المجموع : 10
يا ليلُ مَا تصنعُ النَّفْسُ التي سَكَنتْ
يا ليلُ مَا تصنعُ النَّفْسُ التي سَكَنتْ / هذا الوجودَ ومن أعدائها القَدَرُ
ترضى وتَسْكُتُ هذا غيرُ محتَمَلٍ / إِذاً فهل ترفُضُ الدُّنيا وتنتحرُ
وذا جنونٌ لَعَمْري كُلُّهُ جَزَعٌ / باكٍ ورأيٌ مريضٌ كُلُّه خَوَرُ
فإنّما الموت ضَرْبُ من حبائِلِهِ / لا يُفلتُ الخلقُ مَا عاشوا فما النَّظرُ
هذا هو اللغْزُ عَمَّاهُ وعَقَّدَهُ / على الخليقةِ وَحْشٌ فاتكٌ حَذِرُ
قَدْ كبَّلَ القَدَرُ الضَّاري فرائِسَهْ / فما استطاعوا له دفعاً ولا حزَروا
وخاطَ أعينَهم كي لا تُشاهِدَهُ / عينٌ فتعلمَ مَا يأتي وما يَذَرُ
وحاطَهُمْ بفنونٍ من حَبائِلِهِ / فما لَهُمْ أبداً من بطشِه وَزرُ
لا الموت يُنْقِذُهُمْ من هولِ صولَتِهِ / ولا الحياةُ تَساوى النّاسُ والحَجَرُ
حارَ المساكينُ وارتاعوا وأعْجَزَهم / أن يحذَروه وهلْ يُجديهمُ الحَذَرُ
وهُمْ يعيشونَ في دنيا مشيَّدةٍ / منَ الخطوب وكونٍ كلَّه خَطرُ
وكيف يحذرُ أعمَى مُدْلِجٌ تَعِبٌ / هولَ الظَّلامِ ولا عَزمٌ ولا بَصَرُ
قَدْ أيقنوا أنَّهُ لا شيءَ يُنقِذُهُمْ / فاستسلموا لِسُكونِ الرُّعْبِ وانتظروا
ولو رأوه لسارتْ كي تحارِبَه / من الوَرَى زُمَرٌ في إثرِها زُمَرُ
وثارتِ الجنّ والأملاكَ ناقمةً / والبحرُ والبَرُّ والأفلاكُ والعُصرُ
لكنّهُ قوّةٌ تُملي إرادتَها / سِرًّا فَنَعْنو لها قهراً ونأتمرُ
حقيقةٌ مرّةٌ يا ليلُ مُبْغَضَةٌ / كالموتِ لكنْ إليها الوِرْدُ والصَّدَرُ
تَنَهَّدَ اللَّيْلُ حتَّى قلتُ قَدْ نُثِرَتْ / تِلكَ النُّجومُ وماتَ الجنُّ والبَشَرُ
وعادَ للصَّمتِ يُصغي في كآبته / كالفيلسوف إلى الدنيا ويفتكرُ
وقَهْقَهَ القَدَرُ الجبَّارُ سُخْريةً / بالكائناتِ تَضاحَكْ أَيُّها القَدَرُ
تمشي إلى العَدَمِ المحتومِ باكيةً / طوائفُ الخَلْقِ والأشكالُ والصُّوَرُ
وأنت فوقَ الأسى والموت مبتسمٌ / ترنو إلى الكون يُبْنَى ثمَّ يندَثِرُ
عِشْ بالشُّعورِ وللشُّعورِ فإنَّما
عِشْ بالشُّعورِ وللشُّعورِ فإنَّما / دُنْياكَ كونُ عواطفٍ وشعورِ
شِيدَتْ على العَطْفِ العميقِ وإنَّها / لَتَجِفُّ لو شِيدَتْ على التَّفْكيرِ
وتَظَلُّ جامِدَةَ الجمالِ كئيبةً / كالهيكلِ المتهدِّم المهجورِ
وتَظَلُّ قاسيَةَ الملامِحِ جهْمةً / كالموتِ مُقْفِرَةً بغيرِ سُرورِ
لا الحُبُّ يرقُصُ فوقها متغنِّياً / للنَّاس بَيْنَ جداولٍ وزُهورِ
مُتَوَرِّدَ الوجناتِ سَكرانَ الخطى / يهتزُّ من مَرَحٍ وفَرْطِ حُبورِ
متكلِّلاً بالورْدِ ينثرُ للورى / أَوراقَ وردِ اللَّذّةِ المنضُورِ
كلاّ ولا الفنُّ الجميلُ بظاهرٍ / في الكونِ تحتَ غَمامةٍ من نُورِ
متَوشِّحاً بالسِّحْرِ ينفُخُ نايَهُ / المشبوبَ بَيْنَ خمائلٍ وغديرِ
أَو يلمسُ العودَ المقدَّسَ واصفاً / للموت للأَيَّامِ للدَّيجورِ
مَا في الحَيَاةِ من المسرَّةِ والأَسى / والسِّحْر واللَّذّاتِ والتغريرِ
أَبداً ولا الأَملُ المجنَّحُ منْشِداً / فيها بصوتِ الحالمِ المَحْبُورِ
تِلْكَ الأَناشيدَ التي تَهَبُ الوَرَى / عزْمَ الشَّبابِ وغِبْطَةَ العُصفورِ
واجعل شُعورَكَ في الطَّبيعَةِ قائداً / فهوَ الخبيرُ بتيهِهَا المَسْحُورِ
صَحِبَ الحياةَ صغيرةً ومشى بها / بَيْنَ الجماجمِ والدَّمِ المَهْدورِ
وعَدَا بها فوقَ الشَّواهِقِ باسماً / متغنِّياً مِنْ أَعْصُرِ ودُهورِ
والعقلُ رغْمَ مشيبهِ ووقَارِهِ / مَا زالَ في الأَيَّامِ جِدّ صغيرِ
يمشي فَتَضْرَعُهُ الرِّياحُ فيَنْثَني / متَوَجِّعاً كالطَّائرِ المكسورِ
ويظلُّ يسأَلُ نفسه متفلسفاً / متَنَطِّساً في خفَّةٍ وغُرورِ
عمَّا تحجِّبُهُ الكَواكبُ خلفَها / مِنْ سِرِّ هذا العالَم المستورِ
وهو المهشَّمُ بالعواصفِ يا لهُ / مِنْ ساذجٍ متفلسفٍ مغرورِ
وافتحْ فؤادكَ للوجودِ وخَلِّهِ / لليَمِّ للأَمواجِ للدَّيجورِ
للثَّلجِ تنثُرُهُ الزَّوابعُ للأسى / للهَوْلِ للآلامِ للمقدورِ
واتركْهُ يقتحِمُ العواصفَ هائماً / في أُفْقِها المتلبِّدِ المقرورِ
ويخوضُ أَحشاءَ الوُجُود مُغامِراً / في ليلها المتهيِّبِ المحذورِ
حتَّى تُعانِقَهُ الحَيَاةُ ويرتوي / من ثَغْرِها المتأجِّج المَسْجُورِ
فتعيشَ في الدُّنيا بقلبٍ زاخرٍ / يقظِ المشاعرِ حالمٍ مسحورِ
في نشوةٍ صوفيَّةٍ قُدُسيَّةٍ / هي خيرُ مَا في العالِمِ المنظورِ
الحُبُّ شُعْلَةُ نورٍ ساحرٍ هَبَطَتْ
الحُبُّ شُعْلَةُ نورٍ ساحرٍ هَبَطَتْ / منَ السَّماءِ فكانتْ ساطعَ الفَلَقِ
ومَزَّقتْ عن جفونِ الدَّهْرِ أَغْشِيَةً / وعَنْ وُجوه اللَّيالي بُرْقُعَ الغَسَقِ
الحبُّ روحُ إلهيٌّ مجنَّحةٌ / أَيَّامُهُ بضِياءِ الفَجْرِ والشَّفَقِ
يطوفُ في هذه الدُّنيا فَيَجْعَلُها / نجْماً جميلاً ضَحُوكاً جِدَّ مُؤْتَلِقِ
لولاهُ مَا سُمِعتْ في الكونِ أُغنيةً / ولا تآلَفَ في الدُّنيا بَنُو أُفُقِ
الحبُّ جُدوَلُ خمرٍ مَنْ تَذَوَّقَهُ / خاضَ الجحيمَ ولم يُشْفِقْ من الحَرَقِ
الحبُّ غايَةُ آمالِ الحَيَاةِ فما / خوْفي إِذا ضَمَّني قبرٌ وما فَرَقِي
ضُعْفُ العزيمَةِ لَحْدٌ في سَكينَتِهِ
ضُعْفُ العزيمَةِ لَحْدٌ في سَكينَتِهِ / تقضي الحَيَاةُ بَنَاهُ اليأسُ والوجلُ
وفي العَزيمَةِ قُوَّاتٌ مُسَخَّرَةٌ / يَخِرُّ دونَ مَدَاها الشَّامِخُ الجَبَلُ
والنَّاسُ شَخْصانِ ذا يَسْعى بهِ قدَمٌ / من القُنُوطِ وذا يَسْعَى بهِ الأَمَلُ
هذا إلى الموتِ والأَجداثُ ساخِرةٌ / وذا إلى المجدِ والدُّنيا لَهُ خَوَلُ
مَا كلُّ فِعْلٍ يُجِلُّ النَّاسُ فاعِلَهُ / مَجْداً فإنَّ الوَرَى بي رأْيِهِمْ خَطَلُ
ففي التَماجُدِ تَمْويهٌ وشَعْوَذَةٌ / وفي الحقيقَةِ مَا لا يُدْرِكُ الدَّجِلُ
مَا المَجْدِ إلاَّ ابْتِساماتٌ يَفيضُ بها / فمُ الزمَّان إِذا مَا انسدَّتِ الحِيَلُ
وليسَ بالمجدِ مَا تَشْقَى الحَيَاةُ بهِ / فَيَحْسُدُ اليَوْمَ أَمْساً ضَمَّهُ الأَزَلُ
فما الحُرُوبُ سِوَى وَحْشيَّةٍ نَهَضَتْ / في أَنْفُسِ النَّاسِ فانْقادَتْ لها الدُّوَلُ
وأَيْقَظَتْ في قُلوبِ النَّاسِ عاصِفَةً / غامَ الوُجودُ لها وارْبَدَّتِ السُّبُلُ
فالدَّهْرُ مُنْتَعِلٌ بالنَّارِ مُلْتَحِفٌ / بالهوْلِ والويلِ والأَيامُ تَشْتَعِلُ
والأَرضُ داميةٌ بالإِثْمِ طامِيَةٌ / ومارِدُ الشَّرِّ في أَرْجائِها ثَمِلُ
والموتُ كالمَارِدِ الجبَّارِ مُنْتَصِبٌ / في الأَرضِ يَخْطُفُ من قَدْ خانَهُ الأَجَلُ
وفي المَهَامِهِ أَشلاءٌ مُمَزَّقَةٌ / تَتْلو على القَفْرِ شِعْراً لَيْسَ يُنْتَحَلُ
أَدركتَ فَجْرَ الحَيَاةِ أَعمًى
أَدركتَ فَجْرَ الحَيَاةِ أَعمًى / وكنتَ لا تَعْرِفُ الظَّلامْ
فأَطْبَقَتْ حَوْلَكَ الدَّياجِي / وغامَ مِنْ فوْقِكَ الغَمَامْ
وعِشْتَ في وَحْشَةٍ تُقاسي / خواطراً كلّها ضرامْ
وغُرْبَة مَا بِها رَفيقٌ / وظلمةٍ مَا لها خِتامْ
تشقُّ تِيهَ الوُجُودِ فرداً / قَدْ عضَّكَ الفَقْرُ والسُّقَامْ
وطارَدَتْ نَفْسَكَ المآسي / وفَرَّ مِنْ قَلْبِكَ السَّلامْ
هوِّنْ على قلبك المعنَّى / إنْ كُنْتَ لا تُبْصِرُ النُّجُومْ
ولا ترى الغابَ وهو يلغو / وفوقه تَخْطُرُ الغُيومْ
ولا ترى الجَدْوَلَ المغنِّي / وحَوْلَهُ يَرْقُصُ الغيمْ
فكلُّنا بائسٌ جديرٌ / برأْفَةِ الخَالقِ العَظيمْ
وكلُّنا في الحَيَاةِ أعمى / يَسُوقهُ زَعْزَعٌ عَقِيمْ
وحوله تَزْعَقُ المنايا / كأنَّها جنَّةُ الجَحِيمْ
يا صاحِ إنَّ الحَيَاة قفرٌ / مروِّعٌ ماؤهُ سَرَابْ
لا يجتني الطَّرْفُ منه إلاَّ / عَواطفَ الشَّوْكِ والتُّرابْ
وأَسعدُ النَّاس فيه أَعمى / لا يُبْصِرُ الهول والمُصَابْ
ولا يرى أَنْفُسَ البرايا / تَذُوبُ في وقْدَةِ العَذَابْ
فاحمد إِلهَ الحَيَاةِ واقنعْ / فيها بأَلْحانِكَ العِذَابْ
وعِشْ كما شاءَتِ اللَّيالي / مِنْ آهَةِ النَّايِ والرَّبَابْ
يا قلبُ كمْ فيكَ مِنْ دُنيا محجَّبَةٍ
يا قلبُ كمْ فيكَ مِنْ دُنيا محجَّبَةٍ / كأَنَّها حين يبدو فجرُها إرَمُ
يا قلبُ كمْ فيكَ مِنْ كونٍ قدِ اتَّقَدَتْ / فيه الشُّموسُ وعاشتْ فوقَهُ الأُممُ
يا قلبُ كمْ فيكَ مِنْ أُفْقٍ تُنَمِّقُهُ / كواكبٌ تتجلَّى ثُمَّ تَنْعَدِمُ
يا قلبُ كمْ فيكَ مِنْ غابٍ ومن جَبَلٍ / تَدْوي بهِ الرِّيحُ أَو تسمو بهِ القممُ
يا قلبُ كمْ فيكَ مِنْ كهفٍ قدِ انبجستْ / منهُ الجداولُ تجري مَا لها لُجمُ
تمشي فتحملُ غُصناً مُزهراً نَضِراً / أَوْ وَرْدَةً لم تُشَمِّهْ حُسنَها قَدَمُ
أَو نحلَةً جرَّها التيَّارُ مُنْدَفِعاً / إلى البحارِ تُغنّي فوقها الدِّيَمُ
أَو طائراً ساحراً مَيْتاً قَد انْفجرتْ / في مُقْلَتَيْهِ جِراحٌ جمَّةٌ وَدَمُ
يا قلبُ إنَّكَ كونٌ مُدْهِشٌ عَجَبٌ / إن يُسأَلَ النَّاسُ عن آفاقِهِ يَجِموا
كأَنَّكَ الأَبدُ المجهولُ قَدْ عَجَزَتْ / عنكَ النُّهى واكْفَهَرَّتْ حولكَ الظُّلَمُ
يا قلبُ كم مِنْ مسرَّاتٍ وأخْيلةٍ / ولذَّةٍ يَتَحَامَى ظِلَّها الألمُ
غنَّتْ لفجرِكَ صوتاً حالماً فرِحاً / نَشْوانَ ثمَّ توارتْ وانقضَى النَّغمُ
وكم رأى ليلُكَ الأَشباحَ هائمةً / مَذْعورةً تتهاوَى حَوْلَها الرُّجمُ
ورَفْرَفَ الأَلمُ الدَّامي بأجنحةٍ / مِنَ اللَّهيبِ وأَنَّ الحُزْنُ والنَّدَمُ
وَكَمْ مشتْ فوقكَ الدُّنيا بأَجمعها / حتَّى توارَتْ وسارَ الموتُ والعدمُ
وشيَّدَتْ حولكَ الأَيَّامُ أبنيةً / مِنَ الأَناشيدِ تُبْنَى ثُمَّ تنهدمُ
تَمضي الحَيَاةُ بماضيها وحاضرِها / وتذهَبُ الشَّمْسُ والشُّطْآنُ والقِممُ
وأَنْتَ أَنْتَ الخِضَمُّ الرَّحْبُ لا فَرَحٌ / يَبْقى على سطحكَ الطَّاغي ولا أَلمُ
يا قلبُ كم قَدْ تملَّيتَ الحَيَاةَ وَكَمْ / رقَّصتَها مَرَحاً مَا مسَّكَ السَّأَمُ
وَكَمْ توَشَّحْتَ من ليلٍ ومن شَفَقٍ / ومِنْ صَباحٍ تُوَشِّي ذيلَهُ السُّدُمُ
وَكَمْ نَسَجْتَ من الأَحلامِ أَرديةً / قَدْ مزَّقَتْها اللَّيالي وهي تَبْتَسِمُ
وَكَمْ ضَفَرْتَ أَكاليلاً مورَّدَةً / طارتْ بها زَعْزَعٌ تدوي وتَحْتَدِمُ
وَكَمْ رسمتَ رسوماً لا تُشابِهُها / هذي العَوالِمُ والأَحلامُ والنُّظُمُ
كأَنَّها ظُلَلُ الفِرْدَوْسِ حافِلةً / بالحُورِ ثمَّ تلاشتْ واختفى الحُلُمُ
تبلُو الحَيَاةَ فتبلِيها وتخلَعُها / وتستجدُّ حياةً مَا لها قِدمُ
وأَنْتَ أَنْتَ شبابٌ خالدٌ نضرٌ / مثلُ الطَّبيعَةِ لا شَيْبٌ ولا هرَمُ
تَرجو السَّعادَةَ يا قلبي ولو وُجِدَتْ
تَرجو السَّعادَةَ يا قلبي ولو وُجِدَتْ / في الكونِ لم يشتعلْ حُزْنٌ ولا أَلَمُ
ولا استحالتْ حياةُ النَّاسِ أجمعُها / وزُلزلتْ هاتِهِ الأَكوانُ والنُّظمُ
فما السَّعادة في الدُّنيا سِوَى حُلُمٍ / ناءٍ تُضَحِّي له أَيَّامَها الأُمَمُ
ناجتْ به النَّاسَ أَوهامٌ مُعَرْبِدةً / لمَّا تَغَشَّتْهُمُ الأَحلامُ والظُّلَمُ
فَهَبَّ كلٌّ يُناديهِ ويَنْشُدُهُ / كأَنَّما النَّاسُ مَا ناموا ولا حلمُوا
خُذِ الحَيَاةَ كما جاءتْكَ مبتسماً / في كفِّها الغارُ أَو في كفِّها العَدَمُ
وارقصْ على الوردِ والأَشواكِ متَّئِداً / غنَّتْ لكَ الطَّيرُ أَو غنَّتْ لكَ الرُّجُمُ
واعملْ كما تأمُرُ الدُّنيا بلا مَضَضٍ / والجمْ شُعوركَ فيها إنَّها صَنَمُ
فمنْ تأَلَّمَ لمْ تُرْحَمْ مَضَاضَتَهُ / ومنْ تجلَّدَ لم تهزأ بهِ القِمَمُ
هذي سعادَةُ دُنيانا فكنْ رجلاً / إنْ شئْتَها أَبَدَ الآباد يَبْتَسِمُ
وإنْ أَردتَ قضاءَ العيشِ في دَعَةٍ / شعريَّةٍ لا يُغَشِّي صَفْوَها نَدَمُ
فاتركْ إلى النَّاسِ دُنياهُمْ وضَجَّتَهُمْ / وما بنوا لنِظامِ العيشِ أَو رَسَموا
واجعلْ حياتَكَ دوحاً مُزْهراً نَضِراً / في عُزْلَةِ الغابِ ينمو ثمَّ ينعدمُ
واجعلْ لياليكَ أَحلاماً مُغَرِّدَةً / إنَّ الحَيَاةَ وما تدوي به حُلُمُ
مَا قَدَّْسَ المثلَ الأَعلى وجمَّلَهُ
مَا قَدَّْسَ المثلَ الأَعلى وجمَّلَهُ / في أَعيُنِ النَّاسِ إلاَّ أنَّهُ حُلُمُ
ولو مَشَى فيهُمُ حيًّا لحطَّمَهُ / قومٌ وقالوا بخبثٍ إنَّهُ صَنَمُ
ولا يعبدُ النَّاسُ إلاَّ كلَّ منعدمٍ / مُمنَّعٍ ولمنْ حاباهُمُ العَدَمُ
حتَّى العَباقرةُ الأَفذاذُ حُبُّهُمُ / يلقى الشَّقاءَ وتَلقى مجدَها الرِّمَمُ
النَّاسُ لا يُنْصِفونَ الحيَّ بينهُمُ / حتَّى إِذا مَا توارى عنهُمُ نَدِموا
الويْل للنَّاسِ من أَهْوائهمْ أَبداً / يمشي الزَّمانُ وريحُ الشَّرِّ تحتدمُ
أَرى هيكَلَ الأَيَّامِ يعلُو مُشيَّداً / ولا بدَّ أن يأتي على أُسِّهِ الهَدْمُ
فيُصْبِحُ مَا قَدْ شيَّدَ اللهُ والورى / خراباً كأنَّ الكُلَّ في أَمسهِ وَهْمُ
فقل لي مَا جدْوَى الحَيَاةِ وكربها / وتلكَ التي تَذْوي وتلكَ التي تنمو
وفوْجٍ تغذِّيه الحَيَاةُ لِبَانَهَا / وفوْجٍ يُرى تَحْتَ التُّرابِ لهُ رَدْمُ
وعقلٍ من الأَضواءِ في رأسِ نابغٍ / وعقلٍ من الظَّلماءِ يحملهُ فَدْمُ
وأَفئدةٍ حَسْرى تذُوبُ كآبَةً / وأَفئدةٍ سَكْرَى يرفُّ لها النَّجمُ
لِتعْسِ الوَرَى شاءَ الإِلهُ وجودَهم / فكانَ لهمْ جهلٌ وكانَ لهمْ فهمُ
يا ربَّةَ الشِّعرِ والأَحلام غنِّيني
يا ربَّةَ الشِّعرِ والأَحلام غنِّيني / فقد سَئِمْتُ وُجومَ الكونِ مِنْ حينِ
إنَّ اللَّيالي اللَّواتي ضمَّختْ كَبِدِي / بالسِّحْرِ أَضْحتْ مع الأَيَّامِ ترميني
نَاختْ بنفسي مآسيها وما وَجَدَتْ / قلباً عطوفاً يُسَلِّيها فَعَزِّيني
وهدَّ مِنْ خَلَدِي نَوْحٌ تُرَجِّعُهُ / بَلْوَى الحَيَاةِ وأَحزانُ المَسَاكينِ
على الحَيَاةِ أَنا أَبكي لشَقْوَتِها / فمنْ إِذا مُتُّ يبكيها ويبكيني
يا رَبَّةَ الشِّعْرِ غنِّيني فقد ضَجِرَتْ / نفسي منَ النَّاسِ أبناءِ الشَّياطينِ
تَبَرَّمَتْ بينيَ الدُّنيا وأَعوَزَها / في مِعزفِ الدَّهرِ غرِّيدُ الأَرانينِ
وراحَةُ اللَّيلِ ملأَى مِنْ مدامِعِهِ / وغادَةُ الحبِّ ثَكْلى لا تغنِّيني
فهلْ إِذا لُذْتُ بالظَّلماءِ مُنْتَحِباً / أَسلو وما نَفْعُ محْزونٍ لمحزونِ
يا ربَّةَ الشِّعرِ إنِّي بائسٌ تَعِسٌ / عَدِمْتُ مَا أَرتجي في العالمِ الدُّونِ
وفي يديكِ مزاميرٌ يُخالِجُها / وَحْيُ السَّماءِ فهاتيها وغَنِّيني
ورتِّلي حولَ بيتِ الحُزْنِ أُغنيةً / تجلُو عن النَّفسِ أَحوانَ الأَحايينِ
فإنَّ قلبيَ قبرٌ مُظلمٌ قُبِرَتْ / فيهِ الأَماني فما عادتْ تناغيني
لولاكِ في هذه الدُّنيا لمَا لَمَسَتْ / أَوتارُ روحِيَ أَصواتَ الأَفانينِ
ولا تَغَنَّيْتُ مأخوذاً ولا عَذُبَتْ / ليَ الحَيَاةُ لدى غَضِّ الرَّياحينِ
ولا ازدهى النَّفْسَ في أَشْجانها شَفَقٌ / يُلوِّنُ الغَيْمَ لهواً أَيَّ تلوينِ
ولا استخفَّ حياتي وهيَ هائمةٌ / فجرُ الهَوَى في جفونِ الخُرَّدِ العِينِ
لا يَنْهَضُ الشَّعبُ إلاَّ حينَ يَدْفَعُهُ
لا يَنْهَضُ الشَّعبُ إلاَّ حينَ يَدْفَعُهُ / عَزْمُ الحَيَاةِ إِذا مَا اسْتَيْقَظَتْ فيهِ
والحَبُّ يخترِقُ الغَبْراءَ مُنْدَفِعاً / إلى السَّماءِ إِذا هَبَّتْ تُناديهِ
والقَيْدُ يأْلَفُهُ الأَمْواتُ مَا لَبِثُوا / أَمَّا الحَيَاةُ فيُبْلِيها وتُبْليهِ