَةَ أَيكاً / نَغَمَت طَيرُهُ بِأَرخَمَ جَرسِ
هِيَ بَلقيسُ في الخَمائِلِ صَرحٌ / مِن عُبابٍ وَصاحَت غَيرُ نِكسِ
حَسبُها أَن تَكونَ لِلنيلِ عِرساً / قَبلَها لَم يُجَنَّ يَوماً بِعِرسِ
لَبِسَت بِالأَصيلِ حُلَّةَ وَشيٍ / بَينَ صَنعاءَ في الثِيابِ وَقَسِّ
قَدَّها النيلُ فَاِستَحَت فَتَوارَت / مِنهُ بِالجِسرِ بَينَ عُريٍ وَلُبسِ
وَأَرى النيلَ كَالعَقيقِ بَوادي / هِ وَإِن كانَ كَوثَرَ المُتَحَسّي
اِبنُ ماءِ السَماءِ ذو المَوكِبِ الفَخمِ / الَّذي يَحسُرُ العُيونَ وَيُخسي
لا تَرى في رِكابِهِ غَيرَ مُثنٍ / بِخَميلٍ وَشاكِرٍ فَضلَ عُرسِ
وَأَرى الجيزَةَ الحَزينَةَ ثَكلى / لَم تُفِق بَعدُ مِن مَناحَةِ رَمسي
أَكثَرَت ضَجَّةَ السَواقي عَلَيهِ / وَسُؤالَ اليَراعِ عَنهُ بِهَمسِ
وَقِيامَ النَخيلِ ضَفَّرنَ شِعراً / وَتَجَرَّدنَ غَيرَ طَوقٍ وَسَلسِ
وَكَأَنَّ الأَهرامَ ميزانُ فِرعَو / نَ بِيَومٍ عَلى الجَبابِرِ نَحسِ
أَو قَناطيرُهُ تَأَنَّقَ فيها / أَلفُ جابٍ وَأَلفُ صاحِبِ مَكسِ
رَوعَةٌ في الضُحى مَلاعِبُ جِنٍّ / حينَ يَغشى الدُجى حِماها وَيُغسي
وَرَهينُ الرِمالِ أَفطَسُ إِلّا / أَنَّهُ صُنعُ جِنَّةٍ غَيرُ فُطسِ
تَتَجَلّى حَقيقَةُ الناسِ فيهِ / سَبُعُ الخَلقِ في أَساريرِ إِنسي
لَعِبَ الدَهرُ في ثَراهُ صَبِيّاً / وَاللَيالي كَواعِباً غَيرَ عُنسِ
رَكِبَت صُيَّدُ المَقاديرِ عَينَيهِ / لِنَقدٍ وَمَخلَبَيهِ لِفَرسِ
فَأَصابَت بِهِ المَمالِكَ كِسرى / وَهِرَقلاً وَالعَبقَرِيَّ الفَرَنسي
يا فُؤادي لِكُلِّ أَمرٍ قَرارٌ / فيهِ يَبدو وَيَنجَلي بَعدَ لَبسِ
عَقَلَت لُجَّةُ الأُمورِ عُقولاً / طالَت الحوتَ طولَ سَبحٍ وَغَسِّ
غَرِقَت حَيثُ لا يُصاحُ بِطافٍ / أَو غَريقٍ وَلا يُصاخُ لِحِسِّ
فَلَكٌ يَكسِفُ الشُموسَ نَهاراً / وَيَسومُ البُدورَ لَيلَةَ وَكسِ
وَمَواقيتُ لِلأُمورِ إِذا ما / بَلَغَتها الأُمورُ صارَت لِعَكسِ
دُوَلٌ كَالرِجالِ مُرتَهَناتٌ / بِقِيامٍ مِنَ الجُدودِ وَتَعسِ
وَلَيالٍ مِن كُلِّ ذاتِ سِوارٍ / لَطَمَت كُلَّ رَبِّ رومٍ وَفُرسِ
سَدَّدَت بِالهِلالِ قَوساً وَسَلَّت / خِنجَراً يَنفُذانِ مِن كُلِّ تُرسِ
حَكَمَت في القُرونِ خوفو وَدارا / وَعَفَت وائِلاً وَأَلوَت بِعَبسِ
أَينَ مَروانُ في المَشارِقِ عَرشٌ / أَمَوِيٌّ وَفي المَغارِبِ كُرسي
سَقِمَت شَمسُهُم فَرَدَّ عَلَيها / نورَها كُلُّ ثاقِبِ الرَأيِ نَطسِ
ثُمَّ غابَت وَكُلُّ شَمسٍ سِوى هاتي / كَ تَبلى وَتَنطَوي تَحتَ رَمسِ
وَعَظَ البُحتُرِيَّ إيوانُ كِسرى / وَشَفَتني القُصورُ مِن عَبدِ شَمسِ
رُبَّ لَيلٍ سَرَيتُ وَالبَرقُ طِرفي / وَبِساطٍ طَوَيتُ وَالريحُ عَنسي
أَنظِمُ الشَرقَ في الجَزيرَةِ بِالغَر / بِ وَأَطوي البِلادَ حَزناً لِدَهسِ
في دِيارٍ مِنَ الخَلائِفِ دَرسٍ / وَمَنارٍ مِنَ الطَوائِفِ طَمسِ
وَرُبىً كَالجِنانِ في كَنَفِ الزَيتو / نِ خُضرٍ وَفي ذَرا الكَرمِ طُلسِ
لَم يَرُعني سِوى ثَرىً قُرطُبِيٍّ / لَمَسَت فيهِ عِبرَةَ الدَهرِ خَمسي
يا وَقى اللَهُ ما أُصَبِّحُ مِنهُ / وَسَقى صَفوَةَ الحَيا ما أُمَسّي
قَريَةٌ لا تُعَدُّ في الأَرضِ كانَت / تُمسِكُ الأَرضَ أَن تَميدَ وَتُرسي
غَشِيَت ساحِلَ المُحيطِ وَغَطَّت / لُجَّةَ الرومِ مِن شِراعٍ وَقَلسِ
رَكِبَ الدَهرُ خاطِري في ثَراها / فَأَتى ذَلِكَ الحِمى بَعدَ حَدسِ
فَتَجَلَّت لِيَ القُصورُ وَمَن في / ها مِنَ العِزِّ في مَنازِلَ قُعسِ
ما ضَفَت قَطُّ في المُلوكِ عَلى نَذ / لِ المَعالي وَلا تَرَدَّت بِنَجسِ
وَكَأَنّي بَلَغتُ لِلعِلمِ بَيتاً / فيهِ ما لِلعُقولِ مِن كُلِّ دَرسِ
قُدُساً في البِلادِ شَرقاً وَغَرباً / حَجَّهُ القَومُ مِن فَقيهٍ وَقَسِّ
وَعَلى الجُمعَةِ الجَلالَةُ وَالنا / صِرُ نورُ الخَميسِ تَحتَ الدَرَفسِ
يُنزِلُ التاجَ عَن مَفارِقِ دونٍ / وَيُحَلّى بِهِ جَبينَ البِرِنسِ
سِنَةٌ مِن كَرىً وَطَيفُ أَمانٍ / وَصَحا القَلبُ مِن ضَلالٍ وَهَجسِ
وَإِذا الدارُ ما بِها مِن أَنيسٍ / وَإِذا القَومُ ما لَهُم مِن مُحِسِّ
وَرَقيقٍ مِنَ البُيوتِ عَتيقٌ / جاوَزَ الأَلفَ غَيرَ مَذمومِ حَرسِ
أَثَرٌ مِن مُحَمَّدٍ وَتُراثٌ / صارَ لِلروحِ ذي الوَلاءِ الأَمَسِّ
بَلَغَ النَجمَ ذِروَةً وَتَناهى / بَينَ ثَهلانَ في الأَساسِ وَقُدسِ
مَرمَرٌ تَسبَحُ النَواظِرُ فيهِ / وَيَطولُ المَدى عَلَيها فَتُرسي
وَسَوارٍ كَأَنَّها في اِستِواءٍ / أَلِفاتُ الوَزيرِ في عَرضِ طِرسِ
فَترَةُ الدَهرِ قَد كَسَت سَطَرَيها / ما اِكتَسى الهُدبُ مِن فُتورٍ وَنَعسِ
وَيحَها كَم تَزَيَّنَت لِعَليمٍ / واحِدِ الدَهرِ وَاِستَعدَت لِخَمسِ
وَكَأَنَّ الرَفيفَ في مَسرَحِ العَي / نِ مُلاءٌ مُدَنَّراتُ الدِمَقسِ
وَكَأَنَّ الآياتِ في جانِبَيهِ / يَتَنَزَّلنَ في مَعارِجِ قُدسِ
مِنبَرٌ تَحتَ مُنذِرٍ مِن جَلالٍ / لَم يَزَل يَكتَسيهِ أَو تَحتَ قُسِّ
وَمَكانُ الكِتابِ يُغريكَ رَيّا / وَردِهِ غائِباً فَتَدنو لِلَمسِ
صَنعَةُ الداخِلِ المُبارَكِ في الغَر / بِ وَآلٍ لَهُ مَيامينَ شُمسِ
مَن لِحَمراءَ جُلِّلَت بِغُبارِ ال / دَهرِ كَالجُرحِ بَينَ بُرءٍ وَنُكسِ
كَسَنا البَرقِ لَو مَحا الضَوءُ لَحظاً / لَمَحَتها العُيونُ مِن طولِ قَبسِ
حِصنُ غِرناطَةَ وَدارُ بَني الأَح / مَرِ مِن غافِلٍ وَيَقظانَ نَدسِ
جَلَّلَ الثَلجُ دونَها رَأسَ شيرى / فَبَدا مِنهُ في عَصائِبَ بِرسِ
سَرمَدٌ شَيبُهُ وَلَم أَرَ شَيباً / قَبلَهُ يُرجى البَقاءَ وَيُنسي
مَشَتِ الحادِثاتُ في غُرَفِ الحَم / راءِ مَشيَ النَعِيِّ في دارِ عُرسِ
هَتَكَت عِزَّةَ الحِجابِ وَفَضَّت / سُدَّةَ البابِ مِن سَميرٍ وَأُنسِ
عَرَصاتٌ تَخَلَّتِ الخَيلُ عَنها / وَاِستَراحَت مِن اِحتِراسٍ وَعَسِّ
وَمَغانٍ عَلى اللَيالي وِضاءٌ / لَم تَجِد لِلعَشِيِّ تَكرارَ مَسِّ
لا تَرى غَيرَ وافِدينَ عَلى التا / ريخِ ساعينَ في خُشوعٍ وَنَكسِ
نَقَّلوا الطَرفَ في نَضارَةِ آسٍ / مِن نُقوشٍ وَفي عُصارَةِ وَرسِ
وَقِبابٍ مِن لازَوَردٍ وَتِبرٍ / كَالرُبى الشُمِّ بَينَ ظِلٍّ وَشَمسِ
وَخُطوطٍ تَكَفَّلَت لِلمَعاني / وَلِأَلفاظِها بِأَزيَنَ لَبسِ
وَتَرى مَجلِسَ السِباعِ خَلاءً / مُقفِرَ القاعِ مِن ظِباءٍ وَخَنسِ
لا الثُرَيّا وَلا جَواري الثُرَيّا / يَتَنَزَّلنَ فيهِ أَقمارَ إِنسِ
مَرمَرٌ قامَتِ الأُسودُ عَلَيهِ / كَلَّةَ الظُفرِ لَيِّناتِ المَجَسِّ
تَنثُرُ الماءَ في الحِياضِ جُماناً / يَتَنَزّى عَلى تَرائِبَ مُلسِ
آخَرَ العَهدِ بِالجَزيرَةِ كانَت / بَعدَ عَركٍ مِنَ الزَمانِ وَضَرسِ
فَتَراها تَقولُ رايَةُ جَيشٍ / بادَ بِالأَمسِ بَينَ أَسرٍ وَحَسِّ
وَمَفاتيحُها مَقاليدُ مُلكٍ / باعَها الوارِثُ المُضيعُ بِبَخسِ
خَرَجَ القَومُ في كَتائِبَ صُمٍّ / عَن حِفاظٍ كَمَوكِبِ الدَفنِ خُرسِ
رَكِبوا بِالبِحارِ نَعشاً وَكانَت / تَحتَ آبائِهِم هِيَ العَرشُ أَمسِ
رُبَّ بانٍ لِهادِمٍ وَجَموعٍ / لِمُشِتٍّ وَمُحسِنٍ لِمُخِسِّ
إِمرَةُ الناسِ هِمَّةٌ لا تَأَنّى / لِجَبانٍ وَلا تَسَنّى لِجِبسِ
وَإِذا ما أَصابَ بُنيانَ قَومٍ / وَهيُ خُلقٍ فَإِنَّهُ وَهيُ أُسِّ
يا دِياراً نَزَلتُ كَالخُلدِ ظِلّاً / وَجَنىً دانِياً وَسَلسالَ أُنسِ
مُحسِناتِ الفُصولِ لا ناجِرٌ في / ها بِقَيظٍ وَلا جُمادى بِقَرسِ
لا تَحِشَّ العُيونُ فَوقَ رُباها / غَيرَ حورٍ حُوِّ المَراشِفِ لُعسِ
كُسِيَت أَفرُخي بِظِلِّكِ ريشاً / وَرَبا في رُباكِ وَاِشتَدَّ غَرسي
هُم بَنو مِصرَ لا الجَميلُ لَدَيهِمُ / بِمُضاعٍ وَلا الصَنيعُ بِمَنسي
مِن لِسانٍ عَلى ثَنائِكِ وَقفٌ / وَجَنانٍ عَلى وَلائِكِ حَبسِ
حَسبُهُم هَذِهِ الطُلولُ عِظاتٍ / مِن جَديدٍ عَلى الدُهورِ وَدَرسِ
وَإِذا فاتَكَ اِلتِفاتٌ إِلى الما / ضي فَقَد غابَ عَنكَ وَجهُ التَأَسّي
أَيُّها المُنتَحي بِأَسوانَ داراً
أَيُّها المُنتَحي بِأَسوانَ داراً / كَالثُرَيّا تُريدُ أَن تَنقَضّا
اِخلَعِ النَعلَ وَاِخفِضِ الطَرفَ وَاِخشَع / لا تُحاوِل مِن آيَةِ الدَهرِ غَضّا
قِف بِتِلكَ القُصورِ في اليَمِّ غَرقى / مُمسِكاً بَعضُها مِنَ الذُعرِ بَعضا
كَعَذارى أَخفَينَ في الماءِ بَضّاً / سابِحاتٍ بِهِ وَأَبدَينَ بَضّا
مُشرِفاتٍ عَلى الزَوالِ وَكانَت / مُشرِفاتٍ عَلى الكَواكِبِ نَهضا
شابَ مِن حَولِها الزَمانُ وَشابَت / وَشَبابُ الفُنونِ مازالَ غَضّا
رُبَّ نَقشٍ كَأَنَّما نَفَضَ الصا / نِعُ مِنهُ اليَدَينِ بِالأَمسِ نَفضا
وَدُهانٍ كَلامِعِ الزَيتِ مَرَّت / أَعصُرٌ بِالسِراجِ وَالزَيتِ وُضّا
وَخُطوطٍ كَأَنَّها هُدبُ ريمٍ / حَسُنَت صَنعَةً وَطولاً وَعَرضا
وَضَحايا تَكادُ تَمشي وَتَرعى / لَو أَصابَت مِن قُدرَةِ اللَهِ نَبضا
وَمَحاريبَ كَالبُروجِ بَنَتها / عَزَماتٌ مِن عَزمَةِ الجِنِّ أَمضى
شَيَّدَت بَعضَها الفَراعينُ زُلفى / وَبَنى البَعضَ أَجنَبٌ يَتَرَضّى
وَمَقاصيرُ أُبدِلَت بِفُتاتِ ال / مِسكِ تُرباً وَبِاليَواقيتِ قَضّا
حَظُّها اليَومَ هَدَّةٌ وَقَديماً / صُرِّفَت في الحُظوظِ رَفعاً وَخَفضا
سَقَتِ العالَمينَ بِالسَعدِ وَالنَخ / سِ إِلى أَن تَعاطَتِ النَحسَ مَحضا
صَنعَةٌ تُدهِشُ العُقولَ وَفَنٌّ / كانَ إِتقانُهُ عَلى القَومِ فَرضا
يا قُصوراً نَظَرتُها وَهيَ تَقضي / فَسَكَبتُ الدُموعَ وَالحَقُّ يُقضى
أَنتِ سَطرٌ وَمَجدُ مِصرَ كِتابٌ / كَيفَ سامَ البِلى كِتابَكَ فَضّا
وَأَنا المُحتَفي بِتاريخِ مِصرٍ / مَن يَصُن مَجدَ قَومِهِ صانَ عِرضا
رُبَّ سِرٍّ بِجانِبَيكَ مُزالٍ / كانَ حَتّى عَلى الفَراعينِ غُمضا
قُل لَها في الدُعاءِ لَو كانَ يُجدي / يا سَماءَ الجِلالِ لا صِرتِ أَرضا
حارَ فيكِ المُهَندِسونَ عُقولاً / وَتَوَلَّت عَزائِمُ العِلمِ مَرضى
أَينَ مَلِكٌ حِيالَها وَفَريدٌ / مِن نِظامِ النَعيمِ أَصبَحَ فَضا
أَينَ فِرعَونُ في المَواكِبِ تَترى / يَركُضُ المالِكينَ كَالخَيلِ رَكضا
ساقَ لِلفَتحِ في المَمالِكِ عَرضاً / وَجَلا لِلفَخارِ في السِلمِ عَرضا
أَينَ إيزيسَ تَحتَها النيلُ يَجري / حَكَمَت فيهِ شاطِئَينِ وَعَرضا
أَسدَلَ الطَرفَ كاهِنٌ وَمَليكٌ / في ثَراها وَأَرسَلَ الرَأسَ خَفضا
يُعرَضُ المالِكونَ أَسرى عَلَيها / في قُيودِ الهَوانِ عانينَ جَرضى
ما لَها أَصبَحَت بِغَيرِ مُجيرٍ / تَشتَكي مِن نَوائِبِ الدَهرِ عَضّا
هِيَ في الأَسرِ بَينَ صَخرٍ وَبَحرٍ / مُلكَةٌ في السُجونِ فَوقَ حَضوضى
أَينَ هوروسُ بَينَ سَيفٍ وَنِطعٍ / أَبِهَذا في شَرعِهِم كانَ يُقضى
لَيتَ شِعري قَضى شَهيدَ غَرامٍ / أَم رَماهُ الوُشاةُ حِقداً وَبُغضا
رُبَّ ضَربٍ مِن سَوطِ فِرعَونَ مَضٍّ / دونَ فِعلِ الفِراقِ بِالنَفسِ مَضّا
وَهَلاكٍ بِسَيفِهِ وَهوَ قانٍ / دونَ سَيفٍ مِنَ اللَواحِظِ يُنضى
قَتَلوهُ فَهَل لِذاكَ حَديثٌ / أَينَ راوي الحَديثِ نَثراً وَقَرضا
يا إِمامَ الشُعوبِ بِالأَمسِ وَاليَو / مِ سَتُعطى مِنَ الثَناءِ فَتَرضى
مِصرُ بِالنازِلينَ مِن ساحِ مَعنٍ / وَحِمى الجودِ حاتِمُ الجودِ أَفضى
كُن ظَهيراً لِأَهلِها وَنَصيراً / وَاِبذُلِ النُصحَ بَعدَ ذَلِكَ مَحضا
قُل لِقَومٍ عَلى الوِلاياتِ أَيقا / ظٍ إِذا ذاقَتِ البَرِيَّةُ غُمضا
شيمَةُ النيلِ أَن يَفي وَعَجيبٌ / أَحرَجوهُ فَضَيَّعَ العَهدَ نَقضا
حاشَهُ الماءُ فَهوَ صَيدٌ كَريمٌ / لَيتَ بِالنيلِ يَومَ يَسقُطُ غَيضا
شيدَ وَالمالُ وَالعُلومُ قَليلٌ / أَنقَذوهُ بِالمالِ وَالعِلمِ نَقضا
أَيُّها الكاتِبُ المُصَوِّرُ صَوِّر
أَيُّها الكاتِبُ المُصَوِّرُ صَوِّر / مِصرَ بِالمَنظَرِ الأَنيقِ الخَليقِ
إِنَّ مِصراً رِوايَةُ الدَهرِ فَاِقرَأ / عِبرَةَ الدَهرِ في الكِتابِ العَتيقِ
مَلعَبُ مَثَّلَ القَضاءُ عَلَيهِ / في صِبا الدَهرِ آيَةَ الصِدّيقِ
وَاِمِّحاءَ الكَليمِ آنَسَ ناراً / وَاِلتِجاءَ البَتولِ في وَقتِ ضيقِ
وَمَنايا مِنّا فَكِسرى فَذي القَر / نَينِ فَالقَيصَرَينِ فَالفاروقِ
دُوَلٌ لَم تَبِد وَلَكِن تَوارَت / خَلفَ سِترٍ مِنَ الزَمانِ رَقيقِ
رَوضَتي اِزَّيَّنَت وَأَبدَت حُلاها / حينَ قالوا رِكابُكُم في الطَريقِ
مِثلَ عَذراءَ مِن عَجائِزِ روما / بَشَّروها بِزَورَةِ البَطريقِ
ضَحِكُ الماءِ وَالأَقاحي عَلَيها / قابَلَتهُ الغُصونُ بِالتَصفيقِ
زُرنَها وَالرَبيعُ فَصلاً فَخَفَّت / نَحوَ رَكبَيكُما خُفوفَ المَشوقِ
فَاِنزِلا في عُيونِ نَرجِسِها الغَضِّ / صِياناً وَفَوقَ خَدِّ الشَقيقِ
رَزَقَ اللَهُ أَهلَ باريسَ خَيراً
رَزَقَ اللَهُ أَهلَ باريسَ خَيراً / وَأَرى العَقلَ خَيرَ ما رُزِقوهُ
عِندَهُم لِلثِمارِ وَالزَهرِ مِمّا / تُنجِبُ الأَرضُ مَعرِضٌ نَسَقوهُ
جَنَّةٌ تَخلِبُ العُقولَ وَرَوضٌ / تَجمَعُ العَينُ مِنهُ ما فَرَقوهُ
مَن رَآهُ يَقولُ قَد حُرِموا الفِر / دَوسَ لَكِن بِسِحرِهِم سَرَقوهُ
ما تَرى الكَرمَ قَد تَشاكَلَ حَتّى / لَو رَآهُ السُقاةُ ما حَقَّقوهُ
يُسكِرُ الناظِرينَ كَرماً وَلَمّا / تَعتَصِرهُ يَدٌ وَلا عَتَّقوهُ
صَوَّروهُ كَما يَشاؤونَ حَتّى / عَجِبَ الناسُ كَيفَ لَم يُنطِقوهُ
يَجِدُ المُتَّقي يَدَ اللَهِ فيهِ / وَيَقولُ الجَحودُ قَد خَلَقوهُ
قِف بِطوكِيو وَطُف عَلى يوكاهامَه
قِف بِطوكِيو وَطُف عَلى يوكاهامَه / وَسَلِ القَريَتَينِ كَيفَ القِيامَه
دَنَتِ الساعَةُ الَّتي أُنذِرَ النا / سُ وَحَلَّت أَشراطُها وَالعَلامَه
قِف تَأَمَّل مَصارِعَ القَومِ وَاِنظُر / هَل تَرى دِيارَ عادٍ دِعامَه
خُسِفَت بِالمَساكِنِ الأَرضُ خَسفاً / وَطَوى أَهلُها بِساطَ الإِقامَه
طَوَّفَت بِالمَدينَتَينِ المَنايا / وَأَدارَ الرَدى عَلى القَومِ جامَه
لا تَرى العَينُ مِنهُما أَينَ جالَت / غَيرَ نِقضٍ أَو رِمَّةٍ أَو حُطامَه
حازَهُم مِن مَراجِلِ الأَرضِ قَبرٌ / في مَدى الظَنِّ عُمقُهُ أَلفُ قامَه
تَحسَبُ المَيتَ في نَواحيهِ يُعي / نَفخَةَ الصورِ أَن تَلُمَّ عِظامَه
أَصبَحوا في ذَرا الحَياةِ وَأَمسَوا / ذَهَبَت ريحُهُم وَشالوا نَعامَه
ثِق بِما شِئتَ مِن زَمانِكَ إِلّا / صُحبَةَ العَيشِ أَو جِوارَ السَلامَه
دَولَةُ الشَرقِ وَهيَ في ذِروَةِ العِزِّ / تَحارُ العُيونُ فيها فَخامَه
خانَها الجَيشُ وَهوَ في البَرِّ دِرعٌ / وَالأَساطيلُ وَهيَ في البَحرِ لامَه
لَو تَأَمَّلتَها عَشِيَّةَ جاشَت / خِلتَها في يَدِ القَضاءِ حَمامَه
رَجَّها رَجَّةً أَكَبَّت عَلى قَر / تَيهِ بوذا وَزَلزَلَت أَقدامَه
اِستَعَذنا بِاللَهِ مِن ذَلِكَ السَي / لِ الَّذي يَكسَحُ البِلادَ أَمامَه
مَن رَأى جَلمَداً يَهُبُّ هُبوباً / وَحَميماً يَسُحَّ سَحَّ الغَمامَه
وَدُخاناً يَلُفُّ جُنحاً بِجُنحٍ / لا تَرى فيهِ مِعصَمَيها اليَمامَه
وَهَزيماً كَما عَوى الذِئبُ في كُل / لِ مَكانٍ وَزَمجَرَ الضِرغامَه
أَتَتِ الأَرضُ وَالسَماءُ بِطوفا / نٍ يُنَسّي طوفانَ نوحٍ وَعامَه
فَتَرى البَحرَ جُنَّ حَتّى أَجازَ ال / بَرَّ وَاِحتَلَّ مَوجُهُ أَعلامَه
مُزبِداً ثائِرَ اللُجاجِ كَجَيشٍ / قَوَّضَ العاصِفُ الهَبوبُ خِيامَه
فُلكُ نوحٍ تَعوذُ مِنهُ بِنوحٍ / لَو رَأَتهُ وَتَستَجيرُ زِمامَه
قَد تَخَيَّلتُهُم مَتابيلَ سِحرٍ / مِن قِراعِ القَضاءِ صَرعى مُدامَه
وَتَخَيَّلتُ مَن تَخَلَّفَ مِنهُمُ / ظَنَّ لَيلَ القِيامِ ذاكَ فَنامَه
أَبَراكينُ تِلكَ أَم نَزَواتٌ / مِن جِراحٍ قَديمَةٍ مُلتامَه
تَجِدُ الأَرضَ راحَةً حَيثُ سالَت / راحَةُ الجِسمِ مِن وَراءِ الحَجامَه
ما لَها لا تَضِجُّ مِمّا أَقَلَّت / مِن فَسادٍ وَحُمِّلَت مِن ظُلامَه
كُلَّما لُبِّسَت بِأَهلِ زَمانٍ / شَهِدَت مِن زَمانِهِم آثامَه
اِستَوَوا بِالأَذى ضِرِيّاً وَبِالشَر / رِ وُلوعاً وَبِالدِماءِ نَهامَه
لَبَّسَت هَذِهِ الحَياةُ عَلَينا / عالَمَ الشَرِّ وَحشَهُ وَأَنامَه
أَنا مِن خَمسَةٍ وَعِشرينَ عاما
أَنا مِن خَمسَةٍ وَعِشرينَ عاما / لَم أُرِح في رِضاكُمُ الأَقداما
أَركَبُ البَحرَ تارَةً وَأَجوبُ ال / بَرَّ طَوراً وَأَقطَعُ الأَيّاما
وَيُوافي النُفوسَ مِنّي رَسولٌ / لَم يَكُن خائِناً وَلا نَمّاما
يَحمِلُ الغِشَّ وَالنَصيحَةَ وَالبَغضا / ءَ وَالحُبَّ وَالرِضى وَالمَلاما
وَيَعي ما تُسِرُّهُ مِن كَلامٍ / وَيُؤَدّي كَما وَعاهُ الكَلاما
وَلَقَد أُضحِكُ العَبوسَ بِيَومٍ / فيهِ أُبكي المُنَعَّمَ البَسّاما
وَأُهَنّي عَلى النَوى وَأُعَزّي / وَأُفيدُ الحِرمانَ وَالإِنعاما
وَجَزائِيَ عَن خِدمَتي وَوَفائي / ثَمَنٌ لا يُكَلِّفُ الأَقواما
رُبَّ عَبدٍ قَدِ اِشتَراني بِمالٍ / وَغُلامٍ قَد ساقَ مِنّي غُلاما
عَرَفَ القَومُ في جِنيفا مَحَلّي / وَجَزَوني عَن خِدمَتي إِكراما
جامَلوني إِذ تَمَّ لي رُبعُ قَرنٍ / مِثلَما جامَلوا المُلوكَ العِظاما
وَيوبيلُ المُلوكِ يَلبَثُ يَوماً / وَيوبيلي يَدومُ في الناسِ عاما
خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ
خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ / وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ
أَتُراها تَناسَت اِسمِيَ لَمّا / كَثُرَت في غَرامِها الأَسماءُ
إِن رَأَتني تَميلُ عَنّي كَأَن لَم / تَكُ بَيني وَبَينَها أَشياءُ
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلامٌ / فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ
يَومَ كُنّا وَلا تَسَل كَيفَ كُنّا / نَتَهادى مِنَ الهَوى ما نَشاءُ
وَعَلَينا مِنَ العَفافِ رَقيبٌ / تَعِبَت في مِراسِهِ الأَهواءُ
جاذَبَتني ثَوبي العصِيَّ وَقالَت / أَنتُمُ الناسُ أَيُّها الشُعَراءُ
فَاِتَّقوا اللَهَ في قُلوبِ العَذارى / فَالعَذارى قُلوبُهُنَّ هَواءُ
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلامٌ / فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ
فَفِراقٌ يَكونُ فيهِ دَواءٌ / أَو فِراقٌ يَكونُ مِنهُ الداءُ
لَحظَها لَحظَها رُوَيداً رُوَيدا
لَحظَها لَحظَها رُوَيداً رُوَيدا / كَم إِلى كَم تَكيدُ لِلروحِ كَيدا
كُفَّ أَو لا تَكُفَّ إِنَّ بِجَنبي / لَسِهاماً أَرسَلتَها لَن تُرَدّا
تَصِلُ الضَربَ ما أَرى لَكَ حَدّا / فَاِتَّقِ اللَهَ وَاِلتَزِم لَكَ حَدّا
أَو فَصُغ لي مِنَ الحِجارَةِ قَلبا / ثُمَّ صُغ لي مِنَ الحَدائِدِ كِبدا
وَاِكفِ جَفنَيَّ دافِقاً لَيسَ يَرقا / وَاِكفِ جَنبَيَّ خافِقاً لَيسَ يَهدا
فَمِنَ الغَبنِ أَن يَصيرَ وَعيداً / ما قَطَعتُ الزَمانَ أَرجوهُ وَعدا
بَدَأَ الطَيفُ بِالجَميلِ وَزارا
بَدَأَ الطَيفُ بِالجَميلِ وَزارا / يا رَسولَ الرِضى وُقيتَ العِثارا
خُذ مِنَ الجَفنِ وَالفُؤادِ سَبيلاً / وَتَيَمَّم مِنَ السُوَيداءِ دارا
أَنتَ إِن بِتَّ في الجُفونِ فَأَهلٌ / عادَةُ النورِ يُنزِلُ الأَبصارا
زارَ وَالحَربُ بَينَ جَفني وَنَومي / قَد أَعَدَّ الدُجى لَها أَوزارا
حَسَنٌ يا خَيالُ صُنعُكَ عِندي / أَجمَلُ الصُنعِ ما يُصيبُ اِفتِقارا
ما لِرَبِّ الجَمالِ جارَ عَلى القَل / بِ كَأَن لَم يَكُن لَهُ القَلبُ جارا
وَأَرى القَلبَ كُلَّما ساءَ يَجزي / هِ عَنِ الذَنبِ رِقَّةً وَاِعتِذارا
أَجَريحُ الغَرامِ يَطلُبُ عَطفاً / وَجَريحُ الأَنامِ يَطلُبُ ثارا
أَيُّها العاذِلونَ نِمتُم وَرامَ الس / سُهدُ مِن مُقلَتَيَّ أَمراً فَصارا
آفَةُ النُصحِ أَن يَكونَ لَجاجاً / وَأَذى النُصحِ أَن يَكونَ جِهارا
ساءَلتَني عَنِ النَهارِ جُفوني / رَحِمَ اللَهُ يا جُفوني النَهارا
قُلنَ نَبكيهِ قُلتُ هاتي دُموعاً / قُلنَ صَبراً فَقُلتُ هاتي اِصطِبارا
يا لَيالِيَّ لَم أَجِدكِ طِوالاً / بَعدَ لَيلي وَلَم أَجِدكِ قِصارا
إِنَّ مَن يَحمِلُ الخُطوبَ كِباراً / لا يُبالي بِحَملِهِنَّ صِغارا
لَم نُفِق مِنكَ يا زَمانُ فَنَشكو / مُدمِنُ الخَمرِ لا يُحِسُّ الخُمارا
فَاِصرِفِ الكَأسَ مُشفِقاً أَو فَواصِل / خَرجَ الرُشدُ عَن أَكُفِّ السُكارى
جِئنَنا بِالشُعورِ وَالأَحداقِ
جِئنَنا بِالشُعورِ وَالأَحداقِ / وَقَسَمنَ الحُظوظَ في العُشّاقِ
وَهَزَزنَ القَنا قُدوداً فَأَبلى / كُلَّ قَلبٍ مُستَضعَفٍ خَفّاقِ
حَبَّذا القِسمُ في المُحِبّينَ قِسمي / لَو يُلاقونَ في الهَوى ما أُلاقي
حيلَتي في الهَوى وَما أَتَمَنّى / حيلَةَ الأَذكِياءِ في الأَرزاقِ
لَو يُجازى المُحِبُّ عَن فَرطِ شَوقٍ / لَجُزيتُ الكَثيرَ عَن أَشواقِ
وَفَتاةٍ ما زادَها في غَريبِ ال / حُسنِ إِلّا غَرائِبُ الأَخلاقِ
ذُقتُ مِنها حُلواً وَمُرّاً وَكانَت / لَذَّةُ العِشقِ في اِختِلافِ المَذاقِ
ضَرَبَت مَوعيداً فَلَمّا اِلتَقَينا / جانَبَتني تَقولُ فيمَ التَلاقي
قُلتُ ما هَكَذا المَواثيقُ قالَت / لَيسَ لِلغانِياتِ مِن مِثاقِ
عَطَفَتها نَحافَتي وَشَجاها / شافِعٌ بادِرٌ مِنَ الآماقِ
فَأَرَتني الهَوى وَقالَت خَشينا / وَالهَوى شُعبَةٌ مِنَ الإِشفاقِ
يا فَتاةَ العِراقِ أَكتُمُ مَن أَن / تِ وَأَكني عَن حُبِّكُم بِالعِراقِ
لي قَوافٍ تَعِفُّ في الحُبِّ إِلّا / عَنكِ سارَت جَوائِبَ الآفاقِ
لا تَمَنّى الزَمانُ مِنها مَزيداً / إِن تَمَنَّيتُ أَن تَفُكّي وِثاقي
حَمِّليني في الحُبِّ ما شِئتِ إِلّا / حادِثَ الصَدِّ أَو بَلاءَ الفِراقِ
وَاِسمَحي بِالعِناقِ إِن رَضِيَ الدَلُّ / وَسامَحتِ فانِياً في العِناقِ
لامَ فيكُم عَذولُهُ وَأَطالا
لامَ فيكُم عَذولُهُ وَأَطالا / كَم إِلى كَم يُعالِجُ العُذّالا
كُلَّ يَومٍ لَهُم أَحاديثُ لَومٍ / بَدَأَت راحَةً وَعادَت مَلالا
بَعَثتُ ذِكرَكُم فَجاءَت خِفافاً / وَاِقتَضَت هَجرَكُم فَراحَت ثِقالا
أَيُّها المُنكِرُ الغَرامَ عَلَينا / حَسبُكَ اللَهُ قَد جَحَدتَ الجَمالا
آيَةُ الحُسنِ لِلقُلوبِ تَجَلَّت / كَيفَ لا تَعشَقُ العُيونُ اِمتِثالا
لَكَ نُصحي وَما عَلَيكَ جِدالي / آفَةُ النُصحِ أَن يَكونَ جِدالا
وَهَبِ الرُشدَ أَنَّني أَنا أَسلو / ما مِنَ العَقلِ أَن تَرومَ مُحالا
مَرحَباً بِالرَبيعِ في رَيعانِهِ
مَرحَباً بِالرَبيعِ في رَيعانِهِ / وَبِأَنوارِهِ وَطيبِ زَمانِه
رَفَّتِ الأَرضُ في مَواكِبِ آذا / رَ وَشَبَّ الزَمانُ في مِهرَجانِه
نَزَلَ السَهلَ ضاحِكَ البِشرِ يَمشي / فيهِ مَشيَ الأَميرِ في بُستانِه
عادَ حَلياً بِراحَتَيهِ وَوَشياً / طولُ أَنهارِهِ وَعَرضُ جِنانِه
لُفَّ في طَيلَسانِهِ طُرَرَ الأَر / ضِ فَطابَ الأَديمُ مِن طَيلَسانِه
ساحِرٌ فِتنَةَ العُيونِ مُبينٌ / فَصَّلَ الماءَ في الرُبا بِجُمانِه
عَبقَرِيُّ الخَيالِ زادَ عَلى الطَي / فِ وَأَربى عَلَيهِ في أَلوانِه
صِبغَةُ اللَهِ أَينَ مِنها رَفائي / لُ وَمِنقاشُهُ وَسِحرُ بَنانِه
رَنَّمَ الرَوضُ جَدوَلاً وَنَسيماً / وَتَلا طَيرَ أَيكِهِ غُصنُ بانِه
وَشَدَت في الرُبا الرَياحينُ هَمساً / كَتَغَنّي الطَروبِ في وُجدانِه
كُلُّ رَوحانَةٍ بِلَحنٍ كَعُرسٍ / أُلِّفَت لِلغِناءِ شَتّى قِيانِه
نَغَمٌ في السَماءِ وَالأَرضِ شَتّى / مِن مَعاني الرَبيعِ أَو أَلحانِهِ
أَينَ نورُ الرَبيعِ مِن زَهرِ الشِع / رِ إِذا ما اِستَوى عَلى أَفنانِه
سَرمَدُ الحُسنِ وَالبَشاشَةِ مَهما / تَلتَمِسهُ تَجِدهُ في إِبّانِه
حَسَنٌ في أَوانِهِ كُلِّ شَيءٍ / وَجَمالُ القَريضِ بَعدَ أَوانِه
مَلَكٌ ظِلُّهُ عَلى رَبوَةِ الخُل / دِ وَكُرسِيُّهُ عَلى خُلجانِه
أَمَرَ اللَهُ بِالحَقيقَةِ وَالحِك / مَةِ فَاِلتَفَّتا عَلى صَولَجانِه
لَم تَثُر أُمَّةٌ إِلى الحَقِّ إِلا / بُهُدى الشِعرِ أَو خُطا شَيطانِه
لَيسَ عَزفُ النُحاسِ أَوقَعَ مِنهُ / في شُجاعِ الفُؤادِ أَو في جَبانِه
ظَلَّلَتني عِنايَةٌ مِن فُؤادٍ / ظَلَّلَ اللَهُ عَرشَهُ بِأَمانِه
وَرَعاني رَعى الإِلَهُ لَهُ الفارو / قَ طِفلاً وَيَومَ مَرجُوِّ شانِه
مَلِكُ النيلِ مِن مَصَبَّيهِ بِالشَط / طِ إِلى مَنبَعَيهِ مِن سودانِه
هُوَ في المُلكِ بَدرُهُ المُتَجَلّي / حُفَّ بِالهالَتَينِ مِن بَرلُمانِه
زادَهُ اللَهُ بِالنِيابَةِ عِزّاً / فَوقَ عِزِّ الجَلالِ مِن سُلطانِه
مِنبَرُ الحَقِّ في أَمانَةِ سَعدٍ / وَقِوامُ الأُمورِ في ميزانِه
لَم يَرَ الشَرقُ داعِياً مِثلَ سَعدٍ / رَجَّهُ مِن بِطاحِهِ وَرِعانِه
ذَكَّرَتهُ عَقيدَةُ الناسِ فيهِ / كَيفَ كانَ الدُخولُ في أَديانِه
نَهضَةٌ مِن فَتى الشُيوخِ وَروحٌ / سَرَيا كَالشَبابِ في عُنفُوانِه
حَرَّكا الشَرقَ مِن سُكونٍ إِلى القَي / دِ وَثارا بِهِ عَلى أَرسانِه
وَإِذ النَفسُ أُنهِضَت مِن مَريضٍ / دَرَجَ البُرءُ في قُوى جُثمانِه
يا عُكاظاً تَأَلَّفَ الشَرقُ فيهِ / مِن فِلسطينِهِ إِلى بَغدانِه
اِفتَقَدنا الحِجازَ فيهِ فَلَم نَع / ثُر عَلى قُسِّهِ وَلا سَحبانِه
حَمَلَت مِصرُ دونَهُ هَيكَلَ الدي / نِ وَروحَ البَيانِ مِن فُرقانِه
وُطِّدَت فيكَ مِن دَعائِمِها الفُص / حى وَشُدَّ البَيانُ مِن أَركانِه
إِنَّما أَنتَ حَلبَةٌ لَم يُسَخَّر / مِثلُها لِلكَلامِ يَومَ رِهانِه
تَتَبارى أَصائِلُ الشامِ فيها / وَالمَذاكِيِ العِتاقُ مِن لُبنانِه
قَلَّدَتني المُلوكُ مِن لُؤلُؤِ البَح / رَينِ آلاءَها وَمِن مَرجانِه
نَخلَةٌ لا تَزالُ في الشَرقِ مَعنىً / مِن بَداواتِهِ وَمِن عُمرانِه
حَنَّ لِلشامِ حِقبَةً وَإِلَيها / فاتِحُ الغَربِ مِن بَني مَروانِه
وَحَبَتني بُمبايُ فيها يَراعاً / أُفرِغَ الودُّ فيهِ مِن عِقيانِه
لَيسَ تَلقى يَراعَها الهِندُ إِلّا / في ذَرا الخُلقِ أَو وَراءَ ضَمانِه
أَنتَضيهِ اِنتِضاءَ موسى عَصاهُ / يَفرَقُ المُستَبِدُّ مِن ثُعبانِه
يَلتَقي الوَحيَ مِن عَقيدَةِ حُرٍّ / كَالحَوارِيِّ في مَدى إيمانِه
غَيرَ باغٍ إِذا تَطَلَّبَ حَقّاً / أَو لَئيمِ اللَجاجِ في عُدوانِه
موكِبُ الشِعرِ حَرَّكَ المُتَنَبّي / في ثَراهُ وَهَزَّ مِن حَسّانِه
شَرُفَت مِصرُ بِالشُموسِ مِنَ الشَر / قِ نُجومِ البَيانِ مِن أَعيانِه
قَد عَرَفنا بِنَجمِهِ كُلَّ أُفقٍ / وَاِستَبَنّا الكِتابَ مِن عُنوانِه
لَستُ أَنسى يَداً لِإِخوانِ صِدقٍ / مَنَحوني جَزاءَ مالَم أُعانِه
رُبَّ سامي البَيانِ نَبَّهَ شَأني / أَنا أَسمو إِلى نَباهَةِ شانِه
كانَ بِالسَبقِ وَالمَيادينِ أَولى / لَو جَرى الحَظُّ في سَواءِ عَنانِه
إِنَّما أَظهَروا يَدَ اللَهِ عِندي / وَأَذاعوا الجَميلَ مِن إِحسانِه
ما الرَحيقُ الَّذي يَذوقونَ مِن كَر / مي وَإِن عِشتُ طائِفاً بِدِنانِه
وَهَبوني الحَمامَ لَذَّةَ سَجعٍ / أَينَ فَضلُ الحَمامِ في تَحنانِه
وَتَرٌ في اللَهاةِ ما لِلمُغَنّي / مِن يَدٍ في صَفائِهِ وَلِيانِه
رُبَّ جارٍ تَلَفَّتَت مِصرُ تولي / هِ سُؤالَ الكَريمِ عَن جيرانِه
بَعَثتَني مُعَزِّياً بِمآقي / وَطَني أَو مُهَنِّئاً بِلِسانِه
كانَ شِعري الغِناءَ في فَرَحِ الشَر / قِ وَكانَ العَزاءُ في أَحزانِه
قَد قَضى اللَهُ أَن يُؤَلِّفَنا الجُر / حُ وَأَن نَلتَقي عَلى أَشجانِه
كُلَما أَنَّ بِالعِراقِ جَريحٌ / لَمَسَ الشَرقُ جَنبَهُ في عُمانِه
وَعَلَينا كَما عَلَيكُم حَديدٌ / تَتَنَزّى اللُيوثُ في قُضبانِه
نَحنُ في الفِقهِ بِالدِيارِ سَواءٌ / كُلُّنا مُشفِقُ عَلى أَوطانِه
سِر أَبا صالِحٍ إِلى اللَهِ وَاِترُك
سِر أَبا صالِحٍ إِلى اللَهِ وَاِترُك / مِصرَ في مَأتَمٍ وَحُزنٍ شَديدِ
هَذِهِ غايَةُ النُفوسِ وَهَذا / مُنتَهى العَيشِ مُرِّهِ وَالرَغيدِ
هَل تَرى الناسَ في طَريقِكَ إِلّا / نَعشَ كَهلٍ تَلاهُ نَعشُ الوَليدِ
إِنَّ أَوهى الخُيوطِ فيما بَدا لي / خَيطُ عَيشٍ مُعَلَّقٌ بِالوَريدِ
مُضغَةٌ بَينَ خَفقَةٍ وَسُكونٍ / وَدَمٌ بَينَ جَريَةٍ وَجُمودِ
أَنزَلوا في الثَرى الوَزيرَ وَوارَوا / فيهِ تِسعينَ حِجَّةً في صُعودِ
كُنتَ فيها عَلى يَدٍ مِن حَريرِ / لِلَّيالي فَأَصبَحَت مِن حَديدِ
قَد بَلَوناكَ في الرِياسَةِ حيناً / فَبَلَونا الوَزيرَ عَبدَ الحَميدِ
آخِذاً مِن لِسانِ فارِسَ قِسطاً / وافِرَ القَسمِ مِن لِسانِ لَبيدِ
في ظِلالِ المُلوكِ تُدني إِلَيهِم / كُلَّ آوٍ لِظِلِّكَ المَمدودِ
لَستَ مَن مَرَّ بِالمَعالِمِ مَرّاً / إِنَّما أَنتَ دَولَةٌ في فَقيدِ
قُم فَحَدِّث عَنِ السِنينِ الخَوالي / وَفُتوحِ المُمَلَّكينَ الصيدِ
وَالَّذي مَرَّ بَينَ حالٍ قَديمٍ / أَنتَ أَدرى بِهِ وَحالِ جَديدِ
وَصِفِ العِزَّ في زَمانِ عَلِيٍّ / وَاِذكُرِ اليُمنَ في زَمانِ سَعيدِ
كَيفَ أُسطولُهُم عَلى كُلِّ بَحرٍ / وَسَراياهُمُ عَلى كُلِّ بيدِ
قَد تَوَلَّوا وَخَلَّفوكَ وَفِيّاً / في زَمانٍ عَلى الوَفِيِّ شَديدِ
فَاِلحَقِ اليَومَ بِالكِرامِ كَريماً / وَاِلقَهُم بَينَ جَنَّةٍ وَخُلودِ
وَتَقَبَل وَداعَ باكٍ عَلى فَق / دِكَ وافٍ لِعَهدِكَ المَحمودِ
كُلُّ حَيٍّ عَلى المَنِيَّةِ غادي
كُلُّ حَيٍّ عَلى المَنِيَّةِ غادي / تَتَوالى الرِكابُ وَالمَوتُ حادي
ذَهَب الأَوَّلونَ قَرناً فَقَرنا / لَم يَدُم حاضِرٌ وَلَم يَبقَ بادي
هَل تَرى مِنهُمُ وَتَسمَعُ عَنهُمُ / غَيرَ باقي مَآثِرٍ وَأَيادي
كُرَةُ الأَرضِ رَمَت صَولَجانا / وَطَوَت مِن مَلاعِبٍ وَجِيادِ
وَالغُبارُ الَّذي عَلى صَفحَتَيها / دَوَرانُ الرَحى عَلى الأَجسادِ
كُلُّ قَبرٍ مِن جانِبِ القَفرِ يَبدو / عَلَمَ الحَقِّ أَو مَنارَ المَعادِ
وَزِمامُ الرِكابِ مِن كُلِّ فَجٍّ / وَمَحَطُّ الرِحالِ مِن كُلِّ وادي
تَطلَعُ الشَمسُ حَيثُ تَطلَعُ نَضخاً / وَتَنَحّى كَمِنجَلِ الحَصّادِ
تِلكَ حَمراءُ في السَماءِ وَهَذا / أَعوَجُ النَصلِ مِن مِراسِ الجِلادِ
لَيتَ شِعري تَعَمَّدا وَأَصَرّا / أَم أَعانا جِنايَةَ البِلادِ
كَذَبَ الأَزهَرانِ ما الأَمرُ إِلّا / قَدَرٌ رائِحٌ بِما شاءَ غادي
يا حَماماً تَرَنَّمَت مُسعِداتٍ / وَبِها فاقَةٌ إِلى الإِسعادِ
ضاقَ عَن ثُكلِها البُكا فَتَغَنَّت / رُبَّ ثُكلٍ سَمِعتَهُ مِن شادي
الأَناةَ الأَناةَ كُلُّ أَليفٍ / سابِقُ الإِلفِ أَو مُلاقي اِنفِرادِ
هَل رَجَعتُنَّ في الحَياةِ لِفَهمٍ / إِنَّ فَهمَ الأُمورِ نِصفُ السَدادِ
سَقَمٌ مِن سَلامَةٍ وَعَزاءٌ / مِن هَناءٍ وَفُرقَةٌ مِن وِدادِ
يُجتَنى شَهدُها عَلى إِبَرِ النَح / لِ وَيُمشى لِوِردِها في القَتادِ
وَعَلى نائِمٍ وَسَهرانَ فيها / أَجَلٌ لا يَنامُ بِالمِرصادِ
لُبَدٌ صادَهُ الرَدى وَأَظُنُّ ال / نَسرَ مِن سَهمِهِ عَلى ميعادِ
ساقَةَ النَعشِ بِالرَئيسِ رُوَيداً / مَوكِبُ المَوتِ مَوضِعُ الإِتِّئادِ
كُلُّ أَعوادِ مِنبَرٍ وَسَريرٍ / باطِلٌ غَيرَ هَذِهِ الأَعوادِ
تَستَريحُ المَطِيُّ يَوماً وَهَذي / تَنقُلُ العالَمينَ مِن عَهدِ عادِ
لا وَراءَ الجِيادِ زيدَت جَلالاً / مُنذُ كانَت وَلا عَلى الأَجيادِ
أَسَأَلتُم حَقيبَةَ المَوتِ ماذا / تَحتَها مِن ذَخيرَةٍ وَعَتادِ
إِنَّ في طَيِّها إِمامَ صُفوفٍ / وَحَوارِيَّ نِيَّةٍ وَاِعتِقادِ
لَو تَرَكتُم لَها الزِمامَ لَجاءَت / وَحدَها بِالشَهيدِ دارَ الرَشادِ
اِنظُروا هَل تَرَونَ في الجَمعِ مِصراً / حاسِراً قَد تَجَلَّلَت بِسَوادِ
تاجُ أَحرارِها غُلاماً وَكَهلاً / راعَها أَن تَراهُ في الأَصفادِ
وَسِّدوهُ التُرابَ نِضوَ سِفارٍ / في سَبيلِ الحُقوقِ نِضوَ سُهادِ
وَاِركُزوهُ إِلى القِيامَةِ رُمحاً / كانَ لِلحَشدِ وَالنَدى وَالطِرادِ
وَأَقِرّوهُ في الصَفائِحِ عَضباً / لَم يَدِن بِالقَرارِ في الأَغمادِ
نازِحَ الدارِ أَقصَرَ اليَومَ بَينٌ / وَاِنتَهَت مِحنَةٌ وَكَفَّت عَوادي
وَكَفى المَوتُ ما تَخافُ وَتَرجو / وَشَفى مِن أَصادِقٍ وَأَعادي
مَن دَنا أَو نَأى فَإِنَّ المَنايا / غايَةُ القُربِ أَو قُصارى البِعادِ
سِر مَعَ العُمرِ حَيثُ شِئتَ تَأوبا / وَاِفقُدِ العُمرَ لا تَأُب مِن رُقادِ
ذَلِكَ الحَقُّ لا الَّذي زَعَموهُ / في قَديمٍ مِنَ الحَديثِ مُعادِ
وَجَرى لَفظُهُ عَلى أَلسُنِ النا / سِ وَمَعناهُ في صُدورِ الصِعادِ
يَتَحَلّى بِهِ القَوِيُّ وَلَكِن / كَتَحَلّي القِتالِ بِاِسمِ الجِهادِ
هَل تَرى كَالتُرابِ أَحسَنَ عَدلاً / وَقِياماً عَلى حُقوقِ العِبادِ
نَزَلَ الأَقوِياءُ فيهِ عَلى الضَع / فى وَحَلَّ المُلوكُ بِالزُهّادِ
صَفَحاتٌ نَقِيَّةٌ كَقُلوبِ ال / رُسلِ مَغسولَةٌ مِنَ الأَحقادِ
قُم إِنِ اِسطَعتَ مِن سَريرِكَ وَاِنظُر / سِرَّ ذاكَ اللِواءِ وَالأَجنادِ
هَل تَراهُم وَأَنتَ موفٍ عَلَيهِم / غَيرَ بُنيانِ أُلفَةٍ وَاِتِّحادِ
أُمَّةٌ هُيِّأَت وَقَومٌ لِخَيرِ ال / دَهرِ أَو شَرِّهِ عَلى اِستِعدادِ
مِصرُ تَبكي عَلَيكَ في كُلِّ خِدرٍ / وَتَصوغُ الرِثاءَ في كُلِّ نادي
لَو تَأَمَّلتَها لَراعَكَ مِنها / غُرَّةُ البِرِّ في سَوادِ الحِدادِ
مُنتَهى ما بِهِ البِلادُ تُعَزّى / رَجُلٌ ماتَ في سَبيلِ البِلادِ
أُمَّهاتٌ لا تَحمِلُ الثُكلَ إِلّا / لِلنَجيبِ الجَريءِ في الأَولادِ
كَفَريدٍ وَأَينَ ثاني فَريدٍ / أَيُّ ثانٍ لِواحِدِ الآحادِ
الرَئيسِ الجَوادِ فيما عَلِمنا / وَبَلَونا وَاِبنِ الرَئيسِ الجَوادِ
أَكَلَت مالَهُ الحُقوقُ وَأَبلى / جِسمَهُ عائِدٌ مِنَ الهَمِّ عادي
لَكَ في ذَلِكَ الضَنى رِقَّةُ الرو / حِ وَخَفقُ الفُؤادِ في العُوّادِ
عِلَّةٌ لَم تَصِل فِراشَكَ حَتّى / وَطِئَت في القُلوبِ وَالأَكبادِ
صادَفَت قُرحَةً يُلائِمُها الصَب / رُ وَتَأبى عَلَيهِ غَيرَ الفَسادِ
وَعَدَ الدَهرُ أَن يَكونَ ضِماداً / لَكَ فيها فَكانَ شَرَّ ضِمادِ
وَإِذا الروحُ لَم تُنَفِّس عَنِ الجِس / مِ فَبُقراطُ نافِخٌ في رَمادِ
ساجِعُ الشَرقِ طارَ عَن أَوكارِهِ
ساجِعُ الشَرقِ طارَ عَن أَوكارِهِ / وَتَوَلّى فَنٌّ عَلى آثارِهِ
غالَهُ نافِذُ الجَناحَينِ ماضٍ / لا تَفِرُّ النُسورُ مِن أَظفارِهِ
يَطرُقُ الفَرخَ في الغُصونِ وَيَغشى / لُبَداً في الطَويلِ مِن أَعمارِهِ
كانَ مِزمارَهُ فَأصبَحَ داوُ / دُ كَئيباً يَبكي عَلى مِزمارِهِ
عَبدُهُ بَيدَ أَنَّ كُلَّ مُغَنٍّ / عَبدُهُ في اِفتِنانِهِ وَاِبتِكارِهِ
مَعبَدُ الدَولَتَينِ في مِصرَ وَإِسحا / قُ السَمِيَّينِ رَبِّ مِصرٍ وَجارِهِ
في بِساطِ الرَشيدِ يَوماً وَيَوماً / في حِمى جَعفَرٍ وَضافي سِتارِهِ
صَفوُ مُلكَيهِما بِهِ في اِزدِيادٍ / وَمِنَ الصَفوِ أَن يَلوذَ بِدارِهِ
يُخرِجُ المالِكينَ مِن حِشمَةِ المُل / كِ وَيُنسي الوَقورَ ذِكرَ وَقارِهِ
رُبَّ لَيلٍ أَغارَ فيهِ القَماري / وَأَثارَ الحِسانَ مِن أَقمارِهِ
بِصَباً يُذكِرُ الرِياضَ صَباهُ / وَحِجازٍ أَرَقُّ مِن أَسحارِهِ
وَغِناءٍ يُدارُ لَحناً فَلَحناً / كَحَديثِ النَديمِ أَو كَعُقارِهِ
وَأَنينٍ لَو أَنَّهُ مِن مَشوقٍ / عَرَفَ السامِعونَ مَوضِعَ نارِهِ
يَتَمَنّى أَخو الهَوى مِنهُ آهاً / حينَ يُلحى تَكونُ مِن أَعذارِهِ
زَفَراتٌ كَأَنَّها بَثُّ قَيسٍ / في مَعاني الهَوى وَفي أَخبارِهِ
لا يُجازيهِ في تَفَنُّنِهِ العو / دُ وَلا يَشتَكي إِذا لَم يُجارِهِ
يَسمَعُ اللَيلُ مِنهُ في الفَجرِ يا لَي / لُ فَيُصغي مُستَمهِلاً في فِرارِهِ
فُجِعَ الناسُ يَومَ ماتَ الحَمولي / بِدَواءِ الهُمومِ في عَطّارِهِ
بِأَبي الفَنِّ وَاِبنِهِ وَأَخيهِ / القَوِيِّ المَكينِ في أَسرارِهِ
وَالأَبِيِّ العَفيفِ في حالَتَيهِ / وَالجَوادِ الكَريمِ في إيثارِهِ
يَحبِسُ اللَحنَ عَن غِنىً مُدِلٍّ / وَيُذيِقُ الفَقيرَ مِن مُختارِهِ
يا مُغيثاً بِصَوتِهِ في الرَزايا / وَمُعيناً بِمالِهِ في المَكارِهِ
وَمُحِلَّ الفَقيرِ بَينَ ذَويهِ / وَمُعِزَّ اليَتيمِ بَينَ صِغارِهِ
وَعِمادَ الصَديقِ إِن مالَ دَهرٌ / وَشِفاءَ المَحزونِ مِن أَكدارِهِ
لَستَ بِالراحِلِ القَليلِ فَتُنسى / واحِدُ الفَنِّ أُمَّةٌ في دِيارِهِ
غايَةُ الدَهرِ إِن أَتى أَو تَوَلّى / ما لَقيتَ الغَداةَ مِن إِدبارِهِ
نَزَلَ الجَدُّ في الثَرى وَتَساوى / ما مَضى مِن قِيامِهِ وَعِثارِهِ
وَاِنَقضى الداءُ بِاليَقينِ مِنَ الحا / لَينِ فَالمَوتُ مُنتَهى إِقصارِهِ
لَهفَ قَومي عَلى مَخايِلِ عِزٍّ / زالَ عَنّا بِرَوضِهِ وَهَزارِهِ
وَعَلى ذاهِبٍ مِنَ العَيشِ وَلَّي / تَ فَوَلّى الأَخيرُ مِن أَوطارِهِ
وَزَمانٍ أَنتَ الرِضى مِن بَقايا / هُ وَأَنتَ العَزاءُ مِن آثارِهِ
كانَ لِلناسِ لَيلُهُ حينَ تَشدو / لَحَقَ اليَومَ لَيلُهُ بِنَهارِهِ
لَم يَمُت مَن لَهُ أَثَر
لَم يَمُت مَن لَهُ أَثَر / وَحَياةٌ مِنَ السِيَر
أُدعُهُ غائِباً وَإِن / بَعُدَت غايَةُ السَفَر
آيِبُ الفَضلِ كُلَّما / آبَتِ الشَمسُ وَالقَمَر
رُبَّ نورٍ مُتَمَّمٍ / قَد أَتانا مِنَ الحُفَر
إِنَّما المَيتُ مَن مَشى / مَيتَ الخَيرِ وَالخَبَر
مَن إِذا عاشَ لَم يُفِد / وَإِذا ماتَ لَم يَضِر
لَيسَ في الجاهِ وَالغِنى / مِنهُ ظِلٌّ وَلا ثَمَر
قُبِّحَ العِزُّ في القُصو / رِ إِذا ذَلَّتِ القَصَر
أَعوَزَ الحَقَّ رائِدٌ / وَإِلى مُصطَفى اِفتَقَر
وَتَمَنَّت حِياضُهُ / هَبَّةَ الصارِمِ الذَكَر
الَّذي يُنفِذُ المُدى / وَالَّذي يَركَبُ الخَطَر
أَيُّها القَومُ عَظِّموا / واضِعَ الأُسِّ وَالحَجَر
أُذكُروا الخُطبَةَ الَّتي / هِيَ مِن آيَةِ الكُبَر
لَم يَرَ الناسُ قَبلَها / مِنبَراً تَحتَ مُحتَضَر
لَستُ أَنسى لِواءَهُ / وَهوَ يَمشي إِلى الظَفَر
حَشَرَ الناسَ تَحتَهُ / زُمَراً إِثرَها زُمَر
وَتَرى الحَقَّ حَولَهُ / لا تَرى البيضَ وَالسُمر
وَكُلَّما راحَ أَو غَدا / نَفَخَ الروحَ في الصُوَر
يا أَخا النَفسِ في الصِبا / لَذَّةُ الروحِ في الصِغَر
وَخَليلاً ذَخَرتُهُ / لَم يُقَوَّمَ بِمُدَّخَر
حالَ بَيني وَبَينَهُ / في فُجاءاتِهِ القَدَر
كَيفَ أَجزي مَوَدَّةً / لَم يَشُب صَفوَها كَدَر
غَيرَ دَمعٍ أَقولُهُ / قَلَّ في الشَأنِ أَو كَثُر
وَفُؤادٍ مُعَلَّلٍ / بِالخَيالاتِ وَالذُكَر
لَم يَنَم عَنكَ ساعَةً / في الأَحاديثِ وَالسَمَر
قُم تَرَ القَومَ كُتلَةً / مِثلَ مَلمومَةِ الصَخَر
جَدَّدوا أُلفَةَ الهَوى / وَالإِخاءَ الَّذي شُطِر
لَيسَ لِلخُلفِ بَينَهُم / أَو لِأَسبابِهِ أَثَر
أَلَّفَتهُم رَوائِحٌ / غادِياتٌ مِنَ الغِيَر
وَصَحَوا مِن مُنَوِّمٍ / وَأَفاقوا مِنَ الحَذَر
أَقبَلوا نَحوَ حَقِّهِم / ما لَهُم غَيرَهُ وَطَر
جَعَلوهُ خَلِيَّةً / شَرَعوا دونَها الإِبَر
وَتَواصَوا بِخُطَّةٍ / وَتَداعَوا لِمُؤتَمَر
وَقُصارى أولي النُهى / يَتَلاقونَ في الفِكَر
آذَنونا بِمَوقِفٍ / مِن جَلالٍ وَمِن خَطَر
نَسمَعُ اللَيثَ عِندَهُ / دونَ آجامِهِ زَأَر
قُل لَهُم في نَدِيِّهِم / مِصرُ بِالبابِ تَنتَظِر