المجموع : 17
ظُبى المَواضي وَأَطرافُ القَنا الذُبُلِ
ظُبى المَواضي وَأَطرافُ القَنا الذُبُلِ / ضَوامِنٌ لَكَ ما حازوهُ مِن نَفَلِ
وَكافِلٌ لَكَ كافٍ ما تُحاوِلُهُ / عِزٌّ وَعَزمٌ وَبأسٌ غير مُنتَحلِ
وَما يَعيبُكَ ما نالوهُ مِن سَلَبٍ / بالخَتلِ قَد توتَر الآسادُ بالحيَلِ
وَإِنَّما أَخلَدوا جُبناً الى خُدَع / إِذ لَم يَكُن لَهمُ بالجَيشِ مِن قِبَلِ
واِستَيقظوا وَأَرادَ اللَهُ غَفلَتُكُم / لِيَنفُذَ القَدرُ المَحتومُ في الأَزلِ
حَتّى أَتوكم وَلا الماذيُّ مِن أَمَمٍ / وَلا الظُبى كَثَبٌ من مُرهَقٍ عِجِلِ
قَناً لَقىً وقِسيٌّ غَيرُ موتَرَةٍ / وَالخَيلُ عازِبَةٌ تَرعى مَع الهَمَلِ
ما يَصنَعُ اللَيثُ لا نابٌ وَلا ظَفَرٌ / بِما حوالَيهِ مِن عُفرٍ وَمِن وَعُلِ
هَلا وَقَد رَكِبَ الأُسدُ الصُقورَ وَقَد / سلّوا الظُبى تَحتَ غاباتٍ مِن الأَسَلِ
مِن كُلِّ ضافيَةِ السِربالِ صافيَة القِذاف / بالنَبل فيها الخَذف بالنبلِ
وَأَصبَحوا فِرقاً في أَرضهم فَرَقاً / يَجوس أَدناهُم الأَقصى عَلى مَهَلِ
وانَّما هُم أَضاعوا حَزمَهُم ثِقَةً / بِجَمعِهِم وَلَكم مِن واثِقٍ خَجِل
بَني الأَصيفر ما نِلتُم بمكرِكُمُ / وَالمَكرُ في كُلِّ انسانٍ أَخو الفَشَلِ
وَما رَجعتُم بأَسرى خابَ سَعيُكَمُ / غير الأَصاغِر والأَتباع وَالسَفَلِ
سَلَبتُمُ الجُردَ مُعراةً بِلا لُجُمٍ / والسُمرَ مَركوزَةً وَالبيضَ في الخِلَلِ
هَل آخذٌ الخَيلِ قَد أَردى فَوارِسَها / مثالُ أَخذِها في الشَكلِ وَالطوَلِ
أَم سالِبُ الرُمحِ مَكوزا كَسالِبِهِ / وَالحَربُ دائِرَةٌ مِن كَفِّ مُعتَقِلِ
جَيشٌ أَصابَتهُمُ عينُ الكَمالِ وَما / يَخلو مِن العَينِ الّا غَيرُ مُكتَمِلِ
لهم بِيَومِ حُنَينٍ أُسوَةٌ وَهُمَ / خَيرُ الأَنام وَفيهم خاتمُ الرُسُل
سَيَتَضيكُم بِضَربٍ عِند أَهوَنِه / أَلبيضُ كالبيضِ والأدراع كالحُلَلِ
مَلِكٌ بَعيدٌ مِن الأَدناس ذو كَلَفٍ / بِالصِدق في القَول والاخلاص في العمل
فالسمر ما أَصبحت وَالشَمسُ ما أَفلَتِ / وَالسَيفُ ما فُلّ وَالأَطواد لَم تَزُلِ
كَم قَد تَجَلَّت بِنورِ الدينِ مِن ظُلَمٍ / لِلظُلم واِنجابَ للاظلالِ مِن ظُلَلِ
وَكَم لِعُمري كفّوا الطَرف مِن جُبُنٍ / عِندَ اللِقاء وَغضّوا الطَرف مِن خَجلِ
وَبَلدةٍ ما يُرى فيها سِوى بَطَلٍ / فَأَصبحت ما يُرى فيها سِوى طَلَلِ
قُل للمُولّين كُفّوا الطَرفَ مِن جُبُنٍ / عِندَ اللِقاء وَغضّوا الطَرف مِن خَجلِ
طَلَبتُم السَهلَ تَبغونَ النَجاةَ وَلَو / لُذتُم بِمَلكِكُم لُذتم إِلى الجَبَل
أَسلَمتُموهُ وَوَلَّيتُم فَسَلَّمَكُم / بِرِفقَةٍ لَو بَغاها الطَودُ لَم يَنَلِ
مُسارِعين وَلَم تُنثل كَنائنُكم / وَالسُمر لَم تُبتَذَل وَالبيض لَم تُذلِ
وَلا طَرَقتُم بوَبلِ النَبلِ طارِقَةً / وَلا تَغَلغَلَت الأَسيافُ في القُلَلِ
فَقامَ فَرداً وَقَد دَلَّت عَساكِرُهُ / فَكانَ مِن نَفسه في جَحفَلٍ زَجِلِ
في مَشهَدٍ لَو لُيوثُ الغيل تَشدهُ / خَرَّت لأذقانها مِن شِدَّةِ الوَجلِ
وسطَ العِدى وَحدَه ثبت الجِنان وَقَد / طارَت قُلوبٌ عَلى بُعدٍ مِن الوَهَلِ
يَعودُ فيهم روَيداً غَيرَ مُكتَرِثٍ / بِهِم وَقَد كَرَّ فيهم غَيرَ مُحتَفِلِ
يَزدادُ قُدماً اليهم مِن تَيقُّنِهِ / أَنَّ التأخر لا يَحمي مِن الأَجَلِ
ما كانَ أَقربَهُم مِن أَسرِ أَبعدِكُم / لَو أَنَّهُم لَم يَكونوا عنه في شُغُلِ
ثَباته في صُدورِ الخَيلِ أَنقَذَكُم / لا تَحسَبوا وَثَباتِ الضُمَّرِ الذُلَلِ
ما كل حينٍ تُصابُ الأُسدُ غافِلَةً / وَلا يُصيبُ الشَديدَ البَطشِ ذو الشَلَلِ
وَاللَه عَونكَ فيما أَنتَ مُزمِعُهُ / كَما أَعانَكَ في أَيّامِكَ الأَوَلِ
كَم قَد ملكت لهم مُلكاً بِلا عِوَضٍ / وَحُزتَ مِن بَلَدٍ مِنها بِلا بَدَلِ
وَكَم سَقَيتَ العَوالي مِن طُلى مَلِكٍ / وَكَم قَرَيتَ العَوافي مِن قَرا بَطل
وَأَسمَرٍ مِن وَريد النَحرِ مورِدُهُ / وَأَجَدلَ أَكلهُ مِن لَحمِ مُنجَدِلِ
حَصيدُ سَيفك قَد أَعفَيته زَمَناً / لَو لَم يَطُل عَهدُه بالسَيفِ لَم يَطُلِ
لانكَبَّت سَهمكَ الأَقدارُ عَن غَرَضٍ / وَلا ثَنَت يَدَكَ الأَيّامُ عَن أَمَلِ
دَعني وَلا تلحني في دَمعيَ الهِتنِ
دَعني وَلا تلحني في دَمعيَ الهِتنِ / فَما بَكيتُ بقدر الشَجو وَالشَجَنِ
باِصطِبارٍ بعد ما عَبثَت / أَيَدي المَنايا بِذاكَ المَنظَرِ الحَسَنِ
كَيفَ اِصطِباري وَما حُمِّلتُ من حَزَن / يَهُدُّ أَيسرهُ الحِصنين مِن حُصُنِ
قَد كانَ في الحُلمِ لي عَبداً وَكُنتُ لَهُ / بِحُكمِ حُبّي لَهُ عَبداً بِلا ثَمَن
وَما أَرَدتُ تَناسيه لأسلوَه / إِلّا وَذكرَّنيه هَزّةُ الغُصُن
لا أَرتَجي عَودَه في يَقظَتي أَبَداً / فَلَيتَه رده في رقدتي وَسَنى
أَو لَيته دامَ لي مِن بعد مَعرِفَتي / أَو لَيتَ معرفتي أَيامَ لَم تَكُنِ
يا نزهة العَين في جدّ وَفي لَعِب / وَمُنية النَفس في سِرِّ وَفي عَلَنِ
وَأحدقَ الناسِ في صَيد وأحسنهم / رَمياً وَأَبعَد مِن بخل وَمِن جُبُنِ
ما مالَ بَعدَكَ لي قَلبٌ إِلى أَحدِ / وَجداً ولا سَكنَت نَفسي إِلى سَكَنِ
مَنظَراً مُذ غِبتَ يُعجِبُها / عَيني وَلا سَمِعَت مُسَحسَناً أُذُني
لَهفي عليه غَداة الرَوعِ مِن أَسد / خالٍ مِن الغِشِّ مَملوءٌ مِن الفِطَنِ
حاوِ الشَمائِلِ مَعسولٌ خَلائقُه / صافي الأَديمِ أَبيُّ لَينٌ خَشن
رَماهُ في رأسِهِ سَهماً فَأَقصدهُ / دَهرٌ كنائنُه مَلىء مِن المِحَنِ
شَلَّت يَدا عابثٍ أَهوى بمُديَتِه / مَزحاً فَقَرَّقَ بَينِ الروح وَالبَدَنِ
صَبراً لما تحدث الأَيامُ مِن حَدَث / فالدَهر في جورِه جارٍ عَلى سَنَنِ
فالصَبرُ أَجمَلُ ثَوب أَنتَ لابِسَهُ / لِنازِل وَالتَعزّي أَحسَنُ السُنَنِ
وَهوَّن الوجد إِنّي لا أَرى أَحَداً / بِفُرقة الأَلِف يَوماً غير مُمتَحَنِ
يا ناصِر الدين يا مَن لا شَبيهَ له / لا زِلتَ وَالسَعد مقرونين في قَرَن
وَدامَ رَبعُك مأهولاً بِساكِنه / معطى السُرور وَمَمنوعاً مِن الحَزَن
يا أَشجَعَ الناس مِن عُجم ومن عَرَب / وَأَكرَمَ الناسِ مِن شام ومن يَمَن
عِش سالِماً في نَعيم لا اِنقضاءَ لَهُ / يَفديكَ كُلُّ الوَرى من
وَعَد الخَيالُ بأنّا جيرةُ العامِ
وَعَد الخَيالُ بأنّا جيرةُ العامِ / حَقٌّ كَما قالَ أَم أَضغاث أَحلامِ
سَرى يُصانِعُ جَرَساً مِن خَلاخِلهِ / إِذا مَشى وَيُداري عَرفَ أَكمامِ
وَالشَذا جِنحُ الظَلام بِهِ / تَصريحُ واشٍ وَتَعريضاتُ نَمّامِ
نَفَسي العالي وَدلَّههُ / عِن مَضجعي فَرطُ اعلالي واِسقامي
وَلَم يَعُدنيَ من بَعد النَوى فَيَرى / سِوى هُيامي الَّذي خَلّا وَتهيامي
تَبقى الليالي الَّتي كانَ السُهادُ بِها / أَحلا مِن الغَمض في أَجفانِ نَوّامِ
بِتنا وَذَيلُ الدُجى مُرخىً عَلى كَرَمِ / في خُلوة خُلوةَ الأَرجاء مِن ذامِ
وَبَينَنا طيبُ عتب لَو تَسَمَّعَهُ / قُلتُ العِتابُ حَياةٌ بَينَ أَقوامِ
وَفاتِر الطَرفِ لَو إِنّي أَبوحُ بِهِ / إِذاً لأَوضحتُ عذري عند لُوّامي
يَرمي وَأُغضي وَقَد أَصمى فَقُلتُ لَهُ / أَعِد عَدلاً عَدِمتَ السَهم وَالرامي
أَخافُه حينَ أَخلو أَن أُكاشِفَهُ / وَجدي فأَستُر أَوجاعي وَآلآمي
وَأَخدَعُ الناسَ عَن حُبّي وَاكتُمُهم / جِراحَ قَلبيَ لَولا جفنيَ الدامي
وآهاً لَو أَنَّ الَّذي خَلَّفتُ مِن زَمَني / خَلفي أُصادِفُ شَيئاً مِنهُ قُدّامي
عَهدي بَليلي قَصيراً بالعِراقِ فَما / بالي أَبيتُ طَويلَ اللَيلِ بالشامِ
أَعاذَكَ اللَهُ مِن عَصر غَضارَتُهُ / وِزرٌ وَردَّكَ مِن أَيامِ أَيامِ
عَلَّ النَوى عَن قَريبٍ تَنقَضي وَعَسى / جُودُ ابنِ رُزِّيكَ يأتي بَعد اعدام
لَو لَم يُغَيبنيَ المَعروفُ ما عَلِمت / غُرُّ السَحائِب أَنّي نَحوَها ظامي
يا أَكرَم الخَلقِ من بدو وَمِن حَضَر / وَأَشجَعَ الناسِ مِن عُربٍ وَأَعجام
وَقائِماً بِشراءِ المَجدِ مُجتَهِداً / وَقَد تَقاعَد عنه كُلُّ قَوّامِ
أَغَرّ أَبلج مَيمونٌ نَقيبَتُهُ / سَهل الخَليقَةِ سامي الطَرفِ بَسّامِ
مُعطي الرَعيَّة أَيامَ النَدى كَرَماً / حامي الحَقيقةِ في يَومِ الوَغى الحامي
يَظَلُّ معتَنِقَ الأَبطالَ ضارِبَها / تَرَفُّعاً أَن يُقالَ الطاعِم الرامي
وَالبيضُ تقطر فَوقَ البيضِ لامِعَةً / كَأَنَّها عارِضٌ هامٍ عَلى الهامِ
بِباتِرٍ ناشِرٍ أَغنَت مَضارِبُه / عَن عاسِلِ المتنِ يَومَ الرَوع نَظّام
خلال مَجدٍ فَريدٍ ما تقبَّلَهُ / مِن البَريَّةِ إِلّا مجد الاسلامِ
في سَرجه البَدرُ وَالغَيثُ الغَمامُ لَهُ / جِسمٌ مِنَ الماءِ فيهِ قَلبُ ضِرغامِ
وَربَّ جَرداءَ فيها الأُسدُ مخدرَةٌ / تَحتَ الوَشيجِ عَلى
ما إشن تَكادَ صَرَّت وَلا نَظَرَت / إِلى السَماءِ بعين
مَدَّت قَنا الخَطِّ أَظفاراً إِلى ظَفَرٍ / بُرجاً فَقلَّم مِنها خَطُّ أَقلامِ
أَمنت صرفَ زَماني إِن يُفَوِّقَ لي / سِهامَ صَرف فأَنتَ الذائِدُ الحامي
وان أَمَدّ الى الأَوشال مِن ظَمأٍ / كفّي وَبَحرُ نَداكَ الفائِض الطامي
وَما اِفترشتُ حَيّاً عِندي لَهُ غُدُرٌ / مَلآى المَذائِب فيها شربُ أَعوامِ
وَقَد تقدمتَ بالنَعى الَّتي غَمَرَت / قِدماً وَأَعدَمَت قَبلِ اليومِ اِعدامي
لَكِنَّ اِنعامَكَ الوافي بَنوهُ بالقَد / رِ الَّذي ضاعَ دَهراً بين اِنعامِ
وَرُبَّ أَربابِ احسانٍ تَجاوَزَهُم / مَدحي إِلى أَهلِ أَحسابٍ وأفهامِ
وَلَيسَ مَن قالَ بالانعامِ مرحمتي / مثل الَّذي رامَ بالانعامِ اكرامي
هَذا هُوَ السَعيُ لا ما يَدَّعي الواني
هَذا هُوَ السَعيُ لا ما يَدَّعي الواني / وَذي الوَقائِعُ لا أَيام ذبيانِ
أَدنيتَ حَين تَميم حينَ صُلتَ بِهِ / وَرُعتَ ياقوتاً المُستَكبرِ الجاني
وَحط بأسكَ عَن عَلياهُ مُرتَفِعاً / وَعزَّ جَيشُكَ قَهراً عِزّ طرخان
ما زِلتَ تُوليهِ احساناً وَتُضمَرهُ / لَهُ وَيُضمِرُ غَدراً تَحتَ اِدهانِ
يَبغي السَماءَ رَجاءً أَن سَيبلغها / جَهلاً بِهِ كانَ قَد ماهَلك هامانِ
ما خلتُ أَنَّ الأَماني تَخدَعَنَّ فَتىً / بِمَدِّ باعٍ قَصير نَحوَ كِيوان
وَلا مَشى وَيَرى الضَحضاحَ يُغرِقُه / نَحوَ العُبابِ مَجدٌ غير سَكران
وَغَرَّهُ البُعدُ عَن أُسدِ الشَرى فَطَغى / حَتّى رَآها تَبارى فَوقَ عُقبانِ
سَروا مَعَ اللَيلِ يُغنيهم تَهلُّلهم / عَن ضَوءِ بدر وَعَن اِيقاد نيران
مِن كُلِّ أَبلج مطعام إِذا جَنَحوا / للسلم أَشوسَ يَومَ الرَوع طَعّانِ
ساروا إِلى المَوتِ بَسّامينَ تَحسَبُهُم / ساروا لِوَصلِ حَبيب غِبَّ هُجران
يَستَعذِبونَ المَنايا نَجدَةً فَلَهُم / إِلى ظُباة المَواضي وَردُ ظَمآنِ
لا يَرهبُ المَوتَ أَدناهُم فَهُم بَدَدٌ / في كُلِّ دَهماءَ مِن مثنى وَوحدانِ
أَبدى هَوى بالعلى لِكِن رأى صَعَداً / مِن دونِها فَسلاها أيَّ سُلوانِ
لَو مُدىً في مَداها غَيرُ هيِّنَةٍ / ِذا لَنالَ المَعالي كُلُّ اِنسانِ
أَيُغتَرى فِريةً في ذِكرِ ماريَة / وآلِ جَفنةَ إِلّا عَقل حَيرانِ
قَد كانَ يَزأرُ زَأَرَ الأَسَدِ حينَ خَلا / وَمَرَّ لَمّا أَتَتهُ مَرَّ سَرحانِ
كَتائِبٌ سَدَّ عَينَ الشَمسِ عثيَرُها / فَأَشرقَت عُرُبٌ مِن تَحتِ تيجانِ
سَماءُ نَقع تَرى حيث اِتجهتَ بِها / بَدراً يَكُرُّ بِنَجمِ اثر شَيطانِ
فاِستعذَب الذُلَّ خَوفَ المَوتَ مُنهَزِماً / يَستقربُ البُعدَ أَو يَستَبعِدُ الداني
أَمرانِ مُرّانِ أَطرافُ البِلادِ عَلى / ناجي السَوابِق أَو أَطرافِ مُرّانِ
وَلَم يُفتَهَم وَلَكِن فاتَهُم شَرَف الا / قدامِ مِن غبن وَخُسرانِ
فَوَيلَهُ مِن غَبيٍ بتَّ تطلِبُهُ / وَباتَ نَشوانَ خَمرٍ غَيرَ نشيانِ
وَكانَ نَيل المَنايا لَو تُباحُ لَهُ / خَيراً لَهُ مِن حَياةٍ تُشمِتُ الشاني
حاطَ اِنتِقامَكَ بأساً قَبلَ باشِرِهِ / فَمذ مَلكتَ رَجا مَعمودَ احسان
ما أَحسَنَ العَفوَ عَفوٌ بَعدَ مَقدِرَةٍ / عَن أَقبحِ الذَنبِ كُفرٍ بَعدَ إِيمانِ
هَذي مَصارِعُ شانيكُم يُبَصِّرُها / ذو احنةٍ فيُلاقيكُم بشنان
يا ذاكِري وَرِكابي عَنهُ نازِحَةٌ / إِذا اللَئيمُ عَلى قُربِ تَناساني
مَدامِعُ البُعدَ أَغشَتني سَحائِبُها / عَليَّ يَهمينَ عَن ذي الهيدَبِ الداني
فِدىً وان قَلَّ مَنّانٌ عَليَّ بِما / لَم يعطنيهِ لِمُعطٍ غَيرَ مَنّانٍ
يَودُّ لَو كُسيَ الاصباحُ صِبغَتَهُ / أَو زيد في لَيلِهِ مِن عُمرِهِ الفاني
إِذا رأى قَومه مِن جودِهِ عَجَباً / قِدماً أَتاكَ بِثَان يَومُه الثاني
جُودٌ وَبأسٌ وَحِلمٌ تِلكَ شيمَتُهُ / مَعروفة أَبَداً في آل غَسّانِ
يَبنى عَلى مَجدِكَ المَعروف مُجتَهِداً / لا مَجدَ حَقاً لِغَيرِ الوارِث الباني
أَضاعَ فَضليَ أَنّي بَينَ جاهِلهِ / ذوُ الفَضلِ فيهم بَصيرٌ بَينَ عُميان
وَما أُبالي إِذا ما الدَهرُ قَيّض لي / لقياك مِن بعد ما يَمنى ليَ الماني
اعلاءَ مَجدٍ وَتَخليدٌ لِمكرُمة / لا رَفعُ قَصر وَلا تَخليدُ ايوانِ
سَعيٌ بِجدٍّ وَسَعيٌ رُبَّما اِختلفَ الأ / مرانِ جدّاهُما في الأَمرِ سِيّانِ
عَيناكَ عُقلَةُ كُلِّ سابِح
عَيناكَ عُقلَةُ كُلِّ سابِح / سَبَبُ الجَوى بَينَ الجَوانِح
أَحبائِلٌ أَم مُقلَةٌ أَجوارِحٌ / هيَ أَم جَوارِح
سَكَرت لَواحِظُها وَمَن / تَلقى بِها سَكران طافِح
يا كُلَّ ما تَهوى النُفوسُ / وَجُلَّ مقتَرح القَرائِح
كَم في عِذارك إِذ بَدا / عُذرٌ إِلى اللآحين لائِح
هَل لا تَحرجَ عَن دَمي / يا مَن تورَّعَ أَن يُصافِح
وَتَرى سَلامَةَ ظاهِري / فَتَظُنَّ طَرفَك عيرَ جارِح
مَولايَ لا بِتَّ في ضُري وَفي سَهَري
مَولايَ لا بِتَّ في ضُري وَفي سَهَري / وَلا لَقيتَ الَّذي أَلقى مِنَ الفِكَرِ
باتَت لِوَعدِكَ عَيني غَيرَ راقِدَةٍ / وَاللَيلُ حَيُّ الدَياجي مَيِّت السَحَر
أَوَدُّ مِن قَمَرٍ في الأَرضِ غَيبَتَهُ / وَأَرقَبُ الشَمسَ مِن شَوقي إِلى القَمَرِ
هَذا وَقَد بِتُّ مِن وَصلِ عَلى ثِقَة / فَكَيفَ لَو بِتُّ مِن هَجرِ عَلى خَطَر
يأَبى التأسّيَ انهاءَ الأَسى الجَلَدا
يأَبى التأسّيَ انهاءَ الأَسى الجَلَدا / فإِنَّ نَعيَ رَداهُ لِلعَزاءِ ردا
أَذكى بِقَلبيَ ناراً لا خُمودَ لَها / قَول النُعاةِ شِهابُ الدينِ قَد خَمدا
فالعَينُ بعدكَ عَينٌ وَالفُؤادُ لَظىً / نارٌ فَلا رقأت دَمعاً وَلا بَردا
شأى بِكَ الدَهرُ وَهناً كانَ أَصلحهُ / إِذ كُنتَ تُصلِحُ منهُ كُلَّما فَسَدا
مَن لِلفَتاوي ِذا أَعيَت غَوامِضُها / يَحِلُّ مُشلكها المُستَصعبَ العُقَدا
منِ لِلخصومِ إِذا أَبدتِ شَقاشِقَها / وَمالَ جامِحُها في غَيِّهِ لَدَدا
لَيث بلغتَ المَدى المَحتومَ في أَجَل / فَما لِوَجدي وَحُزني ما حَييتُ مَدا
وَلم ينلكَ عِزاءٌ في الوَرى كَرَماً / إِنَّ الوَرى وارِدُ والحَوضَ الَّذي وَرَدا
إِنَّ الرَزيَّةَ فَضلٌ لَستَ مُحصيَهُ / لَيسَ الرَزيَّةَ أَن لا تُحصيَ العَددا
تَعجَّب الناسُ مِن حُزني فَقُلتُ لَهم / ما مِثلُ رُزئي حزني كائِن أَبَدا
خِرقاً يُخالُ عَييّاً مِنِ تكرّمهِ / وَماتَ لا سَبَداً أَبقى وَلا لَبَدا
قَد كُنتُ أَقلقُ مِن بَينٍ أَقولُ غَداً / يَفنى فَكَيفَ بِبين لا أَقول غَدا
لِمَن أُبقي دُموعي بعد فُرقَتِهِ / وَالدَهرُ لَم يُبقِ لي مِن بعده جَلَدا
لَم تُبقِ لي بَعدهُ الأَيامُ منفَسةً / فَما أُبالي أَغابَ الخَلقُ أَم شَهِدا
لَهفي عَلى طيبِ عَيشٍ قَد نَعِمتُ بِهِ / في مَربعٍ ناضِرٍ في ظله نَفَدا
مهذب الدينِ امّا قائِلٌ رَشَداً / يَهدي الأَنامَ وَإِمذا فاعِلٌ سَدَدا
لا يَبعُدن كَرَمٌ في التُربِ غَيَبه / ريبُ المَنون وَلا جودٌ وان بَعَدا
أَبا المَعالي وَأَحزان / سُلِبتَ منه وَأَعطي الصَبر وَالجَلَدا
ما لِلمَعالي ثَكالى مِنكَ مَوئمَةً / إِذ كُنتَ والِدَها وَالخِدنَ وَالولَدا
وَيا سَحاباً عَلى أَهلِ التُقى هَطِلاً / وَيا شِهاباً لِشيطان الخَنا رَصَدا
وَيلُ لدافِنه وارى تقىً وَنَدىً / وَمَدَّ إِلى دينِ السَخاءِ يَدا
وَيلُ له إِذ يُواريهِ و ذا / شَماتَةٌ فيواري الوَجدَ وَالكَمَدا
يُلام في السَرَف المَذموم فاعِلُهُ / فَكَيفَ مَن لا قَضى حَقّاً وان جَهدا
يَلقاكَ يَسأل أَن يُعطى فان قَبلَت / منه العَطايا الَّتي ما مِثلُها حَمِدا
وان بَكاهُ الأَعادي راحِمين ضُحىً / لَمّا ثَوى فَلكَم أَبكاهُمُ حَسَدا
أَما كَفى الأَرضَ ما ضَمَّت فَقَد كَفتَت / تُقىً وَأَطهَرَ خَلقٍ فَوقها جَسَدا
صَلّى عَلَيهِ الَهُ العَرشِ في المَلأ ال / أَعلى وَوالى لَهُ مِن لُطفِهِ مَدَدا
تَجني فَتُنكِرُ ما تَجني فأُنكِرهُ
تَجني فَتُنكِرُ ما تَجني فأُنكِرهُ / وَتَدَّعي أَنَّهُ الحُسنى فأَعترِف
وَكَم مَقامٍ لما يُرضيكَ قُمتُ عَلى / جمرِ الغَضا وَهوَ عِندي رَوضَة أُنُف
لَو أَنَّ مُمرضَهُ بِالهَجرِ عايَدَهُ
لَو أَنَّ مُمرضَهُ بِالهَجرِ عايَدَهُ / يَوماً لَخفَّفَ عَنهُ ما يُكابِدُهُ
لا عَذَّبَ اللَهُ مَن بالصَدِّ عَذَّبَني / دَهري وَطارِفُهُ ظُلمي وَتالِده
أَبكي فَيَضحَكُ مِن دَمعي وَيُعجِبُهُ / شَجوي وَأَسهر ليلي وَهوَ زاهِدُهُ
يا قاصِداً قَتلتي ظُلماً بِلا سَبَب / عَمداً خُفِ اللَهَ فيما أَنتَ قاصِدُهُ
كَم في العِذار إِلى العُذّالِ مِن عُذُرٍ
كَم في العِذار إِلى العُذّالِ مِن عُذُرٍ / وَكَم يُحاوِرُهُم عَن لَومي الحَوَرُ
وَكَم أَرى عِندهم مِن حُبّه خَبَراً / يَرويه عَن مُقلَتيَّ الدَمعُ وَالسَهَرُ
يَبغونَ بالعَذل بُرئي مِن عَلاقتِهِ / وَالقَولُ يُصلِحُ مَن لَم يجرحِ النَظَرُ
قالوا تَرَكتَ البَوادي قلت جُبُّهُم / مُحَرَّمٌ حَظَّرَتهُ التُركُ وَالحَضَرُ
ما يَنزِلُ الحَيُّ مِن قَلبي بِمَنزِلَة / وَلا لآثار ظَعنٍ عنده أَثَرُ
وَلا أُعلّقُ مَحبوباً يُساعِدُهُ / عَلى الصُدود سُتور الخِدرِ وَالخُمرُ
أَميلُ عَن حُسنِ وَجهِ الشَمس مُستَتِراً / إِلى مَحاسنَ يَجلوها ليَ القَمَرُ
قَضيبُ بانٍ عَلى أَعلاه بَدرُ دُجىً / مِن أَينَ لِلبانِ هَذا الزَهرُ وَالثَمَرُ
وَذات شَجوٍ أَسالَ البينُ عَبرتَها
وَذات شَجوٍ أَسالَ البينُ عَبرتَها / قامَت تُوَمِّلُ بالتَفنيدِ اِمساكي
لَجَّت فَلَمّا رأَتني لا أُصيخُ لَها / بَكَت فَأَقرَح قَلبي جَفنُها الباكي
قالَت وَقَد رَأَت الأَجمالَ مُحدجةً / وَالبينُ قَد جمعَ المشكوَّ وَالشاكي
مَن لي إِذا غبت في ذا العامِ قُلتُ لَها / اللَهُ وابنُ عبيدِاللَه مولاكِ
لا تَجزَعي بانجاس الغَيث عنك فَقَد / سَأَلتُ نَوءَ الثريّا صوب مَغناكِ
هَلَّت بَشائِرُ تالياتِ بشائرِ
هَلَّت بَشائِرُ تالياتِ بشائرِ / وَعَساكِرٌ تأتي بِغُنم عَساكِرِ
في سَوابِغ نِعمٍ / جَعَلت أَوابِدَها بِغَيرِ أَواخِرِ
كالدُرِّ يُعجِزُ نَظمُها / نَثرَ الخَطيبِ وَحُسنَ نَظمِ الشاعِرِ
عَن الداني قَريبَةٌ / مدَّت إِلى فَلَك السَماء الداثرِ
بُشِّر باللُهى / بِشر البَوارقِ بالسَحابِ الماطرِ
ما إِن نظرتَ وَميضَ ثَغرٍ باسِمٍ / إِلّا لِيَستر غلَّ قَلبٍ باسِرِ
قَلَّ الوَفاءُ فَلَستَ تَبلو باطِناً / إِلّا وَتُلفيه خِلافَ الظاهِرِ
أَم كَيفَ يأَمَلُ نَيلَ غايَةِ أَوَّلٍ / مَن لَيسَ يُدرِكُ هَبوةً لِلعابِر
عَضُد الأَنامِ إِذا تُلِمّ مُلِمَّةٌ / زَينُ السَلاطين الأَجلِّ الناصرِ
بالعادِل الأَفعالِ إِلّا أَنَّه / في القَتلِ وَالأَعداءِ أَجور جائِر
مِن كُلِّ بادي الذُلِّ مَصفودٍ تَرى / في القَتلِ أَكبرَ مِنة للآسرِ
كانوا الفَراشَ تَهافَتوا في نارِهِ / وَالصعق في اِنقِضاض الكاسِر
مُذ كانَ ذَلولا حرداً / فَأَتى عَلى ظَهر الأقبِّ النافِرِ
أَوَ ما تَرى كَم خائِنٍ لَكَ فيهُمُ / وَمُضارِعُ الماضي عِظاتُ الآخرِ
أَعرَضتَ عَنه حافِزاً مُستَعصِماً / حَتّى طَغى فَسَطوتَ سَطوةَ قادِرِ
وَبَدَت تَوابِعُ جَهلِهِ فَرَميتَهُ / بِقَنا حُروب جمَّةٍ وَمَناسِر
وَسمت بِبهرامَ الجُدود فَمُذ نَوى / غَدراً عَثرنَ وَلا لَعاً لِلعاثِر
وَرَجا الفِرارَ وَأَينَ يَنجو هارِبٌ / مِن كُلِّ لَيث فَوقَ صَهوة طائِرِ
قَسٌّ إِذا اللُدُّ الخُصومُ تَشاجَرَت / ثَقِفٌ لَدى يَوم القَنا المُتَشاجرِ
الطاعِنينَ بِكُلِّ اَسمَرَ ناظِم / وَالضارِبينَ بِكُلِّ أَبيضَ باترِ
تَعَبٌ لِغَيرِكَ لَيسَ مُجدٍ طائِلاً / الّا العَناءَ تَطاولٌ مِن قاصِرِ
هَيهاتَ هَل تَدنو السَماءُ للآمسٍ / هَيهاتَ وَهيَ بَعيدَةٌ من ناظِر
إِنّي لأَعجَبُ من جَهالَةِ غادر / ما زالَ يُبصِرُ سوءَ مَصرع غادِرِ
يُدني يَداً لِخفوقِ قَلبٍ طائِرٍ / وَيَغضُّ جَفناً فَوقَ طَرفٍ حائِرِ
يَخشى عَواديَ قاهِرٍ حَتّى إِذا / مَلكَت يَداكَ عَوائِد غافِرِ
وُلِدَ الجَلالُ اليَومَ يُؤنِسُ خَيرُهُ / ماذا الَّذي يُرجى مِن ابن العاهِر
أَم كَيفَ يُصبِحُ أَمرَ حِفظ صَنيعَةٍ / من ما اِستَهَلَّ وَراءَ ذَيل طاهِر
لَو حَثَّ غيثاً عَلى اِسعادِهِ قَسَمُ
لَو حَثَّ غيثاً عَلى اِسعادِهِ قَسَمُ / لَواصَلت مَنزِلاً بالموصل الديَم
لَهفي عَلى طيب عَيش كلّه عَجَبٌ / وَلّى وَأَعقَبَ ذِكراً كلّه نَدَمُ
عَيشٌ لَبِسناهُ لَم تَسلِب سَوابِغُهُ / نُهىً وَلا قَصَّرت أَذياله التُهَمُ
لا أَرتَجي عَودَهُ في يَقَظَة أَبَداً / فَلَيتَهُ زادَني إِن كانَ لي حُلُمُ
وَنازِحي الدارَ صَبري عَنهُمُ طَبع / وَالصَبرُ عَن بَعضِ ما فارقتُهُ كَرَمُ
قَد شَفَّني السَقمُ وَالأَشواقُ بَعدهم / وَصحَّهُ الودُّ حَيث الشَوقُ وَالسَقَم
ما لِلزَمان يُغاديني وَيطرُقني / بالخطب يعرقُني ظُلماً وَيهتضِم
اليكِ عَنّي صُروفَ الدَهرِ صاغِرَةً / انّي بجود جَمالِ الدين مُعتَصِمُ
هُوَ الَّذي مَلأَ الدُنيا بِنائِلِهِ / حَتّى اِرتَوَت مِن نَداهُ العُرب وَالعَجَم
مَن حاتِمٌ حينَ تَهوي بِالنَدى يَدُهُ / مَن ابنُ مامةَ مَن كَعب وَمَن هرِم
لا تُخدَعَنَّ بِما تَحكي فَلا صَعب / مِن جودِد جود مَخلوقٍ وَلا
إِذ نَبا السَيفُ أَوكَلَّت مَضارِبُهُ /
يُسِرُ مَعروفَه عَمداً لِيُخفيه / هَيهاتَ لِلعُرفِ عرب
وَمُستَقِل عَطاياهُ وَان كَثُرَت / مَستقرِب
إِذا ما أَزمَة كَلَحَت / أَنيابُها وَهوَ طَلق الوَجهِ مُبتَسِمُ
لا تَتركنّي بَعيدَ الدارِ مُغتَرِباً / أَظمى وَفي وَطَني مِن جُودِكَ الدِيَمُ
انظر إِليَّ بِعَين مِنكَ راحمةٍ / ففيَّ أَجرٌ لِباغي الأَجرِ مُغتَنِمُ
مُضَيَّع الفَضلِ وَالآداب في نَعَم / لا يَنفُقُ الفَضلُ وَالآدابُ عِندَهُم
أَيدٍ شحاحٌ عَن الخَيراتِ مُقفَلَةٌ / وَأَوجهٌ بِرِداء اللُؤمِ تَلتَثِمُ
مِن كُلِّ ذي أُذُنٍ لِلفُحشِ واعيَةٍ / بِها عَن المُبتَغى مَعروفها صَمَمُ
يَرى السَماحَةَ عَيباً لَيسَ يُشبِهُ / عَيبٌ وَيَحسَبُ أَنَّ البخل لا يَصِم
إِن يَعدُ دَهري بِلا جُرمٍ عَلى أَدَبي / فَجودُ كَفِّكَ فيما بَينَنا حَكَمُ
حلفت أُسعِدُ وَلهى ما تَذكّرني / إِلّا وَدمعَتُها في الخَدِّ تَنسَجِمُ
كَريمة هَدَّها فَقدي وَأَتلَفَها / بُعدي وَأَوهى قِواها الفَقرُ وَالهَرَمُ
أَشتاقُها وَعَوادي الدَهرِ قاطِعَةٌ / عَساكَ تَعدى عَلى دَهري فَنلتَئِمُ
ما أَنهَضَتني إِلَيها صَبوَةٌ وَهَوىً / إِلّا وَأَقعَدَني الاقتارُ وَالعَدَمُ
نَفسٌ تُؤَمِّلُ بالغادينَ تَلتَحِقُ
نَفسٌ تُؤَمِّلُ بالغادينَ تَلتَحِقُ / تَجري دُموعاً عَلى خَدّي مَتَستَبِقُ
سَرَت وَقَد أَمِنت وشيَ الوُشاة بِها / لَولا الحُليّ وَلَولا العَنبَر العَبِقُ
وَاللَيلُ يَهزمُه مِن وَجهِها قَمَرٌ / طَوراً وَيُسعِدُهُ مِن شَعرِها غَسَقُ
اللَيل مسراها بلذَّتِه / حَتّى تَقابَلَ الصُبحُ وَالشَفَقُ
أَما كَفاكَ تَلافي في تَلافيكا
أَما كَفاكَ تَلافي في تَلافيكا / وَلَستَ تَنقِمُ إِلّا فَرطَ حُبيكا
يا مُخجِلَ الغُصنِ ما يَثنيك عَن مَلَلٍ / هَوىً وَكُلُّ هَواءٍ هَبَّ يَثنيكا
أَصبَحتُ لِلقمر المأسور في صَفَدي / أَسرٍ وَللرَشإِ المَملوك مَملوكا
أَبيتُ أَغبِطُ فاهُ طيبَ ريقته / لَيلاً وَأَحسُدُ في الصُبحِ المساويكا
يا حامِلَ الراحِ في فيهِ وَراحَتِهِ / دَع ما بِكَفّك روحُ العَيشِ في فيكا
أَلَيسَ سِرُّكَ مَستوراً عَلى كَلَفي / فَما يَضرُّكَ أَن أَصبَحتَ مَهتوكا
وَفيم تغضب إِن قالَ الوُشاة سَلا / وَأَنتَ تَعلَمُ أَنّي لَستُ أَسلوكا
لا نِلتُ وَصلك إِن كانَ الَّذي زَعَموا / وَلا سَقى ظَمأي جودُ ابنِ رُزّيكا
هادي الدعاة أبي الغاراتِ خير فَتىً / أَدنى عَطيّاتِه أَقصى أَمانيكا
القاتِل الألف يَلقاهُم فَيغلِبُهم / وَالواهبِ الأَلف تَلقاه فَيُغنيكا
يا كاشِفَ الغُمّةِ الكبرى وَقَد نَزَلَت / بشعب شَمل العلا لَولا تلافيكا
بَرّزتَ سَبقاً فَما داناك في أَمَدٍ / خَلقٌ قَديماً وَلا خَلقٌ يُدانيكا
أَرت مَساعيك سُبلَ المَجدِ جاهِلَها / فَلَو سَعى كانَ أَيضاً مِن مَساعيكا
يَخافُكَ المَلِكُ ناءٍ عَنك مَنزِلَهُ / وَيُقتِرُ المَرءُ عَن بُعدٍ فَيَرجوكا
يَشكو إِلَيكَ بَنو الآمال فَقرُهُمُ / فَينثَنون وَبَيتُ المالِ يَشكوكا
وَفَيلَقٍ يَملأُ الأَقطار ذي لَجَبٍ / يُضحي له ثابِتُ الأَطوادِ مَدكوكا
مَن كُلَّ أَغلب تَلقى عِرضَه حَرَماً / موفَّراً وَتُلاقي المالَ مَنهوكا
سَنَّ الحَديدَ عَلى كالماءِ شَيَّعَهُ / مِثلُ الحديدِ بَراهُ اللَهُ فِتّيكا
صُمٌّ عَن الذامِ لا يأتون داعيَهُ / فان دَعَوتَ إِلى حَربٍ أَجابوكا
بَعثتَهم نَحوَ جَيش الشِرك فاِنبَعَثوا / يَرَونَ أَكبرَ غُنمٍ أَن أَطاعوكا
ساروا إِلى المَوتِ قُدماً ما كأَنَّهُم / رأوا طَريقَ فرارٍ قَطُّ مَسلوكا
فأَوردوا السُمرَ شُرباً مِن نُحورهم / وَأَوطَؤوا الهامَ بالقاعِ السَنابيكا
ضَرباً وَطَعناً يَقُدُّ البيضَ مُحكمةً / وَيَخرُقُ الزَرَدَ الماذيَّ مَحبوكا
وَباتَ في كُلِّ صَقعٍ مِن دِيارِهُمُ / نَوحٌ عَلى بَطَلٍ لَولاكَ ما شيكا
أَمسوا مُلوكاً ذَوي أَسرٍ فَصبَّحَهُم / أُسدٌ أَتَوك بهم أَسرى مَماليكا
وَلَم يَفتهم سِوى مَن كانَ مَعقِلُهُ / مُطَهَّماً حَثّهُ رَكضاً وَتَحريكا
يا كَعبَة الجودِ إِنَّ الفَقر أَقعَدَني / وَرِقّةُ الحال عَن مَفروضِ حَجّيكا
قَد جادَ غاديك لي جَوداً وَأَطمعني / سَماحَةٌ فيك في اِستِسقاء ساريكا
مَن أَرتَجي يا كَريمَ الدَهر تَنعَشُني / جَدواه إِن خابَ سَعيي في رَجائيكا
أَأَمدَحُ التُركَ أَبغي الفَضلَ عِندَهُمُ / وَالشِعرُ ما زالَ عند التُرك مَتروكا
أَم أَمدَحُ السوقَة النَوكى لرِفدِهمُ / واضيعتا إن تَخطَّتني أَياديكا
لا تتركنّي وَما أَمَلَّتُ في سَفَري / سِواكَ أَقفِلُ نَحوَ الأَهل صُعلوكا
أَرى السِباخَ لَها ريٌّ وَقَد رَضيَت / مِنكَ الرِياضُ مُساواةً وَتَشريكا
يُضحي يُجانبني مُجانَبَةَ العِدى
يُضحي يُجانبني مُجانَبَةَ العِدى / وَيَبيتُ وَهوَ إِلى الصَباح نَديمُ
وَيمرّ بي يَخشى الرَقيبَ وَلفظُهُ / شَتمٌ وَغنجُ لحاظِه تَسليمُ
سَقى دِمَشقَ وَأَياماً مَضَت فيها
سَقى دِمَشقَ وَأَياماً مَضَت فيها / مَواطِرُ السحب ساريها وَغاديها
مِن كُلِّ أَدهم صهّالٍ له شيَةٌ / صَفراء يسترها طوراً وَيُبديها
وَلا يَزال جَنينُ النَبت تُرضعه / حَوامِلُ المزن في أَحشا أَراضيها
فَما قضى حبّه قَلبي لنيربها / وَلا قَضى نحبه وَذي لواديها
وَلا تسليتُ عَن سلسال ربوتها / وَلا نَسيتُ بِبَيتي جار جاريها
كَأَنَّ أَنهارَها ماضي ظُبىً حُشيَت / خَناجِراً مِن لجينٍ في حَواشيها
فَلا سَقى اللَهُ أَشواقي بِرؤيَتها / ان راقَ عَيني شيء بَعدَ فَقديها
واهاً لَها حينَ حلّى الغَيث عاطلها / مكلّلاً واِكتَسى الأَوراق عاريها
وَحاكَ في الأَرض صَوبُ المزّن مخمله / يُنيرُها بغواديه وَيُسديها
ديباجة لَم تدع حسناً مفوَّفها / إِلّا أَتاه وَلا أَبقى موشّيها
تَرنو اليك بعين النَور ضاحِكة / إِذ باتَ عين من الوسميّ تَبكيها
وَالدوح رَيّا لَها رَيّاً قَد اِكتملت / شَبابها حينَما شابَت نَواصيها
نَشوى يُغنّى لَها وَرقُ الحما / م عَلى أَوراقها وَيَدُ الأَنواء تسقيها
صَفا لَها الشرب فاخضرَّت أَسافلها / حَتّى ضَفا الظل وابيضَّت أَعاليها
وَصفّق النهر وَالاَغصان قَد رَقَصَت / فَنقَّطته بدرٍّ مِن تراقيها
كَأَنَّما رَقصها أَوهى قَلائدها / وَخانَها النَظمُ فاِنثالَت لآليها
وَأَعين الماء قَد أَجرَت سَواقيها / وَالأَعين النجل قَد جارَت سَواقيها
وَقابل الغصنَ غُصنٌ مثله وَشَدت / أَقمارُها فأَجابتها قَماريها
فللحاظ وَللأسماع ما اَقترحت / مِن وجه شاذنِها أَو صَوت شاديها
إِذا العَزيمة عَن فَرطِ الغَرامِ ثَنَت / قَلباً تَثنّى لَها غصنٌ فيثنيها
ريمٌ إِذا جَلَبَت حَيناً لواحظه / لِلنفس حَيّا بخديه فيُحييها
جنايةٌ طرفه المحوّر جاء بِها / وَراس عارضه المخضرّ آسيها
يقبلُّ الكأس خجلى كُلَّما شَربت / في ماءِ فيهِ فَقاسته بِما فيها
أَشتاق عيشي بِها قِدماً وَتُذكرني / أَياميَ السود بيضاً مِن لَياليها
وَنَحنُ في جنّة لا ذاق ساكنها / بأساً وَلا عرفت بُؤساً مَغانيها
سَماء دوح تردّ الشمس صاغرةً / عَنّا وَتبدي نُجوماً في نَواحيها
تَرى البدور بها في كُلِّ ناحية / مَمدودة لِلنُجوم الزُهر أَيديها
إِذا الغُصونُ هززناها لنيل جنى / صارَت كَواكِبُها حًصبا أَراضيها
مِن كُلِّ صَفراء مثل الماء يانعة / تَخالها جمر نارٍ في تَلظّيها
لَذيذة الطَعمِ تَحلو عِندَ آكلِها / بَهيَّة اللَون تحلى عند رائيها
يا لَيتَ شِعري عَلى بعد أَذاكرتي / عصابة لَستُ طولَ الدهر ناسيها
عِندي أَحاديث وَجد بَعد بعدهم / أَظلَّ أَجحدها وَالعَينُ تَرويها
كَم لي بها صاحب عِندي له نَعمٌ / كَثيرَةٌ وَأَيادٍ ما أُؤَديها
فارَقتُه غير مختار فَصاحَبَني / صَبابة منه تُخفيني وَأُخفيها
رَضيتُ بالكتبِ بعد القرب فاِنقطعت / حَتّى رَضيتُ سَلاماً في حواشيها
إِن يعلُني غَيرُ ذي فَضل فَلا عَجَبٌ / يَسمو عَلى سابِقاتِ الخَيلِ هابيها
وَالماء تَعلوهُ أَقذاءٌ وَها زَحلٌ / أَخفى الكَواكِب نوراً وَهوَ عاليها
لَو كانَ جَدّ بِجَدٍّ ما تَقدّمني / عِصابَةٌ قَصَّرَت عَنّي مَساعيها
ما في خُموليَ مِن عارٍ عَلى أَدَبي / بَل ذاك عارٌ عَلى الدنيا وَأَهليها