المجموع : 36
أرِقتُ مِن بارقٍ بالجِزْعِ لمّاعِ
أرِقتُ مِن بارقٍ بالجِزْعِ لمّاعِ / بدا فهيَّجَ أشواقي وأوجاعي
أهدَى الحنينَ وقد لاحتْ لوامِعُهُ / لمغرمٍ مِن بعادِ الحيَّ مُرْتاعِ
مصاحبُ البينِ ما تنفكُّ أينُقُهُ / مغذّةً بينَ أجراعٍ وأجزاعِ
تَعافُ أن تردَ الماءَ الجِمامَ وأنْ / ترعَى الجميمَ على خِصْبٍ واِمراعِ
في كلَّ هَجْلٍ بعيدِ القفرِ تقطعُهُ / سواهماً بينَ اِيجافٍ واِيضاعِ
تهوى بكلَّ ربيطِ الجأْشِ مُدَّرعٍ / ماضي العزيمةِ حامي العِرْضِ شرّاعِ
يحمي السوامَ إذا الأذوادُ أهملَها / رعاتُها وأناخوها بِجَعْجاعِ
مُهَمّلاتٍ غَدَتْ في كلَّ ناحيةٍ / مضاعةً لم تَصُنْها سطوةُ الراعي
يذودُ عنها العِدى يقظانَ ما اكتحلتْ / عيناهُ عمّا يراعيهِ بِتَهْجاعِ
بكلَّ أسمرَ دامي الحدَّ لَهْذَمُهُ / وكلَّ أبيضَ ماضي الغَرْبِ قَطّاعِ
مِن حولهِ غِلْمَةٌ يحمونَ جارَهُمُ / يومَ الصريخِ إذا ما ثوَّبَ الداعي
يمشونَ والموتُ قد أبدَى نواجِذَهُ / اليهِ ما بينَ سبّاقٍ وسرّاعِ
لا يعرفونَ بروداً غيرَ ما لبسوا / مِنَ الشجاعةِ أو مِنْ زَغْفِ أدراعِ
في الحربِ والسلمِ مِنْ كَرًّ ومِنْ كَرَمٍ / لم يَبْرَحوا بينَ ضرّارٍ ونفّاعِ
يا صاحِبَيَّ أعيدا ذكرَ كاظمةٍ / على فؤادٍ إلى الأحبابِ نَزّاعِ
واستنشقا نفحاتِ البانِ أن نسمتْ / بنافحٍ مِنْ عبيرِ العِقْدِ ضَوّاعِ
فثمَّ موضعُ أطرابي ومألَفُها / بلْ ثمَّ شهوةُ أبصاري وأسماعي
فلا عدا أرضَها تَسكابُ دمعيَ اِنْ / ضنَّ السحابُ بِتَهْمالٍ وتَهْماعِ
دمعٌ إذا أقلعَ الغيثُ المُلِثُ هَمَى / على المنازلِ لم يُؤْذِنْ باِقلاعِ
أرضٌ تباعدَ أهلُوها وما نَقَصَتْ / عمّا عَهِدْتُ صباباتي وأطماعي
ما هبَّتِ الريحُ إلا هِمْتُ مِنْ طَرَبٍ / إليكِ يا ظبيةَ الوَعْساءِ والقاعِ
بيني وبينكِ بيدٌ لا يُقَرَّبُها / اِلاّ عزيمةُ اِمضائي واِزماعي
فما الأناةُ ونُجْبي في معاطِنِها / سئمنَ عطلة أقتادٍ وأنساعِ
شُدَّ الرحالُ عليها فَهْيَ كافلةٌ / بالوخدِ تقريبَ ما أعيا على الساعي
عيسٌ إذا غمراتُ الآلِ طُفْنَ بها / حسبتَها منه في لُجًّ ودُفّاعِ
يطولُ باعي إذا الباغي أرادَ بها / سوءاً ويَقْصُرُ عن نيلِ الخَنا باعي
تُحْمَى بأشوسَ ضرّابٍ بصارمِهِ / مفارقَ الصَّيدِ شرّابٍ بأنقاعِ
لا يعرِفُ الأمنَ إلا أن تراهُ على / أَقَبَّ نحوَ قِراعِ البيضِ مُنْصاعِ
تسري بذمَّتِهِ في مَهْمَهٍ قَذَفٍ / خُوصٌ تَدافَعُ في كُثْبٍ وأجراعِ
خِرْقٍ هُمامٍ كحدَّ السيفِ مُنْصَلِتٍ / مُشَيَّعٍ لِثنايا المَجْدِ طَلاّعِ
لاترضَ وجدَكَ في أهلِ الهوى وَسَطا
لاترضَ وجدَكَ في أهلِ الهوى وَسَطا / فأعْذَبُ الحبِّ ما غالبتَهُ وسَطا
وجدٌ تركتُ عِتاقَ النُّجبِ لاغبهً / لأجلهِ تقطع الِغيطانَ والغُوَطا
نأَى الخليطُولولا البينُ لم يَزُرِ / المشيبُ رأسيولوا الهجرُ ما وَخَطَا
أشتاقُ دارَهمُ والدارُ جامعةٌ / أيامَ كنتُ بطيبِ الوصلِ مُغتَبِطا
سقَى الديارَ حَيا عينيَّ مُبجِساً / يَروي المنازلَ والالأفَ والخُلَطا
كانوا فبانواكأنَّ الدهرَ عاندَني / عليهمُأو بجمعِ الشملِ قد غَلِطا
هاتيكَ دارُهمُ يا ناقتي فَخِدي / كالهَيْقِ لا قَصُرَتْ في البيدِ منكِ خُطا
شَكَتْ وَجاها فلولا صحبةٌ سبقتْ / تركتُها فوقَ أعناقِ الحُداةِ تَطا
مازلتُ بعدَهمُ بالصبرِ معتصماً / اِنَّ اللبيبَ غدا بالصبرِ مُرتبِطا
عَدِمْتُ مذ نزحوا نومي فلا عَجَبٌ / اِنْ شَطَّ نوميَ أو أن سامني شَطَطا
هنَّ الغواني يُهيِّجنَ الشجونَ اِذا / سحبنَ مِن فوقِ وجهِ الروضةِ الرِّبطا
هَيَّمنني فاذلتُ الدمعَ مِنَ وَلَهٍ / وكم نَضا الدمعُ سِتراً للهوى وغِطا
ما كنتُ أوَّلَ مَنْ لم يُعْطَ مأرُبَةً / في وجدِهِ أن أهواءَ النفوسِ عَطا
حَظٌّ تنوَّلَه واِنْ قَرُبَ المزار ما / بين من يهوون أو شحِطا
فلستُ مِمَّنْ بِعادُ الدهرِ يُسخِطُه / اِنَّ الأكارمَ لم يَستَحسِنوا السَّخَطا
كم دونَ مسراكَ مِن بيدٍ وأخطارِ
كم دونَ مسراكَ مِن بيدٍ وأخطارِ / ومِن أصَمَّ صليبِ الكعبِ خطّارِ
في كفَّ أروعَ دامي الظُّفْرِ مُنْصَلِتٍ / رَحْبِ الذَّراعِ على الأهوالِ صبّارِ
مُشَيَّعٍ هبواتُ النقعِ تستُره / أضحتْ له كعرينِ الضيغمِ الضاري
حُرًّ يسيرُ إلى الحربِ العوانِ وقد / أبدتْ نواجذَها ما بينَ أحرارِ
حُمْسٍ برودُهمُ الزغَّفُ الَّلاصُ اِذا / أمستْ برودُ أُناسٍ سُحْقَ أطمارِ
يلقى الأسودَ بآسادٍ غَطارِفَةٍ / في جَحْفَلٍ لَجِبٍ كالسَّيلِ جَرّارِ
ما فيهمُ في مجالِ الكرَّ غيرُ أخي / بأسٍ على صَهَواتِ الخيلِ كرّارِ
يا خافقَ القلبِ لمّا شامَ بارقةً / في حِندسِ الليلِ تبدو ذاتَ أنوارِ
لم يدرِ عن أيَّ أرضٍ لاحَ مومِضُها / تحتَ الدُّجُنَّةِ لمّا لاحَ يا حارِ
شِمْ ثغرَ سُعدى فقد حيّاكَ بارِقُهُ / ليلاً ودعْ عنكَ شَيْمَ البارقِ الساري
وعاذلٍ قلتُ لمّا لامني سَفَهاً / له أتؤثرُ بالتعنيفِ أِقصاري
لا تلْحَني أن همتْ عينايَ مَن أَسَفٍ / على مرابعِ أوطاني وأوطاري
أضحى الأقاحيُّ مفتّراً بعرْصَتِها / لمّا تحدَّرَ فيها دمعيَ الجاري
تلك الديارُ سقىَ الوسميُّ ساحتَها / مِن جفنِ كلَّ مُلِثَّ القطرِ مِدرارِ
منازلٌ كنتُ أحيانَ الشبابِ بها / أختالُ بينَ قَماريًّ وأقمارِ
أجرُّ فضلَ ذيولِ اللهوِ مِن مرحٍ / في روضةٍ أُنُفٍ غَنّاَء مِعْطارِ
تأرجتْ برياحِ الوصلِ ساحتُها / كأنَّما فُتَّ فيها فأْرُ عطّارِ
فمَنْ يعيدُ لياليَّ التي سَلَفَتْ / لذيذةً بأُصيحابي وسُماري
أعدْ حديثَ الهوى يا مَنْ يحدَّثُني / عنه ألذَّ أحاديثٍ وأسمارِ
ما كنتُ لولا نوى الأحبابِ / ذا شَرَقٍ بالدمعِ جوّابَ آفاقٍ وأمصارِ
أحثُّ كلَّ عَفَرناةٍ هَمَلَّعَةٍ / مَوّارةٍ وأمونِ السيرِ مَوّارِ
في مهمهٍ قَذَفٍ أُمسي وأُصبحُ في / أرجائِه حِلْفَ أقتادٍ وأكوارِ
اِذا قطعتُ بها يَهْماءَ مُقْفِرَةٍ / بدتْ لديَّ موامٍ ذاتُ أقفارِ
تثني الجرانَ إلى المشتاقِ شاكيةً / مُرَدَّداً بينَ اِخفاء واِظهارِ
تختبُّ فيهنَّ بي كالهَيْقِ معنِقةً / مِن فوقِها نضوُ أزماعٍ وأسفارِ
مرَّتْ به في عُبابِ الآلِ سابحةً / كأنَّها منه في لُجًّ وتيّارِ
تنحو الأحبَّةَ لمّا أن نأتْ بهمُ / نُجْبٌ تسابقُ منها كلَّ طيّارِ
نأوا فلولا المنى ما عشتُ بعدَهمُ / وكم أعيشُ على وعدٍ وانظارِ
وما تدرَّعتُ أدراعاً مضاعفةً / للصبرِ إلا وعفّاهنَّ تَذكاري
تذكُّراً لزمانٍ فاتَ فارطُه / وطيبِ أوقاتِ آصالي وأسحاري
قد كانَ فيهنَّ لو دامتْ بشاشتُها / للصبَّ لذَّةُ أسماعٍ وأبصارِ
وقفتُ في الدارِ مِن بعدِ الخليطِ وقد / أقوتْ معاهِدُها مِن ساكني الدارِ
أكفكِفُ الدمعَ خوفَ الكاشحينَ على / مواطنٍ أقفرتْ منهمْ وآثارِ
دعني من اللومِ يا مَنْ لامني سفهاً / فما يفيدُكَ تعنيفي وانذاري
الدارُ دارُ أحبائي الذين مَضَوا / والوجدُ وجديَ والأفكارُ أفكاري
فما الوقوفُ إذا استثبتُّ معلمها / عليَّ في رسمِها العاري مِنَ العارِ
فكم سكبتُ على الأطلالِ مِن كَمَدٍ / دمعاً ألثَّ على تربٍ وأحجارِ
وبتُّ أرتاحُ أن هبَّتْ يمانيةٌ / تسري مِنَ الليلِ في بحرٍ مِنَ القارِ
لعلَّها عنهمُ بالقربِ تُخبِرُني / وأنْ تُسِرَّ بذكرِ الوصلِ أسراري
آثرتُ عودَهمُ مِن بعدِ ما ذهبوا / يا بُعدَ مَطْرَحِ أهوائي واِيثاري
لم يبقَ بعدَ رحيلِ الحيَّ مِن اِضَمٍ / اِلا تذكُّرُ أنباءٍ وأخبارِ
مذْ بانَ بانتْ لذاذاتي وهذَّبَني / دهري وقدَّمتُ دونَ اللهوِ أعذاري
فليس لي موئلٌ أن شفَّني وَلَهٌ / اِلاّ ترنُّمُ أغزالي وأشعاري
اذا تناشدَها الركبانُ أثملَهمْ / لفظٌ لأبرعِ نظّامٍ ونثّارِ
فمَنْ يساجِلُني فيها وأينَ له / منها عذوبةُ اِبرادي واِصداري
فكم خناذيذِ أشعارٍ سبقتُهمُ / سبقَ الجوادِ بها في كلَّ مضمارِ
بارَوا قريضي فبارُوا بالذي نظمتْ / قرائحي مِن كلامٍ غيرِ خوّارِ
ذابوا لديهِ كما ذاب الرَّصاصُ اِذا / رفَّعتَه حينَ تبلوه على النارِ
مِن أينَ للغابطِيْ فضلي واِنْ كَثُروا / كمثلِ عُوني إذا تُجلى وأبكاري
تُجلى فتشغِفُهْم منها بدائعُها / حسناً واِنْ جَهِلوا علمي ومقداري
فُيذعِنونَ إذا ما هزَّهم غزلي / هزَّ النسيمِ فروعَ البانِ والغارِ
دعني مِنَ العذلِ يا مَنْ باتَ يلحاني
دعني مِنَ العذلِ يا مَنْ باتَ يلحاني / فليس عذلُكَ مِن دأْبي ولا شاني
هيهاتَ يسمعُ منكَ العذلَ مكتئبٌ / مقسمٌ بينَ أفكارٍ وأشجانِ
القلبُ قلبي إذا ما شفَّني وَلَهٌ / والدمعُ دمعيَ والأحزانُ أحزاني
ما كنتُ لولا بِعادُ الحيَّ ذا جَزَعٍ / أَذري الدموعَ على نُؤْي وأوطانِ
بانَ الأحبَّةُ عن تلكَ الديارِ فقد / وزَّعتُه بينَ أطلالٍ وخُلانِ
مَرادُ لهوِ الصَّبا أقوتْ معالِمُه / بعدَ النضارةِ مِن أهلٍ وجيرانِ
ما كنتُ لولا النوى والبينُ أسأل / أطلالاً عفتْ من أحبّاءٍ وسكّانِ
لولاكِ يا ظبيةَ الوعساءِ لم أجُبِ / الظلامَ بينَ أهاضيبٍ وكثبانِ
ولا تركتُ المطايا في أزِمَّتِها / تحكي الأزمَّةَ في بيدٍ وغيظانِ
تَخُبُّ في الهَجْلِ كالارسانِ معنِقةً / مِن فوقِهنَّ مهازيلٌ كأرسانِ
أضناهمُ الوجدُ والاِرقالُ فوق مَطا / المطيَّ يا بؤسَ أجمالٍ وركبانِ
جفوا لذيذَ الحشايا في غوارِبها / فبدَّلوها بأحلاسٍ وكيرانِ
مالي وللريحِ بعدَ البعدِ ما نفحتْ / عليَّ بالطيبِ من نُعمٍ ونُعمانِ
مرَّتْ عليه وقد جرَّتْ ذلاذِلَها / فطابَ ما فيه مِن شيحٍ وحَوْذانِ
قد كنتُ أعهدُها عنها تُخَبَّرُني / بما أُحِبُّ وبالأسرارِ تلقاني
عَرْفٌ عَرَفْتُ به الأرواحَ تُتحَفُني / عن مُنحنى الجِزعِ أو عن ظبيةِ البانِ
طالَ الزمانُ فهبَّت بعدَ آونةٍ / نحوي فأنكرتُها مِن بعدِ عِرفاني
حالَ التفرُّقُ ما بيني وبينَهمُ / والموتُ والبعدُ بعدَ القربِ سِيّانِ
سقَى زمانَ التداني كلُّ مُنبعِقٍ / مُتْعَنْجرِ الودَقِ هامي المزنِ هتّانِ
أوقاتُ لهوٍ حميداتٌ سَعِدْتُ بها / بفاترِ الجفنِ ساجي اللحظِ فتّانِ
نأى فأدناهُ منّي الذكرُ حينَ نأى / نفسي الفداُ لذاكَ النازحِ الداني
صفا بهِ العيشُ حيناً ثمَّ كدَّره / بِعادُه عن محبًّ صبرُه فاني
فعادَ لمّا تمادَى البعدُ وانفصمتْ / عُرى الوصالِ بقلبٍ منه حرّانِ
قد كانَ يَسكَرُ مِن ريقٍ له عَطِرٍ / وقهوةٍ بينَ ناياتٍ وعيدانِ
فهل يُفيقُ فتىً يُمسي ويُصبحُ بينَ / العاشقينَ له في الوجدِ سُكرانِ
مشرَّدُ النومِ أجرى البينُ أدمعه / كأنّما فاضَ مِن عينيهِ عينانِ
يبكي إذا غرَّدتْ ورقاءُ مِن طربٍ / قبلَ الصباحِ على أعطافِ أغصانِ
تَهِيجُ بالنوحِ أشجاناً محرَّقةً / لقلبِ صبًّ إلى الحنّانِ حنّانِ
باتتْ تؤجَّجُ بالتغريدِ نارَ هوىً / تضرَّمتْ في فؤاد المغرمِ العاني
للهِ ماذا على الباناتِ يُذْكِرُني / الأهواءَ مِن طيبِ أسجاعٍ وألحانِ
ماذا تسائلُ مِن نُؤْيٍ وأوتادِ
ماذا تسائلُ مِن نُؤْيٍ وأوتادِ / ومِن رسومٍ محاها الرائحُ الغادي
معاهدٌ درسْتها كلُّ غاديةٍ / وكلُّ أوطفَ داني المزنِ مِرْعادِ
خلتْ ملاعِبُها مِن كلَّ غانيةٍ / وجدي عليها واِنْ أخفيتُه بادي
قد كنتُ فيها قريرَ العينِ مبتهجاً / بالقربِ أسحبُ فيها فضلَ أبرادي
حتى نأتْ فنأتْ تلكَ البشاشةُ عن / تلكَ المواطنِ لمّا أقفرَ النادي
أقوى مِنَ الظَبَياتِ الآنساتِ بهِ / ترنو وتعطو بأحداقٍ وأجيادِ
وكلَّ هيفاءَ يُبدي البدرُ طلعتَها / وكلَّ أهيفَ مثلِ الغصنِ ميّادِ
صدتْ فأمسيتُ ظمآناً إلى شَبِمٍ / قد كانَ يشفي غليلَ الوالهِ الصادي
فحبّذا زمنٌ كانتْ تزورُ بهِ / مغناىَ مِن غيرِ تسويفٍ وميعادِ
حالتْ ومَن ذا الذي تبقى مواثِقُه / سليمةً مِن تصاريفٍ وأنكادِ
ضنتْ بقربي وقد كانتْ تجودُ بهِ / تَبَرُّعاً قبلَ اِقصائي واِبعادي
حتى الخيالُ وقد كانَ الجوادُ بما / يُهديهِ مِن زَوْرِ اِسعافٍ واِسعادِ
قد ضنَّ بخلاً بما قد كانَ يمنحُني / بهِ إلى أن غدا مِن بعضِ حُسادي
فاليومَ لم يُبقِ لي ذاكَ الزمانُ سِوى / كلومِ قلبٍ بذكرى ذاتِ اِبلادِ
أشكو الغرامَ وتَكْرارَ الملامِ فقد / ملَّ الشكايةَ خُلْصاني وعُوّادي
يا مربعاً قبلَ أن تنأى جآذِرُه / قد كانَ مألَفَ اِصداري واِيرادي
قد كان رادُ الضحى يُصبى كلاكَ اِذا / رأتْه أعينُ نظّارٍ ورّوادِ
يُروَى الجميمُ بما تُهدي الجِمامُ فكم / مرأىً يروقُ لرّوادٍ وورّادِ
فكيف صوَّحَ روضٌ كانَ ربربُه / لم يخشَ سطوةَ ليثِ الغابةِ العادي
تغيَّرَ الدهرُ عمّا كانَ ماطلَه / بهِ فبدَّلَ اِصلاحاً باِفسادِ
سقاكَ مندفقُ الشؤبوبِ منبعِقٌ / تغصُّ بالماءِ منه جَلْهةُ الوادي
فاِنَّ دمعي الذي قد كنتَ تعهدُه / لم يُبْقِ منه النوى فضلاً لمُزدادِ
في كلَّ يومٍ أرى الأضعانَ سائقةً / والعيسَ يزجرُ في اعقابِها الحادي
يقطعنَ كلَّ بعيدِ الدوَّ مُنْخَرَقٍ / على وَجاها إذا ما رجَّعَ الشادي
مِيلَ الرؤوسِ إذا ما السَّهبُ مُد َّلها / أنحتْ عليهِ بأعناقٍ وأعضادِ
تنحو الشسيعَ واِنْ كانتْ مهزَّلَةً / تستنُّ ما بينَ أنقاءٍ وأعقادِ
يا صاحبيَّ لقد طالَ الفراقُ وقد / سئمتُ صحبةَ أقتادٍ وأكنادِ
يأبى هوايَ وقد أوهَى قُوى جَلَدي / ألاّ يراني اليه غيرَ منقادِ
اِذا تعرَّضَ ذكرُ الحبَّ نازَعَني / قلبٌ أطالَ إلى الآطلالِ تردادي
سارَ الأحبَّةُ عن أرجاءِ كاظمةٍ / ووكَّلوني باِتهامٍ واِنجادِ
ملَّ النهارُ وقد سارت حمولته / والليل كثرة تأويبي واسآدي
ليبجحِ الدهرُ لمّا ردَّني جَزِعاً
ليبجحِ الدهرُ لمّا ردَّني جَزِعاً / وكنتُ جَلْداً على احداثهِ مَصِعا
لا أستكينُ إذا ما الخَطْبُ فاجأَني / ولا ألينُ إذا مكروهُهُ صَدَعا
أُريهِ منّي إذا ما هاجَني أسداً / صعبَ العريكةِ لللأْواءِ ما خَضَعا
حتى رماني بما لو أن أيسرَه / يُرمى به البدرُ ما وافىَ ولا طَلَعا
بفادحٍ مِن خطوبِ الدهرِ أوقفني / في موقفٍ لذتُ فيه بالبكا ضَرِعا
وهلانَ ولهانَ ما أنفكُ منتحباً / مِن فرقةٍ أورثَتْني الهمَّ والهَلَعا
لمّا تسدَّدَ سهمُ الموتِ منتحياً / قومي ولم يرمِ عن قوسٍ ولا نَزَعا
أعادَني وربوعُ الأُنسِ خاليةٌ / فيهنَّ أسكبُ دمعاً قلما نقعا
تجودُ عينايَ فيها بالبكاءِ أسىً / بوبلِ دمعٍ غليلَ الحُزْنِ ما نَقَعا
جنبٌ جفا بعد أن بانوا / حشيَّتَهُ وبعدَما جرَّعوه دمعَه جُرَعا
وناظِرٌ بعدَما ولَّى أحِبَّتُه / لم يَطْعَمِ الغُمْضَ مِن حزنٍ ولا هَجَعا
عهدي به وزمانُ الوصلِ ملتئمٌ / جذلاَنُ ما عرفَ البلوى ولا دَمَعا
واليومَ يسفحُ فيها الدمعَ مِن حُرَقٍ / على زمانِهمُ يا ليتَه رَجَعا
يبكي الديارَوهل يشفي أخا كَمَدٍ / دمعٌ تَدافعَ في أرجائها دُفَعا
كأنَّما كانَ ذاكَ العيشُ في سِنَةٍ / رأيتُه وغرابُ البينِ ما وَقَعا
صاحَ الغرابُ بمَنْ فيهنَّ فابتدروا / الى الَمنونِ عِجالاً نحوهِ شَيعا
كأنَّما لم يكنْ في الناسِ غيرُهمٌ / خَلْقٌ يُجيبُ إذا داعي المماتِ دَعا
عَجِبْتُ منَّي ومِن قلبي وقد رحلوا / لامُتُّ بعدَهمُ همَّاً ولا انصَدَعا
هذا فؤادُ أراني فضلَ قسوَتِه / لا كنتُ أن لم اُعِدْهُ للنوى مِزَعا
لِمْ لا تَقَطَّعُ بعدَ البينِ مِن حَزَنٍ / حتى تحدَّرَ مِن أهوالِه قِطَعا
في كلِّ يومٍ أرى في التُّربِ مُتكَأً / لِمَنْ أَوَدُّ وفي الأجداثِ مُضطَجَعا
ماذا جزاؤهمُ منّي اعاينهمْ / صَرْعَى ولم أقضِ اِشفاقاً ولا جَزَعا
ليس البكاءْ واِنْ أكثرتُ يُقنِعُني / ما يعرفُ الفقدَ والحزانَ مَنْ قَنِعا
ابيتُ مِن ذكرِ ما قد نالني قَلِقاً / حتى يقولَ الخليُّ القلبِ قد لُسِعا
قد كانَ عوَّدَني دهري إذا عثرتْ / رجلي سريعاَ بأنْ ينتاشَني بِلَعا
فكيفَ نكَّبَ عنّي عِطفَه حَنَقاً / كأنَّه ما راى حُزني ولا سَمِعا
يا أمتّاهُ وكم في الناسِ من رجلٍ / مِثلي يكابدُ مِن أحزانهِ وَجَعا
مرزءٍ ذاقَ طعمَ الثُّكلِ منذَهِلٍ / مثلي تجرَّعَ منه الصَّابَ والسَّلعا
لولاهمُ لقتلتُ النفسَ مِن شَجَنٍ / عليكِ أو لذممتُ الأزلمَ الجَذَعا
سقى ضريحكِ مِن عينَّي منبجِسٌ / اِنْ أمسكَ القَطرُ عن تَسكابهِ هَمَعا
فِانَّ دمعي بسُقيا تربِه قَمِنٌ / سَقَى زمانكِ هَطّالُ الحيا ورَعَى
دمعٌ يفيضُ وأحشاءٌ مُقَلْقَلَةٌ / اِذا الحمامُ على بانِ النقا سَجَعا
آليتُ ما هتفتْ ورقاءُ في فَنَنٍ / ولا تأَلَّقَ برقُ المزنِ أو لَمَعا
اِلاّ ذكرتُ زماناً كانَ يجمعُنا / والدهرُ بالأهلِ والأُلاّفِ ما وَلَعا
فهل أُرجيَّ لعيشٍ فاتَ فارِطُه / مِن بعدِ ما ذهبَ الحبابُ مُرتجَعا
هيهاتَ لم يبقَ إلا الحزنُ بعدَهمُ / يزيدُني فرطَ همًّ كلَّما شَسَعا
أعيا العواذلَ ما عندي مِنَ الَكلَفِ
أعيا العواذلَ ما عندي مِنَ الَكلَفِ / فيا خيولَهمُ دونَ المرامِ قِفي
يكلِّفُ القلبَ غيرَ عادتِه / مِنَ السلوِّ فوا لهفي مِنَ الُكَلفِ
يا عاذليَّ وِانْ ردَّدْتُما عَذَلي / فليس يُغنيكما ما فيه مِنَ سَرَفِ
ما تحصلانِ على حالٍ يسُّركُما / مما تُجِدّانِ من لومٍ ومن عَنَفِ
ما ينفعُ العذلُ والاحبابُ قد رحلوا / عن مُنحني أجرَعِ الصَّمَّانِ والنَّجَفِ
كانَ الزمانُ بهمْ والعيشُ مبتهجٌ / حتى جَزَعنَ رمالَ المهمهِ القَذَفِ
بانوا بكلِّ رداحٍ كالقضيبِ اِذا / ماستْ أغارتْ غصونَ البانِ بالهَيَفِ
تَظَلُّ ترتعُ عيني في محاسِنها / كأنَّما رَتَعَتْ في روضةٍ أُنُفِ
غراءُ بَهنانةٌ لمياءُ بَهْكَنَةٌ / تميلُ بينَ دَلالِ التَّيهِ والتَّرَفِ
كُفَّي لِحاظَكِ يا ذاتَ الوشاحِ فقد / أصبتِ منَّي مكانَ الوَجْدِ والشَّغَفِ
أصبتِ مني مكاناً أنتِ ساكنةٌ / فيه ومُسْتَوْطَنَ الأشواقِ والأسَفِ
لم تُغنِني السابريّات الدَلامُى وما / تَخِذْتُ مِن جُنَنٍ تَحمي ومِن حَجَفِ
ما زلتُ بالعهدِ قبلَ البينِ مُعْتَصِماً / فكيفَ بالعهدِ بعدَ البينِ ليس يَفِي
نأتْ فغيَّرها طولُ البِعادِ وما / رعتْ هوايَ ولا ودَّي ولا شَغَفي
اِذا ذكَّرتُ أوقاتي ولذَّتَها / بها ألوذُ بفضلِ الأدمُعِ الذُّرُفِ
يا أدمعي ن حدَّثي بعدَ الفراقِ بما / عندي ونُمَّي بأسرارِ الهوى وصِفي
قد كنتُ أكتُمُه والشملُ مؤتِلفٌ / واليومَ اصبحَ شملي غيرَ مؤتِلفِ
هل بعدَ أن بانَ أحبابي وبدَّلني / بُعدُ الحبائبِ ذاكَ القربَ بالشَّظَفِ
والعيسُ قد ثورَّت للبينِ حاملةً / تلكَ الهوادجَ في داجٍ مِنَ السَّدَفِ
يصونهنَّ عنِ الأبصارِ قاطبةً / وغيرُ بِدْعٍ حلولُ الدرَّ في الصَّدَفِ
يُعيدُهنَّ على رغمِ الرقيبِ كما / قد كنتُ أعهدُ وخدُ الأينقِ الخُنُفِ
تسري بكلَّ ربيطِ الجأْشِ مُدَّرِعٍ / عزماً أعادَ المطايا الخوصَ في كَنَفِ
كم فدفدٍ قَطَعَتْهُ وهي لاغِبةٌ / عُجْفٌ فللّهِ عزمُ اللُّغَّبِ والعُجُفِ
اِنْ فاتَها الوِردُ لم تَصْعَرْ اليهِ اِذا / تباعدَ المرتمى مِن شِدَّةِ الأَنَفِ
سارَ الأحبَّةُ عن أرجاِ كاظمةٍ / فكم طريحٍ على آثارِهمْ سَهِفِ
لو كانَ يومُ النوى والعيسُ سائرةٌ / وكلُّ صبَّ مِنَ التفريقِ في جَنَفِ
لم تلقَ غيرَ حشاً للبينِ مُضْطَرِبٍ / ومدمعٍ مِنْ اتيَّ الدمعِ مُغْترفِ
ومُدْنَفٍ ضَلَّ عنه الرشدُ حين نأى / عنه الخليطُ فمَنْ للهائمِ الدَّنِفِ
يُذكي صباباتِه تَذكارُ قربِهمُ / اِنَّ ادَّكارهمُ عونٌ على التَلَفِ
لم ينسَ لذةَ ما قد عُلَّ من شَنَبٍ / أحببْ بذلكَ مِن خمرٍ لمرتشفِ
لا باركَ اللهُ في يومِ الفراقِ فكم
لا باركَ اللهُ في يومِ الفراقِ فكم / أجرى دموعاً على الخدَّينِ تنهمرُ
اليومُ عامٌ إذا الأحبابُ لم أرهمْ / والشهرُ دهرٌ وساعاتُ النوى عُمُرُ
ماذا الوقوفُ وقد بانوا على الطلل
ماذا الوقوفُ وقد بانوا على الطلل / الاّ اشتياقٌ إلى أيامِكَ الأُوَلِ
أبلاكَ بعدَ رحيلِ الحيِّ عنهُ بما / يُبليكَ مِن ذِكَرٍ بعد النوى وبلي
ووافقتكَ الأماني وهي باطلةٌ / بعدَ الفراقِ على التشبيبِ والغزلِ
أكلَّما بانَ حَيٌّ عن مرابعِه / تبكي بدمعٍ مِنَ التَّرحالِ منهملِ
وكلَّما أومضتْ في الجوِّ بارقةٌ / قابلتَ مشتعِلاً منها بمشتعِلِ
فلستَ تنفكُّ ذا نارٍ يضرِّمُها / برقٌ ودمعٌ على آثارِ مُرتحِلِ
مغرًى بتسآلِ أطلالٍ تحيفَّهَا / مرُّ الرياحِ وصَوْبُ العارضِ الهَطِلِ
ومستهاماً بأقمارٍ مغاربُها / بينَ السُّجوفِ سُجُوفِ الوشي والكُلَلِ
مِن كلِّ هيفاءَ ما مالتْ ولا خطرتْ / اِلاّ أغارتْ غصونَ البانِ بالمَيَلِ
ولا رمتْ بسهامِ المقلتينِ حشاً / اِلاّ استطيشتْ نبالُ الحيِّ مِن ثُعَلِ
ترمي فتُصمي واِنْ لم تَنْكِ أسهمُها / جَلْدَ الرميَّةِ أن الفخرَ للمقلِ
أقولُ والركبُ قد أعياهمُ سَهَري / فوقَ الرِّحالِ على المُهْريّة الذُّلُلِ
أسري عليهنَّ لايعتادُني مَذَلَ / وليس بالخِرْقِ مَنْ يُعزى إلى المَذَلِ
مالي وللربعِ قد أقوتْ معالِمُه / بعدَ الخليطِ وما للهاتفاتِ ولي
بانتْ أوانسُه عنه وبدَّلَهُ / بعدَ التحلّي بهنَّ الدهرُ بالعَطَلِ
وأذ كَرتَني زماناٌ بانَ منفصِلاً / عنّي ووجدي عليه غيرُ منفصِلِ
رعايةً أندبُ الأطلالَ دارسةً / لعهدِهنَّ وأنحوهنَّ بالاِبِلِ
وفي الوقوفِ إذا حيَّيتُ أرسمَها / معنىً تولَّدَ بينَ الحُزنِ والجَذَلِ
حتى كأنَّ ليالي الوصلِ ما برحتْ / اوقاتُها وزمانَ البُعدِ لم يَزُلِ
وروضةٍ قد سقَى أزهارَها عَلَلاً / ماءٌ تقطَّعَ بينَ النَّوْرِ والنَّفَلِ
مالتْ عليها غصونُ البانِ مونعةً / خُضْراً مطارِفُها مِن ادمُعِ الطَّفَلِ
روَّى أقاحيَّها ماءُ الغمامِ وقد / امسى يَرِفُّ على خِيرِيِّها الخَضِلِ
تميلُ مِن نسماتِ الريحِ نافحةً / نَشوى الهبوبِ كميلِ الشاربِ الثَّمِلِ
سرَّحتُ أسودَ طرفي في خمائِلها / والشمسُ رافلةٌ في حُلَّةِ الأصُلِ
فما اطَّباني مرآها وقد نزحتْ / عنها الظباءُ ذواتْ الأعينِ النُّجُلِ
هِيفُ القدودِ إذا ما الدَّلُ رنَّحَها / لاحَ الخمولُ على العسّالةٍ الذُّبُلِ
بُدِّلتُ بالهجرِ بعدَ الوصلِ فاندفعتْ / عينايَ تهمي على التعويضِ والبَدَلِ
فما الحياةُ واِنْ أمستْ مساعِفَةً / اِلاّ اِذابِتُّ مِن وصلٍ على أمَلِ
فلا تلُمني على وجدي الوشاةُ فما / وقفتُ سمغي على التعنيفِ والعَذَلِ
حالَ الزمانُ وحالَ العيدُ وانفصمتْ / عُرى الوصالِ وحالي فيه لم يَحُلِ
بانوا وبانَ لذيذُ العيشِ مذ بانوا
بانوا وبانَ لذيذُ العيشِ مذ بانوا / فلي وللدمعِ مِن بعدَ النوى شانُ
للّهِ كم غادَروا في الربعِ بعدَهمُ / مضنىً له مِن أتيِّ الدمعِ غُدْرنُ
يشتاقُ نُعماً ونعماناً وبغيتُه / على تنائيهما نُعْمُ ونُعمانُ
هيهاتَ مالي وقد سارت مودِّعَةً / قلبٌ إلى أبرُقِ الحنّانِ حَنّانُ
لا خيرَ في الربعِ تُصبيني ملاعبُه / حسناً إذا لم يكنْ في الربعِ سكّانُ
ما الدارُ مِن بعدِها داري ولو ملأتْ / عَيني رُواءٌ ولا الأوطانُ أوطانُ
قد كنتُ أصبو اليها وهي آهلَةٌ / بها وجيرانُ ذاكَ الحيِّ جيرانُ
سقَّى زمانَ التلاقي صيِّبٌ غَدِقٌ / مزمجرُ الرعدِ داني السحبِ هتّانُ
زمانَ أنسٍ قطعناهُ بعرصتِها / والدهرُ مبتسِمٌ والوقتُ جذلانُ
والغانياتُ إذا ما شئتُ ساعدَني / منهنَّ حسنٌ على وجدي واِحسانُ
فيهنَّ حاليةٌ بالحسن خاليةٌ / مما اغتدى منهُ قلبي وهو ملآنُ
كأنَّما غازلَتْني مِن لواحِظها / عندَ التغازلِ آرامٌ وغِزلانُ
مِنَ البدورِ اللواتي قد كَمُلْنَ فما / يَطرأ عليهنَّ كالأقمارِ نقصانُ
هيفُ القدودِ إذا مالَ الدلالُ بها / وسُكُره غارَفي أوطانهِ البانُ
مِن كلِّ دعجاءَ قنواءِ اللثامِ لها / لحظٌ بقلبيَ فتاكُ وفتانُ
حلَّتْ بنجدٍ فأضحى وهو مِن أرَبي / اِذا اطّبى الناسَ أوطانٌ وبلدانُ
سارتْ بها سَحَراً عن أرضِ كاظمةٍ / نجائبٌ ثُوِّرتْ عنها وأظعانُ
كأنِّها وَهْيَ في الأرسانِ ناحلةً / وقد ترامتْ تؤمُّ الجِزعَ أرسانُ
وفي البُرِينَ وقد راحتْ على عجلٍ / تسابقُ الريحَ في الموماةِ ظِلمانُ
تنكبتْ قُلَلَ الأعلامِ مِن أجاً / وشاقَها دونَه سَلْعٌ وعُفانُ
ثمَّ انبرتْ تتهادى في أزمَّتِها / لم يُثنِها دونَه رمْثٌ وحَوْذانُ
يا هندُ لم أنسَ يوَم البينِ موقفنا / والتربَ مِن عبراتي وهو ريّانُ
والعيشُ مُحْدَجةٌ تبغي الرحيلَ وما / طارتْ ولا ذعِرَتْ لليلِ غرِيانُ
وموقفُ البينِ لا ينساه ذو شَجَنٍ / حرانُ مِن وَلَهِ التفريقِ حيرانُ
أحباَبنا أن أطالَ الليلُ شقَّتَهُ / وحالَ دونكمُ بيدٌ وغِطانُ
لا تبعثوا لي سلاماً في النسيمِ فلي / قلبٌ كما عَهِدَ الأحبابُ غيرانُ
يبيتُ بينَ ضلوعي كلّما نفحتْ / صباً تمر عليكم وهو خَشيانُ
وفي الخدورِ التي صانتْ جمالكَمُ / عنِ النواظرِ قُضبانٌ وكُثبانُ
أمسْت تَحُفُّ بها والظعنُ سائرةٌ / بيضٌ مجرَّدَةٌ تَدْمَى وخِرصانُ
يا صاحبيَّ ولولا الوجدُ ما حفزتْ / عَنْسي على الأينِ للحاديَن ألحانُ
قد كانَ للطيفِ لودامتْ زيارتُهُ / نحوى إذا نمتُ اِلمامٌ وغشيانُ
أيامَ كانَ أحبائي الذين نأوا / على عهودِ الوفا مثلي كما كانوا
ما خنتُ عهدَهمُ كلاّ ولا خطرتْ / ليَ الخيانةُ في بالٍ ولا خانوا
واليومُ أصبحَ حظي وهو بعدَهمُ / مِن طولِ وصلِهمُ مَطْلٌ وليّانُ
ما مرَّ في خَلَدي للراحلينَ وقد / مَلُّوا ومالوا على الِعلاّتِ سُلوانُ
ولا لذكرِ لياليَّ التي ذهبتْ / حميدةً بأهَيْلِ الحيِّ نِسيانُ
ما لم تزوروا فالمامُ الكرى زورُ
ما لم تزوروا فالمامُ الكرى زورُ / أنَّى وقد صاحَ حادي عيسكمْ سيروا
سرتمْ فكم حنَّ مشغوفٌ بكم دَنِفٌ / في الربعِ حُزناً وكم قد أن مهجورُ
طوى على لهبِ الأشواقِ أضلعَه / وحشوُها منه تأجيجٌ وتسعيرُ
تُذكي الغرامَ وفي وجدي وزفرتِه / لو لامسَ الصخرَاِضرامٌ وتأثيرُ
جمعتمُ بين اشجاني وبينكمُ / وكلُّ ذنبٍ سوى التفريقِ مغفورُ
حسبي من الوجدِ أجفانٌ مباعَدَةٌ / ما تلتقي وحشاً بالشوقِ مسجورُ
وادمعٌ كلما أنشْدتُ مِن طربي / شِعرى فضدّانِ منظومٌ ومنشورُ
تنهلُّ في أربعُ الأحبابِ نائبةً / عنِ الغمامِ وجيبُ الليلِ مزرورُ
مرابعٌ عَفَّتِ النّكباءُ ما ثلَها / مِن بعدِ ما مرَّ دهرٌ وهو معمورُ
وللزمانِ بأهليهِ / ولو كَرِهوا
وبالدَّيارِ تصاريفٌ وتغييرُ /
يا مُنحَني الجِزْعِ لا زالَ السحابُ له / عليكَ بالغيثِ ترويحٌ وتكبيرُ
يروي ثراكَ فيبدو في رياضِكَ مِن / بدائعِ النَّورِ للرائي أزاهيرُ
وينثني البانُ ريانَ الغصونِ اِذا / ما ميّلَتهُ النُّعامى وهو مَمْطُورُ
تنوحُ مِن فوقهِ الورقاءُ ساجعةً / والصبحُ لائحةٌ منه التباشيرُ
لنوحها فوقَ أفنانِ الأراكِ وقد / غابَ الهديلُ مِن الأشواقِ تكريرُ
فاِنْ يَهِمْ بحنينِ الوُرقِ حِلْفُ هوًى / شوقاً فاِنَّ حليفَ الشوقِ معذورُ
مذ بانَ أحبابهُ عنهُ وجيرتُهُ / أمسى الكرى وهو عن عينيهِ مذعورُ
وعوَّضتْه النوى مِن بعدِهم حُزناً / وكانَ بالقربِ منهمْ وَهْوَ مسرورُ
فأصبحَ الدهرُ مذموماً فليتهمُ / عادوا ليرجِعُ عندي وهو مشكورُ
وما على جَلَدي عارٌ وقد نَزَحُوا / اِذا اغتدى وَهْوَ مغلوبٌ ومقهورُ
حَمَّلْتُهُ الحبَّ يعني ثِقلُه اِضَماً / فبانَ فيه مِنَ الاعياءِ تقصيرُ
أحبابَنا كانَ سرّي قبلَ بينكمُ / وقبلَ فيضِ دموعي وهو مستورُ
أيام كنتُ بقربي منكمُ جَذِلاً / للبِشْرِ تُبْرِقُ مِنْ وجهي اساريرُ
واليومَ قد صارَ حظَّي مِن دنوكُّمُ / نَزْراً وقد كانَ منه وهو موفورُ
أُعلَّلُ القلبُ أن أضحى يُطالِبُني / بالوصلِ منكمْ فيُمسي وهو مغرورُ
حتى كأنَّ التئامَ الشملِ لا بَعُدَتْ / أيامُ أُنسي بأهلِ الودَّ محظورُ
هل تُدِنينَّهمُ عيسٌ مزمَمةٌ / بُدْنٌ مراسيلُ أو وجناءُ عَيْسُورُ
مِنْ بعدِ ما حجزتْ بيني وبينهمُ ال / بيدُ البلاقعُ والأعلامُ والقُورُ
أظَنُّ فيها حليفُ الكُورِ مُنْتَصِباً / فيه اليفايَ تخويدٌ وتهجيرُ
حتى تعودَ ليالي الوصلِ مشرقةً / بهم وذيلُ سروري وهو مَجْرُورُ
دعني أكابدُ أشجاني وأوصابي
دعني أكابدُ أشجاني وأوصابي / قد بانَ عن عرصاتِ الدارِ أحبابي
أبلى فراقُهمُ جسمي وغادَرَهُ / مثلَ الخِلالِ نحيلاً بينَ أثوابي
بانوا وسارتْ بهم أجمالُهم سَحَراً / عنه فَبُدَّلَ شَهْدُ العيشِ بالصابِ
خلتْ ملاعبُهم مِن كلَّ راشقةٍ / قلبي باَسْهُمِ الحاظٍ وأهدابِ
هيفاءُ يَثني الصَّبا مِن قدَّها غُصُناً / كالخَيزُرانةِ ليناً بينَ أترابِ
أومتْ بإصبَعِها نحوي مُخَضَّبةً / خوفَ الرقيبِ فحيَّتني بِعُنّابِ
وأعقبتْهُ ببينٍ راعني عَجَلاً / مُستكْرَهٍ لدواعي الشَّوقِ جّلابِ
حتى رجعتُ إلى الأطلالِ أسأَلُها / عنها وأُخبرُها مِن بعدِها ما بي
وما عليَّ اذا أحييتُ معلمَها / حفظاً لعهدكِ يا لمياءُ مِن عابِ
وما وجدتُ وقد خاطبتُ أرسمَها / بعدَ الأحبَّةِ غيرَ الأورَقِ الهابي
أَضْحَوا ودأبُهمُ البينُ المُشِتُّ كما / أمسيتُ بعدَهمُ والدمعُ مِن دابي
وضقتُ ذرعاً بأيامِ الفراقِ وما / مُنَّيتُ منها بأعوامٍ وأحقابِ
فما احتيالي إذا طالَ الزمانُ بهم / وما أرى الزمنَ الخالي بأوّابِ
وما انتفاعي بجفنٍ في الديارِ اِذا / ما زرتُهنَّ على الأحباب سَكّابِ
ولا تذكُّرُ أيامي بقربهمُ / يُجدي عليَّ ولا ليلاتُ أطرابي
صدّوا وصدَّ خيالٌ كانَ يَطْرُقُني / عندَ الهجوعِ فأمسى غيرَ مُنتابِ
يا حارِ هل يُبلِغَنَي العزمُ دارَهمُ / بكلَّ هوجاءَ مثلِ الريحِ هِرجابِ
مثل الوضينِ تبذُّ الهَيْقَ مُعْنِقَةَّ / والليلُ عنِّي وعنها غيرُ منجابِ
وفتيةٍ كالنجومِ الزُّهرِ أوجُههمْ / عندَ الكريهةِ بسامينَ أَنجابِ
إذا رميتَ بهمْ في صدرِ معركةٍ / رميتَ فيها بطعّانِ وضُرابِ
وإِ هم جلسوا في السلمِ وانبعثوا / في العلمِ فاقوا باِعراب واِغرابِ
أحبابُنا بعدوا عنّا وذكرُهمُ / مُرَدَّدٌ بيننا مِن غيرِ اِسهابِ
لئن وصلتِ بنا يا نوقُ أرضَهمُ / فلا نزلتِ بوادٍ غيرِ معشابِ
الى مواطنَ قد أعيتْ مسافتُها / على نجائبِ قُصّادٍ وطُلاّبِ
مرابعٍ طالما كانتْ اوانسُها / تزورُني دائماً مِن غيرِ اِغبابِ
هنَّ البدورُ التي عزَّتْ منازلُها / على عزائمِ خُطّار وخُطّابِ
ممنوعةٌ أن ينالَ الضيمُ خِطَّتهَا / بكلِّ ليثٍ جرىءٍ غيرِ مِهيابِ
تسري إلى رَهَجِ الهيجاءِ في كَنَفٍ / مِن القنا ومِنَ المُرّانِ في غابِ
مابين شُوسٍ مداعيسٍ جحاجحةٍ / كالأُسدِ في ملتقى الأقرانِ أضرابِ
أجوبُ نحوَهمُ البيداءَ معتسفاً / كالسيفِ غيرِ كَهامِ الحدِّ أونابي
مِن فوقِ أعيسَ في الموماةِ مضطلِعٍ / بالوجدِ يشأى النعامَ الرُّبدَ جَلْعابِ
متى اغتدى النكسُ خوفاً مِن قراعِهمُ / للبيدِ أولليالي غيرَ جوّابِ
دمٌ أريقَ بأسيافِ الهوى هَدَرُ
دمٌ أريقَ بأسيافِ الهوى هَدَرُ / في يومِ رامةَ والأظعانُ تبتكِرُ
زَمُّوا المطيَّ فكم مِن مقلةٍ ثَعَبَتْ / في عَرْصَةِ الدارِ ما لا يَتْعَبُ النَهَرُ
وأجَّجَ البينُ في الأحشاءِ نارَ هوًى / بعدَ الحبائبِ أمستْ وهي تَستعِرُ
أضحتْ مُمَنَّعةً بالسمهريِّ فلو / زالَ الوشيجُ تولَّى منعَها الخَفَرُ
وكلمَّا اضطرمتْ أطفأتُ سورتَها / بأدمعٍِ في الربوعِ العُجمِ تنتصرُ
تُسمي وتصبحُ قي الأطلالِ دافقةً / فليس تُخشى إذا ما أخلفَ المطرُ
أحبَّةٌ رحلوا فالدمعُ مستبقٌ / من مقلتَّي على الأثارِ يَبتدِرُ
في منزلٍ تُرْبُهُ مِن بعدِما ذهبتْ / كرُّ السنينَ على أصابِه عَطِرُ
لا ذنبَ لي عندَ مَنْ رثَّتْ عهودُهمُ / اِلاّ بوادرُ شيبٍ جَرَّهُ الكِبَرُ
والبيضُ عندَهمُ كالبيضِ مصلتةً / على الرءوسِ وذنبٌ ليس يُغْتَفَرُ
آليتُ لاحِلتُ عن دينِ الوفاءِ كما / قد كانَ يعهدُ من حالي واِنْ غدروا
ياريحُ لا أرجٌ منهمُ وقد رحلوا / عن الجَنابِ ولاعِلمٌ ولاخَبَرُ
مُرِّي على أَثَرِ الأحبابِ واحتملي / الَّي نشراً يحاكي عَرْفَهُ القَطُرُ
يضوعُ طيباً وقد مَّرتْ سعادُ بهِ / كما تَضَوَّعَ غِبَّ الدِّيمةِ الزَّهَرُ
أشكو الفراقَ اليها وَهْيَ لاهيةٌ / كأنَّما قلبُها مِن قسوةٍ حجرُ
أسأتْ مِن بِعدِها إذا لم أمتْ كمداً / يوَم الرَّحيلِ فقلْ ليكيف أعتذرُ
وبا زمانَ تناجينا على أمَمٍ / تُراكَ بعدَ تمادي البينِ تَنْتَظِرُ
هيهاتَ ساروا وأبقَوا للنوى حَرَقاً / تبيتُ تُضرِمُها الأشجانُ والفِكَرُ
ووكلوني برعي الفرقدينِ وقد / نامتْ عيونُ تحامَي أهلَها السَّهَرُ
واليومَ لم يبقَ لي إلا تذكُّرهُمْ / اِنَّ التحرُّقَ يُذكي جمَرهُ الذِّكَرُ
للّهِ كم في الديارِ الخُرسِ مِن وَصَبٍ / فيه لأهلِ الهوى والوجدِ معتبرُ
صبُّ يُرى أبداً مِن بعدِ بعدِهمُ / عِقْدُ الدموعِ على خدَّيهِ يَنْتثَرُ
براهُ بريَ المُدى بُعْدُ الخليطِ فما / يكادُ يُثبِتَه مِن سُقمِه النَّظَرُ
يبكي على أَثَرِ الأظعانِ في دِمَنٍ / وفي رسومِ ديارٍ مالها أثرُ
عفَّى معالِمَها طولُ الزمانِ وما / تَبيتُ تُحدِثُه للأربعِ الغِيَرُ
وعاذلٍ دأْبهُ عَذْلي فقلتُ له / مالي على العذلِ والتأنيبِ مُصْطَبرُ
بَلومُني وزنَادُ الحبِّ مضطرمٌ / في القلبِ يَقدحُ ما لا يقدحُ العُشَرُ
خَفِّضْ عليكَ فمالي عنهمُ عِوَضٌ / يا مَنْ يلومُ ولا في عيرِهمْ وَطَرُ
وفي الهوادجِ أقمارٌ إذا سَفَرَتْ / تُغنيكَ أنوارُها أن يَطْلُعَ القمرُ
هِيفُ المعاطفِ كالباناتِ رنَّحها / مرُّ النسيمِ غدا أوراقَها الشَّعَرُ
بانوا فعادَ زمانُ القربِ مذ هجروا / بعداً وعانيتُ ليلاً مالَهُ سَحَرُ
وكادَ مِن سَهَري فيه ومِن قَلقَي / يمَلُّ في جنحهِ تعليلَي السّمَرُ
كم كانَ في عنفوانِ الوصلِ يُذكِرنُي / هذا الصدودَ الذى جُرِّعتُه الحَذَرُ
سقاكَ يا مَنحنى الوادي القطارُ فكم / أظلنَّي في ذراكَ البانُ والسَّمُرُ
أين الأحبَّةُ لاحتْ لي معالِمَها / مجهولةً قد محا آثارَها الدَّهَرُ
وأين تلكَ القدودُ الملدُ مائسةً / تكادُ مِن ثِقَلِ الأردافِ تنأَطِرُ
غابوا فأضحتْ مغاني الأنسِ خاليةً / حتى كأنهَّمُ فيهنَّ ما حضروا
أعائدٌ ليَ أيامٌ نعِمتُ بها
أعائدٌ ليَ أيامٌ نعِمتُ بها / بالرقمتينِ وأهلُ البانِ ما بانوا
أيامَ كنا وكانَ الربعُ يجمعُنا / ولم نقل اِننا كنّا ولا كانوا
في لذةٍ مِن وصالٍ لا يُنغَّصُه / بينٌ ولا كاشحٌ يُغريهِ شنآنُ
فهل معيدٌ لنا أيامَهنَّ كما / كنّا على الجِزعِ لا خُنّا ولا خانوا
لا خيرَ في كاشحٍ يسعى ليمنعَني / فرباً نعمتُ به والوقتُ جَذْلانُ
قطعتُ أطيبَهُ بالرقمتينِ ولي / في الربعِ والغيدِ أوطارٌ وأوطانُ
هل في المنازلِ بعدَ القومِ آثارُ
هل في المنازلِ بعدَ القومِ آثارُ / نعمْ معالمُ لا تُغني وأحجارُ
اِذا وقفتَ بها بكّاكَ ما حلُها / وآيةُ الشوقِ أن تبكي لكَ الدارُ
منازلٌ لم تزلْ مأوًى لغانيةٍ / دمعي عليها واِنْ لم يُجْدِ مِدْرارُ
نأت فلم يبق مذ زمت ركائبها / للبين إلا أحاديث وأخبار
مِن بعدِ ما كانتِ الأيامُ تُتْحِفُني / بقربِها زمناً والوصلُ أطوارُ
أبكي وقد باعدَتْها عن مرابِعها / نوًى لعوبٌ بها والدهرُ غدّارُ
وفي الدموعِ اِذا ما الصبرُ أعوزَني / على الصبابةِ أعوانٌ وأنصارُ
أين الأحبَّةُ كانوا في الديارِ لَهاً / وهمْ شُمُوسٌ منيراتٌ وأقمارُ
بانوا فلي مِن دموعي بعدَ بينهمُ / وفي ازديادِ الهوى العذريَّ أعذارُ
يا حارِ عنديَ سِرٌّ لا أبوحُ بهِ / اِلاّ إليكَ وللعُشّاقِ أسرارُ
شوقٌ تضاعفَ حتى ليس لي قِبَلٌ / به ونارُ غرامٍ دونَها النارُ
ومقلةٌ لم تذقْ بعدَ النوى وَسَناً / أنَّي ومِن دونِهمْ بيدٌ وأخطارُ
قد ملَّ تَسهادَها إلا ظلامُ بعدهمُ / وملَّني فيه حدّاثٌ وسمّارُ
تنامُ عينُ الخليَّ القلبِ مِن شَجَنٍ / ولي على السَّهَرِ المقليَّ اِصرارُ
اِيهٍ حديثَكَ عن نَعمانَ أين مضى / سكانُه فحديثُ الوجدِ أسمارُ
حَدَّثتَني ما أجدَّ الذكرَ أيسرُه / أعِدُْهُ أن الهوى والشوقَ تَذكارُ
فكم أثارتْ لنا ذكراهمُ حُرَقاً / كأنَّ ذكراهمُ في الربعِ آثارُ
وكم وقفتُ به مِنْ وقفةٍ صدعتْ / قلبي وقد أزمعَ الحبابُ أو ساروا
مخاطباً لعراصٍ كم زهتْ بهمُ / وهكذا الدهرُ اِقبالٌ واِدبارُ
مَلُّوا الثواءَ بها فاستبدلوا بدلاً / عنها وبانوا فهم في القلبِ حُضّارُ
فهل عليَّ إذا بكَّيتُ دراسَها / بعدَ الخليطِ الذى ودَّعتُه عارُ
ومهمهٍ قذفتْ بي في مجاهلهِ / الى الأحبَّةِ أحلاسٌ وأكوارُ
يختبُّ في هبواتِ المُورِ مُنْصَلتاً / بي بازلٌ قلِقُ الأنساعِ مَوّارُ
أحثُّهُ والهوى مِن فوقِ غاربهِ / يَحثُّني فهو في الحالينِ صبّارُ
وما المدامةُ كالابريزِ صافيةً / قد شَقَّ عنها ثيابَ القارِ خمّارُ
تضوعُ طيباً وقد دارتْ زجاجتُها / كأنَّما عَلَّها بالملكِ عطّارُ
يسعى بها رشأٌ في الشَّربِ تحسبُه / كالبدرِ قد بتَّ منه الخصرَ زُنّارُ
أمالَهُ في خفاراتِ الصَّبا مرحٌ / بينَ النَّدامى فغارَ البانُ والغارُ
يوماً بألعبَ منه بالعقولِ وقد / سَجا له ناظرٌ لِلُّبَّ سحّارُ
ولا الخمائلُ قد أضحتْ موشَّعَةً / تُصْبِيكَ منهنَّ أنهارٌ وأزهارُ
تَرِفٌ فيها غصونٌ مِن حدائقها / وتستبيكَ على الباناتِ أطيارُ
يوماً بأحسنَ مِن نظمٍ أوشَّعُهُ / والناسُ مِن بعدِه في الشَّعرِ أنظارُ
يروقُ سمعَكَ منها شُرَّدٌ عُرُبٌ / مختارٌة والنُّضارُ الطلقُ مُخْتارُ
كم رضتُ جامحَ قلبي عنكمُ فأبى
كم رضتُ جامحَ قلبي عنكمُ فأبى / وكانَ ذاكَ لا فرطِ الهوى سببا
غالبتُه ودواعي الشوقِ تُسمِعُني / خوفُ الفراقِ ولكنْ وجدُه غَلَبا
وكنتُ أعهدُهُ مِنْ قبلِ حبَّكمُ / يُطيعُني فمتى عاتبتُه انعتَبا
لم يتركِ الوجدُ لي لمّا هويتُكمُ / في سائرِ الناسِ تأميلاً ولا أربَا
يا مُخجلي الشمسَ كم أنضبتُ بعدكُمُ / نُجْباً مُزَمَّمةً لا تَعْرِفُ اللَّغَبا
يحدو لها وهي في البيداءِ جانحةٌ / حادٍ إذا زِدنَ وجداً زادها طَرَبا
تطوي الفيافي وما أنفكُّ أُوسِعُها / سوقاً يُكلَّفهنَّ النصَّ والخَبَبا
رواقلاً في عُبابِ الآلِ تحسبُها / قَطاً سِراعاً إلى أورادِها سُرُبا
يا مُرخصي الدمعَ هذى الورقُ ساجعةٌ / في البانِ تُظهِرُ مِن تطريبها عَجَبا
تنوحُ والصبحُ في أثناءِ شَمْلَتِهِ / والريحُ قد حرَّكتْ مِن قُضْبِهِ العَذَبا
فكلَّما رَدَّدَتْ في الأيكِ عُجمتَها / على ضِرامِ غرامي زِدنَهُ لَهبَا
أحبابَنا كيف لا تُرعى محافظتي / لودَّكمْ وهي قد صارتْ لنا نَسَبا
أرومُ عودكمُ والبينُ معترِضٌ / بيني وبينكمُ يستغرقُ الحُقُبا
حمَّلتموني ما لو أن أيسرَهُ / يُمنى به حَضَنٌ لاندكَّ أو كَرَبا
بنتمْ فلا مقلتي تَرْقا مدامعُها / بعدَ الرحيلِ ولا وجدي بكم عَزَبا
الحالُ ما حالَ والأشواقُ ما برحتْ / كما عهدتمْ وحبلُ الوجدِ ما انقضبا
وفي الهوادجِ والأظعانِ بدرُ دجًى / يروعُني سافراً منه ومُنتقبا
اِذا وصفتُ له وجدي على ثقةٍ / بأنْ يُريحَ فؤادي زادَهُ تَعَبا
يا بينُ هلاّ تردُّ العيسَ حاملةً / على غواربهنَّ الجيرةَ الغُيُبا
مِن كلَّ غانيةٍ بيضاءَ حاليةٍ / ممكورةٍ تَخِذَتْ مِن صونِها حُجُبا
ضنَّتْ بزُوْرِ مواعيدٍ تريحُ بها / قلباً اليها على علاّتِها انجذبا
وجشَّمتْنَي جوبَ البيدِ طامسةً / يلقى الخيالُ إذا ما جاسَها نَصَبا
أحثُّ فيها علنداءً هملَّعةً / تفلي الفلاةَ إلى أبياتِها طَلَبا
أرومُ منها على بُخلٍ بها شَنَباً / بَذلْتُ فيه لها قبلَ النوى النَّشَبا
يا عاذلَ الصبَّ في دمعٍ يرقرقُهُ / بعدَ الخليطِ على شملٍ قد انشعبا
لا تعذليهِ فهذا الدمعُ بعدَهمُ / يُقضَى به مِنْ حقوقِ الربعِ ما وَجَبا
ربعٌ ينوحُ على سكانهِ فاِذا / ما كظّهُ الشوقُ في أطلالهِ انتحبا
وما الغمامُ مُلِثَّ القطرِ منبجساً / يوماً بأغزرَ مِن دمعي إذا انسكبا
كلاّ ولا البرقُ قد طارتْ شرارتُه / ليلاً بأضرمَ مِن وجدي إذا التهبا
تكادُ تُحْرِقُ أنفاسي الربوعُ وقد / أثارَ عنها حُداةُ الجيرةِ النُّجُبا
ذنبي إلى البيضِ ذنبٌ غيرُ مغتفَرِ
ذنبي إلى البيضِ ذنبٌ غيرُ مغتفَرِ / لما توضَّحَ صبحُ الشيبِ في شَعَري
حورٌ شقنَ فؤادي مِن لواحظِها / بكلَّ سهمٍ عريقِ النَّزعِ في الحَوَرِ
فاعجبْ لهنَّ سِهاماً غيرَ طائشةٍ / مِنَ الجفونِ بلا قوسٍ ولا وترِ
كم نِمْنَ عنَّي وقد أغفلنَ ما جابتْ / يدُ التفرُّقِ مِن وجدي ومِن سَهَري
وكم خَفَرْتُ ذِمامَ النسكِ مِن وَلَهٍ / يعتادُني لذواتِ الدلَّ والخَفَرِ
بي مِن رسيسِ الهوى داءٌ يخامرُني / طولَ الزمانِ إلى ما صُنَّ بالخُمُرِ
مهفهفاتٌ يغارُ الغصنُ حين يرى / قدودَها بينَ منآدٍ ومنأطِرِ
أنكرنَني بعدَ عِرفاني وما بَرِحَ / الزَّمانُ يُعْقِبُ صفوَ العيشِ بالكَدَرِ
أيامَ غصنُ شبابي في بُلَهْنيَةٍ / أزهو بما فيه مِن زَهْرٍ ومِن ثَمَرِ
يا منزلاً أدمعي وقفٌ عليه اِذا / ضَنَّ السحابُ على الأطلالِ بالمَطَرِ
أوطانَ لهوي وكم قضَّيتُ مِن وَطَرٍ / فيهنَّ بالغيدِ والأوطانُ بالوطرِ
ومربعٍ ووصالُ السُّمرِ تكنفُني / أوقاتُه في ظِلالِ الضّالِ والسَّمُرِ
مضى لنا فيه أوقاتٌ مساعِفَةٌ / مُسْتَعْذَباتُ جَنَى الروضاتِ والبُكَرِ
أين الزمان الذي قد كنت أحمده / على التداني بلاعي ولا حصر
لم يخطرِ البينُ في بالي فأحذرَهُ / ولا تعيبتُ ما فيه مِنَ الخطرِ
ألهو بكلَّ غريرٍ مِن محاسِنه / أبيتُ منه ومِن وجدي على غَرَرِ
يا وجهَهُ أَرَني بدراً إذا طَلَعَتْ / منه بوادِرُ تُغنيني عنِ القمرِ
في كلَّ ذاتِ قوامٍ غصنُه نَضِرٌ / ما حظُّ عاشِقها منها سوى النظرِ
ما هبَّتِ الريحُ مِن نجدٍ معطَّرةً / لولا الولوعُ بريّا بَردِها العَطِرِ
ولا جرتْ أدمعي والشملُ مجتمعٌ / اِلاّ لما علمَ الأحبابُ مِن حَذَري
خوفاً ولولا ذاكَ ما وقفتْ / ركائبي بين وِرْدِ العَزْمِ والصَّدَرِ
كلاّ ولا كنتُ بعدَ القربِ مقتنعاً / منهمْ على عُدَواءِ الدارِ بالأثرِ
هم الأحبَّةُ أن خانوا واِنْ نقضوا / عهدي فما حلتُ عن عهدي ولا ذِكَري
فكم أضاعوا محبّاً في الغرامِ بلا / ذنبٍ وكم طُلُّ فيه مِ دمٍ هَدَرِ
يشكو أذى الهجرِ في سرًّ وفي علنٍ / شكوًى تؤثَّرُ في صلدٍ مِنَ الحجرِ
وهي الديار فكم جددنَ مِن حُرَقٍ / للمستهامِ بما فيهنَّ مِن أثرِ
يَزورُها بعدَما بانتْ أوانسُها / عنها فيمسحُ فضلَ الدمعِ بالأُزُرِ
وفي الجوانحِ نارٌ بعدَ بينهمُ / للشوقِ تَفْعَلُ فِعْلَ النارِ في العُشَرِ
فهل أُرى وبيوتُ الحيَّ دانيةٌ / مني خليّاً مِنَ الأشجانِ والفِكَرِ
هيهاتَ هذا فؤادٌ لا يُغَيَّرُه / عن المحبَّةِ ما فيها مِنَ الغِيَرِ
يا راقدَ الطرفِ طرفي في يدِ السَهرِ
يا راقدَ الطرفِ طرفي في يدِ السَهرِ / داءٌ بُلِيتُ به مِن رائدِ النظرِ
نَمْ وادعاً ودعِ المشتاقَ تُقِلقُهُ / مما تخطَّتكَ أنواعٌ مِنَ الفِكَرِ
جنايةٌ ناظري كانَ الكفيلُ لها / وآفةُ المرءِ بينَ القلبِ والبصرِ
ما مرَّ يوم وبالي منكَ في دَعَةٍ / اِلاّ وأُعقِبَ ذاكَ الصفوُ بالكدرِ
تلهو وقد جدَّ بي ما قد علمتَ بهِ / اِنَّ الأحبَّةَ اعوانٌ على الضَّرَرِ
أكادُ والقلبُ تهفوبي نوازعُه / إليكَ مثلَ جناحِ الطائرِ الحَذِرٍِ
أذوبُ شوقاً لكنّي أخو جَلَدٍ / فيه وانْ كانَ طعمُ الصَّبْرِ كالصَّبِرِ
والسُّمرُ دونَ وصالِ السُّمرِ مُشْرَعَةٌ / فكم أعلَّلُ روحي عنه بالسَّمَرِ
وكم أبيتُ وعيني غيرُ هاجعةٍ / أرعى لوامعَ برقٍ طائرِ الشررِ
ماأ قلتُ وهو على الأجزاعِ معترضٌ / يا ساهرَ البرقِ أيقظْ راقِدَ السَّمُرِ
ولا طلبتُ وقد أودى السهادُ بنا / مِن نازلِ الجِزعِ أعواناً على السَّهَرِ
ربعٌ وقفتُ عليه بعدَ أهليهِ
ربعٌ وقفتُ عليه بعدَ أهليهِ / أسقيهِ مِنْ عَبَراتي ما يُروِّيهِ
كانوا معانيهِ فَهْوَ اليومَ بعدَهمُ / جسمٌ ولا روحَ يَلفى في مغانيهِ
شكا النوى بلسانِ الحالِ فابتدرتْ / مدامعي فوقَ سُحمٍ مِن أثافيهِ
كلُّ شكا بثَّهُ فيه وما أحدٌ / في الناسِ إلا له شانٌ يعانيهِ
ربعٌ كانتِ الليلاتُ وهي ضحًى / بطيبِ عيشٍ قطعنا في ضواحيهِ
وقفتُ فيه فكم مِن وحشةٍ نزلتْ / بي فيه مِن بعدِ أنسٍ كانَ لي فيهِ
مأوى الحسانِ غدا عَنْ وصلهنَّ كما / قد كانَ بينٌ أظلَّتنا عواديهِ
معالمٌ للهوى زادَ البكاءُ على / رسمٍ عهدتُ بِواديهِ بَواديهِ
ربعٌ نُواحي عليه قبلَ بينهمُ / قد كان قالَ نواهمْ في نواحيهِ
وقفتُ عنسي به والعيشُ ظالِعَةٌ / مِنَ الكَلالِ أناديهِ بِناديهِ
فلم تُجبني رسومٌ منه دراسةٌ / حتى رثى الركبُ مِن شوقي وحاديهِ
يا أدمعي هذه اِلأطلالُ ماثلةٌ / فأين دمعٌ يُروِّي السُّحبَ هاميهِ
اِيهٍ فلي مِن لظى الأشواقِ نارُ جوِّى / تزدادُ وقداً إذا سَحَّبْ غواديهِ
هذا الفراقُ وكم عندَِ اللقِّاءِ لنا / صبحٌ إذا ما تغشَّتنا لياليهِ
ومغرمٍ باتَ والأحشاءُ في لَهَبٍ / مِنَ الغرامِ الذى زادتْ دواعيهِ
تأبى المنامَ مِنَ الذكرى لواحظُه / ويشتهيهِ لعلَّ الطيفَ يأتيهِ
بكى العدوُّ عليه مِن صبابتهِ / وحسبٌ ذي الشوقِ أن تبكي أعاديهِ
وشادنٍ بتُّ أجلو دَّر مبسَمِهِ / ووجهِهِ والدجى زُهْرٌ دراريهِ
فما رضيتُ بها عَنْ ثغرِه بَدَلاً / وما تَنظَّمَ فيه مِن لآليهِ
بدرٌ يدُيرُ عيوناً منه ساجيةً / في كَسْرِ جفنِ مريضِ اللحظِ ساجيهِ
يضمُّ مِن قدَّهِ الميادِ غصنَ نقاً / يَغارُ كلُّ قضيبٍ مِنَ تَثنِّيهِ
وردٌ بأجفانهِ الوسنى وأسهمُها / تبيتُ عن مُجْتَنٍ باللحظِ تحميهِ
يصدُّ ظلماً ويحمي ظلَمه عَنتَاً / عن مستهامٍ معنِّى القلبِ صاديهِ
لم يدعُني منه حُسْنٌ مِن محاسنهِ / اِلاّ وباردَةٌ وجَدي يُلَبيِّهِ
تكادُ تُعْقَدُ مِن لينٍ معاطفُهُ / على ضعيفِ مدارِ الخَصْرِ واهيهِ
يُغري العيونَ به ما فيه مِن مُلَحٍ / ومِن دلالٍ ومِن عُجْبٍ ومِن تيهِ
لاحتْ لنا في نِفارٍ منه بارقةٌ / مِنَ المنى والمنايا في أمانيهِ
وشيمةٌ منه ما يعتادُ أبداً / مِنَ التجنَّي ويُغريني تَجنَّيهِ
اِذا بدا محارَ بدرُ التمَّ فيه ومَنْ / للبيدرِ في الحسنِ لو أمسى يُدانيهِ
فالشمسُ والبدرُ هذى لا أُصانِعُها / وذاكَ وهو تمامٌ لا أُحاشيهِ
عندي مِنَ الوجدِ داءٌ لا دواءَ له / لم يدرِ كيف يُداويِه مُداويهِ
لو أن مَنْ سلبَ الأجفانَ رقدتَها / بهجرِه لم يُطِلْ فيه تَماديهِ
لكانَ يرجو إذا ما الغُمْضُ عاودَهُ / منه خيالاً يُحييَّهِ فيُحْييهِ
وربَّ دوحٍ بديعِ النَّورِ قابلَني / مثلَ الثغورِ نضيداً مِن أقاحيهِ
هبَّ النسيمُ به تندى نوافحُه / عليَّ والليلُ قد رقَّتْ حواشيهِ
دوحٌ تقامرَني لُبيَّ وقد صدحتْ / في كلَّ ناحيةٍ منهُ قَماريهِ
باتَ الحمامُ يغننَّي في جوانبهِ / وبتُّ مِن حَزَنٍ بالدمعِ أسقيهِ
أرتاحُ طوراً إلى ترجيعهِ طرباً / وأذكرُ العهدَ أحياناً فأبكيهِ
وقائلٍ والنوى قد طالَ موعدُها / هذا ادَّكاركَ طولُ البعدِ يُنسيهِ
فقلت من لم يكن مثلي ومثلهم / في الوجد والحسن فالتفريق يسليه
فكيف أسلوه ولي مِن قُربهمُ أملٌ / اِمّا مِنَ الطيفِ أو منهم ارجَّيهِ
قد خانَ أهلُ الهوى قلْ لي بمِنْ أثقُ
قد خانَ أهلُ الهوى قلْ لي بمِنْ أثقُ / ليت المحبينَ لا كانوا ولا خُلِقوا
كانت يميني بأسبابٍ مؤكَّدَةٍ / بيني وبينهم في الودَّ تعتلِقُ
فبدَّلَ البينُ حالاً كنتُ أعهدُه / وأصبحَ الودُّ منهمْ وهو ممتذِقُ
فالوجدُ بعدَهمُ حبسٌ عليَّ كما / دمعي عقيبَ النوى في الربعِ منطلقُ
جنايةٌ جلبتْها يومَ كاظمةٍ / رسائلٌ حملتْها بيننا الحَدَقُ
يا عينُ أمسى وقد زُمَّتْ قِلاصُهمُ / وجداً أليفكِ فيه الدمعُ والأرقُ
ما هذه وقفةٌ في الحبَّ أوَّلَةٌ / لم يمضِ لي عُلَقٌ إلا أتتْ عُلَقُ
صبابةٌ كنتُ أشكوها وبي رمقٌ / واليومَ يَضعُفُ عنها ذلكَ الرمقُ
فلي بنارِ زفيري بعدَهمْ حُرَقٌ / ولي بدمعي على أطلالِهم غَرَقُ
فهل أبيتُ ولا يُمسي يُروَعُني / برقٌ يبيتُ على الخَلْصاءِ يأتلِقُ
يُذكي باِيماضِه نارَ الغرامِ ولي / جفنٌ يسحُّ فجسمي كيفَ يحترقُ
بادي اللهيبِ وحرُّ الشوقِ مضطرمٌ / يذكيهما المؤلمانِ الذَّكْرُ والقَلَقُ
فكيف ينسى الهوى صَبُّ يروَّعُهُ / بعدَ النوى الأخوانِ الصُّبحُ والغَسَقُ
يرتاعُ مِن لِمَّةِ الظلماءِ مقبلةً / ويلتظي وهي بالاِصباحِ تَنفرِقُ
لم تبدُ شمسُ الضحى في الأفقِ مشرقةً / اِلاّ وكانَ له مِنْ دمعِه شَرَقُ
فهل أُرى وقِلاصي غيرُ ظالعةٍ / يَحثُّها المنضيانِ النصُّ والعَنَقُ
شوقاً إلى حجيرةٍ بالخَيْفِ ما حَفِظوا / عهدَ المحبَّ ولا رقُّوا ولا رَفَقُوا
أهكذا مثلَ ما ألقاه مِن شَجَنٍ / قد كانَ مَنْ وَلِعوا بالحبَّ أو عشقوا
أم هذه شيمةٌ وحدي خُصِصْتُ بها / افضى الهوى بِيْ اليها والهوى طُرُقُ
ومنزلٍ وقَفَتْ هوجٌ الرَّكابِ بهِ / لمّا تضوَّعَ منه نشرُه العَبِقُ
فمِن صريعٍ على الآثارِ من سَهَفٍ / يستافُهنَّ وللأطلالِ يعتنقُ
أنكرتُه مثلَ ما أنكرتُ مَعْلَمَهُ / لولا ثرًى بذكيَّ المِسكِ يَنفتِقُ
تؤمُّهنَّ عَلَنْداةُ هملَّعَةٌ / مَوَّارةٌ أُجُدٌ عَيرانَةٌ دِفَقٌ
تَنْسِلُّ مِن هبواتِ المُورِ ناحلةً / مثلَ الهلالِ انجلى عن ضُمرِه الشفقُ
ما جاوزتْ فَدْفَداً بالقاعِ مُنخرَقاً / حتى بدا مَجْهَلٌ كاليمَّ مُنخرقُ
تجوبهُ ومناها وهي لاغبةٌ / في رِبقةِ الوخدِ أنْ تبدو لها البُرَقُ
وعُصْبةِ مِن رجالِ الشَّعرِ كم طلبوا / لحاقَ شأوي فأعياهمْ وما لَحِقوا
مِن كلَّ ذي غَبَنٍ منهمْ وذي قِحَةٍ / يُلقيهما المُرديانِ الجهلُ والحَنَقُ
لمحتُ ما نظموه لمحَ مُعتبِرِ / فكانَ نظماً به عن دينهِ مرقوا
أبدَوا وقد غبتُ اشعاراً ملفَّقةً / حتى حضرتُ بناديهمْ فما نطقوا
جاؤوا وجئتُ وقد أعيتْ جيادُهُمُ / فكانَ لي دونهمْ في الحلبةِ السَّبَقُ