المجموع : 26
طافت على مستنير الروض وطفاء
طافت على مستنير الروض وطفاء / فللثرى بالذي أولته إثراء
وآن للغصنِ أن يهتز مورقه / وتَنْثَنِي لغناء الوُرق غناء
فقم إلى خُلَس اللذات مغتنماً / أوقاتها فلطرف الدهر إغفاء
فما اعتذارك من عذراء جامحة / تلين عطفاً إذا ما افتضها الماء
فاعكف على بنت كرم للعقول بها / موت وحيٌّ وللأرواح إحياء
لو عرست بجماد ولدت فرحاً / في الصخرة البكر منه وهي صماء
لم يأو ركب أسى منها إلى كنف / ولا طوت ربعها المأهول سراء
فحيّ في الكأس كسرى تحي رمته / بروح راح لها في السر إسراء
وأدْنِ مِنِّيَ دَنّاً حين تبزله / ينسى فصاحة قس وهو فأفاء
وعاطنيها سلافاً ما تَهَضَّمَها / عصر فيفسد منها الصفو إقذاء
ولا بدت شمسها في الكون مشرقة / إلا وجَلَّى دُجا الظلماء لألاء
ففيم عذر أولي الألباب إن جهلت / حلومَهم ثيبٌ منها وعذراء
راحٌ إذا عَبَّ منها شارب ثَمِل / خفت عليه من الأوزار أعباء
يسعى بها ناعم الأطراف معتدل / الأعطاف يعطفه غمز وإيماء
عذب المقبل للصادي بِرِيقته / وبردها من عذاب الصد ارواء
وافى وحيا بها صرفاً ليصلح من / نفوس شرابها ما أفسد الماء
وجاد بالجيد حتى بت ألثمه / وما ثَنَتْنِي عن اللَّمْياء نجلاء
راضت شمائله كأس الشمول وكم / قد ليَّنت شرس الأخلاق صهباء
فلا عدمت الحميا كم أبيح بها / حمىً به غارة المشتاق شعواء
كما أباحت نفوس الناكثين سطا / غازي بن يوسف لما أعضل الداء
ملك تحمل أعباء العلا وَوَهَى / عنها ملوك لهم بالعبء إعياء
بدر تضيء لسار الليل غرته / بحيث أنواره للوفد أنواء
لديه للمعتدي والمجتدي كرماً / في الحرب والجدب إعطاب وإعطاء
حماسة فيه زانتها سماحته / كما تُزِين دُجى الظلماء أضواء
حالان طاب حلول الحمد بينهما / جود وبأس هما روض ورمضاء
إذا رجاء طريد حل ساحته / تأرجت منه بالإحسان أرجاء
مستيقظ الجود تروى من عوارفه / كف امرئ نام عنها الحظ ظمياء
تهز عطف معاليه مدائحه / وطالما بعث الإطراب إطراء
حلو الأناة تميت السخط قدرته / فيستطيل على الإغضاب إغضاء
مجد تعاظم أن تحتل ذروته / وعزة تبهر الأملاك قعساء
تندى وتخضر للراجين ساحته / والسحب صادية والأرض غبراء
ملك إذا عم عام المَحْل كان لنا / حصناً فما يطرق الشهباء شهباء
يريه ما في غدٍ وَارِي تيقظه / إذا هفت لملوك الأرض آراء
يا من يؤم بنو الآمال كعبته / وهم على شعب الأنضاء أنضاء
لولاك والنقع داجي الوقع ما سفرت / عن أبيضِ النصر للخطيّ سمراء
سما إِباؤك والمجد المنير سنى / عما بَنَى لك أجاد وآباء
سهرت في حفظ ما أوتيت مجتنباً / ما ليس فيه لرب العرش إرضاء
فمن يساميك من صيد الملوك وقد / حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء
فاسعد بطاعة أعياد تدوم لها / عليك يا ذا العلا عود وإبداء
ودم لنا ما حدت بُزْل المَطِيِّ وما / شدت على مورق الأغصان ورقاء
خذ من نسيم الصبا أخبار أسماء
خذ من نسيم الصبا أخبار أسماء / فكم له من إشارات وإيماء
وطَارَحَ البرقُ أخبارَ الحمى فَأَرى / سَنَاهُ مستبئراً من ثَغْرِ لمياء
يا حبذا الخاطر النجدي مرَّ بنا / مُضَمَّخ الجيب من أردان ظمياء
أَناف معتلياً من جو كاظمة / حتى أطاف بأشباح وأنضاء
وَحمْلُها نفحات الريح باسمة / أنفاسها بين بانات وجرعاء
أمَّا نسيم أريض الروض يبعثه / ريح الصبا عطراً من نحو تيماء
كساه وادي أُشيٍّ من خمائله / بُرْداً ولم يصنع بصنعاء
فَنَبِّهِ الرَّكب إن مال النعاس بهم / على الغوارب من أين وإغفاء
وأعبق النشر ما باتت نوافجه / يسري شذاه على غيم وأنداء
قالوا أتاجر مسك رَائدٌ حلباً / أم نشر جارية بالرمل أَدْمَاء
فقلت لا بل نسيم من أحبتنا / سرى على روضة بالجزع غَناء
لله مشتط ذاك الرمل من إضم / وخطفة البرق في ديجور ظلماء
وحبذا بدوات بذي سلم / وقد حمت سمرها أعطاف سمراء
وجاد مغناك يا وادي الأراك حياً / يضاحك البرق فيه كل وطفاء
كأنّما الناصر السلطان علمه / نهج السماحة في بذل وإعطاء
داود محيي الندا بالجود أكرم من / يدعي لمكرمة أو كشف غماء
جلى دياجي الخطوب السود عن أملي / بطلعة كبياض الصبح غراء
ملك يروقك بشراً إذ يَرُوع سَطَا / كالسيف يجمع بين النار والماء
يغضي حياءً ويرضي البيض مسلطة / يقظان في حالتي سلم وهيجاء
من دوحه نشأت في أرض مكرمة / ففاء منها علينا ظل نعماء
طِبْتُمْ فروعاً من الأصل الزكيِّ فقد / أصبحتمُ خير أبناء لآباء
إذا تفاخرت الأملاك كان لكم / حقيقة الفخر من مجد وعلياء
يا ابن الأولى ملكوا الرق العلا وسموا / فخراً بأحسن أفعال وأسماء
إليكم تستحث العيش واخدة / وفودها بين إدلاج وإسراء
أما وشعث على شعث مناسمها / بالمرو ما بين إدمان وإدماء
باتوا على شعب الأكوار ليس لهم / ميل إلى طيب تهويم وإغفاء
مستقبلين بها البيت الحرام وهم / حسرى كأنضائهم من حمل أعباء
لَيَأْتِيَنَّ إليك الدهر معتذراً / مما جناه ويدنو المطلب النائي
فثق بأعمامك الغرّ الّذين بهم / تنال ما شئت من عَوْدٍ وإبداء
فالكامل الأبلج الوضاح إن غسقت / حوادث الدهر جلاها بلألاء
واشدد بموسى أبي الفتح الجواد يداً / فكم له من يد في الجود بيضاء
من كل أبلج تزهي التاج غرته / يوم السلام مهيب ربِّ إعضاء
كم رضت بالعزم ما أعيى الكهول وكم / أنزلت مستصعباً من رأس شماء
وكم أَعَدَاكَ لا خَابَ اصْطِفَاؤُهُمَا / لدفع حادثة أو غزو أعداء
وأنت ذاك الذي تبكي الرقاب دماً / لوقع أسيافه في نقع حواء
فاستجلها يا صلاح الدين سافرة / كالروض في وَشْي أنوار وأنواء
عذراء لم يسكن الإقواء قَطُّ لها / بيتاً ولا جُلِيت في ثوب إكفاء
طلت البرية في علم وفي كرم / ولم أقصر بها عن رتبة الطائي
فدمت يا قبلة الإقبال تعمل في / تجديد مملكة تسديد آراء
ذِكْرُ الفتى عمره الثاني وحاجته
ذِكْرُ الفتى عمره الثاني وحاجته / ما فاته وفُضول العيش أَشْغال
إرْبَأْ بنفسك أن يدنيك من أرب
إرْبَأْ بنفسك أن يدنيك من أرب / غير السيوف المواضي والقنا السُّلب
واغضب لترضى بما تَحضْى عواقبه / إن الرضا كامن في سَوْرة الغضب
وأتعب النفس فيما أنت طالبه / فإن راحتها في ذلك التعب
واستشعر الحزم والبس منه ضافية / تنبو إذا باشرتها أسهم النوب
وبالسيوف فخاطب فهي أفصح في / ردع الخطوب من الأسجاع والخطب
لا تخل دهرك من يوم يمر بلا / حزم يسر وطل بالسعي والطلب
إن الزمان وإن راقت نضارته / أخو الغواني ضعيف العهد والسبب
فلا يغرنك بشر في أسرته / كم بارق مر في نوء ولم يصب
ففي سوى رجب لا ما سمعت به / تأتي الشهور بأنواع من العجب
طب في الزمان حديثاً والق حادثه / ثَبْتاً فجد أناس فيه كاللعب
فالمسك لولا الشذا قبل الجمود دم / والسمر لولا السطا نوع من القصب
فلا يصدك عن شيء ترفعه / فطالما صار ورداً نازح السحب
وكن بسعي غياث الدين مقتدياً / وقد بلغت مدى الآمال عن كَثَب
أغر ينجاب ليل الحادثات به / مورث المجد عن آبائه النُّجُب
ذي راعد من عوادي خيله قصف / ووابل من غوادي نيله خصب
يقظان ما حاول الأعداء غرته / إلا وأغرى بهم جيشاً من الرعب
أعطى قنا الخط عهدا إذ يؤمهم / أن لا يرد سناناً غير مختضب
ولم تزل وهي كالأشطان يرسلها / يوم الوغى في قلوب القوم في قُلُب
ساس الرعايا بعدل منه كان لهم / أَحْنَى على ولد من والد حَدِب
يا ابن الأولى ألفوا ضِرب الطُّلَى وثنوا / عن العلا بالمعاني كل مغتصب
من كل أحمر حد السيف أخضر ي / وم الحرب أبيض وجه الحمد والحسب
عزما فما زلت تجلو كل داجية / بالمستنيرين من رأي ومن شُطَب
سر بالجياد المذاكي تذك نار سَطَا / يزداد وقداً بِرَقْرَاقِ الدم السَّرِب
ولا تراسل بغير البيض مسلطة / فالسيف أصدق أنباء من الكتب
فكم صفحت وأغمدت الصفاح وكم / كادت تذوب لما فيها من اللهب
فاسْتَنَّ عزماً وجرد بأس منتقم / فالخمر تجمع بين السكر والطرب
فأنت ذاك الذي تسري عزائمه / إلى أعاديه مسرى الأنجم الشهب
وهي المقادير قد جاءتك مقبلة / فمر تطعك وسل ما شئته تجب
إن تغز فالنصر والفتح المبين له / عليك ألوية خفاقة العذب
ولو نَهَدْت إلى يأجوج أسلمها / من كان يعصمها في المعقل الأشب
لا عيب إلا إلى علياك ناظرة / فالنصر مقترب من كل مرتقب
وللأقاليم شوق بات يلفتها / إلى طلائع هذا الجحفل اللجب
فكل أمنية ما لم تخص بها / فإن أصدقها أدنى إلى الكذب
فالأرض لولا وقار منك ثبتها / كانت إليك ثنتها خفة الطرب
فالسعد طلق المحيا إذ تقابله / كالسعد لا تتوارى عنك بالحجب
فلو نحوت هرقلا في عساكره / لما رأى عدة أنجى من الهرب
أبا المظفر خذها بنت ليلتها / بكراً مفضلة في العجم والعرب
لو أن بدر الدياجي جاء يخطبها / تضاحكت صلفاً من وجهه الترب
أخت النسيم ولكن ما بها سقم / أم العجائب بنت الفكر والأدب
ودم فلا زالت الأعياد عائدة / على علاك بنيل السؤل والأرب
فليس غيرك للإسلام من ملك / يرجى نداه ولا الدنيا سوى حلب
دعني فكلُّ غرام في حشايَ له
دعني فكلُّ غرام في حشايَ له / مأوى وكل هوى عندي له سببُ
وكلُّ فضل به تُبْنَى العلا فإلى / أبي الفضائل بدر الدين ينتسبُ
إلى الذي ترهب الأعداء سطوته / وليس يعصمهم من بأسه الهربُ
إلى طويل نجادِ السَّيفِ تحسبه / تحتَ اللواء لواء والقنا أُشبُ
القائد الخيل أمثال الذباب على / ظهورها غُلُبٌ عاداتها الغَلَبُ
وفوق هام العدا للبيض معتكف / كأنهنَّ ظماء والطُّلى قلبُ
إذا العجاج بنى من فوقها ظللاً / حسبت ليلاً تهاوى تحته شهبُ
تبدو وجوه المنايا وهي باسمة / منها ووجه الضحى بالنقع منتقبُ
جيش هو الليل إن أجرى سوابقه / وإن رمى نبله فالعارض الخصبُ
لا يحتمي منه ذو حصن ولا وزر / وليس ينفع منه الهاربَ الهربُ
يرمي الثغور به ملآن من همم / إلى العدا رائد بالخوف والرعبُ
المرغم المال والآمال شامخة / لعزها من تمادي ذله طربُ
أغرُّ ينجاب ليل الحادثات به / عنا وَتُحْدَى إلى أبوابه النُّجُبُ
كالليث تخشى عواديه وَسَوْرَتُهُ / والغيثِ تُرْجَى غواديه وَتُرْتَقَبُ
إذا وصلت به حبل الرجاء فقد / تقطعت ونبت عن قصدك النُّوَبُ
يضفو لنا ظله من قبل نائله / وللغمامة ظلٌّ قبل تنسكبُ
يروع راعيه قبل الخبر منظره / في منظر البحر قبل المخبر العجبُ
أبا الفضائل قُلْ فالدهر ممتثلٌ / وقل فسعيك تستعلى به الرتبُ
من هم فاستغنى بهمته / عما بناه له جدٌّ وشاد أبُ
أقسمت ما روضة غناء باكَرَها / من مستهلّ الحيا مُثْعَنْجِرٌ سَرِبُ
فالدوح نشوان من خمر الحيا ثملٌ / مثل القدود ثنى أعطافَها الطَّرَبُ
تبدي ذوائب إلا أنها ورق / على معاطف إلا أنها قُضُبُ
كأن أوراقه والوُرق هاتفة / منابر تليت من فوقها خُطَبُ
حدائق دائم التحديث نرجسها / إلى ثغور أقاح زانها شَنَبُ
كأنها بِيَعٌ يتلى الزبورُ بها / في حيث يرفع من منثورها صُلُبُ
فالغصن يرقص والورقاء ساجعة / والنَّوْرُ يضحك والأنواء تنتحبُ
يوماً بأحسن من مرآك حين تُرَى / مرفوعة للأماني دونك الحجبُ
لولاك ما شُدَّ رَحْلٌ فوق ناجيةٍ / ولا علا ظهر عَوْد للسُّرَى قَتَبُ
أقمت سوق القوافي بعد ما كسدت / وكاد يهدم منها ما بنى العربُ
وحين عادت ربوع الحمد دارسة / أعدتها وهي من بعد البلى قُشُبُ
فالشعر ما سقت النعماء روضته / كما يروقك غِبُّ النائل العُشُبُ
كم مات قوم فأحيتهم مدائحهم / والشعر يُخْلِدُ ما لا يُخْلد النسبُ
أعطى نُصَيْبٌ بني مروان خالدةً / مقيمةً وهي في الآفاق تضطربُ
أعطوه نزراً فأعطاهم مجازفةً / ما في الحقائب ما تَغْنَى به الحِقَبُ
فجئتُ يقدمني صدق الولاء بما / أختاره فيك من مدحي وأنتخبُ
ولو نظمت النجوم الزُّهْرَ قافية / لم أقضِ من فرض نعماك الذي يجبُ
لا رَوَّعَ اللهُ مُلْكاً أنت كافِلُهُ / ولا رعى من له في لحده أَرَبُ
مالي أُنَكَّبُ عن جدٍّ إلى لعبِ
مالي أُنَكَّبُ عن جدٍّ إلى لعبِ / وأستريحُ وعزمي دائمُ التَّعبِ
ولو نهضتُ إلى العلياء ممتطياً / حزمي لما كانتِ الآمالُ تقعد بي
مالي أعلِّلُ نفسي بالمنى سفهاً / والنُّجح يهتفُ بالآمال عن كَثَبِ
إذا رضيتُ بعيشٍ لا انتفاع له / يوماً فلا صحبتني نخوة الأدبِ
الليل أولى بمثلي أنْ يباشره / بِمُقرِبات جيوش الخيل والنُّجُبِ
إلام يُعْجِزُني نقع الأُوام ولي / جُمامُ ماءِ أيادٍ سهلة القُلُبِ
أيحجب النُّجح عني وهو يرصدني / في باب كلِّ جواد غير محتجبِ
مواهب الله في الدنيا مُيَسَّرَةٌ / مع الترحُّل والأجمال في الطلبِ
لا يُؤْيِسنَّك من رزق تباعده / فنازح الغيث يرجى وهو في السُّحُبِ
وفي الثوى راحة إمّا بلوغ غنى / يرضي الصديقَ وإما موت مغتربِ
إني أقيمُ وآمالي مُطَرَّحَةٌ / في ساحة المجد بين الظنِّ والسَّغَب
أأترك الحظّ في ملقى الحضيض سدىً / وهمتي فوق هام السبعة الشُّهُبِ
لئن رضيتُ لفضلي بالخمول ولي / في سائر الأرض ما يدني من الأرب
فطاردتني خيول الخَطْبِ مُسْرِعَةً / نحوي وأَهمَل أمري سُنْقر الحلبي
حامي حمى الدين بالبيض القواض / ب والجرد السّلاهب والخطية السُّلبِ
ومقدم الخيل مثل الليل يرسلُها / كالسيل ينحطُّ من عالٍ إلى صَبَبِ
تظلُّ مرتميات في الأعنة من / تحت الأسنة نحو الجحفل اللجبِ
بحر حواه غدير من مُفاضته / يحكي القتير عليها جَائلُ الحَبَبِ
نجل الأولى ألفوا ضرب الطُّلَى فَثَنَوْا / عن العلا بالعوالي كلَّ مغتصبِ
من كلِّ أبلج من جفني مناقبه / تجلو محيا جلال غير منتقبِ
شُمّ الأنوف إلى غسان نسبتهم / أكرم بتلك الأنوف الشمِّ والنَّسَبِ
سلْ عن صنائعهم أو عن وقائعهم / يجبك ما أودعوا منهنَّ في الكتبِ
سلْ يوم عين أباغٍ عن جلادهم / والبِيض تهتك ستر البَيْض واليَلَبِ
يا بؤس صبح أبي قابوس إذ شهروا / عليه كل طريد الحد ذي شُطَبِ
جاءت قبائل لَخْمٍ وهي معلمة / فردّها الحارث الحرَّاب بالحَرَبِ
آباؤك النُّجُبُ الغرّ الذين بهم / في يوم كل فخار صفوة العربِ
مضوا وأوصوا بك العافين إذ كثرت / حوادث الدهر عن ناب من النُّوَبِ
مبارز الدين قم عَنِّي مكافحة / فليس يرتدُّ ناب الخطب بالخُطَبِ
لولا قراع رماح الخطّ ما عرفت / لسمرها ميزة يوماً على القَصَبِ
واغْضَب لأُحْظَى بما أرضى عواقبه / إنّ الرضا كامن مع سَوْرة الغَضَبِ
أبعد رعيك آمالي تغادرها / في أرض جدب بلا ماء ولا عُشُبِ
حاشاك تخمل من لولاك ما قذفت / يد المهامه في نص ولا نصبِ
كل اعتمادي عليكم في الخطوب وما / رجوته عندكم من حسن منقلبِ
أليس قومك أحيت جاهليتهم / قومي بما فرجوا عنهم من الكُرَبِ
أليس علقمة الفحل استماحهم / أسرى من القيد كانوا نخبة النُّخَبِ
وتلك عادتكم يا آل جفنة مذ / كنتم على سائر الأزمان والحقبِ
فليت شعري ما بالي أجنُّ جوى / أبيت منه على أذكى من اللهبِ
لم تبل أعظم سلطاني فواعجبا / أين الحمية أم أين الوصية بي
تنابحتني كلاب الحيّ مذ حجبت / تلك الترائب في مستودع التربِ
أبا سعيد رعاك الله أيّ فتىً / إن غاب عني فحمدي عنه لم يغبِ
صفحاً إذا جاش بحر الشعر واضطربت / أمواجه فولائي غير مضطربِ
فحيث كنت فعبد أنت مالكه / ملكاً تنزه عن شك وعن ريبِ
فكم أتيتك صِفْر الراحتين وكم / أَعَدْتَنِي ناشب الكفين في النَّشبِ
فاسلمْ فلا زالت الأعوام مقبلةً / على علاك بنيل السؤل والأربِ
كم يسلك الدهر فينا من أساليب
كم يسلك الدهر فينا من أساليب / ونحن نغترُّ منه بالأكاذيبِ
تريه يقظته أسرار غفلتنا / عنه فيغترُّ عن ثغر الأعاجيبِ
دهر إذا جاد يوماً عاد مرتجعاً / بحادثات الليالي كلّ موهوبِ
متى تأملته جذلان مبتسماً / ولم يرعك بتعبيس وتقطيبِ
ففيم تنهب لذات تمرّ بنا / كأنما العمر منّا غير منهوبِ
ما يرفع المرء الطرف منا نحو منى / إلا وتخفضه أنفاس مكروبِ
غيري يغرُّ بآمال مرددة / ظنونه بين تصديق وتكذيبِ
أأرتجيك وأفني العمر فيك منىً / جوالة بين تصعيد وتصويبِ
سلوت بعد غياث الدين عنك فما / آسى إذا لم تجودي لي بمطلوبِ
يا آمن الدهر كن منه على حذر / كم سالب فيه أعطى كف مسلوبِ
فالحادثات كما حدثت وثبتها / تستنزل العُصْمَ من شُمِّ الشناخيبِ
لا عزة الملك تثنيها إذا طرقت / ولا منيع الحمى عنها بمحجوبِ
لو كان يمنع عنها عزّ مقتدر / كفت يداً عن أبي بكر بن أيوبِ
عن مشمخر العلا دانت لعزَّته / صيد الملوك بترغيب وترهيبِ
يا فجعة الدين والدنيا بمالئها / عدلاً يؤلف بين الشاة والذيبِ
أنى تخطى إليه الموت مُقْرِبةً / وحدّ كل حسام غير مقروبِ
وكيف طالت يمين الحادثات إلى / رواق ملك على العلياء مضروبِ
مضى وللرمح قَدٌّ غير منحطم / طعناً وللسيف حدٌّ غير مخضوبِ
ولا انجلى الطعن عن قتلى تصرفهم / وحش الفلا بين مطعون ومضروبِ
أين الذي كان تنقاد الملوك إلى / أبوابه بين إدلاج وتأويبِ
أين البساط الذي كانت تقبله / شفاه كل مخوف البأس مرهوبِ
سقى ثراك أبا الأملاك منبجس / مجلجل الرعد منهلّ الشآبيبِ
وباكرته النعامى وهي حاملة / ريح الخزامى إلى ما فيه من طيبِ
لله ما ضمّ ذاك القبر من كرم / وما تضمن من حزم وتجريبِ
يا ليث إن ريع غاب غبت عنه فلم / يغلبك إلا زمان غير مغلوبِ
فكم تركت لحفظ الملك من أسد / عَبْل الذِّراعين مرهوب المخاليبِ
تهزّ أرماحهم سكرا معاطفها / وحمرة الدم منها في الأنابيبِ
من كل أصيد ملء الدهر هيبته / مغرى بقطريك جيشٌ لا بتطريبِ
راضوا ببأسهم الدنيا وجودهم / رياضة هذبتنا أيَّ تهذيبِ
مظفر الدين صبراً فهي حادثة / أهوالها تلحق الشبان بالشِّيبِ
لا يقهر الله ملكاً تنظرون به / فأنتم خير موجود لتطنيبِ
ولا برحتم بدوراً يستضاء بكم / في حالكٍ من ظلام الخَطْبِ غِرْبِيبِ
هذي المساعي التي استعلت بها الرتب
هذي المساعي التي استعلت بها الرتب / ما شاب جدّك في إحرازها لعبُ
حويتها يا ابن غرس الدين مفترعاً / هضابها ثم أكْدَى بعدك الطَّلَبُ
ما زلتُ أسمع عن سعي خصصت به / ما خامرتني في إسناده رِيَبُ
حتى رأيتك والهيجاء سافرة / والجوّ داجٍ بذيل النقع منتقبُ
والخيل تغشى غمار النقع مكرهة / مما تَضَايق وانضمّ القنا الأشبُ
فكنت فارسها والبيض مرهفة / والسمر تهفو على أغصانها العذبُ
وسندس الأفق في ذيل العجاج له / ثوب يكتبه من برقها ذهبُ
كشفت كربتها لما دجت ومتى / كانت تغير عَلَيَّ تكشف الكربُ
أقدمت بالخيل أمثال الذباب على / متونها غُلُب عاداتها الغلبُ
مجرداً أغلباً ينصب في غدر / حيث القلوب لأشطان القنا قُلبُ
ملاهمُ رهباً خوف الردى فغدا / أمضى سلاحهمُ من بأسك الهربُ
حتى رفعت منار الحقّ معتلياً / وانحطّ ما شاده التمويه والكذبُ
وقال من راعه خفق البنود لمن / هذي الأسود التي غاباتها حلبُ
ترى الثغور بها ملآن من همم / إلى العدا رائداه الخوف والرُّعُبُ
أغرُّ ينجاب ليل الحادثات به / عنا وتحدى إلى أبوابه النجبُ
كالليث تخشى عواديه وسَوْرَته / والغيث ترجى غواديه وترتقبُ
زكت فطابت بغرس الدين نعمته / في منبت العزّ حيث المجد والحسبُ
إذا وصلت به حبل الرجاء فقد / تقطعت ونبت عن قصدك النُّوبُ
يفيء ظلاًّ على الرجاي ليسعفه / كالسحب تبسط طلاًّ ثم تنسكبُ
فكم عجائب من نعماء سوغني / عفواً فكل زماني عنده رجبُ
بني قليج أدام الله ظلكم / ففي رياض حماكم يرتع الأدبُ
كم نخبة من أياديكم وجاهكم / عندي زكت فمديحي فيكم نخبُ
من أطلع البدر في ديجور طرّته
من أطلع البدر في ديجور طرّته / وأودع السحر في تكسير مقلته
ومن أدار يواقيت الشفاه على / كأس من الدرّ يحوي خمر ريقته
ومن لتبريد قلب بات يلهبه / ترديد ماء الصبا في نار وجنته
ما لي وما لرشادي فيه أنشده / والغيّ يقتاد قلبي من أزمته
يا مرسل الصدغ ما هذا الضلال وقد / بلغت عن طرفه آيات فترته
ارشد سواء فقد مثلته صنماً / ما ساءني أنني من جاهليته
ما لي بأغيد ساجي الطرف أَجْيَد / لا يرضيه مني سوى ذلي لعزَّتِه
يجفو النسيم عليه من لطافته / والدهر ألين منه عند قسوته
لم أنسه والدُّجى مرخي الإزار وقد / زار اختلاساً فأحياني بِزَوْرَتِه
ثنت شمائله كأس الشمول فما / قابلت منتها إلا بقبلته
فرمت أكرع في خمر الرضاب فقل / في شاعر دأبه إفساد توبته
قليت شعري وقد قبَّلت مبسمه / أمن تَثَنِّه سُكْرِي أم ثنيَّتِه
رتعت في ورد خديه ونرجس عيني / ه وآسِ عذاريه وخضرته
فالشكر للسكر لولاه لما ظفرت / كفي بتسهيل صعب من عريكته
ويلاه من ثمل الأعطاف ذي هيف / كالغصن لي نشوات عند خطرته
لم أوت شيئاً من الدنيا ألذّ به / إلا وزاد عليه حسن رؤيته
إني أغار عليه أن أسميه / فيصبح الناس مثلي في محبته
ما حرم العذل إلا في الغرام به / ولا التجلد إلا عند جفوته
ولا أرانا يداً بيضاء من كرم / ترجى وتخشى سوى موسى وآيته
شاه أرمن الأشرف السامي منار هدى / قامت بتمهيده أيام دولته
المُوهِب المال آمال العفاة إذا / ريح الثناء مشت في أريحته
والباعث الجيش يعشي الناظرين سناً / كأن شهب الدراري من أسنته
سيف الإمام الذي تمضي مضاربه / إذا انتضاه الهدى يوماً لنصرته
سيف لنصر بني العباس جوهره / يجول ماء الردى في نار شفرته
آل الرسول أولي الأمر الذين لهم / قضيبه ومعالي إرث بردته
قوم لجدهم سقي الحجيج ولم / يستسق در الحيا إلا بدعوته
مرضي الهدى في حنين دافع عن / نفس النبيّ الردى في صيد عترته
مناقب لو ظلام الليل زين بها / لاحت كواكب زُهر في دُجُنَّتِه
يا شمس أفق بني أيوب زد شرفاً / ينحط كِيَوان عن علياء رتبته
واشدد يداً بأمير المؤمنين وزد / مجداً تفرع من أفنان دوحته
بيمن مستنصر بالله منتقم / لله من خارج عن حكم بيعته
لله موسى إذا بحر العجاج طمى / والخيل تسبح في آذِيِّ لُجَّتِه
أغرّ ينجاب جلباب الظلام به / فيسلك الشعر في أنوار غرته
هَامِي غمام الندى يلقى العدا جدلاً / بما جلا عنه من لألاء غرته
يضيع في حلمه ذنب المسيءِ فما / أخفى مسالكه في جنب قدرته
كم خفت الأرض من خوف بساكنها / فأثقلتها جبال من سكينته
لا يطرق الهمّ بالأحداث مهتضماً / من بات منتظماً في سلك خدمته
ملك له طود مجد للملوك علا / إذا هم خيموا في سفح هضبته
طلق الأسرة كم سار إلى أمد / أدناه نور المحيا من أسرته
يروق راعيه بشراً إذ يروع سطا / كالسيف يوجد هذا في سجيته
ثبت الجنان وقور الجأش تهزأ من / أطواد كيد الأعادي ريح سطوته
فأين منه ملوك ظل سعيهم / لو أنصفوه لَعُدُّوا من رعيته
كم حاسد لمعاليه يخادعه / كانت منيته في طي منيته
ومارق كالخوارزمي رام له / كيداً فأغرقه في بحر نقمته
قد آمن الله من خوف يروعها / هذي القلوب التي سرت بسيرته
يا مدعي شأو موسى إن عزمتَ على / تبيين فضلك في مضمار حَلْبته
فاعدد مناقب تدنو من مناقبه / وأسرة في المعالي مثل أسرته
مولاي دونكها كالروض يعبق في / علياك ما طاب من أنفاس نفحته
أجادها فكر عبد ليس يرفع في / صحائف المدح حرفاً من شكيته
سقته أنواء نعماك التي طفقت / تجني ثمار المعالي من قريحته
أنمته آمناً من كل نائبة / فليس يرتاع من دهر ونبوته
يا من مواسم أيام الزمان لها / وفد غدا فوهم في قصد كعبته
منعت ركن الهدى ممن يروم له / هدّاً وذدت العدا عن نيل حوزته
فاسلم لعبد وعيد لو رآك به / لأسفر الحظ عن إقبال سفرته
ودم لمن ليس تستسقى الغمام وقد / أهدى نواك له أنواء رحمته
من أوقع القلب بين الطرف والجيد
من أوقع القلب بين الطرف والجيد / وعوض الجفن عن نوم بتسهيد
ومن ثنى غصن بانٍ في كثيب نقاً / أقل بدر دجى في صدر أُملود
ويلاه من ثمل الأعطاف تسكرني / من ريقه الخمر لا ماء العناقيد
جفناه لم ينكرا في وجنتيه دمي / وخدّه عنه قد وَرَّى بتوريد
قد استطال على العشاق يقتلهم / ولا يَدِي طرفه الفتاك من يودي
أشكو ظُلامة خصرٍ منه مختصر / ينحل صبري ببند فيه معقود
أغر أهيف أغنت عن مدامته / لواحظ أنا منها في عرابيد
وجدي به وغرامي في محبته / ألذ من عذلى فيه وتفنيدي
طمعت في لين عطفيه فما عطفا / مذ جرّد البيض من أجفانه السود
بي غلة لم أبت أشكو توقدها / لو جاد لي ريقه منها بتبريد
وهيجت شجني ورق تؤرقني / ترجيع ألحانها في مورق العود
فجعن في الدوح قلبي إذ سجعن فقد / جمعن بين حنيني والأغاريد
لا درّ در اللوى كم شفني بهوى / غصونه الغَيْنِ أو غزلانه الغيد
فيا زمان الصبا هل أنت مرتجع / حتى أقول لأيام الحمى عودي
غاداك داني المدى يروي الصدى كن / دى يد الأمير عماد الدين داود
أغرّ ينجاب جلباب الظلام به / مورث المجد عن آبائه الصيد
تُنْضَى إليه ركاب الحمد ظامية / ترتاد ريَّ الصدى في منبع الجود
تلقاه عند عبوس الحرب مبتسما / والموت في عَذَب السمر الأماليد
كم أنشأت هبوات المجد من قطع / لديه والسمر في نظم وتقصيد
فأي نار كفاح غير مضرمة / وأي ماء سماح غير مورود
نشرت آيات موسى ابن موسك إذ / جاءت تبرهن عن عدل وتوحيد
رآك أهلاً لهذا الملك تحرس ما / استرعاك منه فألقى بالمقاليد
فمن يجاريك في مضمار مكرمة / ومن يباريك في حزم وتأييد
أتى على فترة موهومة فحكى / سَمِيَّهُ عن يمين الطور إذا نودي
فبدل الخوف أمْناً والضلال هدى / وغادر الشت جمعاً غير تبديد
فالظلم والعدل في أيامه سلكا / ما بين مقصور وممدود
فإن حسدت على فضل خصصت به / فأيّ صاحب فضل غير محسود
سددت ما فتح الأقوام من خلل / وغير رأيك لم يظفر بتسديد
فيا فتى ما عداه إرث مكرمة / من قومه النجب الشمّ الصناديد
قم في أموري ففضلي لا يسامحني / إلى سوى بابك السامي بترديد
تالله لا نَبُهت والعزّ شيمتها / قصائدي نائماً عن نيل مقصود
إيه فإنك ممن لم يبع أبداً / في مكسب الحمد موجوداً بمفقود
كن عدتي عند دفع الحادثات فقد / هززت منك حساماً غير مغمود
واسلم فمثلك من ترجى سلامته / لكف حادثةٍ أو فكِّ مصفود
حيا بكأس السرى ساقي الأغاريد
حيا بكأس السرى ساقي الأغاريد / فعربدت طرباً منه على البيد
وحثها شوقها لا سوقها فغدت / غنية عن معاناة الأناشيد
حنَّتْ إلى منهل شرقي كاظمة / صاف وظلٍّ دُوَيْن الحزن ممدود
فما ترى في البرى إلا مروعة / بالزجر نحو الحمى ملفوتة الجيد
صبت إلى عبقة الروض الوسيم فخذ / عن النسيم وشيم الضُّمَّر القود
غداً يضمُّ رداياها على إضم / تطريب سَاقِيَهَا من غير تطريد
فكم تغنى لها الحادي ورنحها / سجع الحمام على القُضْب الأماليد
فأصبحت وهي نشوى في أزمتها / بشجو مرتجز أو شدو غريد
فأين ترمي بنا والنجح يجذبها / إليه ما بين تصويب وتصعيد
أعن حمى الموصل الحدباء تلفتها / وأنت في مستقر المجد والجود
علام تمنعها نقع الأُوام وما / سلسال دجلة عن صاد بمصدود
فالماء أزرق حيث الظِّل سمرته / تجلو بياض المنى في أخضر العود
دع الطلائح تعتض بالمنائح عن / مدائح القاهر السلطان مسعود
مردي العتاة وفكاك العناة ومن / يلقى العفاة بتعظيم وتمجيد
نعم العتاد لإحياء العباد إذا / أولو الفساد أسروا كيد مَزْؤُود
أغر ينجاب ليل الحادثات به / مورث المجد عن آبائه الصّيد
يهوى قدود القنا تحت البنود وما / حوت خدود الظُّبا من حسن توريد
ويقدم الخيل مثل الليل مقبلة / كالسَّيل ينحط من أَعلى الجلاميد
لا تمنع النترة الحصداء طعنته / يوماً ول أَنَّها من نسج داود
يريك في النقع إذ ينضو صوارمه / طلائع النصر بين البيض والسود
إذا انتشى من كؤوس الحمد مترعة / فاحكم على المال منه بالعرابيد
من معشر زينوا الدنيا بسيرتهم / وخلدوا الذكر فيها أيّ تخليد
لم يغد طفلهم في المهد مبتسماً / إلا غدا الملك مسروراً بتمهيد
وإن رقى هضبات المجد ناشئهم / تطأطأت قمم الصيد الصناديد
تُكسَى الأكاليل نوراً من منارتهم / في كل يومٍ عظيم الفخر مشهود
فأيّ عقد معال غير منتظم / لهم وتاج جلال غير معقود
يمشي الثناء عليهم مسكراً عبقاً / مشي النسيم على ماء العناقيد
مالي أُراع لأيامي وحادثها / والنَّاس من طارد فيها ومطرود
قُهِرْت والقاهر السلطان ينجدني / وكان صرف زماني غير مردود
يا من إِذا ما أحاديث الندى ضعفت / فعنه تروي صحيحاً في الأَسانيد
إن الأَمانيَّ قد جاءت مجلأة / ظمأى إلى حوض جود منك مورود
وقد أَتيتك يحدوني الرجاء إلى / نَدىً يُلَبِّي مرجيه إذا نودي
فلو دعوتك والنيران مضرمة / حولي لعاد لظاها برد بَيْرُود
ها أَنت والدَّهر والدنيا مساعده / وها أَنا عن نداكم غير محدود
لا زلت مسعود هذا الملك منفرداً / به وما قدر ملك غير محسود
غَرَّدَ في دوحه الهزار
غَرَّدَ في دوحه الهزار / واعتدل الليل والنهار
والروض يبدو له انتظام / حيث لمنثوره انتثار
شقيقه شقّ عن خدود / من خجل نالها احمرار
لما حكى أوجه العذارى / أشبه عشاقها البهار
كأنما الأقحوان فيه / مباسم زانها افترار
خمائل نسجها المسدّى / يزهره مُخْمَلٌ مُنَار
يشقّ سيف الخليج فيها / وليس يدمى له غرار
حاك زرابيها شباط / وافترّ في وشيها أذار
مدبجات تظلّ فيها / أعين رُوَّادِها تَحَار
كأنها في الرياض بَرٌّ / نَشَّرَ مطوِيَّهُ التُّجار
أو حَلْي معشوقة عليها / يُفَصَّلُ الدرّ والنّضار
زد يا محيا السرور بِشرا
زد يا محيا السرور بِشرا / ويا منى الآملين بُشرا
ها أوجه النجح قد تبدَّت / من بعد طول العبوس غرّا
جلا على دجى الأماني / مذ لاح في جنحهن بدرا
إسفار وجه إلى نداه / هدى من الآملين سَفْرا
لله سيف ما هُزَّ إلا / كفى وكفَّ الخطوبَ قسرا
أرهف منه الإله نصلاً / تقرأ في صفحتيه نصرا
مجوهر لا تراه إلا / مخترماً للطغاة جهرا
تُرَى كَرَاياته الأعادي / حيث تجيد الجياد كرّا
يعيد منها الوجوه سوداً / بسمره والجسوم صفرا
فما انتضى المرهفات بيضاً / إلا ثناها النجيع حمرا
حيث تصول السهام زرق / تباشر السابغات خضرا
حدث به في ندى وبأس / فصاب مطراً وصال ذمرا
له هبات عَوْنٍ تراها / تختصه بالمديح بُكْرَا
يا معمل العيس كالحنايا / حتى انبرت كالسهام ضمرا
لذ بابن عرس الدين المُعَلَّى / قِدْحاً على النجم طال قدرا
أزكى الورى سؤدداً وفرعاً / وخيرهم محتداً ونَجْرا
أشدّهم سطوة وبأساً / أرحبهم نائلاً وصدرا
أصدقهم لهجة وفعلاً / أوفاهمُ ذمة ونذرا
ذو الطعن يوم الوغى دراكاً / والضرب في الذارعين هَبْرَا
والعزم لو رام غزو أفقٍ / بزّ سِماكاً وصاد نَسْرا
رب المساعي تبدو نجوماً / في أفق المأثرات زهرا
بحرٌ نضا المرهفاتِ خُلْجاً / وأَدْرُعَ السابغات غُدرا
القائد الخيل ليس يألو / سِرحانها حاملاً هزبرا
كلّ جواد لو أن ريحاً / ظلت تجاريه كان أجرى
في جحفل كالخضم طامي العب / اب والطود مشمخرّا
ينشئ من نقعه سحاباً / تنهلّ منه السهام قطرا
ثنت بروقاً على رعود / بيض يقارعن فيه سمرا
إذا غزا الوعر صار سهلاً / وإن حمى السهل كان وعرا
يولي الأيادي شفعاً ولكن / تلقاه في المكرمات وترا
ما بذرت كفه العطايا / إلا وعاد الحصاد شكرا
فأين في الرأي منه قَيْسٌ / وأين في العدل منه كِسْرى
فَدَتْ ثَرَاهُ وجوهُ قوم / لم ير فيها الندى مقرّا
من كل صلد اليدين لولا / فضيلة النطق كان صخرا
سعوا إلى مجده فأضحوا / عن شأو ذاك الفخار حَسْرَى
أيدرك الشمس بالتمني / تبّاً لآرائهم وكسرا
فقت عليهم فطلت سعياً / أبان في التابعين قصرا
يا مطلقي من يَدَيْ عواد / أوثقني حربهنَّ أسرا
كفيتني أن أبيح زيداً / مدحي أو أستميح عمرا
فأيّ عسر أتيح إلا / ردته نعمى يديك يسرا
فابق لدهر متى ادلهمت / فيه خطوب طلعت فجرا
فدمت يا ديمة الموالي / تفني الليالي صوماً وفطرا
عمت بك الأزمن التهاني / فما تراني أخص شهرا
أمنكمُ عبقت مسكية النَّفَس
أمنكمُ عبقت مسكية النَّفَس / صَباً تنسمت منها برءَ منتكس
نمت بما استودعت والفجر جمرته / ما دب إيقادها في فَحْمة الغلس
ردت على مقلتي طيب الرقاد فها / إنسانها بلذيذ النوم في أُنُس
فيالها نفحة خالست نسمتها / لما تيقنت أن العيش في الخُلَس
وللنسيم إشارات إذا التبست / فسرها عند مثلي غير ملتبس
فما قعودك بي عن بيت دسكرة / يغنيك لألاؤها في الليل عن قبس
يديرها ثمل الأعطاف قامته / لو مثلت لغصون البان لم يَمِس
سعى بها والدجى من حَلْي أنجمه / عار ولكن بأنوار الكؤوس كُسِي
والسحب تضحك ثغر النور أدمعها / والجو في مأتم والأرض في عُرُس
ظبيٌ وقائع قلبي في محبته / بين اللمى وفتور الجفن واللعس
نبهته ونجوم الأفق تسبح في / بحر الظلام فمن طام ومنغمس
فقام يمسح ما في الطرف من سنة / وقد تَمَشَّى الكرى في الأعين النعس
فسكنت سَوْرَةُ الصهباء شِرَّتَه / واستنزعت بعض ما في الخلق من شَرَس
فما ضممت الذي في العطف من هَيَف / حتى استكنَّ الذي في الطرف من شوس
فلا عدمت طَلاَ صادته كأس طِلَى / فما ثنى عِطفه عن يدِّ ملتمس
هذا وركب عفاة قد عدلت بهم / إلى مغاني الغنى عن أربع دُرس
عافوا ورود وعود الباخلين فما / أجروا مطالبهم منها على يبس
فقلت نُصُّوا ركاب الحمد واخدة / إلى مقر العلا في أرض نابلس
إلى مقر تناجيني جلالته / كأنني واقف في حضرة القدس
لُوذُوا بداود محيي الجود وانتجعوا / أغرَّ ليس على نعماه من حرس
نصوا إلى الناصر السلطان عيسكمُ / فنوء تلك الأيادي غير منحبس
لا تعدلوا عن ندى نَدْبٍ أَغَرَّ يدٍ / طلق الأسرة مرهوب السطا نُدس
إن صاب فارج ملث الغيث منهمراً / أو صال فاخش وثوب الضيغم الشرس
ذو العلم يشرق والألباب مظلمة / فاسلك مساقط ذاك النور واقتبس
فَاوِضه تلق عباب البحر ملتطماً / والْعِيُّ قد أَلْجَم الأفواه بالخرس
تضيء في ظلمات الشكِّ فكرته / كما أضاء ظلام الليل بالقبس
ريان من كرم ملآن من همم / ترفعت فهي لا تدنو إلى دنس
خفت إلى بابه عيسٌ فأثقلها / بأنعم أنقذت من جَدِّيَ التعس
أحلني ذروة العلياء منتزعاً / والفن أوطأ لي من ذروة الفرس
ورد عني صروف الدهر حين طغت / لها وقائع في أيامها الحمس
يهمي نداه إذا استصحيت ديمته / كأنني قلت يا أمواله انبجسي
لبيك يا رِيَّ آمالي التي ظمئت / ومحسن الصنع عندي والزمان مُسي
تفديك نفسي وأبكار القريض وما / مقدار نفسي وما أهديت من نفسي
أنت الذي رشتني إذ حَسَّني زمني / بالأمس وانتشتني والدهر مفترسي
غرستني فاجتنيت الحمد من مدحي / وليس يجني ثماراً غير مفترس
فدم دوام الثريا فهي خالدة / مقيمة وعلى أعناقها قدسي
أخفى الغرام فأبداه توجعه
أخفى الغرام فأبداه توجعه / وترجمت عن مصون الحب أدمعه
صبّ بعيد مرامي الصبر ما برحت / تُحْنَى على بُرحَاء الشوق أضلعه
به لواعج شوق لو تحملها / رَضْوَى لهدته أو كادت تُضَعْضِعُه
ما بات أخيب خلق الله منه سوى / مفندٍ ظن أن العذل يخدعه
يا عذَّب الله قلبي كم يُجِنُّ هوى / يجني عليه ويرعى من يُرَوِّعُه
وشى عليه بما أخفاه من شَجَنٍ / فرط الحنين الذي أمسى يُرَجِّعُه
وما أغار الهوى إلا ليخجله / لما توهم أن الصبر ينفعه
واهاً لِغِرٍّ خَلاَ مما يكابده / مُسَهَّد الطرف صبُّ القلب مُوجَعُه
ظبي توهم نومي حيلة نُصِبَتْ / لصيده فهو بالهجران يقطعه
أجرى دَماً دمع عيني وهو مورده / وأمكن النار قلبي وهو مَرْبَعُه
ويلاه من شَرسِ الأخلاق يعذب لي / فيه العذاب ويحلو لي تمنّعه
وليلة بتُّ أَسْقَى من مراشفه / سُلاَفَ خمر ثناياه تُشَعْشِعُه
يرنو ويعلم أن الطرف يصرعني / وقد تيقنت أن السكر يصرعه
حتى إذا أَخَذَتْ منه الكؤوس ثنى / إليَّ جيداً يعير الظبي أَتْلَعُه
وبات قلبي الذي ما زال يُؤْنِسُه / يسمو إلى غاية الآمال مَطْمَعُه
ولان بعد شِمَاسٍ كنت أعهده / منه وأصغى إلى شَكْوَايَ مَسْمَعُه
فلا تسل كيف بتّ الليل من سهري / لما اطمأن بعيد النوم مضجعه
والدهر قد أَحْجَمَتْ عنّا حوادثُه / كأن بأس غياث الدين يردعه
حامي حمى الدين بالهنديّ يرهفه / يوم الكريهة والخطيّ تشرعه
مشيد العدل لما هُدَّ معلَمُه / وموجد الجود لما سُدَّ مَهْيَعُه
أقصى فخار ملوك الأرض قاطبة / إذا غدت في طريق المجد تتبعه
تلقاه أغزرهم نيلاً وأفصحهم / قولاً إذا يوم فخر غُصَّ مجمعه
ما احتال في فرقة الأموال نائله / إلا ليغرب في حمدٍ يجمعه
فكم له من حديث في السماع عَلاَ / إسناده فلسان الدهر يرفعه
هَامِي مُلِثِّ حيا المعروف هامعه / مُخْضَلُّ تربِ جنابِ العدل مُمْرَعُه
تجير مياه العطايا من أنامله / إلى غليل مُنَى الراجي فَتَنْقَعُهُ
تكاد عند نفاذ الا يقظته / على الذي أضمر الأعداء تطلعه
فحبذا منه يومَ الروع بدر دُجى / في السَّابِرِيَّة والمَاذِيّ مطلعه
تقصد الذابلات السمر سطوته / في محفل من أعاديه يصرعه
يرضيه عن زلة الجاني توقفه / وفي إجابة مضطر تسرعه
يا من سقى أملي منه على ظمئي / أغرُّ ملآنُ حوضِ الجودِ مُتْرَعُه
كم من رياح عِداً هاجت عواصفها / فصادفت منك طوداً لا تزعزعه
وأين وقع سهام الكيد من ملك / بالحزم دون بني الدنيا تَدَرُّعُه
أقسمت لا خاف صرف الدهر ذو أمل / إلا جنابك بعد الله مفزعه
سوغتني عندك النعمى وكم رَنَقٍ / من قبل كنت على رغمي أُجَرَّعُه
هززت غصن سماح منك مثمره / ما زال يدنو إلى الجانين مُونِعُه
صفا لمنتجع المعروف مشربه / لدَيك من حوض جود طاب مشرعه
فاسمع غرائب شعرٍ فيك حَبَّرَهُ / فكري فجاء كصفو الخمر مبدعه
ثملت من عبقة فيه وهمت بها / أذاك ذكرك أم مسك أضوعه
فلا ذوت في ثرى ذا الملك نَبْعَتُه / يوماً ولا غاض طول الدهر مَنْبَعُه
لي صاحبان أدام الله ظلَّهما
لي صاحبان أدام الله ظلَّهما / من بحر فضلهما ما زلت مغترفا
نَوْءانِ ما اسْتُمْطِرا والسّحب ممسكة / إلا لمحنا حيا كفيهما وكفا
ليثان ما وثبا إلا لدفع عدا / عن دولة كسبا في ظلِّها الشرفا
نجمان لا غَرُبا ركنان لا اضطربا / شمسان لا كُسفا طودان لا نسفا
معظمان بالتعظيم خصهما / رب لغير الذي يرضاه ما ألفا
نجمان كم عَلَوَا في أفق مكرمة / بدران كم خَلَوا من ظلمة سَدَفا
محمد غرس محمود ومشبهُهُ / حزماً أبو القاسم الزاكي بها ووفى
حصنان أصلهما ذاك فدونك من / داني قطوفهما ما خلف السلفا
كم من سهام عدا فيما يكيدهما / عادت إليهم وقد صاروا لها هدفا
لله درك محيي الدين أيّ فتىً / بالعلم والحلم والمعروف قد عرفا
وأيّ بحر عماد الدين يتحفني / بدره فيرى سمعي له صدفا
فدمتما يا حليفَيْ كل مكرمة / من جور حادث هذا الدهر لي كنفا
في دولة ظلُّها ضافٍ وموردها / صافٍ فهنئتما ما قد ضفا وصفا
أمن يمينك نوء السحب يرتزق
أمن يمينك نوء السحب يرتزق / ومن جبينك ضوء الصبح يأتلق
فما تطولت إلا انهلَّ صَيِّبُه / وما تهلَّلْتَ إلا أشرق الأفق
سرت بسيرتك الدنيا وأبهجها / مرآك حين تساوى الخَلْق والخُلُق
فما عليك إذا أحرزت من مهل / خُصل العلا وجرى قوم فما لحقوا
سموت في باذخ صعب تسنَّمه / لو حاولوه لزلُّوا عنه وارتهقوا
يا ابن المَطَاعين ما في حكمهم جَنَف / وابن المُطاعينَ ما في حلمهم نَزَق
بدور تِمٍّ ترينا من أسنتها / شهباً إذا ما دجا من نقعها غسق
هباتهم وسطا هبّاتهم أبداً / تهمي وتحمي فلا مَحْل ولا فرق
خضر الربا والسنون الشهب عابسة / بيض الوجوه إذا ما احمرّت الحدق
نَمَوك أبلج لا يثنيك عن شيم / غذتك بالحلم لا غيظ ولا حنق
ما زلت تظهر والأملاك خافية / حتى كأنك في ظُلْماتهم فلق
وَنَوْا عن الغاية القصوى ورحت وفي / أثار سعيك خيل الحمد تستبق
فكل من شاء أن يسمو إلى شرف / أو يعتلي فبحبل منك يعتلق
فعندك الظلّ ضافٍ والندى خَضِلٌ / للوفد والوِرد صافٍ ما به رنق
ومُدْلِجِين سروا في الليل يضمرهم / بضمَّر نال من أعناقها العَنَق
وساروا والدجى مرخي الإزار وقد / توسدوا شُعَب الأكوار واعتنقوا
حيث المَطِيُّ مُدماة كأن مُدىً / لِنَيِّها مِنْ مَدَى المَوْمَاةِ تَعْتَرِقُ
نُصوا إلى حلب أنضاءكم فبها / أريض روض المنى والصيِّب الغدق
ودونكم من غياث الدين بارقة / مشبوبها بشآبيب الحيا شرق
بحيث تجتمع الآمال قادرة / على المطالب والأموال تفترق
فأين بعدك عن غازي بن يوسف / خصاصة من عوادي دهره فرق
أغرّ فاق عُباب البحر نائله / فَظَلَّ من صخب الإزباد يَصْطَفِقُ
له على الليل عين من سياسته / ترعى الرعايا بجفن ليس ينطبق
يبدو فتطرق إجلالاً لهيئته / وذاك فرط سكون طيه قلق
فنحن حول سرير الملك من دَهَش / فَوْضَى فلا بصر يسمو ولا عُنق
فإن تكلم أغْضينا لهيبته / فذلك القول بالأسماع يُسْتَرَقُ
فَلُذْ به تَغْن عن كل الملوك فهم / في حيث ما شاء من عليائه سَوَق
يا من إذا ذكرت يوماً مناقبه / في محفل غار منها العنبر العبق
ظنت عداك الدجى نقعاً تؤمّ به / جمعاً فحظهم التسهيد والأرق
فإن تجلَّت تباشير الصباح لهم / ريعوا فهل زال عن راياتك الشفق
فما سرى الركب في بهماء طامسة / إلا هدتهم إلى معروفك الطَّرِق
فاشرب هنيئاً كؤوس الحمد مترعة / فأنت مصطبح منها ومغتبق
في ظلّ ملك رواق الملك يكنفه / فنجمه مشرق والبدر متسق
واسعد بعودة أعياد عليك سرت / سعودها تقطع الدنيا وتخترق
واستجلها يا غياث الدين باهرة / كل على فضلها مثن ومتفق
جاءت بِحَلْي المعاني واصطفتك به / وفوق جيد المعالي عندها نسق
فلا خلا منك دست الملك ما سجعت / ورقاء راق لها من غصنها الورق
نعم تجلَّت علينا أوجه النعم
نعم تجلَّت علينا أوجه النعم / مُسْتَفْتحاتٍ بطيب الحمد كلَّ فم
فما قعودي عن مدح يحبِّره / فكري وقد قامت الدنيا على قدم
اليوم قَرَّ فؤاد الملك من قلق / وعوفيت ملة الإسلام من سَقَم
فيالها نعماً كم فرَّجت نقماً / عنا فكانت كضوء الصبح في الظلم
أهدى من الثَّغر معسول اللَّمَى وغدت / تبيحنا رشقات البارد الشَّبِم
جاء البريد فكم من غلَّة بردت / منا إعادة ما أدى من الكَلِم
كنا كركب فلاة شارفوا تلفاً / من الصدى فأغاثتهم يد الدِّيَم
الله أكبر ما أحلى مواقعها / بشرى على كل قلب غير متهم
يا يوم وقعة دمياط سفرت لنا / عن يوم بدر ونار الشرك في ضرم
بني الأصيفر ما أنأى مسامعكم / عن الصواب وأدناها إلى الصمم
ترى أَبِيضُ بني أيوب ما عرفت / من زرقكم طاعة الأعناق والقمم
أما بِحِطِّين حُطَّت عن معارفكم / تيجانها فتخليتم عن الحُرُم
سلوا دم المرج يخبر عن دمائكم / وقد نفى الحزم عنهم رقدة الحُلم
عويتمُ يا ذئاب القفر فابتدرت / إليكُم الأسد من مستوعر الأَجم
هيهات بعد أبي بكر يخاف على / ما شيد الله منهم وهي مُنْهَدِم
أرسى الإله جبالاً منهم أمنت / عواصف الرعب من عرب ومن عجم
ها قد أقام وراء الملك في حلب / ملك يلاحظ سر الغيب من أَمَم
أمير المؤمنين فقد / أبان عن كرم الأخلاق والشيم
لما رمى أمس جيش الروم فانصرفوا / شطرين ما بين مصفود ومنهزم
أقام موسى لميعاد يتممه / حتى رماكم بما قد شاع عن إِرَم
لَمَّ الجيوشَ فجاءتكم مكملة / حتى أَلَمَّتْ سيوف الهند بالِلّمَم
وسار عيسى إلى استئصال شأفتكم / سيراً يسرّ عناق الخيل في اللجم
دنا يسايره الحق المبين وقد / ونى عن الحق أقوام بلا قيم
فحين كر بخيل الله يطلبكم / والنصر في جملة الأشياع والخدم
فررتم من حين أحرقكم / ضرباً فأغرقكم طوفان ملتطم
فلو نجوتم من البحر الخضمّ لما / نجوتمُ من توالي سيله العَرم
فحبذا ما أحلَّت من دمائكم / ذكور أسيافه في الأشهر الحرم
أللكنائس والناقوس نصرتكم / ترجى ويخذل بيت الله ذو الحرم
ولو دعاكم إلى سلم يحصنكم / محمد لحللتم حُرمة الذِّمَم
كنتم أسود شَرىً تُخشَى براثنُها / واليوم قد صرتم لحماً على وَضَم
ظننتمُ برزخ البحرين يَعصِمُكُمْ / وما لكم من جنود الله من عِصَم
كم للمعظم يومٌ سار نحوكمُ / فيه على مقربات العزم والهمم
وكم لشاهر من السلطان ملحمة / له وفي غيركم كانت رَدى البَهم
مادب غادرت في كل معركة / لحومكم طعم الغربان والرخم
فاستقبلوا جبهات الخيل مشرقة / في حالك الشَّعْر مثل الشهب في العَتم
فاليوم طاب ورود النيل حين غدا / ممازج الماء من لَبَّاتِكمْ بدم
إيهاً أبا الفتح قد كتبت / لكم براهينه فضلاً على الأمم
لا تركبنَّ الهوينا فهي مؤلمة / واركب إلى الأمر أدناه من الألم
فلو أشرت إلى الأفلاك لالتزمت / تجري بكل الذي تهوى من القسم
فدم دوام الثريّا فهي خالدة / تفنى وتبقى بلا شيب ولا هرم
دون العلا ومدى إدراكها قُحَمُ
دون العلا ومدى إدراكها قُحَمُ / ليست كما ظنَّ قوم أنها قِسَم
والعزُّ أشرف ظل يَسْتَظِلُّ به / فتىً إلى الذُّلِّ لا تخطو به قدم
لا مجد إلا بحيث البيضُ مرهفةٌ / والسمر مشرعة والنقع مرتكم
وفوق عقبان جرد الخيل أسد وغى / تظلّها من أنابيب القنا أُجُم
تالله لا قام سوق الحمد في ملإٍ / لعاجز قعدت عن نصره الهمم
أنى ينال العلا وانٍ وما برحت / إضاعة الحزم في أعقابها الندم
وكيف ترضى البزاة الشهب عزتها / يوماً إذا احتكمت في صيدها الرخم
هذا أوانٌ تفيض البيض مسلطة / تسقي العداة نجيعاً وهي تبتسم
ما أقرب الملك من كل ابن منجبة / ماضي العزيمة يرضى سعيه أمم
معوّد باحتمال العبء مُدَّرع / بالحزم لم يثنه عن مطلب سأم
كالظاهر الملك الموفي بذمته / دون الملوك إذا ما ذمت الذمم
يقظان لا النوم مقلته / فيقظة الخلق في أيامه حلم
إن ضلَّ عن طرق العلياء سالكها / فعزمه ونداه النار والعلم
أو أحرز الملك إعطاء فما برحت / منه المواهب في الآفاق تقتسم
وكان أولى ملوك الأرض قاطبة / من كان أقدمهم والخيل تصطدم
فأيّ يوم وغى ما خاض غمرته / غازي بن يوسف والأعمار تخترم
أغر تُرْوَى بكفيه إذا ظمئت / بيض مواردها الأعناق والقمم
متوج بات دين الله معتصماً / بحبله وبحبل الله معتصم
إذا الحيا غاض ظلَّت سحب أنعمه / تهمي على الروض والنعماء تنسجم
يخوض بحر الردى الطامي بعزمته / يوم الهياج وموج البحر ملتطم
فتى تفوق وميض البرق عزمته / سعياً وقد ضمَّ يردي حلمه إضَم
طلق المحيا طليق الراحتين له / وجه أساريره بالحسن تلتثم
يا خير من ملأ الدنيا ندىً وردىً / وفاض من راحتيه البأس والكرم
يرجى ويخشى على الحالين مقتدراً / كالدهر ينعم أحياناً وينتقم
يا ابن الأولى ملكوا رقّ العلا وحووا / أقصى مطالبها بالسعي واحتكموا
ثَنَوْا عن الملك من في طرفه خزر / وصغَّرُوا كلّ من في قدره عظم
إذا تداعوا إلى بيض الظبا نثروا / أو استطاروا إلى سمر القنا نظموا
إن قُوِولوا شَدَهوا أو سوجلوا فضلوا / أو قوبلوا أو قوتلوا غنموا
نَمَوْك أبلج تلقى كل معضلة / إذا الحوادث لم تكشف لها غمم
ما هزّ عطفيك كبر يستخفّ به / هام وإن كثر الإخوان والخدم
هانت على قلبك الدنيا وزينتها / حتى تساوى لديك البؤس والنعم
لله خيلك إذ تغدو مسوّمة / بالدارعين ونار الحرب تضطرم
تعاف ورد زلال الماء ظامئة / ما لم يمازجه بين الجحفلين دم
أقسمت بالبيت والشعث الوفود وما / حواه خيف منى والحلّ والحرم
لتملكنّ بلاد الله قاطبة / ملكاً به جبهات الدهر تبتسم
فحبذا منك يد / لا تَدَّعي فضلها الأنواء والديم
وأنعم روضت روض الرجاء فما / يغيثني من حياها وابل رَدِمُ
قد كان يظلمني دهري وتُظْلِم لي / أيامه فتجلَّى الظُّلْم والظُّلَم
فأيّ بشرى لآمالي التي طفقت / لركن نائلك المحجوج تستلم
فكيف تسغب أو تظمأ ومرتعها / خصب ومكرعها مستعذب شَبِم
أحسنت في المدح إذ أحسنت في صلتي / فما زهير بمذكور ولا هرم
فاسعد بليلة ميلاد طلائعها / على العدا بالردى تقضي وإن زعموا
ودم دوام الثريا وهي خالدة / كما يقال ولا شيب ولا هرم
ما هام بالمجد إلا مُعْرِق الهمم
ما هام بالمجد إلا مُعْرِق الهمم / ولا حوى الحمد إلا مشرق الشيم
ولا ابتنى شرفاً تتلى مناقبه / من بات حارس مال غير منهذم
ولا استبدّ بطيب الذكر غيرُ فتى / يُخال يوم الوغى ناراً على علم
يغشى العدا غير مبد للردى جزعاً / حتى يروي صدى الهندية الحُرُم
مثل المظفر غازي ذي مناقب ولاج / الكتائب والفراج للغمم
مردي العتاة وفكاك العناة ومن / يروي العفاة بصافي ورده الشبم
نعم العتاد لإحياء العباد ومن / أولوا العناد به لحم على وضم
ومن كمثل شهاب الدين إن ذكرت / أيامه الغر في بأس وفي كرم
الشاذوي الذي يغشى بِذُبَّلِه / غلب الكماة فيردي الأسد في الأجم
ملك إذا جاد روى كل ذي ظمأ / وإن سطا حاد عنه كل مقتحم
كم من يدٍ بثها والثغر مبتسم / فراح يُثني على علياه كل فم
مرضى شفار المواضي حين يعملها / بالضرب والحرب قد قامت على قدم
ومن يشق عباب النقع سابحة / إلى الكماة ونار الشرك في ضرم
مواقف نسمت بالنصر همته / فيها وأرضت سطاه باريَ النسم
ما زال يمزج فيها صدر صارمه / في بطن راحته ماء الندى بدم
مهوناً نفسه في كل معركة / والله قد خصها بالعزِّ في القدم
هانت على نفسه الدنيا وزينتها / لأن صحتها تُفْضِي إلى السَّقم
فليس يرتاع للبأساء إن نزلت / ولا يرى فرحاً في حالة النعم
تَبّاً لمنكر أفعال الكرام وما / تشبُّ أخبارها إلا مع الهرم
كنا نحدث عن كسرى وسيرته / وبسطه العدل في عرب وفي عجم
وفي الشجاعة من عمرو وعنترة / والحارث بن عباد فارس البَهَم
وفي السرايا وفود الخيل عابسة / عن عامر بن طفيل ضارب القمم
وفي السماحة عن أوس وحاتمه / وفي الجوائز عن معن وعن هَرِم
وفي الوفاء ونفع الجار جانبه / عن السموأل حامي حوزة الذمم
وفي اصطناع الأيادي عن أبي دُلَفٍ / وغالب في قِرى الأضياف بالنَّعَم
وعن أبي الذر في صدق المقال وعن / إقبال غسان في المعروف والكرم
وعن ندى آل شماسٍ وعطفهم / على الحطيئة في المغبرة الأزم
وعن فتى عاصم في الحلم حين لها / عن ابنه وعن القعقاع في الغُرُم
وكان أكثر ما تأتي بديهته / تصديق ذلك في الإفراط للعزم
فالآن صحَّ أسانيد الرواة بما / حوى المظفر من مستحسن الشيم
أوفى عليهم بأفعال زواهرها / مضيئة كالنجوم الزهر في العَتَم
فكان أحسنهم ذكراً وأرصنهم / خبراً وأثبتهم في زلة القدم
مجمعاً من علاهم كل مفترق / وحاوياً من سطاهم كل مقتسم
أحيا مساعي أبي بكر بسيرته / فالدهر طلق بلا ظُلْم ولا ظُلَم
مبارك الوجه لو بارت مواهبه / مواهب الغيث بان النقص في الديم
يا من عطاش الأماني منه غارقة / في بحر جود من المعروف ملتطم
لاذت بآمالك واحتكمت / فيها كما لاذ وفد الله بالحرم
فاستجلها كأريض الروض سافرة / عن البلاغة والآداب والحكم
جاءت مودعة للحمد مودعة / معتاضة عنه ما أجزلت من قسم
فإن بعدتُ فقد أدنيت في أملي / وحيث كنت فعبد غير متهم
فدم تصوب شَبَاةَ العزم مدرعاً / بالحزم ما سجعت ورقاء في سلم