القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ دَرّاج القَسْطَلّي الكل
المجموع : 32
هل أَنت مُدْرِكُ آمالي فمحييها
هل أَنت مُدْرِكُ آمالي فمحييها / ومُبْدِلِي فِي الورى من ذِلَّتِي تِيها
بلحظةٍ تقتضِي مِنِّي مكارِمَهَا / هدِيَّةً لَكَ حازَ السبقَ مُهْدِيها
جواهراً من بحورِ العلمِ لَيْسَ لَهَا / إِلَّا استماعكَها قدرٌ يُسَاوِيهَا
حتى ترى الطِّرْفَ فِي كَرَّاتِ فارِسِهِ / وَالكاعِبَ الرُّوَد فِي أَثوابِ جَاليها
عسى الَّذِينَ نأَوْا عنِّي أُخْبِّرُهم / بأَنَّ نَفْسِيَ مبلوغٌ أَمَانِيهَا
بشيرُ يومٍ بمُلْكِ دَهْرِ
بشيرُ يومٍ بمُلْكِ دَهْرِ / وَصِدْقُ فَأْلٍ بطولِ عُمْرِ
ودولةٌ بالسرور تَبْأَى / وأَنجُمٌ بالسعودِ تجْرِي
وَغُرّةٌ بَشَّرَتْ بفتح / وفاك واستبشَرَتْ بنصر
شاهدُ صُنعٍ وغيثُ فتحٍ / تواعَدا طُهْرَهُ لِقَدْرِ
فأقبلا سابقٌ وَتَالٍ / طلوعَ شمسٍ بِإِثْرِ فَجْرِ
فآنَ يَا نفسُ أَنْ تُسَرِّي / بكلِّ مَا شئتِ أَن تُسَرِّي
وحانَ يَا عَينُ أَن تَقَرِّي / بكُلِّ مَا شئتِ أن تَقَرِّي
غيثُ سحابٍ وغيثُ جود / وطيبُ عَرْفٍ وطيبُ ذِكْرِ
وراحةٌ غَيَّمَتْ علينا / تغدِقُ ساحاتِنَا بِتِبْرِ
الأرضُ قَدْ حُلِّيَتْ رياضاً / كُلِّلَ تيجانُها بِزَهْرِ
كأنما أَنْبتت رُباها / زُمُرُّداً أَثمرَتْ بِدُرِّ
وخير شمسٍ لِعَبْدِ شَمْسٍ / أَحلَّهُ السعدُ خيرَ قَصْرِ
خليفةُ اللهِ راحَ ضَيْفاً / لسيفِهِ الحاجِبِ الأَغَرِّ
زارَ لتطهير من كَساهُ / وِزَارَتَيْ مَفْخَرٍ وَخَطْرِ
فأَيُّ ضيفٍ وأَيُّ سيفٍ / وأيُّ مُلْكٍ وأيُّ فَخْرِ
وأيُّ شِبْلٍ لأَيِّ لَيْثٍ / وأَيُّ نهرٍ لأيِّ بَحْرِ
مُتَوَّجٌ قبلَ يومِ مُلكٍ / مُطَهَّرٌ قبل حين طهرِ
أدنى إِلَيْهِ الطبيب عَطْفاً / فِي مُرْتَقىً للخطوب وَعْرِ
فَسُدِّدَتْ كفُّه بصنعٍ / وَأُدْهِشَت نفسُهُ بذُعْرِ
فيا لَهُ رَامَ غَمْرَ ليثٍ / ومدَّ كَفَّاً لِلَمْسِ بَدْرٍ
أُغْمِدَ عَنهُ حُسامُ بَأْسٍ / فقد تَكَمَّى بدرعِ صَبْرِ
لِسُنَّةٍ للإِلهِ أَعطَى / قيادَ رَاضٍ بِهَا مُقِرِّ
يا لوْعَةً لِلْحَدِيدِ فازتْ / طُلَّابُ أعدائها بوِتْرِ
وقطرةً من دمٍ سَتَمْرِي / دمَ العِدَى وابلاً بقَطْرِ
وجُنْدُ أَنصارها شهودٌ / لَمْ يُذْعِنُوا قَبْلَها لَقَسْرِ
وأَبرَزوا كلَّ شبلِ غابٍ / بكُلِّ ذي لبدةٍ هِزَبْرِ
كلٌّ يُوَاسِي بنفسِ عَبدٍ / يقضي عليها بصَبْرِ حُرِّ
فَحُفَّ بدرُ السماءِ منه / بِأَنْجُمٍ للسعود زُهْرِ
وأَصبحَ الدهرُ من كُساهُ / فِي حُمْرِ إِسْتَبْرقٍ وَخُضْرِ
وأَشرقَ المسكُ والغَوَالي / فِي أَوْجُهٍ من نداه غُرِّ
بُشراكِ أَيَّتُها الدُّنيا وبُشرانا
بُشراكِ أَيَّتُها الدُّنيا وبُشرانا / أَحياكِ بالعدْلِ منْ بالأَمْنِ أَحْيانا
لعَلَّ آمالنا فِي اللهِ قَدْ صدَقَتْ / وصِدْقَ موعِدِهِ بالفتحِ قَدْ آنا
وعودةً تمتري عفواً وعافيةً / ودعوةً تقتضي صفحاً وغفرانا
تنسَّمي ريحَ رَوْحِ اللهِ مُنشِئةً / غُيوثَ رحمتِهِ سَحّاً وتَهتانا
واستَقبِلي زَهْرَةَ العقبى مُنوِّرَةً / بالنُّورِ فِي رَوْضَةٍ تَهتزُّ رِضْوانا
لَتورِقَنْ شجرُ الدُّنيا لَنَا وَرِقاً / بسعدِها وتُريقُ الأرْضُ عِقيانا
وتعبقُ الأَرْضُ من مسكٍ وغاليةٍ / وتُمطرُ المُزْنُ ياقوتاً ومرجانا
وقُلْ لِمنْ قَدْ أَضَلَّ الشمسَ طالِعةً / لا تَسْرِ من بعدِها فِي لَيلِ حَيرانا
ويا غريباً شريداً عن مواطنِهِ / لِتَهنكَ الأرضُ أُلّافاً وأَوْطانا
ويا مَرُوعَ الضُّحى يُزْجي ظَعائِنَهُ / عَرِّسْ بجوَزِ الفلا أمْناً وإِيمانا
هاتِيكَ شَمسُ الهُدى فِي بُرْجِ أَسعُدِها / وَدِينُنا مُشرِقٌ فِي عِزِّ دُنيانا
ودَوْحَةُ اللهِ زَكَّى غَرْسَها فزَكَتْ / أُكْلاً وظِلّاً وأَشْجاراً وأَغصانا
أوشِكْ بِهَا نِعمةً راقَتْ لِتُحييَنا / نُعمى ويُثمِرَ ذَاكَ الحُسنُ إِحسانا
خلافَةُ اللهِ فِي مثوى نُبوَّتِهِ / وحِفظهُ قَدْ تَولَّى من تَولّانا
ودَولةٌ سبقتْ آمالَنا كَرَماً / كَأَنَّ مَا قَدْ تمنَّينا تمنَّانا
ودَعوةٌ أعلنَ الدَّاعي فأَسْمعَها / من قَصْرِ قُرْطُبةٍ أَقصى خُراسانا
وبَيعةٌ عَرَفَ الإِسلامُ آيتَها / فلم يَخِرُّوا لَهَا صُمّاً وعُميانا
كادَتْ تُحرِّكُ للأَشجارِ ألسِنةً / تَدْعو وتَخرِقُ للأَحجارِ آذانا
للقاسِمِ القائِمِ الهادي الَّذِي هُديَتْ / إِلَيْهِ طاعتُنا سِرّاً وَإِعْلانا
وابن الَّذِي كُتِبتْ فِي اللَّوْحِ طاعَتُهُ / وَوُدُّ قرباهُ عندَ اللهِ قُربانا
إِمامُنا وابنُ مَنْ أَمَّ الإِلهُ بِهِ / أَهلَ السماءِ ومَنْ فِي أَرْضِهِ دانا
تِلْكَ المَنابِرُ لَمْ تثْبتْ قواعِدُها / حَتَّى تحلَّينَ مِنْ ذكراهُ تيجانا
بلِ الكتائِبُ لم تُنشرْ صحائفُها / حَتَّى رأَتْهُ لِفتحِ اللهِ عُنوانا
مقلَّداً نصلَ هَذَا السيفِ مِنْ يَمَنٍ / فِي السَّلمِ والحَرْبِ تمكيناً وإِمكانا
نصيحةٌ عَمَّتِ الدُّنيا وَساكِنَها / نُوراً وأَضرمَتِ الأَعداءُ نِيرانا
فأَصبحَ المُنذِرُ المَنصورُ واليَنا / والقاسِمُ المَلكُ المأْمونُ مَولانا
من بعدِ فترَةِ أَزْمَانٍ مَطَلْنَ بِهِ / وَدِدْنَ أَلّا نُسمِّيهنَّ أَزْمانا
يُمناهُ فِي قائِمِ السيفِ المُقامِ لَهُ / فِي العَدْلِ والقِسطِ عندَ اللهِ ميزانا
رَدَّ الإِلهُ إِلَيْهِ حقَّ والدِهِ / فكُلُّ حَقٍّ بِهِ ردٌّ لمَنْ كَانَا
أَحْيا بِهِ لابنِ يَحيى حَقَّ أَوَّلِهِ / فِي نُصْرَةِ الحَقِّ إِقراراً وإِذْعانا
حُكماً بما نطقت فِيهِ وَمَا صدقت / شهادة الله تنزيلاً وفرقانا
وَأُسْوَةً برَسُولِ اللهِ والِدِهِ / فيمنْ تخَيَّرَ أنصاراً وجيرانا
فَحَسْبُ مُؤْثِرِ هَذَا الحُكمِ مَعدِلَةً / وَحَسبُ ناصِرِ هَذَا الدِّينِ بُرْهانا
فَتى نَماهُ إِلَى نَصرِ الهُدى نَسبٌ / لَوْ قُدِّرَ البدْرُ ليلَ التِّمِّ لازدانا
مِنَ الَّذِينَ وَفتْ للهِ بَيْعَتُهُمْ / فأَخلصوا العهدَ إِيماناً وأَيمانا
باعوا نُفوسَهُمُ من ربِّهِمْ فَجُزُوا / خُلْدَ الثَّناءِ وخُلدَ الفوزِ أَثْمَانا
فأَشرَقَتْ سُبُلُ الدنيا بهدْيِهِمُ / والأَرْضُ قَدْ شَرِقَت كُفراً وأَوْثانا
تَلقى شبابَهُمُ فِي السَّلمِ إِنْ نَطقوا / شِيباً وشيبَهُمُ فِي الحَرْبِ شُبَّانا
همُ المُلبُّونَ والأَبصارُ ناكِصَةٌ / نَبِيَّهُمْ يَومَ نادى يَا لَقَحطانا
والمُطْلِعُونَ نُجومَ المُلكِ إِذْ أفلتْ / والكافِلونَ بعِزِّ الحقِّ إِذْ هانا
لَهم مَدى السبقِ فِي بَدْرٍ وَفِي أُحُدِ / وَآلِ حَرْبٍ وحِزْبَيْ قَيسِ عَيلانا
وفي تَبوكَ و أَوْطاسٍ و مُصطَلقٍ / ومَنْ عَصى اللهَ من أَبناءِ عَدْنانا
لهُم بَرَاءةُ والأَنفالُ إِذ خُتِمَتْ / والنِّصفُ قِسمُهُمُ من آلِ عِمْرانا
ويومَ صِفِّينَ لَمْ تَخْذُلْ سُيوفُكُمُ / آلَ الرَّسُولِ بِهِ يَا آلَ هَمْدانا
فَليَهْنِكُمْ نصرُ من أَهْدى الهُدى لكمُ / ونَصرُ أبنائِهِ منْ بعدِهِ الآنا
سَعيَ الَّذِينَ هُمُ آوَوْا وهُم نصروا / وأَنجبوا ناصِراً للدِّينِ آوانا
أَسْرى إِلَى الرَّوْعِ فِي تأْمين رَوْعَتنا / وساوَرَ المَوتَ فِي تمهيدِ مَحيانا
وأَتعبَ الخَيلَ إِيثاراً لِرَاحَتِنا / وفرَّقَ المالَ إِكْراماً لمَثوانا
كَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ الوَغى وَطَناً / وَلا سِوانا لما يَحوِيهِ خُزَّانا
سَيفاً ولَكنْ عَلَى الأَعداءِ مُحتكِماً / بَحراً ولكن إِلَى الظَّمآنِ ظَمآنا
أعطى الرَّغائِبَ حَتَّى كادَ يُوهِمُنا / لَوْ سائِلٌ سَالنا منه لأعطانا
وساجَلَ الدَّهْرَ حَتَّى لَمْ تَدَعْ يدُهُ / فِي الجودِ كُفءاً ولا فِي الحرْبِ أقرانا
إِذا المراتِبُ جالت فِي أَعِنَّتِها / وجَرَّرَتْ خُطَطُ العلياءِ أَرسانا
فاضْمُمْ إِليكَ أَقاصِيهِنَّ مُذْعِنةً / حقّاً لِسَعيِكَ لا بغياً وعُدوَانا
فَكم ضَربْتَ عليها من قِداحِ وغىً / بالبيضِ والسُّمرِ ضَرَّاباً وطَعَّانا
وكم سَبقتَ إِليها واحتوَيتَ لَهَا / مَدىً جَعلتَ إِليها الصِّدْقَ ميدانا
رياسَتينِ كَمِثلِ الشعرَيَينِ سَناً / وكالرَّبيعَيْنِ روحاناً وريحانا
وتاجَ نصرٍ وإِعظامٍ وتكرِمَةٍ / حَلّاكَها من بأَمْنِ الأَرْضِ حَلّانا
فإِن ولَدْتَ لَهَا أَقمارَ مَمْلَكَةٍ / أَسباطَ مَلحمَةٍ أُسْداً وفُرْسانا
فقد خَلعْتَ عَلَى يحيى حِجابَتها / مَحفوفَةً منكَ إِعْزازاً وسُلطانا
ثُمَّ احتوى حَكَمٌ مثنى وَزارَتِها / فَفُزْتُمُ بالعلا مثنىً وَوِحْدانا
كلٌّ حَباكُم أَميرُ المؤمنين بِهِ / كما بقربكُمُ الرَّحْمنُ حابانا
مَزِيَّةٌ جالتِ الدُّنيا فما وَجَدَتْ / سِواكُمُ لِنفوسِ المُلكِ أَبدانا
وهِمَّةٌ لَكَ يَا منصورُ مَا هَدَأَتْ / حَتَّى رأَتْكَ لِعَينِ الدِّينِ إِنسانا
فَهدَّمَتْ بك بُنيانَ العِدى فَرَقاً / وشيَّدَتْ لَكَ فَوْقَ النجمِ بُنيانا
يُنسي بناءَكمُ صَنعَاءَ بلْ إِرَماً / ذاتَ العِمادِ وسِنداداً وغُمْدانا
والأَبْلقَ الفرْدَ والأَبْراجَ من أَجَأٍ / والسَّيلَحِينَ وسدّاً كَانَ مَا كَانَا
بنِسبةٍ من رسولِ اللهِ شدَّ بِهَا / ربُّ العُلا للهدى والدِّين أَرْكانا
صِهراً يكادُ وَقَدْ لاحَتْ معالِمُهُ / يَشدُو بِهِ الدَّهْرُ إِفصاحاً وتِبيانا
جزاءُ رَبِّكَ بالحُسنى لذي حُرَمٍ / أَضْحى عَلَى حُرَم الإِسلامِ غَيرانا
وحفظُ مَنْ لَمْ يَزَلْ بالعدلِ يحفظنا / ورَعْيُ من لَمْ يزل بالبرِّ يَرعانا
وَصِدْقُ مَا قَدْ عهدْتُم فِي كَرائِمكمْ / إِنْ لَمْ يُمَلَّكْنَ أَكْفاءً فأَكفانا
فَلْتَهْنِكمْ نِعمةٌ يحيا السُّرورُ بِهَا / وغبطةٌ حانَ فِيهَا يومُ مَنْ حانا
ففازَ بالعِزِّ من نادى بِبَيْعَتِكُمْ / وبَاءَ بالخِزْيِ هَيَّانُ بنُ بَيَّانا
أَهَلَّ بالبَيْنِ فانْهَلَّتْ مدَامِعُهُ
أَهَلَّ بالبَيْنِ فانْهَلَّتْ مدَامِعُهُ / وآنس النَّفرَ فاستكَّتْ مسامِعُهُ
وَوَدَّعَ المَنزِلَ الأَعلى فأَوْدَعَهُ / فِي القَلبِ لاعِجَ بثٍّ لا يُوادِعُهُ
يا معهداً لَمْ يُضِعْ عَهدَ الوفاءِ لَهُ / مُكسَّفُ النورِ عافي القدْرِ ضائِعُهُ
ولا ثَنى عَبَراتي عنْ تَذَكُّرِهِ / دَهْرٌ تَقارَعُ فِي صدري قوارِعُهُ
حَسبي ضُلوعٌ ثَوَت فِيهَا مَصائِبُهُ / وَمُقلَةٌ رَبَعتْ فِيهَا مَرابعهُ
سَقاكَ مثلُ الَّذِي عفَّى رُباكَ عسى / يُنبيكَ كيْفَ غريبُ الرَّحْلِ شاسِعُهُ
صباً كَتَصعيدِ أَنفاسي وصوبُ حياً / تُريكَ عبْرةَ أَجْفانِي مَدامِعُهُ
سحٌّ إذَا شَفَّ صحنَ الخدِّ ضائِرُهُ / شفى تباريحَ مَا فِي القلبِ نافِعُهُ
لله من وَطَنٍ قلبي لَهُ وطنٌ / يَبلى وأَبلى وَمَا تبلى فجائِعُهُ
لا يسأَمُ الدَّهْرُ من شَوقٍ يُطالِعُني / مِنهُ ومن زَفرةٍ منِّي تُطالِعُهُ
فطالَما قَصَّرَتْ لَيلي مَقاصِرُهُ / لَهواً وَمَا صَنَّعت صُبحي مَصانِعُهُ
وطالما أَيْنعتْ حولِي حدائِقُهُ / والعيشُ غضٌّ أَنينُ الرَّوضِ يانِعُهُ
وكم أُظِلَّ مَقِيلي وَسْطَ جَنَّتِهِ / بكُلِّ فرع حَمامُ الأَيكِ فارِعُهُ
إِنْ تُسعِدِ اليومَ أَشجاني نوائِحُهُ / فكم وكمْ ساعَدَتْ شَجْوي سَواجِعُهُ
وكم وَفى ليَ فِيهِ من حبيبِ هوىً / خَلَعتُ فِيهِ عِذاري فَهو خالِعُهُ
رَوْضٌ لعَيْن الهوى راقَتْ أَزاهِرُهُ / ومَشرَبٌ للصَّبَا طابَتْ مَشارِعُهُ
وكم صَدَعْتُ فؤادَ اللَّيلِ عن قَمرٍ / لَهُ هَوىً فِي صميمِ القلبِ صادِعُهُ
خالَستُ فِيهِ عيوناً غيرَ هاجِعةٍ / والحَزمُ عنِّي غضيضُ الطرفِ هاجِعُهُ
وفي نِجادِي جريُّ الإِلفِ مُقْدِمُهُ / وَفِي عِناني مُشيحُ الجذْلِ دارِعُهُ
فما تجاوَزْتُ قَرْنَ الموتِ مُعتسفاً / إِلّا وقِرني رخيم الدَّلِّ بارِعُهُ
تَحِيَّتي منه تَقبيلٌ ومُعتنَقٌ / يَشدُّنِي غُلُّهُ فِيهِ وجامعُهُ
لم أخلَعِ الدِّرعَ إِلّا حِينَ شَقَّقَهُ / عن صفحِ صَدريَ مَا تَحوي مدارِعُهُ
ولا تَوَقَّيتُ سَهماً مِنْ لَواحِظِهِ / يُذيبُ سَيفي وَفِي قَلبي مَواقِعُهُ
غُصنٌ تَجرَّعَ أَنداءَ النَّعيمِ فما / يُطوَّقُ الدُّرَّ إِلّا وهو جارِعُهُ
غَضُّ القباطِيِّ تَحْتَ الوَشي ناعِمُها / مُخلخَلُ الجيدِ فَوْقَ العقدِ رادِعُهُ
يَميسُ طَوْراً وسُكرُ الدَّلِّ عاطِفُهُ / وتارَةً وانثناءُ الوَشيِ لاذِعُهُ
فاستفرَغَ الخَصرُ كُثبانا تُباعِدُهُ / وأنبتَ الصدْرُ رُمَّاناً تُدافِعُهُ
وفي السوالِفِ خوْفُ الصُّدغِ يَجرحُهُ / تِمثالُ صُدْغَيهِ مِسكاً فهو مانِعُهُ
فَبِتُّ تَحْتَ رِوَاقِ اللَّيلِ ثانِيَهُ / والشوقُ ثالثُهُ والوَصْلُ رابعُهُ
والسحرُ يسحرُ من لفظٍ يُنازِعُني / والمِسكُ يَعبقُ من كَأْسٍ أُنازِعُهُ
راحاً يَمُدُّ سناها نُورُ رَاحتهِ / لولا المها لجرَتْ فِيهَا أَصابعُهُ
كَأَنما ذاب فِيهَا وردُ وَجْنته / وشجَّها ريقُها المعسول مائعُهُ
جنى حياةٍ دَنتْ مِنِّي مطاعِمُهُ / من بعدِ مَا قَدْ نَأتْ عنِّي مطامِعُهُ
قَدْ أَنهَبَ المِسكَ والكافورَ خازِنُهُ / وأرخَصَ الوَرْدَ والتفاحَ بائِعُهُ
فيا ضَلالَ نُجومِ اللَّيلِ إِذْ عَدِمَتْ / بَدْرَ السماءِ وَفِي حِجري مَضاجِعُهُ
ويا حَنينَ ظِباءِ القفْرِ إذ فَقدَتْ / غَزَالَهُنَّ وفي رَوْضي مَرَاتِعُهُ
مَجالُ طَرْفِي وَمَا حازَتْ لواحِظُهُ / وحرُّ صَدري وَمَا ضَمَّتْ أَضالِعُهُ
وَالطِّرْفُ مرْآةُ عيني أَستَدِلُّ بِهِ / عَلَى الصَّباحِ إذَا مَا خِيفَ ساطِعُهُ
جَوناً أزيدُ به لَيلَ الرَّقيبِ دُجىً / ويستثيرُ ليَ الإِصباحَ لامِعُهُ
فباتَ يَعجبُ من ظبيٍ يُصارِعُني / وَقَدْ يحِنُّ عَلَى لَيثٍ أُصارِعُهُ
وَمَا رأَى قبلَها قِرْناً أُعانِقُهُ / إِلّا وَوَدَّعَ نفساً لا تُراجِعُهُ
حَتَّى بَدا الصُّبحُ مُشمَطّاً ذَوائِبُهُ / يُطارِدُ اللَّيلَ مَوْشِيّاً أكارِعُهُ
كَأَنَّ جَمْعَ ضلالٍ حانَ مَصرَعُهُ / وأنتَ بالسيفِ يَا مَنصورُ صارِعُهُ
أَوْ كاشتِجَارِ رِماحٍ أنتَ مُشْرعُها / فِي بابِ فتحٍ مُبينٍ أَنتَ شارِعُهُ
جَيشٌ يَجيشُ برَعْدِ المَوْتِ يقدُمُهُ / إِلَى عِدَاكَ قضاءٌ حُمَّ واقِعُهُ
صباحُ بارِقةٍ لولا عَجاجَتُهُ / وَليلُ هابيةٍ لولا لوامِعُهُ
دلائِلُ اليُمْنِ فِي الهَيجا أَدِلَّتُهُ / وأَنجُمُ السَّعدِ بالبشرى طَلائِعُهُ
يُهدى بِهَدْيِ لِواءٍ أَنتَ عاقِدُهُ / للهِ واللهُ بِالتأْييدِ رافِعُهُ
لِمَوْعِدٍ غيرِ مكذوبٍ عواقِبُهُ / فِي مَتْجَرٍ غَيرِ مُزْجاةٍ بضائِعُهُ
مَثنى جِهادٍ وصوْمٍ ضمَّ شملَهُما / عَزْمٌ يُسايرُهُ صَبرٌ يشايِعُهُ
فلا ظَلامُ قَرارٍ أَنتَ ساكِنُهُ / ولا نَهارُ مُغارٍ أَنتَ وادعُهُ
تَهيمُ فِي الأَرْضِ عن حِصنٍ تُنازِلُهُ / وتَخرِقُ البيدَ عن جيشٍ تُقارِعُهُ
حَتَّى جَدَعْتَ أُنُوفَ الشِّركِ قاطِبةً / بأَنفِ مَعقلِ كُفرٍ أَنتَ جادِعُهُ
غابُ الأُسودِ الَّذِي غُرَّ الضَّلالُ بِهِ / فَخادَعَ اللهَ منهُ وهوَ خادِعُهُ
فإِنْ شَجتْ ثغرَكَ الأَقصى مَرابصُهُ / فقد شَجتْ أَرْضَه القصوى مَصارِعُهُ
وإِنْ يَرُعْ نازِحَ الأَوْطانِ عَنكَ فقدْ / راعَ العدى منهُ يومٌ أَنتَ رائعُهُ
صَبَّحتَهُ من رِياحِ النَّصرِ عاصفةً / لا تتَّقي بَعدَها خَسفاً بَلاقِعُهُ
كَأَنَّ نافخ صُورِ الموتِ أَصعقَهُ / فَهدَّ أَسوارَهُ العليا صَواقِعُهُ
فَمقعَصٌ ناشِزٌ عنهُ حلائِلُهُ / ومُرْضَعٌ ذاهِلٌ عنهُ مَراضِعُهُ
وهامَ تَحْتَ بُرُوقِ المَوْتِ كلُّ رَشاً / اللَّيثُ كافِلُهُ والليثُ فاجِعُهُ
هذا مُعانِقهُ يأْساً فَمُسلِمُهُ / وذا مُعانِقهُ إِلفاً فَشافِعُهُ
عواطِلاً أَنتَ حَلَّيتَ الخُيولَ بِهَا / جيشاً غدائِرُها فِيهِ بَراقِعُهُ
أَورَدتها المِصرَ والأَبصارُ طامِحةٌ / لِصنعِ مَا لَكَ ربُّ العرشِ صانِعُهُ
والأَرضُ تَلبسُهُ طَوْراً وتَخلعُهُ / والجِسرُ حامِلُهُ كَرْهاً فواضِعُهُ
طوْدٌ منَ الخيلِ أَعلاهُ وأَسفلُهُ / بَحْرٌ من السَّيلِ مُلتجٌّ دَوافِعُهُ
والشَّمسُ لابسةٌ منهُ قِناعَ دُجىً / واليومُ أَزْهرُ وَجهِ الجوِّ ماتِعُهُ
بيُمنِ حاجِبِكَ الميمونِ طائِرُهُ / وَسَعدِ قائِدِكَ المسعودِ طالعُهُ
أَنجبتَهُ كاسْمِهِ تَحيا عُلاكَ بِهِ / كَهلُ التجارِبِ شَرْخُ العزْمِ يافِعُهُ
ساقِي الحياةِ لمنْ سالَمْتَ مُطعِمُها / ذُعافَ سُمٍّ لِمَنْ حارَبتَ ناقِعُهُ
أَوْفى بِهِ فِي رِداءِ الحِلمِ لابسُهُ / وَعَلَّهُ بلِبانِ الحَرْبِ راضِعُهُ
مَنْ أَشرَقَتْ بسجاياهُ مَقاوِلُهُ / وأَعرَقَتْ فِي مَساعيهِ تبابعُهُ
وقَلَّدَتْهُ تُجيبٌ حَلْيَ سابقها / حَتَّى غدا السابقَ المتبوعَ تابعُهُ
واحْتازَ إِرْثَ الأُلى آوَوْا وَهُمْ نَصرُوا / باسمٍ يُصدِّقُهُ فِعلٌ يُضارِعُهُ
فإِنْ تضايَقَتِ الدُّنيا بمُغتَربٍ / فَمُنذِرٌ بعدُ رَحْبُ الصدرِ واسِعُهُ
وإِنْ دَجا فلَقٌ يوْماً بذي أَمَلٍ / فَذُو الرِّياساتِ طَلقُ الليلِ ناصِعُهُ
ومن سواه لمقطوعٍ أَواصِرُهُ / ومن سواه لمردودٍ شَوافِعُهُ
ومن سواهُ لخطبٍ جَلَّ فادِحُهُ / ومَن سواهُ لِخرقٍ قلَّ راقِعُهُ
ومن يُسيمُ نَداهُ فِي خزائِنهِ / كَأَنَّه فِي أَعاديهِ وَقائِعُهُ
واسْتودَعَ اللهُ للإِسلامِ فِي يدِهِ / مكارِماً حُفظتْ فِيهَا ودائعُهُ
يا واصِلاً بالندى مَا اللهُ وَاصِلُهُ / وقاطِعاً بالظُّبى مَا اللهُ قاطِعُهُ
اسْعدْ بفخرٍ وفِطرٍ أنت حاصِدُهُ / مِنْ برِّ فتحٍ وصَوْمٍ أَنتَ زارِعُهُ
ومَشهدٍ لِلْمُصلَّى قَدْ طَلَعتَ لَهُ / كالبدرِ مُشرِقَةً مِنهُ مطالعُهُ
في جيشِ عزٍّ ونصرٍ أَنت غُرَّتُهُ / وشملِ دينٍ ودُنيا أَنتَ جامِعُهُ
مُعظَّمُ القَدْرِ فِي الأَبصارِ باهِرُهُ / وخافِضُ الطَّرْفِ للرَّحمنِ خاشِعُهُ
ومَوقفٍ لَكَ فِي الدَّاعينَ رَفَّعَهُ / إِلَى السمواتِ رائيهِ وسامِعُهُ
بكَ استُهِلَّ بِهِ فصلُ الخطابِ وَمَا / أَسَرَّ ساجِدُهُ الدَّاعِي وراكِعُهُ
وسَلَّموا من صَلاةِ العيدِ وافتتَحوا / إِليكَ أَزْكى سَلامٍ شاعَ شائِعُهُ
جَمعاً يؤُمُّ إِليكَ القصرَ مُستَبِقاً / الحَمدُ قائدُهُ والحَمدُ وازِعُهُ
حَيْثُ المكارمُ مَرفوعٌ معالمُها / ونَيِّرُ الدينِ معمورٌ شَرائِعُهُ
وتالِدُ المُلكِ محفوظٌ بخاتَمِهِ / من طينةِ المَجدِ والرَّحمنُ طابعُهُ
واسْلَمْ لَهمْ ولمنْ أَوْفَى بِهِ أَمَلٌ / فاتَ المنايا إِلَى يُمناكَ نازِعُهُ
يعلُو الجِبالَ بأَمثالِ الجبالِ أَسىً / يَحدوهُ جدٌّ عَثورُ الجَدِّ ظالِعُهُ
وَرُبَّ لُجَّةِ بحرٍ تَحْتَ بَحرِ دُجىٌ / قاسى إِلَى بحرِكَ الطَّامي يَنابِعُهُ
وَمِنْ شمائِلِكَ المُعيي بَدائِعُها / فِي الأَرْضِ جَاءَتْكَ تستَملي بدائِعُهُ
فلا تَواَضعَ قَدرٌ أَنتَ رافِعهُ / وَلا تَرْفَّعَ قَدْرٌ أَنتَ واضِعُهُ
سَعيٌ شَفى بالمُنى قبل انتها أَمَدِهْ
سَعيٌ شَفى بالمُنى قبل انتها أَمَدِهْ / ويوْمُ سَعدٍ أَرانا الفتحَ قَبلَ غدِهْ
بمقدِمٍ والقنا مِلءُ الفضاءِ بِهِ / وقادِمٍ وعتادُ الشِّرْكِ ملءُ يدِهْ
داعٍ إِلَى دعوةِ الإِسلامِ ينصُرُها / فأَيُّ مُعتمدٍ من شَأْوِ مُعتمدِهْ
وكمْ فؤادٍ وكم جسمٍ وكم بَصَرٍ / لَبَّاهُ من قُرْبهِ سَعياً ومِنْ بُعُدِهْ
جمعاً غدا الحاجِب المَيمونُ قائدَهُ / والنَّصرُ والصَّبرُ والإِيمانُ من مَدَدِهْ
لمثلِها كنتَ يَا منصورُ والِدَهُ / ومِثلَها سَيُريكَ اللهُ فِي وَلَدِهْ
أَنجبتهُ وسْطَ رَوْضِ المُلكِ تَظْأَرُهُ / بواسِقٌ للعُلا تَهْتَزُّ فِي ثأَدِهْ
أَثمارُها من جنى الجانين دانِيةٌ / ووَرْدُ زَهْرَتِها قَدْ راقَ فِي نضدِهْ
فأَرْضَعَتْهُ ثُدِيَّ الحربِ فِي كِلَلٍ / من القنا فَوْقَ مَهدٍ من شبا قِصَدِهْ
حَيْثُ تلاقَتْ نواصي الخَيلِ واعتَنَقَتْ / صدورُ غَيظٍ يذوبُ الصَّخْرُ من وَقَدِهْ
سَرى لأَمرِكَ لا لَيلٌ بواجِدِه / عَلَى الحَشايا ولا نَجمٌ بِمفتقِدِهْ
مُجهِّزاً فِي سبيلِ اللهِ جَيشَ هُدىً / السَّمعُ والطَّوْعُ للمنصورِ من عُدَدِهْ
لمنْ بنى قُبَّةَ العَليا نَدىً ووَغىً / فأَصبحَ المُلكُ مرْفوعاً عَلَى عُمُدِهْ
مُوَرَّثِ المُلكِ من عُليا تَبابِعِهِ / والسَّيفِ من عَمْرِهِ والسَّيب من أُدَدِهْ
والنَّصْرِ من سَعيِ أَعمامٍ لَهُ فُطرُوا / لِنَصرِ ذي العَرْشِ فِي بَدْرٍ وَفِي أُحُدِهْ
مُشَدِّداً عُقَدَ الإِسلامِ إِنْ نُكِثَتْ / ولا تَحُلُّ خطوبُ الدَّهرِ من عُقَدِهْ
وقائِدُ الخيلِ مُزْجاةً مُجَهَّزَةً / للحربِ من صبرِهِ فِيهَا ومن جَلَدِهْ
هادٍ هوادِيَها والليلُ معتكرٌ / بهَدْيِ من أرْشِدَ الإِسْلامُ فِي رَشَدِهْ
كم بَيْنَ ليلِكَ يَا منصورُ تُركِضُها / وليلِ مُرْتكِضٍ فِي لَهْوِهِ وَدَدِهْ
ما صُبحُ مصطَبحٍ فِي روضةٍ أُنفٍ / من صُبْحِ من يَنعمُ الإِسلامُ فِي كَبِدِهْ
سارٍ إِلَى غِرَّةِ الأَعداءِ يَطلُبُها / إِذَا تقلَّبَ ساهِي العيش فِي رَغَدِهْ
مسهَّداً فِي سبيلِ اللهِ يكلؤُهُ / ربٌّ أَنامَ عُيونَ الدِّينِ فِي سُهُدِهْ
مُوفٍ عَلَى كَتدَيْ طاوي الحُزونِ بِهِ / والمُلكُ والدِّينُ والدنيا على كَتدِهْ
تُقصِّرُ الرِّيحُ عن مَسْرى كتائِبِهِ / كما تَقاصَرَتِ الأَملاكُ عن أَمَدِهْ
بُحورُ جَدْواهُ فِي الآفاقِ زاخِرةٌ / وَقَدْ يُزاحِمُ هِيمَ الطَّيرِ فِي ثَمدِهْ
شَرَّابُ أَنقُع أَجوازِ الفَلاةِ إذَا / مَا كَانَ شُرْبُ دمِ الأَعداءِ من صَدَدِهْ
حَتَّى يَئُودَ القنا فِي كُلِّ معركةٍ / أَوْداً يُقيمُ قَناةَ الدِّينِ من أَوَدِهْ
ويُنهِبُ الموتَ أَرواحَ الكُماةِ كَما / يُبيحُ فِي السَّلم جَدْوَاهُ لمُنتقِدِهْ
حَيْثُ يُعِلُّ أَديمَ القِرْنِ من دَمِهِ / ويَحتَبي جَسدُ الجبَّارِ فِي جَسَدِهْ
وتلحَظُ الشَّمسُ من أَثناءِ هَبْوَتِهِ / كما يُغَضغِضُ جَفنُ العَينِ من رَمَدِهْ
لا يُبعِدُ الجُودَ من يومِ الجِلادِ ولا / يُغِبُّ يومَ نداهُ يومُ مُجتلَدِهْ
كَأَنَّهُ من دَمِ الأَعداءِ فِي حَرجٍ / فإِنْ يَمُتْ ذو سلاحٍ من يدَيْهِ يَدِهْ
ومُعتَفوهُ لَديهِ أولياءُ دمٍ / نَداهُ ذُو عَقلِهِ فيهم وذو قَوَدِهْ
مساعِياً كُتِبتْ فِي اللَّوْحِ واكتُتِبَت / فينا بسعي ابن يحيى واعتلاءِ يدِهْ
يَخُطُّها بصدورِ الخَطِّ مُنصلِتاً / فِي كلِّ صدرٍ حليفِ الكُفرِ مُعتقِدِهْ
ويَنْثَني فِي صِفاحِ العُجمِ يُعجِمُها / بِصَفحَتَيْ كُلِّ ماضِي الغرْب مُتَّقدِهْ
والمُلكُ يَنسَخُها فِي أُمِّ مَفخَرِهِ / والدهرُ يَقرَؤها فِي مُنتَهى أبَدِهْ
راع الملوكَ فمخنوقٌ بجِرَّتِهِ / يهيمُ فِي الأرضِ أو لاجٍ إِلَى سَندِهْ
فتِلكَ نفسُ ابن شَنجٍ لا مآلَ لَهَا / من مِيتَةِ السيفِ أَوْ عَيشٍ عَلَى نَكدِهْ
ما يَرْتَقي شَرَفاً إِلّا رَفَعتَ لَهُ / وجهاً من الرَّوْعِ مَرفوعاً عَلَى رَصَدِهْ
ولا انتحى بلداً إلّا قَرَنْتَ بِهِ / هَمّاً يُبلِّدُهُ عن مُنتحى بَلَدِهْ
وقد تَوَجَّسَ من يُمناكَ بارِقَةً / فِي عارِضٍ لا يفوتُ الطَّيرُ من بَرَدِهْ
جيشاً إذَا آدَ مَتنَ الأَرضِ تَعدِلُهُ / بحِلْمِ أَرْوَعَ راسي الحِلمِ مُتَّئدِهْ
كالبحرِ تَنسِجُهُ ريحُ الصَّبا حُبكاً / إذَا ترَقرَقَ فِي الماذِيّ من زَرَدِهْ
بحرٌ سفائِنهُ غُرٌّ مَسومَةٌ / والبَيْضُ والبِيضُ والرَّاياتُ من زَبَدِهْ
وجاحمٌ من حريقٍ لا خمودَ لَهُ / إِلاَّ ونَفسُ ابن شَنجٍ وسْط مُفتأَدِهْ
كَتائِباً تَرَكَتْ عُبَّادَ مِلَّتِهِ / لا تعرِفُ السبتَ فِي الأيامِ من أَحَدِهْ
إِن ضاقَ عن مرِّها رَحْبُ الفضاءِ فقد / نَفِذْتَ من قَلبِهِ فِيهَا إِلَى كَبدِهْ
فتَّتَّ منها قواصي بَنباويَتِهِ / بالهَدْمِ والنَّارِ فَتّاً فتّ فِي عضدِهْ
وقدْتَ منها مطاياهُ مُوَقَّرَةً / بأهل كُلّ رفيع القدر أَوْ وَلَدِهْ
سما لَهُمْ رهَجُ المنصورِ فانقلبُوا / نحلاً جَلاهُ دُخانُ النَّار عن شُهُدِهْ
وراحَ كُلُّ منيعٍ من معاقِلِهِمْ / غاباً خَلا لمُبيرِ الأُسدِ من أَسَدِهْ
يرمي إِلَى الخيلِ والأَبطالِ مُفتدياً / بكلِّ أَغيدَ زادَ الذُّعر فِي غَيَدِهْ
ثم اتَّقَى أعيُنَ النُّظَّارِ ينقُدُها / من عَينِهِ كالحَصى عدَّاً ومِنْ نقَدِهْ
فرُبَّ ذي قَنصٍ زُرقٍ حبائِلُهُ / قَدْ صادَ ظَبياً وَكَانَ اللَّيثُ من طَرَدِهْ
وقد ترَكْتَ ابنَ شَنجٍ فلَّ مُعتَرَكٍ / إِن لَمْ يَمتْ من ظُباهُ ماتَ من كَمَدِهْ
مُشَرَّداً فِي قواصي البيدِ مُغترِباً / وَقَدْ مَلأْتَ فِجاجَ الأَرْضِ من خُرُدِهْ
وَ فِرْذَلندُ رَدَدْتَ المُلكَ فِي يَده / وَمَا رَجا غَيرَ رَدِّ الرُّوحِ فِي جَسَدِهْ
شِبلٌ دعاكَ لأُسْدٍ فوقهُ لِبَدٌ / فأقشعتْ عنه والأَظفارُ فِي لِبَدِهْ
وطارَ نحوَكَ سَبحاً فِي مَدامِعِهِ / وَقَدْ تزَوَّدَ مِلْءَ الصَّدر من زُؤُدِهْ
ثم انثنى وملوكُ الشِّرْكِ أَعبُدُهُ / إِذْ جاءَ عبدَ يَدٍ أَلقى لَهَا بيدِهْ
وآبَ مَنصورُ قَحطانٍ بعزَّتِهِ / أَوْباً تَذُوبُ مُلُوكُ الأَرْضِ من حَسَدِهْ
فاللهُ ينقُصُ من أَعدائِه أَبداً / ويستَزيدُ من الإِسلامِ فِي عَدَدِهْ
الآنَ رُدَّ عنانُ الملكِ فِي يدِهِ
الآنَ رُدَّ عنانُ الملكِ فِي يدِهِ / وعاد نورُ الهدى في جفنِ أَرْمَدِهِ
ولاح قائدُ ذَاكَ الثَّغْرِ أَوْحَدُهُ / فِي قصرِ مالِكِ هَذَا المُلْكِ أَوْحَدِهِ
وعدٌ من اللهِ فِي إِعزازِ دعوتِهِ / وحاشَ للهِ من إِخلافِ موعِدِهِ
فليَهْنِكَ اليومَ يَا شمسَ الوفاءِ لَهُ / بدرٌ دنا منكَ طَلّاباً لأَسْعُدِهِ
قادت إِلَيْكَ بِهِ فِي عَهْدِ مُوثِقِهِ / قلائدٌ لَمْ يُضِعْها فِي مُقَلِّدِهِ
ذخائرٌ لَكَ مِمَّنْ أَنتَ فاقِدُهُ / ووارثُ الملكِ عنهُ غَيْرُ مُفْقِدِهِ
محفوظةٌ عند حُرٍّ لا يَحُورُ بِهِ / عن يومِهِ لَكَ رَيْبُ الدهرِ فِي غدِهِ
شملٌ من الدِّينِ منظومٌ لَهُ وبِهِ / فِي حبلِ عهدٍ مُمَرِّ الفَتْلِ مُحْصَدِهِ
من كلِّ عاقِدِ ميثاقٍ يداً بِيَدٍ / لَمْ تَخْلُ فِيهَا يدُ الرحمنِ من يَدِهِ
رأَى نظامَ الأَمانِ فِي تأَلُّفِهِ / فطارَ نحوَكَ خوفاً من تَبَدُّدِهِ
هدْياً تلقَّى هُدَاهُ فِي اسْمِ والِدِهِ / وشِيمةٌ شَمَّها فِي رَوْحِ مَوْلِدِهِ
وَاسْمٌ من السَّلْمِ والإِسلامِ أَنشأَهُ / بَدْءٌ من الصِّدْقِ عَوَّادٌ بأَحْمَدِهِ
في زهرةٍ من وفاءِ العهدِ فاحَ بِهَا / غمامُ أَنعُمِكُمْ فِي روضِ مَحْتِدِهِ
لَمْ تُنْبِتِ الدِّمَنُ السُّفْلى مراعِيَها / ولا رَعى فِي حِماها كَيْدُ حُسَّدِهِ
مُصْغٍ إِلَيْكَ بِسَمْعَيْ سامِعٍ أَذِنٍ / ومُبْهَمِ البابِ للواشِينَ مُوصَدِهِ
ورافعٌ لَكَ من إِذْعانِهِ عَلَماً / كَمُوقِد النارِ فِي علياءِ مَوْقِدِهِ
يبأَى بذكْرِكَ فِي أَعوادِ منبَرِهِ / حقّاً وباسمِكَ فِي أَسماعِ مَسْجِدِهِ
مُهَنَّداً لَكَ فِي يُمناكَ قائِمُهُ / وعِزُّ نصرِكَ فِي حَدَّيْ مُهَنَّدِهِ
تغَمَّدَتْهُ أيادٍ منكَ أَوْضَحَها / إِلَى عِداكَ بسيفٍ غَيْرِ مُغْمَدِهِ
وَفِي خيولِكَ حازَ الدَّرْبَ يُصْعِقُهُ / بكُلِّ مُبْرِقِ غيمِ الموت مُرْعِدِهِ
وعن قِسِيِّكَ رامى الرُّومَ منتحياً / بكلِّ نافذِ وقعِ النصلِ مُقْصِدِهِ
وَفِي سبيلِكَ خاض البحرَ مقتحِماً / سُبْلَ الجهادِ إِلَى غاياتِ أَجْهَدِهِ
مُغَمِّضَ الطَّرْفِ عن أَغراضِ أَقْرَبِهِ / سامي الجفونِ إِلَى آفاقِ أَبعَدِهِ
فليس هادِي القَطا شَرَّابَ أَنْقُعِهِ / ولا مُنِيفُ الرُّبى طَلّاعَ أَنْجُدِهِ
وإِنَّ أَوَّلَ مقتولٍ بِفِطْرَتِهِ / شَكٌّ من الغَدْرِ أَرداهُ وَلَمْ يَدِهِ
حَتَّى إِذَا النَّأْيُ أَدنى من تَوَحُّشِهِ / وفَلَّ قَتْلُ الأَعادي من تَجَلُّدِهِ
وغَرَّهُ بُعْدُ عهدٍ منكَ أَذْكَرَهُ / عهداً لِقُرْبِكَ يُبْلى فِي تعَهُّدِهِ
ثنى إِلَيْكَ بِهِ مِنْ تَحْتِ رايَتِهِ / رأْيٌ رأَى فِي سناهُ نُصْحَ مُرْشِدِهِ
كَأَنَّ من وجهِكَ الوضَّاحِ قابَلَهُ / نورٌ أَنارَ إِلَيْهِ وَجْهَ مَقْصِدِهِ
حَتَّى اسْتَهَلَّ إِلَى يمناكَ مُقْتَبِلاً / منها لأَيْمَنِ إِهلالٍ وأَسْعَدِهِ
مستفتِحاً منك بابَ العِزِّ مبتدِراً / فِي باب سُدَّتِكَ اسْتِكْمالَ سُؤْدَدِهِ
قد شَقَّ دِرْعَ التَّوقِّي عن تَوَقُّعِهِ / وجابَ غيب التظنِّي عن تودُّدِهِ
إِذ لَمْ ترم خيلك الغزَّى بمكلئه / وَلَمْ يُضِعْ ثغرَكَ الأَعلى بِمَرْصَدِهِ
فأَيُّ شمسٍ أَضَاءَتْ قَبْلَ مطلَعِها / لَهُ وبحرٍ سقاهُ قبلَ مَوْرِدِهِ
مُقَدِّماً لِسناهُ قبلَ مَقْدَمِهِ / ومُشهِداً برضاهُ قبلَ مَشْهَدِهِ
فأَيُّ مولىً تَلقَّاهُ فأَسْمعَهُ / من بَيْنِ شيعَتِهِ الدُّنيا وأَعْبُدِهِ
بُشرَاكَ هَذَا حِباءُ البِرِّ فاحْتَبِهِ / مِنِّي وهذا رداءُ العزِّ فارْتَدِهِ
فابلُغْ قَصِيَّ الأَمانِي يَا مُظَفَّرُ فِي / مُظَفَّرِ المَقْدَمِ الأَقصى مُؤَيَّدِهِ
في أَكْرَمِ الذِّكْرِ فِي الدنيا وأَخْلَدِهِ / وأَسْعَدِ الجَدِّ فِي الدُّنيا وأَصْعدِهِ
أَيُّ شراعٍ لأَيِّ بحرِ
أَيُّ شراعٍ لأَيِّ بحرِ / وأَيُّ كِسْفٍ لأَيِّ بَدْرِ
وأَيُّ شمسٍ تجلَّلَتْها / طُرَّةُ صُبْحٍ سَعَتْ بفجرِ
ظِلّاً لمن مَدَّ ظلَّ أَمْنٍ / فِي كل أَرضٍ وكل ثغرِ
وسِتْرَ صَوْنٍ لوجهِ مولىً / بِهِ رعى اللهُ كلَّ سِتْرِ
تُشرقُ منه بنورِ هَدْيٍ / وبرقِ غيثٍ وسيفِ نَصْرِ
كَأَنَّما ظَلَّلَتْ عَلَيْهِ / سحابَةٌ مَدَّها بقطرِ
أَو روضَةٌ في الهواءِ حُفَّتْ / من طِيبِ أخلاقه بزَهْرِ
كأَنما الريحُ فِي ذُرَاها / راحٌ تُريهِ انثناءَ سُكْرِ
أَوْ كَيْفَ يَهْتَزُّ إِنْ دَعاهُ / صوتُ وغىً أَوْ لسانُ شُكرِ
مُظَفَّرٌ حازَ تاجَ مُلْكٍ / كُلِّلَ من نظمِ كلِّ فخْرِ
فالله يُمْلي له الليالي / فِي عزِّ ملكٍ وطولِ عُمرِ
إِنْ يَجْرِ زَاكِي دمٍ للحَمْدِ تُتْلِفُهُ
إِنْ يَجْرِ زَاكِي دمٍ للحَمْدِ تُتْلِفُهُ / فَابْشِرْ بأَحْمَدَ منهُ الله يُخْلِفُهُ
إِمَّا سَمَحْتَ بِهِ للجَوِّ يَحْمِلُهُ / طِيباً إِلَى كلِّ رُوحٍ عنكَ يُتْحِفُهُ
فَقَدْ رَأَى الأَرضَ تأباهُ فَتُنْكِرُهُ / إِذْ لا سِوى دمِ من عادَاكَ تَعْرِفُهُ
وأَصْبَحَ الجَوُّ منْهُ روضَةً أُنُفاً / تَبْأَى بِزَهْرِكَ والأَنفاسُ تقطِفُهُ
فاسْلَمْ فإِنْ كَانَتِ الأَنفاسُ طِبْنَ بِهِ / فإِنَّ أَطيبَ منهُ فِيكَ يُردِفُهُ
مَا أَحْسَنَ الصَّبْرَ فيما يَحْسُنُ الجَزَعُ
مَا أَحْسَنَ الصَّبْرَ فيما يَحْسُنُ الجَزَعُ / وأَوْجَدَ اليَأْسَ مَا قَدْ أَعْدَمَ الطَّمَعُ
وللمنايا سِهامٌ غيرُ طائِشةٍ / وذو النُّهى بجميلِ الصَّبْرِ مُدَّرِعُ
فإِن خَلَتْ للأَسى فِي شجوها سُنَنٌ / فطالَما أُحْمِدَتْ فِي كَظْمِها البِدَعُ
وللفجائِعِ أَقدارٌ وأَفْجَعُها / للنَّفْسِ حَيْثُ ترى أَظفارَها تَقَعُ
كَأَنَّ للموتِ فينا ثأْرَ مُحْتَكِمٍ / فما بغيرِ الكريمِ الحُرِّ يَقْتَنِعُ
قَدْ خَبَّرَتْ نفسُ إِسماعِيلَ فِي يدِهِ / أَنْ لَيْسَ عن حُرُماتِ المَجْدِ يرتَدِعُ
فاحْتَسِبُوا آلَ إِسماعِيلَ مَا احْتَسَبَتْ / شُمُّ الرُّبى من غَمامِ الغَيْثِ يَنْقَشِعُ
واحْتَسِبُوا آلَ إِسماعِيلَ مَا احْتَسَبَتْ / خيلُ الوغى من لواءِ الجَيْشِ يَنْصَرِعُ
مَاذَا إِلَى مِصْرَ من بِرٍّ ومن كَرَمٍ / بعَثْتُمُ مَعَ وَفْدِ اللهِ إِذْ رَجَعُوا
حَجُّوا بِهِ بِهِلالِ الفِطْرِ وانْقَلَبُوا / فاسْتَوْدَعُوهُ ثَرى مِصْرٍ وَمَا رَبَعُوا
فأيُّ قَدْرٍ رفيع حانَ مَحْمِلُهُ / فِي النَّعْشِ يوماً عَلَى أَكتافِهِمْ رَفَعُوا
وأَيُّ مُخْتَشِعٍ للهِ مُتَّضِعٍ / حُرِّ الشمائِلِ فِي حَرِّ الثَّرى وَضَعُوا
وغادَرُوهُ ولا غَدْرٌ بما فَعَلُوا / وَوَدَّعُوهُ ولا بَاكٍ لِمَنْ وَدَعُوا
تغدُو عَلَيْهِ حَمامُ الأَيْكِ باكِيَةً / وتَسْتَهِلُّ عَلَى أَكْنافِهِ القَلَعُ
والرِّيحُ تُهْدِي لَهُ من كُلِّ عارِفَةٍ / عَرْفاً وتحمِلُ عنه فَوْقَ مَا تَدَعُ
فاسْتَشعِرُوا آلَ إِسماعِيلَ تَغْزِيَةً / يُهْدى لَهَا واعِظٌ منكُمْ ومُسْتَمِعُ
فإِنْ غَدَا شَعْبُكُمْ فِي اللهِ مُفْتَرِقاً / فإِنَّ شَعْبَكُمُ فِي المَجْدِ مُجْتَمِعُ
وإِنْ يُصَدِّعْ قُلُوباً صَدْعُ شَمْلِكُمُ / فالصَّبْرُ كالشَّمْسِ حَيْثُ الفَجْرُ يَنْصَدِعُ
وإِنْ جَزِعْتُمْ فَرُزْءٌ لا يقومُ لَهُ / فيضُ الدُّموعِ ولا يُشْفَى لَهُ وَجَعُ
وإِنْ صَبَرْتُمْ فمِنْ قومٍ إذَا بُعِثُوا / لَمْ يُوهِ عَزْمَهُمُ ذُعْرٌ ولا فَزَعُ
قَدْ وَطَّنُوا أَنْفُساً للدَّهْرِ لَيْسَ لَهَا / إِلّا مِنَ الذَّمِّ أَنْ يَدْنُو لَهَا جَزَعُ
كَأَنَّهُمْ فِي نَعيمِ العَيْشِ مَا نَعِمُوا / وَفِي الفجائِعِ بالأَحْبابِ مَا فُجِعُوا
للهِ من حُرَمِ الأَموالِ مَا بَذَلُوا / جُوداً ومن حُرَمِ الجِيرانِ مَا مَنَعُوا
وَمَا كَسَوْكُمْ مِنَ المَجْدِ الَّذِي لَبسُوا / واسْتَحْفَظُوكُمْ من الصَّبْرِ الَّذِي شَرَعُوا
فارْبِطْ لَهَا يَا أَبا مَرْوانَ جأْشَ فتىً / سَما فَأَتْبَعَ حَتَّى عادَ يُتَّبَعُ
وَقَدْ عَضَضْتَ عَلَى نابِ البَزُولِ فَلا / يغبنك حُسْنَ العزاءِ الأَزْلَمُ الجذَعُ
دَهْرٌ شَجَاكَ وَقَدْ وَفَّاكَ تَعْزِيَةً / جَلَّتْ فَلَيْسَتْ بِغَيْرِ القلبِ تُسْتَمَعُ
بُشْرى لِمَنْ زُوِّدَ التَّقْوى لِمُنْقَلَبٍ / حَيَّاهُ مُدَّخَرٌ فِيهِ ومُطَّلَعُ
بِمِيتَةٍ فِي سبيلِ اللهِ أَسْلَمَهُ / فِيهَا إِلَى رَبِّهِ الأَبناءُ والشِّيَعُ
فِي حجَّةٍ بِرُّها فِي اللهِ مُتَّصِلٌ / بالمُحْرِمِينَ عنِ الأَوْطَانِ مُنْقَطِعُ
لَبَّى من الغايَةِ القُصْوى فجاوَبَهُ / حُورُ الخِيامِ إِلَى لُقْيَاهُ تَطَّلِعُ
واسْتَفْتَحَ الكَعْبَةَ العَلْياءَ فافْتُتِحَتْ / لَهُ إِلَى الجَنَّةِ الأَبوابُ والشِّرَعُ
فكَيْفَ تُوحِشُكَ الدُّنيا إِلَى شِيَمٍ / لِذِكْرِها فِي الوَرى مَرْأَىً ومُسْتَمَعُ
تُتْلى فَيَعْبُقُ منها كُلُّ ذِي تَفَلٍ / طيباً ويَعْذُبُ منها الصَّابُ والسَّلَعُ
قَدْ حَمَّلَتْ أَلسُنَ المُثْنِينَ مَا حَمَلَتْ / وَأَوْسَعَتْ أَيْدِيَ العافِينَ مَا تَسَعُ
كالغَيْثِ يَنْأَى وَمَا يَخْفى لَهُ أَثَرٌ / والمِسكُ يُوعى وَمَا يُوعى لَهُ فَنَعُ
لِطَيِّبِ الذِّكْرِ من حِلْمٍ ومن ورَعٍ / لَوْ كَانَ للموتِ حِلْمٌ عنهُ أَوْ وَرَعُ
ومانِعِ الجارِ من ضَيْمٍ ومن عَدَمٍ / لَوْ أَنَّهُ من حِمامِ الحَيْنِ يَمْتَنِعُ
ووَازِعِ الخطبِ عن قُرْبٍ وعَنْ بُعُدٍ / لَوْ أَنَّ صَرْفَ الرَّدى من بَعْضِ مَا يَزَعُ
وإِنْ أَقمْتَ أبا مَرْوَانَ سُنَّتَها / شَجْواً فَذُو اللُّبِّ فِي السُّلْوانِ يَبْتَدِعُ
فارْدُدْ زَفِيرَكَ عَمَّا لا مَرَدَّ لَهُ / وارْجِعْ دُمُوعَكَ عَمَّنْ لَيْسَ يُرْتَجَعُ
واسْتَخْلِفِ العَارِضَ المُنْهَلَّ يَخْلُفُهُ / رَوْضٌ تَصِيفُ بِهِ مِصْرٌ وتَرْتَبِعُ
من كُلِّ بَحْرِيَّةٍ شامٍ يُشامُ بِهَا / حادِي الجَنُوبِ فلا رَيْثٌ ولا سَرَعُ
يَنُوبُ عن ضَرَمِ الأَحشاءِ بارِقُها / وعن دُمُوعِكَ فِيهَا الوَابِلُ الهَمِعُ
تزورُ فِي مِصْرَ قَبْراً قَلَّ زائِرُهُ / لكِنَّهُ لِلْعُلا والمَجْدِ مُضْطَجَعُ
وأَكرَمُ الغَيْثِ غَيْثٌ عادَ مُنتَجِعاً / من لَمْ يزَلْ لِلنَّدى والجُودِ يُنْتَجَعُ
هَلْ يَجْهَلُ السَّمْتَ مَن يَسْتَوْضِحُ الطُّرُقا
هَلْ يَجْهَلُ السَّمْتَ مَن يَسْتَوْضِحُ الطُّرُقا / أَوْ يُبْعِدُ الشَّمْسَ من يَسْتَيْقِنُ الغَلَقا
قَدْ خَبَّرَتْ دوحَةُ المجدِ الَّتِي كَرُمَتْ / عَنْ مُعْتَلَى ذَلِكَ الغُصْنِ الَّذِي بَسَقا
للهِ عَيْنٌ رأَتْهُ وَهْوَ بدرُ دُجىً / يوماً أَهَلَّ فجلَّى نورُهُ الأُفُقا
وكم رأَينا وجوهَ الروضِ ضاحِكَةً / فِي رائِحٍ راحَ أَوْ فِي بارِقٍ بَرَقا
أَنجبتَهُ يَا وزيرَ المُلْكِ مُدَّخَراً / لفَجْأَةِ الخطبِ إِن غادى وإِن طَرَقا
وفارساً لِغِمارِ الرَّوْعِ مقتحِماً / وصارِماً فِي يمينِ الملك مُؤْتَلِقا
وَقَدْ يُرى فِي نواحي المهدِ مُبتَدِراً / إِلَى الطِّعَانِ وكَرَّاتِ الوغى قَلِقا
تُدْنَى ملاعِبُهُ منه فَلَيْسَ يُرى / غَيْرَ السِّنانِ وغيرَ الرُّمْحِ مُعْتَلِقا
للبِرِّ أَوَّلُ مَا قامَتْ بِهِ قَدَمٌ / سعياً وللحَقِّ أُولى نَطْقَةٍ نَطَقَا
حَتَّى غَدا بكتابِ الله معتصِماً / يُحْبى بخُطَّةِ عِزٍّ كُلَّما حَذِقَا
ثُمَّ اسْتَمَرَّ إِلَى العلياءِ مُفَتَتِحاً / مَعاقِلَ الفخرِ لا نِكْساً ولا فَرِقا
تلقاهُ مِنْ دُونِها الأَيَّامُ مُتَّئِداً / بالجِدِّ مُشْتَمِلاً بالحَزمِ مُنْتَطِقا
وَقَدْ أَحاطَتْ أَزاهِيرُ النعيمِ بِهِ / فَصَيَّرَ العِلْمَ فِيهَا رَوْضَهُ الأَنِقا
وَمَا غَدَا غيرَ كأْسِ المَدْحِ مُصطَبِحاً / وَلَمْ يَرُحْ غيرَ كأْسِ المَجْدِ مُغْتَبِقا
مُفَجَّرَ الكَفِّ جُوداً والجبينِ سَناً / ومُفْعَمَ الجَيْبِ نُصْحاً والضَّمِيرِ تُقى
قَدْ شَرَّدَ الظُلْمَ عن أَوْطانِ شيمَتِهِ / فلَمْ يَدَعْ مِنْكَ لا خَلْقاً ولا خُلُقا
حَتَّى فرايتك اللاتي سَمَوْتَ لَهَا / قَدْ حازَها مِثْلَما قَدْ حُزْتَها نَسَقا
وَمَا انْثَنى الأَملُ المُعْطِي رغائِبَهُ / فِيهِ ولا وَقفَ الظَّنُّ الَّذِي صَدَقا
حَتَّى يُوَفَّى الَّذِي وُفِّيتَ فِي عَجَلٍ / ومِثْلُهُ إِنْ سعى فِي مِثْلِها لَحِقا
فقد رَأَتْ أَنَّهُ حقّاً لَهُ خُلِقَتْ / كَمَا رأَى أَنَّهُ حَقّاً لَهَا خُلِقا
مُشَيَّعُ السَّعْيِ لَمْ يُبْهَرْ لَهُ نَفَسٌ / حَتَّى أَتى الغايةَ القُصْوى وَقَدْ سَبقا
ما احتازَ ذُو هِمَّةٍ فِي المَكْرُماتِ مَدىً / بِمُجْهِدِ الشَّأْوِ إِلّا احْتازَهُ عَنَقَا
لم يَأْنِ أَنْ يَعْلَقَ البِيضَ الحِسانَ وَقَدْ / أَضْحى فؤادُ العُلا صَبّاً بِهِ عَلِقا
ولا انْثَنى لِعِناقِ الخُودِ بَعْدُ وَقَدْ / يَبِيتُ للشُّرْطَةِ العُلْياءِ مُعْتَنِقا
غَرَّاءُ راحَتْ عَلَيْهِ وَهْوَ بُغْيَتُها / فأَصْبَحَ الدهرُ من أَنفاسِها عَبِقا
وأَصْبَحَ العَرْضُ فِي آثارِهِ أَسِفاً / يُعَلِّلُ النَّفْسَ أَنْ تَسْتَبقِيَ الرَّمَقا
إِنْ يُشْجَ أَلّا يُسَمَّى عارِضاً أَبَداً / يُسَلِّهِ أَنْ يُسَمَّى عارِضاً غَدِقا
فالحَمْدُ للهِ راحَ الغُصْنُ مُعْتَلِياً / والسيفُ مُنْصَلِتاً والبَدْرُ مُتَّسِقا
مَنَّاً منَ اللهِ والمولى الَّذِي مَطَرَتْ / سماؤُهُ الدُّرَّ بَلْهَ التِّبْرَ والوَرِقا
مُسْتَيقِناً أَنَّ شَمْلَ المُلْكِ مُجْتَمِعٌ / يوماً إِذَا كَانَ شملُ المالِ مُفْتَرِقا
شَوْقٌ شديدٌ ووصلٌ من حَبيبَيْنِ
شَوْقٌ شديدٌ ووصلٌ من حَبيبَيْنِ / فلَيْتَ شِعْرِيَ مَا خَطْبُ العَذُولَيْنِ
وليت شِعْرِيَ إِذْ لاما وشِعْرَهُما / أَفِي السُّوَيدَاءُ من قَلْبِي ومن عَيْنِي
وهل أُمَكّنُ من أُذْنَيَّ عَذْلَهُما / فِيهَا إِذَا قامَ عُذْرِي فِي العِذارَيْنِ
وَقَدْ تَعَبَّدَنِي ربُّ الهوى فَبِهِ / أَعوذُ من مُشْرِكٍ فِيهِ إِلهَيْنِ
وَلَيْسَ ذنبِيَ عندَ العاذِلينَ سِوى / أَنِّي أُرى فِي رِضاهُ ثانيَ اثْنَيْنِ
وكم طَلَبْتُ بِهَا الأَيَّامَ مجتهداً / طِلابَ ربِّ نَفيسِ الدَّيْنِ بالدَّيْنِ
وكم بَذَلْتُ لَهَا فِي الشَّوْقِ مكتئِباً / غُروبَ جفنَيْنِ مَا تشكُو من الأَيْنِ
بدمعِ عينٍ أَبى مَا فِي الضميرِ لَهُ / حَتَّى يُصَيِّرَهُ دمعاً بلا عَيْنِ
إِقبالُ جَدِّكَ للإِسلامِ إِقبالُ
إِقبالُ جَدِّكَ للإِسلامِ إِقبالُ / وعزُّ نصرِكَ للإِشراكِ إِذْلالُ
ولا مُعَقِّبَ لِلْحُكْمِ الَّذِي سَبَقَتْ / بِهِ من اللهِ أَحكامٌ وأَفعالُ
أَحَقَّ حقَّكَ فِي الملكِ الَّذِي ضَمِنَتْ / ميراثَهُ لَكَ أملاكٌ وأَقيالُ
وحَقَّ لِلْمَفْخَرِ المرفوعِ مَعْلَمُهُ / حَقٌّ وللباطِلِ المَجْهُولِ إِبْطالُ
فاسْعَدْ بِمِلْكِ مفاتِيح الفتوحِ ولا / خابَتْ بِسَعْيِكَ للإِسلامِ آمالُ
ولا كَفَتْحٍ غَدَتْ أَعلامُ دعوتِهِ / ترسو بِهِ وَكَثِيبُ الشِّرْكِ يَنْهالُ
فَتْحٌ كفاتِحِهِ فِي الخلْقِ لَيْسَ لَهُ / مِمَّا خَلا من فتوحِ الأَرضِ أَشكالُ
أَضْحَتْ بِهِ حُلَلُ الدُّنيا لَنَا جُدُداً / ولِبْسُ والي العِدى والغَدْرِ أَسْمالُ
وشَبَّ شيبانُنا من ذِكْرِهِ فَرَحاً / وشابَ من خِزْيِهِ فِي الشِّرْكِ أَطفالُ
وغَنَّتِ الطيرُ فِي أَغصانِها طرباً / وشَدْوُ طَيرِ العِدى والكفرِ إِعوالُ
فَقُلْ لرافِعِها بالغَدْرُ أَلْويَةً / حَسْبُ الرَّدى والأَعادِي منك مَا نالوا
وقُلْ لمن أَخْلَفَتْهُ الوَعْدَ غَدْرَتُهُ / أَنْ يُخْلِفَ القَمَرَ الوَضَّاحَ إِكْمالُ
هيهاتَ أَشرقَ فِي جوِّ العُلا مَلِكٌ / بالعَدْلِ والفَضْلِ قَوَّالٌ وفَعَّالُ
وللمُنى كاسمِهِ مُحْيٍ ومُنْتَعِشٌ / وللأَسى والعِدى والبَغْيِ قَتَّالُ
فَذُّ المكارِمِ لا شِبْهٌ ولا مَثَلٌ / والناسُ من بَعْدُ أَشباهٌ وأَمثالُ
وَقَدْ تَجَلَّى إِلَى العلياءِ فِي حُلَلٍ / للملكِ منهنَّ إِعظامٌ وإِجلالُ
وقابَلَ الدينَ والإِسلامَ فِي شِيَمٍ / فِي عفوِها من مُنى الإِسلامِ مَا سَالُوا
وقُلْ لِمَنْ قَصَّرَتْ بالأُسْدِ خِبْرَتُهُ / فشَكَّ أَن يخلُفَ الرئبالَ رئبالُ
صَبْراً لموقِعِ أَظفارِ المُظَفَّر هَلْ / يُحِيلُها عن حشاكَ اليومَ مُحْتالُ
وَقَدْ طَمَتْ فَوْقَه أَمواجُ أَبْحُرِهِ / حَتَّى تَيَقَّنَ أَنْ قَدْ غَرَّهُ الآلُ
سفائِنٌ من خيولٍ مَا لَهَا شُحَنٌ / إِلّا سيوفٌ وأَرماحٌ وأَبطالُ
أَبناءُ رَوْعٍ وأَهوالٍ لِمَقْدَمهِمْ / فِي أَعْيُنِ الموتِ أَذْعارٌ وأَهوالُ
ثُبْتُ المواقِفِ لَوْ زالت بأَرْجُلِهِمْ / تَحْتَ العجاجِ متونُ الأَرضِ مَا زالوا
دَعَوْا إِلَيْكَ حصونَ الغَدْرِ فاسْتَبَقَتْ / مثل النجومِ عَلَى يُمْناكَ تنثالُ
والموتُ قَدْ عَدَّهُمْ أُكْلاً لَهُ فَفَدَتْ / أَعدادَهُمْ من بنِي الإِشراكِ أَبْدَالُ
معاقِلٌ عَرَفَتْ يمناكَ فَاعْتَرَفَتْ / بذنْبِ مَا فَعَلَ الغاوونَ أَوْ قالُوا
مُقِرَّةٌ أَنَّكَ المَوْلى المليكُ لَهَا / وأَنَّها منكَ إِنعامٌ وإِفضالُ
عَلَى الَّذِي احتازَها مِنَّا فأَوْدَعَها / غِلّاً فعادَتْ عَلَيْهِ وَهْيَ أَغلالُ
ذو حُرْمَةٍ فالَ منها فَأْلُ طائِرِهِ / قَلْبٌ غَوى بحجاهُ عنكَ تَذْهَالُ
وَكَانَ فَأْلُ وقارٍ صَدَّ عنكَ بِهِ / فارْتَدَّ طائِرَ طَيْشٍ ذَلِكَ الفالُ
صَعَقْتَ بالنَّصْرِ مثواهُ ومَوْطِنَهُ / فَضُعْضِعَتْ منه غِيطانٌ وأَجْبَالُ
صَعْقاً رَمَتْ كُلَّ كُفْرٍ منه راجِفةٌ / وهَبَّ فِي كلِّ غدرٍ منه زِلْزالُ
وحَكَّمَ اللهُ يَا يَحْيَى سيوفَكَ فِي / إِحياءِ حَقِّكَ والموتورُ صَوَّالُ
فما يبيتُ نَجيُّ الكفرِ مُرْتَقِباً / إِلّا خيولَكَ فِي جفنَيْهِ تَخْتَالُ
ولا يراعِي نجومَ الليلِ ذو حَذَرٍ / إِلّا وقِرْناهُ آجالٌ وأَوجالُ
يبيتُ يُسْهِدُهُ لَيلُ السليمِ أَسىً / بصاعِ خوفِكَ يَسْتَوْفِي ويَكْتالُ
فإِنْ تَخَطَّتْهُ منكَ اليومَ بائِقَةٌ / ففي غدٍ بَعْدُ حالٌ بعدَها حالُ
وإِنَّ أَقطعَ وَصَّالٍ لواصِلِهِ / غَدْرٌ لطاغِيَةِ الإِشراكِ وَصَّالُ
فَافْخَرْ فما فَوْقَ ظهرِ الأَرضِ من حَسَنٍ / فِي الذِّكْرِ إِلّا عَلَيْهِ منك تِمْثَالُ
وابْشِرْ فإنكَ رُوحُ الحقِّ لَيْسَ لَهُ / إِلّا مِنَ النصرِ أَعضاءٌ وأَوصالُ
واللهُ يحرُسُ مولىً مَا يزالُ لَنَا / بِهِ إِلَى الفَتْحِ بعدَ الفتحِ إِهْلالُ
وَطِّنْ فؤادَكَ إِن كَانَ الرحيلُ غَدَا
وَطِّنْ فؤادَكَ إِن كَانَ الرحيلُ غَدَا / إِنَّ الأَسى إِلْفُهُ من بعدِهِمْ أَبَدَا
واندُبْ لتشييعِهِمْ حَرَّ الزفيرِ ضُحىً / وابعَثْ دموعَكَ فِي آثارِهِ مَدَدَا
والنَّفْسُ إِنْ لَمْ تَمُتْ من بعدِهِمْ كَمَداً / مات الوفاءُ عَلَيْها بَعْدَهُمْ كمدَا
كَحَدِّ سيفِكَ يَا منصورُ إِن سَلِمَتْ / منهُ ملوكُ العِدى ماتوا لَهُ حَسَدَا
منكُمْ إِلَيْكم مَساعِي المجدِ تنصرِفُ
منكُمْ إِلَيْكم مَساعِي المجدِ تنصرِفُ / ونحوَكُمُ عَنْكُمُ الآمالُ تَنْعَطِفُ
ورُبَّ مَكْرُمَةٍ عَيَّ الكِرامُ بِهَا / أَضْحَتْ ذَلُولاً عَلَى أَهوائِكُمْ تَقِفُ
وأَيْنَ بالبحْرِ عن مَثْواهُ مُنْعَرَجٌ / وأَيْنَ بالنَّجْمِ عن مجراهُ مُنْحَرَفُ
مَنْ ذا ينازِعُكُمْ أَعلامَ مَكْرُمَةٍ / والمجدُ مُتَّلِدٌ فيكم ومُطَّرِفُ
أم من يُبارِيكُمُ سبقاً إِلَى كَرَمٍ / والبرقُ عن شأْوِكُمْ بالمجدِ مُعْتَرِفُ
والنصرُ مُنْسِلُكُمْ والحربُ مُرْضِعُكُمْ / وشامِخُ العِزِّ والعَلْيا لكمْ كَنَفُ
والحمدُ والشكرُ مخلوعٌ عِذارُهُما / فيكُمْ وقلبُ العُلا صَبٌّ بكم كَلِفُ
والملكُ ملكُكُمُ غادٍ فمُنْتَظَرٌ / آتٍ فَمُقْتَبَلٌ ماضٍ فَمُؤْتَنَفُ
من ذا يَعُدُّ كقحطانِ الملوكِ أَباً / والتُّبَّعِينَ إِذَا مَا عُدِّدَ الشَّرفُ
أَمْ مَنْ كعمروٍ وعِمْرَانٍ وثَعْلَبةٍ / وحاتِمٍ وأَبي ثورٍ لَهُ سَلَفُ
من كُلِّ أبلَجَ كالجوزاءِ مَفْرِقُهُ / فِي عَقْدِ تاجٍ بِعِزِّ الملكِ يُكْتَنَفُ
إِنْ يَهَبُوا يُجْزِلُوا أَوْ يقطعُوا يَصِلُوا / أَوْ يعقِدُوا عَقْدَ مَحْرُومِ الوفاءِ يَفُوا
إِن سالَموا الأَرْضَ كانوا غيثَ أَمْحُلِها / أَوْ كَلَّفُوها توالي خَيْلِهِمْ عَنُفُوا
وإِنْ رَضُوا أَشرقَ الليلُ البهِيمُ بِهِمْ / ويكشِفُ الموتُ عن ساقٍ إِذَا أَنِفُوا
لم يحمِلُوا عَيْبَ ذي قالٍ يَعِيبُهُمُ / فِي الجودِ والبأْسِ إِلّا أَنَّهُ سَرَفُ
هُمُ الَّذِينَ هُمُ آوَوا وهُمْ نَصَرُوا / لما أَتاهُمْ مِنَ الرحمنِ مَا عَرَفُوا
وثَبَّتُوا وَطْأَةَ الإِسلامِ حِينَ هَوى / والظَّنُّ يُخْلِفُ والأَهواءُ تَخْتَلِفُ
هُمُ الَّذِينَ وُقُوا شُحَّ النفوسِ عَلَى / عِلّاتِ مَا جَشِمُوا بَذْلاً وَمَا كَلِفُوا
الحاكمونَ بحُكْمِ الله إِن حَكَمُوا / والمؤثَرُونَ بسيفِ اللهِ إِنْ زَحَفُوا
والمُوجِبُونَ اهْتِزازَ العرشِ حِينَ ثَوَوا / والمُبْتَنَى لَهُمُ فِي الجنَّةِ الغُرَفُ
هُمُ الأُلى رَضِيَ الرحمنُ بَيْعَتَهُمْ / للموتِ فِي حُرُماتِ الحَجِّ إِذ صُرِفُوا
فإنْ غَدَتْ منهُمُ الأَيامُ مُوحِشَةً / فالحاجِبُ القائِدُ الأَعلى لَهَا خَلَفُ
سهمُ الخلافَةِ إِلّا أَنَّ راحَتَهُ / وإِنْ نأَتْ أَوْ تَدانَتْ للمُنى هَدَفُ
جَارٍ إِلَى أَمَدِ المنصورِ لا حَيَدٌ / فِيهِ عن السَّنَنِ الأَهْدى ولا جَنَفُ
تِلْكَ الحجابَةُ لا مطلوبُها عَوَزٌ / فيما لَدَيْهِ ولا مَوْعُودُها خُلُفُ
عِلقٌ من المجدِ لاقى كُفْوَهُ فَزَهَا / بمأْلَفِ الشَّكْلِ والأَشكالُ تَأْتَلِفُ
وافَتْهُ فِي الرَّوْعِ مملوءاً جوانِحُهُ / صبراً عَلَى الهَوْلِ والأَبطالُ تَنْتَزِفُ
واسأَلْ بِقَبْرَةَ واللائي أَطَفْنَ بِهَا / عن عَزَمَاتٍ لَهُ فِيهِنَّ تُرْتَدَفُ
في فيلَقٍ كعُمومِ الليلِ لا أَمَمٌ / لناظِرٍ أَوَّلٍ منهُ ولا طَرَفُ
كَأَنَّما الشمسُ فِي أَثناءِ هبوتِهِ / سارٍ تَدَرَّعَ جنحَ الليلِ مُعْتَسِفُ
ضاءَتْ كواكِبُهُ والْتَجَّ عِثْيَرُهُ / فالليلُ منهُ ضِياءٌ والضُّحى سُدَفُ
والخيلُ لاحِقَةُ الآطالِ ساهِمَةٌ / فِي مَعْرَكٍ عَدْوُها فِي ضَنْكِهِ رَسَفُ
مُسْتَشْرِفاتٌ إِلَى تَدبيرِ مُتَّئِدٍ / عن رأْيهِ ظُلَمُ الغَمَّاءِ تنكَسِفُ
مُشَيَّعِ العزمِ بالإِقدامِ مُقْتَحِمٍ / لغَمرَةِ الموتِ والهاماتُ تُخْتَطَفُ
لا يَقْرَعُ السِّنَّ فِي ضَنْكِ المَكَرِّ إِذَا / تقارَعَتْ فِيهِ بِيضُ الهِنْدِ والحَجَفُ
وأَبْرَزَ الموتُ عن مُسْوَدِّ أَوْجُهِهِ / فالصبرُ يَبْعُدُ والأَقرانُ تَزْدَلِفُ
ففازَ قِدحُكَ بالفتحِ المُبِينِ ضُحىً / والكُفْرُ مُنْتَهَبُ الأَقطارِ مُنتَسفُ
وأُبْتَ بالمفخَرِ الأَسْنى يُشَيِّدُهُ / حَقٌّ بسيفِكَ للإِسلامِ مُعْتَرِفُ
أَمكَنْتَ من رِقِّهِ الإِسلامَ مُحْتَكِماً / فِيهَا وأَسْلَمَها حَرَّانُ مُلْتَهِفُ
مُخَدَّعٌ بأَمانِي الغَدْرِ مُكْتَئِبٌ / بالخِزْيِ مُشْتَمِلٌ بالذُّلِّ مُلْتَحِفُ
فاتَ السيوفَ بِشِلوٍ حائِنٍ وَمَضى / أَمْضى من السيفِ فِي أَحشائِهِ الأَسَفُ
فالفخر منتظِمٌ والملك منتقمٌ / والحقُّ منتصِرٌ والدينُ مُنْتَصِفُ
فِي شِيعَةٍ بَيَّنَ الخزيُ المحيطُ بهم / عن غِبِّ مَا اجْتَرَحُوا غَدْراً وَمَا اقْتَرَفُوا
حسْبِي رِضاكَ من الدهرِ الَّذِي عَتَبا
حسْبِي رِضاكَ من الدهرِ الَّذِي عَتَبا / وجُودُ كَفَّيْكَ للحَظِّ الَّذِي انْقَلَبا
يا مالِكاً أَصبحَتْ كَفِّي وَمَا مَلَكَتْ / ومُهْجَتِي وحَياتِي بَعْضَ مَا وَهَبا
ما أَقْلَعَ الغيثُ إِلّا رَيْثَما خَفَقَتْ / مَجَادِحُ الجودِ من يُمْناكَ فَانْسَكَبا
ولا نَأَى السَّعْدُ إِلّا وَهْوَ تَجذِبُهُ / شوافِعُ المجدِ عن عَلْيَاكِ فاقْتَرَبا
أَنتَ ارْتَجَعْتَ المنى غُرّاً مُحَجَّلَةً / نحوِي وَقَدْ أَعجَزَتْنِي دُهْمُها هَرَبا
لَئِنْ دَهَتْنِي شَمالاً حَرْجَفاً عَصَفَتْ / بماءِ وَجْهِي لقد أَنشأْتَها سُحُبا
لَئِنْ تُنُوسِيَ تحرِيمُ المُحَرَّمِ لي / سَعْياً لعَجْلانَ مَا أَمَّنت لي رَجَبا
أَنَّسْتَنِي بِسَنا الإِصباحِ منبلِجاً / فِي حِينِ أَوْحَشَنِي البدرُ الَّذِي غَرَبَا
وصَبَّحَتْنِي غَوادٍ منكَ مُغْدِقَةٌ / عن بارِقٍ لِيَ فِي جُنْحِ الظَّلامِ خَبا
لَئِنْ توهَّمَهُ الأَعداءُ لي نُكَباً / أَنْحَتْ عليَّ لقد عُوِّضْتُها رُتَبا
لَئِنْ فُجِعْتُ بِهَا بيضاءَ من وَرَقٍ / تبأَى عَليَّ لقد أُخْلِفْتُها ذَهَبا
فَمَنْ يباري جوادَ الشُّكْرِ فيكَ وَقَدْ / ناوَلْتَنِي يَدَكَ العلياءَ يومَ كبَا
وكنتَ ملجأَهُ فِي النائِباتِ وَقَدْ / سالَ الزمانُ عَلَيْهِ أَسهُماً وظُبى
وذَبَّ عدلُكَ دونَ الحقِّ منتقِماً / ورَدَّ نصرُكَ ظُلْمَ العِلْمِ مُحْتَسِبا
حَتَّى تلافَيْتَ في ضَنْكِ المقامِ لَهُ / حَظّاً غَدَا بَيْنَ أَيدي الظُّلْمِ مُنْتَهَبَا
أَبى لَكَ اللهُ إِلّا أَن تفوزَ بِهَا / خيراً ثواباً وخيراً عندَهُ عُقُبا
أَيادِياً إِنْ أَكُنْ مخصوصَ نُصْرَتِها / فقد عَمَمْتَ بِهِنَّ العِلْمَ والأَدَبا
وأَنْعُماً أَكْسَبَتْنِي عزَّ مَفْخَرِها / وغادَرَتْ كاشِحِي رَهْناً بِما كَسَبا
فإِنْ يَقَعْ جُهْدُ شكري دونَهُنَّ فقد / أَوْجَبْنَ من حُسْنِ ظَنِّي فَوْقَ مَا وَجَبا
من بعدِ مَا أَضرم الواشُونَ جَاحِمَةً / كَانَتْ ضلوعي وأَحشائِي لَهَا حَطَبا
ودَسَّسُوا لِيَ فِي مَثْنى حبائِلِهِمْ / شنعاءَ بِتُّ بِهَا حَرَّانَ مُكْتَئِبا
حَتَّى هُزِزْتُ فَلا زَنْدُ القريضِ كَبَا / فيما لَدَيَّ ولا سيفُ البدِيهِ نَبا
وأَشرقتْ شاهِداتُ الحَقِّ تَنْشُرُ لي / نُوراً غَدَتْ فِيهِ أَقوالُ الوُشاةِ هَبا
هيهاتَ أَعْجَزَ أَهْلَ الأَرضِ أن يجِدُوا / لِلدُّرِّ غَيْرَ عُبابِ البحرِ مُنْتَسَبا
وحاشَ لِلْوَرْدِ أَن يُعزى إِلَى رَمَضٍ / وأَن يكونَ لَهُ غيرُ الربيعِ أَبا
لِمَنْ سَنا الشَّمْسِ إِن أَضْحَتْ مُشكَّلَةً / فِيهِ لِمَنْ نَفَحَاتُ المِسْكِ إِن كُذِبا
ومَنْ يُكَذِّبُ فِي آثارِ مَوْقِعِهِ / مُهَنَّداً خَذِماً أَوْ عامِلاً ذَرِبا
وكيفَ يَصْدُقُني منكَ الرَّجَاءُ وَلا / أجْزِي ثَناءَكَ إِلّا المَيْنَ والكَذِبا
ودُونَ مَا أَنا من نُعْماكَ مُحتمِلٌ / مَا أَنْطَقَ الصخر أَوْ مَا أَنْبطَ القُلُبا
حاشى لقدرِكَ أَن أُزْجِي الثَّناءَ لَهُ / دَعْوىً وأُهْدِي إِلَيْهِ الدُّرَّ مُغْتَصَبا
لكنَّها هِمَمٌ أَنْشَأْتَها نِعَماً / تَشاكَها بنفيسِ القَدْرِ فاصْطَحَبا
ولستُ أَوَّلَ من أَعْيَتْ بدائِعُهُ / فاسْتَدْعَتِ القَوْلَ مِمَّنْ ظَنَّ أَوْ حَسِبا
إِنَّ امْرَأَ القَيْسِ فِي بَعْضٍ لَمُتَّهَمٌ / وَفِي يَدَيْهِ لِوَاءُ الشِّعْرِ إِنْ رَكِبا
والشِّعْرُ قَدْ أَسَرَ الأَعشى وقَيَّدَهُ / خُبْراً وَقَدْ قِيلَ والأَعْشى إِذَا شَرِبا
وكيفَ أَظْما وبحرِي زَاخِرٌ فطناً / إِلَى خيالٍ من الضَّحْضَاحِ قَدْ نَضَبا
فَإِنْ نأَى الشَّكُّ عنِّي أَوْ فها أَنا ذا / مُهَيَّأً لِجَليِّ الخُبْرِ مُرْتَقِبا
عَبْدٌ لِنُعماكَ فِي كَفَّيْهِ نَجْمُ هُدىً / سارٍ بِمَدْحِكَ يَجْلُو الشَّكَّ والرِّيَبا
إِن شِئْتَ أَمْلى بَدِيعَ الشِّعْرِ أَوْ كَتَبا / أَوْ شئتَ خاطَبَ بالمنثورِ أَوْ خَطَبا
كَرَوْضَةِ الحَزْنِ أَهْدى الوشْيَ مَنْظَرُها / والماءَ والزَّهْرَ والأَنوارَ والعُشُبا
أَوْ سابَقَ الخيلَ أَعْطى الحُضْرَ مُتَّئِداً / والشَّدَّ والكَرَّ والتَّقْرِيبَ والخَببَا
سَبَكْتُهُ عامِريَّ السِّنْخِ مُنْقَطِعاً / إِلَيْكَ من سائِرِ الآمالِ مُنْقَضِبا
فَحَقَّ للعلمِ أَن يُزْهى بِهِ فَرَحاً / وحقَّ للشعرِ أن يَشْدُو بِهِ طَرَبا
فأَحْجَمَ الدهرُ مِنِّي عن فَتى أَدَبٍ / قَدْ حالَفَ العِزَّ والأَملاكَ والعَرَبا
وبَلَّغَتْهُ المُنى من حِمْيَرٍ أَمَلاً / وأَعلَقَتْهُ العُلا من عامِرٍ سَبَبَا
فأَضْحَتِ المُنْيَةُ الغَرَّاءُ لي وَطَناً / وأَضْحَتِ الدعوةُ العَلْياءُ لي نَسَبا
وذُلِّلَتْ ليَ أرضٌ أَيْنَعَتْ ثَمَراً / وظلَّلَتْنِي سماءٌ مُلِّئَتْ شُهُبا
وَقَدْ وَجَدْتُ عياذَ اللهِ أَمَّنَني / فِي ذِمَّةِ المَلِكِ المنصورِ مَا حَزَبا
من شَرِّ تَشْغِيبِ حُسَّادِي إِذَا حَسَدُوا / وشَرِّ غاسِقِ أَيَّامِي إِذَا وَقَبا
وفَلَّ عَنِّيَ أَحزابَ العِدى مَلِكٌ / مُعَوَّدٌ أن يَفُلَّ الجحفلَ اللجِبا
ويَتْركَ المَلِكَ الجَبَّارَ مُخْتَلَعاً / عنهُ رِداء العُلا والعِزِّ مُسْتَلَبا
مُجدَّلاً بِجُنُوبِ الأَرْضِ مُنْعَفِراً / ومُشْعَراً بِنَجِيعِ الجَوْفِ مُخْتَضَبا
وقائِدُ الخيلِ عَمَّ الجوَّ عِثْيَرُها / ومادَتِ الأَرْضُ من أَهوالِها رُعُبا
وصفوةُ اللهِ مِنْ أَنصارِ دَعْوَتِهِ / ومن تَنْقَّى لنصرِ الدِّينِ وانْتَخَبا
مُوفٍ عَلَى الرُّتَبِ القُصْوى مدىً فَمدىً / ووارِثُ المُلْكِ قحطاناً أَباً فَأَبا
حَيْثُ اعْتَزَى فَخْرُ إِسماعِيلَ فِي سَلَفَيْ / هُودٍ وحيثُ تلاقَتْ خِنْدِفٌ وسَبا
من كُلِّ قَرْمٍ غَدا بالمجدِ مُشْتَمِلاً / ومُسْتَقِلّاً بتاجِ المُلْكِ مُعْتَصِبا
أَلقَتْ إِلَى يدِهِ الدُّنيا أَزِمَّتَها / فأَحرزَ الأَرْضَ مُلْكاً والعُلا حَسَبا
مُسْتَحْقِرٌ لِعُبَابِ البَحْرِ إِنْ وَهَبَا / ومُسْتَكِنٌّ بِرُكْنِ الحِلْمِ إِنْ غَضِبا
كَأَنَّهُ والمُنى تَسعى إِلَى يَدِهِ / صَبٌّ تَنَسَّمَ من نَحْوِ الحبيبِ صَبا
فَلْيَشْكُرِ اللهَ يَا مَنْصورُ مِنكَ يَداً / كَشَفْتَ عَنِّي بِهَا الأَحزانَ والكُرَبا
وطالَمَا لاذَتِ الدُّنيا بِحِقْوِكِ مِنْ / خَطْبٍ أَلَمَّ فَكُنْتَ المَعْقِلَ الأَشِبا
وكيفَ يُخلِفُ مِنكَ الظَّنُّ مَا رَغِبا / أَوْ يُعْوِزُ المَجْدَ فِي كَفَّيْكَ مَا طَلَبَا
وَقَدْ غَدَوْتَ لآمالِ الوَرى أَمَداً / وَقَدْ غَدَوْتَ لأَفلاكِ العُلا قُطُبا
وأَنْتَ بَحْرُ الندى لَمْ يَأْلُ أَنْ عَذُبا / وأَنتَ حِزْبُ الهُدى لَمْ يَعْدُ أَنْ غَلَبا
شِيمَا سَنا البارِقِ المنهلِّ فَالْتَمِحا
شِيمَا سَنا البارِقِ المنهلِّ فَالْتَمِحا / أَيَّ السُّرى أَمَّ أَمْ أَيَّ البلادِ نَحا
واسْتَخْبِرَا نَفَحاتِ الرِّيحِ هل سَبَكَتْ / دُرّاً من التِّبْرِ أَوْ شابَتْ دُجىً بِضُحى
أَمِ استهامَتْ هوادِي اللَّيْلِ فاقْتَبَسَتْ / أَمْ هل تَضَلَّلَ حادِي المزنِ فَاقْتَدَحَا
سارٍ كَأَنَّ اضطرامَ الشَّوْقِ أَقلقَهُ / فليسَ يَرْقَأُ منه مدمَعٌ سَفَحا
ومستهِلُّ حياً أَحْيا الوَرى غَدِقاً / بَلْ طائرٌ بِتَباشِيرِ المُنى سَنَحا
سناً تأَلَّقَ فِي دارٍ يُبَشِّرُنا / دُنُوُّهُ بِتَلَقِّي شاحِطٍ نَزَحا
هي السَّوَانِحُ للمنصورِ قَدْ نَطَقَتْ / بقُرْبِهِ وخفاءُ الفأْلِ قَدْ بَرِحا
لعلَّ قادِمَ بُشْرَاهُ يُخَبِّرُنا / عن هاجِسٍ بأَمانِي النَّفْسِ قَدْ نَجَحَا
برقٌ تهلَّلَ فِي المزنِ الهَتُونِ كَأَنْ / من وجهِهِ ضاءَ أَوْ عَنْ كَفِّهِ سَمَحا
والرِّيحُ تسحَبُ ذيلَ القطرِ فِي أَرَجٍ / وَحْفٍ كَأَنَّ بِرَيَّا ذِكْرِهِ نَفَحا
إِنَّ المَلا بجنودِ الأَرضِ قَدْ بَجَحَتْ / والجَوُّ من رَهَجِ الفرسانِ قَدْ طَفَحا
بكُلِّ مُعْتَنِقِ الأَقرانِ فِي كُرَبٍ / لَوْ زُلْزِلَتْ قُنَنَ الأَطوادِ مَا بَرِحا
شَرى من اللهِ نَفْساً حُزْتَ طاعَتها / فأَحرزَ الدينَ والدنيا بِما رَبِحا
كَأَنَّهُ فِي مجالِ الخيلِ لَيْثُ شرىً / وعندَ مُزْدَحَمِ الفرسانِ قُطْبُ رَحى
يكَادُ يشتَفُّ نفسَ القِرْنِ من طَرَبٍ / إِذَا المهنَّدُ غَنَّاهُ بما اقْتَرَحا
وسابِحِ الشَّأْوِ مَا أَقْحَمْتَ هادِيَهُ / بحرَ المهالِكِ إِلّا غاضَ أَوْ سَبَحا
طِرْفٍ تقودُ عِنانَ الطَّرْفِ غُرَّتُهُ / إِذَا تعالى مُجِدّاً أَوْ وَنى مَرِحا
وأَزْرَقٍ يتلظَّى فوقَ عامِلهِ / شهابُ قَذْفٍ إِلَى العَيُّوقِ قَدْ طَمَحَا
ومُرْهَفٍ يَتَثَنَّى شارِباً ثَمِلاً / من طولِ مَا اغْتَبَقَ الأَرواحَ واصْطَبَحا
هاتِيكَ أَجنحَةُ الراياتِ خافِقَةً / إِلَى المُبارَكِ من جَوِّ العُلا جُنُحا
وقلَّبَ الملكُ فِي الآفاقِ مُنْتَظِراً / طَرْفاً إِلَى الغُرَّةِ العلياءِ مُلْتمحا
والأَرضُ قَدْ لبسَتْ أَثوابَ زَهْرَتِها / وقُلِّدَ الروضُ من أَزهارِهِ وُشُحا
والأَيْكُ يهفُو بأَنفاسِ الصَّبا سَحَراً / قَدْ هَبَّ مُسْتَنْطِقاً أَوْتارَهُ الفُصُحا
يا مَنْ إِلَيْهِ استطارَ الشوقُ أَنْفُسَنا / نَأْياً وآبَ فطارَتْ نَحْوَهُ فَرَحا
مُلِّيتَ حاجِبَكَ الأَعْلى ودُمْتَ لَهُ / وقُمْتَ بالشُّكْرِ فِيهِ للَّذِي مَنَحا
نجمٌ أَنافَتْ عَلَى الدُّنيا رِياسَتُهُ / ومَعْلَمٌ للهُدى والدينِ قَدْ وَضَحا
سَلَلْتَهُ لِحِمى الإِسلامِ مُنْتَقِماً / مِمَّنْ عَتا فِي سبيلِ اللهِ أَوْ جَمَحا
مُتَوَّجاً بسناءِ المُلْكِ مُشْتَمِلاً / بالحزمِ مُلتحِفاً بالبأْسِ مُتَّشِحا
مُسْتَنْصِرَ اللهِ فِي الأَعداءِ مُنْتَصِراً / لَهُ ومُستفتحاً باللهِ مُفْتَتِحا
ملاذُنا من صروفِ الدهرِ إِن طَرَقَتْ / دُهْماً ومفزَعُنا فِي الخطبِ إِن فَدَحا
الشِّعْرُ أَجْدَرُ أَن يلقاهُ مُعْتَرِفاً / بالعجزِ عَمَّا يُناوِي منه مُمْتدِحا
والصُّحْفُ تَنْفَذُ والأَقلامُ عاجِزَةٌ / عن خَطِّ مَا اجْتَثَّ من أَعدائِهِ وَمَحا
فَعِشْ ودُمْ وابْقَ واملِكْ واقتَبِلْ نِعَماً / واحلُلْ منيعاً من المكروهِ مُنْتَزِحا
وقَرَّ عيناً بِسِبْطَيْ حِمْيَرٍ حِقَباً / مُستوفِياً فيهما آمالَكَ الفُسُحا
جاءَتْكَ خاضِعَةً أَعناقُها الأُمَمُ
جاءَتْكَ خاضِعَةً أَعناقُها الأُمَمُ / مُسْتَسلِمِينَ لِمَا تُمْضِي وتَحْتَكِمُ
واسْتَرْهَنَتْكَ ملوكُ الأَرضِ أَنْفُسَها / مَا استنفَدَ البَأْسُ أَوْ مَا اسْتَدْرَكَ الكَرَمُ
فَلْيَهْنِ سَيْفَكَ أَنَّ الكُفْرَ مُنْقَصِمٌ / بهبَّتَيْهِ وأَنَّ الدينَ مُنتظِمُ
فهل تَرى لِلْعِدى فِي الأَرضِ باقيَةً / إِلّا حُشاشَةَ من يَبْكِي ويَلْتَدِمُ
هذِي قَوَاصِي ملوكِ الشِّرْكِ مُذْعِنَةٌ / تُنْبَا وتُعْلَمُ أَنَّ الشِّرْكَ يُصطَلَمُ
وراسياتُ جِبالِ الكفْرِ يُخْبِرُنا / هُوِيُّها أَنَّ ذَاكَ الطودَ مُنْهَدِمُ
فَلٌّ لسَيْفِكَ فِي أَقصى بلادِهِمُ / بكَ استعاذُوا ومن كَرَّاتِكَ انْهَزَمُوا
فَشَلَّهُمْ طارِدُ الذُّعْرِ المُطِيفُ بِهِمْ / حَتَّى أَجارَهُمُ فِي ظِلِّكَ الحَرَمُ
مُعْتَسِفِينَ سُهوبَ الأَرضِ قَدْ جَهِلُوا / من كلِّ آنِسَةِ الأَقطارِ مَا عَلمُوا
معاهِدٌ قُدْتَ فِيهَا الخيلَ فانْقَلَبَتْ / مثلَ الرُّبوعِ مَحا آثارَها القِدَمُ
عَفَتْ معالِمها من بعْدِهِمْ سُحُبٌ / صوبُ الصَّوارِمِ مِنها والقَنا دِيَمُ
لا يسأَلُونَ لَهَا رَسْماً بقاطِنِهِ / إِلّا أَجابَتْهُمُ الأَشلاءُ والرِّمَمُ
ولا تَخُبُّ مطاياهُمْ عَلَى بَلَدٍ / إِلّا استُنيرَتْ بأَدنى وَخْدِها اللِّمَمُ
غادَرْتَها مُوحِشاتٍ بعدَ آنِسِها / والأَرضُ خاوِيَةٌ منهم بما ظَلَمُوا
لئِنْ تناهى بِهِمْ أُفْقٌ فَشَطَّ بِهِمْ / لَشَدَّ مَا حَمَلَتْهُمْ نحوَكَ الهِمَمُ
حَتَّى رَمَوا بعصا التَّسيارِ فامْتَسكوا / حبلاً من الملِكِ المنصورِ واعتصموا
أَلقَوْا إِلَيْكَ بأَيدِي الذُّلِّ فاعتقدوا / عهداً من الأَمنِ مَحفوظاً لَهُ الذِّمَمُ
وجاهدُوا عفوَهُ عن أَنْفُسٍ عَلِمَتْ / أَنَّ الحياةَ لَهَا من بعضِ مَا غَنِمُوا
يمشونَ فِي ظُلَلِ الرَّاياتِ تُذْكِرُهُمْ / أَيامَ تغشاهُمُ العِقْبانُ والرَّخَمُ
من كُلِّ أَغلبَ محذورٍ بوادِرُهُ / يساوِرُ الرِّيحَ أَحياناً ويَلْتَهِمُ
وكلِّ فتخاءَ ماضٍ حَدُّ مِنْسَرِها / كَأَنَّهُ نحوَ أَكبادِ العِدى قَرِمُ
وأَرقَمٍ يتلَوَّى نحو أَرْؤُسِهِمْ / حَتَّى يكادُ لَهَا فِي الجو يَلْتَقِمُ
والأُسْدُ تزْأَرُ والراياتُ خافِقَةٌ / كَأَنَّها مُثْبَتاتٌ فِي قُلُوبِهِمُ
والخيلُ منظومَةٌ بالخيلِ لا كتبٌ / منها لغايَةِ ذِي سَعْيٍ ولا أَمَمُ
والأَرضُ من رهبةِ الأَبطالِ مائِدَةٌ / والجوُّ من رَهَجِ الفرسانِ مُزْدَحِمُ
والسُّمْرُ فِي هَبَواتِ النقعِ ثاقبةٌ / والبِيضُ فِي قُرُبِ الأَغْمادِ تضطرِمُ
كَأَنَّما ملأَتْ رَحْبَ الفضاءِ لَهُمْ / غُلْبُ الضَّراغِمِ والغاباتُ والأَجَمُ
وأَولياءُ الهُدى والدينِ قَدْ سَتَرُوا / من أَوْجُهٍ بِسَناها الخطبُ يَبْتَسِمُ
تَعَمَّمُوا بإِياةِ الشمسِ واشتملوا / رقراقَ نَهْيِ سرابِ البيدِ والْتَثمُوا
كَأَنَّما تَتلالا فِي رُؤُوسِهِمُ / وَقَدْ توافَوْا أَيادٍ منكَ أَوْ شِيَمُ
وشيعَةُ الكفرِ فِي مَثْنَى حبائِلِهِمْ / تُصَدِّقُ العيشَ أَحياناً وتَتَّهِمُ
حَتَّى تراءاكَ من أَقصى السِّماطِ وَقَدْ / شِيمَ الحِمامُ وسَيْفُ العفوِ مُحتكِمُ
مُمثَّلٌ فِي هوادِيهِمْ وأَرْؤُسِهِمْ / مَا عُوِّدَتْ منهُمُ المصقولَةُ الخُذُمُ
لما انتضَيْتَ سناها فِي مفارِقِهِمْ / خرَّتْ سُجُوداً لَكَ الأَعناقُ والقِمَمُ
وأَوْجُهٌ عفَّروها التُّرْبَ خاضِعَةً / كَأَنَّ كلَّ جبينٍ منهُمُ قَدَمُ
فإِنْ يَفِضْ بحرُكَ المُحْيِي لَهُمْ فلقد / جازُوا الصُّفوفَ وموجُ الذُّعْرِ يَلْتَطِمُ
أَوْ عايَنُوا البدرَ فِي أَعلى منازِلِهِ / فقد أَحاطَتْ بِهِمْ من دونِهِ ظُلَمُ
فإِنْ عفوتَ ففي الرَّحمنِ مؤتَلَفٌ / وإِنْ سَطَوْتَ ففي الرحمنِ مُنْتَقَمُ
واسْلَمْ ولا بَرِحَتْ فيهمْ لَنَا نِقَمٌ / تَتْرى بِهِمْ ولكَ الآلاءُ والنِّعَمُ
إِلَيْكَ منكَ فرارُ الخائِفِ الوَجِلِ
إِلَيْكَ منكَ فرارُ الخائِفِ الوَجِلِ / وَفِي يَديكَ أَمانُ الفارِسِ البَطَلِ
تقابَلَتْ نحوَكَ الآفاقُ واجْتَمَعَتْ / عَلَى يمينِكَ شَتَّى الطُّرْقِ والسُّبُلِ
ويَمَّمَتْكَ ملوكُ الأَرضِ مُعْمِلَةً / إِلَيْكَ نَصَّ نجاءِ الخيلِ والإِبلِ
فالبَرُّ والبحرُ مِنْ آتِيكَ فِي شُغُلٍ / والشَّرْقُ والغربُ من راجِيكَ فِي جَذَلِ
قَدْ ساعَدَتْكَ نجومُ السَّعْدِ طالِعةً / فاسْعَدُ وأُعْطِيتَ غاياتِ المُنى فَسَلِ
وأَسْلَمَتْ لكَ أَملاكُ البلادِ مَعاً / أَعِنَّةَ المُلْكِ والأَيامِ والدُّوَلِ
وفازَ قِدْحُكَ إِذ قارَعْتَ أَرْؤُسَها / بطاعَةِ الدهرِ والأَديانِ والمِلَلِ
وَقَدْ تَيَمَّمَ شَنْجٌ منكَ عائِدَةً / تُجِيرُهُ من سيوفِ الكَرْبِ والوَهَلِ
وقادَ نحوَكَ والتَّوْفِيقُ يَقْدُمُهُ / جيشاً من الذُّلِّ مِلْءَ السهل والجبلِ
مستعْطِفاً لحياةٍ جَلَّ مَطْلَبُها / عن مُبْلِغِ الكُتْبِ أَوْ مُسْتَعْطِفِ الرُّسُلِ
مستخذياً لسيوفِ النصرِ حين أَبَتْ / من دينِ طاعَتَهِ قولاً بلا عَمَلِ
خلَّى الكتائِبَ قَسْراً والظُّبى وغَدا / عن الأَحِبَّةِ والأَشياعِ فِي شُغُلِ
مُذِلَّ صفحَةِ عانٍ جَلَّ مطلَبُهُ / داعٍ إِلَى صَفْحِكَ المأْمولِ مُبْتَهِلِ
في شِيعَةٍ مَلأَتْ ذُلّاً قُلُوبَهُمُ / نُهُوجُ سُبْلٍ إِلَيْها لِلْقَنَا ذُلُلِ
مُحَكِّمِينَ يسوقونَ النفوسَ إِلَى / إِنفاذِ حُكْمِكَ سَوْقَ السَّبْيِ والنَّفَلِ
مُسْتَبْشِرِينَ بِما أَحْيَيْتَ من أَمَلٍ / مُستَسْلِمِينَ لما أَمضَيْتَ من أَجَلِ
خاضُوا إِلَيْكَ بحارَ الموتِ زاخِرَةً / يمورُ فيهنَّ موجُ النَّقْعِ كالظُّلَلِ
وأَضْحَتِ الأَرضُ فِي رَحْبِ المَلا لُجَجَاً / سالَتْ عَلَيْهِمْ بِبِيضِ الهندِ والأَسَلِ
والأُسْدُ بارِقُةُ الأَلحاظِ فِي أَجَمٍ / من القنا بِحَبِيكِ البَيْضِ مُشْتَعِلِ
رَقَّتْ غلائِلُهُمْ سَرْداً كَأَنَّهُمُ / تَسَرْبَلُوا لُبْسَ رقراقٍ من الغُلَلِ
والصَّافِناتُ تَهادَى فِي أَعِنَّتِها / كالغِيدِ يرفُلْنَ بَيْنَ الحَلْيِ والحُلَلِ
وخافِقاتٌ كأَمثالِ الحَشا خَفَقَتْ / رَوْعاتِها خَطَرَاتُ الذعرِ والوَجَلِ
تزَيَّنَتْ بسُكونِ الجأْشِ ثابِتَةً / واسْتَشْعَرَتْ هَفَواتِ الطائِشِ الوَجِلِ
حَتَّى انْتَهى يَدَكَ العُلْيا وَقَدْ قُسِمَتْ / أَحشاؤُهُ بَيْنَ أَيْدِي الرَّيْثِ والعَجَلِ
إِذَا وَنَتْ بِخطاهُ هَيْبَةٌ حَكَمَتْ / عَلَيْهِ ثارَ بِهِ مُسْتَعْذَبُ الأَمَلِ
فوافَقَ البحرَ والآفاقُ تَكْنُفُهُ / من الرياحِ ووافى الشَّمْسَ فِي الحَمَلِ
وقابَلَ المجدَ والإِعظَامَ فِي مَلِكٍ / بالسعدِ مُسْتَقْبَلٍ للسعدِ مُقْتَبِلِ
مُتَوَّجٍ ببهاءِ الملكِ مُعْتَصِبٍ / ومُحْتَبٍ فِي رداءِ العزِّ مُشْتَمِلِ
بالجودِ مُغْتَبِقٍ بالحمدِ مُصْطَبِحٍ / فِي السَّبقِ منقطعٍ بالحِلْمِ مُتَّصِلِ
للهِ يومٌ من الأَيامِ فُزْتَ بِهِ / فَرْداً من المِثْلِ فِيهَا سائِرَ المَثَلِ
من بعدِ مَا وَعَظَتْهُ الحادِثاتُ بِمَنْ / أَرْدَتْ سيُوفُكَ من أَشياعِهِ الأُوَلِ
وكم تأَسَّفَ مِنْهُمْ فِي معاهِدَ قَدْ / آلَتْ معاهِدَ للأَحزانِ والهَبَلِ
وأَخضَلَ الدمعُ من أَجفانِ مُقْلَتِهِ / مجالَهُ فِي نجيعٍ منهُمُ خَضِلِ
فَلْتَهْنِكَ الرُّتَبُ العُلْيا الَّتِي قَصُرَتْ / عنهُنَّ سامِيَةُ البِرْجِيسِ أَوْ زُحَلِ
فاسْلَمْ ولا زَالَ عِزُّ الملكِ مُتَّصِلاً / من يَعْرُبٍ وبنيهِ حَيْثُ لَمْ يَزَلِ
في خَفْضِ عَيشٍ ومُلْكٍ غيرِ مُنْفَصِمٍ / وظلِّ عزٍّ وأَمنٍ غيرِ مُنْتَقِلِ
اليوم أَنْكَصَ إِبليسٌ عَلَى عَقِبِهْ
اليوم أَنْكَصَ إِبليسٌ عَلَى عَقِبِهْ / مُبَرَّءاً سَبَبُ الغاوينَ من سَبَبِهْ
واسْتَيْقَنَتْ شِيَعُ الكفَّارِ حَيْثُ نَأَتْ / فِي الشَّرْقِ والغربِ أَنَّ الشِّركَ من كَذِبِهْ
بِشنْتِياقَةَ لما أَن دَلَفْتَ لَهُ / بالبِيضِ كالبدرِ يَسْرِي فِي سَنا شُهُبِهْ
وحَلْبَةُ الدينِ والإِسلامِ عاطِفَةٌ / عَلَيْكَ كالفَلَكِ الجاري عَلَى قُطُبِهْ
حَتَّى فَصَمْتَ عُرى دينِ الضلالَةِ من / راسِ القواعِدِ ممنوعِ الحِمى أَشِبِهْ
لَمْ يَذْعَرِ الدهرُ فيه نَفْسَ سَائِمَةٍ / ولا أَصاخَتْ لَهُ أُذْنٌ إِلَى نُوَبِهْ
مما اصْطَفَتْ عَبَدُ الطَّاغُوتِ واعتقدَتْ / وشَيَّدَ الكُفْرُ فِي الآلافِ من حِقَبِهْ
عمودُ شِركِهِمُ السَّامِي ذوائِبُهُ / والرُّومُ والحُبْشُ والأَفْرنْجُ من طُنُبِهْ
تَحجُّهُ فِرَقُ الكُفَّارِ سائِلَةً / كالجَوِّ أَظْلَمَ فِيهِ مُلتَقى شُحُبِهْ
مُسْتَوْدَعٌ فِي شِعابِ الأَرضِ حَيْثُ نَأَى / شُمُّ الجِبالِ ولُجُّ البحرِ من حُجُبِهْ
من كُلِّ أَغبَرَ من عَضِّ السِّفارِ بِهِ / وساهِمِ الوجه من طُولِ السُّرَى شَجِبِهْ
وكلِّ مُهْدٍ إِلَى أَركانِ بِيعَتِهِ / مَا عزَّ من نفسِهِ فِيهَا ومن نَشَبِهْ
قَدْ طالما أَحْفَتِ الأَملاكُ أَرْجُلَها / فِيهِ وَخَرَّتْ عَلَى الأَذْقانِ من رَهبِهْ
أَمَمْتَهُ بجنودِ الحقِّ فانْقَلَبَتْ / بغُرَّةِ الفتحِ من تغييرِ مُنْقَلَبِهْ
وسُمْتَهُ جاحِماً للنارِ مَا بَقِيَتْ / نفسٌ من الكفرِ إِلّا وَهْيَ من حَطَبِهْ
يا حُسْنَ مرأَى الهُدى من قُبْحِ مَنْظَرِهِ / وبَرْدَ أَكبادِ حزبِ الله من لَهَبِهْ
وعاذ بِرْمُندُ منهُ بالفرارِ وكَمْ / من قبلِها عاذَ بالأَنصابَ من صُلُبِهْ
مستوطِناً مَرْكِبَ الإِحجامِ عنكَ وَهَلْ / يعدُو بِهِ وِجْهَةَ المحتومِ من عَطَبِهْ
مُسْتَخْفِياً بظلامِ الليلِ منكَ فَإِنْ / وافاهُ صُبْحٌ توارى فِي دُجى كُرَبِهْ
قَدْ حَقَّتِ اليومَ منه قَلْبِ مُلْتَهِبٍ /
لا يزجُرُ الطَّيْرَ فِي سهلٍ ولا جَبَلٍ / إِلّا بوارِحَ تُعْمِي عَيْنَ مُقْتَرِبِهْ
وأَيْنَ منه سبيلُ الفوزِ منكَ وَقَدْ / سَلَلْتَ سيفَ الهُدى والنَّصْرِ فِي طَلَبِهْ
و إِيلياءُ الَّتِي كانَتْ أَلِيَّة ذِي / جَهْدٍ من الشِّرْكِ خاشِي الإِثْمِ مُرْتَقِبِهْ
رفَعْتَ منها سَنا نارٍ أَضاءَ لَهُمْ / مَا كَانَ أَوْدَعَها الشيطانُ من رِيَبِهْ
يشُبُّها منكَ عزمٌ لَوْ وَنَى ضَرَمٌ / منها لأَضْرَمَها فِي اللهِ منْ غَضَبِهْ
فالله جازِيكَ يَا منصورُ دَعَوْتَهُ / بسَعْيِ ماضٍ لنصرِ الدين مُحْتَسِبِهْ
وعن كتائِبَ للإِسلامِ قُدْتَ بِهَا / إِلَى رِضا اللهِ حَتَّى كُنَّ من كُتُبِهْ
ومؤمِنٍ مُنْصِبٍ للهِ مُهْجَتَهُ / بَلَّغْتَهُ أَمَدَ المغبوطِ مِن نَصَبِهْ
وعن حُسامِ هُدىً لَمْ تَجْلُ صفحَتَهُ / إِلّا أَسَلْتَ دِماءَ الشِّرْكِ فِي شُطَبِهْ
وليفتَخِرْ منك يَا مَنْصُورُ يَوْمُ عُلاً / تركتَ غابِرَةَ الأَيامِ تَفَخَرُ بِهْ
قَدْ عادَتِ الشمسُ فِي أَعلى مطالِعِها
قَدْ عادَتِ الشمسُ فِي أَعلى مطالِعِها / ولُجَّةُ البحرِ فِي أَعلى مَشَارِعها
وعزَّ نَظْمُ الهدى فِي كَفِّ ناظِمِهِ / وراقَ مُجْتَمَعُ الدنيا بِجامِعِها
وعادَ نُورُ جفونٍ فِي نواظِرِها / بِهِ وقَرَّتْ قلوبٌ فِي مواضِعِها
وقابَلَتْها اللُّهى فِي كَفِّ باذِلِها / وحوزَةُ الملكِ فِي أَكنافِ مانِعِها
وحطَّ رَحْلَ الوغى عن ظهرِ صائِفَةٍ / شابَتْ رؤوسُ الأَعَادِي من وقائِعِها
كادَتْ تَهُدُّ الصخورَ الصُّمَّ روعَتُها / لولا تَمَكُّنُ وَقْرٍ فِي مَسامِعِها
هَوْلٌ نَفى الجِنَّ عن أَخفى مَلاعِبِها / وأَوْحَشَ الوحشَ فِي أَقْصى مَرَاتِعِها
تقودُها دعوةُ التوحيدِ قَدْ أَخَذَتْ / عَهْداً من اللهِ فِي تشفيعِ شافِعِها
وغُرَّةٌ أَشرَقَتْ فِي كُلِّ مُظْلِمَةٍ / بثاقِبِ الهَدْيِ والأنوارِ ساطعِها
بِريحِ نصرٍ إِلَى الأَعداءِ تَقَدُمُها / كَرِيحِ عادٍ جَلَتْها عن مَصانِعِها
فإِن يعوذُوا بآنافِ الجِبالِ فقد / جاءَتْ أُنُوفُهُمُ فِي سَيْفِ جادِعها
أَو عَلَّلُوا بِفِرارٍ أَنفُساً عَلِمَتْ / أَنَّ الفِرارَ دواءٌ غَيْرُ نافِعِها
فَما النجاةُ تَمارى فِي تَفَكُّرِها / ولا الحياةُ تَرَاءى فِي مَطامِعِها
بلِ الرَّدى منكَ مكتوبٌ عَلَى مُهَجٍ / قَدْ أَصْبَحَتْ بارِزاتٍ فِي مَضاجِعِها
ولا بِسَيْفِكَ عَجْزٌ عن معاقِلِها / ولا سِنانُكَ نابٍ دُونَ دارِعِها
وَمَا تَرَجَّلْتَ إِلّا ريثَما نَزَلُوا / عَلَى الأَحِبَّةِ فِي أَدْنى مَصارِعِها
وأَنتَ جارٍ من العَلْيا عَلَى سُنَنٍ / تَدَارُكُ الحربِ من أَزْكَى شرائِعِها
واللهُ جارُكَ فِي حِلٍّ ومُرْتَحَلٍ / وسَاحَةِ الأَرْضِ دانيها وشاسِعِها
حَتَّى يُثيرَ لَكَ الآفاقَ مُؤْتَنِفاً / كواكِباً تُسْعِدُ الدنيا بطالِعِها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025