القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو القاسم الشابي الكل
المجموع : 10
يا ليلُ مَا تصنعُ النَّفْسُ التي سَكَنتْ
يا ليلُ مَا تصنعُ النَّفْسُ التي سَكَنتْ / هذا الوجودَ ومن أعدائها القَدَرُ
ترضى وتَسْكُتُ هذا غيرُ محتَمَلٍ / إِذاً فهل ترفُضُ الدُّنيا وتنتحرُ
وذا جنونٌ لَعَمْري كُلُّهُ جَزَعٌ / باكٍ ورأيٌ مريضٌ كُلُّه خَوَرُ
فإنّما الموت ضَرْبُ من حبائِلِهِ / لا يُفلتُ الخلقُ مَا عاشوا فما النَّظرُ
هذا هو اللغْزُ عَمَّاهُ وعَقَّدَهُ / على الخليقةِ وَحْشٌ فاتكٌ حَذِرُ
قَدْ كبَّلَ القَدَرُ الضَّاري فرائِسَهْ / فما استطاعوا له دفعاً ولا حزَروا
وخاطَ أعينَهم كي لا تُشاهِدَهُ / عينٌ فتعلمَ مَا يأتي وما يَذَرُ
وحاطَهُمْ بفنونٍ من حَبائِلِهِ / فما لَهُمْ أبداً من بطشِه وَزرُ
لا الموت يُنْقِذُهُمْ من هولِ صولَتِهِ / ولا الحياةُ تَساوى النّاسُ والحَجَرُ
حارَ المساكينُ وارتاعوا وأعْجَزَهم / أن يحذَروه وهلْ يُجديهمُ الحَذَرُ
وهُمْ يعيشونَ في دنيا مشيَّدةٍ / منَ الخطوب وكونٍ كلَّه خَطرُ
وكيف يحذرُ أعمَى مُدْلِجٌ تَعِبٌ / هولَ الظَّلامِ ولا عَزمٌ ولا بَصَرُ
قَدْ أيقنوا أنَّهُ لا شيءَ يُنقِذُهُمْ / فاستسلموا لِسُكونِ الرُّعْبِ وانتظروا
ولو رأوه لسارتْ كي تحارِبَه / من الوَرَى زُمَرٌ في إثرِها زُمَرُ
وثارتِ الجنّ والأملاكَ ناقمةً / والبحرُ والبَرُّ والأفلاكُ والعُصرُ
لكنّهُ قوّةٌ تُملي إرادتَها / سِرًّا فَنَعْنو لها قهراً ونأتمرُ
حقيقةٌ مرّةٌ يا ليلُ مُبْغَضَةٌ / كالموتِ لكنْ إليها الوِرْدُ والصَّدَرُ
تَنَهَّدَ اللَّيْلُ حتَّى قلتُ قَدْ نُثِرَتْ / تِلكَ النُّجومُ وماتَ الجنُّ والبَشَرُ
وعادَ للصَّمتِ يُصغي في كآبته / كالفيلسوف إلى الدنيا ويفتكرُ
وقَهْقَهَ القَدَرُ الجبَّارُ سُخْريةً / بالكائناتِ تَضاحَكْ أَيُّها القَدَرُ
تمشي إلى العَدَمِ المحتومِ باكيةً / طوائفُ الخَلْقِ والأشكالُ والصُّوَرُ
وأنت فوقَ الأسى والموت مبتسمٌ / ترنو إلى الكون يُبْنَى ثمَّ يندَثِرُ
عِشْ بالشُّعورِ وللشُّعورِ فإنَّما
عِشْ بالشُّعورِ وللشُّعورِ فإنَّما / دُنْياكَ كونُ عواطفٍ وشعورِ
شِيدَتْ على العَطْفِ العميقِ وإنَّها / لَتَجِفُّ لو شِيدَتْ على التَّفْكيرِ
وتَظَلُّ جامِدَةَ الجمالِ كئيبةً / كالهيكلِ المتهدِّم المهجورِ
وتَظَلُّ قاسيَةَ الملامِحِ جهْمةً / كالموتِ مُقْفِرَةً بغيرِ سُرورِ
لا الحُبُّ يرقُصُ فوقها متغنِّياً / للنَّاس بَيْنَ جداولٍ وزُهورِ
مُتَوَرِّدَ الوجناتِ سَكرانَ الخطى / يهتزُّ من مَرَحٍ وفَرْطِ حُبورِ
متكلِّلاً بالورْدِ ينثرُ للورى / أَوراقَ وردِ اللَّذّةِ المنضُورِ
كلاّ ولا الفنُّ الجميلُ بظاهرٍ / في الكونِ تحتَ غَمامةٍ من نُورِ
متَوشِّحاً بالسِّحْرِ ينفُخُ نايَهُ / المشبوبَ بَيْنَ خمائلٍ وغديرِ
أَو يلمسُ العودَ المقدَّسَ واصفاً / للموت للأَيَّامِ للدَّيجورِ
مَا في الحَيَاةِ من المسرَّةِ والأَسى / والسِّحْر واللَّذّاتِ والتغريرِ
أَبداً ولا الأَملُ المجنَّحُ منْشِداً / فيها بصوتِ الحالمِ المَحْبُورِ
تِلْكَ الأَناشيدَ التي تَهَبُ الوَرَى / عزْمَ الشَّبابِ وغِبْطَةَ العُصفورِ
واجعل شُعورَكَ في الطَّبيعَةِ قائداً / فهوَ الخبيرُ بتيهِهَا المَسْحُورِ
صَحِبَ الحياةَ صغيرةً ومشى بها / بَيْنَ الجماجمِ والدَّمِ المَهْدورِ
وعَدَا بها فوقَ الشَّواهِقِ باسماً / متغنِّياً مِنْ أَعْصُرِ ودُهورِ
والعقلُ رغْمَ مشيبهِ ووقَارِهِ / مَا زالَ في الأَيَّامِ جِدّ صغيرِ
يمشي فَتَضْرَعُهُ الرِّياحُ فيَنْثَني / متَوَجِّعاً كالطَّائرِ المكسورِ
ويظلُّ يسأَلُ نفسه متفلسفاً / متَنَطِّساً في خفَّةٍ وغُرورِ
عمَّا تحجِّبُهُ الكَواكبُ خلفَها / مِنْ سِرِّ هذا العالَم المستورِ
وهو المهشَّمُ بالعواصفِ يا لهُ / مِنْ ساذجٍ متفلسفٍ مغرورِ
وافتحْ فؤادكَ للوجودِ وخَلِّهِ / لليَمِّ للأَمواجِ للدَّيجورِ
للثَّلجِ تنثُرُهُ الزَّوابعُ للأسى / للهَوْلِ للآلامِ للمقدورِ
واتركْهُ يقتحِمُ العواصفَ هائماً / في أُفْقِها المتلبِّدِ المقرورِ
ويخوضُ أَحشاءَ الوُجُود مُغامِراً / في ليلها المتهيِّبِ المحذورِ
حتَّى تُعانِقَهُ الحَيَاةُ ويرتوي / من ثَغْرِها المتأجِّج المَسْجُورِ
فتعيشَ في الدُّنيا بقلبٍ زاخرٍ / يقظِ المشاعرِ حالمٍ مسحورِ
في نشوةٍ صوفيَّةٍ قُدُسيَّةٍ / هي خيرُ مَا في العالِمِ المنظورِ
الحُبُّ شُعْلَةُ نورٍ ساحرٍ هَبَطَتْ
الحُبُّ شُعْلَةُ نورٍ ساحرٍ هَبَطَتْ / منَ السَّماءِ فكانتْ ساطعَ الفَلَقِ
ومَزَّقتْ عن جفونِ الدَّهْرِ أَغْشِيَةً / وعَنْ وُجوه اللَّيالي بُرْقُعَ الغَسَقِ
الحبُّ روحُ إلهيٌّ مجنَّحةٌ / أَيَّامُهُ بضِياءِ الفَجْرِ والشَّفَقِ
يطوفُ في هذه الدُّنيا فَيَجْعَلُها / نجْماً جميلاً ضَحُوكاً جِدَّ مُؤْتَلِقِ
لولاهُ مَا سُمِعتْ في الكونِ أُغنيةً / ولا تآلَفَ في الدُّنيا بَنُو أُفُقِ
الحبُّ جُدوَلُ خمرٍ مَنْ تَذَوَّقَهُ / خاضَ الجحيمَ ولم يُشْفِقْ من الحَرَقِ
الحبُّ غايَةُ آمالِ الحَيَاةِ فما / خوْفي إِذا ضَمَّني قبرٌ وما فَرَقِي
ضُعْفُ العزيمَةِ لَحْدٌ في سَكينَتِهِ
ضُعْفُ العزيمَةِ لَحْدٌ في سَكينَتِهِ / تقضي الحَيَاةُ بَنَاهُ اليأسُ والوجلُ
وفي العَزيمَةِ قُوَّاتٌ مُسَخَّرَةٌ / يَخِرُّ دونَ مَدَاها الشَّامِخُ الجَبَلُ
والنَّاسُ شَخْصانِ ذا يَسْعى بهِ قدَمٌ / من القُنُوطِ وذا يَسْعَى بهِ الأَمَلُ
هذا إلى الموتِ والأَجداثُ ساخِرةٌ / وذا إلى المجدِ والدُّنيا لَهُ خَوَلُ
مَا كلُّ فِعْلٍ يُجِلُّ النَّاسُ فاعِلَهُ / مَجْداً فإنَّ الوَرَى بي رأْيِهِمْ خَطَلُ
ففي التَماجُدِ تَمْويهٌ وشَعْوَذَةٌ / وفي الحقيقَةِ مَا لا يُدْرِكُ الدَّجِلُ
مَا المَجْدِ إلاَّ ابْتِساماتٌ يَفيضُ بها / فمُ الزمَّان إِذا مَا انسدَّتِ الحِيَلُ
وليسَ بالمجدِ مَا تَشْقَى الحَيَاةُ بهِ / فَيَحْسُدُ اليَوْمَ أَمْساً ضَمَّهُ الأَزَلُ
فما الحُرُوبُ سِوَى وَحْشيَّةٍ نَهَضَتْ / في أَنْفُسِ النَّاسِ فانْقادَتْ لها الدُّوَلُ
وأَيْقَظَتْ في قُلوبِ النَّاسِ عاصِفَةً / غامَ الوُجودُ لها وارْبَدَّتِ السُّبُلُ
فالدَّهْرُ مُنْتَعِلٌ بالنَّارِ مُلْتَحِفٌ / بالهوْلِ والويلِ والأَيامُ تَشْتَعِلُ
والأَرضُ داميةٌ بالإِثْمِ طامِيَةٌ / ومارِدُ الشَّرِّ في أَرْجائِها ثَمِلُ
والموتُ كالمَارِدِ الجبَّارِ مُنْتَصِبٌ / في الأَرضِ يَخْطُفُ من قَدْ خانَهُ الأَجَلُ
وفي المَهَامِهِ أَشلاءٌ مُمَزَّقَةٌ / تَتْلو على القَفْرِ شِعْراً لَيْسَ يُنْتَحَلُ
أَدركتَ فَجْرَ الحَيَاةِ أَعمًى
أَدركتَ فَجْرَ الحَيَاةِ أَعمًى / وكنتَ لا تَعْرِفُ الظَّلامْ
فأَطْبَقَتْ حَوْلَكَ الدَّياجِي / وغامَ مِنْ فوْقِكَ الغَمَامْ
وعِشْتَ في وَحْشَةٍ تُقاسي / خواطراً كلّها ضرامْ
وغُرْبَة مَا بِها رَفيقٌ / وظلمةٍ مَا لها خِتامْ
تشقُّ تِيهَ الوُجُودِ فرداً / قَدْ عضَّكَ الفَقْرُ والسُّقَامْ
وطارَدَتْ نَفْسَكَ المآسي / وفَرَّ مِنْ قَلْبِكَ السَّلامْ
هوِّنْ على قلبك المعنَّى / إنْ كُنْتَ لا تُبْصِرُ النُّجُومْ
ولا ترى الغابَ وهو يلغو / وفوقه تَخْطُرُ الغُيومْ
ولا ترى الجَدْوَلَ المغنِّي / وحَوْلَهُ يَرْقُصُ الغيمْ
فكلُّنا بائسٌ جديرٌ / برأْفَةِ الخَالقِ العَظيمْ
وكلُّنا في الحَيَاةِ أعمى / يَسُوقهُ زَعْزَعٌ عَقِيمْ
وحوله تَزْعَقُ المنايا / كأنَّها جنَّةُ الجَحِيمْ
يا صاحِ إنَّ الحَيَاة قفرٌ / مروِّعٌ ماؤهُ سَرَابْ
لا يجتني الطَّرْفُ منه إلاَّ / عَواطفَ الشَّوْكِ والتُّرابْ
وأَسعدُ النَّاس فيه أَعمى / لا يُبْصِرُ الهول والمُصَابْ
ولا يرى أَنْفُسَ البرايا / تَذُوبُ في وقْدَةِ العَذَابْ
فاحمد إِلهَ الحَيَاةِ واقنعْ / فيها بأَلْحانِكَ العِذَابْ
وعِشْ كما شاءَتِ اللَّيالي / مِنْ آهَةِ النَّايِ والرَّبَابْ
يا قلبُ كمْ فيكَ مِنْ دُنيا محجَّبَةٍ
يا قلبُ كمْ فيكَ مِنْ دُنيا محجَّبَةٍ / كأَنَّها حين يبدو فجرُها إرَمُ
يا قلبُ كمْ فيكَ مِنْ كونٍ قدِ اتَّقَدَتْ / فيه الشُّموسُ وعاشتْ فوقَهُ الأُممُ
يا قلبُ كمْ فيكَ مِنْ أُفْقٍ تُنَمِّقُهُ / كواكبٌ تتجلَّى ثُمَّ تَنْعَدِمُ
يا قلبُ كمْ فيكَ مِنْ غابٍ ومن جَبَلٍ / تَدْوي بهِ الرِّيحُ أَو تسمو بهِ القممُ
يا قلبُ كمْ فيكَ مِنْ كهفٍ قدِ انبجستْ / منهُ الجداولُ تجري مَا لها لُجمُ
تمشي فتحملُ غُصناً مُزهراً نَضِراً / أَوْ وَرْدَةً لم تُشَمِّهْ حُسنَها قَدَمُ
أَو نحلَةً جرَّها التيَّارُ مُنْدَفِعاً / إلى البحارِ تُغنّي فوقها الدِّيَمُ
أَو طائراً ساحراً مَيْتاً قَد انْفجرتْ / في مُقْلَتَيْهِ جِراحٌ جمَّةٌ وَدَمُ
يا قلبُ إنَّكَ كونٌ مُدْهِشٌ عَجَبٌ / إن يُسأَلَ النَّاسُ عن آفاقِهِ يَجِموا
كأَنَّكَ الأَبدُ المجهولُ قَدْ عَجَزَتْ / عنكَ النُّهى واكْفَهَرَّتْ حولكَ الظُّلَمُ
يا قلبُ كم مِنْ مسرَّاتٍ وأخْيلةٍ / ولذَّةٍ يَتَحَامَى ظِلَّها الألمُ
غنَّتْ لفجرِكَ صوتاً حالماً فرِحاً / نَشْوانَ ثمَّ توارتْ وانقضَى النَّغمُ
وكم رأى ليلُكَ الأَشباحَ هائمةً / مَذْعورةً تتهاوَى حَوْلَها الرُّجمُ
ورَفْرَفَ الأَلمُ الدَّامي بأجنحةٍ / مِنَ اللَّهيبِ وأَنَّ الحُزْنُ والنَّدَمُ
وَكَمْ مشتْ فوقكَ الدُّنيا بأَجمعها / حتَّى توارَتْ وسارَ الموتُ والعدمُ
وشيَّدَتْ حولكَ الأَيَّامُ أبنيةً / مِنَ الأَناشيدِ تُبْنَى ثُمَّ تنهدمُ
تَمضي الحَيَاةُ بماضيها وحاضرِها / وتذهَبُ الشَّمْسُ والشُّطْآنُ والقِممُ
وأَنْتَ أَنْتَ الخِضَمُّ الرَّحْبُ لا فَرَحٌ / يَبْقى على سطحكَ الطَّاغي ولا أَلمُ
يا قلبُ كم قَدْ تملَّيتَ الحَيَاةَ وَكَمْ / رقَّصتَها مَرَحاً مَا مسَّكَ السَّأَمُ
وَكَمْ توَشَّحْتَ من ليلٍ ومن شَفَقٍ / ومِنْ صَباحٍ تُوَشِّي ذيلَهُ السُّدُمُ
وَكَمْ نَسَجْتَ من الأَحلامِ أَرديةً / قَدْ مزَّقَتْها اللَّيالي وهي تَبْتَسِمُ
وَكَمْ ضَفَرْتَ أَكاليلاً مورَّدَةً / طارتْ بها زَعْزَعٌ تدوي وتَحْتَدِمُ
وَكَمْ رسمتَ رسوماً لا تُشابِهُها / هذي العَوالِمُ والأَحلامُ والنُّظُمُ
كأَنَّها ظُلَلُ الفِرْدَوْسِ حافِلةً / بالحُورِ ثمَّ تلاشتْ واختفى الحُلُمُ
تبلُو الحَيَاةَ فتبلِيها وتخلَعُها / وتستجدُّ حياةً مَا لها قِدمُ
وأَنْتَ أَنْتَ شبابٌ خالدٌ نضرٌ / مثلُ الطَّبيعَةِ لا شَيْبٌ ولا هرَمُ
تَرجو السَّعادَةَ يا قلبي ولو وُجِدَتْ
تَرجو السَّعادَةَ يا قلبي ولو وُجِدَتْ / في الكونِ لم يشتعلْ حُزْنٌ ولا أَلَمُ
ولا استحالتْ حياةُ النَّاسِ أجمعُها / وزُلزلتْ هاتِهِ الأَكوانُ والنُّظمُ
فما السَّعادة في الدُّنيا سِوَى حُلُمٍ / ناءٍ تُضَحِّي له أَيَّامَها الأُمَمُ
ناجتْ به النَّاسَ أَوهامٌ مُعَرْبِدةً / لمَّا تَغَشَّتْهُمُ الأَحلامُ والظُّلَمُ
فَهَبَّ كلٌّ يُناديهِ ويَنْشُدُهُ / كأَنَّما النَّاسُ مَا ناموا ولا حلمُوا
خُذِ الحَيَاةَ كما جاءتْكَ مبتسماً / في كفِّها الغارُ أَو في كفِّها العَدَمُ
وارقصْ على الوردِ والأَشواكِ متَّئِداً / غنَّتْ لكَ الطَّيرُ أَو غنَّتْ لكَ الرُّجُمُ
واعملْ كما تأمُرُ الدُّنيا بلا مَضَضٍ / والجمْ شُعوركَ فيها إنَّها صَنَمُ
فمنْ تأَلَّمَ لمْ تُرْحَمْ مَضَاضَتَهُ / ومنْ تجلَّدَ لم تهزأ بهِ القِمَمُ
هذي سعادَةُ دُنيانا فكنْ رجلاً / إنْ شئْتَها أَبَدَ الآباد يَبْتَسِمُ
وإنْ أَردتَ قضاءَ العيشِ في دَعَةٍ / شعريَّةٍ لا يُغَشِّي صَفْوَها نَدَمُ
فاتركْ إلى النَّاسِ دُنياهُمْ وضَجَّتَهُمْ / وما بنوا لنِظامِ العيشِ أَو رَسَموا
واجعلْ حياتَكَ دوحاً مُزْهراً نَضِراً / في عُزْلَةِ الغابِ ينمو ثمَّ ينعدمُ
واجعلْ لياليكَ أَحلاماً مُغَرِّدَةً / إنَّ الحَيَاةَ وما تدوي به حُلُمُ
مَا قَدَّْسَ المثلَ الأَعلى وجمَّلَهُ
مَا قَدَّْسَ المثلَ الأَعلى وجمَّلَهُ / في أَعيُنِ النَّاسِ إلاَّ أنَّهُ حُلُمُ
ولو مَشَى فيهُمُ حيًّا لحطَّمَهُ / قومٌ وقالوا بخبثٍ إنَّهُ صَنَمُ
ولا يعبدُ النَّاسُ إلاَّ كلَّ منعدمٍ / مُمنَّعٍ ولمنْ حاباهُمُ العَدَمُ
حتَّى العَباقرةُ الأَفذاذُ حُبُّهُمُ / يلقى الشَّقاءَ وتَلقى مجدَها الرِّمَمُ
النَّاسُ لا يُنْصِفونَ الحيَّ بينهُمُ / حتَّى إِذا مَا توارى عنهُمُ نَدِموا
الويْل للنَّاسِ من أَهْوائهمْ أَبداً / يمشي الزَّمانُ وريحُ الشَّرِّ تحتدمُ
أَرى هيكَلَ الأَيَّامِ يعلُو مُشيَّداً / ولا بدَّ أن يأتي على أُسِّهِ الهَدْمُ
فيُصْبِحُ مَا قَدْ شيَّدَ اللهُ والورى / خراباً كأنَّ الكُلَّ في أَمسهِ وَهْمُ
فقل لي مَا جدْوَى الحَيَاةِ وكربها / وتلكَ التي تَذْوي وتلكَ التي تنمو
وفوْجٍ تغذِّيه الحَيَاةُ لِبَانَهَا / وفوْجٍ يُرى تَحْتَ التُّرابِ لهُ رَدْمُ
وعقلٍ من الأَضواءِ في رأسِ نابغٍ / وعقلٍ من الظَّلماءِ يحملهُ فَدْمُ
وأَفئدةٍ حَسْرى تذُوبُ كآبَةً / وأَفئدةٍ سَكْرَى يرفُّ لها النَّجمُ
لِتعْسِ الوَرَى شاءَ الإِلهُ وجودَهم / فكانَ لهمْ جهلٌ وكانَ لهمْ فهمُ
يا ربَّةَ الشِّعرِ والأَحلام غنِّيني
يا ربَّةَ الشِّعرِ والأَحلام غنِّيني / فقد سَئِمْتُ وُجومَ الكونِ مِنْ حينِ
إنَّ اللَّيالي اللَّواتي ضمَّختْ كَبِدِي / بالسِّحْرِ أَضْحتْ مع الأَيَّامِ ترميني
نَاختْ بنفسي مآسيها وما وَجَدَتْ / قلباً عطوفاً يُسَلِّيها فَعَزِّيني
وهدَّ مِنْ خَلَدِي نَوْحٌ تُرَجِّعُهُ / بَلْوَى الحَيَاةِ وأَحزانُ المَسَاكينِ
على الحَيَاةِ أَنا أَبكي لشَقْوَتِها / فمنْ إِذا مُتُّ يبكيها ويبكيني
يا رَبَّةَ الشِّعْرِ غنِّيني فقد ضَجِرَتْ / نفسي منَ النَّاسِ أبناءِ الشَّياطينِ
تَبَرَّمَتْ بينيَ الدُّنيا وأَعوَزَها / في مِعزفِ الدَّهرِ غرِّيدُ الأَرانينِ
وراحَةُ اللَّيلِ ملأَى مِنْ مدامِعِهِ / وغادَةُ الحبِّ ثَكْلى لا تغنِّيني
فهلْ إِذا لُذْتُ بالظَّلماءِ مُنْتَحِباً / أَسلو وما نَفْعُ محْزونٍ لمحزونِ
يا ربَّةَ الشِّعرِ إنِّي بائسٌ تَعِسٌ / عَدِمْتُ مَا أَرتجي في العالمِ الدُّونِ
وفي يديكِ مزاميرٌ يُخالِجُها / وَحْيُ السَّماءِ فهاتيها وغَنِّيني
ورتِّلي حولَ بيتِ الحُزْنِ أُغنيةً / تجلُو عن النَّفسِ أَحوانَ الأَحايينِ
فإنَّ قلبيَ قبرٌ مُظلمٌ قُبِرَتْ / فيهِ الأَماني فما عادتْ تناغيني
لولاكِ في هذه الدُّنيا لمَا لَمَسَتْ / أَوتارُ روحِيَ أَصواتَ الأَفانينِ
ولا تَغَنَّيْتُ مأخوذاً ولا عَذُبَتْ / ليَ الحَيَاةُ لدى غَضِّ الرَّياحينِ
ولا ازدهى النَّفْسَ في أَشْجانها شَفَقٌ / يُلوِّنُ الغَيْمَ لهواً أَيَّ تلوينِ
ولا استخفَّ حياتي وهيَ هائمةٌ / فجرُ الهَوَى في جفونِ الخُرَّدِ العِينِ
لا يَنْهَضُ الشَّعبُ إلاَّ حينَ يَدْفَعُهُ
لا يَنْهَضُ الشَّعبُ إلاَّ حينَ يَدْفَعُهُ / عَزْمُ الحَيَاةِ إِذا مَا اسْتَيْقَظَتْ فيهِ
والحَبُّ يخترِقُ الغَبْراءَ مُنْدَفِعاً / إلى السَّماءِ إِذا هَبَّتْ تُناديهِ
والقَيْدُ يأْلَفُهُ الأَمْواتُ مَا لَبِثُوا / أَمَّا الحَيَاةُ فيُبْلِيها وتُبْليهِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025