المجموع : 12
ما لِلنَّصَارَى إليَّ ذَنْبٌ
ما لِلنَّصَارَى إليَّ ذَنْبٌ / وإنَّما الذنبُ لِلْيَهودِ
وكيفَ تَفْضِيلُهُمْ وفيهمْ / سِرُّ الْخَنازِيرِ وَالقُرُودِ
قد خُصَّ بالفَضْلِ قَطْلِيجا وأَيْدمُرُ
قد خُصَّ بالفَضْلِ قَطْلِيجا وأَيْدمُرُ / وطابَ منه ومنكَ الأَصْلُ والثَّمَرُ
بَحْرَانِ لو جادَ بحرٌ مِثْلَ جُودِهما / بِيعَتْ بأَرْخَصَ مِنْ أَصْدَافِها الدُّرَرُ
للَّهِ دَرُّكَ عِزَّ الدِّينِ لَيْثَ وَغىً / لَهُ مِنَ البِيضِ نابٌ والقَنا ظفُرُ
أَلْقَى الإلهُ عَلَى الدُّنيا مَهَابَتَهُ / فالبِيضُ تَرْعدُ خوفاً منه والسُّمُرُ
أرَيْتَنا فضلَ شمسِ الدِّينِ مُنْتَقِلاً / إليك منه وصَحَّ الخُبرُ والخَبَرُ
إنْ تُحْيِ آثارَهُ مِنْ بَعْدِ ما دَرَسَتْ / فإنَّكَ النِّيلُ تُحْيي الأرضَ والمَطَرُ
وإنْ تَكُنْ أنْتَ خيرَ الوارثينَ لَهُ / فما يُنَازِعكَ في ميراثِهِ بَشَرُ
وإنْ تَكُنْ في العُلا والفَضْلِ تَخْلُفُهُ / فالشَّمسُ يَخْلُفُهَا إنْ غابَتِ القَمَرُ
أَخجَلتَ بالحِلْمِ ساداتِ الزَّمانِ فَلَمْ / يَعْفُوا كَعَفْوِكَ عَنْ ذَنْبٍ إذا قَدَرُوا
وَلَمْ تَزَلْ تَسْتُرُ العَيْبَ الذِي كَشَفُوا / ولم تَزَلْ تَجْبُرُ العَظْمَ الذِي كَسَرُوا
لوْ أَنَّ أَلْسِنَةَ الأَيّامِ ناطِقَةٌ / أَثْنَتْ عَلَى فَضْلِكَ الآصالُ والبُكَرُ
شَرَعْتَ للنَّاسِ طُرقاً ما بها عُجَزٌ / يَخَافُ سالِكُها فيها ولا بُجَرُ
لو يَسْتَقِيمُ عليها السالكون بها / كما أمرتَ مشَتْ مَشْيَ المهَا الحُمرُ
أَكْرِمْ بأَيْدمُرَ الشَّمْسِيِّ مِنْ بَطَلٍ / بِذِكْرِهِ في الوَغَى الأَبْطَالُ تَفْتَخِرُ
تَخافُ منه وتَرْجُوهُ كما فَعَلَتْ / في قَلْبِ سامِعِها الآياتُ والسُّوَرُ
مَعْنَى الوجودِ الذي قامَ الوجودُ به / وهلْ بِغَيْرِ المَعاني قامَتِ الصُّوَرُ
بَنانُهُ مِنْ نَدَاهُ الغَيْثُ مُنْسَكِبٌ / وسَيْفُهُ مِنْ سُطاهُ النارُ تَسْتَعِرُ
نَهَتْهُ عَنْ لَذَّةِ الدُّنْيا نَزَاهَتُهُ / وَشَرَّدَ النَّوْمَ مِنْ أجفانِهِ السَّهَرُ
وليسَ يُضْجِرُهُ قَوْلٌ وَلا عَمَلٌ / وَكيفَ يُدْرِكُ مَنْ لا يَتْعَبُ الضَّجَرُ
يُمْسِي وَيُصْبِحُ في تَدْبِيرِ مَمْلَكَةٍ / أعْيا الخلائقَ فيها بعضُ ما يَزِرُ
يَكْفِيهِ حَمْلُ الأَماناتِ التي عُرِضَتْ / على الجِبالٍ فكادَتْ منه تَنْفَطِرُ
خافَ الإلهَ فخافَتْهُ رَعِيَّتُهُ / والمَرْءُ يُجْزَى بما يأتي وما يَذَرُ
واخْتَارَهُ مَلكُ الدُّنيا لِيَخْبُرَهُ / في مُلْكِهِ وهْوَ مُخْتارٌ ومُخْتَبَرُ
فَطَهَّرَ الأرضَ مِنْ أَهْلِ الفسادِ فلا / عَيْنٌ لَهُمْ بَقِيَتْ فيها ولا أثَرُ
ودَبَّر المُلْكَ تَدْبيراً يُقَصِّرُ عَنْ / إدْرَاكِ أَيْسَرِهِ الأَفْهَامُ والفِكَرُ
وحينَ طارت إلى الأعداء سُمْعَتُهُ / ماتَ الفرَنْجُ بِدَاءِ الخَوْفِ والتَّتَرُ
فما يُبالي بأَعْداءٍ قُلوبُهُمُ / فيها تَمَكَّنَ منهُ الخوفُ والذُّعُرُ
وكل أرضٍ ذَكّرْناهُ بها غَنِيَتْ / عَنْ أنْ يُجَرِّدَ فيها الصارِمُ الذَّكَرُ
فلَوْ تُجَرَّدُ مِنْ مِصْرٍ عَزائِمُهُ / إلى العِدَا بَطَلَ البَيْكارُ والسَّفَرُ
في كلِّ يَوْمٍ تَرَى القَتْلَى بِصَارِمهِ / كأَنَّما نُحِرَتْ في مَوسِمٍ جُزُرُ
كَأَنَّ صارِمَهُ في كلِّ مُعْتَرَكٍ / نَذِيرُ مَوْتٍ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ النُّذُرُ
شُكْراً لَهُ مِنْ وَلِيٍّ في وِلايَتِهِ / مَعْنَى كرامَتِه للناسِ مُشْتَهِرُ
عَمَّ الرَّعِيَّةَ والأَجْنَادَ مَعْدَلَةً / فما شكا نَفَراً مِنْ عَدْلِهِ نَفَرُ
وسَرَّ أَسْمَاعَهُمْ منهُ وأعْيُنَهُمْ / وَجْهٌ جَميلٌ وذِكْرٌ طَيِّبٌ عَطِرُ
تَأَرَّجَتْ عَنْ نَظِيرِ المِسْكِ نظْرَتُهُ / كما تَأَرَّجَ عَنْ أكمامِهِ الزَّهَرُ
مِنْ مَعْشَرٍ في العُلا أَوْفَوْا عُهُودَهمُ / وليسَ مِنْ مَعْشَرٍ خانُوا ولا غَدَرُوا
تُرْكٌ تَزَيَّنَتِ الدُّنيا بِذِكْرِهِمُ / فَهُمْ لها الحَلْيُ إنْ غابُوا وإنْ حَضَرُوا
حَكَتْ ظواهرهُمْ حُسْناً بواطِنهُمْ / فَهُمْ سواءٌ أَسَرُّوا القَوْلَ أَوْ جَهَرُوا
بِيضُ الوجوهِ يَجُنُّ اللَّيْلُ إنْ رَكِبُوا / إلى الوغَى ويُضِيءُ الصُّبْحُ إنْ سَفَرُوا
تَسْعَى لأَبْوَابِهِمْ قُصَّادُ مالِهم / وجاهِهِمْ زُمَراً في إثْرِها زُمَرُ
تَسَابَقُوا في العُلا سَبْقَ الجِيادِ لهُمْ / مِنَ الثناءُ الحُجولُ البِيضُ والغُرَرُ
وَكلُّ شيءٍ سَمِعْنا مِنْ مناقِبِهِمْ / فمِنْ مَناقِبِ عِزِّ الدِّينِ مُخْتَصَرُ
مَوْلىً تَلَذُّ لنا أخْبارُ سُؤْدُدِهِ / كأنَّ أخْبارهُ مِنْ حُسْنِها سَمَرُ
يا حُسْنَ ما يَجْمَعُ الدُّنيا ويُنْفِقُها / كالبَحْرِ يَحْسُنُ منه الوِرْدُ والصَّدَرُ
لكلِّ شَرْطٍ جَزَاءٌ مِنْ مَكارِمِهِ / وكُلُّ مُبْتَدَإٍ منها له خَبَرُ
فما نَظَمْتُ مدِيحاً فيهِ مُبْتَكراً / إِلَّا أَتانِيَ جُودٌ منه مُبْتَكرُ
صَدَقْتُ في مَدْحِهِ فازْدَادَ رَوْنَقُهُ / فما عَلَى وجْهِهِ مِنْ رِيبَةٍ قَتَرُ
أغْنَتْ عَطاياهُ فَقْرَ الناسِ كلِّهِمِ / فسَلْهُمُ عَنْهُ إنْ قَلُّوا وَإنْ كَثُرُوا
لِذَاكَ أثْنَوْا عليه بالذِي عَلِمُوا / خيراً فيا حُسْنَ ما أَثْنَوا وَما شَكَرُوا
قالوا وجَدْنَاهُ مِثْلَ الكَرْمِ في كَرَمٍ / يَفِيءُ منه علينا الظِّلُّ والثَّمَرُ
وما يَزالُ يُعِينُ الطائِعِينَ إذَا / تَطَوَّعُوا بِجَمِيلٍ أَوْ إذا نَذَرُوا
وَمَنْ أَعَانَ أُولِي الطاعاتِ شَارَكَهُمْ / في أَجْرِ ما حَصَرُوا منه وما تَجَرُوا
فما أتَى الناسُ مِنْ فَرْضٍ وَمِنْ سُنَنٍ / ففِي صَحِيفَتِهِ الغَرَّاءِ مُسْتَطَرُ
فَحَجَّ وهْوَ مُقِيمٌ والحِجَازُ به / قَوْمٌ يُقِيمُونَ لا حَجُّوا ولا اعْتَمَرُوا
وجَاهَدَتْ في سبيلِ اللَّهِ طائفةٌ / وخَيْلُها منه والهِنْدِيَّةُ البُتُرُ
وَأَطْعَمَ الصَّائِمِينَ الجائِعِينَ وَمِنْ / فَرْطِ الخَصاصَةِ في أكْبَادِهِم سُعُرُ
وَلَمْ تَفُتْهُ مِنَ الأَوْرَادِ ناشِئَةٌ / في لَيْلَةٍ قامَ يُحْيِيها وَلا سَحَرُ
يَطْوِي النَّهَارَ صِياماً وهْوَ مُضْطَرِمٌ / وَاللَّيْلَ يَطْوِي قِياماً وهْوَ مُعْتَكِرُ
ومالُهُ في زَكاةٍ كلُّهُ نُصُبٌ / لا الخُمْسُ فيه لَهُ ذِكْرٌ ولا العُشرُ
أعمالُهُ كلُّها للَّهِ خالِصَةٌ / ونُصْحُهُ لم يُخالِطْ صَفْوَهُ كَدَرُ
كم عادَ بَغْيٌ عَلَى قومٍ عليه بَغَوْا / وحاقَ مَكْرٌ بأَقْوَامٍ به مَكَرُوا
لَمْ يَخْفَ عَنْ عِلْمِهِ في الأرضِ خافِيَةٌ / كأَنَّهُ لِلْوُجُودِ السَّمْعُ والبَصَرُ
فلا يَظُنّ مُرِيبٌ مِنْ جهالَتِهِ / بأَنَّ في الأرضِ شيءٌ عنه يَسْتَتِرُ
عَصَتْ عليه أُناسٌ لا خَلاقَ لَهُمْ / الشُّؤْمُ شِيمَتُهُمْ واللُّؤْمُ والدَّبَرُ
تَلَثَّمُوا ثمَّ قالوا إننا عَرَبٌ / فقلتُ لا عَرَبٌ أنتمْ وَلا حَضَرُ
ولا عُهُودَ لكُمْ تُرْعَى ولا ذِمَمٌ / ولا بُيُوتُكُم شَعْرٌ وَلا وَبَرُ
وأَيُّ بَرِّيَّةٍ فيها بُيُوتُكُم / وَهلْ هِيَ الشَّعْرُ قولوا لي أَمِ المَدَرُ
وَليسَ يُنْجِي امْرَأً رامُوا أَذِيَّتُهُ / منهمْ فِرارٌ فَقُلْ كَلَّا ولا وَزَرُ
يَشْكُو جميع بنِي الدُّنيا أَذِيَّتَهُمْ / فهمْ بِطُرْقِهِمُ الأحجارُ والحُفَرُ
يَرَوْنَ كلَّ قَبيحٍ مِنْهُمُ حَسَناً / وَلَمْ يُبالُوا أَلامَ الناسُ أَمْ عَذَرُوا
مِنْ لُؤْمِ أحْسَابِهِمْ إنْ شاتَمُوا رَبحوا / وَمِنْ حَقَارَتِهِمْ إنْ قاتَلوا خَسِروا
لَمَّا عَلِمْتَ بأنَّ الرِّفْقَ أَبْطَرَهمْ / والمُفْسِدُون إذا أَكْرَمْتَهُمْ بَطِرُوا
زَجَرْتَهُمْ بعقوباتٍ مُنَوَّعَةٍ / وفي العقوباتِ لِلطاغينَ مُزْدَجَرُ
كأَنّهم أَقْسَمُوا باللَّهِ أنَّهمُ / لا يَتْركونَ الأذى إِلَّا إذَا قُهِرُوا
فَمَعْشَرٌ رَكِبُوا الأَوْتادَ فانقطعَتْ / أَمْعاؤُهم فَتَمَنَّوْا أَنَّهمْ نُحِرُوا
ومَعْشَرٌ قُطِعَتْ أَوْصالُهمْ قِطَعاً / فما يُلَفِّقُها خَيْطٌ ولا إبَرُ
ومَعْشَرٌ بالظُّبا طارتْ رؤُوسُهُمُ / عَنِ الجُسومِ فَقُلْنَا إنها أُكَرُ
وَمَعْشَرٌ وُسِّطُوا مثْلَ الدِّلاءِ وَلمْ / تُرْبَطْ حِبَالٌ بها يَوْماً ولا بَكَرُ
وَمَعْشَرٌ سُمِّروا فوْقَ الجِيادِ وقدْ / شَدَّتْ جُسومَهُمُ الألواحُ وَالدُّسُرُ
وآخَرُونَ فَدَوْا بالمالِ أنفُسَهُمْ / وقالتِ الناسُ خَيْرٌ مِنْ عَمىً عَوَرُ
مَوْتاتُ سَوْءٍ تَلَقَّوْها بما صَنَعُوا / وَمِنْ وَراءِ تَلَقِّيهِمْ لها سَقَرُ
وَقد تَأَدَّبَتِ المُسْتَخْدمون بهم / وَالغافلون إذَا ما ذُكِّرُوا ذَكَرُوا
فَعَفَّ كلُّ ابنِ أُنْثَى عَنْ خِيانتهِ / فَلَمْ يَخُنْ نفسَهُ أُنْثَى وَلا ذكرُ
إنْ كانَ قد صَلَحَتْ مِنْ بعْدِ ما فَسَدَتْ / أَحوالُهمْ بِكَ إنَّ الكَسْرَ يَنْجَبِرُ
لَوْلاكَ ما عَدَلُوا مِنْ بَعْدِ جَوْرِهُمُ / عَلَى الرَّعايا ولا عَفُّوا وَلا انْحَصَرُوا
ولا شَكَرْتُهُم مِنْ بَعْدِ ذَمِّهِمُ / كأنهم آمَنُوا مِنْ بَعْدِ ما كَفَرُوا
وكُنْتُ وصَّيْتُهُمْ أنْ يَحْذَروكَ كما / وصَّى الحكيمُ بَنِيهِ وَهْوَ مُحْتَضرُ
وقلتُ لا تَقْرَبوا مالاً حَوَتْ يَدُهُ / فالفَخُّ يَهْرُبُ منه الطائر الحَذِرُ
وحاذِرُوا معه أنْ تَرْكَبُوا غَرَراً / فليسَ يُحْمَدُ مَنْ مركُوْبُهُ الغَرَرُ
ولا تَصَدَّوْا لما لم يرض خاطرُهُ / إنَّ التَّصدِّي لما لم يرضه خطَرُ
فبان نصحي لهُمْ إذ ماتَ ناظِرُهمْ / وَقد بَدَت لِلوَرَى فِي مَوتِهِ عِبَرُ
مُقَدَّماتٌ أماتاهُ وأقْبَرَهُ / مَشاعِلِيَّانِ ما أَدَّوْا وَلا نَصَرُوا
وجَرَّسُوهُ عَلَى النَّعْشِ الذي حَمَلُوا / مِنَ الفِراشِ إلَى القَبْرِ الذي حَفَرُوا
يا سوءَ ما قَرَؤُوا مِنْ كلِّ مُخْزِيَةٍ / عَلَى جَنَازَتِهِ جَهْرَاً وما هَجَرُوا
وَكَبَّرُوا بَعْدَ تَصْغِيرٍ جَرَائمَهُ / وقَبَّحُوا ما طَوَوْا منها وما نَشَرُوا
وكانَ جَمَّعَ أمْوالاً وَعَدَّدَها / وظَنَّهَا لِصُروفِ الدَّهْرِ تُدَّخَرُ
فآذَنَتْ بِزَوالٍ عنه مُسْرِعَةً / كما يَزُولُ بِحَلْقِ العانَةِ الشَّعَرُ
وراحَ مِنْ خِدْمَةٍ صِفْرَ اليَدَيْنِ فقُل / لِلْعامِلينَ عليها بَعْدَه اعْتَبِروا
ما عُذْرُ ماشٍ مَشَى بالظُّلْمِ في طُرْقٍ / رَأى المُشاةَ عليها بَعْدَهُ عَبَرُوا
إذا تَفَكَّرْتَ في المُسْتَخْدمينَ بَدَا / منهم لِعَيْنَيْكَ ما لم يُبْدِهِ النَّظَرُ
ظَنُّوهُمُ عَمَرُوا الدُّنيا بِبَذْلِهمُ / وَإنما خَرَّبُوا الدُّنيا وما عَمَرُوا
فطهِّرِ الأرضَ منهم إنَّهمْ خَبَثٌ / لوْ يَغْسِلُونَهُمُ بالبحرِ ما طهُرُوا
نِيرانُ شَرٍّ كَفانَا اللَّهُ شَرَّهُمُ / لا يَرْحَمُونَ وَلا يُبقُون إنْ ظَفِرُوا
فاحْذَرْ كِبارَ بَنيهِمْ إنهمْ قُرُمٌ / وَاحْذَرْ صِغَارَ بَنيهمْ إنَّهم شَرَرُ
فالفيلَ تَقْتُلُه الأَفْعَى بِأَصْغَرِها / فيها ولم تخشَهُ منْ سِنِّها الصِّغَرُ
واضرِبهُم بَقَناً مثلِ الحديدِ بهمْ / فليسَ من غَيرِ ضَرْبٍ يَنْفَعُ الزُّبُرُ
ولا تَثِقْ بِوَفاءٍ مِنْ أَخِي حُمُقٍ / فالحُمْقُ دَاءٌ عَياءٌ بُرْؤُه عَسِرُ
مِنْ كلِّ مِنْ قَدْرُهُ في نَفْسِهِ أَبَداً / مُعَظَّمٌ وَهوَ عند الناسِ مُحْتَقَرُ
يَصُدُّ عنكَ إذَا استَغْنَى بِجانبِهِ / وَلا يَزُورُكَ إِلَّا حِينَ يَفْتَقِرُ
كأنَّه الدَّلوُ يعلو حينَ تَمْلَؤُهُ / ماءً وَيُفْرِغُ ما فيهِ فَيَنْحَدِرُ
وَالدَّهْرُ يَرْفَعُ أَطْرَافاً كما رَفَعَتْ / أَذْنَابَها لِقَضَاءِ الحاجَةِ البَقَرُ
حَسْبُ المَحَلَّةِ لَمَّا زال َ ناظِرُها / أن زَالَ مُذْ زَالَ عنها البُؤْسُ والضَّرَرُ
وَأنَّ أَعْمالَها لَمَّا حَللْتَ بها / تَغارُ مِنْ طِيبِها الجَنَّاتُ والنُّهُرُ
وأَهْلَهَا في أَمانٍ مِنْ مَساكِنِها / مِنْ فَوْقِهِمْ غُرَفٌ مِنْ تَحتِهِمْ سُرُرُ
مَلأتَ فِيها بُيُوتَ المَالِ مِنْ ذَهَبٍ / وَفِضَّةٍ صُبَراً يَا حَبَّذَا الصُّبَرُ
وَالمالُ يُجْنَى كما يُجْنَى الثمارُ بها / حتّى كأنَّ بَنِي الدُّنيا لها شَجَرُ
وتابَعَتْ بعضَها الغَلَّاتِ في سَفَرٍ / بعضاً إلَى شُوَنٍ ضاقَتْ بهاالخُدُرُ
وَسِيقَتِ الخَيْلُ لِلأَبْوَابِ مُسْرَجَةً / لَمْ تُحْص عَدَّاً وَتُحْصَى الأَنْجُمُ الزُّهُرُ
وَالهُجْنُ تَحْسِبُها سُحْباً مُفَوَّفَةً / في الحَقِّ منها فضاء الجَوِّ مُنْحَصِرُ
وكلُّ مُقْتَرَحٍ ما دارَ في خَلَدٍ / يأْتِي إليكَ به في وقتهِ القَدَرُ
وَما هَمَمْتَ بِأَمْرٍ غير مَطْلَبِهِ / إِلّا تَيَسَّرَ مِنْ أسبابهِ العَسِرُ
والعاملونَ عَلَى الأموال ما عَلِمُوا / مِنْ أيِّما جهة يأْتي وما شَعَرُوا
وما أُرَى بَيتَ مالِ المسلمينَ دَرَى / مِنْ أَيْنَ تأتي لهُ الأكياسُ وَالبِدَرُ
هذا وما أحَدٌ كلَّفْتَهُ شَطَطاً / بمَا فَعَلْتَ كأنَّ الناسَ قد سُحِروا
بل زَادَهم فيكَ حُبّاً ما فَعَلْتَ بهِم / مِنَ الجَمِيلِ وَذَنْبُ الحُبِّ مُغْتَفَرُ
فإنْ شَكَوْا بِغْضَةً مِمَّنْ مَضَى سَلَفَتْ / فما لِقَلْبٍ عَلَى البَغْضَاءِ مُصْطَبَرُ
فالصَّبْرُ مِنْ يَدِ مَنْ أَحْبَبْتَهُ عَسَلٌ / وَالشَّهْدُ مِنْ يَدِ مَنْ أَبْغَضْتَهُ صَبرُ
لقدْ جُبِلْتَ بمَكْروهٍ عَلَى أَحَدٍ / حُكْماً يُخَالِفُهُ نَصٌّ وَلا خَبرُ
رُزِقْتَ ذُرِّيَّةً ضاهَتْكَ طَيِّبَةً / مِنْ طِينَةٍ غارَ منها العَنْبَرُ العَطِرُ
فليَنهِكَ اليومَ منها الفضلُ حين غَدا / دينُ الإلهِ بِسَيْفِ الدِّينِ مُنْتَصِرُ
عَلَى صفاتِكَ دَلَّتْنا نَجَابَتُهُ / وَبانَ مِنْ أَيْنَ ماءُ الوَرْدِ يُعْتَصَرُ
مِيزانُهُ في التُّقَى مِيزَانُ مَعْدَلَةٍ / وَحِكْمَةٍ لا صَغىً فيها وَلا صِغرُ
مَشَى صِرَاطاً سَوِيَّاً مِنْ دِيَانَتِهِ / فما يَزالُ بِأمْرِ اللَّهِ يَأْتَمِرُ
تُرْضِيكَ في اللَّهِ أَعْمالٌ وَتُغْضِبُهُ / وَمَا بَدا لِيَ أَمْرٌ مِنْكُمَا نُكرُ
قالت ليَ النّاسُ ماذَا الخُلْفُ قلتُ لهمْ / كما تَخَالَفَ موسى قَبْلُ والخَضِرُ
أما عَصَى أَمْرَ عِنْدَ سَفْكِ دَمٍ / ما في شَرِيعَةِ موسى أنَّه هَدَرُ
وقد تعاطى ابنُ عَفَّانٍ لأُسرَتِهِ / وما تعاطَى أبو بَكْرٍ ولا عُمَرُ
ولَنْ يضِيرَ أُولي التَّقْوَى اختلافُهُم / وهم على فِطْرَةِ الإسلامِ قد فُطِرُوا
مُشَمِّرٌ في مَراعِي اللَّهِ مجتَهِدٌ / وبالعَفافِ وَتَقْوَى اللَّهِ مُؤتَزِرُ
زانَ اللَّياليَ وَالأَيّامَ إذْ بَقِيَتْ / كأنّها غُرَرٌ في إثْرِها طُرَرُ
وَقَعتُ بَينَ يَدَيْهِ مِنْ مَهابَتِهِ / وقالتِ الناسُ مَيْتٌ مَسَّهُ كِبَرُ
وَقَصَّرَتْ كلماتي عَنْ مَدَائِحهِ / وقد أتيتُ مِنَ الحالَيْنِ أعتَذِرُ
فاقبَل بِفَضْلِكَ مَدْحاً قد أَتَاكَ به / شيخٌ ضَعِيفٌ إلى تَقْصِيرِهِ قِصَرُ
فما عَلَى القَوْسِ مِنْ عَيْبٍ تُعَابُ به / إنِ انْحَنَتْ وَاستقامَ السَّهْمُ والوتَرُ
وَالْبَسْ ثَنَاءً أَجَادَتْ نَسْجَهُ فِكَرٌ / يَغَارُ في الحُسْنِ منه الوشْيُ والحِبَرُ
مِنْ شاعرٍ صادِقٍ ما شانهُ كَذبٌ / فيما يقولُ وَلا عِيٌّ وَلا حَصَرُ
يَهِيمُ في كلِّ وَادٍ منْ مدائِحِهِ / عَلَى معانٍ أَضَلَّتْ حُسْنَها الفِكَرُ
لا يَنْظِمُ الشِّعْرَ إِلَّا في المَديحِ وَما / غيرُ المديحِ لُهُ سُؤْلٌ وَلا وَطَرُ
ما شاقَهُ لِغَزالٍ في الظّبا غَزَلٌ / وَلا لِغانِيَةٍ في طَرفِها حَوَرُ
مَديحُهُ فيكَ حرٌّ لَيسَ يَملِكُهُ / منَ الجَوائِزِ أثَمَانٌ وَلا أُجرُ
إنَّ الأَديبَ إذا أهْدَى كَرَائِمَهُ / فَقَصْدُهُ شَرَفُ الأنسابِ لا المَهرُ
تبّاً لِقَوْمٍ قدِ اسْتَغْنَوا بِما نَظَموا / مِنِ امْتِدَاحِ بَني الدُّنْيا وَما نَثَرُوا
فَلَوْ قَفَوْتُ بأَخْذِ المالِ إثرَهم / لَعَوَّقَتْني القَوافِي فيكَ والفِقَرُ
خَيْرٌ مِنَ المال عِنْدِي مَدْحُ ذِي كَرَمٍ / ذِكْرِي بِمَدْحِي لهُ في الأرضِ يَنْتَشِرُ
فالصُّفْرُ مِنْ ذَهَبٍ عِنْدِي وإنْ صفِرَتْ / يَدِي وَإنْ غَنِيَتْ سِيَّان والصُّفُرُ
بَقِيتَ ما شِئْتَ فيما شِئْتَ مِنْ رُتَبٍ / عَلِيَّةٍ عُمُرُ الدُّنيا بِها عَمِرُوا
وَبَلَّغَتْكَ اللّيالِي ما تُؤَمِّلُهُ / وَلا تَعَدَّتْ إلَى أَيَّامِكَ الغِيَرُ
وَقد دَعَتْ لكَ منِّي كُلُّ جَارِحَةٍ / وبالإِجابَةِ فَضْلُ اللَّهِ يُنْتَظَرُ
يَهُودُ بُلْبَيْسَ كُلَّ عِيدٍ
يَهُودُ بُلْبَيْسَ كُلَّ عِيدٍ / أَفضلُ عندي مِنَ النَّصارَى
أما تَرَى البَغْلَ وهْوَ بَغْلٌ / فِي فَضْلِهِ يَفْضُلُ الْحِمَارا
إلى متى أنتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ
إلى متى أنتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ / وَأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤُولُ
فِي كلِّ يَوْمٍ تُرَجِّي أن تتوب غداً / وَعَقدُ عَزمِكَ بالتَّسوِيفِ مَحْلُولُ
أما يُرَى لَكَ فيما سَرَّ مِنْ عَمَلٍ / يَوْماً نَشاطٌ وعَمَّا ساءَ تَكسِيلُ
فَجَرِّدِ العَزْمَ إنَّ الموتَ صارِمُهُ / مُجَرَّدٌ بِيَدِ الآمالِ مَسْلُولُ
واقطع حِبالَ الأَمانِيِّ الَّتي اتَّصَلَت / فَإِنَّما حَبلُها بِالزُّورِ مَوصُولُ
أَنفَقتَ عُمْرَكَ فِي مالٍ تُحَصِّلُهُ / ومَا عَلَى غيرِ إثْمٍ منكَ تحصيلُ
وَرُحتَ تَعمُرُ داراً لا بَقاءَ لها / وَأَنتَ عَنها وَإِن عُمِّرتَ مَنقُولُ
جَاءَ النَّذيرُ فَشَمِّر لِلمَسِيرِ بِلا / مَهلٍ فَلَيسَ معَ الإِنذارِ تَمهِيلُ
وصُن مَشِيبَكَ عن فِعلٍ تُشَانُ بِهِ / فكلُّ ذِي صَبْوَةٍ بالشَّيبِ مَعْذُولُ
لا تَنكِرَنهُ وفي القَودَينِ قَد طَلَعَت / مِنهُ الثُّرَيَّا وفوْقَ الرَّأْسِ إكليلُ
فَإِنَّ أَروَاحَنا مِثلَ النُّجُومِ لها / مِنَ المَنِيَّةِ تَسْيِيرٌ وَتَرْحِيلُ
وَإنَّ طالِعَها مِنَّا وَغَارِبَها / جِيلٌ يَمُرُّ وَيَأتي بَعْدَهُ جِيلُ
حتّى إِذا بَعَثَ اللَّهُ العِبادَ إلَى / يَوْمٍ بهِ الحكمُ بينَ الخلقِ مَفصُولُ
تَبَيَّنَ الرِّبحُ والخُسْرانُ في أُمَمٍ / تَخالَفَت بَينَنا مِنها الأَقاوِيلُ
فَأَخْسَرُ النّاسِ مَن كانَت عَقِيدَتُهُ / فِي طَيِّها لِنُشُورِ الخَلْقِ تَعْطِيلُ
وَأُمَّةٌ تَعبُدُ الأَوثَانَ قَدْ نُصِبَت / لها التَّصاوِيرُ يَوْماً والتَّماثِيلُ
وأُمَّةٌ ذَهَبت لِلعِجلِ عابِدَةً / فَنالَها مِن عَذابِ اللَّهِ تَعجِيلُ
وأُمَّةٌ زَعَمَتْ أنَّ المَسِيحَ لها / رَبٌّ غَدا وَهوَ مَصلُوبٌ وَمَقْتُولُ
فَثَلَّثت واحداً فَرداً نُوَحِّدُهُ / وَلِلبَصَائِرِ كالأَبْصَارِ تَخْيِيلُ
تبارَكَ اللَّهُ عَمَّا قالَ جاحِدُهُ / وجاحِدُ الحَقِّ عِندَ النَّصرِ مَخذُولُ
وَالفَوْزُ فِي أَمَّةٍ ضَوْءُ الوُضوءِ لها / قَدْ زانَهَا غُرَرٌ منه وَتحْجِيلُ
تَظَلُّ تَتْلو كِتابَ اللَّهِ لَيسَ بِهِ / كسائِرِ الكُتبِ تَحرِيفٌ وَتَبدِيلُ
فالكُتبُ والرُّسلُ من عِندَ الإلهِ أَتَت / ومنهم فاضِلٌ حَقّاً ومَفضولُ
والمُصطفَى خيرُ خلقِ اللَّهِ كُلِّهِمِ / لهُ عَلَى الرُّسلِ تَرجِيحٌ وتَفضِيلُ
مُحَمَّدٌ حُجَّةَ اللَّهِ الّتي ظَهَرَت / بِسُنَّةٍ ما لها فِي الخَلقِ تَحوِيلُ
نَجْلُ الأكارِمِ والقَومِ الَّذين لَهم / عَلَى جمِيعِ الأَنَامِ الطَّوْلُ والطُّولُ
مَنْ كَمَّلَ اللَّهُ مَعناهُ وصورَتَهُ / فَلَم يَفُتهُ عَلَى الحالَيْن تَكْمِيلُ
وخَصَّهُ بِوقَارٍ قَرَّ مِنهُ لَهُ / فِي أَنفُسِ الخَلقِ تَعظِيمٌ وتَبجِيلُ
بادِي السكينةِ فِي سُخْطٍ لهُ ورِضاً / فلَمْ يَزَلْ وَهْوَ مَرْهُوبٌ ومَأْمُولُ
يُقَابِلُ البِشرَ مِنهُ بِالنَّدَى خُلُقٌ / زاكٍ عَلَى العَدْلِ والإِحسانِ مَجبولُ
مِنْ آدَمٍ ولِحِينِ الوَضْعِ جَوْهَرُهُ ال / مَكْنُونُ فِي أَنْفَسِ الأَصدافِ مَحمُولُ
فلِلنُّبُوَّةِ إتْمَامٌ وَمُبْتَدَأٌ / بِهِ وَللفَخرِ تَعجِيلٌ وَتأجِيلُ
أَتَت إِلى النّاسِ مِن آياتِهِ جُمَلٌ / أَعيَت عَلَى النَّاسِ مِنهُنَّ التَّفاصيلُ
أَنْبَا سَطِيحٌ وشِقٌّ وَابْنُ ذِي يَزَنٍ / عنه وقُسٌّ وَأَحبارٌ مَقاوِيلُ
وَعَنهُ أَنْبَأَ موسى وَالمسيحُ وقَد / أَصغَت حَوارِيُّهُ الغُرُّ البَهاليلُ
بِأَنَّهُ خاتَمُ الرُّسْلِ المُبَاحُ لهُ / مِنَ الغَنائِمِ تقسيمٌ وَتَنفِيلُ
وليسَ أَعْدَلَ منه الشاهِدُونَ لهُ / وَلا بِأَعْلَمَ منه إن هُمُ سِيلُوا
وَإِنْ سَأَلتَهُم عَنهُ فَلا حَرَجٌ / إِنَّ المَحَكَّ عَنِ الدِّينارِ مَسْؤُولُ
كم آيةٍ ظَهَرَتْ فِي حين مَولِدِهِ / بهِ البشائرُ منها والتَّهاويلُ
عُلومُ غَيْبٍ فلا الأرصادُ حاكِمةٌ / وَلا التقاوِيمُ فيها وَالتَّحاوِيلُ
إِذِ الهَواتِفُ والأَنوارُ شاهِدُها / لَدى المَسامِعِ وَالأبْصارِ مَقْبُولُ
ونار فارِسَ أَضْحَتْ وَهْىَ خامِدَةٌ / وَنَهْرُهُمْ جامِدٌ والصَّرْحُ مَثْلولُ
ومُذْ هدانا إلى الإسلامِ مَبْعَثُه / دَهَى الشياطِينَ والأصْنامَ تَجْدِيلُ
وَانْظُرْ سماء غَدَتْ مَمْلُوءَةً حَرَساً / كَأَنّها البيْتُ لَمَّا جاءَهُ الفيلُ
فَرَدَّتِ الجِنَّ عَنْ سَمْعٍ ملائكةٌ / إِذْ رَدَّتِ البَشَرَ الطَّيْرُ الأبابِيلُ
كلٌّ غَدا وله مِن جِنسِهِ رَصَدٌ / لِلجِنِّ شُهبٌ وللإِنسانِ سِجِّيلُ
لَوْلا نبيُّ الهدَى ما كانَ فِي فَلَكٍ / عَلَى الشياطينِ للأَملاكِ تَوْكِيلُ
لَمَّا تَوَلَّت تَوَلَّى كلُّ مُسْتَرِقٍ / عَنْ مقْعَدِ السَّمْعِ منها وهْوَ مَعْزُولُ
إِن رُمتَ أَكبرَ آياتٍ وأكمَلها / كفاكَ مِن مُحكَمِ القُرآنِ تَنزِيلُ
وانظُر فَلَيس كَمِثلِ اللَّهِ مِن أَحَدٍ / وَلا كَقَولٍ أَتى مِن عِندِهِ قيلُ
لَو يُسْتَطاعُ لهُ مِثْلٌ لَجِيء بِهِ / والمُسْتطاعُ مِنَ الأَعمالِ مَفْعُولُ
لِلّهِ كمْ أَفْحَمَت أَفهامَنا حِكمٌ / مِنهُ وَكَم أَعجَزَ الأَلْبابَ تَأْويلُ
يَهْدِي إِلى كُلِّ رُشدٍ حِينَ يَبعثُهُ / إِلَى المسامِعِ تَرتِيبٌ وَتَرتِيلُ
تَزدادُ مِنهُ عَلَى تردادِهِ مِقَةً / وكُلُّ قَوْلٍ عَلَى التَّردادِ مُملولُ
وَرُبَّما مجَّهُ قَلبٌ بِهِ رِيَبٌ / كما يَمُجُّ دواءَ الدَّاءِ مَعلولُ
ما بَعْدَ آياتِهِ حَقٌّ لِمُتَّبِعٍ / والحَقُّ ما بَعدَهُ إِلَّا الأباطِيلُ
وما مُحمَّدٌ إِلَّا رَحمَةٌ بُعِثَت / لِلعالَمِينَ وفَضلُ اللَّه مَبْذُولُ
هُوَ الشفيعُ إِذَا كانَ المعادُ غَداً / واشتَدَّ لِلحَشرِ تَخوِيفٌ وتَهوِيلُ
فَما عَلَى غَيرِهِ لِلنَّاسِ مُعْتَمَدٌ / وَلا عَلَى غيرِهِ للناسِ تَعوِيلُ
إِنَّ امْرَأً شَمَلَتْهُ مِن شَفَاعَتِهِ / عِنايَةٌ لَامرُؤٌ بالفَوزِ مَشْمُولُ
نالَ المَقامَ الَّذي ما نالَهُ أَحَدٌ / وطالَمَا مَيَّزَ المِقْدارَ تَنْوِيلُ
وَأَدْرَكَ السُّؤلَ لَمَّا قامَ مُجْتَهِداً / وَما بِكلِّ اجتهادٍ يُدْرَكُ السُّولُ
لو أنَّ كُلَّ عُلاً بالسَّعْيِ مُكْتَسَبٌ / ما جازَ حينَ نُزُولِ الوَحْىِ تَزْمِيلُ
أَعْلَى المَراتِبِ عِنْدَ اللَّهِ رُتْبَتُهُ / فاعلَمْ فما مَوضِعُ المَحْبوبِ مَجهولُ
مِنْ قابِ قَوْسَينِ أوْ أَدْنَى لهُ نُزُل / وحُقَّ منه له مَثوَىً وَتَحلِيلُ
سَرَى إلى المسجِدِ الأَقصَى وَعاد بهِ / ليلاً بُراقٌ يبارِي البَرقَ هُذْلولُ
يا حَبَّذا حالُ قُرْب لا أَكَيِّفُه / وحبَّذا حالُ وصل عَنهُ مغفولُ
وَكَمْ مواهِب لم تَدْرِ العِبادُ بِها / أَتَتْ إِليه وَسِتْرُ اللَّيلِ مَسْدُولُ
هذا هُو الفَضْلُ لا الدُّنيا وما رَجَحَت / به الموازِينُ منها والمكايِيلُ
وَكَمْ أَتَتْ عنْ رسُولِ اللَّهِ بَيِّنَةٌ / فِي فضلها وافَقَ المَنْقُول مَعْقُولُ
نُورٌ فليسَ لهُ ظِلٌّ يُرَى ولهُ / مِنَ الغَمامَةِ أَنَّى سارَ تَظْليلُ
ولا يُرَى فِي الثَّرَى أَثَرٌ لأَخمَصِهِ / إِذا مَشَى وَلهُ فِي الصَّخْرِ تَوْحِيلُ
دنَا إِليه حَنِينُ الجِذْعِ مِنْ شَغَفٍ / إِذْ نالهُ بَعْدَ القُرْبِ تَزْيِيلُ
فَلَيْتَ مِنْ وَجهِهِ حَظِّى مُقابَلةٌ / وَلَيْتَ حَظَّيَ منْ كَفَّيْهِ تَقْبِيلُ
بِيض مَيامِينُ يُستَسقي الغمامُ بِها / للشَّمسِ مِنها وَللأنواءِ تَخجيلُ
ما إِن يَزالُ بِها فِي كلِّ نازِلةٍ / لِلْقُلِّ كُثْرٌ وَلِلتَّصْعِيبِ تَسْهِيلُ
فاعجَبْ لأَفعالِها إِنْ كُنْتَ مُدْرِكَها / واطْرَبُ إِذَا ذُكِرَتْ تِلْكَ الأفاعيلُ
كم عاوَدَ البُرْءُ مِنْ إِعْلالِهِ جَسَداً / بِلَمِسِهِ واسْتَبانَ العَقْلَ مَخْبُولُ
وَرَدَّ أَلْفَيْنِ فِي رِيٍّ وَفي شِبَعٍ / إِذْ ضاق باثْنيْنِ مَشْرُوبٌ ومَأْكُولُ
وَردَّ ماءَ ونُوراُ بَعْدَ ما ذَهَبا / رِيقٌ لهُ بِكِلا العَيْنَينِ مَتْفُولُ
وَمَنْبَعُ الماء عَذْباً مِنْ أصابِعِهِ / وذاكَ صُنْعٌ به فينا جَرَى النيلُ
وَكَمْ دعا وَمُحَيَّا الأرضِ مُكْتَئِبٌ / ثُمَّ انثَنَى وَله بِشْرٌ وتهليلُ
فأصْبَحَ المُحْلُ فيها لا مَحَلَّ لَهُ / وغالَ ذِكْرَ الغَلا مِن خِصْبِها غُولُ
فبِالظِّرابِ ضُرُوبُ لِلْغَمامِ كما / عَنِ البِناءِ عَزالِيها مَعازِيلُ
وآضَ مِنْ رَوْضِها جِيدُ الوجودِ به / مِنْ لُؤلُؤٍ النَّورِ تَرْضِيعٌ وتكلِيلُ
وَعَسْكَرٍ لجَبٍ قَدْ لَجَّ فِي طَلَبٍ / لِغَزوِهِ غَرَّهُ بَأْسٌ وتَرْعِيلُ
دَعَا نزَالٍ فَوَلَّى وَالبَوارُ به / مِنَ الصَّبا وَالحَصَى والرُّعْبِ مَنْزُولُ
واغَيْرَنا حِينَ أَضْحَى الغارُ وهُوَ بِهِ / كِمَثْلِ قَلْبِيَ مَعْمُورٌ وَمَأْهُولُ
كَأَنَّمَا المُصطفَى فيهِ وصاحبُه / الصِّدِّيقُ لَيْثان قَدْ آواهُما غِيلُ
وَجلَّلَ الغارَ نَسْجُ العنكبوتِ عَلَى / وَهْنٍ فيا حَبَّذا نَسْجٌ وَتَجْليلُ
عِنايُةٌ ضَلَّ كَيْدُ المُشْرِكينَ بها / وما مَكايِدُهُم إِلاَّ الأضاليلُ
إِذْ يَنْظُرُونَ وَهمْ لا يُبْصِرونَهُما / كَأَنَّ أَبصارَهمْ مِنْ زَيْغِهَا حُولُ
إِنْ يَقْطَعِ اللهُ عنه أُمَّةٌ سَفِهَتْ / نُفُوسها فلهَا بالكُفْرٍ تَعْليلُ
فإِنَّهَا الرُّسْلُ وَالأَمْلاكُ شافِعُها / لِوُصْلةٍ منه تَسآلٌ وَتَطْفِيلُ
ما عُذْرُ مَنْ مَنَعَ التَّصْدِيقَ مَنْطِقَهُ / وقد نبا منه مُحْسُوسٌ ومعقولُ
والذِّئْبُ والعَيْرُ وَالموْلودُ صَدَّقَهُ / والظّبْىُ أَفْصَحَ نُطْقاُ وَهْوَ مُحْبُولُ
والبَدْرُ بادَرَ مُنْشَقَاً بِدَعْوتِهِ / لهُ كما شُقَّ قَلْبٌ وهْوَ مَتْبُولُ
وَالنَّخْلُ أَثْمَرَ فِي عامٍ وسُرَّ بهِ / سَلْمانُ إِذْ بَسَقَتْ منهُ العثاكِيلُ
إِنْ أَنْكَرَتْهُ النَّصَارَى واليهُودُ عَلَى / ما بَيَّنَتْ منه تَوْراةٌ وإِنْجِيلُ
فقد تَكَرَّرَ منهم فِي جُحُودِهُم / لِلْكُفْرِ كُفْرٌ وَلِلتَّجْهيلِ تَجْهيلُ
قُلْ للنصارى الأُلَى ساءَتْ مَقَالَتُهُمْ / فما لها غير مَحْضٍ الجَهْلِ تَعْلِيلُ
مِنَ اليَهُودِ استَفَدْتُمْ ذَا الجحودَ كما / مِنَ الغُرابِ استفادَ الدَّفْن قابِيلُ
فإِنَّ عِنْدَكُمُ تَوْراتُهُمْ صَدَقَتْ / ولمْ تُصَدَّقْ لكمْ منهمْ أناجِيلُ
ظَلَمْتُمُونا فأضْحَوْا ظالِمينَ لكمْ / وذاكَ مِثْلُ قِصاصٍ فيهِ تَعْدِيلُ
مِنْكُمْ لنا ولكم مِنْ بَعْضِكُمْ شُغُلٌ / والناسُ بالناسِ فِي الدُّنيا مَشاغِيلُ
لقَدْ عَلِمْتُمْ ولكِنْ صَدَّكُمْ حَسَدٌ / أنّا بما جاءَنا قَوْمٌ مَقابِيلُ
أما عَرَفْتُمْ نَبيَّ اللهِ مَعرِفَةَ / الأَبْناء لكنكم قَوْمٌ مناكِيلُ
هذا الذي كنتُم تَسْتَفتِحون بهِ / لولاَ اهْتَدَى منكُمُ لِلرُّشْدِ ضِلِّيلُ
فَلاَ تُرَجُّوا جزِيلَ الأجْرِ مِنْ عَمَلٍ / إِنَّ الرَّجاء مِنَ الكُفَّار مُخْذُولُ
تُؤَذِّنونَ بِزِقٍّ مِنْ جَهالَتِكُمْ / بهِ انْتِفَاخٌ وَجِسْمٌ فيهِ تَرْهِيلُ
مُوتوا بغَيظٍ كما قَدْ ماتَ قَبلَكُمُ / قابِيلُ إِذْ قَرَّب القُرْبانَ هابيلُ
يا خيرَ مَنْ رُوِيَتْ لِلناسِ مَكْرُمُةٌ / عنهُ وفُصَّلَ تَحْرِيمٌ وَتُحْليلُ
كَمْ قَدْ أتتْ عنكَ أخبارٌ مَخبِّرَة / فِي حُسْنِها أَشْبَهَ التَّفْريعَ تَأْصِيلُ
تُسْرِى إِلَى النَّفْسِ منها كلما ورَدَتْ / أنْفاسُ وَرْدٍ سَرَتْ وَالوَرْدُ مَطْلولُ
مِنْ كلِّ لَفْظٍ بَلِيغٍ راقَ جَوْهَرَهُ / كأنَّهُ السَّيْفُ ماضٍ وَهْوَ مَصْقُولُ
لَمْ تُبْقِ ذِكْراً لِذِي نُطْقٍ فَصاحَتُهُ / وهلْ تُضيءُ مَعَ الشِّمْسِ القناديل
جاهَدْتَ في اللهِ أبْطالَ الضَّلاَلِ إِلى / أَنْ ظَلَّ لِلشِّرْكِ بالتَّوحِيدِ تَبْطِيلُ
شَكا حُسامُكَ ما تَشْكو جُمُوعُهُمْ / ففيه منها وفيها منه تَفْلِيلُ
لِلهِ يَوْمُ حُنَينٍ حينَ كانَ بهِ / كساعة البَعْثِ تَهْويلٌ وَتَطْوِيلُ
وَيَوْمُ أقْبَلَتِ الأحزابُ وانْهزَمَتْ / وكُمْ خبا لَهَبٌ بالشِّرْكِ مَشْعُولُ
جاءوا بأسلحَةٍ لَمْ تَحْمِ حامِلَها / إِنَّ الكُماةَ إذا لَمْ يُنصَرُوا مِيلُ
مِنْ بعدِ ما زُلزلتْ بالشِّرْكِ أَبْنِيةٌ / وانْبَتَّ حُبْلٌ بأيْدِى الرَّيْبِ مُفْتُولُ
وظّنَّ كلُّ امرِىءٍ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ / بأنَّ مَوْعِدَهُ بالنَّصْرِ مُمْطُولُ
فأَنْزَلَ اللهُ أَمْلاكاً مُسَوَّمَة / لَبُوسُها مِنْ سَكِيناتٍ سَرابِيلُ
شاكى السِّلاح فما تَشكُوا الكَلالَ وَمِنْ / صنْعِ الإِله لها نَسْجٌ وَتَأْثِيلُ
مِنْ كلِّ مَوْضونَةٍ حَصْداء سابِغَةٍ / تَرُدُّ حَدَّ المَنايا وهْوَ مَفْلولُ
وَكلَّ أَبْتَرَ لِلْحَقِّ المُبِينِ بهِ / وَلِلضَّلالَةِ تَعْدِيلٌ وَتَمْيِيلُ
لَمْ تُبْقِ للشِّرْكِ مِنْ قَلْبٍ وَلا سَبَبٍ / إلاَّ غَدَا وَهْوَ مَتْبُولٌ وَمَبْتُولُ
وَيَومُ بَدْرٍ إِذ الإِسلامُ قَدْ طَلَعَتْ / به بُدُوراً لها بالنصْرٍ تَكمِيلُ
سِيئَتْ بما سَرَّنا الكُفَّارُ منه وَقد / أفْنَى سَراتَهُمُ أَسْرٌ وتَقْتِيلُ
كأَنَّما هُوَ عُرْسٌ فيه قَدْ جُلِيَتْ / عَلَى الظُّبا والقَنا رُوسٌ مَفاصِيلُ
والخَيْلُ تَرْقُصُ زَهْواً بالكُماةِ وما / غيرَ السيوفِ بأيْديِهِمْ منادِيلُ
ولا مُهُور سِوَى الأرْوَاحِ تَقْبَلُها / الْبِيضُ البَهاتِيرُ والسُّمْرُ العَطابِيلُ
فلو تَرَى كلَّ عُضْوٍ مِنْ كُمِاتِهِم / مُفَصَّلاً وهْوَ مَكفُوفُ ومَشْلولُ
كَأَحْرُفٍ أَشْكَلتْ خطاً فأكْثَرُها / بالطَّعْنِ والضَّرْبِ مَنْقُوطٌ ومَشكولُ
وكلُّ بيْتٍ حَكى بَيْتَ العَرُوضِ لهُ / بالبِيضِ والسُّمْرِ تَقْطِيعٌ وتَفْصِيلُ
وداخَلَتْ بالرَّدَى أَجزاءَهمْ عِلَلٌ / غَدَا المُرَفَّلُ منها وهْوَ مَجْزُولُ
وَكلُّ ذِي تِرَةٍ تَغْلِي مَراجلُهُ / غَدَا يُقادُ ذَليلاً وهْوَ مَغْلُولُ
وَكلُّ جُرْحٍ بِجِسْمٍ يَسْتَهِلُّ دُماً / كأَنَّهُ مَبْسَمٌ بالرَّاحِ مَعْلُولُ
وعاطلٌ مِنْ سلاحِ قد غَدَا ولهُ / أَساوِرُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ خَلاخِيلُ
والأرضُ مِنْ جُثَثِ القَتْلَى مُجَلَّلَةٌ / والتُّرْبُ مِنْ أَدْمُعِ الأحياءِ مَبْلولُ
غَصَّتْ قُلوبٌ كما غَصَّ القَلِيبُ بهم / فللأَسَى فيهِمُ والنارِ تَأْكِيلُ
فأصْبَحَ البِئْرُ إذْ أَهْلُ البَوارِ به / مِثْلُ الوَطيسِ بهِ جُرْزٌ رَعابيلُ
وأصبَحَتْ أيِّماتٍ مًحْصَناتُهُمُ / وأُمَّهاتُهُمُ وهْيَ المثاكِيلُ
لا تُمْسِكُ الدَّمْعَ مِنْ حُزْنٍ عُيُونُهُمُ / إِلاَّ كما يُمْسِكُ المَاءُ الغَرابِيلُ
وصارَ فَقْرَهُم لِلمسلمينَ غِنىً / وفي المَصائِبِ تَفْوِيتٌ وتَحْصِيلُ
ورَدَّ أوْجُهَهُمْ سُوداً وأعْيُنُهُمْ / بِيضاً مِنَ اللهِ تَنكيدٌ وَتَنْكِيلُ
سالتْ وساءتْ عُيونٌ منهمُ مَثَلاً / كَأَنَّما كلُّها بالشَّوْكِ مِسْمُولُ
أبغِضْ بها مُقَلاً قد أَشْبَهَتْ لَبَناً / طَفا الذُّبابُ عليهِ وهْوَ مَمْقولُ
ويَوْمَ عَمَّ قلوبَ المُسْلِمينَ أسىً / بِفَقْدِ عَمِّكَ والمَفْقُودُ مَجْذُولُ
ونالَ إحْدى الثَّنايَا الكَسْرُ في أُحُدٍ / وجاءَ يَجْبُرُ منها الكَسْرَ جِبرِيلُ
وفي مَواطَنَ شَتى كَمْ أتاكَ بها / نَصْرٌ مِنَ اللهِ مَضْمُونٌ وَمَكْفُولُ
ومَلَّكَتْ يَداكَ اليُمْنَى مَلائكَةٌ / غُرٌّ كِرامٌ وَأَبطالٌ بَهَالِيلُ
يُسارِعُون إذا نَادَيْتَهُمْ لِوَغىً / إنَّ الكِرامَ إذا نُودُوا هَذالِيلُ
مِنْ كُلِّ نِضْوٍ نُحولٍ ما يزالُ به / إلى المَكارِمِ جِدُّ وَهْوَ مَهْزولُ
بَنانُهُ بِدَمِ الأبطالِ مُخْتَضِبٌ / وطَرْفُهُ بِسَنا الإِيمانُ مَكْحُولُ
آلَ النبيِّ بِمَنْ أَوْ ما أُشَبِّهُكُمْ / لقدْ تَعَذَّرَ تَشْبِيهٌ وتَمثِيلُ
وَهلْ سَبِيلٌ إلى مَدْحٍ يكونُ بهِ / لأَهْلِ بَيْتِ رَسولِ اللهِ تَأْهِيلُ
يا قَوْمِ بايَعْتُكُمْ أَنْ لا شَبِيهَ لكُمْ / مِنَ الوَرَى فاسْتَقِيلوا البَيْعَ أَوْ قِيلُوا
جَاءَتْ عَلَى تِلْوِ آياتِ النبيِّ لهُمْ / دلائِلٌ هِيَ للتَّارِيخِ تَذْيِيلُ
مَعاشِرٌ ما رَضُوا إنِّي لَمُبْتَهِجٌ / بِهِمْ وما سَخِطُوا إنِّي لَمَثْكُولُ
وإنَّ مَنْ باعَ في الدُّنيا مَحَبَّتُهُمْ / بِبُغْضِهِ اللهَ في الأُخْرَى لَمَرْذُولُ
وَحَسْبُ مَنْ نَكَلَتْ عنهمْ خواطِرُهُ / إنْ ماتَ أَوْ عاشَ تَنكِيلٌ وَتَثْكِيلُ
إنَّ المَوَدَّة في قُرْبَى النبيِّ غِنىً / لا يَسْتَمِيلُ فُؤادي عنهُ تَمْويلُ
وكَمْ لأَصْحَابِهِ الغُرِّ الكِرامِ يَدٌ / عِنْدَ الإلهِ لها في الفضلِ تَخْوِيلُ
قَوْمٌ لهمْ في الوغَى مِنْ خَوْفِ ربِّهِمْ / حُسْنُ ابْتِلاَءٍ وفي الطَّاعاتِ تَبْتِيلُ
كَأَنَّهُمْ في محارِيبِ مَلاَئِكَةٌ / وفي حُروبِ أَعادِيهِمْ رَآبِيلُ
حَكَى العَباءَةَ قَلْبي حينَ كانَ بها / لِلآلِ تَغْطِيَةٌ والصَّحْبِ تَخْلِيلُ
وَلِي فُؤَادٌ ونُطْقٌ بالوِدادِ لَهُمْ / وبالمدَائِحِ مَشْغُوفٌ ومَشْغولُ
فإنْ ظَنَنْتُ بهمِ خَتْلاً لِبَعْضِهِمُ / إني إذنْ بِغُرُورِ النَّفْسِ مُخْتُولُ
أَئِمَّةُ الدِّينِ كلٌّ في محاوَلَةٍ / إلى صوابِ اجتهادِ منه مَوْكُولُ
لِيَقْضِيَ اللهُ أمْراً كانَ قَدَّرَهُ / وكُلُّ ما قَدَّرَ الرَّحْمنُ مفعُولُ
حَسْبي إذا ما مَنَحْتُ المُصْطفَى مِدَحِي / في الحَشْرِ تَزْكِيَةٌ مِنْهُ وتعدِيلُ
مَدْحٌ بهِ ثَقُلَتْ ميزانُ قائِلِهِ / وخَفَّ عنهُ مِنَ الأوْزارِ تثقِيلُ
وكيفَ تَأْبَى جَنَى أَوْصَافِهِ هِمَمٌ / يَرُوقُهَا مِنْ قُطُوفِ العِزِّ تَذْلِيلُ
وَليسَ يُدْرِكُ أَدْنَى وَصْفِهِ بَشَرٌ / أَيَقْطَعُ الأرضَ ساعْ وَهْوَ مَكْبُولُ
كَلُّ الفَصَاحَةِ عِيٌّ في مَناقِبِهِ / إذا تَفَكَّرْتُ والتَّكْثِيرُ تَقْلِيلُ
لو أَجْمَعَ الخَلْقُ أَنْ يُحْصُوا مَحاسِنَهُ / أَعْيَتْهُمُ جُمْلَةٌ منها وتَفْصِيلُ
عُذْراً إليك رسولَ اللهِ مِنْ كَلِمي / إنَّ الكرِيمَ لديْهِ العُذْرَ مَقْبُولُ
إنْ لَم يكنْ مَنْطِقِي في طعمِهِ عَسَلاً / فإنَّهُ بِمَدِيحي فيكَ مَعْسُولُ
ها حُلَّةً بِخِلاَلٍ منكَ قد رُقِمَتْ / ما فِي محاسِنِها لِلْعِيْبِ تَخْلِيْلُ
جاءتْ بِحُبِّي وَتَصْدِيقي إليكَ وما / حُبِّي مَشُوبٌ ولا التَّصْدِيقَ مَدْخُولُ
ألْبَسْتَها منكَ حُسناً فازْدَهَتْ شَرَفاً / بها الخَواطِرُ مِنا وَالمَناوِيلُ
لَمْ أَنْتَحِلْها ولَمْ أَغصِبْ مَعانِيها / وَغيرُ مَدْحِكَ مَغْصُوبٌ وَمَنْحُولُ
وَما على قَوْلِ كَعْبِ أَنْ تُوازِنَهُ / فَرُبَّمَا وَازَنَ الدُّرَّ المَثاقِيلُ
وَهلْ تُعَادِلُهُ حُسْناً وَمَنْطِقُها / عَنْ مَنْطِقِ العَرَبِ العَرْباءِ مَعْدُولُ
وَحَيْثُ كُنَّا معاً نَرْمِي إلى غَرَضٍ / فَحَبَّذا نَاضِلٌ منا وَمَنضُولُ
إنْ أَقْفُ آثارَهُ إني الغَداةَ بها / على طَرِيقِ نَجَاحٍ مِنكَ مَدْلُولُ
لَمَّا غَفَرْتُ لَهُ ذَنْباً وَصُنْتَ دَماً / لولا ذِمامُكَ أَضْحَى وَهْوَ مَطْلُولُ
رَجَوْتُ غُفْرَانَ ذَنْبٍ مُوجِبِ تَلَفِي / لهُ منَ النَّفْسِ إملاءٌ وَتَسْوِيلُ
وليسَ غيرُكَ لِي مَوْلىً أُؤَمِّلُهُ / بَعْدَ الإلهِ وَحَسْبِي مِنكَ تَأْمِيلُ
ولي فُؤَادُ مُحِبِّ ليسَ يُقْنِعُهُ / غيرُ اللَّقاءِ وَلا يَشْفِيهِ تَعْلِيلُ
يَمِيلُ بِي لَكَ شَوْقاً والأَقْدَارُ تُمْسِكُهُ / وَكَيفَ يَعْدُو جَوادٌ وَهْوَ مَشْكُولُ
مَتَى تَجُوبُ رسولَ اللهِ نَحْوَكَ بِي / تِلْكَ الجِبالَ نَجِيبَاتٌ مَراسِيلُ
فَأَنْثَنِي وَيَدِي بالفَوْزِ ظافِرَةٌ / وَثَوْبُ ذَنْبِي مِنَ الآثامِ مَغْسُولُ
في مَعْشَرٍ أَخْلَصوا للهِ دِينُهُمُ / وفَوَّضُوا إنْ هُمُ نالوا وإنْ نِيلُوا
شُعْثٍ لهُمْ مِنْ ثَرَى البَيْتِ الذي شَرُفَتْ / بهِ النَّبِيُّونَ تَطْيِيبٌ وَتَكْحِيلُ
مُحَلَّقي أَرْؤُسٍ يدَتْ وُجُوهُهُمْ / حُسْناً بهِ فكأنَّ الحَلْقَ تَرْجِيلُ
قد رَحَّبَ البيتُ شَوْقاً وَالمَقَامُ بهمْ / والحِجْرُ والحَجَرُ المَلْثُومُ والميلُ
نَذَرَتْ إنْ جَمَعَتْ شَمْلِي لِبَابِكَ أَوْ / شَفَتْ فُؤَادِي بِهِ قَوْداءُ شِمْلِيلُ
أَبُلُّ مِنْ طَيْبَةٍ بالدَّمْعِ طِيبَ ثَرىً / لَغُلَّتِي وغَلِيلِي منه تُبْلِيلُ
دامَتْ عليكَ صلاَةُ اللهِ يَكْفُلُها / مِنَ المَهَيْمِنِ إبلاغٌ وتًوْصِيلُ
ما لاحَ ضَوءُ صَباحٍ فاشْتَسَرَّ به / مِنَ الكَواكِبِ قِنْدِيلٌ فُقِنْدِيلُ
مَدْحُ النَّبيِّ أُمانُ الخائفِ الوجِلِ
مَدْحُ النَّبيِّ أُمانُ الخائفِ الوجِلِ / فامْدَحْهُ مَرْتَجِلاً أَوْ غيرَ مُرْتَجِلِ
وَلا تُشَبِّبْ بأَوْطَانٍ وَلا دِمَنٍ / ولا تُعَرِّجْ عَلَى رَبْعٍ ولا طَلَلِ
وصِفْ جَمالَ حَبيبِ اللهِ مُنْفَرِدَاً / بِوَصْفِهِ فَهْوَ خَيْرُ الوصْفِ وَالغَزَلِ
ريْحانَتاه على زَهْرِ الرُّبا /
رَيْحانَتاهُ مِنَ الزَّهْراءِ فاطِمَةٍ / خَيرِ النِّسَاءِ وَمِنْ صِنْوِ الإِمامِ علي
إذا امْتَدَحْتُ نَسِيباً مِنْ سُلاَلَتِهِ / فهْوَ النَّسِيبُ لِمَدْحِي سَيِّد الرُّسُلِ
مُحَمَّدٌ أَفْضَل الرُّسْل الَّذي شَهِدَتْ / بِفَضْلِهِ أَنبياءُ الأَعْصُرِ الأُوَلِ
لَمْ يَعْدُهُ الحُسْنُ في خَلْقِ وفي خُلُقٍ / وَلَمْ يَزَلْ حُبُّهُ لِكُلِّ خَلِي
وَقِفْ عَلَة سُنَنِ المَرْضِيِّ مِنْ سُنَنٍ / فإنَّ فيها شِفاءَ الخَبْلِ والخَبَلِ
ونَزِّهْ الفِكْرَ في رَوْضاتِ فِكْرَتِها / واجْنِ البَلاغَةَ مِنْ أَغْصانِها الذُّلُلُ
أمِنْ تَذَكُّرِ جِيران بِذِي سَلَمٍ
أمِنْ تَذَكُّرِ جِيران بِذِي سَلَمٍ / مَزَجْتَ دَمْعاً جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ
أمْ هَبَّتْ الريحُ مِنْ تِلْقاءِ كاظِمَةٍ / وأوْمَضَ البَرْقُ فِي الظلْماءِ مِنْ إضَمِ
فما لِعَيْنَيْكَ إنْ قُلْتَ اكْفُفاهَمَتا / وَما لِقَلْبِكَ إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ
أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الحُبَّ مُنْكتِمٌ / ما بَيْنَ مُنْسَجِمٍ منهُ ومُضْطَرِمِ
لولاَ الهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعَاً عَلَى طَلَلٍ / ولا أَرِقْتَ لِذِكِرِ البَانِ والعَلَمِ
فكيفَ تُنْكِرُ حُبّاً بعدَ ما شَهِدَتْ / بهِ عليكَ عدولُ الدَّمْعِ وَالسَّقَمِ
وَأَثْبَتَ الوجِدُ خَطَّيْ عَبْرَةِ وضَنىً / مِثْلَ البَهارِ عَلَى خَدَّيْكَ وَالعَنَمِ
نَعَمْ سَرَى طَيفُ مَنْ أهوَى فَأَرَّقَنِي / والحُبُّ يَعْتَرِضُ اللَّذاتِ بالألَمِ
يا لائِمِي في الهَوَى العُذْرِيِّ مَعْذِرَةً / مِنِّي إليكَ ولو أَنْصَفْتَ لَمْ تَلُمِ
عَدَتْكَ حالِي لا سِرِّي بِمُسْتَتِرٍ / عَنِ الوُشاةِ وَلا دائي بِمُنْحَسِمِ
مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ لكِنْ لَسْتُ أَسْمَعُهُ / إنَّ المُحِبِّ عَنْ العُذَّالِ في صَمَمِ
إنِّي اتهَمْتُ نَصِيحَ الشَّيْبِ في عَذَلٍ / والشِّيْبُ أَبْعَدُ في نُصِحٍ عَنْ التُّهَمِ
فإنَّ أمَّارَتِي بالسُّوءِ ما اتَّعَظَتْ / مِنْ جَهْلِهَا بنذيرِ الشِّيْبِ وَالهَرَمِ
ولا أَعَدَّتْ مِنَ الفِعْلِ الجَمِيلِ قِرَى / ضَيفٍ ألمَّ بِرَأْسِي غيرَ مُحْتَشِمِ
مَنْ لِي بِرَدِّ جِماحٍ مِنْ غَوايَتِها / كما يُرَدُّ جِماحُ الخَيْلِ باللُّجُمِ
فلا تَرُمْ بالمعاصِي كَسْرَ شَهْوَتِها / إنَّ الطعامَ يُقَوِّي شَهْوَةَ النَّهِمِ
والنَّفْسُ كالطِّفْلُ إنْ تُهْمِلُهُ شَبَّ عَلَى / حُبِّ الرِّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
فاصْرِفْ هَواها وَحاذِرْ أنْ تُوَلِّيَهُ / إنَّ الهَوَى ما تَوَلَّى يُصْمِ أَوْ يَصِمِ
وَراعِها وهِيَ في الأعمالِ سائِمَةٌ / وإنْ هِيَ اسْتَحَلَتِ المَرعَى فلا تُسِمِ
كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّةًً لِلْمَرْءِ قاتِلَةً / مِنْ حَيْثُ لَمْ يّدْرِ أنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ
وَاخْشَ الدَّسائِسَ مِنْ جُوعٍ وَمِنْ شَبَعٍ / قَرَبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
واسْتَفْرِغِ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قد امْتَلأَتْ / مِنَ المَحارِمِ وَالْزَمْ حِمْيَةَ النَّدَمِ
وخالِفِ النُّفْسَ والشَّيْطَانَ واعْصِهِمِا / وإنْ هُمَا مَحَّضَاكَ النُّصْحَ فاتَّهِمِ
وَلا تُطِعْ منهما خَصْماً وَلا حَكَماً / فأَنْتَ تَعْرِفُ كَيْدَ الخَصْمِ والحَكَمِ
أسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ / لقد نَسَبْتُ به نَسْلاً لِذِي عُقُمِ
أمَرْتُكَ الخَيْرَ لكنْ ما ائْتَمَرْتُ به / وما اسْتَقَمْتُ فما قَوْلِي لَكَ اسْتَقِمِ
ولا تَزَوَّدْتُ قبلَ المَوْتِ نافِلةً / ولَمْ أُصَلِّ سِوَى فَرْضٍ ولَمْ أَصُمِ
ظَلَمْتُ سُنَّةَ مَنْ أَحْيا الظَّلامَ إلَى / أنِ اشْتَكَت قَدَماهُ الضُّرَّ مِنْ وَرَمِ
وشدَّ مِنْ سَغَبٍ أحشاءهُ وَطَوَى / تَحْتَ الحِجَارَةِ كَشْحَاً مُتْرَفَ الأَدَمِ
وَرَاوَدَتْهُ الجِالُ الشُّمُّ مِنْ ذَهبٍ / عَنْ نَفْسِهِ فأراها أيُّما شَمَمِ
وَأَكَّدَتْ زُهْدَهُ فيها ضرُورَتُهُ / إنَّ الضَّرُورَة لا تَعْدُو على العِصَمِ
وَكَيْفَ تَدْعُو إلَى الدُّنيا ضَرُورُةُ مَنْ / لولاهُ لَمْ تُخْرِجِ الدُّنيا مِنَ العَدَمِ
مُحَمَّدُ سَيِّدَ الكَوْنَيْنِ والثَّقَلَيْنِ / والفَرِيقَيْنِ مِنْ عُرْبٍ ومِنْ عَجَمِ
نَبِيُّنَا الآمِرُ النَّاهِي فلاَ أَحَدٌ / أبَّرَّ فِي قَوْلِ لا مِنْهُ وَلا نَعَمِ
هُوَ الحَبيبُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ / لِكلِّ هَوْلٍ مِنَ الأهوالِ مُقْتَحَمِ
دَعا إلى اللهِ فالمُسْتَمْسِكُونَ بِهِ / مُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْلٍ غيرِ مُنْفَصِمِ
فاقَ النَّبِيِّينَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ / وَلَمْ يُدانُوهُ في عِلْمٍ وَلا كَرَمِ
وَكلُّهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ / غَرْفاً مِنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ
ووَاقِفُونَ لَدَيْهِ عندَ حَدِّهِمِ / مِنْ نُقْطَة العِلْمِ أَوْ مِنْ شَكْلَةِ الحِكَمِ
فهْوَ الذي تَمَّ معناهُ وصُورَتُه / ثمَّ اصْطَفَاهُ حَبيباً بارِىءُ النَّسَمِ
مُنَزَّهٌ عَنْ شَرِيكٍ في محاسِنِهِ / فَجَوْهَرُ الحُسْنِ فيه غيرُ مُنْقَسِمِ
دَعْ ما ادَّعَتْهُ النَّصارَى في نَبيِّهِمِ / وَاحْكُمْ بما شْئْتَ مَدْحاً فيهِ واحْتَكِمِ
وانْسُبْ إلى ذانه ما شئْتَ مِنْ شَرَفٍ / وَانْسُبْ إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ عِظَمِ
فإنَّ فَضْلَ رسولِ الله ليسَ لهُ / حَدُّ فيُعْرِبَ عنه ناطِقٌ بِفَمِ
لو ناسَبَتْ قَدْرَهُ آياتُهُ عِظَماً / أحْيا اسمُهُ حِينَ يُدْعَى دَارِسَ الرِّمَمِ
لَمْ يَمْتَحِنَّا بما تعْمل العُقولُ بِهِ / حِرْصاً علينا فلمْ ولَمْ نَهَمِ
أعْيا الوَرَى فَهْمُ معْناهُ فليس يُرَى / في القُرْبِ والبُعْدِ فيهِ غيرُ مُنْفَحِمِ
كالشِّمْسِ تَظْهَرُ لِلْعَيْنينِ مِنْ بُعُدٍ / صَغِيرةً وَتُكِلُّ الطَّرْفَ مِنْ أُمَمِ
وَكيفَ يُدْرِكُ في الدُّنيا حَقِيقَتَهُ / قَوْمٌ نِيَامٌ تَسَلَّوْا عنهُ بالحُلُمِ
فمبْلَغُ العِلْمِ فيهِ أنهُ بَشَرٌ / وأنهُ خَيرُ خَلْقِ اللهِ كلِّهِمِ
وَكلُّ آيٍ أتَى الرُّسْلُ الكِرامُ بها / فإنما اتَّصَلَتْ مِنْ نُورِهِ بهِمِ
فإنَّه شّمْسُ فَضْلٍ هُمْ كَواكِبُها / يُظْهِرْنَ أَنْوَارَها للناسِ في الظُّلَمِ
أكْرِمْ بِخَلْقِ نَبِيٍّ زَانَهُ خُلُقٌ / بالحُسْنِ مُشْتَمِلٍ بِالبِشْرِ مُتَّسِمِ
كالزَّهْرِ في تَرَفٍ والبَدْرٍ في شَرَفٍ / والبَحْر في كَرَمٍ والدَّهْرِ في هَمَمِ
كأَنَّهُ وَهْوَ فَرْدٌ مِنْ جلالَتِهِ / في عَسْكَرٍ حينَ تَلْقَاهُ وفي حَشَمٍ
كَأنَّما اللُّؤلُؤُ المَكْنُونُ في صَدَفٍ / مِنْ مَعْدَنَيْ مَنْطِقٍ منهُ ومَبْتَسَمِ
لا طِيبَ يَعْدِلُ تُرْباً ضّمَّ أَعظُمَهُ / طُوبَى لِمُنْتَشِقٍ منهُ وَمُلْتَثِمِ
أبانَ مَوْلِدُهُ عَنْ طِيبِ عُنْصُرِِ / يا طِيبَ مُبْتَدَإٍ منه ومُخْتَتَمِ
يَوْمٌ تَفَرَّسَ فيه الفُرْسُ أنَّهمُ / قد أُنْذِرُوا بِحُلولِ البُؤْسِ والنَقَمِ
وباتَ إيوانُ كِسْرَى وَهْوَ مُنْصَدِعٌ / كَشَمْلِ أَصْحَابِ كِسْرَى غَيْرَ مُلْتَئِمِ
والنَّارُ خامِدَةُ الأنفاسِ مِنْ أَسَفٍ / عليهِ والنَّهْرُ ساهي العَيْنِ مِنْ سَدَمِ
وساءَ ساوَةَ أنْ غاضَتْ بُحَيْرَتُها / ورُدَّ وارِدُها بالغَيْظِ حينَ ظَمِي
كأنَّ بالنارِ ما بالماءِ مِنْ بَلَلٍ / حُزْناً وَبالماءِ ما بالنَّارِ مِنْ ضَرَمِ
والجِنُّ تَهْتِفُ وَالأَنْوارُ ساطِعَةٌ / وَالحَقُّ يَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى ومِنْ كَلِمِ
عَمُوا وَصَمُّوا فإعْلانُ البَشائِرِ لَمْ / تُسْمَعْ وَبارِقَةُ الإِنْذَارِ لَمْ تُشَمِ
مِنْ بَعْدِ ما أَخْبَرَ الأقْوامَ كاهِنُهُمْ / بأنَّ دينَهُمُ المُعْوَجَّ لَمْ يَقُمِ
وبَعْدَ ما عايَنُوا في الأُفْقِ مِنْ شُهُبٍ / مَنْقَضَّةِ وفْقَ ما في الأرْضِ مِنْ صَنَمِ
حَتى غدا عَنْ طَرِيقِ الوَحْيِ مُنْهَزِمٌ / من الشياطِينِ يَقْفُو إثْرَ مَنْهَزِمِ
كأنَّهُمْ هَرَباً أَبطالُ أَبْرَهةٍ / أَوْ عَسْكَرٌ بالحَصَى مِنْ رَاحَتَيْهِ رُمِي
نَبْذاً بهِهِ بَعْدَ تَسْبِيحِ بِبَطْنِهِما / نَبْذَ المُسَبِّحِ مِنْ أحشاءِ مُلْتَقِمِ
جاءتْ لِدَعْوَتِهِ الأشْجارُ ساجِدَةً / تَمْشِي إليهِ عَلَى ساقٍ بِلا قَدَمِ
كأنَّما سَطَرَتْ سَطْراً لِمَا كَتَبَتْ / فُرُوعُها مِنْ بَدِيعِ الخَطِّ في اللَّقَمِ
مِثْلَ الغَمَامَة أنَّى سَارَ سائِرَةٌ / تَقِيهِ حَرَّ وطِيسٍ لِلْهَجِيرِ حَمي
أقْسَمْتُ بالقَمَرِ المُنْشَقِّ إنَّ لَهُ / مِنْ قَلْبِهِ نِسْبَةٌ مَبْرُورُةَ القَسَمِ
ومَا حَوَى الغارُ مِنْ خَيرٍ وَمِنْ كَرَمٍ / وكلُّ طَرْفٍ مِنَ الكُّفَّارِ عنه عَمِي
فالصِّدْقُ في الغارِ والصِّدِّيقُ لَمْ يَرِمِا / وَهُمْ يقولونَ ما بالغارِ مِنْ أَرِمِ
ظَنُّوا الحَمامِ وظَنُّوا العَنْكَبُوتَ على / خَيْرِ البَرِيِّةِ لَمْ تَنْسُجْ ولمْ تَحُمِ
وِقاية اللهِ أغنَتْ عَنْ مُضَاعَفَةٍ / مِنَ الدُّرُوعِ وَعَنْ عالٍ مِنَ الأُطُمِ
ما سامَنِي الدَّهْرُ ضَيْماً وَاسْتَجَرْتُ به / إلاَّ اسْتَلَمتُ النَّدَى مِنْ خَيْرِ مُسْتَلَمِ
لا تُنْكِرِ الوَحْيَ مِنْ رُؤْيَاهُ إنَّ لهُ / قَلْباً إذا نامتِ العَيْنانِ لَمْ يَنَمِ
وذاكَ حينَ بُلوغِ مِنْ نُبُوَّتِهِ / فليسَ يُنْكِرُ فيهِ حالٌ مُحْتَلِمِ
تَبَارَكَ اللهُ ما وحْيٌ بِمُكْتَسَبٍ / وَلا نَبِيٌّ عَلَى غَيْبٍ بِمُتَّهَمِ
كَمْ أبْرَأْتَ وَصِباً باللَّمْسِ راحَتُهُ / وأَطْلَقَتْ أرِباً مِنْ رِبْقَةِ اللَّمَمِ
وأحْيَتِ السُنَّةُ الشَهْبَاءُ دَعْوتُهُ / حتى حَكضتْ غُرَّةَ في الأعْصُرِ الدُّهُمِ
بعارِضٍ جادَ أَوْ خِلْتَ البِطاحَ بها / سَيْبٌ مِنَ اليَمِّ أَوْ سَيْلٌ مِنَ العَرِمِ
دَعْنِي وَوَصْفِي آياتٍ لهُ ظَهَرَتْ / ظُهورَ نارِ القِرَى لَيْلاً عَلَى عَلَمِ
فالدُّرُّ يَزدادُ حُسْناً وَهْوَ مَنْتَظِمٌ / وَليسَ يَنْقُصُ قَدْراً غيرَ مَنْتَظِمِ
فما تَطَاوَلُ آمالُ المَدِيحِ إلى / ما فيهِ مِنْ كَرَمِ الأخلاقِ والشِّيَمِ
آياتُ حَقٍّ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثَةٌ / قَدِيمَةٌ صِفَةُ المَوصوفِ بالقِدَمِ
لَمْ تَقْتَرِنْ بِزمانٍ وَهْيَ تُخْبِرُنا / عَنِ المعادِ وعَنْ عادٍ وعَنْ إرَمِ
دامَتْ لَدَيْنا فَفاقَتْ كلَّ مُعْجِزَةٍ / مِنَ النَّبِيِّينَ إذْ جاءَتْ ولَمْ تَدُمِ
مُحَكَّماتٌ فما تُبْقِينَ مِنْ شُبَهٍ / لذِي شِقاقٍ وما تَبْغِينَ مِنْ حَكَمِ
ما حُورِبَتْ قَطُّ إلاَّعادَ مِنْ حَرَبٍ / أَعُدَى الأعادي إليها مُلْقِيَ السَّلَمِ
رَدَّتْ بَلاغَتُها دَعْوَى مُعارِضِها / رَدَّ الغَيُورِ يَدَ الجَاني عَنِ الحُرَمِ
لها مَعانٍ كَمَوْجِ البَحْرِ في مَدَدٍ / وفَوْقَ جَوْهَرِهِ فِي الحُسْنِ والقِيَمِ
فما تُعَدُّ وَلا تُحْصى عَجَائِبُها / ولا تُسامُ عَلَى الإكثارِ بالسَّأَمِ
قَرَّتْ بها عَيْنُ قارِيها فَقُلْتُ لهُ / لقد ظَفِرتَ بِحَبْلِ اللهِ فاعْتَصِمِ
إنْ تَتْلُها خِيفَةً مِنْ حَرِّ نارِ لَظىً / أَطْفَأْتَ نارَ لَظىً مِنْ وِرْدِها الشَّبِمِ
كَأَنَّها الحَوْضُ تَبْيَضُّ الوجوهُ به / مِنَ العُصاةِ وقد جاءُوهُ كَالحُمَمِ
وَكَالصَِراطِ وكالمِيزانِ مَعْدِلَةً / فالقِسْطُ مِنْ غَيرها في الناسِ لَمْ يَقُمِ
لا تَعْجَبَنْ لِحَسُودٍ راحَ يُنْكِرُها / تَجاهُلاً وهْوَ عَيْنُ الحاذِقِ الفَهِمِ
قد تُنْكِرُ العيْنُ ضَوْءَ الشِّمْسِ من رَمَدٍ / ويُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ الماءِ كم سَقَمٍ
يا خيرَ منَ يَمَّمَ العافُونَ ساحَتَهُ / سَعْياً وفَوْقَ الأَيْنُقِ الرُّسُمِ
وَمَنْ هُوَ الآيَةُ الكُبْرَى لَمُعْتَبِرٍ / وَمَنْ هُوَ النِّعْمَةُ العُظْمَى لِمُغْتَنِمِ
سَرَيْتَ مِنْ حَرَمٍ لَيْلاً إلَى حَرَمٍ / كما سَرَى البَدْرُ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ
وَبِتَّ تَرْقَى إلَى أنْ نِلْتَ مَنْزِلَةً / مِنْ قَابِ قَوْسَيْنِ لَمْ تُدْرَكْ وَلَمْ تُرَمِ
وَقَدَّمتْكَ جَميعُ الأنبياءِ بِها / والرُّسْلِ تَقْدِيمَ مَخُدُومٍ عَلَى خَدَمِ
وأَنْتَ تَخْتَرِقُ السَّبْعَ الطَّباقَ بهِمْ / في مَوْكِبِ كُنْتَ فيهِ صاحِبَ العلَمِ
حتى إذا لَمْ تَدَعْ شَأْوَاً لِمُسْتَبِقٍ / مِنَ الدُّنُوِّ وَلا مَرْقَىً لِمُسْتَنِمِ
خَفَضْتَ كلَّ مَقامِ بالإِضافَةِ إذْ / نُودِيتَ بالرَّفْعِ مِثْلَ المُفْرَدِ العَلَمِ
كَيْمَا تَفُوزَ بِوَصْلٍ أَيِّ مُسْتَتِرٍ / عَنِ العُيُونِ وَسِرٍّ أَيِّ مُكْتَتِمِ
فَحُزْتَ كلَّ فَخَارٍ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ / وَجُزْتَ كلَّ مَقامٍ غيرَ مُزْدَحَمِ
وَجَلِّ مِقْدَارُ ما وُلِّيتَ مِنْ رُتَبٍ / وعَزَّ إدْرَاكُ ما أُولِيتَ مِنْ نِعَمِ
بُشْرَى لَنَا مَعْشَرَ الإِسِلامِ إنًّ لنا / مِنَ العِنَايَةِ رُكْناً غيرَ مُنْهَدِمِ
لَمَّا دَعا اللهَ داعِينا لَطَاعَتِهِ / بأَكْرَمِ الرُّسْلِ كُنَّا أَكْرَمَ الأُمَمِ
راعِتْ قلوبَ العِدا أَنباءُ بِعْثَتِهِ / كَنَبْأَةٍ أَجْفَلَتْ غَفْلاً مِنَ الغَنَمِ
ما زالَ يَلْقاهُمَ في كلِّ مُعْتَرَكٍ / حتى حَكَوْا بالقَنا لَحْماً على وَضَمِ
وَدُّوا الفِرارَ فكادُوا يَغْبِطُونَ بهِ / أَشْلاَءَ شالَتْ مَعَ العِقْبَانِ والرَّخَمِ
تَمْضِي اللَّيالِي وَلا يَدْرُونَ عِدَّتها / ما لَمْ تَكُنْ مِنْ لَيالِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ
كأنَّما الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ سَاحَتَهُمْ / بِكلِّ قَرْمٍ إلَى لَحْمِ العِدا قَرِمِ
يَجُرُّ بَحْرَ خَمِيسٍ فوقَ سابِحَةٍ / يَرْمِي بِمَوجٍ مِنَ الأبطالِ مُلْتَطِمِ
مِنْ كلِّ مُنْتَدِبٍ للهِ مُحْتَسِبٍ / يَسْطو بِمُسْتَأْصِلٍ لِلْكُفْرِ مُصْطَلِمِ
حتَّى غَدَتْ مَلَّةُ الإسلامِ وهِيَ بِهِمْ / مِنْ بَعْدِ غُرْبَتِها مَوْصُولَةَ الرَّحِمِ
مَكْفُولَةً أَبَداً مِنهمْ بِخَيْرِ أَبٍ / وخيرِ بَعلٍ فَلَمْ تَيْتَمْ وَلَمْ تَئِمِ
همُ الجِبالُ فَسَلْ عنهمْ مُصادِمَهُمْ / ماذا رأى مِنْهُمُ في كلِّ مُصطَدَمِ
وسَلْ حُنَيْناً وسَلْ بَدْراً وَسَلْ أُحُداً / فُصُول حَتْفٍ ملهُمْ أَدْهَى مِنَ الوَخَمِ
المُصْدِرِي البِيضَ حُمْراً بعدَ ما وَرَدَتْ / مِنَ العِدا كُلَّ مُسْوَدٍّ مِنَ اللِّمَمِ
وَالكاتِبِينَ بِسُمْرِ الخَطِّ مَا تَرَكَتْ / أقْلامُهُمْ حَرْفَ جِسْمٍ غَيْرَ مُنْعَجِمِ
شاكِي السِّلاحِ لهمْ سِيمَى تُمِيِّزُهُم / والوَرْدُ يَمْتازُ بالسِّمَى عَنِ السَّلَمِ
تُهْدِي إليكَ رِياحُ النَّصْرِ نَشْرَهُمُ / فَتَحْسَبُ الزَّهْرَ في الأكمامِ كلَّ كَمِي
كأنَّهمْ في ظُهُورِ الخَيْلِ نَبْتُ رُباً / مِنْ شَدَّةِ الحَزْمِ لاَ مِنْ شِدَّةِ الحُزُمِ
طارَتْ قلوبُ العِدا مِنْ بَأْسِهِمْ فَرْقاً / فما تُفَرِّقُ بينَ البَهْمِ والبُهَمِ
ومَنْ تَكُنْ بِرَسُولِ اللهِ نُصْرَتُهُ / إنْ تَلْقَهُ الأُسْدُ في أجامِها تَجِمِ
ولَنْ تَرَى مِنْ وَلِيٍّ غَيْرَ مُنْتَصِرِ / بهِ ولا مِنْ عَدُوٍّ غيْرَ مُنْقَصِمِ
أحَلَّ أُمَّتَهُ في حِرزِ مِلَّتِهِ / كاللَّيْثِ حَلَّ مَعَ الأشبالِ في أُجَمِ
كَمْ جَدَّلَتْ كلماتُ اللهِ مِنْ جَدِلٍ / فيهِ وكم خَصَمَ البُرْهانُ مِنْ خَصِمِ
كفاكَ بالعِلْمِ في الأُمِيِّ مُعْجِزَةً / في الجاهِليَّةِ وَالتَّأْدِيبِ في اليُتُمِ
خَدَمْتُهُ بِمَدِيحٍ أسْتَقِيلُ بِهِ / ذُنُوبَ عُمْرٍ مَضَى في الشِّعْرِ والخِدَمِ
إذْ قَلَّدانِيَ ما تُخْشَى عَواقِبُهُ / كأنَّني بِهِما هَدْيٌ مِنَ النَّعَمِ
أطعتُ غيَّ الصَبَا في الحَالَتينِ وَما / حَصَلْتُ إلاَّ عَلَى الآثَامِ والنَّدَمِ
فيا خَسَارَةَ نَفْسٍ في تِجَارَتِها / لَمْ تَشْتَرِ الدِّينَ بالدُّنيا ولَمْ تَسُمِ
وَمَنْ يَبِعْ آجِلاً منهُ بِعاجِلِهِ / بَيْنَ لهُ الغَبْنُ في بَيْعٍ وَفي سَلَمِ
إنْ آتِ ذَنْباً فما عَهْدِي بِمُنْتَقِضٍ / مِنَ النبيِّ وَلا حَبْلِي بِمُنْصَرِمِ
فإنَّ لِي ذِمَّةً منهُ بِتَسْمِيَتي / مُحمداً وَهْوَ أَوْفَى الخَلْقِ بالذِّمَمِ
إنْ لَمْ يَكُنْ في مَعادِي آخِذاً بِيَدِي / فَضْلاً وَإلاَّ فَقُلْ يا زَلَّةَ القَدَمِ
حاشاهُ أنْ يَحْرِمَ الرَّاجِي مَكارِمَهُ / أَوْ يَرْجِعُ الجارُ منهُ غيرَ مُحَتَرَمِ
وَمُنْذُ ألزَمْتُ أفكارِي مَدائِحَهُ / وَجَدْتُهُ لِخَلاَصِي خيرَ مُلْتَزِمِ
وَلَنء يَفُوتَ الغِنَى مِنْهُ يَداً تَرِبَتْ / إنَّ الحَيا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأُكَمِ
وَلَمْ أُرِدْ زَهْرَةَ الدُّنيا التي اقتَطَفَتْ / يَدَا زُهَيْرٍ بما أَثْنَى عَلَى هَرَمِ
يا أكْرَمَ الرُّسْلِ مالِي مَنْ أَلوذُ به / سِواكَ عندَ حلولِ الحادِثِ العَمِمِ
وَلَنْ يَضِيقَ رَسولَ اللهِ جاهُكَ بي / إذا الكريمُ تَحَلَّى باسْمِ مُنْتَقِمِ
فإنَّ مِنْ جُودِكَ الدنيا وضَرَّتَها / وَمِنْ عُلُومِكَ عِلمَ اللَّوْحِ والقَلَمِ
يا نَفْسُ لا تَقْنُطِي مِنْ زَلَّةٍ عَظُمَتْ / إنَّ الكَبَائِرَ في الغُفْرانِ كاللَّمَمِ
لَعَلَّ رَحْمَةَ رَبِّي حينَ يَقْسِمُه / تأْتي عَلَى حَسَبِ العِصْيانِ في القِسَمِ
يارَبِّ وَاجْعَلْ رَجائي غَيرَ مُنْعَكِسِ / لَدَيْكَ وَاجْعَلْ حِسابِي غَيْرَ مُنْخَرِمِ
وَالْطُفْ بِعَبْدِكَ في الدَّاريْنِ إنَّ لَهُ / صَبْراُ مَتى تَدْعُهُ الأهوالُ يَنْهَزِمِ
وَائْذَنْ لِسُحْبِ صلاةٍ مِنكَ دائِمةً / عَلَى النَّبيِّ بِمُنْهَلٍّ ومُنْسَجِمِ
ما رَنَّحَتْ عَذَباتِ البانِ ريحُ صَباً / وأطْرَبَ العِيسَ حادي العِيسِ بِالنَّغَمِ
انْظُرْ بِحَقِّكَ في أَمْرِ الدَّواوِينِ
انْظُرْ بِحَقِّكَ في أَمْرِ الدَّواوِينِ / فالكلُّ قد غيَّرُوا وضْعَ القَوانينِ
لَمْ يَبْقَ شَيءٌ عَلَى ما كُنْتَ تَعْهَدُهُ / إلاَّ تَغَيَّرَ مِنْ عالٍ إلَى دُونِ
الكاتِبُونَ وَلَيْسُوا بالكِرامِ فما / منهمْ على المالِ إنْسانٌ بِمَأْمُونِ
والكُلُّ جَمْعاً بِبَذْلِ المالِ قد خَدَمُوا / وما سَمِعْنَا بهذا غيرَ ذا الحِينِ
فَهُمْ على الظَّنِّ لا التَّحْقِيقِ بَذْلُهُمُ / وما تَحَقَّقَ أمْرٌ مِثْلَ مَظْنُونِ
نالوا مناصِبَ في الدُّنيا وأخْرَجَهُمْ / حُبُّ المَناصِبِ في الدُّنيا على الدِّينِ
قد طالَ ما طُرِدُوا عنها وما انْطَرَدُوا / إلاَّ وَقَومٌ عليها كالذَّبابينِ
وطالما قُطِّعَ أَذْنابُ الكِلابِ لَهُمْ / فاسْتُخْدِمُوا بَعْدَ تَقْطِيع المَصارِينِ
قَدْ يَنْفَعُ النَّاسَ حَتَّى الحَشُّ مِنْ غَرَضٍ / وَغَيْرُهُ مِنْ رَياحِينٍ وَبَشْنِينِ
ضُمَّانُ رِيحٍ بطَيْرٍ فَوْقَ طائِرِهِمْ / يَطِيرُ وَالرِّيحُ شُيَّاعٌ بِمَضْمُونِ
لَوْ أمْكَنَ الْقَوْمَ وَزْنُ المالِ لاتَّخَذُوا / لَهُ الموازِينَ مِنْ بَعْدِ القَبابِينِ
وَمَسْحَهُمْ للسَّمواتِ العُلى افْتَعَلُوا / فِيها كما يَفْعَلُ المَسَّاحُ لِلطِّينِ
وَلَمْ يُبالُوا بِرَحْمِ الْغَيْبِ مِنْ أَحَدٍ / كلاَّ وَلا بِرُجُومِ للشَّياطِينِ
عَزُّوا وَأكْرَمهُمْ قَومٌ لَحَاجَتِهِمْ / ما نَالَهُمْ بَعْدَ ذَاكَ العِزِّ مِنْ هُونِ
وَطَاعَنُوا النَّاسَ بالأَفْلاءِ وَاسْتَلَبُوا / مِنْهُمْ بِهَا كُلَّ مَعْلُومٍ وَمَكْنُونِ
وَمِنْ مَواشٍ وَأَطْيارٍ وَآتِيَةٍ / وَمِنْ زُرُوعٍ وَمَكْيُولٍ وَمَوْزُونِ
لَهُمْ مَوَاقِفُ في حَرْبِ الشُّرُورِ كَمَا / حَرْبُ البَسُوسِ وَحَرْبٌ يَوْمَ صِفِّينِ
لا يَكْتُبُونَ وُصُولاتٍ عَلَى جِهَةٍ / مُفَصَّلاتٍ بأسمَاءٍ وَنَبِيِينِ
إلاَّ يَقُولُونَ فِيما يَكْتُبُونَ لَهُ / مِنَ الحُقُوقِ وَماذَا وَقْتُ تَعْيِينِ
فَاسْمَعْ وَكاسِرْ وَحَسِّ الرِّيحَ يا فَطِناً / فَلَسْتَ أَوَّلَ مَقْهُورٍ وَمَغْبُونِ
وَكُلُّ ذلِكَ مَصْرُوفٌ وَمَصرِفُهُمْ / لِلشِّيخِ يُوسُفَ أبي هَبْصِ بنِ لَطْمِينِ
وَلِلشَّرَابِ وَتَبْيِيتِ الْخَطاءِ بِهِ / يَجْلُو الْعُقَارَ بِأجْناسِ الرَّياحِينِ
وَلِلْعُلُوقِ وَأَنْواعِ الْفُسُوقِ مَعاً / وَلِلْخُرُوقِ الْكَثِيراتِ التَّلاوِينِ
وَلِلْبِغالِ الْوَطِيَّاتِ الرِّكابِ تَرَى / غِلْمانَهُمْ خَلْفَهُمْ فَوْقَ الْبراذِينِ
وَلِلْمَنَادِيلِ فِي أَوْساطِ مَنْ مَلَكُوا / وَلِلْمَنَاطِقِ فيها وَالهمايِينِ
وَلِلرَّباعِ العَوَالِي الارْتِفاعِ بِناً / وَلِلْبَساتِينِ تُنْشَأُ وَالدَّكاكِينِ
وَلِلْفَجَاجِ وَحُمْلاَنِ النَّعاجِ / وَأَطْيارِ الدَّجاجِ وَأَنْواعِ السَّمامِينِ
وَلِلشَّباذِي وَلِلأنْطَاعِ تُفْرَشُ في / تَمُّوزَ فَوْقَ رُخامٍ في الأَوَاوِينِ
وَلِلْمَجَالِسِ في أوْسَاطِها خَرَكٌ / وَلِلطَّنافِسِ في أيَّامِ كانُونِ
وَلَسْتُ أَحْصُرُ أَلْوَاناً لأَطْعِمَةٍ / تَفَنَّنَ الْقَوْمُ فيها كُلَّ تَفْنِينِ
وَلِلْمَلاَبِسِ كَمْ ثَوْبٍ مُلَوَّنَةٍ / فِيهَا العِرَاقِي مَعَ الهِنْدِيِّ وَالْبَوْني
وَكَمْ ذَخائِرَ ما عِنْدَ المُلُوكِ لَها / مِثْلٌ فَمِنْ مُودَعٍ سَقْفاً وَمَدفُونِ
وَكَمْ مجالِسَ أُنْسِ عُيِّنَتْ لَهُمْ / تُنْسِي الهُمُومَ وَتُسْلِي كُلِّ مَخْزونِ
وَكَمْ حُلِيِّ نِساءٍ لاَ يُثَمِّنُهُ / مُقَوِّمٌ قَطُّ في الدُّنيا بِتَثْمِينِ
فَقُلْ لِسُلْطَانِ مِصْرَ وَالشآمِ مَعاً / يا قَاهِراً غَيْرَ مَخْفِيِّ الْبَرَاهِينِ
وَمَنْ يُخَوِّفُ مِنْ سَيْفٍ بِراحَتِهِ / ذَوِي السُّيُوفِ وَأَصْحَابَ السَّكاكِينِ
اكْشِفْ بِنَفْسِكَ أُسْوَاناً وَمَنْ مَعَها / مِنَ الصَّعِيدِ بَلاَ قَوْمِ مَسَاكِينِ
عُمَّالُها قَدْ سَبَوْهُمْ مِنْ تَطَيُّبِهِمْ / ما لا يَكُونُ بَمَفْرُوضِ وَمَسْنُونِ
كُلٌُّ تَرَى كاتِباً لِلسُّوءِ يُنْظَرُهُ / لِنَهْبِهِمْ كَمْ كَذَا عامٍ وكَمْ حِينِ
سَبَوُا الرَّعِيَّةَ لَمْ يُبْقُوا عَلَى أحَدٍ / ولا أَمانَةَ لِلْقِبْطِ المَلاعِينِ
لاَ تَأمَنَنَّ عَلَى الأَمْوَالِ سَارِقَها / ولا تُقَرِّبْ عّدُوُّ اللهِ والدِّينِ
وخَلِّ غَزْوَ هُلاكو وَالْفَرَنْسِ مَعاً / وانْهَضْ بِفُرْسانِكَ الغُرِّ المَيامِينِ
واغْزُنَّ عَامِلَ أسْوانَ تنال بِهِ / جَنَّاتِ عَدْنٍ بإحْسَانٍ وَتَمْكِينِ
وكُلَّ أمْثالِهِ في الْقِبْطِ أَغْزُهُم / فالغَزْوُ فِيهِمْ حَلالُ الدَّهْرِ والْحِينِ
وَاسْلُبْهُمْ نِعَماً قَدْ شاطرُوكَ بِها / كَما يُشاطَرُ فَلاَّحٌ الْفدَادِينِ
فَقَدْ تَواطَوْا عَلَى الأَمْوالِ أجْمَعِها / وَفَذْلَكُوا كُلَّ تِسْعِينٍ بِعِشْرِينِ
وَصانَعُوا كُلَّ مُسْتَوْفٍ إذَا رَفَعُوا / لَهُ الْحِسابَ بِسُحْتٍ كالطَّوَاعِينِ
ورَبَّحُوهُ فقالَ الشَّيْخُ وَالِدُنا / قَسُّ الْقُسُوِسِ وَمُطْرَانَ المَطارِينِ
مِنَّا لَهُ العُذْرُ فيما حَلَّ يَقْبَلُهُ / إمَّا بِرَسْمٍ مِدَادٍ أوْ لِصابُونِ
وَلِلزُّيُوتِ وَإيقَادِ الْكَنَائِسِ كَمْ / وَلِلدَّقِيقِ المُهَيَّا لِلْقَرابِينِ
فَذاكَ في الصَّدَقاتِ الجَارِياتِ بِهِ / يُسْحَبْ عَلَى الْوَجْهِ أَوْ يُقْلَبْ بِسجِّينِ
وَكيفَ يَقْبَلُ بِرّاً مِنْ مُصانَعَةٍ / ومِنْ سحابٍ بِتَحْرِيكٍ وَتَسْكِينِ
وَكَيفَ يَقْبلُ مِنها مِنْ مُصاَنَعَةٍ / ومِنْ كُلِّ مِسْكِينَةٍ فيه وَمِسْكِينِ
كَمْ هكذَا سَرَقُوا كَمْ هكذا ظَلَمُوا / كَمْ هكذَا أخَذُوا مالَ السَّلاطِينِ
أتْرُكُ ذَنْبٍ وَسُؤالٌ لِمَغْفِرَةٍ / عِنْدَ الإلهِ لِقَوْمٍ كالمجانِينِ
وَقالَ قَوْمٌ لَقَدْ أَحْصَى مَنالَهُمْ / وَقامَ فِيها بَمَفْروضِ وَمَسْنُونِ
فَقلتُ وَاللهِ مَا وَصْفِي لأنشُرَها / فِيما يَقومُ بِهِ شَرحِي وَتِبيِينِي
وَإنَّما ذاكَ مَجْهُودِي وَمَقْدِرَتِي / وَطاقَتِي في حِجاناتِ الثَّعابِينِ
يا رَبِّ صَلِّ عَلَى المُخْتَارِ مِنْ مُضَرٍ
يا رَبِّ صَلِّ عَلَى المُخْتَارِ مِنْ مُضَرٍ / وَالأَنْبِيا وَجَميعِ الرُّسْلِ مَا ذُكِرُوا
وَصَلِّ رَبِّ عَلَى الهَادِي وَشِيْمَتِهِ / وَصَحْبِهِ مِنْ لِطَيِّ الدِّينِ قدْ نَشَرُوا
وَجاهَدُوا مَعَهُ في اللهِ وَاجْتَهَدُوا / وهاجَرُوا ولَهُ آوَوْا وَقَدْ نَصَرُوا
وبَيَّنُوا الْفَرْضَ وَالمَسْنُونَ وَاعْتَصَبُوا / للهِ وَاعْتَصِمُوا باللهِ وَانْتَصَرُوا
أزْكَى صَلاَةٍ وأتماها وَأَشْرَفَها / يُعِطِّرُ الكَوْنُ رَيَّا نَشْرها العَطِرُ
مَفْتُوقَةً بِعَبِيرِ الْمِسْكِ زَاكِيةً / مِنْ طِيبها أَرَجُ الرَّضْوَانِ يَنْتَشِرُ
عَدَّ الْحَصَى وَالثَّرَى والرَّمْلِ يَتْبَعُهَا / نَجْمُ السَّماءِ وَنَبْتُ الأَرْضِ والمَدَرُ
وَعَدَّ ما حَوَتِ الأُشْجَارُ منْ وَرَقٍ / وكُلِّ حَرْفٍ غَدَا يُتْلَى وَيُستَطَرُ
وَعَدَّ وَزْنَ مَثاقِيلِ الْجِبالِ كَذَا / يلِيهِ قَطْرُ جَمِيعِ الماءِ والمَطَرُ
وَالطَّيْرِ وَالوَحْشِ وَالأسْماكِ مَعْ نَعَمٍ / يَتْلُوهُمُ الجِنُّ وَالأمْلاكُ وَالبَشَرُ
والذَّرُّ والنَّمْلُ معَ جَمْعِ الحُبُوبِ كَذَا / والشَّعْرُ والصُّوفُ والأَرْياشُ والوَبَرُ
وما أحاطَ بهِ العِلْمُ المُحِيطُ وَما / جَرَى بهِ القَلَمُ المَأمُونُ وَالقَدَرُ
وعَدَّ نَعْمَائِكَ اللاتِي مَنَنْتَ بِهَا / عَلَى الخلائِقِ مُذْ كانُوا وَمُذْ حُشِرُوا
وعَدَّ مِقْدَارِهِ السَّامِي الَّذي شَرُفَتْ / بهِ النَّبِيُّونَ والأمْلاكُ وافْتَخَرُوا
وعَدَّ ما كانَ في الأكْوانِ يا سَنَدِي / وما يَكُونُ إلَى أنْ تُبْعَثَ الصُّوَرُ
في كُلِّ طَرْفَةِ عَيْنٍ يَطْرِفُونَ بِها / أهْلُ السَّموَاتِ والأَرْضِينَ أوْ يَذَرُ
مِلْءُ السَّموَاتِ والأَرْضِينَ مَعْ جَبَلٍ / والْفَرْشِ والعَرْشِ والكُرْسِي وَما حَصَرُوا
ما أَعْدَمَ اللهُ مَوْجُوداً وَأَوْجَدَ / مَعْدُوماً صَلاَة دَوَاماً لَيْسَ تَنْحَصِرُ
تَسْتَغْرِقُ العدَّ مَعْ جَمعِ الدُّهورِ كَمَا / يُحِيطُ بالحَدِّ لا تُبْقِي ولا تَذَرُ
لا غايَةً وَانتِهَاءً يَا عَظِيمُ لَها / ولا لَهُم أمَدٌ يُقْضَى وَيُنْتَظَرُ
مَعَ السَّلامِ كَمَا قَدْ مَرَّ مِنْ عَدَدٍ / رَبَا وضاعَفَها والفَضْلُ مُنْتَشِرُ
وَعَدَّ أَضْعَافِ مَا قَدْ مَرَّ مِنْ عَدَدٍ / مَعْ ضِعْفِ أَضْعافِهِ يَا مَنْ لَهُ الْقَدَرُ
كَمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى سَيِّدِي وكَمَا / أمَرْتَنا أنْ نُصَلِّي أنْتَ مُقْتَدِرُ
وَكُلُّ ذلِكَ مَضْرُوبٌ بِحَقِّكَ في / أنْفاسِ خَلْقِكَ إنْ قَلُّوا وَإنْ كَثُرُوا
يَارَبِّ واغْفِرْ لِتَالِيها وسامِعِها / وَالمُرْسَلِينَ جَمِيعاً أَيْنَمَا حَضَرُوا
وَوَالِدينَا وأَهْلِينا وَجِيرَانِنَا / وَكُلُّنا سَيِّدِي لِلْعَفْوِ مُفْتَقِرُ
وقَدْ أَتَتْ بِذُنُوبٍ لاَ عِدَادَ لَها / لكِنْ عَفْوَكَ لا يُبْقى ولا يَذَرُ
والهَمُّ عَنْ كُلِّ ما أَبْغِيهِ أَشْمَلَنِي / وقَدْ أَتَى خاضِعاً وَالقَلْبُ مُنْكَسِرٌ
أَرْجُوكَ يَا رَبِّ في الدَّارَيْنِ تَرْحَمُنا / بِجَاهِ مَنْ فِي يَدَيْهِ سَبَّحَ الحَجَرُ
يَا رَبِّ أَعْظِمْ لَنا أجْراً وَمَغْفِرَةً / لأَنَّ جُودَكَ بَحْرٌ لَيْسَ يَنْحَصِرُ
وكُنْ لَطِيفاً بِنَا في كلِّ نَازِلَةٍ / لُطْفاً جَمِيلاً بهِ الأهْوَالُ تَنْحَسِرُ
بالمُصْطَفَى المُجْتَبَى خَيْرِ الأنامِ ومَنْ / جَلاَلَةً نَزَلَتْ في مَدْحِهِ السُّوَرُ
ثُمَّ الصَّلاَةُ عَلَى المُخَتارِ ما طَلَعَتْ / شَمْسُ النَّهارِ وما قَدْ شَعْشَعَ الْقَمَرُ
ثُمَّ الرِّضَا عَنْ أبي بَكْرٍ خَلِيفَتِهِ / مَنْ قَامَ مِنْ بَعْدِهِ لِلدِّينِ يَنْتَصِرُ
وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الفَارُوقِ صاحِبِهِ / مَنْ قَوْلُهُ الْفَصْلُ في أحْكامِهِ عُمَرُ
وَجُدْ لِعُثْمَانَ ذِي النورَيْنِ مَنْ كَمُلَتْ / لَهُ المَحَاسِنُ في الدَّارَيْنِ والظَّفَرُ
كَذَا عَلِيَّ مَعَ ابْنَتِهِ وَأُمِّهِمَا / أَهْلِ العَبَاءِ كَمَا قَدْ جَاءَنا الخَبَرُ
سَعدٌ سَعِيدُ بنُ عَوْفٍ طَلْحَةٌ وَأَبُو / عُبَيْدَةَ وَزُبَيْرٌ سادَةٌ غُرَرٌ
وَالآلِ وَالصَّحْبِ والاتْبَاعِ فاطِمَةٌ / ما حَنَّ لَيْلُ الدَّيَاجِي أَوْ بَدَا السَّحَرُ
مُحَمَّدٌ أَشْرَفُ الأعْرَابِ والعَجَمِ
مُحَمَّدٌ أَشْرَفُ الأعْرَابِ والعَجَمِ / مُحَمَّدٌ خَيْرٌ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ
مُحَمَّدٌ باسِطُ المَعْرُوفِ جَامِعَةً / مُحَمَّدٌ صاحِبُ الإِحْسانِ والكَرَمِ
مُحَمَّدٌ تاجُ رُسْلٍ اللهِ قاطِبَةً / مُحَمَّدٌ صادِقُ الأٌقْوَالِ والكَلِمِ
مُحَمَّدٌ ثابِتُ المِيثاقِ حافِظُهُ / مُحَمَّدٌ طيِّبُ الأخْلاقِ والشِّيَمِ
مُحَمَّدٌ خُبِيَتْ بالنُّورِ طِينَتُهُ / مُحَمَّدٌ لَمْ يَزَلْ نُوراً مِنَ القِدَمِ
مُحَمَّدٌ حاكِمٌ بالعَدْلِ ذُو شَرَفٍ / مُحَمَّدٌ مَعْدِنُ الإنْعامِ وَالحِكَمِ
مُحَمَّدٌ خَيْرُ خَلْقِ اللهِ مِنْ مُضَرٍ / مُحَمَّدٌ خَيْرُ رُسْلِ اللهِ كُلِّهِمِ
مُحَمَّدٌ دِينُهُ حَقَّ النَّذِرُ بِهِ / مُحَمَّدٌ مُجْمَلٌ حَقَاً عَلَى عَلَمِ
مُحَمَّدٌ ذِكْرُهُ رُوحٌ لأَنْفُسِنَا / مُحَمَّدٌ شُكْرُهُ فَرْضٌ عَلَى الأُمَمِ
مُحَمَّدٌ زِينَةُ الدُّنْيَا ومُهْجَتُها / مُحَمَّدٌ كاشِفُ الغُمَّاتِ وَالظُّلَمِ
مُحَمَّدٌ سَيِّدٌ طابَتْ مناقِبُهُ / مُحَمَّدٌ صاغَهُ الرَّحْمنُ بِالنِّعَمِ
مُحَمَّدٌ صَفْوَةُ البارِي وخِيرَتُهُ / مُحَمَّدٌ طاهِرٌ ساتِرُ التُّهَمِ
مُحَمَّدٌ ضاحِكٌ لِلضَّيْفِ مَكْرُمَةً / مُحَمَّدٌ جارُهُ واللهِ لَمْ يُضَمِ
مُحَمَّدٌ طابَتِ الدُّنيا ببِعْثَتِهِ / مُحَمَّدٌ جاءَ بالآياتِ والْحِكَمِ
مُحَمَّدٌ يَوْمَ بَعْثِ النَّاسِ شَافِعُنَا / مُحَمَّدٌ نُورُهُ الهادِي مِنَ الظُّلَمِ
مُحَمَّدٌ / مُحَمَّدٌ خَاتِمَ لِلرُّسْلِ كُلِّهِمِ
سَمَّوْهُ عَمْراً فَصَحَّفْنَا اسْمَهُ غَمَراً
سَمَّوْهُ عَمْراً فَصَحَّفْنَا اسْمَهُ غَمَراً / فَبَيِّنَ الدَّهْرُ مِنَّا مَوْضِعَ الغلطِ
فأَصْبَحَتْ عَيْنُهُ غَيْناً بِنُقْطَتِها / وطالَما ارْتَفَعَ التَّصْحِيفُ بالنُّقَطِ
قَدْ أخَذَ المُسْلِمُونَ عَكاً
قَدْ أخَذَ المُسْلِمُونَ عَكاً / وَأَشْبَعوا الكافِرِينَ صَكا
وساقَ سُلْطَانُنَا إلَيْهِمْ / خَيْلاً تَدُّكُّ الجِبَالَ دَكَّا
وَأَقْسَمَ التُّرْكُ مِنْذُ سارَتْ / لا تَرَكُوا لِلْفُرَنجِ مُلْكا
كَمْ قُلْتُ لِلأَكْرَمِ الْحَشَّاءِ أَنْصَحُهُ
كَمْ قُلْتُ لِلأَكْرَمِ الْحَشَّاءِ أَنْصَحُهُ / بأَنَّ عبدَكَ مُحْتاجٌ لِلَقَّانِ
فقالَ عَبْدِي عِفْرِيتٌ فَقُلْتُ لَهُ / إنِّي أَخافُ عَلَيْهِ مِنْ سُلَيْمانِ