المجموع : 31
لو كانَ صِبْغي سواد الشّعرِ لم يَحُلِ
لو كانَ صِبْغي سواد الشّعرِ لم يَحُلِ / والدّهْرُ يُعْرَفُ ما فيهِ سِوى الخَجَلِ
يُعطي بِلا صَبوةٍ منه إلى أحَدٍ / منا ويأخذُ ما يُعْطي بلا مَلَلِ
لمّا بَدا الشيْبُ والعشرونَ ما كَمُلَتْ / مع الشّبابِ تُجاريهِ على مَهَلِ
خِلْنا البياضَ سُيوفاً أُودِعَتْ خِللاً / من السّوادِ فأبدتْ جِدَّة الخِلَلِ
إنّ الخِضابَ لأبْقى منكَ باقيةً / لو اشتَفَيْنا من الأسْقامِ بالعِلَلِ
حييِّ المَشيبَ فشخصٌ ليسَ نازلُهُ / إنْ أنتَ لم تنتقلْ عنه بمنتقِلِ
وأثْبَتُ اللون لونٌ لا يُغيرهُ / صرفُ الزّمانِ ولا يَسودُّ بالحِيَلِ
حَتّامَ نُقْدِمُ والأيامُ تغلِبُنا / وغيرُنا يغلِبُ الأيامَ بالفَشَلِ
يا أهلَ بابلَ عزمي قبلَهُ فِكَري / في النّائِباتِ وسيفي بعدَهُ عَذَلي
كَم عندكم نِعَمٌ عندي مَصائِبها / لكم وصالُ الغَواني والصّبابَةُ لي
قالوا حنيفةُ شُجْعانٌ فقلتُ لهم / كلُّ الشّجاعةِ والإقدامِ في الدُّوَلِ
ما لي أُغيرُ على دَهري فأُسلبَه / ويحجمونَ وفي أيديهم نَفَلي
إنْ لم تسلني المواضي عن جَماجمهم / إذا تَطايرنَ فالتقصيرُ من قِبَلي
كأنّني ما أعرْتُ السيفَ حدَّ يدي / وما وصلتُ وصدرُ الرمحِ لم يَصِلِ
ولا ركبتُ دجىً أحْدُو كواكبَهُ / إلى الأحبّةِ حَدْوَ الركْبِ للإبِلِ
طَرَقْتُهُمْ والكَرى لم يسلُ أعينَهم / والمشرفيّةُ ما سُلَّتْ من المُقَلِ
يا أيُّها الدّهرُ إنّ العِيَّ كالخَطَلِ / ما دَهْرُنا غيرَ سيفِ الدولةِ البِطَلِ
أكثرتُ ما بالُهُ بي غيرَ مُحْتَفِلِ / سألتَنا عن كريمٍ عنكَ لم يسَلِ
يَخْشاكَ من دونِ أنْ تخشاكَ همتُهُ / ويرتجيكَ الذي ذو مِرّةٍ بَعَلِ
ماضٍ ترفّعَ عن فوديكَ مَضربُهُ / كما ترفّعُ أشعاري عن الغَزَلِ
سيرصُدُ الفلكُ الدوارُ فيكَ فتىً / لم يُبْصِرِ الفلكَ الدّوّارَ في زُحَلِ
نوالُهُ جعلَ الأرْزاقَ من قِبلي / وعِزُّهُ صيّرَ الأيّامَ من خَولي
وما تمهلَ يوماً في نَدىً وردىً / إلاّ قضيتُ للمحِ البرقِ بالكَسَلِ
ما بالبَطارقِ شيءٌ غيرُ أسْرِهُمُ / بالقولِ دونَ ترامي الحربِ بالشُّعَلِ
والقولُ يكفي شُجاعاً صدرُ منصُلهِ / أعطاهُ طاعةَ أهلِ السّهْلِ والجبلِ
قد كُنتَ تأسرُهُم بالسيفِ مُنصلِتاً / فصرتَ تأسرُهمْ بالخوفِ والوَجَلِ
من يزرعِ الضّربَ يحصدْ طاعةً عَجَباً / ومن يربِّ العُلا يأمنْ من الثكَلِ
كانتْ سحابُكَ فيهم كلَّ بارقةٍ / حمراءَ تهطِلُ بالأيْدي وبالقُلَلِ
فاليومَ سُحبكَ فيهم كلُّ بارقةٍ / غرّاءُ تهطِلُ بالأموالِ والحُلَلِ
حتّى تمنى مليكُ الرومِ حظَّهُمُ / وأنّهُ معهم في الأسْرِ لم يَزَلِ
وقال يا ليتني من بعضِهم بَدَلٌ / فهلْ تَراكَ قَويَّ العزْمِ في البَدَلِ
يا أيُّها الملكُ المُبدي تجهمَهُ / وقولُه فُزْ بما أنْطَيْتَ وارتَحِلِ
أرشدْ إلى مَلكٍ يُعطي عطاءَكَ ذا / إنْ شِئْتَ أنْ استكِلَّ البينَ بالرِحَلِ
وأنْ تقولَ لي البيداءُ من وجلٍ / أجئتَ يا راكبَ الخطيّة الذُّبَلِ
فإنْ دَلّلْتُ فشيءٌ أنتَ فاعلُه / إنّ الدّلالةَ في المعروفِ كالعَمَلِ
وإنْ طلبتُ فلم تعرِفْ سِواكَ فتىً / فاحملْ بفضلكَ ثِقلي واغْتفرْ زَلَلي
فما أُريدُ عطاءً غيرَ جودِكُمُ / ببِشْرِكُم ينجَلي من مالِكُمْ بَجَلي
قد جُدْتَ لي باللّها حتى ضجرتُ بها / وكِدتُ من ضجَري أُثْني على البُخْلِ
إنْ كنتَ ترغبُ في هذا النوالِ لنا / فاخلُقْ لنا رغبةً أو لا فلا تُنِلِ
لم يُبقِ جودُكَ لي شيئاً أؤمِّلُهُ / تَركتني أصحبُ الدنيا بلا أملِ
حرِّمْ على الموتِ أنْ يغْتالَ أنفسَنا / فإنّ عزمكَ أمْضى منهُ في الأجَلِ
كيْما تتمَّ لكَ النَّعْماءُ كاملةً / ويأمن النّاسُ من فَقْرٍ ومن هَبَلِ
أصْبحتَ من دوحةٍ أعْلى العُلُوُّ لها / رأسٌ كما أصلُها في أسفَلِ السَّفَلِ
أوراقُها قُضُبُ الهنديِّ مُصلتةً / وحَملُها الهامَ في أغْصانِها الأسَلِ
أعُدُّ عِرقَ الثّرى عَدّي بنانَ يدي / وعَدُّ فَضْلِكَ شيءٌ ليسَ من عمَلي
تقولُ إنّ كلامي غيرُ مُنْتَحَلِ
تقولُ إنّ كلامي غيرُ مُنْتَحَلِ / ولا تُموِّلُني شيئاً سوى الأمَلِ
وتحسَبُ البينَ للأعْداءِ يسْمَحُ بي / وليسَ يسمَحُ للخُلاّنِ والخُلَلِ
يقول لي كلّما روّحْتُ صهوتَهُ / أمَا سئمتَ ظهورَ الخيلِ والإبلِ
لأسْكُنَنّ الثّرى للحدِّ معتنقاً / وماءُ وجهي بهِ أصْفى من المُقَلِ
بذلتُهُ لنُيوبِ البيدِ تأكُلُهُ / كيْما أعيشَ بعرضٍ غيرِ مُبْتَذَلِ
مالي أُضامُ ولي بالغرْبِ حاسرةٌ / قلوبُها آفَةُ الخَطّيةِ الذُّبَلِ
تصونُ عنك بنو طغج مناصِلها / وتنتضيها لرأسِ الفارِسِ البَطَلِ
وبالبصيرةِ إيمانٌ بها قُضُبُ / هامُ الملوكِ بها أوْلى من الخُلَلِ
لا يَخْتِلَنَّكَ في تهوينها أحَدٌ / فما عَدُوُّ بنى سعْدٍ بمُخْتَبَلِ
ما بالُ فعلِكَ في الأفْهامِ لم يَقُمِ
ما بالُ فعلِكَ في الأفْهامِ لم يَقُمِ / لأجلِ دِقّتِهِ أمْ دِقّةِ الفَهَمِ
فالدّهْرُ يحلِفُ إنّي ما كلفتُ بهِ / كأنّهُ الخُلقُ بين اللوحِ والقَلَمِ
لمّا ترفّعَ أنْ يُعْزى إلى لقَبٍ / قال الزّمانُ له يا فاضِحَ الهِمَمِ
سريتَ من أرضِ بكْرٍ بعْدَما هَرِمَتْ / جبالُها وغدتْ مُبيضةَ اللمَمِ
لا تستطيعُ فَعالاً ليس من كرمٍ / ولا تلَذُّ بعيشٍ ليس من ألَمِ
حتى أقَمتَ بأرمينيةٍ عجَباً / سوقاً يُعارَضُ فيها العيشُ بالسأمِ
أوقدتَ في قلبِ ثاويها وساكنها / ناراً يعيبُ لَظاها الوصفُ بالضرمِ
كأنّما قذَفَتعها في قُلوبِهُمُ / حُصونُهم حنيفةَ الأحداثِ والنِقَمِ
تَرْمي مخافتُكَ الحَرّى أجنَّتَها / كما اشرأبَّ شَرارُ النارِ بالفَحَمِ
كأنّ وقعَ بنيها من جوانِبِها / وما تُسوِّلها الأفكارُ في الحُلُمِ
تَساقطَ القطرُ من غرّاءَ مؤْنِسَةٍ / مما تدُلُّ عليه أوجهُ الدِّيَمِ
فَما رأوا قبل خيل جئتَ تحملها / أرضاً تُحمَّلُ بالآسادِ والأجَمِ
يجمُّها السيرُ في الدُنْيا فوارِسها / سِلاحُهم قُلَلُ الأعناقِ في البُهَمِ
ما يصدِمُ السيفُ رأساً من رؤوسهمُ / إلاّ تطوّحَ بين الكسرِ والكَهَمِ
شكت إلى الهندِ أيْدي الرومِ بيضهمُ / وقد رميت سيوفَ الهندِ بالقمَمِ
فكَفْكَفوكَ وما تزدادُ كفكفةً / إلاّ وُروداً على الأهْوالِ والقُحمِ
حتّى إذا لم تُحصنْهُمْ قِلاعُهُمُ / تحصنوا في قِلاعِ العُذرِ والنّدمِ
يَرجُون عَفو كريمٍ لا يُخيِّبُهُم / يرعى من العفوِ ما يرعى من الذِّممِ
وذا حياءٍ لطيفِ القولِ يحشِمه / يلقى السنانَ بوجهٍ غيرِ مُحتشِمِ
ثم انثنيتَ إلى تامورِ دهْوتِهِم / تَشُقهُ بنحورِ الخيلِ واللجُمِ
لو كان غيرُكَ غالَ الثّلجُ مهجتَهُ / وسيرُهُ غيرُ ما قصدٍ ولا أمَمِ
تساوتِ الأرضُ فيها من تمازجه / فالحَزْنُ كالسهلِ والغِيطانُ كالأكَمِ
لا يستطيعُ نهارُ الصيفِ يسلكها / وأنتَ تسلكُها في القرِّ والظُّلَمِ
تنعى إلى أهْلِ بدْليْسٍ نفوسَهمُ / وقد تعلّقَ منها الموتُ بالكَظَمِ
للسيفِ منهم نصيبٌ ما مطلتَ بهِ / وللتعمّدِ منهم أوفرُ القِسَمِ
من اخترمتَ فعينُ الحزمِ جئتَ بهِ / ومن وهبتَ فعينُ الجودِ والكَرَمِ
في كلِّ يومٍ لنا يا دهرُ معركةٌ
في كلِّ يومٍ لنا يا دهرُ معركةٌ / هامُ الحوادثِ في أرجائِها فِلَقُ
حظّي من العيشِ أكلٌ كلُّه غَصَصٌ / مزُّ المَذاقِ وشُربٌ كلُّه شَرَقُ
ما للزمانِ يُجاري في تمهّلهِ / بَذَّ العيونَ فلم تعلَق بهِ الحدَقُ
يا ناطِقاً كانَ فَصلُ القولِ من خَطَله
يا ناطِقاً كانَ فَصلُ القولِ من خَطَله / وذائقاً كانَ صابُ الدهرِ من عسلِهْ
ما كنتَ أولَ طلاّبٍ لمُطلبٍ / دهَتْهُ داهيةُ الأيامِ من قِبلِهْ
لا يركننّ إلى الدنيا بمنيته / فتىً يَحوطُ صوابَ الرأي من زلَلِهْ
يَهوى الخِلافَ فلو قالَ الحِمامُ له / أهْوى النُفوسَ لما سالتْ على أسَلِهْ
هذا يؤملُ أمراً ليس يُدرِكُهُ / من دهرِهِ بتمنّيه ولا حِيَلِهْ
وذاكَ يُدركُ أمراً ليس يأمُلُهُ / فما يبلغُ إنساناً إلى أمَلِهْ
رَمى بها الغرض الأقْصى فتى نكصت / بيضُ السيوفِ على الأعْقابِ من جَلَلِهْ
تذكّرتْ عهدَه أيامَ ساعدُهُ / أمْضى بهنّ على الأعْناقِ من وَجَلِهْ
فما يلوحُ حياءً حين تُبصِرُهُ / حتى تستّر بالأبطالِ من خَجَلِهْ
لو كنتُ أملِكُ أمراً حُمَّ موقعُهُ / كَفَفْتُ بادرةَ الأقدارِ عن أجَلِهْ
أوْ كان يقْنَعُ بي أعداؤهُ بدَلاً / لكنتُ أولَ مشهودٍ على جَمَلِهْ
قد كانَ لا تأمنُ الظّلْماءُ مبسمَهُ / ويأمنُ الطعنَ في الهيجاءِ من فشَلِهْ
يَرعى النجومَ بطرفٍ ليسَ يُغْمِضُهُ / حتى كأنّ نجومَ الليلِ من مُقَلِهْ
يراقبُ الصبحَ منهُ وهو في فَمِهِ / وتخدُمُ المجد فيه وهو من خوَلِهْ
رحِمتُهُ إذْ رأيتُ الكتبَ خاليةً / من مدحهِ وكلامَ الناسِ من مَثَلِهْ
مسافرٌ لا يُرجّى الأهلُ أوبَتَهُ / وذكرُهُ يسألُ الركبانَ عن سُبُلِهْ
حتى إذا خِفتُ أنْ تُنْسى مكارمُهُ / ويُخْمَدُ الثاقبُ الوقادُ من شُعَلِهْ
وسَمْتُهُ بثناءِ ما أردتُ بهِ / إلاّ محافظةَ الراعي على إبِلِهْ
يا هلْ تقرُّ المَعالي بعد مصرعِهِ / عيناً وتعمَلُ شيئاً كان من عمَلِهْ
أرْثي لها وهي لا تَرثي لعاشقِها / حُبُّ الموارثِ يلهى المرءَ عن خُلَلِهْ
لا هَزْهَزَ المجدُ رمحاً كان يخضِبُهُ / ولا تسربلَ دِرعاً كان من حُلَلِهْ
فَوِّقْ سِهامَكَ وارمِ النّجمَ عن عُرُضٍ
فَوِّقْ سِهامَكَ وارمِ النّجمَ عن عُرُضٍ / فلستَ أوَّلَ مَغرورٍ من الظَّنَنِ
وانحتْ بفأسِكَ في صماءَ شاهقةٍ / لن تَنْحَتِ الفاسُ ما أعْيا على الزّمَنِ
يا مَنْ أضَرَّ بحُسنِ الشّمسِ والقَمَرِ
يا مَنْ أضَرَّ بحُسنِ الشّمسِ والقَمَرِ / ولم يدعْ فيهِما للناسِ من وطَرِ
نفْسي فِداؤُكَ من بدرٍ على غُصُنٍ / تكادُ تأكلهُ عينايَ بالنَّظَرِ
إذا تفكّرتُ فيه عند رؤيته / صدّقتُ قولَ الحُلوليينَ في الصُّوَرِ
تَعَجّبَ الصّبرُ من صَبْري فصارَ لهُ / أُحدوثَةً يتحلاّها ذوو السَّمَرِ
إنْ كان جسمي بريّاً من نحافَتِهِ / فإنّ قلبي لا يأتي من الخَوَرِ
أجِلْ لِحاظَكَ في سيفٍ من القَدَرِ / يحويهِ غِمدٌ كَحَدِّ الصارمِ الذَّكَرِ
وخَلِّني وبني الدُّنيا فإنّ لهمْ / يوماً أصُوغُ لهُ ليلاً من المَدَرِ
تاللّه ما جادتِ الأيّامُ مُذْ خُلِقَتْ / بالذّكرِ عند فتىً ما جادَ بالعُمُرِ
لم يبقَ فيها خفيٌّ لستُ أعرِفُهُ / فكيفَ لا أعرِفُ الصافي من الكَدَرِ
مَنْ مبلغٌ صاعِداً في النّاسِ مدحتَهُ / الواحدَ المجدِ والتحجيلِ والغُرَرِ
يا مُشرِقاً تَغتَدي للشّمسِ طلعتُهُ / شمساً وتَمطُرُ كفّاهُ على المَطَرِ
يَغدو إلى الموتِ مسروراً برؤيتِهِ / كأنّهُ عندهُ أحلى من الظّفَرِ
مالي أزورُكَ منْتاباً ومنْصَرِفاً / فلا أُفرّقُ بينَ الوِرْدِ والصَّدَرِ
هبْ لي من العيشِ يوماً منكَ أذكرُهُ / وكيفَ أرضَى بيومٍ منكَ في الذّكَرِ
لو زيدَ عندكَ عُمرُ الدّهْرِ في عُمُري / ما كان إلاّ كلمْحِ الطَرفِ في القِصَرِ
للّهِ دَرُّكَ والأبْصارُ شاخِصَةٌ / والنّقْعُ يتركُ رأيَ العينِ كالخَبَرِ
كأنّ رمحَكَ في الأصْلابِ مُعترضاً / مثلُ الرّكوعِ بها أوْ سَطوةُ الكِبرِ
فُتَّ الظّنونَ فما نَدري أمِنْ شَجَرٍ / صيغَتْ سِهامُكَ أمْ صيغَتْ من القَدَرِ
أنأى مقاصدَ سهمٍ منكَ تُرسِلُهُ / أدنى إلى قَلبِ مَذعورٍ من الحَذَرِ
أمَا تَرى الدّهرَ أعطى حَظّهُ نَفَراً / أرقُ من فيهِم أقْسى من الحَجَرِ
فاغمسْ سِنانَكَ في تامور دولَتِهم / إنّ الزّمانَ بِها أعْمى بلا بَصَرِ
فأنتَ أشْجَعُ مَنْ يَمشي على قَدَمٍ / قَلْباً وأعظَمُ من يَسْمو إلى خَطَرِ
أنتَ الذي لو نُؤدّي بعضَ واجِبهِ / قلنا لهُ أنتَ مولى الجنِّ والبَشَرِ
لتأتينّكَ ألفاظٌ مُشَهّرَةٌ / لا يَركَبُ الليلَ راويها على غَرَرِ
كأنّما الفَلَكُ الدّوّارُ جازَ بِها / فاستَأسَرَتْ منه بيضَ الأنْجُمِ الزّهرِ
يا دهرُ مالكَ لا تَثني يدَ النوبِ
يا دهرُ مالكَ لا تَثني يدَ النوبِ / إني أخافُ عليْها سورةَ الغَضَبِ
ولا تأمَنَنَّ حليماً رمتَ هَضْمَتَه / أنْ يركبَ الجهلَ عُرياناً بلا قَتَبِ
أَراحَني اللهُ من قلبٍ بُليتُ بهِ / يهوى القعودَ ويهوَى أشرفَ الرّتبِ
اطلُبْ لهمكَ بالمُنى كَلِفاً / وخَلِّ صَدْري فما لي فيكَ من أرَبِ
فالمجدُ يَطلُبُ بالآفاتِ طالبَهُ / لم يحظَ بالمجدِ من لم يحظَ بالنُكَبِ
لا يمنَعَنّكَ صدمَ السيفِ رهبتُه / إنّ المذلّةَ أولى منه بالرّهَبِ
رِد الهجيرَ بثوبِ الشمسِ ملتثماً / واعقِدْ بطرفكَ سيرَ الأنجمِ الشُّهبِ
كيْما تنالَ من الدّنيا نهايتَها / إمّا حِماماً وإمّا حُسْنَ مُنقَلَبِ
سعى رجالٌ فَنالوا قدرَ سَعْيِهُمُ / لم يأتِ رزقٌ بلا سَعيٍ ولا طلبِ
حُسْنُ التّأنّي مفاتيحُ الغِنى وعلى / قَدرِ المطالبِ تَلقى شِدّةَ التّعبِ
ما بالزمانِ سِوى أولادِهِ طَبَعٌ / إنْ لم يكونوا بَنيهِ فالزّمانُ أبِي
تجنّبوني وأطرافُ الظُّبا حُلَلي / يا للرّماحِ ويا للهنديّةِ القُضُبِ
ليس المصائبُ عن حالي بمُقْلعة / أو ترتدي حدَّ سيفِ الدولةِ الذَّرِبِ
بمُسْبَلٍ فوقَ ظهرِ الأرضِ مُنسَحِبٍ / ومن ترائبها والنّحر مختضِبِ
ألا قُبوركَ صَمْصاماً مساكنهُ / هامُ العِدا بَدَلَ الأجفانِ والقِرَبِ
ما تكربُ الحربُ أنْ يُستَلَّ مُنصله / حتى يُمزّقَ قلبَ الجحفلِ اللّجِبِ
يَفري جماجِمَه والموتُ مفترشٌ / من النّزالِ صدورَ القومِ للركبِ
مشغوفةٌ بغريبِ الهمِّ همّته / يَرى السرورَ بعينِ الحزنِ والكَرَبِ
لا يطمئنُ إلى الدنيا وبَهْجَتِها / ويطمئنُ إلى الأحْداثِ والنُّوَبِ
لو كانَ شيءٌ من الأشياءِ يُطربُهُ / كانت مَعاليهِ تحظى منه بالطّربِ
مهذبٌ يسبِقُ الآمالَ نائلُه / فَما يكلِّفُ كَفاً أنْ تقولَ هبي
لو لم يكُن في الذي يُعطيهِ فائدة / إلاّ صِيانَتهُ العافي عن الطّلَبِ
يستكتمُ الرِّفدَ مُعطاهُ فَقاصِدهُ / يقولُ قد خِبْتُ كي يَرضى ولم يَخِبِ
كأنّهُ حينَ يستخفي مكارمَه / يَعُدُّ إظهارَها فينا من الرِّيَبِ
لا يهتدي الدّهْرُ قَتراً في مسالكِه / ولا يُدانيه في مجدٍ ولا حَسَبِ
خَرستَ يا دهرُ كيما لا تقولُ أجَلْ / إنْ كنتَ مثلَ أبيه القَرم تنتَسِبِ
اللهَ اللهَ يا صَمصامُ في رجلٍ / ببابِ دارِكَ قد أشفى على العَطَبِ
أجزلتَ من أدَبِ الدُنْيا عطيتَه / فهبْ له نَشَباً يا واهبَ الأدَبِ
ولا تقلْ في الذي أعطيتَ مُقْتَنَعٌ / فاقرعْ بهِ حلقَ الأرزاقِ واكتسبِ
مَنْ خابَ عندَك لم يُسْعَدْ بفائدةٍ / ومن تعدّاكَ لم يَظْفَرْ بمُطَّلَبِ
إنْ كان مثلي لا تُرضى خلائقُه / يَسومُ مِثلكَ أنْ ترضاهُ بالغَلَبِ
فهل تُطيقُ سُدا فعلٍ بِلا عجبٍ / وفعلُ مثلِكَ لا يخلْو من العَجبِ
بلْ أينَ مثلُكَ كانت هفوةٌ سَبَقَتْ / هيهاتَ لا تُعْطِني شيئاً ولا تهَبِ
أنتَ الذي تُنسَبُ الدُنْيا وعالمُها / إلى عُلاه ولا يُعْزى إلى نسَبِ
حاشاكَ أنْ تدّعيكَ العُربُ واحدَها / يا مَن ثَرى قدمَيهِ طينةُ العربِ
فإنْ يكنْ لكَ وجهٌ مثلَ أوْجُهِهم / عند العيانِ فإنّ الصُفرَ كالذّهبِ
وإنْ يكنْ لكَ نُطقٌ مثلُ نطقِهِمُ / فليس مثلُ كلامِ اللهِ في الكُتبِ
فدتْ ثَراكَ مُلوكٌ لو هَمَمْتَ بهِمْ / دارتْ جَماجمُهم للشَّربِ كالعُلَبِ
لا مالُهم باتَ محزوناً لسائلِهم / ولا دِماؤهُم تَشْفى من الكَلَبِ
أولادَ تَغلِبَ حلَّ الموتُ حُبوتَهُ / في دارِنا ودَعا بالويلِ والحَرَبِ
هَبوا لنا طَرَفاً من عمر جاهِكمُ / يفنى به غابرُ الأيامِ والحِقَبِ
فإنّ جاهَكُم يُعطى من الحسَبِ / ما ليسَ تُعطى عطاياكُم من الحَسَبِ
ركبٌ أمالوا خِباءَ الليلِ نحْوَكُمُ / حتى تقوضَ بالأعمادِ والطُّنبِ
أبوهُمُ الهمُ والبيداُ أمُّهُم / وما لهم ذملانُ الأينق الشُّسُبِ
لا يبتغون إلى معروفِكم سَبباً / إلاّ عطاياكُم الراجي لِلا سببِ
إنّ التغربَ شخصٌ ليس يألَفُه / إلاّ فتىً كَلِفٌ بالهمّ والنَّصَبِ
لا تَحْسُدَنّ غريباً أنْ يُقالَ لهُ / ما تحملُ الأرضُ مع نَبعٍ ومن غَرَبِ
فلستُ عند غروبِ الشمسِ أرحمُها / إلا لرحمةِ قَلبي كلَّ مُغتَرِبِ
لولا الترفّعُ عن قولِ الهجاءِ غدتْ
لولا الترفّعُ عن قولِ الهجاءِ غدتْ / هِيمُ القصائدِ في أعراضِكم تَرِدُ
مازلتُ أسلِفكم حمدي وأمنحكم / وُدّي وأُسرِفُ في وجدي وأجتهدُ
حتى أتيْتم بها شَنعاءَ فاضحةً / لا ينقَضي عارُها أو ينقضي الأبدُ
هَبني عذرتُكم فيها أتعذِرُكم / محارمُ الوُدِّ والأقوامُ والبلدُ
أسلمتُمونا لريبِ الدهرِ يأكلُنا / وفيكم المالُ والأهلونَ والولدُ
هَيهاتَ لن تلفحوا من بعدِها أبداً / أبعدَ صُحبتنا يرجوكُم أحَدُ
هل رُقيةٌ يستقيلُ الحُب راقيها
هل رُقيةٌ يستقيلُ الحُب راقيها / فالطّبُ يزعُم أنّ الحُبّ يُعْييها
أشتاقُ غوطةَ داريّا ويُعجبُني / على افتقاريَ أنْ تَغْنى مغانيها
لهفي على شَربةٍ من ماءِ جَوْسِيَةٍ / ونظرةٍ يُدركُ الجولانَ رائيها
ونفحةٍ من صَبا لُبنانَ خالصة / تُميتُ غُلّةَ نفسي أوْ تُداويها
يا دهرُ لا غفلاتُ العيشِ عائدةً / ولا الشبابُ الذي أبليتُه فيها
وقُرحةٌ في سوادِ العينِ كامنةٌ / في كلِّ يوم قَذاةُ الدمعِ تكويها
تَصدى إلى أهْلِ جَيْرُونٍ فتوسعُها / ماءُ الفُراتِ وغيرُ الماءِ يرويها
عسى السيوفُ تقاضي ما مطلت به / فقد رضيت بما تقضي قوافيها
إنْ كنتَ تمنعُ سعداً من مطالبه / فلستَ تمنعُ سَعداً من تمنّيها
للهِ نغمةُ أوتارٍ ومُسمِعَةٌ / باتَتْ تَدُلُّ على شَوقي أغانِيها
وقهوةٌ كشعاعِ الشّمسِ طالعةً / أفنيتُ بالمزجِ فيها ريقَ ساقيها
يا لذةً بيمينِ الدّهرِ أدفعُها / في صدرِهِ وهو من أحشائي يُدْنيها
لو كان يعلم أني عنكَ أخدَعُه / ثنّى أناملَه لي حينَ أثنيها
ما للنّوائب ترميني بأسهُمِها / وعينُ صائدةِ الفرسانِ تكفيها
لو كنتُ أخضعُ في الدُنيا لنائبةٍ / خضعتُ من هجرها أو من تَجنّيها
تستعذبُ الدمعَ عيني في محبّتها / كأنّما تَمتريهِ العينُ منْ فِيْها
حلفتُ بالعيسِ تستوفي أزمتَها / وبالحجيجِ لبيتِ اللهِ تُهديها
لأَشكُرنّ وما شُكْري على مِنَنِ / محمدُ بنُ معزِّ الدينِ يُوليها
لوْلا وقارُكَ تاجَ الملكِ لانهدمتْ / قواعدُ الأرضِ وانهدّت رَواسيها
في دولةٍ أنت أمضى من صوارِمِها / في الروعِ واسمُكَ أبهى من أساميها
جرتْ إلى الغايةِ القُصْوى سوابقُها / فجئتَ أولَها والمجدُ تاليها
إنّ الرعيةَ ما تنفكُ مضمرةً / محبةً لكَ تُبديها وتُخْفيها
إذا تمنّتْ تمنّتْ أنْ تعيشَ لها / يا راكبَ العرشِ باركْ في أمانيها
كشّفتَ عنها غطاءَ المحلِ إذْ قَنَطَتْ / ونالَ رفدَكَ قاصيها ودانِيها
حيثُ الظّنونُ وحيثُ الأرضُ قائمةٌ / وطلعةُ الأفقِ المرجوِّ تَحكيها
فتىً تكونُ علينا والياً حَدِباً / فما تضيعُ أمورٌ أنتَ واليها
للّهِ نذرٌ علينا يومَ تملِكنا / ونعمةٌ وحقوقٌ لا نؤديها
ورايةٌ لكَ كانَ اللهُ ينشُرُها / وكان عندَكَ شاشنكير يطويها
أيامَ تبتدرُ الأتراكَ دعوتُه / وتشرئبُّ إلى أقوالِ غاويها
فما أسفتُ على شيءٍ مضى أسَفي / أنْ لم يذُق حنظلَ الهيجاءِ جانيها
سللتَ عزمَكَ واستلتْ ذخائرَها / فكانَ عزمُكَ أمضى من مَواضيها
كان المُزَعْزَعُ بالإيوانِ رايتُه / قِدْراً وأنتَ بساباطٍ أثافِيها
لولا مكانُكَ يومَ النهرِ لانصدعتْ / صدعَ الزجاجةِ أعيتْ من يُداويها
وقفتَ بالأفقِ الغربيّ مُعترضاً / مواقفَ الأُسدِ لا ترعى مراعيها
في ساعةٍ أعجلَ الخيلينِ ملجمُها / فما أعنتُها إلاّ نواصيها
لا يعدَمُ الرمحُ فيها من يُحطّمُهُ / ولا يُجابُ بغيرِ السيفِ داعيها
علمتَ أنّ يمينَ الصّفوِ تعتقُها / لما رأيتَ شمالَ الغيظِ تسبيها
ومُزنةٍ صاحَ فيها الرعدُ مرتجزاً / فروعَ البرقَ وانحلتْ عَزالِيها
تلك المخائلُ لا تُكدي مؤمِلَها / ولا تُخيب على العلاتِ راجيها
قد كان ظلاً لكم ماتت هواجرُهُ / ونزهةً حُبِسَتْ منها لياليها
حتى تماريتم في قطع أثْلتِهِ / يا للضّغائنِ ما أجْرى تَماريها
ويا لها عِترةً في الرّأيِ ثاقبةً / لو كان يُمكن في الدنيا تَلافيها
إنْ يَسلبِ النعمةَ الغرّاءَ منعمُها / فإنّما أخذَ الأرزاقَ معطيها
أعراض قومك لا تأخذْ بها بدلاً / فما يواليكَ إلاّ من يُوالِيها
بات المُسرُّ لكَ الشحناءَ يَهدمُها / وباتَتِ الرّحمُ البلهاءُ تبنيها
لا تنسَ من شِعبِ بوّانٍ تعقلها / وأنتَ في واسطٍ بالظّنِّ تَرميها
وواسِطٌ كلُّ يومٍ ذرَّ شارقُه / يسيلُ بالأسلِ المذروبِ واديها
فصَبّحْتكُم على الآمالِ قادمةً / كتيبةٌ لا يضلُّ المجدَ هاديها
بنو العمومةِ أيديها إذا غَضِبَتْ / أيديكم وعَواليكم عَواليها
لا تَجهلوا صبرَها والسّمرُ تَظلمُها / ولا بَسالَتَها والبيضُ تُعديها
صُنها عن السَّفهِ المأثورِ وارعَ لها / حقّ المُعيدِ أموراً كِدتَ تُعطيها
فَما عَرَفتُ أموراً أنتَ منكِرُها / ولا ذكرتُ حقوقاً أنتَ ناسيها
وكيفَ تَتْركُها للذئبِ يأكلُها / وقد أراكَ من الضرغامِ تَحميها
خُذها إذا أُنشدَتْ في القومِ من طربٍ / صدورُها عُلِمَتْ منها قَوافيها
يَنسى لها الراكبُ العجلانُ حاجتَه / ويُصبح الحاسدُ الغضبانُ يُطريها
مالي أُخوفُ محتومَ المقاديرِ
مالي أُخوفُ محتومَ المقاديرِ / وسَعيُ كلِّ غُلامٍ رهنُ تَغريرِ
لا يبلُغُ الغايةَ القُصوى بهمّته / إلاّ المقَسَّمُ بين السَّرجِ والكُورِ
فُؤادُهُ بالرّزايا غيرُ مكترثٍ / وجُرْحُهُ في الحَوايا غيرُ مَسْبورِ
يَطوي حشاهُ إذا ما النومُ ضاجعَه / على وشيجٍ من الخَطيِّ مكسورِ
ترفعَ الهمُ بالفتيانِ يومَ مِنى / ونحنُ ننقلُ مأثورَ الأخابيرِ
ركوبَ قيسٍ على أحياءِ ذي يمنٍ / وغارةً جَدَعَتْ في رَهَطِ منطورِ
فقلتُ حلّوا الحِبى لأنامَ جدكم / وشَمِّروا إنّها أيامُ تَشْمِيرِ
قد سوّمَ الملكُ المنصورُ رايتَهُ / للطعنِ تَخفِقُ في ظِلِّ المَحاضيرِ
وجَرّدَ الحزمَ في يُمنى عزائِمِهِ / فما يُصَمِّمُ إلاّ بعدَ تَدبيرِ
يُهدي إلى كلِّ أرضٍ من عَجاجَتِهِ / جِنحاً من اللّيلِ في طيِّ الأعاصيرِ
نصرتَ سيفكَ بالرّي الذي علمت / به المواردُ أعقابَ المصاديرِ
وكنتَ كاللّيثِ غرته فريستُهُ / فضيعَ النابَ منه بالأظافيرِ
إذا توسّدَ للأقرانِ ساعدُهُ / فلا مَحالَةَ من عقرٍ وتَعفيرِ
لا يُبعِدُ اللهُ فتياناً رميتَ بهم / قلبَ الكريهةِ عن نزعِ وتوتيرِ
رَدّوا صدورَ الغُضَينيات عاطفةً / على الأسنّةِ من ناجٍ ومَعقورِ
قد ثقّفَ الغزوُ منها فهي مُخطَفَةٌ / خُصورهنّ كأوساطِ الزّنابيرِ
لا يعرِفونَ صدوداً عن عدوّهم / والطّعنُ يهتِكُ منهم كلَّ مستورِ
مواقعُ النبلِ في ضاحي جلودِهِمُ / مثلُ الدّنانيرِ في قَدٍّ وتَدويرِ
في جَحفلٍ سَجَدَتْ شمّ الحصونِ له / وبحثرتْ فيهِ انفاقُ المَطاميرِ
ما بينَ رُوميّةَ القصوى وأنقرةٍ / روعٌ تقلقلُ في أحشاءِ مَذعورِ
أعطاكَ عنها مليكُ الرومِ جِزيتَه / وكان قد حلَّ فيها غيرَ مقمورِ
ما أدركوا ورُقاهُم فيكَ نافِثةٌ / غيرَ الأماني من ظَنٍّ وتقديرِ
وأهلُ جُرزانَ والأملكُ قاطبةً / ما بينَ مُنطلقٍ منهم ومَحصورِ
لم يتركِ اللهُ غِشّاً في صدورِهمُ / إلاّ جَلاهُ بتاجِ الملةِ النّورِ
مَنْ لا يُتَبّعُ جَدواهُ ببائقَةٍ / ولا ينغصُ نعماهُ بتكديرِ
قدْ قوّمَ الزيغَ من أعطافِ مجلِسِهِ / بكلِّ منتقدِ الأخلاقِ مَخْبورِ
جَروا على أدَبٍ منهم فكلّهم / يأتي السّدادَ مُصيباً غيرَ مأمورِ
إنّ القِلاعَ التي نيلتْ ذَخائرُها / من قبلِ كَيدكَ لم تُقدَر لمقدورِ
من بعدِ ما دميتْ أيدي الخُطوبِ بها / وحاذَرَ الدهرُ منها سِنَّ مَغرورِ
ويومَ جاشتْ جيوشُ التركِ مُعلَمَةً / جاءَ النفيرُ فلم يقعدْ عنِ العِيرِ
لم يشكروكَ وقد نفستَ كربَهُمُ / وربَّ حامل عزمٍ غيرُ مشكورِ
ومُنهَلينَ بقَصرِ الجُصِّ زادُهُمُ / دراكُ ضربٍ على الهاماتِ ممطورِ
رَضوا من الُنْمِ إنْ كَرّتْ جيادُهُم / يعدو إلى أهلِ مصرٍ بالمَعاذِيرِ
فعلَ المُضجَّعِ خانتْهُ عزيمتُه / فطوّقَ العزمُ أعناقَ المقاديرِ
لو شاء عرّضَ يومَ الروعِ ثغرته / لوادقٍ كلسانِ النّارِ مَطرورِ
وهَبْ عليْهِ رياحُ النصرِ قد حُظرتْ / هلِ الحِمامُ على ساعٍ بمحظورِ
لا يعلُ شوقُك يا بنَ التغلبي إذا / هبتْ يمانيةُ من جانبِ الدورِ
وعللِ الهمّ إنْ عنّاكَ طارقُهُ / بباردٍ من عصيرِ الكرمِ مقرورِ
إذا المزاجُ جلاهُ قلتَ من طَربٍ / ليتَ الجزيرةَ تَغلي بالمغاويرِ
فلن تُحاذِر بالحَصْباءِ معترضاً / مُردَ الكماةِ على جُردِ المضاميرِ
ولن تَرى جبلَ الجوديِّ ترمقُهُ / دونَ المجرةِ غيظاً أعينُ القورِ
ولا الجزيرةَ ما ناحتْ مطوقةٌ / هيهاتَ ذلكَ كسرٌ غير مجبورِ
حيتكَ يا ملكَ الأملاكِ قافيةٌ / تزورُ مجدَكَ من نسْجي وتبريري
أعليتَ كفّي وأقذيتَ النّواظرَ بي / في موقفٍ مثل حدِّ السيفِ مشهورِ
تلكَ السياسةُ من بِرٍّ وتكرُمةٍ / مزجتها بنوالٍ غيرِ منزورِ
فالآنَ لا أقبلُ الميسورَ من زَمني / إنّ المشيعَ لا يرضى بمَيسورِ
شَدَدْتُ في صَبواتي شِدَةَ الشّاري
شَدَدْتُ في صَبواتي شِدَةَ الشّاري / ثم انتهيتُ وما قضيتُ أوطاري
يا حبّذا أرضُ نجدٍ كيفَما سمِحتْ / بها الخطوبُ على يُسرٍ وإعسارِ
وحبّذا دَمِثٌ من تربِها عبِقٌ / هبّتْ عليهِ رياحٌ غبَّ أمطارِ
أُحِبُّها وبلادُ اللهِ واسعةٌ / حُبَّ البخيلِ غِناءُ بعد أقتارِ
ما كنتُ أوّلَ من حَنّتْ ركائبُه / شوْقاً وفارقَ إلفاً غيرَ مُخْتارِ
إنّي غنيٌّ بنفسي يا بَني مَطَرٍ / عنكُم وأنتم على الأعداءِ أنصاري
حتى أُنَفِّرَها عَشواءَ خابطَةً / لا تَعرفُ الحقَّ إلاّ بعدَ إنكارِ
إذا أطاعتْ بُغاةُ الخيرِ نهّشَها / دُعاءُ كلِّ فتىً بالشّرِّ أمّارِ
يدُ المسائلِ عنها فوقَ وَفْرَتِهِ / كأن في أذنِهِ قُرْطاً من النّارِ
فإنْ جَنيتَ على الأيامِ فاقرةً / فإنّ ذا التّاجِ من أحداثِها جارِ
رأى الزمانَ صَغيراً في مآربِهِ / وما على الأرضِ من تُربٍ وأحْجارِ
فَنافَرَ الفلكَ الدوارَ معترضاً / سَيراً بسيرٍ وأقدراً بأقدارِ
لا يَنقضُ الدهرُ فَتلاً باتَ يبرمُهُ / وشيمةُ الدهرِ نَقضٌ بعدَ إمرارِ
ولا تُعرِّسُ في الظّلماءِ يقظتُه / حتى يُعرسَ فيها بَدْرُها السّاري
أعلى على قِمَمِ الأقوامِ أخْمَصَه / نِزاعُ هَمٍّ إلى الغاياتِ سَوّارِ
وعزمةٌ كذبابِ السّيفِ مُصلَتَةٌ / كانت نتيجةَ آراءٍ وأفكارِ
كبا يقينُ رجالٍ في مَعارفِها / وكان ظنّكَ فيها القادِحَ الواري
ومثلُ سعيكَ أعْيا من يحاولُه / وقصّرَ المرءُ عنه بعدَ أعذارِ
وإنْ ساعتكَ الطولى على أزمٍ / تَناهبَ الناسُ عنها رجمَ أخبارِ
ألصقتَ ميسمَها الحامي على عجلٍ / بكلّ مُنْدَلِقِ الحدّينِ مِغوارِ
يَظُنّ أنّ العوالي ليس تُبصرُهُ / إذا تسرْبَلَ درْعاً ذاتَ أزْرارِ
كأنّما نسجتها فوقَ منكبه / ريحٌ تُعارِضُ متنَ الجدولِ الجاري
أعمى أسنّةَ سعدٍ عن مقاتله / قيد النواظِرِ والأبصارِ كالقارِ
وا لَهْفَتا لو أعارَ الصبحُ بردتَه / ليلَ الثّنيةِ نامت مقلةُ الثّارِ
حتى استظلّ وقد لجّ الفرارُ بهِ / بهائلٍ كهيامِ الرّملِ منهارِ
لا يدفع الضيمَ عن حوباءِ مهجتِه / من ليس يَدْفَعُهُ عن مهجةِ الجارِ
أبلغْ نِزاراً وأبلغْ من يبلّغهُ / من الرجالِ على شَحطٍ من الدّارِ
إن شئتَ أن لا ترى في النّاسِ مُضطَهَداً / فسالِم النبعَ واغمزْ كلّ خَوّارِ
فقد رمى بك قولٌ كنتَ قائلَه / على فَقارَةِ صعبٍ ظهرُهُ عارِ
تأبى وعيدَك أنيابٌ مُسَمّمَةٌ / عند الحفاظِ وأيدٍ ذاتُ أظفارِ
إنّ الأسنةَ زانتْ كُلَّ مارِنَةٍ / والأعوجيةَ فاتت كلَّ مِضْمارِ
وأصبحَ الأفُقُ الشّرقيُّ مبتسماً / تبسُّمَ البرقِ عن بيضٍ وأمهارِ
لو كنتَ تقبلُ نُصحي غيرَ متهمٍ / ملأتُ سمعَك من وعظٍ وإنذارِ
ألقى على شركِ الموماةِ كَلْكَلَه / وساعدَيْهِ سَليلُ الغابة الضّاري
غضبانُ ما لم يجدْ قِرناً يُشاورهُ / كأنّهُ طالبٌ قوماً بأوتارِ
إذا سَمِعْتُ حديثاً عنكَ أَحْسَبُهُ
إذا سَمِعْتُ حديثاً عنكَ أَحْسَبُهُ / يرتاعُ قلبي وما آوِي بمرتَاعِ
تَجلُّدُ الحرِّ لا يُنسي حَفيظَتَهُ / ولو رآى دَمَهُ يستنُّ بالقَاعِ
أرَجوكَ أقربَ ما قالوا به رَمَقٌ / وحينَ يؤنِسُ مِنكَ المؤنسُ النَّاعي
وأَسأَلُ الركبَّ هل أَحسستمُ خَبَراً / لو كان مَيتاً لضاعتْ ثُلَّةُ الرَّاعِي
أَرضى وأَقنع بالأَطماعِ كاذِبَةً / فَما يَضُرُّكَ لو أَبقيتَ أَطماعِي
قد كان يُعرَفُ وجهُ الذُّلِ في نَظَري / ويَظْهَرُ العَجْزُ والتَّقْصيرُ في باعي
واهاً لأفعالهِ كَيداً ومَحْمِيَةً / لو كانَ يَسعى بِهَا مِنْ بَعدِهِ سَاعِ
أَلاَ فتىً يَمْنَعُ الجيرانَ جَانِبُهُ
أَلاَ فتىً يَمْنَعُ الجيرانَ جَانِبُهُ / فيستجارُ بهِ بعدَ ابنِ عَبَّادِ
ماتَتْ لميتتهِ الآمالُ وانقطعتْ / عاداتُ نائلهِ عن كل مُعتادِ
وَعُظِّلَ الأَدبُ المحرومُ وانتزعتْ / منه دعائمُ كانتْ ذاتَ أَوتادِ
لا من عواليهِ أبقى غيرَ ما قِصَدٍ / ولا من البيضِ أَبقى غيرَ أَغمادِ
ولا مِنَ المالِ الاَّ كل مَحْمَدَةٍ / يَشْدُو بِها الشَّربُ أَو يحدو بها الحادي
وقارحاً غيرَ التَّعْدَاءُ طَلْعَتَهُ / فليس تعرفُ الاَّ الردفَ والهَادي
وأَدْرُعاً لم يدعْ فيهِنَّ مصطَنعاً / وقعُ الاسنَّةِ أَعيتْ كلُّ زَرَّادِ
كانَ الوحيد له في كلِّ مكرُمَةٍ / زيادةٌ ما علمناها لمُزدَادِ
يَطوى كطي رداءِ العَصْبِ حُجْزَتَهُ / شَوقاً الى الحَمدِ لا شَوقاً الى الزادِ
فأينَ من كان يَفديه بمهجتِهِ / والمرءُ ليس له من يومهِ فَادِ
متى أُحَدّثْكَ عن أَدنى مَناقبِه / بغايةٍ فَعَنِ العَلياءِ اسنادي
قد كانَ عقد عُفاةٍ لا نِظام لهم / وكانَ نائُله منهم بِمِرصَادِ
فأَصبحوا فرقاً تأوى لهم خُرُقٌ / الى عيونٍ قَريحاتٍ وأكبادِ
بَشَّرْ لقاحَ بني كعبٍ بمرتِعها / بينَ الشقيقِ الى أَكنافِ سِنْدَادِ
تخيروا النقلَ والغُدرانُ مُهْمَلَةٌ / فقد أَمِنتُ عليها عَدْوَةَ العَادِي
يغْتَالُ فضلَكَ قَولي حينَ اذكرهُ / وأَينَ من عدد الترباءِ تَعْدَادي
دعوتَني وجبالُ الثلجِ مُعرِضَةٌ / والريُّ نازحةٌ من أَرضِ بَغْدادِ
لم ترضَ أَنْ أَسأَلَ الجَدوى فتبذلَها / حتى ابتدأتَ فصار الفضلُ للبادي
يا قُربَ تَعزيةٍ من بِشْرِ تهنئةٍ / وروعةٍ لم تكنْ مِنّى بميعَادِ
ما فوقَ شَقوة جَدّي شقوةٌ علمتْ / قومٌ رثوا لي وكانوا أمسِ حُسَّادي
أُضحى خلياً وأُمسي عنكَ في شُغُلٍ / لَشَدَّ ما أَسرعَ الأيام في أَأدِي
متعْ لحاظَكَ من خِلٍّ تُفَارِقُهُ / فلا أَخٌ لكَ بعدَ اليوم بالوادي
يُعطى الجزيلَ بلا وعدٍ يُسَوِّفُهُ / ولا يُعاقِبُ الاَّ بعد اِيَعادِ
فَمَنْ لخيلٍ يلفُ الطعنُ أذرعَها / غيَّبْتَ عن صَدَدٍ منها واِيْرادِ
وَمَنْ لجوعانَ لا مِنْ مَطْعَمٍ سَغبٍ / وَمَنْ لظَمآنَ لا من مَشْرَبٍ صَادِ
وَمَنْ لِحُجَّةِ خَصْمٍ لا جوابَ لَها / الاَّ بيانُك في هَدى وارشادِ
وللمعانى على الالفاظِ تَعرضُهَا / حتى تمازحَ أَرواحاً بأَجسَادِ
حسبُ المنيةِ فَخْراً أَنَّها ظَفِرَتْ / بأكملِ الخَلقِ من حضَرٍ ومن بَادِ
أَبعدَ ما كنتَ تَنهَاهَا وتَأمُرها / تنقادُ طوعاً لها يا خيرَ منقادِ
والدهرُ كالأَسَدِ الضرغامِ يا كُلُنا / أَكلَ الفَريسةِ اصلاحاً بافْسَادِ
عَسَتْ عليهِ قَنَاتى أنْ يُلَيّنَها / فمالَ يغمرُ أَعوانى وأعضادي
وكيفَ يأسي على الْفٍ يُفارقُهُ / أَبٌ تَعوَّدَ قدماً ثُكلَ أَولادِ
غاضَ الندى ونبل قلبُ الحَيا فَقَسا / على الثَّرى وخلا من أَهلِهِ النَّادي
واسْتشْعَرَ الناسُ أَنَّ الجودَ مُعْجِزَةٌ / فما يلامُ وميضُ الخُلَّبِ الغَادي
يا مَنْ تَرى كلَّ فوقٍ عينُه دُونَا
يا مَنْ تَرى كلَّ فوقٍ عينُه دُونَا / ما قلتَ للدَّهْرِ لما جَاء يَشكونَا
فانَّنَا قَدْ غَنِيْنَا عن مَطَالبهِ / وما نَرى فيه شيئاً عنكَ يُغنينَا
قالتْ عداتُك لما عِيْلَ صبرُهُمُ / لا كيدَ أَنفذُ من اقبالِهِ فينَا
بيُمن جَدِّكَ لا بالجيشِ تهزمنا / وبالسَّعَادةِ لا بالخيلِ تَغزونَا
أصبحتُ أَرحم أرحاماً بمضيعَةٍ / وكنتُ قِدماً على الأَرحامِ مأمونَا
بلِّغْ بلغتَ ملاماً أَو مُعاتبةً / أَخاً بفارس نَرميهِ ويَرمينَا
ما بالُنا بالنَّدى تُدني أَباعدنا / ولا نُقَرِبُ بالقُربى أَدانينَا
ولو تَرافدتِ الأَيدى لما وجدتْ / فينا العداةُ مساغاً حين تَبغينَا
هَلُمَّ ننسى الذي قلنا وقيلَ لنا / ولا نُواخذُ بالتقريض حَانِينَا
نكفُّ صمَّ العَوالي عن مقاتِلنا / ونجعلُ الحَدِّ منها في أَعادِينَا
لو لم يكن غيرَ أَنْ يُقتاسَ آخرُنا / بفعلِ أولنا كنا ميامينَا
دَعْ عنكَ بالغيبِ مسروراً بفُرقَتِنَا / يَوَدُّ لو بالردى قاضتْ نواعينَا
لم يَشْهَدِ الروعَ الاَّ كانَ مُعْتَزلاً / وَصَفْقَةَ البيعِ اِلاَّ كانَ مَغْبُونَا
مثلَ السِماكِ تراه رامحاً أَبداً / ولا تَرى أحداً بالرمح مطعونَا
وان أَبيتَ فانا من قوائِمها / في هضبةٍ لم تَلها غيرُ أَيدينَا
اذا تعرَّضَ بيضُ الدارعين لها / يومَ الكريهةِ كان النَّصرُ مضمونَا
وَيْبَ السيوفِ فانَّا من مَحَبَّتِهَا / نكادُ نُغمِدُها دونَ العِدى فينَا
وما لها لا تواريها حوائجُنا / وخوفُها في قلوبِ الناسِ يكفينَا
انْ كنتَ تطمعُ قسراً في خِزامتنا / قَفُدْ سُهَيلاً الى العَيوقِ مقرونَا
لولا الاباءُ وأَنَّ العجزَ منقَصَةٌ / لكانَ مَنْ يطلُبُ العَلياءَ مَجْنُونَا
سيروا الى الموتِ ريثاً أو معاجلةً / انْ نحنُ لم نلقَه فالموتُ لاقينَا
حالتْ مسالك بُصرى عن مَعَارفها / وَمَلَّتِ الخَيْلُ طاهينا وراعيَا
لعلها بعد خَفضٍ في مرابطِها / يوماً على قُصُرِ المُرّانِ تُردينَا
فينا الهمامُ الذي أَعطى السماح يداً / من جودهِ وأَعارَ المجدَ عِرنينَا
خيلٌ له ما تزالُ الدهرَ عاصفةً / بالقيروانِ وخيلٌ تنسفُ الصينَا
سارتْ اليكَ كنوزُ القومِ ثائرةً / كأَنما لك كان الملكُ مَخزونَا
أَمانةٌ خانَ فيها الرِزقُ جانبها / فما أَفادَ بها الدُّنيا ولا الدِّينَا
قدِ اعتمدتَ على مستيقظٍ فَطِنٍ / طَبِّ البَنانِ بما أَعيا مُداوينَا
مَنْ مِثلُ سابورَ للجُلى اذا نَزَلَتْ / وقيلَ لا شيءَ منكِ اليومَ يُنجينَا
لما بلوتُ رجالاً لا خلاقَ لهم / بلوتُه فوجدتُ العقلَ نوزونَا
الفاك كلُّ طِلابٍ عند غايتِهِ / مظفراً بأقاصي الأرضِ مَيمونَا
في كلِّ ليلٍ ويمٍ ذَرَّ شَارِقُه / يَزيدُكَ اللهُ اعزازاً وتمكينَا
ثقِ بالالهِ الذي جربت عادتَه / فيما هويتَ ودع عنك الأَظانينَا
فانَّما غَلبوا على مَصَارِعِهم / والحَينُ يكمُنُ في سعي الفَتى حِينَا
هلاَّ خلوتَ بعذلي يومَ تَنْصَحُني
هلاَّ خلوتَ بعذلي يومَ تَنْصَحُني / انَّ النصيحةَ بينَ القومِ تَقْرِيْعُ
أَو خِفتَ أَنْ يتعاطى فضل حُجتِه / مُبَّرءٌ عِرضُه باللومِ مَلْسُوْعُ
يجري مع الحقِ مجنوناً بِرُمَّتِهِ / والحَقُّ تابعُه في الحقِ متبُوْعُ
صنيعةً خِفتَ ان تَخفي فجئتَ بها / لقد أَضعتَ وبعضُ الحِفْظِ تَضْييْعُ
لا خيرَ في طَمَعٍ يُرزي ولا شِبَعٍ / يُطْغي وخيرُ قرينٍ منهُما الجُوْعُ
يا زفرةً قَدَحَتْ نار الهمومِ بها / انَّ الهمومَ لها في الصَّدرِ ينْبُوْعُ
قطعتَ حبلَ اِخاءٍ كان مُتَّصلاً / وكلُّ مَنْ قطعَ الاخوانَ مقطُوْعُ
تضاءلَ الدهرُ حتى ضاعَ في هممى
تضاءلَ الدهرُ حتى ضاعَ في هممى / واستفحلَ الهمُّ حتى صار من شيمي
ولو يكون سوادُ الشعر في ذممى / ما كان للشيب سلطانٌ على اللمَمِ
فالعيشُ من نِعَمى والموتُ من نقمى / وحكمةُ الفلكِ الدوارِ من حِكمِي
والحزم والعزم في الاقوام من خُلقى / كما الفصاحةُ في الاقوالِ من كَلِمَي
ما يَشبعُ الدهرُ يا هندُ ابنةَ الحكمِ / من غيرِ لحمى ولا يَرويه غيرُ دمي
ولو أَراقَ دماءَ الناسِ كلهِم / ولم يدع لهم لحماً على وضمِ
انَّ الليالى والايامَ لو علَقتْ / جرينَ في الخلقِ عن رمحى وعن قلمي
عن أَسبقِ الناسِ للاقدارِ في مَهَلٍ / منه وأكرمَ في الدنيا من الكَرَمِ
أَعلى من النجم بل أَهدى بغرته / للمهتدينَ وأَسرى منه في الظلمِ
لو يعرف الناسُ قدرى في زمانهم / صلوا لوجهيَ أَو باسوا ثَرى قَدَمي
ما زلت اعطف أَيامى فتمنُحني / نيلا أَدقَّ من المعدومِ في العدمِ
وأَستكين لها طوراً وارهبها / فلا تزيد مقالاتى على الصممِ
حتى تخوف صرفُ الدهرِ بادرتى / فرد كفى وأَما أَنْ يسُدَّ فَمي
العمر يمضى وما أَمضيت همتَه / أَأَنتَ منتبهٌ أَم أَنت في الحُلُمِ
فَوّق سهامَكَ وارمِ الناسِ عن عَرضٍ / واركبْ من الامرِ أَدناه الى الأَلَمِ
أَصبحتَ بين رجالٍ كل تجربةٍ / تضل فيهم من المستبصرِ الفَهِمِ
لا تبقِ منهم على شخصٍ ظفرتَ به / انْ كانَ رأيكَ سَلُّ السيفِ في الاممِ
أَذُمُّ كلَّ خليلٍ باتَ يحمَدُنى / أنا الذي ماله خِلٌّ سِوى النَّدمِ
وَأتَهَمَتْني المعالى في مودتها / انْ كنتُ أعرف خلقاً غيرَ متهمِ
طلبتُ صحةَ وُدِّ الناسِ واعجباً / أَمراً طلبتُ ولا يخلو من السقمِ
وليس سؤلكَ يا قلبى سِوى رَهَجٍ / تجوره من دمِ الفرسانِ بالديمِ
كَمْ كَمْ تحنُّ الى الارواحِ من ظمأٍ / وكم تَتُوقُ الى الاجسامِ من قَرمِ
ااذ منحتُ ثنياتِ اللوى كَتِفى / فابشرْ بألهوبِ نارِ الفتنةِ العرمِ
مَنْ أَحسنَ السعيَ فيما شاءَ فهو لهُ / الرزقُ بالسعي ثم الرزق بالقَسَمِ
مالى رضيتُ بقعرِ البيتِ منزلةٍ / وليسَ ترضى سيوف الهندِ عن هِمَمِي
حتى أُعيدَ الدُّجى صبحاً برونقها / وأُلبِسَ الشمسَ أَثواباً من القَتَمِ
لولاى لم تسكنِ الحياتُ من حَذَرِ / بَطْنَ الترابِ ولا الاسادُ في الأجَمِ
من للرماحِ اذا القيتُ في الرَّجمِ / ومن يُحكمُ بيضَ الهندِ في القِمَمِ
ومن تُرَوّعُ قلبَ الليل خيفَتُه / اذا رماه بحدِّ الانيق الرُسَمِ
يحملنَ كلَّ بعيدِ الهمِ مشتَرِقٍ / ينامُ دهرُكَ عنه وهو لم ينمِ
يَرمى بعزمِتهِ أَطرافَ هِمَّته / ويأخذَ الامرَ أَخذَ الموتِ بالكَظمِ
وغادةٍ تُصْحَبُ المنايا
وغادةٍ تُصْحَبُ المنايا / فيها وتُستهونُ الخُطُوبُ
حمرةُ أَجفانِها الأَماني / وَحَبُّ مسباحِها القُلُوبُ
انَّ الوفاءَ وفاءٌ لا يُغيُره
انَّ الوفاءَ وفاءٌ لا يُغيُره / صرفُ الزمانِ بادبارٍ واقبالِ
اني أُنبيكَ عن قولي وعن خُلقي / والمجدُ يعتدُّ أَقوالي بأفعالي
قد أَمقت البخلَ في كفٍّ بلا عَدَمٍ / وأَرحم الجودَ في كفٍّ بلا مالِ
جاء الشتاءُ وما عندي له عددٌ
جاء الشتاءُ وما عندي له عددٌ / الاَّ ارتعادٌ وتقريص بأَسناني
ولو قضيتُ لما قصرتَ في كَفَنِي / هبني قضيتُ فهبني بعض أَكفانِي