المجموع : 27
يا رَبْعَ ناجِيَةَ انْهَلَّتْ بكَ السُّحُبُ
يا رَبْعَ ناجِيَةَ انْهَلَّتْ بكَ السُّحُبُ / أمَا تَرَى كيفَ نابَتْ دُوْنَكَ النُّوَبُ
وعاد قلبيَ مِنْ ذكراهُ عيدُ جوىً / هو الخيالُ وإنْ قالوا هُوَ الطَّرَب
أبَعْدَ حَوْلٍ تَقَضَّى لِلنَّوى كَثَبٍ / ولا الذي بيننا نَبْعٌ ولا غَرَب
أرْتَابُ بالشيء مما كنتُ أذكره / يا دهرُ إنَّ أحاديثَ المُنَى رِيَبُ
مما يُبَرِّحُ بي حتَّى أبوحَ به / وإنْ أحاطتْ بيَ الأوْصَادُ والرُّقُب
ذكرى إذا نزعت قلبي شياطنها / فانظر إلى اصل دائي كيف ينسعب
وَلي حبيبٌ وإنْ شَطَّ المَزَارُ به / بَيْني وبَيْنَ الرَّدى في حُبّهِ سَبَب
وسنانُ يَكْسِرُ جَفْنَيْهِ على حَوَرٍ / فيه الصَّبَابةِ جدٌّ والهوى لَعِبُ
تَزَوَّدَتْ منهُ عَيْني نظْرَة عَرَضَا / أصْبَحْتُ وهي بقلبي لَوْطَةٌ عَجَب
قالوا الهوى عِيْشةٌ ضَنْكٌ فقلت لهم / لا خيرَ في دَعَةٍ لم يَجْنِها تَعَب
والخمرُ لولا حُمَيَّاها وَسَوْرُتها / لم تُغْرَسِ الكرمُ أو لمْ تعْصَرِ العِنَب
يا دولةَ الوَصْلِ هل لي فيكِ منْ أمَلٍ / هيهاتِ ليس لشيءٍ فاتَ مُطَّلَب
كانتْ يدَ الدهرِ عندي فاستبدَّ بها / ما أعْلَمَ الدهرَ باسْتِرْجاعِ ما يَهَب
كم ليلةٍ بِتُّهَا أجْدُو غياهِبَها / ببدرِهَا التِمِّ لا مَيْنٌ ولا كَذِب
يُعِلّني كلَّما مالَ العِناقُ به / كأساً من الرِيِّ ما في ثَغْرِه حبب
هَبَّتْ تُعاتِبُني زَهْرٌ وقد عَلِمَتْ / أن العتابَ شجىً في القلب أو شجب
قالتْ قعدتَ وقامَ الناسُ كُلُّهُمُ / ألا يُعلِّلكَ الأثراءُ والرُّتب
فقلتُ كُفّي فما تُغْني مُقارعتي / في أزْمَةٍ ضاعَ في أثْنائِها الأدب
فاستضحكتْ ثم قالت أنت في سَعةٍ / من أن تُسيمَ وهذا الماءُ والعُشب
أما رأيت ندى حَوَّاء كيف دنا / بالغيثِ إذ كادَ يأتي دونه العطب
دنيا ولا ترفٌ دينٌ ولا قشفٌ / ملك ولا سرف دركٌ ولا طلب
بِرٌّ ولا سقمٌ عيشٌ ولا هرَمٌ / جِدٌّ ولا نصبٌ وِرْدٌ ولا قربُ
رِدْ غَمْرَة ترتمي من كلٍّ ناحيةٍ / عُبابُهَا الفضَةُ البيضاءُ والذهب
مَليكةٌ لا يُوازِي قَدرَها مَلِكٌ / كالشّمْسِ تَصغُر عن مِقْدارِها الشُّهُب
وَهَضْبَةٌ طالما لاذُوا بجانبها / فما لهمْ لم يقولوا مَعْقِلٌ أشِبُ
أنثى سما باسْمِها النادي وكم ذكرٍ / يُدْعَى كأنَّ اسْمَهُ من لؤمه لقب
وقلَّما نقصَ التأنيثُ صاحبَهُ / إذا تُذُكّرِتَ الأفعالَ والنُّصُب
والحيَّةُ الصِلُّ أدهى كلما انبعثت / من أنْ تمارسها الأرْمَاح والقضب
وهذه الكعبةُ استولتْ على شَرَفٍ / فَذُبْذِبَتْ دونها الأوثانُ والصُّلُب
يَنْميكِ كلُّ بعيدِ الشأوِ فائِتُهُ / له البسالةُ أمٌّ والسمَّاحُ أب
منْ كلِّ مُنْصَلِتٍ يَسْعَى بِمُنْصَلتٍ / والموتُ بينهما يَنْدَى ويلتهب
إذا رَضُوْا فارْجُهُم في كلِّ نائبةٍ / وكنْ على حَذَرٍ منهمْ إذا غضبوا
إذا دَعَوْا قامتِ الهيجا على قَدَمٍ / كأنما تنتمي فيهمْ وَتَنْتَسِب
هُمْ ثَبَّتوا الدينَ إذْ ضاقتْ مَذَاهِبُهُ / بأنْفُسٍ صِيغَ منها الدينُ والحسب
أيامَ جبريلُ داعيهم إذا نزلوا / وَعِزِرائيلُ راعيهم إذا ركبوا
حتى استقرَّ الهُدى في عُقْرِ دارِهِمُ / وأيْقَنَ العُجْمُ أنَّ القادةَ العربُ
همْ أورثوك العلا واستخلفوك على / آياتها وحذا الأعقابُ والعقِبُ
أَهلْلَتُ بالحُرّةِ العُلْيا إلى أملٍ / لمثلِهِ كانت الأشعارُ تنتخب
وشمتُ بَرْقَ نداها طَيَّ سَوْرَتِها / فاقتادني رَغَبٌ واعتادني رَهَب
والمرءُ ليس له نفعٌ ولا ضررٌ / كالنّارِ ليس لها ضَوْءٌ ولا لَهَب
بَنَى لكِ ابنُ عليٍّ بيتَ مَكْرُمَةٍ / الله العوالي عمادٌ والظُّبَا طُنُب
وَلاَّكِ أبهج فخرٍ تفخرينَ به / إذا انْتدَى للفخارِ السَّادَةُ النجب
يا أختَ خيرِ مُلوكِ الأرضِ قاطبةً / وإن أعدّوا وإن أسموا وإن نسبوا
محمّدٌ وأبو بكرٍ وخيرهم / يَحْيى وحَسْبُكِ عِزّاً كلَّما حُسبوا
ثلاثةٌ هُمْ مُرَادُ النَّاسِ كُلّهِمُ / كالدَّهرِ ماضٍ وموجودٌ وَمُرْتَقَبُ
حوّاءُ يا خيرَ من يَسْعَى على قَدَمٍ / ولستُ عَبْدَكِ إنْ لم أقْضِ ما يجب
إليكِ أهديتُ مما حاكه خَلَدي / فَخْراً يَجِدُّ وتبلى هذه الحِقَب
وافتك سودُ خطوطٍ كلما احتضرت / ألْقَتْ مقالدَها الأشعارُ والخطب
قد عمَّ برُّكِ أهلَ الأرضِ قاطبةً / فكيف أخْرِج عَنه جارُكِ الجُنُبُ
استنفدِ الدمعَ إنَّ الوَجْدَ قد فُقِدَا
استنفدِ الدمعَ إنَّ الوَجْدَ قد فُقِدَا / لا يُحْسِنُ الدَّهْرُ رُزْءاً مِثْلَهُ أبَدا
وَقُلْ لِصَرْفِ الزمانِ اختلْ على ثِقَةٍ / من السّباقِ فقد أحْرَزْتَ كلَّ مَدَى
اليومَ حينَ لففتَ المجدَ في كَفَنٍ / نفسي الفداءُ على أنْ لاتَ حين فِدَا
يا حسرةً نَشَأَتْ بين الضُّلوعِ جَوىً / ما ضرَّ لاعِجَها أنْ لا يكونَ ردى
في ذمَّةِ الله قَبْرٌ ما مَرَرْتُ به / إلا اختُلِسْت أسىً إنْ لم أمُتْ كمدا
تَضَمَّنَ الدينَ والدُّنْيا بأَسرِهمَا / والعزمَ والحزمَ والإيمانَ والرَّشدا
والسؤددَ الضخمَ مضروباً سُرادِقُه / قد ودَّتِ الشمسُ لو كانتْ له عمدا
ملء القلوب جلالاً والعيونِ سناً / والحرب بأساً وأكناف النديِّ ندى
منْ لا يُقدِّمُ في غير العلا قدماً / ولا يمدُّ لغير المكرماتِ يدا
أوْدى الزمانُ وكيف اسطاعَهُ بفتىً / قد طالَ ما راحَ في أتباعه وغدا
كأنَّه كان ثأراً باتَ يَطْلُبُهُ / حتّى رآه فلم يَعْدِلْ به أحدا
يا يوْمَ مَنْعَى عبيد الله أيُّ أسىً / بينَ الجوانحِ يأبى أن يُجيبَ ندا
وأي غرب مصاب لا يكو كفه / دمعي الهتون ولا أنفاسي الصعدا
ولا البلابلُ مِنْ مثنى وواحدةٍ / باتَتْ تُسلُّ سُيوفاً أو تُسنُّ مُدى
ولا الهمومُ وقد أعْيت طوارقها / كأنما بِتنَ لي أوْ للدُّجَى رصدا
ألاَ لِتَبْكِ قَنَاةُ الدِّينِ حَطْمَتَها / لماجدٍ لم يَدَعْ في مَتْنِهَا أوَدَا
مُهَذَّبٌ لم يهزَّ الحمدُ مِعْطَفَهُ / إلا تَهَلَّلَ مجداً واستهلَّ جدا
تودُّ بيضُ الأماني كلَّما سَنَحتْ / لو حاسَنَ الحَلْيَ في أجيادها غَيدَا
قلْ للدُّجَى وقد التفَّتْ غَيَاهِبُهَا / فلو تَصَوَّبَ فيها الماءُ ما اطَّردا
إنَّ الشّهابَ الذي كُنَّا نجوبُ به / أجوازَهخا قد خبا في التُّرْبِ أو خَمدا
لهفي ولهف المعالي جار بي وبها / صَرْفُ الرَّددى وأرانا أيَّةً قَصَدا
يا صاحبيَّ ولا يحبسْكُما ظمأٌ / طال الهُيَامُ وهذي أدْمُعي فَرِدا
وحدِّثانيْ عن العَلْيا وقد رُزِئَتْ / مسنونَها اللدنَ أو مصقولَها الفَرِدَا
أجِدَّها قد عداها بعد أوْبتِهِ / عن أنْ تهيمَ بذكراه وأن تَجِدَا
واهاً وُتِرَتْهُ ثم قد عَلِمَتْ / أن لا تنالَ به عَقْلاً ولا قَوَدا
ولم تزلْ حولها للحربِ أوديةٌ / تموجُ بالخيلِ فوْضى والقنا قِصَدا
هل نافعي والأماني كلُّها خُدَعٌ / قولي له اليومَ لا تَبْعَدْ وقد بَعُدا
وهل أتاهُ وليست داره صَدَداً / أنّي أُداري عليه لوعةً صَدَدا
وهل تَذَمَّمَ هذا الرزءُ من قَلَقٍ / قام المصابُ به أضْعافَ ما قعدا
أما ويَوْمش عبيدِ الله وهو اسى / لقد تخيّرَ هذا الموتُ وانْتَقدا
يا ماجداً أنجزَ العلياءَ مَوْعِدَها / أَليومَ انجزَ فيكَ الموتُ ما وعدا
إن الفؤادَ الذي مازلت تَعْمُرُهُ / قد رِيعَ بَعْدَكَ حتى صار مُفتأَدا
غادرتَ عينيَّ ملآوينِ من عِبَر / لا تَرْقُدَانِ ولا بؤسَى لِمنْ رَقَدا
شمسَ المعالي وقِدماً كنتَ شامتَهَا / فكمْ غضِبْتَ لها من أن تَظلْ سُدى
إيذَنْ بجدواكَ تُدْرِكْنا وكيفَ با / وقد ضَمِنْتَ لنا أن لا نموتَ صدا
هيهاتِ صَرَّحَ فيك الموتُ عنْ نبأٍ / كَنَى الزمانُ به عن نَقْضِ ما عَهِدَا
إذا وَنَتْ فيكَ خَيْلُ الدَّمْعِ جَدَّ بها / مُجْرٍ من الشَّوقِ لم يَحْدُدْ لها أمَدا
وإنْ تراءى لها السُّلوانُ طَالَعَها / ضَنْكٌ من العيشِ سلَّ الروحَ والجسدا
يا ليت شعري وهل يَثني الرّدى جَزَعٌ / عاد التبلُّدُ في سَوْراته وَبَدَا
وهل يعودُ على الماضي بعائدةٍ / إذ لا تجلُّدَ للباقي ولا جَلَدا
متى تَكاثَرُ لوعاتُ الغرام به / يهَنيه إنْ ربمَّا كانتْ لها مَدَادا
يا غادياً لم يكن شيءٌ يقومُ له / إما تَوَقَّاكَ صَرْفُ الدهرِ حين عدا
تبكي عليكَ ولا عارٌ ولا حَرجٌ / هدايةٌ كنتَ من إعلامِهَا وهدى
أبا الحسينِ ولا ادعو سوى وَزَرٍ / قد طال ما غاثَ أحباباً وغاظَ عِدَا
ويا أبا الحَكَمِ السَّامِي بهمَّتِهِ / إلى المكارمِ لا نِكْساً ولا جَمِدَا
ويا أبا القاسمِ الميمون طائرُهُ / في كلِّ ما ذمّ منه الدهرُ أو حَمَدا
عزاءَكم إنَّما الدنيا وزينَتُها / بحرٌ طَفوْنا على آذيهِ زَبَدا
واستشعرِوا الصبرَ عنه فارساً نَدِساً / لا تستطيعُ الليالي حلّ ما عَقَدا
رزءٌ تداري المعالي فيه أنْفُسها / عن لوعةٍ ملأت أحشاءَها زُؤدا
جادتْ ثراهُ فروّتهُ مجلجلةٌ / تكادُ تروي صداهُ العيشةَ الرغدا
منْ كلِّ غاديةٍ ما باشرَتْ بلداً / إلا ترنَّحَ ضاحي تُرْبِهِ وشدا
سَلِ المنايا على علمٍ وتَجْرِبَةٍ / في أيِّ شيءٍ بغى الإنسان أو حسدا
تَنافَسَ الناسُ في الدنيا وقد علموا / أن سوف تقتلُهُمْ لذّاتُهُمْ بددا
تبادَرُوها وقد آدَنْهُم فَشلاً / وكاثرُوها وقد أحصتهمُ عددا
قلْ للمحدِّثِ عنْ لقمانَ أو لُبَدٍ / لم يتركِ الدهرُ لقماناً ولا لبدا
وَللَّذي هَمُّهُ البنيانُ يَرْفَعُهُ / إنّ الردى لم يغادرْ في الشَّرَى أَسَدا
ما لابنِ آدمَ لا تَفْنَى مَطَالِبُهُ / يَرْجُو غداً وعسى أنْ لا يعيشَ غدا
لا عينَ يَبْقى منَ الدنيا ولا أثرَا
لا عينَ يَبْقى منَ الدنيا ولا أثرَا / فكيفَ تسمَعُ إن دُكَّتْ وكيف تَرَى
حسبُ الفتى نظرةً في كلِّ عاقبةٍ / لولا تمنُّعُهُ عَنّتْ له نَظَرا
ما أشبهَ الموتَ بالمحيا وأجدرَ مَن / لا يعرفُ الوِردَ أن لا يعرف الصَّدرا
أعدَّ زادَيْكَ من قولٍ ومنْ عَمَلٍ / إنَّ المُقامَ إذا طال اقتضى السَّفرا
وافرُغْ لشانيك من قولٍ ومن عملٍ / كلٌّ سيجري مَداهُ طالَ أو قَصُرا
وسلْ عن الناسِ هل صاروا مَصيرَهُمُ / فما أظنُّكَ ممنْ يجهلُ الخبرا
قضيتُ حاجة نفسي غيرَ مشكلة / في الموتِ لم أَقْضِ من علمٍ بها وطرا
أدنو إليها فتنأى لا تلوحُ سوى / لبسٍ من الظنِّ لا عُرْفاً ولا نُكُرا
وقد أصيحُ بمثل النفسِ من شَفَقٍ / ودونها ما يفوتُ السمَ والبصرا
هيهات أعياكَ ما أعيا الزمانَ فلا / تَرْتَبْ وإنْ تستطعْ فاقدرْ كما قدرا
يا منْ رأى البرقَ بات الليلُ يكلؤُهُ / كأنه من ضُلوعي مُشبِهٌ سَعَرا
نازعتُهُ السُّهدَ حتى كدتُ أَغلبُهُ / والليلُ عنديَ قد أَوْفَى بما نَذَرا
والنجمُ حيرانُ منْ أَيْنٍ ومن ضَجَرٍ / فلو هوى أو عَدا مجراه ما شَعَرا
والصبحُ يطلبُ في جُنْح الدجى خَلَلاً / يَلوحُ منه ولو أَلفاه ما جسرا
مُزْجَىً أحمُّ النواحي كلما عَرَضَتْ / له الرُّبى باتَ يُغْشِيهَا ربىً أُخَرا
من كلِّ وطفاءَ لم تكذِبْ مخيلتُها / لو أنها شيمةٌ للدهر ما غدرا
سَدَّتْ مهبَّ الصَّبا أعجازُ ريقها / عن سُدْفَةٍ دونها من هوله غررا
بحرٌ ولا شكَّ إلا لمعَ بارقةٍ / يكاد يَفْرَقُ منها كلما خَطَرا
قد طبَّقَ الأرضَ منها عارضٌ غَدِقٌ / ما غضَّ من طله أنْ لم يكنْ مَطرا
إذا انتحى بلداً أَبْصَرْتَ ساحتَه / كأنَّه وجهُ معروفٍ إذا شُكِرا
فذاك أسْقِي به قبراً بقرطبةٍ / شهدتُهُ فرأيتُ الفضلَ قد قُبرا
قبرٌ تضمَّنَ من آلِ الربيع سناً / شمسٍ توارتْ تروقُ الشمسَ والقمرا
قبرٌ تركنا به العليا مغمَّسَةً / ما بين قَسْوَةِ أحجارٍ ولين ثرَى
قبرٌ تركنا به روضَ المنى خَضِلاً / والشمسَ طالعةً والدمعَ منهمرا
فقلْ لطلاّبِها والسائلين لها / ولو حَثَوْنا عليها الأنجمَ الزُّهُرا
سحُّوا عليه سجالَ الدمع مُتْرَعَةً / فربما انشقَّ عما يفضحُ الزَّهَرا
وآبْكُوا به كعبةً أمسَتْ مناسكُها / ساكنةَ القبر لا حِجْراً ولا حَجَرا
ولا تخافُوا عليها أن تضيعَ به / فإنما هو جَفْنٌ وهي فيه كرى
بالنسك إذ كلُّ أرْضٍ روضةٌ أُنُفٌ / حُسْناً وكلُّ سماء حُلّةٌ سِيَرا
بالحِلْمِ حينَ نَطيشُ الهُضْبُ من نَزَقٍ / وَتَسْقُطُ الشهبُ من آفاقِها ضَجَرا
بالجودِ إذ لا تُوَاسي العينُ ناظرَهَا / ولو أتَى يَجْتَديها السمعُ والبصرا
يا حسرةً ملأتْ صدرَ الزمانِ أسىً / أَمْسَى وأصْبَحَ عنها ضيّقاً حَصِرا
زالتْ جبالُ سروري مِنْ مَواضِعِها / واستشعرَ الخوفَ منها كلُّ ليثِ شرى
وزالتِ الأرض أو زَلَّتْ بساكنها /
هَبي فقد كاد يَمْضي الليلُ وابتدري / مداكِ منه فلو يَسْطيعُ لابتدرا
وكم أصاخَ المُصَلَّى لو شعرتِ به / إلى تلاوتِك الآياتِ والسُّوَرَا
وكم أتاهُ العَذارَى يلتقطْنَ به / من دَمْعِ أجفانِكِ المرجانَ والدُّرَرَا
وَفينَهُ كُنْهَهُ وانظمنها سُبَحاً / فربما ذُمَّ بعضُ الحَلْي أو حُظِرَا
وإن أبيتنَّ إلا عِقْدَ غانيةٍ / فامنحنهُ الحُوْرَ لا نَمْنَحْنَهُ البَشَرا
من كلِّ مكنونة كالدرّ آنسةٍ / تَضْحَى بَهَاءً وإنْ لم تَبْرَحِ الخُمُرا
لمن تركتِ اليتامى إذ تَرَكْتِهِمُ / شُعْثَ المفارقِ لا ماء ولا شجرا
حَوْلي ذَرَاكِ وكانوا يلبثونَ به / لا تَبْعَدِي أو فلا يَبْعَدْ ذراكِ ذرا
يا حاملي نعشها أنَّى لخَطْوِكُمُ / فقد حملتمْ به أُعجوبةً خَطَرا
ضَعُوه يحْمِلُهُ من ههنا نَفَسٌ / يُورِي الحنينَ ودمعٌ يُغْرِقُ الذكرا
قد أُزْلِفَتْ جنةُ الفردوسِ واطَّلَعَتْ / جاراتُكِ الحورُ يستهدينكِ الأثرا
وبتنَ منتظراتٍ والمدى أمَمٌ / وقلَّ ما باتَ مسروراً مَنِ انتظرا
هلِ الحياةُ وإنْ راقتْ بشاشَتُها / إلا الغمامُ تَسَرّى والخيالُ سرى
أما الحياءُ فشيءٌ أنتَ غايتُهُ / وإن تَغَاضَى جهولٌ أو إنِ ائْتَمَرا
استبقِ قلبكَ إنْ قلبُ الأريبِ هفا / وكفَّ دَمْعَكَ إنْ دَمْعُ اللبيبِ جرى
وعاودِ الصبرَ يوماً منك تحظَ به / فكم وَسَمْتَ به الآصالَ وَالبُكَرا
وكن كَعَهْديَ والألبابُ طائشةٌ / والبيضُ تَلْتهمُ الهاماتِ والقِصرا
وللرَّدى مأربٌ في كلِّ رابئةٍ / وقد دعا الجَفَلى داعبه والنَّقرى
لا تنسَ حظّكَ منْ حُسْنِ العزاء فما / أبديتَ في مثلها جُبْناً ولا خَورَا
لم آتِ قاصي ما أوْسعْتُها هممي / من السُّمودِ ولكن جئتُ معتذرا
عبدٌ أتى تالياً إذ لم يجدْ فَرَطاً / لعله حينَ لم يحججْ قد اعتمرا
يَفْديكَ كلُّ جبانٍ في ثيابِ جَرِي
يَفْديكَ كلُّ جبانٍ في ثيابِ جَرِي / نازَعْتَهُ الوِرْدَ واستأثرتَ بالصَّدَرِ
لما رأى الخُبْرَ شيئاً ليسَ يَنْكِرُهُ / أحالَ بالدينِ والدنيا على الأثر
ولِّ السُّهى ما تولَّى من تكذُّبه / إن المزيَّة عند الناس للقمر
وهيَ الشِّفارُ إذا الإقدامُ جرَّدَها / ألوتْ بما تَدَّعِيهِ العينُ للسَّهَر
والناسُ كالناسِ إلا أن تجرِّبَهُمْ / وللبصيرةِ حكمٌ ليس للبصر
كالأيْكِ مُشْتَبِهاتٌ في منابتها / وإنما يقعُ التفضيلُ بالثَّمر
ولَّى رجالٌ غضاباً حين سُدْتُهُمُ / لا ذنبَ للخيل إذ لا عُذْرَ لِلْحُمُر
واستشرفوا كلما أحرزتُ طائلةً / وللسنان مجالٌ ليسَ للإبر
طُوْلُوا وإلا فَكُفُّو من تطاولكمْ / إن المآثرَ أعوانٌ على الأثر
مَلِلْتُ حمصَ وَمَلَّتني فلو نَطَقَتْ / كما نطقتُ تَلاَحَيْنَا على قَدَر
وَسَوَّلَتْ ليَ نَفْسي أنْ أُفارِقَها / والماءُ في المزن أصْفَى منه في الغُدُر
هيهاتِ بل ربّما كان الرحيلُ غداً / كالمالِ أُحْيِي به فَقْراً من العمر
كم ساهرٍ يستطيلُ الليلَ من دَنَفٍ / لم يدرِ أن الرَّدَى آتٍ مع السحر
أمَا اشْتَفَتْ منِّيَ الأيامُ في وطني / حتى تُضَايِقَ فيما عَنَّ من وطر
ولا قَضَتْ من سوادِ العين حاجَتَها / حتى تَكُرَّ على ما كانَ في الشَّعَر
كم ليلةٍ جُبْتُ ثِنْييْ طُولها بفتىً / شتَّى المسالكِ بين النفع والضرر
حتى بدا ذنبُ السرحانِ لي وله / كأنما هو زَنْدٌ بالصَّبَاحِ يَرِي
في فتيةٍ يُنْهِبُونَ الليل عَزْمَتَهم / فليس يَطْرُقُهُمْ إلاَّ على حذر
لا يَرْحَضون دُجَاه كلما اعتكَرَتْ / إلا بمالٍ ضياعٍ أو دمٍ هَدَر
لهم همومٌ تكادُ العيسُ تعرفها / وربَّما اشتملتْ بالحادث النكر
باتت تَخَطَّى النجومَ الزُّهْرَ صاعدةً / كأنَّما تَفْتَليها عن بني زُهُر
القائلي اقْدُمي والأرضُ قد رَجَفَتْ / إلاَّ رُبىً من بقايا البيضِ والسُّمُر
والهامُ تحتَ الظُّبا والبيضُ قد حَمِيَتْ / فما تَطَايَرُ إلاَّ وهي كالشَّرر
أثناءَ كلِّ سنان عُلَّ في زَرَدٍ / كأنه جدولٌ أفْضَى إلى نَهَر
والخيلُ شُعثُ النَّواصي فوقها بُهَمٌ / حُمْسُ العزائمِ والأخلاقِ وَالمِرَر
شابت من النقع فارتاب الشباب بها / فَغُيِّرَتْ من دمِ الأبطالِ بالشَّقَر
والشَّيبُ مما أظنُّ الدهرَ صحَّفَهُ / معنىً من النّقصِ عمّاهُ عن البشر
لو يعلمُ الأفْقُ أن الشيبَ مَنْقَصةٌ / لم تَسْرِ أنجمه فيه ولم تَسِر
وليس للمرء بعد الشيبِ مُقْتَبَلٌ / نهايةُ الروضِ أن يعتمَّ بالزّهرِ
أما ترى العِرْمِسَ الوجناء كيف شَكَتْ / طولَ السّفار فلم تَعْجِزْ ولم تَخُرِ
تسري ولو أنَّ جَوْنَ الليلِ معركةٌ / من الرّدى كاشراً فيها عن الظُّفر
باتتْ تَوَجَّى وقد لانت مواطئها / كأنَّها إنّما تخطو على الإبر
من كلِّ ناجيةِ الآمال قد فَصَلَتْ / من الرّدَى فحسبناها من البُكُر
تَخشى الزمام فتثني جِيدَها فَرَقاً / كأنَهُ من تثنّي حَيَّةٍ ذكر
تجري فللماءِ ساقاً عائمٍ دَرشبِ / وللرياحِ جَنَاحا طائرٍ ذكر
قد قَسّمتْهَا يدُ التدبيرِ بينهما / على السَّواءِ فلم تَسْبَحْ ولم تطر
أمْلَلْتُها فاستبانتْ نصفَ دائرةٍ / لو كُلِّفَتْ شَأوَهَا الأَفلاك لم تَدُرِ
بهيمةٌ لو تُوَفَّى كنه شِرَّتها / لفاتتِ الخيلَ بالأَحْجَالِ والغُرَرِ
أما إيادٌ فحازتْ كلَّ مَكْرُمَةٍ / لولا مكانُ رسولِ اللهِ منْ مُضَر
وأوقدوا ونجومُ الليل قد خَمَدَتْ / في لجِّ طامٍ من الصنَّبْرِ مُعْتَكر
ألقى المراسيَ واشتدتْ غَيَاطِلُهُ / على ذُكَاء فلم تَطْلُعْ ولم تَغُرِ
وَأتْرَعَ الوَهْدَ من إزبادِ لجته / كالترس يَثْبُتُ بين القَوْسِ والوتر
فالأرض مَلساءُ لا أمْتٌ ولا عِوَجٌ / كنقطةٍ منْ سَرَابِ القاعِ لم تَمُر
أفَادني حُبُّكَ الإبداعَ مكتهلاً / وربما نَفَعَ التعليمُ في الكبر
أين ابنُ بابَكَ أو مهيارُ من مِدَحٍ / نَسَقْتُها فيك نَسْقَ الأنجم الزهر
إذا رَمَيْتُ القوافي في فرائصها / لم أرْمها مُتْلِجاً كفَّيَّ في قُتَر
أبا العلاءِ وحَسْبي أن تُصيخَ لها / إقرارَ جانٍ وإن شئتَ اعتذار بري
أنا الذي أجتني الحرمانَ من أدبي / إنّ النواظرَ قد تُؤتَى من النظر
اركبْ إلى المجدِ أنضاء الأعاصيرِ
اركبْ إلى المجدِ أنضاء الأعاصيرِ / وَجُبْ مع السَّعْد أحشْاءَ الدياجيرِ
ومُدَّ بالجودِ كفاً ربما وَسِعَتْ / مُلْكَ الأنامِ وتصريفَ المقادير
وَجَرِّدِ السيفَ مطروراً تصولُ به / يمينُ عزمٍ كحدِّ السيفِ مطرور
ذا رونقٍ لو نواتيه المُنَى لجرى / مَعَ السّماحِ على تلك الأسارير
وَنُبْ عن الدينِ والدنيا فقد برئا / إليك منْ كلِّ تقديمٍ وتأخير
أشبهتَ آباءَك الصيدَ الذين سَعَوا / في البأس والجودِ سَعْيا غيرَ مكفور
من كلِّ ذي أثر في كلِّ حادثةٍ / يسْمُو به كلُّ فخرٍ عنك مأثور
وذي جَنَابٍ متى تُلْمِمْ بجانبه / فاربعْ بسيناءَ واخلعْ جانبَ الطور
ترى الدنانيرَ تهمي من أكفهمُ / سحّاً وأوجههمْ مثلُ الدنانير
قومٌ إبادٌ أبوهم حين تَنْسِبُهُمْ / مجدٌ لعَمْرُ أبيهمْ غيرُ منزور
أكلما جَنَّ ليلٌ جُبْتُ غيهبه / بواضحٍ من سنا مرآك مشهور
أو لاح صبحٌ بدتْ سيماكَ باهرةً / بين البشائر منه والتباشير
في جُنْح كلِّ ظلامٍ لا تزودُ به / كُدْرُ القطا غيرَ نَجْثٍ بالمناقير
ترى الكواكبَ حَيْرَى في دُجَاهُ كما / جالتْ حَجَى الماء في خُضْرِ القوارير
وكل هاجرةٍ تَغْلي مراجلُها / كأنما مُصْطَلاها قلبُ موتور
يبيتُ حرباؤُهَا بالليلِ منتصباً / وإن أطلَّ فلم ينظرْ إلى النور
تحمى الشكائمُ في أشْدَاقها حَنَقاً / كأنَّما هيَ منه في التنانير
تعصي القنا وهي أدناها إلى كَرَمٍ / أثناءَ مُنْتَصِبٍ منها ومجرور
مهلاً فقد نِلْتَ في أمنٍ وفي دَعَةٍ / ما نال غيرُك في خَوْفٍ وتغرير
لك البسيطةُ تطويها وتنشرُهَا / عن مُقْتضَى كلِّ مطويٍّ وَمَنْشُور
والبحرُ مُضْطَرمُ الأمواجِ زاخرُها / ترى المعارفَ فيه كالمناكير
موْفٍ على النفسِ مستوفٍ حُشاشتها / يُصوِّرُ الموتَ فيها كلَّ تصوير
قُلْ ما بدا لك إلا في غواربه / تسمو بملْ عيون مثلها صور
طوْراً كما هزَّ من عطفيه ذو خَنَثٍ / ناغى الصّبابين تَنْزيف وتَفْتير
وتارةً مثلَ ما يهتاجُ مُخْتَبلُ / عالَ الأُسَى غِبَّ تعذيبٍ وتعذير
ركبتَه تَتَصدَّى الموجَ عن عُرُضٍ / على مباحٍ مِنَ الأهواء محظور
إذا طما مَوْجُهُ أو طمَّ قمتَ له / بمخبرٍ عنه في البأساءِ مخبور
وكلما اربدَّ يستشري نداكَ له / فَطَبَّقَ الأرضَ مسجورٌ كمسجور
كما تَخَلّلَ برقٌ عُرْضَ ساريةٍ / فلم يَزِدْهُ نَدَاها غيرَ تسعير
تراك كنتَ عَصا مُوسى براحتِهِ / أو كانَ عَزْمُكَ هوْلض النفخِ في الصور
تَسْمو بهمّكَ والأهوال ساميةٌ / وللردى ثَمَّ سهمٌ غير مغمور
بكرٌ عوانٌ فتاةٌ كهلةٌ ذَهَبَتْ / أُعْجُوبَةً بين تأنيثٍ وتذكير
حُبْلَى لها فَتَكاتٌ في أجِنّتها / على اقتدار لهم فيها وتكدير
واهاً لهم بين جَنْبَيْها وأنفسُهُمْ / تَجِيشُ بين التراقي والحناجير
كأنَّهمْ بين مَثْنَاها وَمَلْعَبها / ظنونُ حيرانَ أو أنْفَاسُ مَبْهُور
عامتْ وطارتْ وقالتْ للرِّياحِ ألاَ / عُوْجي على أثَري إن شئْتِ أو طيري
حتى تَرَقَّتْ مِنَ اللأْوَا إلى مَلِكٍ / مُؤَيَّدٍ منكَ في اللأَوْاءِ منصور
أما الزمانُ فلا أشْكو ولا أذَرُ
أما الزمانُ فلا أشْكو ولا أذَرُ / لا يَصْنعُ الدهرُ ما لا يَصْنعُ القدر
لو أنْ حظّيَ من دنيايَ أُمْنَحُهُ / جاءتْ إليَّ الليالي وهي تعتذر
ماذا أقولُ وقد أخنى على جِدَتي / رَيْبُ الزمانِ وخطبٌ كلُّهُ ضرَر
تأبَى خلائِقُهُ إلا مُنَاقَضَتي / حتى كأنّيَ في لَهْوَاتِهِ صَبْرُ
حَسْبي من الدّهْرِ أن لو صاب مقصده / ما كان مُعْتَمداً بالكُلْفَةِ القَمرُ
لا تُنْكِروا ذُرْأةَ الأيام فيّ فقد / أبْدى العِيانُ لكم ما ضَيَّعَ الخَبَرُ
لو كان بالقَدْرِ يَسْمُو مَن له خَطَرٌ / ما كانَ يَسْكُنُ قَعْرَ اللجَّةِ الدُّرَرُ
أوْ كانَ يُرْزَقُ بالعقل اللبيبُ لما / كانتْ تعيشُ إذنْ من جهلها البقرُ
إن البُزاةَ إذا ما نُكّسَتْ هَزأتْ / منها العصافيرُ والصدّاحةُ القُمُر
وَحسْبُ نَدْبٍ من الدنيا إذا عتبت / أن يَسْتَقِلّ به من صَبْرِه أمَرُ
فما مواصلةُ الأغمادِ واصلةٌ / ما لا يقوم على إمضائه السُّمُر
كم قد حَذِرْت النّوى لو كان يَنْفَعُني / أو كان يعْصِمُني منْ وقْعِها الحذر
وإن كفّاً رمتْ بيني وبينهمُ / بالبينِ عنهمْ لَمَا تُبْقي ولا تَذَر
وَحكّمَتْ فيهمُ صَرْفَ الردى ولقد / كانوا وما إن به مِنْ ذِكْرِهِ كدر
كأنَّ دمعيَ لما بِنْتُمُ مقةً / ذابَ العقيقُ به أو أَثمَرَ الشَّقِرُ
وحبَّذا لَوْعَةٌ في جَنْبِ مُعْتَقِدٍ / ما لا تَبُوحُ به في قلبه الذِّكَرُ
وطيبُ مُرْتَشَفٍ في حُسْنِ مُؤْتَلِفٍ / في مثلِ مُرْتَعَفٍ أوْدَى به النظر
يكادُ يَنْقَدُّ من لينٍ وَيَجْرَحُهُ / أنْ صُرِّفَتْ في تَنَاهِي حُسْنِهِ الفِكر
ما حمل الله في الانجاد من عضب / ما حمل القلب ذاك الدل والخفر
ولا انتضى صارماً يوم الوغى بَطَلٌ / كما انْتَضَى من ظُبَاهُ ذلك الحور
ولا عتا سَقَمٌ في جِسْمِ ذي شَجَنٍ / بمثلِ ما عاثَ فيَّ البينُ والسهر
لا تحسبُوا أدْمُعي ماءً تجودُ به / عيني ولكنَّه مِنْ لوعتي شرر
يا حادياً نَحْوَهُمْ بلّغْ تحيتنَا / لُقّيتَ خيراً ولا يَشْعُرْ بكَ السَّفَر
وقلْ هنالكَ إن الصبَّ حمله / عنه السلام إليكمْ أيها النَّفر
تأتي مواهبُهُ المعسولُ ساكبُهَا / عن السّحاب يعيها السّمْعُ والبصر
يا غيثُ يا ليثُ يا فضّال يا وَزَرُ / يا نجمُ يا كوكبٌ يا شمسُ يا قمر
أنت الذي لم يَقُدْ جيشاً لمنزلة / إلا وزُلْزِلَ عنها البدوُ والحضر
إن كان صُوِّرَ هذا البأسُ في صِفَةٍ / فإنت لا شكَ منها النابُ والظفر
ورُبّ ليلٍ من النقع اخترقت ضحىً / والهصر منتظمٌ والهام منتثر
ولا نجومَ سوى الأرماحِ تشبهه / وليس فجرٌ سوى التحجيلِ ينفجر
رماهمُ بكتابٍ من كتيبته / عنوانُهُ واسْمُهُ الأحجالُ والغُرر
ولا خطيبَ لدى الأقوام يُنْشِدُهُمْ / شرحَ القضيّةِ إلا الصارمُ الذكر
ماذا يضرُّك من إدمانِ منطقِه / للصمتِ في مأزق آياتُهُ العبر
قد أعْرَبتْ دونه الآفاقُ مُنْهلَةً / والخيلُ مرسلةً والسيفُ ينتقر
لا غَروَ أنْ سمحتْ كفُّ الزمانِ به / فقد يجودُ بِعَذْبِ السَّلْسَلِ الحجر
وقد تجيبُ نجومُ السّعْدِ عنه فلا / يَعْرُو السحابَ بها طلٌّ ولا مطر
يَحِيدُ عنك لسانُ القول معترفاً / كما يَحِيدُ لنور الجَوْنَةِ البصر
وكيف وصفُك حالاً فاتَ عالمها / حدّ العقول فلا عينٌ ولا أثر
طالتْ مآثرُهُ كُنْهَ الوجودِ فلا / يَعيبُهُ ويكَ إلا أنه بشر
إذا رضيتَ نبا غربُ الزمان وإن / أعرضت يوماً فبئس الذكرُ والخبر
لا تَقْذِفَنْهُ بِأعْراضٍ يُطَوِّقُهُ / طَوْقَ الهجين فما في باعِهِ قِصَر
يا آخذي بِذنُوبِ الدهرِ بادرةً
يا آخذي بِذنُوبِ الدهرِ بادرةً / من عتبه لم أكُنْ منها على حذر
هيَ الليالي ولم تجهل عواقبَها / فانظر وأنت على حالٍ منَ النظر
وقد صَفَوْتُ فَرِدْني ثُمَّ معذرةً / إليك من كَدَرِ الأيّامِ لا كَدَري
واعلمْ بأنّ الليالي غيرُ آليةٍ / حتى تُفَرِّقَ بين القوس والوَترِ
صحّت لديّ أبا مروان عن طُرُقٍ
صحّت لديّ أبا مروان عن طُرُقٍ / قضيّةٌ نامَ عنها الزهرُ والثمر
نلتَ المنى من غزالٍ وصْلُهُ حُرَمٌ / يَلينُ قَداً ولكن قَلْبُهُ حجر
أحْلى من الأمن وصْلاً لو ظفرتُ به / لكن تُسَوِّفني عيناهُ والنظر
يَجولُ ماءُ الصّبا في صحْن وجنته / وَيُنبتُ الوردَ أحياناً بها الخفرُ
هو الغزالةُ في إشراق غُرّتِهِ / وابنُ الغزالةِ لحظاً زاتَهُ الحور
أتى به الدهر فرداً في محاسِنِهِ / فقلْ كثيب وقلْ غصنٌ وقلْ قمر
يا كعبةَ الحُسْنِ طاف العاشقون بها / لهم بأرْجائِها حجٌّ وَمُعتَمر
هاتِ اسقِني لا على شيءٍ سوى ذِكَرِي
هاتِ اسقِني لا على شيءٍ سوى ذِكَرِي / راحاً من الدَّمْعِ في كأسٍ من السهر
وَغَنني بزفيري بين تلك وذي / مكانَ صَوْتِكَ بينَ النايِ والوتر
أما ترى اليوم كيف اسوَدَّ سَائِرُهُ / وَهَبْهُ ليلاً أما يُفْضي إلى سَحَر
وَأيْنَ أنْجُمُه أم غالَ أنْفُسَها / هذا الردى المُتقَفّي أنْفُسَ البشر
لا بل عَنَاها فأنْسَاهَا مَطالِعَها / معنىً ترَّددَ بين الشمس والقمر
إحدى قوارعِ رضوى نالها قَدَرٌ / هلاَّ تناولها شيءٌ سوَى القدر
إذن للاقى رداهُ دون عَقْوَتِها / حيرانَ من قلقٍ حَرّانَ من ضجر
بحيثُ لا يهتديَ سهْمٌ إلى غَرَضٍ / لو نَصَّلُوهُ ببعضِ الأنْجُمِ الزُّهُر
هو الحمامُ ولم يَضْرِبْ له أجَلاً / فلا تَقُلْ لَيْتَني منه على حَذَر
يغتالُ حتى أبا شبلين ذا لُبَدٍ / رَحْبَ الذراع حديدَ النابِ والظفر
يظلُّ في غِيلهِ من رأسِ شاهقةٍ / ممَّا بهِ من بقايا الهامِ والقصر
يدعو الفراشَ بألْهُوبَيْنِ من ضَرَمٍ / كأنما اسْتُوْدِعَا وَقْبَيْنِ في حجر
وَرْدٌ له كلّ يومٍ من هنا وهنا / وِرْدٌ من الدّمِ لا يُفْضي إلى صَدَر
كلٌّ سَيُودِي وإنْ طالت سَلاَمَتُهُ / يا حاملَ الحربِ لا تغترّ بالظَّفَر
هذا عليٌّ على عُجْبِ الزّمان به / لم يَسْقِهِ الصفوَ حتى شابَ بالكدر
سَمَتْ إليه فما ارتابتْ ولا ندمت / نكراءُ جَلَّتْ له عَنْ حادثٍ نكر
عن مصرعِ الدينِ والدنيا وما وسعا / لعمرُ صَرْفِ الليالي إنّهُ لجري
يا قبرَ أمِّ عليٍ هل علمت بها / إنّ السيادةَ بين الشُّرْبِ والمدر
أُنثى ولكنْ إذا عَدُّوا فضائِلَها / لم يدْعِ الفضلَ من أنثى ولا ذكر
تتلو الكتابَ ونتلو من مآثرها / آياً كآيٍ ولم تظلم ولم تَجُرِ
قوّامةُ الليل تتلوه وتقنته / على اختلافَيْهِ منْ طول ومن قصر
حتى إذا الصبحُ جلّى ليلَها فَزِعَتْ / إلى صيامٍ بمرضاةِ الإله حري
كأَنَّ محرابَها والليلُ مُعتكرٌ / في هالة البدر بين البيضِ والعُشر
والحورُ قد برَزَتْ من كُلِّ مطّلَعٍ / تكادُ تُفْصِحُ بالإصغاء والنظر
وإنك ابنَ أبي صفوانَ قد علموا / تَنَاسُقَ المجدِ بين العَيْنِ والأثر
من معشرٍ لم يزِدْهُمْ صَرفُ دهرهمُ / إلا الجرَاءَ على أزماته الكُبَر
لم يَذْهبُوا وبلى والله قد ذهبوا / كالمُزْنِ أفضَتْ بما فيها إلى الغُدُر
نَتْلونثاهُمْ ونغذو فضلَ أنْعُمِهِمْ / لولا اشتياقٌ إلى الأشكال والصور
هنيهةً ثمّ تبديهمْ قبورهُمُ / مثلَ الكمام قد انشقّتْ عنِ الزهر
حسبي من المال أَغْرَاهُمْ وَعزَّهُمُ
حسبي من المال أَغْرَاهُمْ وَعزَّهُمُ / علمٌ تتيهُ به الأقلامُ والصُّحُف
والحَزْنُ إلا يكنْ والأمرُ مُسْتَبِهٌ / فيه الغديرُ وفيهُ الروضةُ الأنُفُ
آبَ الوزيرُ فآبتْ كلُّ عارفةٍ / بها ترفُّ ظلالُ الفَخْرِ أو تَرِفُ
الواهبُ الكاعبَ الحسناءَ آنسةً / يُنَافِسُ القُضْبَ في أعطافها الترف
من كلِّ هيفاءَ إلا فضلةٌ ثَقُلَتْ / عن الوِشَاحِ فلم يَنْهَضْ بها الهَيَف
والسابحَ النَّهْدَ مختالاً براكبهِ / كأنه بِرِدَاءِ الصُّبْحِ مُلْتَحِفُ
كالجِذْعِ شُذِّبَ حتى طالَ ثم هَفَا / ذاك السَّبيب فقلنا إنه سَعَف
يمرُّ كالعارضِ المركومِ مُعْتَرضاً / حيث المنايا غِمَارٌ والمُنَى نُطَف
جذلانَ والدَّمُ في أعْطَافِهِ دُفَعٌ / وثائرُ النَّقْعِ من أرْجَائِه كِسَف
والخيلُ تَمْزَعُ أو تلتفُّ كالحةً / مثلَ الغُصُونِ تَلاقَى ثم تَنْعَطِف
والصارمُ العَضْبُ يَقْضِي المستميتُ به / بَرْقٌ ولكنه للهام مُخْتَطِفُ
يُزْهى به الرمحُ من عُجْبٍ ومن عَجبٍ / أما درى أنه ذو مَلّةٍ طَرِف
يهتزُّ كالغُصْنِ لا من لينِ مُنْعَطَفٍ / تخالهُ أريحيّاً وهو مُلْتَهِف
يشفي من الدَّنَفِ المُضني وَتحْسِبُهُ / مُضْنىً تَخامَلَ حتى شَفَّهُ الدَّنَفُ
والأسمرُ اللدنُ ذا عَشْرٍ وواحدةٍ / بين السبيلين لا عَبْلٌ ولا قَضِفُ
أشدُّ شيءٍ على الأصلاب يَقصِفها / وقد تأَوَّد حتى كاد يضنْقَصِف
كلاَّ بذلتَ ولا مَنٌّ ولا مَذَلٌ / ولا اعتلالٌ ولا ليٌّ ولا جَنَف
تلك العلا وهي آمادٌ مُقَدَّرةٌ / وعَهْدُها بك يُسْتَوفَى ويؤتنفُ
منْ كان أسْلفَ ما أسْلَفْتَ مِنْ كَرَمٍ / ونجدةٍ فَبنُو زُهْرٍ له سَلَف
الغالبون على ما فاتَ غَيرَهُمُ / لا يُسبقُون إلى شيءٍ وإن وَقَفُوا
والمُؤْثِرُونَ على ما حاقَ جارَهُمُ / وإن تكاثرتِ الشَّنْآنُ والشَّنَفُ
قومٌ تُحامي المنايا الحمرُ دونهم / إذا احْتَبَوْا وَتَحامَاهمْ إذا زَحَفُوا
هُضْبُ الإطالةِ فُرْسَانُ المقالةِ / جِنَّانُ البَسَالةِ لا عُزْلٌ ولا كُشُفُ
لا يطمعُ الدهرُ في خِذلانِ مَنْ نصروا / ولا يجوزُ له إنكارُ ما عَرَفوا
وليلةٍ لا يرومُ الصبحُ سَقْطَتَها / وقد تَبَيَّنَ فيها الشيبُ والخَرَف
إذا تخوَّنها النقصانُ من طَرَفٍ / تَخَوَّنَتْهُ بِرَبْعٍ ما له طرف
سريتُها والنجومُ الزهرُ واقفةٌ / كأنها بسوادِ الليلِ تُكْتَنَفُ
حتى بدا الصبحُ مرتاباً وقد بَقِيَتْ / من الدُّجَى لتعلاتِ السُّرى نُتَفُ
أَنخْتُ تحتَ رُواقِ العزِّ تَكْنُفُهُ / ألسادةُ الغُرُّ والمقْوَرَّةُ الشُّيُف
حيث الحِمَى حَرَمٌ والمنتمى كَرَمٌ / والمُلْكُ لا أوَدٌ فيه ولا وَكَف
أَخِلْتَ حُسنَكَ شيئاً لا انتقاصَ له / لا تكذبنَّ فإن الشمسَ تَنْكَسِف
إني لآخذُ من وجدي لموجدتي / والحرُّ يَغْضبُ أحياناً فينتصف
كم من أخٍ رامها مني فَمَانَعَه / صَعْبُ القيادِ إذا جاراك لا يَقِفُ
من بعد ما طالتِ الأيام بي وبه / منهُ الجفاءُ ومني البرُّ واللُّطُفُ
وتارةً يَرْعَوِي حتى أقولُ دنا / به هوىً أو تأتَّى منه مُنْصَرَفُ
حتى إذا اختلفتْ تلك الشؤونُ به / وكلُّ مُتَّفِقٍ يوماً سَيَخْتَلفُ
وليته ذات هجري ثم قلت له / أليوم تعرف ناظر كيف تعترف
من حيثُ شئتَ فْذَرْني إنني زَمِرٌ / وحيثُ شئتَ فَكِلْني إنني حَشَف
بي كُلَّما نابَ خَطْبٌ أو نأَيَ سكنٌ / نَفْسٌ عزَوفٌ وأَنْف كله أَنَف
وهمةٌ كلما أفْضَتْ إلى شرفٍ / طالتْ فعنَّ لها منْ همتها شضرَف
سَرَتْ وقد وَقَعَ السّاري لجانبه
سَرَتْ وقد وَقَعَ السّاري لجانبه / والشمسُ تَضْرِبُ دُهْمَ الليل بِالبَلَقِ
بدرٌ لملتمسٍ غصنٌ لمعتنقٍ / خمر لمغتبق مسك لمنتشقِ
كأنما الروضُ أهداها وشيّعَها / فاستصحَبَت لمّةً من طربة العَبَق
وأقبلتْ تحسبُ الظلماءَ تَكْتُمُها / وقد رَمَتْها نجومُ الليل بالحدق
والصبحُ يَقْدَحُ في الظلماءِ نائرةً / كأنها تفثةُ المَصْدورِ عنْ حَنَق
والشرق يفهق والآفاقُ واردةٌ / وأنجمُ الليل قد أَيقَنَّ بالغرق
والفجر يُظْهِرُ فوقَ الليل آيَتَهُ / وللشّمال عليه وقعةُ الصّعِقِ
تَتَوَّجَتْ بالدجى فالشّعْرُ من غَسَقٍ / والخدُّ من شَفَقٍ والثغرُ منْ فلَقِ
ألهو بمسكِ شَذاها لا أُحاولُ ما / وراءَ ذاك ولو حَاوَلْتُ لم أُطق
فبتُّ أحسبُ إني قد طرقتُ بها / روضاً شممتُ به طيباً ولم أذُق
أقلُّ ما تهبُ الأعمارُ والدولُ
أقلُّ ما تهبُ الأعمارُ والدولُ / ودونَ ما تَتَعَاطى القولُ والعملُ
وَمِنْ منايا الأَعَادِي إذْ فرغتَ لهم / ألا يواريهمْ سَهْلٌ ولا جَبَلُ
ومن دلائلِ ما أُعْطِيْتَ من ظَفَرٍ / ألا يكونَ لهم رزقٌ ولا أجَل
وَإنَّ سَيْفَكْ لا يثْنِي جَهَالَتَهُ / حتى يُبَيّنَ للجهّالِ ما جَهِلوا
نارٌ تسوقُ العِدا من حيثما حُشِرُوا / إلى الثرى وهو مَأوَاهُمْ إذا قتلوا
هِنْدِيّةٌ لم يزلْ بالهندِ مغتربٌ / يَدْعُو بها كلمّا شَبّتْ وَيَبْتَهِلُ
من نارِ كِسْرَى وكانتْ قَبلهُ سِمَةً / للبرق يُسْمَى بها الصمصامة النّمِلُ
رَبْداء تَضْحَكُ في الهيجاءِ عنْ لُمَعٍ / كما التقى الدَّمْعُ والأَجْفَانُ والكُحُل
مازال فيها لِصَاليها وَمُوقِدِهَا / سرٌّ به عُبِدَ المريخُ أو زُحَل
وربما انجابَ عنها الغمد فاضطرمتْ / زهراءَ يَعْشُو إليها الفارسُ البطل
وَرُبَّما خالها رَقْراقَ غاديةٍ / فظل ينظر هل في عِطْفِهِ بَلَلُ
أَعْيَا عليه أَنِهْيٌ في قَرَارَتِهِ / أمْ مارج من لظى ترْمي به شُعَل
وقد أَرَاهُ بها الضَديْنِ رَافِعُها / فإنما هي تَبْدُو ثم تَشْتكِلُ
تخبو فلا غَرْوَ أن يرْوَى بريقَتِها / وَيَهْتَدِي بِسَنَاهَا حينَ تَشْتعل
فداؤك السيف في يمناه قاتله / فدونه ولأمِّ الحائنِ الهَبَلُ
وإن رمْحَكَ لا يَثْنِي مَعَاطِفَهُ / إلا انْثَنَى القِرْنُ لا يألُو ولا يئل
حُلْوُ المَجَسَّةِ لا عَبْلٌ ولا قَضِفٌ / قَصْدُ المهزَّةِ لا كَزٌّ ولا خَطِل
مستحصد المتن إمّا هزَّه عجباً / يميل صَرْف الرَّدى فيهِ وَيعْتَدلُ
تُزْهى به الطعنةُ النجلاءُ يطْعَنُها / كأنّما استعْملتها الأعينُ النُّجُلُ
لا تُبْصرُ الموتَ إلا حيث تُبْصِره / موتاً يُسدِّدُ أحياناً ويعتقل
أَذاكَ أم عَزْمَةٌ رُمْت الصليبَ بها / وقد أتت دونَهُ الغيطانُ والقُلَلُ
فسائِلِ الرومَ هل كانتْ على ثقة / منْ غَزوِ أروَعَ يُعْطي الغزو ما يَسَل
قادَ الجيادَ إليهم من مَرَابطِها / ماضٍ إذا عرَّد الهيابَةُ الوَكِل
يَغْشى القتالَ فإن تضللْهُ فالتَقِهِ / حيثُ الحتوفُ على الأرواح تقْتَتِل
إياكَ من أسدٍ تشقى الأسودُ به / في كفِّهِ غُلَّةٌ تَرْوي بها الغلل
ولا تَحدَّثْ عن الدنيا فذا مَلِكٌ / تَحُلُّ في جيشه الدنيا وترتحل
وقائدٌ تزدْهي الآفاقُ طَلْعَتَهُ / إذا ذُكاءُ زَهاها الثورُ والحمل
إذا تَجَلى لها في حُجْبِ هَيْبَتِهِ / فَكُلّث شيءٍ يُوازِي ضَوْءَهَا خَجِلُ
وبحرُ جودٍ إذا التجَّتْ غواربُهُ / فَأَبْلغِ البحرَ عنّي أَنه وَشَل
وباذخٌ لا تنالُ الطيرُ ذِرْوَتَهُ / حتى سَوَاءٌ به العِقْبَانُ والحجل
ضخمٌ تَرَى للغوادي في جَوَانِبِه / مساحباً نَبْتُها الحَوْذانُ والنَّفَل
بها مليكٌ بنورِ الحقِّ ممتزجٌ / وظلُّ أَمْنٍ بسترِ اللهِ مُتَّصِل
وَعَزْمَةٌ في جهادِ الكُفْرِ ماضيةٌ / من غَرْبها لا الشبا الماضي ولا الأسَل
يُدْعَى الأميرُ أبو يحيى بها ولها / إذا تَوَاكَلَ أقوامٌ أو اتَّكَلُوا
خفَّ الأعادي بها عن عُقْرِ دارهم / لقد عَجِلْتَ إليهمْ أوْ لقدْ عجلوا
شافهْ طليطلةً ماذا تريدُ بها / بِالعَطْفِ إنْ أشكَلَ التوكيدُ والبدل
أَمْطَرْتَ ما حولها الموتَ الزؤامَ فهلْ / من عَوْدةٍ أيُّهذا العارضُ الهَطِل
فإنْ تثُبْ أو تُقارِبْ والنَّوى أمَمٌ / فقد خَلَتْ قَبْلها الأمْثَالُ والمُثلُ
فإنْ أبتْ فالرَّدى رَهْنٌ بِمُعْضِلَةٍ / لا القارةُ انتصفتْ منها ولا عضَلُ
أوْلى لهمْ ثم أولى للصّليبِ بها / منْ عارضٍ صَوبُهُ الأسْيافُ والأسل
وللعدا دُونَها من حَرِّ مَلْحَمَةٍ / يكادُ منها الهواءُ الرَّطبُ يشتْعل
ومن رحىً لمناياهمْ يَدورُ بها / يومٌ تضيقُ بهِ الآفاقُ والسُّبُلُ
يومٌ شتِيمُ المحيّا لا يُزَيّنُهُ / حليٌ وإن كانَ لا يُزري به العَطَلُ
وأعصلُ النابِ إن يُغْرَ الكماةُ به / كذلك الحربُ في أَنْيابِها عَصَل
ومن مَكَرِّ أبي يحيى وَمَوقِفِهِ / بحيثُ يُؤمَنُ أو لا يُؤمَنُ الزَّلل
أَبِدْ فداكَ رجالٌ لو عرَضْتَ لهمْ / دونَ الحياةِ لما قَالوا ولا فعلوا
كيفَ السبيلُ إلى يومٍ أُؤَمّلُهُ / يكونُ لي ولحسَّادي به شُغُلُ
حتى أُقبّلَ يُمْنَاكَ التي حَظِيَتْ / بها الظُّبَى قَبْلَ أَنْ نَحْظَى بها القُبَل
وأشتكي جَوْرَ أيَّامي إلى مَلِكٍ / لا يَحْضُرُ الجُبْنُ يوميه ولا البَخَل
يا أيها الملكُ الميمونُ طَائِرُهُ / يا بدرُ يا بحرُ يا ضرغامُ يا رجل
أتاركي لصروفِ الدهرِ تلعبُ بي / وقد حَدَاني إليكَ الحبُّ والأمل
شكرتُ نُعْماك لما قلَّ شاكرُهَا / إن الكريمَ على العلاَّتِ يَعْتَمِل
وهاكها يقتضيكَ الحسنُ رَوْنَقَها / وإن لَوَتْهَا به الأعذارُ والعِلَل
تَطَاوَلَ الدهرُ منها لو يُعَارِضُهُ / دهرٌ عُلاَكَ به الأسحارُ والأصُل
سيارةٌ في أقاصي الأرضِ شاردةً / مما تُرَوِّي لكَ العَلْيَا وَترْتجِلُ
لا تحسبوني وإن ألْمَمْتُ عن عُقُرٍ
لا تحسبوني وإن ألْمَمْتُ عن عُقُرٍ / بِمُضْمِرٍ لكمُ هجراً ولا مَلَلا
أحبكمْ وَأوَالي شُكْرَ أَنْعُمِكُمْ / وَأَرْتجيكمْ ولا أبغي بكمْ بَدَلا
وأستديمُ جميلَ الصُّنعِ عندكُمُ / ولا أُبالي أَجارَ الدهرُ أم عدلا
وما أراني بمُسْتَوْفٍ مَناقِبَكُم / ولو نظمتُ لكمْ زُهْرَ النجوم حُلى
ولا يُبالغُ عُذري في زيارتكمْ / ولو سلكتُ إليكمْ بَينها سُبُلا
وأنتمُ زينةُ الدنيا فإن ذهبتْ / فلا أقولُ لشيءٍ فات ما فعلا
قدْ فُتُّمُ كلَّ ساعٍ والمدى شَططٌ / لو حُدِّثَ البرقُ عن أدناه ما اشتعلا
أَعْطَيتُمُ وَكَفَيتُمْ فازْدَهتْ بكمُ / مكارمٌ لم تَزَلْ من شانِكُمْ وعلا
ذُدْ يا ابنَ عيسى الليالي عن موارِدِها / فما تَرَكْنَ لنا علا ولا نَهَلا
وَحُدَّ للدهرِ حَداً لا يُجاوِزُهُ / فقد تَعَلَّمَ منكَ القولَ والعملا
ولُحْ صباحاً إذا لم تَسْرِ بَدْرَ دُجىً / فقد يُقالُ استسرَّ البدرُ أو أفَلا
وأبسط لنا يدك العليا تقبلها / فإننا لم نرد براً ولا وشلا
وَدَعْ بمرآك ضَوْءَ الصُّبْحِ عن كَثَبٍ / فإنَّنا قد ضَرَبْنَاهُ له مَثَلا
وطالبِ الدَّهْرَ عنْ إنجازِ مَوْعِدِهِ / فربَّما سَوَّفَ الحرمانُ أَوْ مَطَلا
وكنْ لنا أملاً حتى نعيشَ به / لا يعرفُ العيشَ منْ لا يعرفُ الأمَلا
خذ يا محمدُ شُكْري عن مآخِذِهِ / أَوْحَتْ إليه العُلا آياتِها قِبَلا
من النجومِ التي مازلتُ مُطْلِعَهَا / بحيثُ لستَ ترى ثوراً ولا حملا
أعْزِزْعليَّ بدهرٍ لا أراك به / تديرُ آراؤُك الأيامَ والدولا
وأسْتَقِيْلُ الليالي فيكَ غرتها / فربما لان أمر بعد ما عَضَلا
ولا أزالُ أُدارِيْهِ وَأعْذُلُهُ / فربما سَيْفُهُ لم يَبْلُغِ العَذَلا
لا وحياةِ الأعْيُنِ النُّجْلِ / وإن تَعَاوَنَّ على قَتْلي
ألِيَّةً ما زالَ بِرِّي بها / أكثرَ مِنْ برِّكَ بالعدل
ما جَمَع الأنْسُ لأهلِ الهوى / كالجمع بين القُرْط والحجل
فخالفِ العقلَ فإنَّ الهوى / ليسَ بمحتاجٍ إلى العقل
واحتجَّ بالجهلِ وقاوِمْ به / ما دمتَ مَعْذُوراً على الجهل
واشرَبْ على ماشيتَ مَنْ نظرةٍ / مُعْلَمَةٍ في وَجْنَةٍ غُفل
كصفحةِ السَّيْفِ ولكنَّها / يَجْرِي الهوى فيها مع الصَّقْل
قام بِعُذرِي في الهوى حُسْنُها / مقامَ بُرهانٍ على شكْل
وابأبي تفتيرُ أجفانها / لو لم يكنْ خَبلاً من الخبل
أرقُّ من قلبيْ ومما ادَّعى / في ذلكَ العُشَّاقُ مِنْ قبلي
يا ليتني اليوم على مَوْعدٍ / قد حارَ بين الخُلْفِ والمَطْل
نازَعَني صَبْرِي به باخلٌ / كدتُ به أثني على البُخل
أحْرَقَ بالحبِّ وَمَنْ لي به / يُمرُّ أحياناً ولا يُحْلي
طَالَبْتُهُ دَيْني فَألْوَى به / يَرُوْغُ بين المَنْعِ والبَذْلِ
فتىً إذا أعْطَاكَ أخْلاَقَهُ / أغْنَاكَ عن راحٍ وعن نُقْل
دلَّتْ على السُّؤْدَدِ أفْعَالُهُ / دلالةَ الشَّمْسِ على الظل
كالأسَدِ الوَرْدِ وما حُجَّتِي / إن لم أقُلْ كالعارضِ الوَبْل
إنْ حَشَّ نارَ الحربِ قامتْ لها / أعداؤه كالحَطَبِ الجَزْل
في كلِّ هيجا لَقِحَتْ نفسها / بالموتِ فاستغنت عن الفحل
كثيرةُ النسْلِ ولكنّها / أقْطَعُ ما في البَطْنِ للنَّسْل
أيَّمهَا الثُّكْلُ على أنَّها / وَشُرْبَهَا شرٌّ منَ الثُّكل
في عارضٍ للموتِ مُثْعَنْجِرٍ / أوَّلُ ما يَبْدأ بالهَطْل
تمورُ فيه الخيلُ والنبلُ لا / تَفْرُق بين الخيلِ والنَّبْل
إذا اخْتَلَى سيفٌ به هامةً / لم ترَ إلا مِرْجَلاً يَغْلي
ماذا تريدُ النَّفْسُ من مُهْجَةٍ / أنْتَ بها أوْلضى من النَّصْل
قد نُبْتَ عن سَيْفك في الحربِ أو / نابَ لك الرُّعْبُ عنِ القتل
واشتْتغَلَ الناس بنقصانهمْ / لما رأوْا شُغلَكَ بالفَضْل
أملِ على شعريَ إحْسَانَهُ / فإنَّ شِعْري منكَ يَسْتَملي
ولا تَكِلْهُ لأبَاطِيْلِهِ / فالجِدُّ أوْلَى بي منَ الهزل
جُوْدُكُ أجْدَى في طِلاَب العلا / من الحَيَا في البَلَدِ المحل
جودٌ لو أنَّ الأرضَ غيْثَتْ به / لم تُنْبِتِ البُرَّ مَعَ البقل
وهزَّة لو أنها نشوةٌ / لكان منها النُّسْكُ في حِلِّ
ومنطقٌ لو لم يكن مفْرَداً / لَفُضَلَ القَولُ على الفِعْل
يحكي جنى النَّحْلِ ولكنّه / لم تَكْتَنِفْهُ إبَرُ النحل
كم من يدٍ بيضاءَ مشكورةٍ / أوليت بين الأزم والأزل
وحجة كالصبح مشهورة / قُمْتَ بها تُعلي وَتَسْتَعلي
ومأزِقٍ ضَنْك تَقَحَّمْتُه / تُرْخِصُ بالأرواحِ أوْ تُغلي
ومُنْتَدىً رحبٍ تَبَوَأْتَهُ / مُضْطَلِعاً بالعَقْدِ والحلِّ
إنَّ أَبا حفصٍ أرانا العُلا / أقومَ مِنْ ساقٍ على رجل
رِد يا أبا حفص جِمامَ العلا / ما شئتَ من عَلٍّ ومن نَهْل
يَنمِيك للمجد أبو قاسمٍ / ما أقْرَبُ الفَرْعَ من الأصْلِ
كلاكُمَا قامَ على مَجْدِهِ / بشاهدٍ منْ مَجْدِهِ عَدْلِ
منْ أسْرةٍ إنْ شَهدوا مَشْهَدَا / كانوا أحقَّ الناسِ بالخَصْلِ
لو كَتَبُوا أحْسَابَهُمْ أحْرُفاً / أغْنَتْكَ عن نَفْطٍ وعن شَكْل
تَسَرْبَلُوا للحربِ أثْوَابَها / ليسوا بأنْكاسٍ ولا عُزْلِ
وَأوْرَدُوا أعْدَاءَهُمْ مَوْرِداً / رَنْقاً من الغِسْلينِ والمُهْلِ
دُوْنَكَ مما صُغْتُهُ حليةً / فَصَّلْتُها بالمنطقِ الفَصْل
تلهيكَ في الخلوةِ أبياتُها / وَرُبَّما هَزَّتْكَ في الحَقْل
فإن يكنْ حُسْنٌ فلا مِثْلُهَا / أوْ يكُ إحسانٌ فلا مثلي
يا لذّةَ العيشِ إني عنكِ في شُغُلِ
يا لذّةَ العيشِ إني عنكِ في شُغُلِ / لا ناقتي منكِ في شيءٍ ولا جَمَلي
حسبي خَلَعتُك للأعلامِ خافقةً / ألموتُ في ظِلّها أحلى منَ العسل
في كلِّ مضطرمِ الأحشاءِ حالِكِها / ترى الرَّدى فيهِ مُفتاتاً على الأجل
تَعْدُو بسرْجِي إليه كلُّ سابحةٍ / كأنَّ غُرَّتَها في مُرْتَقى زُحَل
قد عُوِّدَتْ أن تخوضَ الماءَ وادعةً / تَهاديَ الخودِ بين الحلْي والحُلَل
والخيلُ فوضى تَبَارَى في أَعِنَّتِها / تعومُ في الدم أو تعْلُو على القُلَل
والحربُ تُلْحِمُ نصلَ السيفِ كلَّ فتىً / لا يُلْحِم السيف إلا هامةَ البَطَل
هناك سَلْ بي ولولا أن يَغُضَّ بها / قومٌ لقلت اشْهدِ الهيجا ولا تَسَل
ونازحٍ بين قُطْرَيْهِ يضيقُ به / ملءُ الفضاءِ فقصّرء عنه أو أطِل
لا ينشأُ الدَّجْنُ فيه خوفَ هاجرةٍ / تَشْتَفُّ ما في نَوَاحِيْهِ منَ البلل
وتَنْثَني الريح عن أَدنى مقاصدهِ / حسْرى تَبَيَّنُ فيها فَتْرَة الكسلِ
نُمْسي المنونُ به غَرْثى ولو ظَفِرَتْ / بأَكْلَةٍ ما أساغَتْها منَ الوجَل
فَسَلْهُ بي فَلَعمْرِيْ إن ثبتَّ له / ليخبرنَّكَ عن أُعْجُوبةٍ جلل
عن قُلَّبِ القَلْبِ يَفْري كلَّ نازلة / حَزماً يسدُّ طريقَ العارِضِ الهَطِل
أكلَّما طلعتْ نفسي إلى أملٍ / لم يَعْدُها عائقٌ عن ذلك الأمل
ذَنْبي إلى الدَّهْرِ حلمْي عن جَرَائمِهِ / أوْلى له لستُ بالواني ولا الوَكِل
لأقْدِمنَّ ولو أثناءَ داهيةٍ / دهياءَ لم تشْتَمِل قَبْلي على رَجُل
لا يحرزُ المجدَ إلا من تَوَزَّرها / إنّ المآثر لا يُحْرَزْن بالحيل
من مُبلغٌ عنّيَ الفتيانَ مألُكَةً / ولستُ أنطِقُ عن إفْكٍ ولا خَطَل
إني تركتَ ابن منظورٍ لواردِهِ / لمعُ السَّرابِ وداعيه ابنة الجبل
فلست أحْنُو بمرآه على صَنمٍ / ولا أُعَرِّجُ مِنْ مَغْنَاه في طَلَلِ
ولا ألوذُ به ملآنَ من صَلَفٍ / يخاتِلُ المجدَ بين الجُبْنِ والبَخَلِ
هذي القصائدُ وَاسمُ الهوزنيِّ لها / وها أنا وأياديهِ الجزيلةُ لي
بَيْني وبينَ العُلا منْ ذِكْرِهِ أردٌ / مثلُ النسيمِ خِلالَ الروضة الخَضِلِ
إليك داعيه لفظ غير مشترك / على الأماني ومعنى غير مشتكل
هات الأحاديث عَنْهُ ربما نَفَعَتْ / ما ليسَ يَنْفَعُ بَرْدُ الماءِ لِلْغُلل
وَمُنْيَتي مَجْلِسٌ منه أغيظ به / قَوْماً ولو جئتُهُ أمْشِي على الأسل
فالثمْ أنَامِلَهُ عنْ خاطِري وَفَمي / واشكرْهُ عنّي وعنْ إحسانه قِبَلي
منْ لي به البحرَ معسولاً مواردُهُ / وقد جلستُ على الضحضاح والوَشل
وأين لي عنه شمساً غير آفِلَةٍ / وإن أردتَ فظلٌّ غيرث منتقل
وقائلاً غيرَ مَنْزُورٍ ولا خَطِلِ / وفاعلاً غير مَنَّانٍ ولا مَذِل
وحامياً لا يُبَالي مَنْ يلوذُ به / أنْ يَكْشِرَ الموتُ عن أنْيَابهِ العُصل
تَقَاصَرَتْ عن عُلاَهُ كلُّ مَرْقَبَةٍ / لو طاولتها مَرَاقي الشُّهْبِ لم تَطُل
يضيقُ شِعْريَ عما أنتَ فاعِلُهُ / وفيه فَضْلٌ على الأيّامِ والدُّولِ
وطائرِ الذِّكْرِ إلاَّ أنَّه نَبَأٌ / إفكٌ يُخَوِّضُ فيه كلُّ مُنْتَحل
شتّى الظنونِ كأنَّ الأرضَ تَطْلُبُهُ / بما جَنَى فَوْقَها من غَامِضِ الوجل
ضَمَّنْتُ مَجْدَكَ أشْعَاري فباتَ لها / كأَنّهُ نَهْبُ أطْرَافِ القنا الذُّبُل
حسادةً لك لا تَعْدُوهُ صَرْعَتُها / وإنْ أتَتْهُ بها الأيَّامُ في مَهَل
عمداَ إليكَ تركْتُ الناسَ كلَّهُمُ / السيدُ الرأيِ لا يؤتْى مِنَ الزلل
أوْلى الأنامِ بأَشْعَاري وإن كَسَدَتْ / مَنْ كانَ أوْلاهُمُ بالقولِ والعمل
جَرَّبتُ من زَمَني ما فيه لي عِظَةٌ / لمثلها أسْرَفَ العُذَّالُ في عَذَلي
لا أخْدَعُ النَّاسَ عنّي قد بَلَوْتُهمُ / يا دهرُ أُنْجُ ويا وشكَ الحمامِ غُلِ
أيَنَفَضِي الدَّهْرُ لم تَظْفَرْ يَدِي بأَخٍ / إذا سمعتُ بسوْءٍ عنهُ لم أخَل
نعمَ النصيبُ منَ الدنيا أخو ثقةٍ / إن حالَ شيءٌ من الأيَّامِ لم يَحُل
حقاً أقولُ لقد أَعْلَيْتَ مِنْ هِمَمي / فسرنَ بي في العُلا سَيْرُورَةَ المثل
حتَّى لأوْهَمْنَني أنَّ الكواكبَ منْ / حَلْييْ وأن صروفَ الدَّهرِ منْ خَوَلي
مُرِ اللياليَ تَفْعَل غيرَ وانيةٍ / وَحُدَّ للقَدَرِ المقدُورِ يَمْتَثِل
واستقصِ بأسَ أبي حَفْصٍ ونائِلَهُ / كلاهما بالذي تَرْضَى عُلاك كِلِ
فَرع سموتَ به في كلِّ مَكْرُمَةٍ / نَسْلٌ لأيِّ ذُراها الشمِّ لم يَنَلِ
وصارمٌ تَتَمَنَى كلُّ شارقَةٍ / في الجوِّ لو أنَّها نِيطَتْ عليه حُلِيْ
وإنْ تَجانَفَتِ الأيّامُ قوَّمَها / بعزمِ مُخْتَبرٍ في حدِّ مُهْتَبِل
تُرَنّمُ الطيرُ شعري بعدُ عجْمَتِها / حمصُ الزمانُ وأنت الشمسُ في الحمل
أُثْني عليكَ وحسبي أنّهُ سببٌ / بيني وبينَ المعالي جدُّ مُتَّصل
وكم تَمَطّرَ بي في شأْوِ كلِّ علا / وإن غدا وهو للحرمان في شَكَل
وارحْمَتَا ليَ سَيْفاً لو ضربتَ به / عَضْبَ المضاربِ رثَّ الجَفْنِ والخِلَلِ
تشوَّفَ العيدُ مِنْ جَدْوى يديكَ إلى / عيدٍ على النَّاسِ والأيامِ مشتمل
فاهنأ بعيدٍ لها الأفْرادُ فيه إذا / لم يهنأُوا غيرَ عَقْرِ الضانِ والإبل
ولا يَزَلْ يَتَصَدَّى في ذُراك إلى / عِناقِ ما شاءَ من أنْسٍ ومِنْ جَذَل
ولا انتحتنيْ مِنَ الأيّامِ نائبةٌ / حتّى تَوَهَّم قلبي من هواكَ خِلي
هل المُنَى غير ما أدَّى أبو حكمٍ
هل المُنَى غير ما أدَّى أبو حكمٍ / يا حَزْمُ يا عزْم يا إقدامُ يا كرم
ولا كحمّامِهِ يوماً وقد حَسَرَتْ / عنه الهمومُ وباحَتْ دونَهُ الهمم
كوجهكِ الطلقِ يَنْدى وهو مُؤْتلِقٌ / وقلبيَ الصبِّ يَدْمى وهو مُحْتَدِم
استوفِ شَأْوَيْكَ من عزٍّ وتمكينِ
استوفِ شَأْوَيْكَ من عزٍّ وتمكينِ / واذهبْ بحظَّيْكَ منْ دنيا ومن دينِ
وَافْرُغْ لشأنيكَ من بأْسٍ ومنْ كَرَمٍ / بطشٌ شديدٌ ومنٌّ غيرُ مَمْنُون
وكِلْ عِدَاك لما تَطْوي صُدُورُهُمُ / يكفيكَ منهمْ ويكفيهمْ ويكفيني
وزاحمِ النجْمَ في عُليا مطالعه / فليس قَدْرُكَ بالأدْنى ولا الدُّون
واجعلْ مُحَيّاكَ لي عبداً أُسرُّ به / فإنْ فعلتَ فما حظّي بمغبون
وارْتَحْ إلى الحمدِ من قُرْبٍ ومن بُعُدٍ / فإنّهُ خُلُقٌ منْ آلِ حَمْدين
الضامنينَ لما قالوا إذا هَرَفَتْ / بعضُ الرجال بِنُكرٍ غيرِ مضمون
والحاكمينَ لما شاؤوا إذا غُمِزَتْ / بعضُ الرجال بمردودٍ وموهون
أقمارُ حُسْنٍ وإحسانٍ أُسودُ شرىً / وغاثةٌ مُزْنُ تأميلٍ وتأمين
ما شئتَ في السّلْمِ منْ حلمٍ ومن كَرمٍ / وفي لظى الحربِ أمثالُ المجانين
إنّ السَّرَاءَةَ لا تزْكُو لِمُختَبِرٍ / حتى يكونَ لها حظٌّ من اللين
منَ الأراقمِ صالوا كلَّ يومِ وغىً / إذْ كلُّ أرْقمَ يعدو فوقَ تِنّين
فازتْ قِدَاحُ أبيهمْ حينض أرْسلَها / بكلِّ عِلْقٍ منَ العلياءِ مَكْنُون
ربيعةُ القُرَشيْ السامي بِهِمَّتِهِ / منهُ إلى نَسَبٍ بالنَّجْمِ مَقْرون
ومن كُلَيْبٍ أفادوا كلَّ مَكْرُمةٍ / قَتْلَ الملوكِ وإحياءَ المساكين
وما أخوهُ عديٌّ إذ يقومُ بها / يومَ الذْنائبِ في وَهْنٍ ولا هون
حياةُ صِدْقٍ ومَوْتٌ في ذُرى كَرمٍ / يا نفسَ كلِّ كريمٍ هكذا كوني
وكم أبٍ لكَ لولا طيبُ عُنصُرِهِ / لم يُوجَدِ الطيبُ طبعاً في الرَّياحين
أَريقُ ثَغْرِكِ أمْ ينتُ الزَّراجين
أَريقُ ثَغْرِكِ أمْ ينتُ الزَّراجين / وَعَرْفُ نَشْرِكِ أم مِسْكٌ بدارينِ
ولحظُكِ الغَنِجُ السحّارُ أم قَدَرٌ / أم ذو الفَقَارِ مَضَى في يومِ صفين
وثغرُكِ الشَّنِبُ الوضّاحُ أم بَرَدٌ / أم بارقٌ من رِضَاكِ اليوم يثنيني
إذا بدا ليَ دُرٌّ منهُ مُنْتَظِمٌ / نَثَرْتُ لؤلؤَ دمعي غيرَ مكنون
وماءُ خَدِّكِ أمْ خَمْرٌ بكأسِ مها / يروقُ في حُسْنِ إشراقٍ وتلوين
وَقدُّك الناعمُ الريَّانُ أمْ غُصُنٌ / يميسُ ليناً على كثبانِ يَبْرين
إذا انثنى وَهَفا مرُّ النسيمِ به / فأينَ منه قضيبُ البانِ في اللين
جسمٌ براهُ الإله حينَ صوَّرَه / منْ ماءِ لؤلؤة والناس من طين
وحاشَ للهِ أن يُعْزى إلى بشرٍ / أوْ أنْ يُضافَ لحسنِ الخُرَّدِ العِين
أضْحَتْ يدُ الحُسْنِ في ديباجِ وجْنَتِهِ / تُنَمْنِمُ السّحْرَ منها في أفاين
وَفَتحَتْ إذ جرى ماءُ الشباب بها / ورْدَ المحاسنِ أَو وردَ البساتين
واهاً لقلبيْ وقد أودتْ به حُرَقٌ / من شادنٍ غَنِج بالوصلِ ضِنّين
يُديرُ لي مُقَلاً مَرْضى بِلا سَقمٍ / يُمِيتُني تارةً فِيها ويُحْييني
نَفْسي الفداءُ له منْ كلِّ نائبةٍ / وإنْ يكنْ هُوَ منها لا يُفَدّيني
لا حظَّ منهُ سِوَى عَيْنِ مُسَهَّدَةٍ / عَبْرَى وَشَوْقٍ إلى كَفيْهِ يُخْديني
أُعَلْلُ النَّفْسَ فيه بالمُنَى خُدَعاً / وإن يكنْ في هواهُ ليس يُجْديني
كم عاذلٍ رامَ عَذْلي فيهِ قلتُ له / لا تَعْذُلَنّي فإنَّ العَذْلَ يُغْريني
قالوا ضَلَلْتَ طَرِيقَ الرُّشْدِ قلتُ لهم / يهنيكمُ الرشدُ إنَّ الغيَّ يَهْنيني
حَسْبي هواهُ ولا أبْغِي به بَدَلاً / فقمتُ منهُ بحظٍّ غيرِ مَغْبُون
واللهِ لا ضِقْتُ ذَرْعاً ما حَييتُ به / فخلِّني اليومَ يَبْريني وَيُضْنيني
كم زفرةٍ تَسْتَعيرُ النارُ وَقْدَتَها / ولوعةٍ طَيَّ أضْلاعي تُناجيني
وَبَرْحِ بثٍّ ووجدٍ مُؤْلمٍ وجوًى / بينَ الحَشَا ليس يَبْلى وهو يُبْليني
هوىً تعسفتُ منهُ كلَّ مُهْلِكَةٍ / وَظَلْتث أخبطُ في أهوالهِ الجون
وَخُضْتُ منهُ غمارَ الموتِ مُقْتَحِماً / وقلتُ فيه لِلَوعَاتِ الأسى بِيني
ما بالُ دضمْعِي مُطيعاً في هَواه وما / لِحُسْنِ صَبْريَ فيهِ لا يُوَاتيني
كأنَّ دمعيْ وقد غَصَّتْ مسارِبُهُ / شجوٌ تَضايَقَ في أحشاء محزون
إيهٍ أبا قاسمٍ ما لي ظمئتُ وفي / كفّيك ريّيَ أنْ لو شِئْتَ تُرويني
وما يَصُدُّكَ عنْ أشواقِ مُكْتَئِبٍ / مُغرىً بحبكَ صبٍّ فيك مَفْتون
كنْ كيفَ شئتَ فحسبي لا أَحولُ وإن / لم أُمسِ منكَ على قُرْب وتمكين
أنتَ الحياةُ ومالي عنكَ منْصَرَفٌ / وأنت حظّيَ من دنيا ومِنْ دين
تَناصُرُ الشيبِ في فَوْدَيْهِ خِذْلانُ
تَناصُرُ الشيبِ في فَوْدَيْهِ خِذْلانُ / إنَّ الزيادةَ في النُّقْصان نُقْصانُ
لا تغْتَررْ بعيونٍ ينظرونَ بها / فإنما هيَ أحداقٌ وأجفانٌ
كمْ مُقْلَةٍ ذهبتْ في الغيِّ مذهبها / بنظرةٍ هي شانٌ أو لها شان
رهْنٌ بأضغاثِ أحلامٍ إذا هجعت / وربَّما حَلِمَتْ والمرءُ يقظان
فانظرْ بعقلكَ إن العينَ كاذبةٌ / واسمعْ بِحسّكَ إن السمعَ خوَّان
ولا تقُلْ كل ذي عينٍ له نَظرٌ / إن الرعاةَ تَرَى ما لا يرى الضان
دع الغنى لرجالٍ ينْصَبُونَ له / إنَّ الغِنَى لفضولِ الهمِّ مَيْدان
واخلعْ لَبُوسَكَ من شحٍّ ومن أملٍ / لا يقطعُ السيفُ إلا وهو عريان
وصاحبٍ لم أزلْ منه على خَطَرٍ / كأنَّني علمُ غيبٍ وهو حَسَّان
أغراهُ حظٌّ توَخّاه وأخطأني / أما درَى أن بعض الرِّزقِ حِرْمان
وَغَرَّه أنْ رآه قد تَقَدَّمَني / كما تَقَدَّمَ بسم الله عُنْوانُ
إني استجرتُ على ريبِ الزمان فتًى / إلا يكنْ ليثَ غابٍ فهو إنسان
حسبي بِعُلْيَا عليٍّ معقلٌ أشِبٌ / زمانُ سَيْري به في الأرض أزمان
صعبُ المراقي ولكنْ ربما سَهُلَتْ / على المُنى منه أوْطارٌ وأوطان
الواهبُ الخيلَ عِقْباناً مُسَوَّمَةً / لو سُوِّمتْ قبلها في الجوِّ عقبان
من كلِّ ساع أمامَ الريح يَقْدُمُها / منهُ مهاةٌ وإن شاءتْ فسرحان
دُجُنَّةٌ تصفُ الأنوارَ غُرَّتُها / وَنَبْعَةٌ يَدَّعي أعْطَافَها البانُ
عصا جَذِيمةَ إلا ما أُتيح لها / من أمرِ موسى فجاءَتْ وَهْيَ ثعبان
هيمٌ رواءٌ لو أن الماءَ صافحَها / لزالَ أو زلَّ عنها وهو ظمآن
يَكادُ يَخْلَقُ مُهْرَاقُ الدماءِ بها / فلا تَقُلْ هي أنْصَابٌ وأوثان
مَوْتَى فإن قَلِقَتْ أجفانُها علمتْ / أنَّ الدروعَ على الأبطالِ أكفانُ
نفسي فداؤكَ لا كفؤاً ولا ثمناً / ولو غدا المُشْتَري منها وكيوان
والتبرُ قد وَزَنُوه بالحديدِ فما / ساوَى ولكن مقاديرٌ وأوزان
يا مَنْ تَكَهّنَ بالسُّلْوانِ أُدْرِكُهُ
يا مَنْ تَكَهّنَ بالسُّلْوانِ أُدْرِكُهُ / إن صحَّ فَهْوَ لما أنبأتَ حُلْوَانُ
أتَفْرَقُونَ لإنكاريْ ملامَكُمُ / يا قومُ مَهْلاً فما ذا اللومُ فرقان
قالوا رُزْقِنَا اعْتِصَاماً من صَبَابَتِكم / وإنَّما ذاكَ لو تدرونَ حرمان
يا لابساً عزَّةَ المولى أنافِعَتي / لديكمُ طاعةٌ منّ وَعِصْيان
ويا مليّاً بدَينٍ ليسَ يُثْقِلُهُ / هلْ يَنْقَضي منكَ لي مَطْلق وَلَيان
أعِنْدَكَ الخَصِرُ السَّلْسَالُ مَوْرِدُهُ / ولا يفوزُ بِرِيٍّ منهُ ظمآن
سوادُ قلبيَ لو تَدْري مَوَاقِعَهُ / أمِنْهُ صُوِّرُ في خَدَّيْكَ خِيْلان
بَكَى المحبُّ وَأيْدِي الشّوْقِ تُقْلِقُهُ
بَكَى المحبُّ وَأيْدِي الشّوْقِ تُقْلِقُهُ / أصَابَهُ خَرَسٌ فالدمعُ مُنْطِقُهُ
ما عنده غيرُ قلبٍ ماتَ أكثرُهُ / وما تَبَقّى لهُ إلا تَعَلُّقه
وما كفاه الهوى حتى يُطالِبَهُ / دَهْرٌ إلى كلِّ سُلْوانٍ يُشَوِّقُه
دهرٌ يفوِّقُ نبلاً من كِنانَتِهِ / رمى بها جَلِداً ما زالَ يَرْشُقُه
مناقضٌ لم يَزَلْ شملي يُفَرِّقُهُ / وليت أن الأسى شملاً يُفَرِّقُه
بنتُ المروءةِ مني طالقٌ أبداً / إن لم أكُنْ بجميلِ الظنِّ أسبقُهُ
ثَكَلْتُ إن لم تكنْ تُعْزَى القناعةُ لي / فحرُّ وجْهِيَ ثوبٌ لستُ أُخْلِقُه
فَمَن لقلبي بتسكينٍ يُثَبّتُهُ / ومَنْ لجفني بتغميضٍ فأُطْبِقُه
لهفي على قَمَرٍ تَمَّتْ محاسِنُهُ / من جانبِ الأفُقِ الغربي مشْرِقه
إذا تَبَسَّمَ والظلماءُ عاكفةٌ / فالبرقُ من ثَغْرِهِ يبدو تأَلُّقُه
ليت الخيالَ الذي قد كانَ يَطْرُقُني / يكونُ لي بَدلاً منه أُعَنّقه
يا صاحبيَّ نداء من عليلكما / فقد تَناهَى بمثواهُ تشَوُّقُهُ
رُدُّوا إلى الجانبِ الغربيِّ عيسَهُمُ / عسَى نسيمُ الذي يَهْوى سَيَنْشُقُه
ما في الحياةِ لِنَفْسِي بَعْدَهُمْ طَمَعٌ / آهاً على حُسْنِ وجهٍ حالَ رَوْنَقُهُ
وفي أبي القاسمِ المأمولِ لي أمَلٌ / وَإنْ تَبَاعَدَ منّي سوفَ ألْحَقُه
وقد جرى في ضميري من إشارته / في جانبي وَقَبولي ما أُصَدِّقه
وإن لجأتُ إليه ليس يَطْرقني / هَمٌّ وَإنّيَ بالإيناسِ أطْرُقُه
من لم يزلْ بخلالٍ منهُ سادَ بها / لكلِّ قلب نأى عنه تُخَلّقُه
طَلْقٌ رأى في الدجى الأعمى مَحاسِنُه / وكلُّ أبْكَمَ بالإحْسَانِ يُنْطِقُه
تَخَلَّقَ المجدُ خلقاً فيه يُشْبِهُهُ / والدرُّ ماءٌ وفي ماءٍ تَخَلُّقُه
والسمت في طَبْعِهِ شيءٌ يعودُ به / إلى البيانِ الذي قد حانَ مَنْطِقُه
يا ناظرَ الدَّهْرِ أُنْظُرْ حُسْن أحْرُفِهِ / فسوف يُنسِبْكَ ما أبصرتَ مُهْرَقُه
فلا يكنْ أحدٌ يَرْقَى مكانَتَه / فما يُسَاوَى برأْسِ الطّوْدِ خَنْدَقُه
ما عندنا كبني حمدينَ في شرفٍ / لو كانَ نجماً لكانَ النجمُ يَعشَقُه
كواكبٌ في سماءِ العزِّ قد طَلَعَتْ / من السنَّا في شُعاعٍ لستُ أَرْمُقُهُ
أعلامُ علم وآدابٍٍ فكلُّ فتىً / منهمْ إذا ما جرى لأخَلْقَ يسبِقه
وفي أبي القاسم الأعْلى ولا فندٌ / سيادةٌ هِيَ تاجٌ وَهْوَ مَفْرِقُه
وإنَّهُ ابن أبيه في سياستهِ / وفي اكتسابِ معاليه تأنُّقُه
والفرعُ كالأصْلِ لفظٌ قد جرى مثلاً / وكالذِّراع إذا ما قِسْتَ مِرْفَقُه
فيا سراجَ بني حمدينَ دعوةَ مَنْ / أَصابَهُ وصبٌ مازالَ يطْرقه
بدا بأُفْقِكَ بَدرٌ منه قابَلَهُ / غيْمٌ منَ العُدْمِ يُخْفِيهِ ويَمْحَقُه
أهْدَى إليْكَ نفيسَ القولِ عِلْقُ عُلا / كالدرِّ يَنْظِمُهُ والمِسْكِ يَفْتُقُه
فانْظُرْ وَقِسْ وانتقدْ فالنَّقْدُ أنتَ له / وليس كالتّاجِ لابن المجدِ بُخْنُقَه
ودُم شِهاباً بأفْقِ السّعْدِ مُتَّقِداً / إذا رقى مُسْترِقُّ السمْعِ يَحرِقُه