المجموع : 13
من علَّم القلبَ ما يُملى من الغَزَلِ
من علَّم القلبَ ما يُملى من الغَزَلِ / نوحُ الحمام له أَمْ حَنَّةُ الإبلِ
لا بل هو الشوقُ يدعو في جوانحنا / فيستجيبُ جَنانُ الحازم البطلِ
لكلِّ داء نِطاسىٌ يلاطفهُ / فهل شفاك طبيبُ اللوم والعذلِ
بيْنٌ وهجرٌ يَضيع الوصلُ بينهما / فكيف أرجو خِصام الحبِّ بالملَلِ
يُميت بثِّىَ في صدرى ويَدفِنه / أنى أرى النَّفث بالشكوى من الفشلِ
هن اللآلىء حازتها حمولُهمُ / وإنما أبدلوا الأصداف بالكِلل
ولستُ أدرِي أبا الأصداغِ قد كَحَلا ال / أجفان أم صبغوا الأصداغَ بالكَحَلِ
ما يستريب النقا أنَّ الغصون خطت / عليه لكن بأوراقٍ من الحُللِ
من يشهد الركبَ صرعىَ في محلّهِمُ / يدعوه رَمْسا ولا يدعوه بالطلل
قد أَلِفَ الحىُّ من مسراكِ طارقةً / تبيتُ أحراسُهم منها على وجلِ
أمسى شجوبى وإرهافي يُدلِّسنى / على الرقيب بسُمرٍ بينهم ذُبُلِ
لم يسألوا عن مقامي في رحالِهمُ / إلا أتيتُ على الأعذارِ والعِللِ
لله قومٌ يُبيحون القِرَى كرما / وينهرون ضيوفَ الأعينِ النُّجُلِ
لو عِدموا البيَض والخَطِّىَّ أنجدَهم / ضربٌ دِراكٌ ورشْقاتٌ من المُقلِ
كأنما بين جَفْنَىَ كلّ ناظرةٍ / ترنوِ كنانةُ رامٍ من بنى ثُعَلِ
لا روضُ أوجههم مَرعىَ لواحظنا / ولا اللَّمَىَ مَوردُ التجميش والقُبَلِ
تحكى الغمامةَ إيماضا مباسمُهم / وليس يحكينها في جَوْدها الهطِلِ
خافوا العيونَ على ما في براقعهم / من الجمال فشابوا الحسنَ بالبَخَل
يا رائد الركب يستغوى لواحظَهُ / برقٌ يلاعب ماءَ العارض الخَضِلِ
هذا جَمال الورى تُطفى مناصلُه / نارَ القِرَى بدماء الأينُق البُزُلِ
لا يسأل الوفدَ عمّا في حقائبهم / إن لم يوافوا بها ملأى من الأملِ
وما رعين المطايا في خمائله / إلآ سخَطن على الحَوْذانِ والنَّفَلِ
إنِ امتنعتَ حياءً من مواهبه / أولاكها بضروب المكرِ والحيلِ
قصَّرتِ يا سحبُ عن إدراك غايتهِ / فما بروُقك إلا حُمرةُ الخجلِ
ومصلح بين جدواه وراحته / يسعى ويكَدح في صلح على دَخَلِ
سيفٌ لهاشمَ مسلولٌ إذا خشُنتْ / له الضرائبُ لم يَفرَقْ من الفَلَلِ
في قبضة القائم المنصور قائمُهُ / وشَفرتاهُ من الأعداء في القُللِ
بيضُ القراطيس كالبِيِض الرِّقاق له / وفي اليراع غِنّى عن اسمرٍ خطِلِ
وطالما جدَّلَ الأقرانَ منطقُه / حتى أقرُّوا بأنّ القولَ كالعملِ
يوَدُّ كلُّ خصيم أن يعمِّمهُ / فضلَ الحسام ويُعفيه من الجدَلِ
ما البأس في الصَّعدة الصَّماَّء أجمعه / في القول أمضَى من الهندىِّ والأسلِ
ومستغرِّين بالبغيا مزجتَ لهمْ / كيدا من الصَّابِ في لفظٍ من العسلِ
ما استعذبت لَهَوَاتُ السمع مشربَهُ / حتى تداعت بناتُ النفسِ بالهبَلِ
أطعتَ فيهم أناةً لا يسوِّغها / حلمٌ وقد خُلق الإنسانُ من عجلِ
ثم اشتَمَلْتَهُمُ الصَّماَءَ فانشعبوا / أيدِى سَبَا في بطون السهل والجبلِ
ليس الرُّقَى لجميع الداء شافيةً / الَكُّى أشفَى لجلدِ الأجربِ النَّغِلِ
قل للُعريبِ أنيبى إنها دولٌ / والطعنُ في النحر دون الطعنِ في الدولِ
هيهات ليس بنو العباس ظلُّهمُ / عن ساحة الدين والدنيا بمنتقلِ
حَمَى حقيقتَهم مُرٌّ مَذاقَتُهُ / موسد الرأى بين الرَّيثِ والعجلِ
موطَّأُ فإذا لُزَّت حفيظتُه / تكاشر الموتُ عن أنيابهِ العُصُلِ
إيها عقيل إذا غابت كتائبُهُ / فُزتم وإن طلعتْ طِرتم مع الحَجَلِ
هلاَّ وقوفا ولو مقدار بارقةٍ / وما الفِرار بمنَجاةٍ من الأجلِ
فالهَىْ عن الرِّيف يا فَقْعاً بقَرقَرةٍ / وابغى النزولَ على اليَربوع والوَرَلِ
نسجُ الخَدَرنَقِ من أغلى ثيابكُمُ / وخيرُ زادِكُمُ دَهُريَّة الجُعَلِ
إن يعَهدوا العزَّ في الأطنابِ آونةً / فذا أوانُ حُلول الذلّ في الحُلَلِ
ترقَّبوها من الجُودى كامنةً / في نقعها ككمون الشمس في الطَّفلِ
إن عُطفتْ عنكُمُ يوما فإنَّ غداً / مع الصباح توافيكم أو الأُصُلِ
بكلّ مرتعدِ العِرنين ما عرَفَتْ / حَوْباؤه خُلُقَ الهيّابةِ الوَكَلِ
تدعُو على ساعديه كلَّمَا اشتملتْ / على حنِيتَّه الأرواحُ بالشَّللِ
في جَحفلٍ كالغمام الجَوْنِ ملتبسٍ / بالبرق والرّعد من لَمعٍ ومن زَجَلِ
يُزجِى قَوارحَ فاتت باعَ مُلجمِها / كأَنَّ راكبَها موفٍ على جبلِ
عوَّدها الكرَّ والإقدامَ فارسُها / فأنت تحسَبُها صدرا بلا كَفَلِ
أمَا سمعتم لبولاذٍ وأسرتِهِ / أحدوثةً شَرَدت فوضَى مع المَثَلِ
إذ حطَّه الحَيْنُ من صمَّاء شاهقةٍ / لايلحَق الموتُ فيها مهجةَ الوَعِلِ
فخرَّ للفمِ والكفَّين منعفراً / إنّ السيوفَ لمن يَعصيك كالقُبَلِ
تعافه الطيرُ أن تقتاتَ جثَّتَهُ / لعلمها أنه من أخبث الأُكُلِ
الأرضُ دارُك والأيامُ تُنفقها / على بقائك والأملاكُ كالخَوَلِ
متِّع لواحظّنا حتّى نقولَ لها / لقد رأيتِ جميعَ الناس في رجلِ
لا أعِذر المرءَ يصبو وهو مختارُ
لا أعِذر المرءَ يصبو وهو مختارُ / الحبُّ يُجمَعُ فيه العارُ والنارُ
فعارُه سَفَه العذَّال إن هَجروا / ونارُه حُرَقٌ إن شطّت الدارُ
لولا كَهانة عينى ما درت كبِدى / أن الخِمارَ سحابٌ فيه أقمارُ
يُهوىَ بياضُ محيّاها وحُمرتُهُ / كما يروقك دِرهامٌ ودينارُ
إيهٍ أحاديث نَعْمانٍ وساكنه / إنّ الحديثَ عن الأحباب أسمارُ
يا حبذا روضُة ألأحوىَ إذا احتجَبتْ / عنّى الثغورُ حكاها منه نُوّارُ
وحبَّذا البانُ أغصانا كَرُمنَ فما / لهنَّ إلا الحمَامُ الوُرقُ أثمارُ
ظلِلتَ مُغْرىً بذي عينينِ تعذُله / وقبلَه قد تعاطى العشقَ بشّارُ
عند العذول اعتراضات ومَعنفةٌ / وفي العتاب جواباتٌ وأعذارُ
لا سنَحتْ بعدهم عُفرُ الظباء ولا / ترَّجحتْ في الغصون الخُضْر أطيارُ
كأننى يومَ سُّلمانَيْنِ قد علِقتْ / بِي من أُسَامةَ أنيابٌ وأظفارُ
أفِّتُش الريحَ عنكم كلَّما نفحتْ / من نحو أرضكم نكباءُ مِعطارُ
وأسأل الركبَ أنباءً فيكتمُنى / كأنّكم في صدورِ القوم أسرارُ
حتى الخيال بدا جنبى ليوهمَنى / قُربا ومن دونكم بيدٌ وأخطارُ
ما تطمئنُّ بكم دارٌ كانّ عَلا / ءَ الدِّين مطلبُه في حيِّكم ثارُ
هو الذي لو حمىَ مَرعىً لما سَرحتْ / سوائم الدهر إلا حيث يختارُ
ولو تُجاوره الأغصانُ ما خطَرت / ريحُ النُّعامىَ عليها وهي مغوارُ
يُحكَى له في المعالى كلُّ مأثُرةٍ / تُصبى القلوبَ وتُروَى عنه أخبارُ
عظَّمتُمُ مَن له في المجد مَكُرمةٌ / وأين ممَّن له في المجدِ آثارُ
أنَّى أقام فذاك الشَّعبُ منتجَعٌ / وكلُّ يومٍ يُحيَّا فيه مختارُ
لولا ضمانُ يديه رىَّ عالَمِهِ / لجاءت السُّحبُ من كفَّيه تمتارُ
يلقَى العُفاةَ ببشرٍ شاغلٍ لهمُ / عن السؤال وللأنواء أنوارٌ
وحظُّته في العطايا أنَّ راحتَه / بين العُفاةِ وبين الرِّفدِ سُمّارُ
أخو المطامعِ بلقاه بِذلَّتها / وينثنِى وهو في عِطفْيه نَظَّارُ
أفنىَ الرجاء فما للخيل ما نحتوا / من السروج ولا للعِيس أكوارُ
لا يَنهَبُ الشكرَ إلا من كتائبِه / يومَ التغاورِ أضيافٌ وزُوّارُ
إذا القِرَى عَقَرت أُمَّ الحُسوارِ له / رأيته وهو للآمال عَقَّارُ
لله مقتبلُ الأيام همّتهُ / لها من البأس والإقبال أنصارُ
ثِقْ بالنجاح إذا ما اجتاب سابغةً / لها الثرّيا مساميرٌ وأزرارُ
لا يتوارى ضميرِّ عن سريرته / كأنما ظنُّه للغيب مِسبارُ
من الورى هو لكن فاقهم كرما / كذلك الدرُّ والحصباءُ أحجارُ
بأىِّ رأىٍ أبو نصرٍ يجاذبه / حبلَ الخلاف وبعضُ النقضِ إمرارُ
أما رأى أنَّ ليثَ الغاب مجتمعٌ / لوثبةٍ وفنيقَ النِّيبِ هَدّارُ
ولا جُناحَ على مُرسٍ كلا كلَه / إذا تقدّم إعذارٌ وإنذارُ
بدأتَهُ بابتسامٍ ظنَّه خَوَرا / فاغتَّر والكوكبُ الصبحىّ غرَّارُ
الآن إذ كشفَتْ عن ساقها ورمت / قناعَها الحربُ والفُرسان أغمارُ
غدَا يمسِّح أعطافَ الردَى ندما / وكيف تنهضُ ساقٌ مُخُّها رارُ
يُغشِى السفائنَ نيرانَ الوغَى سفَها / والنارُ أقواتُها الأخشابُ والقارُ
إن كان للأجَم العادىِّ مدّرعا / فالليثُ بين يراع الخيس مِذعارُ
أو كان يغترُّ بالأمواه طاميةً / فإن بالقاعِ من كَفيْه تيّارُ
إذا ترنَّم حَولىُّ البعوضِ له / ترنَّمت في قسى الترُّكِ أوتارُ
أنجِزْ مواعيدَ عزمٍ أنتَ ضامنُها / ولا يُنهنِهْكَ إِردبٌّ وقِنطارُ
فإنما المالُ رُوحٌ أنت مُتلفُها / والذِّكرُ في فلواتِ الدهر سَياَّرُ
لا تتَّرِكْ نُهزَةً عنَّتْ سلَّمَةً / إلى علاك فإن الدهرَ أطوارُ
وما ترشحَّ يومُ المِهرَجانِ لها / إلا وللسعدِ إيراد وإصدارُ
لما رآك نوى نَذار يقومُ به / حتى أتاك وشهرُ الصوم مِضمارُ
وقد زففنا هداياه مُنمنَمةً / كأنّها في رقاب المجد تِقصارُ
ولستُ أرخصُ أقوالى لسائمها / إلا عليك وللأشعارِ أسعارُ
ماذا يَعيبُ رجالُ الحىِّ في النادي
ماذا يَعيبُ رجالُ الحىِّ في النادي / سوى جنوني على أُدمانةِ الوادي
نعَمْ هي الزادُ مشغوفٌ بهِ سَغِبٌ / والماءُ حامت عليه غُلَّة الصادي
يا صاحبى أنتَ يومَ الرَّوع تُنجدْنى / فكيف يوم النوى حرَّمتَ إنجادي
وما سلكتُ فجِاج الحبِّ معتزما / حتى ضمِنتُ ولو بالنفس إسعادي
من أين تعلَمُ أنّ البينَ وخزَتُه / في القلبِ أسلمُ منها ضربةُ الهادي
لا دَرَّ دَرُّك إن ورَّيتَ عن خبري / إذا وصلتَ وإن أشمتَّ حُسّادي
قُلْ للمقيمين بالبطحاءِ إنَّ لكم / بالرقمَّتين أسيرا ماله فادي
بين العواذل تطويه وتنشُره / مثلَ المريِض طريحا بين عُوَّادِ
ليتَ الملامةَ سدَّت كلَّ سامعةٍ / فلم تجد مسلَكا أُرجوزةُ الحادي
أكلِّف القلبَ أن يهوَى وأُلزمه / صبرا وذلك جمعٌ بين أضدادِ
وأكتُم الركبَ أسرارى وأسألهم / حاجاتِ نفسي لقد أتعبتُ رُوّادي
هل مدلجٌ عنده من مُبكرٍ خبرٌ / وكيف يعلم حالَ الرايح الغادي
وإن رويتُ أحاديثَ الذين نأَوا / فعَنْ نسيم الصَّبا والبرقِ إسنادي
قالوا تعَوّضْ بغِزلان النقا بدلا / أمقنعى شِبْهُ أجيادٍ لأجياد
إن الظباءَ التي هام الفؤادُ بها / يَرعَينَ ما بين أحشاءٍ وأكبادِ
سَكَنَّ من أنفس العُشّاق في حَرَمٍ / فليس يطمع فيها حبلُ صيَّادِ
هيهات لا ذقتُ حُلوا من كلامكمُ / قد بان غدركُمُ في وجه ميعادي
ولا جعلتُ اللَّمى وِرْدي وقد ضمِنتْ / غمامةُ الجود إصداري وإيرادي
في شَرف الدّين عن معروفكم عِوضٌ / كرامةُ الجارِ والإيثارُ بالزادِ
للطارقِ الحكمُ في أعناقِ هَجمِته / ولو تقراَّه ذئبُ الرَّدهةِ العادي
نادتْ هلَّم إلى الشِّيَزى مكارمُهُ / فنُبنَ في الليلِ عن نارٍ ووقَّادِ
يَشفِين من قَرِم الضِّيفانِ عند فتىً / لا يزجرُ السيفَ من عُرقوبِ مِقحادِ
مباحُ أفنيةِ المعروفِ ليس له / بابٌ يعالجه العافى بمِقلادِ
فلا وكاء على عينٍ ولا ورقٍ / ولا رِعاء لأزرابٍ وأذوادِ
أجدَى فلم يَرذُجرا في خزائنه / إلا قناطيرَ من شكرٍ وإحمادِ
في كلِّ يومٍ يُرينا من مواهبه / بِرًّا غَريبا وفضلا غيرَ مُعتادِ
شريعةٌ في النّدَى ضلوا فدلّهُمُ / على مناهجها خِرّيتُها الهادي
قاضي اللُّبانةِ لم يفطِن لها أملٌ / كأنّه لهوى العافى بمِرصادِ
له قِبابٌ بطيب الذكرِ شيَّدها / فما دُعِمنَ بأطنابٍ وأوتادٍ
يا بحرُ إن شئتَ أن تحِكى مواهَبهُ / فدع مَخُوفَيْكَ من هَيْج وإزبادِ
قد ساجمَ العارضَ الهامي وزايدَه / حتى استغاث بإبراق وأرعادِ
لله أىّ زلالٍ في مَزَداتِهِ / والظِّمءُ يَخلِطُ فُرَّاطا بُورّادِ
اُنظر إليه ترى من شأنِهِ عجبا / زِىَّ الملوك على أخلاقِ زُهّادِ
إن قال قومٌ له مِثلٌ يقلْ لهُمُ / من ماثلوه به جئتم بإلحادِ
لا تكذُبنَّ فهذا الشخصُ من نفرٍ / لم يخلُق اللهُ منهم غيرَ آحادِ
شرائطُ المجد كلٌّ فيه قد جُمِعتْ / جمعَ حروِف التهجِّى في أبي جادِ
أرِحْ بنانَك من حُسبانِ سؤدده / إن الكواكبَ لا تُحصَى بأعدادِ
وهل يفوت المعالي من أحاط بها / بنفسه وبآباءٍ وأجدادِ
إذا الفخارُ رمَى الفُتيَا إلى حَكَمٍ / وافَى ينافر أمجادا بأمجادِ
على المهابةِ قد زُرَّت بَنائقُه / كأنّه لابسٌ لِبداتِ آسادِ
لذاك صُعِّر خدٌّ غيرُ منعفرٍ / له وخرَّ جبينٌ غيرُ سَجَّادِ
تطأطأ المجدُ حتى صار فارسَه / ثم اشمخرّ فلم يلطأ لصعَّادِ
فكيف لا ترهبُ ألأعداء نقمتَه / وبطشُها كصنيع الريح في عادِ
صوارمٌ من صواب الرأى يطبعها / وصانعُ المكرِ يكسوها بأغمادِ
إذا انتْتُضِينَ وما يَظهرنَ من لَطَفٍ / فرّقن ما بين أرواح وأجسادِ
وللمكايد سيفٌ غيرُ منثلمٍ / وللخدائع رمحٌ غيرُ منادِ
في أيِّما جانبٍ من حزمهِ نظروا / لم يجدوا مطلعا فيه لأَفنادِ
تخافُ عزمتَه الإبْلُ التي خُلقتْ / أخفافُهنَّ لتهجيرٍ وإسآدِ
وتتقيه العِتاق القُبُّ سائمةً / تطويحَها بين أتهامٍ وأنجادِ
أليس ناظمها عِقدا له طَرَفٌ / بالرىّ والطرفُ ألأقصى ببغدادِ
مكَّلفات بساطَ الدوّ امسَحه / بأسؤقٍ وبأعناقٍ وأعضادِ
كأنَّ آثارَ ما داست حوافرُها / دراهمٌ بَدَدٌ في كفِّ نقَّادِ
طورا تَسامَى على يافوخِ شاهقةٍ / بها السمواتُ ظُنَّتْ ذاتَ أعمادِ
وتارةً ترتمى في صفصفٍ قُذُفٍ / للآلِ يُكذَب فيه كلُّ مُرتادِ
حتّى شَتَيْنَ بنيسابورَ باليةً / إلا عِظاما مُواراةً بأجلادِ
في شَتوةٍ شَمِطَ الليلُ البهيمُ بها / تُضاحِك الريحَ ما هبَّتْ بصَرَّادِ
كأنَّ في أرضها أنْسَاجَ قِبْطِيَةٍ / أو السماءَ استعارت بَرْسَ نَجَّادِ
يا من يشاوَرُ في قُرب وفي بُعُدٍ / ومن يُعَدُّ لإصلاحٍ وإفسادِ
إن الإمامَ مذ استرعاك دولتَهُ / غَنِى برأيك عن تجهيز أجنادِ
إن مرِضَتْ ليلةٌ عُمىٌ كواكُبها / قدحتَ فيها بزنَدٍ غيرِ صَلاَّدِ
فهذه ألأرضُ قد عَجَّت بدعوتهِ / في كلِّ قُطرٍ خطيبٌ فوق أعوادِ
عونٌ من الله لم يضشهد وقيعتَه / إلا كتائبُ توفيقٍ وإرشادِ
وحسنُ تدبيرك المُردِى أعاديَهُ / مقرَّنين بأغلالٍ وأصفادِ
فأىُّ فظٍّ عليها غيرُ منعطفٍ / وأي صعبٍ حرون غيرُ منقادِ
وفي خراسانَ قد شِيدتْ مآثره / أرَّخَها صيتُها تاريخَ ميلادِ
بين الخليفةِ والمَلْكِ المطيعِ له / أبرمتَ وصلةَ أولادٍ لأولادِ
شمسٌ وبدرٌ لويتَ العَقدَ بينهما / لولا الشريعةُ لم يوثَق بإشهادِ
فليس كالصِّهر في سهلٍ ولا جبل / وليس كالحمو في حَضْرٍ ولا بادِ
فيا له شرفا أحرزتَ غايتَه / فلم تدع فضلةً فيه لمرتادِ
وما بلوغُك في العلياء آخَرها / بمانعٍ كَرَّةَ المستأنِف البادي
تسومني أن أُنير القولَ فيك وما / يُغني المرقَّشُ من تفويفِ أبرادِ
بل كلُّ مدحِك أمرٌ ليس من حِيلى / وكنْهُ وصفك ثِقلٌ ليس في آدى
إنَّ القوافى وإن جاشت غواربُها / لا يُستطاه بها تحويلُ أطوادِ
فإن رضيتَ بميسورى فهاءِ حُلىً / مَصُوغة بين أفكاري وإنشادي
فلن تعوزَيدَ الغوَّاص من صدفى / فريدةٌ وُسِّطتْ في سِلك عقَّادِ
أُعابُ بالشعر لا أبغى به عِوضا / ولا يُعاب أناسٌ غيرُ أجوادِ
لكنّني في أناسٍ إن سألتُهُمُ / لم يعرفوا الفرق بين الظاء والضادِ
ما دمتَ سمعا وعينا في الزمان لنا / فكلُّ أيامِه أيامُ أعياد
نُبّئت أنَّ فلانا قد شحا فمَه
نُبّئت أنَّ فلانا قد شحا فمَه / فقلتُ مهلاً كذاك العَيرُ نَهاّقُ
من اين للّنبَطىِّ الفَدْم معرفةٌ / هل يُنِبت النَّبعةَ الصفراءَ رُستاقُ
وكيف يفهَم قلبٌ دون فِطتنهِ / من البلادةِ أبوابٌ وأغلاقُ
يا ثورُ خلِّ لروضِ الحَزِن زهرتَهُ / فإنّ مرعاكَ قُلاّمٌ وطُبّاقُ
ولا تراعِ نجوم الفضلِ ترصدُها / فغيرُ خافٍ على الحسّاب أرزاقُ
نبذت عِرضَك نبذ النعلِ مُخَلقةً / وكيف يُلبَسُ ثوبٌ وهو خُرّاقُ
هل في جُنوبِ اللِّوى وجدٌ فأطرَبهُ
هل في جُنوبِ اللِّوى وجدٌ فأطرَبهُ / بأنَّةٍ أرسلَتْها حَنَّةُ العِيرِ
أم روضةُ الحَزِن من دمعى على ثقةٍ / فلا تحيِّى حياَ الغُرّ المباكيرِ
ومن يكن غرّه في الحبّ غادرُه / فقد هَوِيتُ ولُبِّى غيرُ مغرورِ
وما ركبتُ الهوى إلا وقد علمتْ / نفسى بما فيه من هول وتغريرِ
أغشَى الخيامَ بذلٍّ ليس يطرُدُه / لَفتُ الخدودِ وإعراضُ الأرسايرِ
دون الأمانىِّ فيهم كلُّ لاذعةٍ / والشَّهدُ من دونه لسعُ الزنابيرِ
ما للزمان تُحلِّى لى خدائعُهُ / أكلَ المُرارِ بأنواعِ الأزاهيرِ
لا يَتبع العينَ قلبي وهي تابعةٌ / وكيف طاعةُ ذى أمرٍ لمأمورِ
وصاحب لا يدُ التجريب تنقُدُه / ولا سبائكُهُ تصفو على الكِيرِ
يسىءُ حتَّى إذا فاحت إساءتُه / رمَى وراء الخطايا بالمعاذيرِ
تركتهُ بعبَاءِ الغِلّ مشتملا / يُكنُّ للغيظ جُرعا غيرَ مسبورِ
حاشَ الذي شفَّ لي عن كلّ خالصةٍ / كأنَّ كَشحيْه صِيغا من قواريرِ
لا يجتبى ببيوت النافقاءِ ولا / يروح مشتملا ثوبا من الزورِ
أيا بنَ ودِّى انتسابا مالَهُ رحِمٌ / إلا الذي فيك من فضلٍ ومن خِيرِ
إليك أشكو مشيبا لاح بارقُهُ / في فرع دهماءَ تجرى بالأساطيرِ
كانت مَفارِقها مسكا مضمَّخةً / فما لها بُدّلت منه بكافورِ
ومقلةً عُهِدتْ كحلاءَ مرَّهها / طولُ البكاءِ على بِيض الطواميرِ
كانت دجىً حسَد الإصباحُ لِمتّه / فجزَّها بحسامٍ منه مشهورِ
يا حبَّذا هي والأقلامُ واردةٌ / فيها وصادرةٌ سُحْمَ المناقيرِ
كأنّما كرَعَت في ناظرَىْ رشأ / أو في سُويداءِ قلبٍ غير مسرورِ
تَحوى القراطيسُ منها روضةً أُنُفا / فيها مُفاخَرة الظلماءِ للنُّورِ
فكيف لي بخضابٍ تسترِدُّ به / من الشبيبة لونا غير مهجورِ
ذؤابة النار شطرٌ فيه معتمدٌ / وفيه للنَّحل شطرٌ غير مبرورِ
قد أحكمته يدُ الطاهى فناشَله / كجاذب القوس عن نزعٍ وتوتيرِ
فجاءنا بغُدافٍ لا تسابقه / شُهبُ البزُاةِ إلى فخرٍ وتنفيرِ
لو أنّ صِبغتَه فاز الشبابُ بها / لما رمىَ الدهرُ فَودَيْهِ بتغيرِ
وحاجة النِّقس إن قلَت وإن كثرت / إذا سمحتَ بها مثلُ الدنانيرِ
ما زال يكِشف عنّى كلَّ طارقةٍ
ما زال يكِشف عنّى كلَّ طارقةٍ / ما خوَّل الله من صُمِّ الأنابيبِ
إن أمطرتْها بنانٌ جاش غاربُها / على المهَارقِ منهلَّ الشأبيبِ
حتى بلغن إلى الغاياب حاسرةً / هُتْمَ السنابكِ من بدءٍ وتعقيبِ
واحتضَرتْها المُدَى نحتاً وقد فُلِقتْ / هاماتُها بين تصعيدٍ وتصويبِ
فعادَ من طول ما يسِرى عَشَنَّقُها / مدغَّما بين أطرافِ الرواجيبِ
وعندك الدوحةُ العلياء تُنبِتها / مَنابت النبع في شُمّ الشَّنا خيبِ
فقُدْ غلىَّ جيادا من ضوامرِها / صمَّ السنابكِ سَبْطاتِ الظَّنابيبِ
تختال في حَبِرَات الوشى تائهةً / على متون العوالى والقواضيبِ
لو أن بعض غصون الأيك أشبهها / ألهى الحمائمَ عن شدوٍ وتطريبِ
ولو يبايعني الخَطِّىُّ أنْفَسه / لم أعطِه شطرَ أُنبوبٍ بأنبوبِ
وحَملُ كفّى على الأقلام تُرسلها / يطلب حملى على الجُردِ السِّراحيبِ
لا يملِك الفارسُ المغوارُ شِدتهُ / ولا بسالَته إلا بمركوبِ
قالوا ابنُ دارستِنا وزيرٌ
قالوا ابنُ دارستِنا وزيرٌ / فقلتُ لفظٌ بغيرِ معنَى
مثلُ لديغٍ يُدعَى سَليما / نَصْراً وفَتحا يُسَمى ويُكنَى
كأنّما وجهه كتابٌ / سوَّدتَ فيه ظهرا وبَطنَا
بعضُ وُعولِ الجبال لكن / أطولُها لحيةً وقَرنَا
أقبلَ من فارسٍ إلينا / في عُصبةٍ كالحَميرِ لُكْنَا
ظنتُهم حولَه شِياها / والشيخَ تيْسا والدَّستَ دَبْنَا
يا رائدا دُلَّنا عليه / صدقتَ حِسًّا وخِبتَ ظنَّا
جاريتُ في الحبِّ أَطلاقا بلا أمدِ
جاريتُ في الحبِّ أَطلاقا بلا أمدِ / فها أنا سابقُ العُشّاقِ بالكمدِ
ما يستطيل فؤادى في الهوى سَفَرا / والهمُّ زادى وماءُ العين من عُدَدِى
خفْ يا مليكىَ أن يفنَى عذابُك لي / ولا تخفْ أننى أبقى بلا جَلَدِ
جيشٌ من الصبر عندى ليس يهزِمهُ / شوقٌ تُغير سَرَاياه على الكبِدِ
بلغتُ أقصىَ المَدى فيه وما ثلَمتْ / منه الوشاةُ فلم ينقُص ولم يزِدِ
إن الألى ملؤا الأجفانَ من مطرٍ / هم الألى ملؤا الأفواهَ من بَرَدِ
مَن نابُهُ شنَبٌ وظُفْرُه عَنَمٌ / فهو الغزال الذي يجنى على الأسدِ
نفسي إلى الله لا تشكو جفاءكمُ / ولا إليكم فهل تشكو إلى أحدِ
يا كاهنَ الحبِّ خبرّنى مَن الجانى
يا كاهنَ الحبِّ خبرّنى مَن الجانى / عينى التي عِشقت أم طَرْفَى الرانى
ولو علِمتَ الذي يجرى على كبدي / لقلتَ إنهما في الحبِّ سِيّانِ
أُقسم بالعادياتِ ضَبْحا
أُقسم بالعادياتِ ضَبْحا / حقًّا وبالمورياتِ قَدْحا
بأنكم توسعون مَقْتا / من زادكمِ عِفة ونصحا
في كلّ يوم لكم سطورٌ / تُكتبُ بالعهد ثم تُمحَى
وكلُّ ما يُبتَنَى عِشاءً / يُهدَمُ بعد التّمام صُبحا
كالأفق إن غام في جَنوبٍ / هبّت شَمالٌ له فأضحىَ
آمالُنا فيكُمُ هَباءٌ / أضرَبَ عنها الرجالُ صفحا
من همُّه أخذُ رأسِ مالى / فكيف أرجو لديهِ ربحا
وقائلٍ لِمْ هجرتَ الشعرَ من زمنٍ
وقائلٍ لِمْ هجرتَ الشعرَ من زمنٍ / فقلتُ قولَ امرىءٍ من خَيرهِ يئسِ
رأيتُ هجوى أناسا معجزا لهمُ / وخاب مدحى فبعتُ النُّطقَ بالخرس
قالوا ابن مالكَ قَرنانٌ فقلت لهم
قالوا ابن مالكَ قَرنانٌ فقلت لهم / كذبتُمُ وأثمِتم بل له ذَنَبُ
لو كان يملِك قرنا كان ينطح عن / شاةٍ كلُّ تيسٍ فوقَها يثبُ
عَذبٌ من الماءِ قد سُدّتْ مواردهُ
عَذبٌ من الماءِ قد سُدّتْ مواردهُ / سيّانِ واجدُ ممنوع وفاقدُهُ
تجفو تعذَّرَ حِبٍّ لست تُبصرهُ / والمُرُّ حِرمانُ محبوبٍ تُشاهدُهُ
أرخى ذوائَبه دونى يُشكِّكُنى / أَهْى التي سترتُه أم ولائدُهُ
فليت قَدْ قَدَّ من جفنى يراقعَه / وإن كفَى فُصِّلتْ منهُ مجاسِدُه
القدُّ والخصر والطرفُ الكحيلُ له / فكيفَ يُلَغبُ مَن هذى مَكايدُهُ
وما أردتُ سلُواّ عن محبّته / إلا وقلبي على كُلِّى يُساعدُهُ