المجموع : 19
لا برَّ في الحُبِّ يا أهلَ الهوى قسَمي
لا برَّ في الحُبِّ يا أهلَ الهوى قسَمي / ولا وَفَتْ للعُلى إنْ خُنتُكُمْ ذِمَمي
وإنْ صبَوْتُ إلى الأغيارِ بَعدَكُمُ / فلا ترقّتْ إلى هاماتِها هِمَمي
وإنْ خَبَتْ نارُ وجدي بالسُّلوِّ فلا / ورّتْ زنادي ولا أجرى النُهى حِكَمي
ولا تَعصْفرَ لوني بالهوى كمَداً / إنْ لم يورِّدْهُ دَمعي بعدَكمْ بدَمي
ولا رَشَفْتُ الحُميّا منْ مراشِفِها / إنْ كان يَصفو فؤادي بعدَ بعدكمِ
ولا تلذّذْتُ في مُرِّ العَذابِ بكمْ / إنْ كان يعْذُبُ إلّا ذِكرُكُمْ بفَمي
خلَعْتُ في حبِّكمْ عُذري فألبَسَني / تجرُّدي في هَواكمْ خِلعةَ السّقَمِ
ما صِرْتُ في الحبّ بين الناس معرفةً / حتى تنكّر فيكمْ بالضّنى علَمي
لقد قضيْتُم بظُلْمِ المُستجير بِكُم / ويلاهُ منْ جَورِكُمْ يا جِيرةَ العلَمِ
أما وسُودِ لَيالٍ في غدائرِكُم / طالتْ عليّ فلمْ أُصبحْ ولمْ أنَمِ
لولا قُدودُ غَوانيكُمْ وأنمُلُها / ما هزّ عِطفي ذِكرُ البانِ والعلَمِ
كلّا ولولا الثّنايا مِنْ مَباسمِكُمْ / ما شاقَني بالثّنايا بارِقُ الظُّلَمِ
يا جيرةَ البانِ لا بِنتُمْ ولا برِحَتْ / تبكي عليكُمْ سُروراً أعيُنُ الدِّيَمِ
ولا اِنْجَلى عنكمُ ليلُ الشّبابِ ولا / أفَلتُمُ يا بُدورَ الحيِّ منْ إضَمِ
ما أحْرَمَ النّومَ أجفاني وحرّمَهُ / إلّا تغَيُّبُكُمْ يا حاضِري الحرَمِ
غِبْتُمْ فغيّبْتُمُ صُبحي فلسْتُ أرى / إلّا بقايا ألمّتْ فيهِ منْ لِمَمي
صبراً على كُلِّ مرٍّ في مَحبَّتِكُمْ / يا أملَحَ النّاسِ ما أحلى بكُم ألَمي
رِفْقاً بصبٍّ غدَتْ فيكمْ شَمائلُه / مَشمولةً منذُ أخذِ العَهْدِ بالقِدَمِ
حَليفِ وَجْدٍ إذا هاجَتْ بَلابِلُهُ / ناجى الحَمامَ فداوَى الغَمَّ بالنَّغَمِ
يَشكو الظّما فإذا ما مرّ ذِكرُكُمُ / أنْساهُ ذِكرَ وُرودِ البانِ والعلَمِ
حيُّ الهوى مَيّتُ السُلوانِ ذو كَبِدٍ / مَوجودةٍ أصبحتْ في حيّزِ العدَمِ
خافَ الرّدى منذُ جرّتْ سُودُ أعيُنِكمْ / بيضَ الظُبى فاِستَجارَتْ رُوحهُ بِكُمِ
اللّهَ فيها فقد حلّتْ جِوارَكُمُ / والبِرُّ بالجارِ منْ مُستحْسَنِ الشِيَمِ
لمّا إليكُمْ ضَلالُ الحبِّ أرشدَها / ظلّتْ لديكُم بظِلِّ الضّالِ والسَّلَمِ
يا حبّذا لكَ منْ عَيشِ الشبيبة والد / دَهرُ العَبوسُ يُرينا وجهَ مُبتَسمِ
فَيا رَعى اللّهُ سُكّانِ الحِمى وحَمى / حيَّ الحجونِ وحيّاهُ بمُنْسَجِمِ
وحبّذا بيضُ لَيلاتٍ بسَفحِ مِنىً / كانت قِصاراً فَطالَتْ منذُ بَينِهِمِ
أكرِمْ بهمْ منْ سَراةٍ في شَمائلِهمْ / قد صيّروا كلَّ حُرٍّ تحت رِقِّهمِ
رُماةُ غُنجٍ لأسبابِ الرّدى وُسِموا / باِسْمِ السِّهامِ وسمّوها بكُحْلِهِمِ
صُبحُ الوجوهِ مَصابيحٌ تظنُّهمُ / زَرّوا الجيوبَ على أقمارِ لَيلهِمِ
إذا اِكْتَسى الليلُ من لألائهم ذَهباً / أجرى السّرابَ لُجَيناً فوقَ أرضِهمِ
كأنّ أمَّ نُجومِ الأفقِ ما وَلدَتْ / أُنثى ولا ذَكراً إلّا بحيّهمِ
أو أنّ نَسرَ الدُجى بَيضاتُهُ سقطَتْ / للأرضِ فاِستحضَنَتها في خُدورِهمِ
لانتْ كَلينِ القَنا قاماتُهُمْ وحكَتْ / أجفانُ بيضهمِ أجفانَ بِيضهمِ
تقسّمَ البأسُ فيهِم والجَمالُ مَعاً / فشابَهَ القِرْنُ منهمْ قَرْنَ شَمسهمِ
تُناطُ حُمرُ المَنايا في حَمائلِهِمْ / وسُودُها كائناتٌ في جُفونهِمِ
مُفَلّجاتٌ ثَناياهُمْ حَواجِبهُمْ / مَقرونةٌ بالمَنايا في لِحاظِهمِ
كلُّ المَلاحةِ جُزءٌ من مَلاحتِهمْ / وأصلُ كلِّ ظَلامٍ منْ فُروعهمِ
وا طولَ ليلي ووَيْلي في ذَوائِبِهمْ / ورقّتي ونُحولي في خُصورِهمِ
إنّ النفوسَ الّتي تَقضي هَوىً وجوىً / فيهِمْ لأوْضَحُ عُذراً منْ وُجوهِهمِ
غُرٌّ عن الدُرِّ لم تفضُلْ مَباسِمَهُمْ / إلّا سَجايا رسولِ اللّهِ ذي الكرَمِ
مُحمّدٍ أحمد الهادي البشير ومَنْ / لولاه في الغَيّ ضلّتْ سائرُ الأمَمِ
مُباركُ الإسمِ مَيمونٌ مآثرهُ / عمّتْ فآثارُها بالغَوْرِ والأكَمِ
طَوْقُ الرسالةِ تاجُ الرُّسْل خاتِمُهُمْ / بل زينةٌ لِعبادِ اللَّهِ كُلِّهمِ
نورٌ بَدا فاِنجلى غمُّ القلوبِ بهِ / وزالَ ما في وُجوهِ الدّهْرِ من غُمَمِ
لو قابَلَتْ مُقلةَ الحِرباءِ طلعَتُهُ / ليلاً لرُدَّ إليها الطّرفُ وهوَ عَمي
تشفي منَ الدّاءِ والبَلواءِ نِعْمَتُهُ / وتنفُخُ الروحَ في البالي من الرِّمَمِ
كمْ أكْمَهٍ بَرِئَتْ عَيناهُ إذْ مُسِحَتْ / من كفّهِ ولَكَمْ بالسّيفِ قدَّ كَمي
وكم لهُ بسِنينِ الشُهْبِ عارفةٌ / قد أشرَقَتْ في جِباهِ الأليُلِ الدُهُمِ
لُطفٌ منَ اللّهِ لوْ خُصَّ النّسيمُ بِما / فيهِ منَ اللُطفِ أحْيا مَيّتَ النَّسَمِ
على السّمواتِ فيهِ الأرضُ قد فخَرَتْ / والعُرْبُ قد شَرُفَتْ فيهِ على العَجَمِ
سُرَّتْ بمَولدِهِ أمُّ القُرى فنَشا / في حِجْرِها وهْوَ طِفلٌ بالغ الحلُمِ
سيفٌ بهِ نُسَخُ التّوراةِ قد نُسِخَتْ / وآيةُ السّيفِ تَمحو آيةَ القلَمِ
يَغشى العِدا وهْوَ بسّامٌ إذا عَبَسوا / والمَوتُ في ضَحَكاتِ الصّارمِ الخَذِمِ
يفترُّ للضّرْبِ عنْ إيماضِ صاعِقةٍ / وللنّدى عن وَميضِ العارضِ الرَّذِمِ
إذا العَوالي علَيهِ بالقَنا اِشتَبَكَتْ / ظنَنْتَ في سَرْجِهِ ضِرْغامَةَ الأُجُمِ
قد جلَّ عنْ سائِرِ التّشبيهِ مَرتبةً / إذ فوقَهُ ليسَ إلّا اللّهُ في العِظَمِ
شرِّفْ بتُربتهِ العِرنينَ مُنتَشِعاً / فشَمُّ تُربَتهِ أوفى منَ الشَّمَمِ
هوَ الحبيبُ الّذي جُنِنْتُ فيه هوًى / يا لائِمي في هَواهُ كيفَ شِئتَ لُمِ
أرى مَماتي حَياتي في محبّتهِ / ومحنتي وشَقائي أهنَأَ النِّعَمِ
أسكَنْتُهُ بِجَناني وهوَ جنّتُهُ / فأثْلجَتْ فيهِ أحشائي على ضرَمِ
عيناً تُهوّمُ إلّا بعدَ زَورَتهِ / عَدِمْتُها وفُؤاداً فيهِ لم يَهِمِ
واهاً على جُرعةٍ منْ ماءِ طَيبةَ لي / يُبَلُّ في بَرْدِها قَلْبٌ إليه ظَمي
للّهِ رَوضةُ قُدسٍ عندَ مِنبَرِهِ / تعُدُّها الرُّسْلُ منْ جنّاتِ عدْنِهمِ
حديقةٌ آسُها التّسبيحُ نَرجِسُها / وسْنى عُيونِ السّهارى في قِيامهِمِ
تبدو حَمائِمُها ليلاً فيُؤنِسُها / رجْعُ المُصَلّينَ في أوْرادِ ذِكرِهمِ
قد ورّدَتْ أعيُنُ الباكينَ ساحتَها / ونوّرَتْ جوَّها نِيرانُ وَجْدِهمِ
كفى لأهلِ الهَوى شُبّاكُهُ شَبكاً / فكَمْ بهِ طائراتٌ منْ قُلوبهمِ
نَبيُّ صِدْقٍ بهِ غُرُّ المَلائِكِ لا / تنفكُّ طائِفةً من أمرِ رَبِّهمِ
والرُسْلُ لم تأتِهِ إلّا لتَكْسِبَ منْ / سَناهُ أقمارُهُمْ نُوراً لتِمِّهمِ
فيه بَنو هاشمٍ زادوا سَناً وعُلاً / فكانَ نوراً على نورٍ لشِبْهِهمِ
أُصولُ مَجدٍ لهُ في النّصرِ قد ضَمِنوا / وُصولَهمْ للأعادي في نُصولِهمِ
زهرٌ إلى ماءِ عَلياءٍ به اِنتَسَبوا / أمْسَوا إلى البَدْرِ وافى الشُهْبَ بالرُجُمِ
مَنْ مِثلُهم ورَسولُ اللَّه واسطةٌ / لِعقدهمْ وسِراجٌ في بُيوتهمِ
ما زال فيهمْ شِهابُ الطُّورِ متّقِداً / حتّى تولّد شَمساً منْ ظُهورهِمِ
قد كان سرّاً فؤادُ الغَيبِ يُضْمِرهُ / فضاقَ عنهُ فأضحى غيرَ مُكتَتِمِ
هَواهُ ديني وإيماني ومُعتقَدي / وحبُّ عِترتهِ عَوني ومُعتصمي
ذرّيّةٌ مثلُ ماءِ المُزْنِ قد طَهُروا / وطُهِّروا فصفَتْ أوصافُ ذاتهمِ
أئمّةٌ أخذَ اللّهُ العُهودَ لهمْ / على جميعِ الوَرى من قَبلِ خَلْقِهمِ
قد حقّقَتْ سُورةُ الأحزابِ ما جحَدَتْ / أعداؤُهمْ وأبانَتْ وجهَ فَضلِهمِ
كَفاهُمُ ما بِعَمّى والضُحى شَرَفاً / والنورِ والنّجمِ من آيٍ أتتْ بهمِ
سلِ الحَواميمَ هلْ في غَيرهمْ نزلَتْ / وهل أتى هلْ أتى إلّا بمَدحِهمِ
أكارِمٌ كرُمَتْ أخلاقُهُمْ فبَدَتْ / مثلَ النُجومِ بماءٍ في صفائِهمِ
أطايبٌ يَجدُ المُشتاقُ تُربتَهُمْ / ريحاً تدلُّ على ذاتيّ طيبِهمِ
كأنّ منْ نفَسِ الرّحمنِ أنفُسهمْ / مخلوقةٌ فهْوَ مَطويٌّ بنَشْرِهمِ
يَدري الخَبيرُ إذا ما خاضَ عِلمَهمُ / أيُّ البُحورِ الجَواري في صُدورهمِ
تنسّكوا وهمُ أُسْدٌ مظفّرةٌ / فاِعجَب لنُسكٍ وفتْكٍ في طِباعِهمِ
على المَحاريبِ رُهبانٌ وإن شَهِدوا / حرباً أبادوا الأعادي في حِرابِهمِ
أينَ البُدورُ وإن تمّتْ سَنىً وسمَتْ / منْ أوجُهٍ وسَموها في سُجودِهمِ
وأينَ تَرتيلُ عقدِ الدُرِّ من سُوَرٍ / قد رتّلوها قِياماً في خُشوعِهمِ
إذا هَوى عين تَسنيمٍ يهُبُّ بهمْ / تدفّقَ الدّمعُ شَوقاً من عُيونهمِ
قاموا الدُجى فتجافَتْ عن مَضاجعِها / جُنوبُهُمْ وأطالوا هَجرَ نَومِهمِ
ذاقوا من الحبِّ راحاً بالنُهى مُزِجَتْ / فأدركوا الصّحوَ في حالاتِ سُكرِهمِ
تبصّروا فقضَوْا نَحباً وما قُبِضوا / لِذا يُعدّونَ أحياءً لمَوتهمِ
سُيوفُ حقٍّ لدين اللَّه قد نصَروا / لا يَطْهُرُ الرِّجْسُ إلّا في حُدودِهمِ
تَاللّهِ ما الزّهرُ غِبَّ القَطْرِ أحسَنَ منْ / زَهرِ الخلائِقِ منهمْ حينَ جُودِهمِ
همُ وإيّاهُ ساداتي ومُستَنَدي ال / أقوى وكعبةُ إسلامي ومُستَلَمي
شُكراً لآلاء ربّي حيثُ ألهمَني / ولاهُمُ وسَقاني كأسَ حُبّهمِ
لقد تشرّفْتُ فيهمْ محْتِداً وكَفى / فخراً بأنّيَ فرعٌ منْ أصولِهمِ
أصبَحْتُ أُعزى إليهمْ بالنّجارِ على / أنّ اِعتقادِيَ أنّي منْ عَبيدهمِ
يا سيّدي يا رسولَ اللَّهِ خُذْ بيَدي / فقدْ تحمّلْتُ عِبئاً فيه لمْ أقُمِ
أَستغفِرُ اللَّهَ ممّا قد جَنَيْتُ على / نفسي ويا خَجَلي منهُ ويا ندَمي
إنْ لم تكُنْ لي شَفيعاً في المَعادِ فمَنْ / يُجيرُني من عَذابِ اللَّه والنِقَمِ
مَولايَ دعوةَ محتاجٍ لنُصرَتِكُمْ / ممّا يَسوءُ وما يُفضي إلى التُهمِ
تَبلى عِظامي وَفيها من مودّتِكُم / هوىً مُقيمٌ وشوقٌ غيرُ منصرِمِ
ما مرّ ذِكرُكُم إلّا وأَلزَمني / نثرَ الدموعِ ونَظمَ المَدْحِ في كَلِمي
علَيكمُ صَلواتُ اللّهِ ما سَكِرَتْ / أرواحُ أهلِ التُقى في راحِ ذِكرِهمِ
ما حُرِّكَتْ سَكَناتُ الأعيُنِ النُجُلِ
ما حُرِّكَتْ سَكَناتُ الأعيُنِ النُجُلِ / إلّا وقد رشقَتها أسهمُ الأجَلِ
رَنَتْ إلينا عُيونُ العِينِ من مُضَرٍ / فاِستهدَفَتنا رُماةُ النَّبْلِ من ثُعَلِ
وهزّتِ الخُرَّدُ الهيفُ الحِسانُ لَنا / قاماتهِنّ فخِفنا دولةَ الأسَلِ
بمُهجتي رَبْرَب السّربِ المُخيّم في / قلبي هِلالَ نُجومِ الحيّ من ذُهلِ
تاللَّهِ لم أنسَ بالزّوراءِ زَورتَه / والليلُ خامرَ عينَ الشمس بالكَحَلِ
أمَا وزَنْجِ لَيالينا الّتي سلَفتْ / والسادةِ الغُرِّ من أيّامنا الأُوَلِ
لولا هوى ثغرِه الدُرّيّ ما اِنتشرتْ / تلك اليواقيتُ من عيني على طلَلِ
ولا شجانِيَ برقٌ في تبسُّمه / ولا جَنَيْتُ بسمعي شهدَةَ الغزَلِ
إنّا لَقومٌ تقُدُّ البيضَ أنصُلُنا / وما لَنا في لقاءِ البيضِ من قِبَلِ
نَغشى النِصال من الأجْفانِ إن برزَتْ / ونَختَشيها إذا اِنسلّت من المُقَلِ
ويَصدرُ النّبْلُ عنّا ليس يَنفذُنا / إلّا إذا كان مطبوعاً من الكحَلِ
وشَمسِ خِدرٍ بأوجِ الحُسنِ مَطلِعُها / في دارةِ الأسدِ الضّرغامِ لا الحَمَلِ
شمسٍ من الذهب الروميّ قد حُرِست / بأنجُمٍ من حَديد الهِندِ لم تَحُلِ
مخمورةَ الجَفنِ لا تنفكّ مُقلَتُها / يردّدُ الغُنجُ فيها حيرةَ الثَمِلِ
تَحولُ من دونِها لجُّ النِصال فلو / رامَ الوصولَ إليها الطّرْفُ لم يصِلِ
خَرَقْتُ سَجْفَ الضِيا عنها وجُزتُ إلى / كِناسِها فوقَ هاماتِ القَنا الذُبُلِ
حتّى إذا ما لَثَمتُ الوردَ واِنفتحَتْ / من مُقلتَيْها جُفونُ النرجسِ الكَسَلِ
قامتْ فعانَقَني ظبيٌ فقبّلَني / برقٌ ومال عليّ الغُصنُ في الحُلَلِ
واِستقبلَتني ببِشرٍ وهيَ قائلةٌ / والذُعرُ يصبُغُ منها وردةَ الخجَلِ
أمَا خشيتَ المنايا من مَناصلِها / فقلتُ والقلبُ لا يُطوى على وَجلِ
لو أتّقي الرّجْمَ من شُهبِ النِصالِ لَما / في الليلِ نلتُ عِناقَ الشمسِ في الكُلَلِ
لا يُدرك الأملَ الأسنى سوى رجلٍ / يشقُّ بحرَ الرّدى عن جوهرِ الأملِ
ولا ينالُ المعالي الغُرَّ غيرُ فتًى / يدوسُ شوكَ العَوالي غيرَ مُنتعِلِ
يولي النُضارَ إذا ضنّ الحيا كرَماً / ويعصِمُ الرأيَ أن يُفضي إلى الزّلَلِ
متوَّجُ السُمْر عالي البيضِ مجتمعٌ / مفرَّقُ الطّعمِ بين الصّابِ والعسلِ
قِرنٌ إذا ما اِكفهرّ الخطبُ سلَّ له / رأياً كمُنصُلِ منصورِ اللّوا البطلِ
قاني الصّوارمِ مُسودُّ الملاحمِ مُبْ / يَضُّ المَكارمِ مخضَرُّ الندى الخَضلِ
قُطبُ الفَخارِ شِهابُ الرّجم يوم وَغىً / بدرُ الممالك شمسُ الأرضِ والحللِ
الخائضُ الغَمراتِ السودِ حيثُ به / فَوقَ النواصي المواضي البيضُ كالظُّلَلِ
عِقدٌ تقلّدَ جيدُ الدّهرِ جوهرَهُ / فأصبحَ الدّهرُ فيه حاليَ العَطَلِ
قرّتْ به مُقَلُ الأيّامِ واِبتَسمتْ / به الثّغورُ وزانت أوجُهَ الدولِ
هو الجوابُ الّذي ردّ السؤالَ به / لسائلٍ مَن كعبدِ اللَّهِ أو كعَلي
معرَّفُ البأسِ لا ينفكّ يبرزُ في / ضميرِ جَفنٍ بقلبِ القِرن متّصلِ
يا مَنْ يشبَّهُ بالأمطار نائِلُهُ / أقصِرْ فما لُججُ الأبحارِ كالوَشَلِ
اِنظُرْ إليه ترى ليثاً وشمسَ عُلاً / وبحرَ جودٍ بَراها اللَّهُ في رجلِ
هيهاتَ يَلقى العُلا قِرناً يماثلُه / إلّا إذا غضَّ عينيهِ على حوَلِ
إذا أعدَّ قِسيُّ الجودِ يومَ ندىً / رمى بسهمِ العطايا مهجةَ البُخُلِ
منَ الألى المُكرِمي الجارِ الملمِّ بهمْ / والمُنزليهِ هِضابَ العزِّ والجَذَلِ
أمَا وبارقِ هنديٍّ وطلعتهِ / بعارِضٍ من نجيع القومِ منهمِلِ
لولاك حلّتْ بأرض الحَوزِ زلزلةٌ / ترمي دعائمَ دينِ اللّهِ بالخذَلِ
أتيتَها بعد أن كادتْ تَميدُ بنا / وكاد يُقرعُ سنُّ الأمرِ بالخبَلِ
قرّتْ بحُكمكَ حتّى قال قائلُها / قُدِّسْتَ يا عرَفات المجدِ من جبَلِ
ثقّفْتَ ميلَ قناةِ المُلكِ فاِعتدلتْ / قسراً وقوّمْتَ ما بالحقِّ من مَيَلِ
كم قد رمى إِذ نفى الأعرابُ مجدَك في / قوسِ الخِلاف سِهامَ الغيّ والجدَلِ
فلم تُصِبْكَ وما أشوَتْ سهامُهُمُ / بل أثخنَتهُمْ جِراحُ الخِزْيِ والفشَلِ
سلّوا من البغي سيفاً فانتضَيْتَ لهم / حِلماً أعادَ حُسامَ البغي في الخلَلِ
ألقيتَ فيهم عصا الرّأي المُسَدَّد إذ / ألقَوْا إليكَ حِبالَ المَكرِ والحِيَلِ
تاللّهِ لو لم يُردّوا عن ضَلالَتِهم / لأصبحَ الجيشُ فيهم أوّلَ السَّفَلِ
فاِصْلِحْ بتَدبيركَ السامي فسادَهمُ / واِسْدُدْ برأيكَ ما تَلقى من الخَلَلِ
أنت الرّجاءُ لرفعِ النازلاتِ بنا / إذ يَكشِرُ الدهرُ عن أنيابه العُضَلِ
قد خصّنا اللَّهُ من تقديس ذاتِك في / سَمحٍ يجلُّ عنِ الأندادِ والمثَلِ
مولايَ لا برِحتْ يُمناكَ هاميةً / على المُوالينَ في غَيثِ الندى الهَطِلِ
أمطرْتَنا خِلَعاً حتّى ظننْتُ بِها / قد أمطرَتْنا عُيونُ الوَبْلِ بالبَدَلِ
شُكراً لِصُنعِكَ من غَيثٍ هَمى فَبدا / روضُ الحرير على الأجسامِ والمُقَلِ
لقد كفى العِيدَ فخراً أن يُقال به / هُنّيتَ يا سيّدَ الأيّامِ والأزَلِ
العيدُ في العامِ يومٌ عُمْرُ عودتِه / وأنت عيدٌ مدى الأيّام لم تزَلِ
إن كان يُدعى بعيدِ الفِطرِ تسميةً / فأنتَ تُدعى بعيدِ الجود والخَوَلِ
فلتَهْنَ غرّتُهُ من بِشرِ وجهكَ في / هِلال تِمٍّ بنورِ الفضل مكتَملِ
واِستَجْلِها حرّة الألفاظِ واحدةً / بالحُسن تَسمو جمال السّبعةِ الأُوَلِ
فلا بَرحْتَ بأوج العزّ مرتَفِعاً / تجرّ ذيلَ المعالي من على زُحَلِ
رَنا فسلَّ على العُشّاقِ أحوَرهُ
رَنا فسلَّ على العُشّاقِ أحوَرهُ / سيفاً عليهمْ ذِمامُ البيضِ يخفِرُهُ
وماسَ تيهاً فثنّى في غلالتِه / قدّاً بحُمرِ المَنايا سالَ أسمَرُهُ
واِفترَّ عن لُؤلُؤٍ ما لاحَ أبيضُهُ / إلّا وياقوتُ دمعي سالَ أحمرُهُ
يا غَيرةَ البانِ إذ يُثنى مُوشّحُهُ / وخَجلةَ البرقِ إذ يَبدو مؤشّرُهُ
بمُهجَتي دَعجاً يجري بمُقلته / لا أعرفُ الموتَ إلّا حين أنظرُهُ
وبالجُفونِ جَمالاً تحت بُرقُعِهِ / لا يُسفِرُ الصبحُ إلّا حين يَسفِرُهُ
في بيعةِ الحُسنِ منه ينجلي صنمٌ / دينُ المسيح به يَقوى تنصّرُهُ
له مُحيّاً لِحاظي إنْ تُعَندِمهُ / ثوبُ الدُجُنّةِ من لَوني يُعَصْفِرُهُ
قاسَمْتُه الوردَ لَونَيهِ فأحمرُه / في وجنتَيْهِ وفي خدَّيَّ أصفَرُهُ
مُهفْهَفُ القدِّ لَغويُّ النِطاقِ حَوى / معنىً كمَحذوفِ نحويٍّ يقدّرُهُ
مجرّدُ الخدِّ من شعرٍ يدبُّ به / خالٌ إلى المِسكِ منسوبٌ مصغّرُهُ
للحتفِ في جفنهِ السّاجي مُضارعةٌ / لذلك اِشتُقَّ من ماضيهِ مَصدَرُهُ
متوّجٌ بنهارِ الشيبِ عمّمني / لمّا تقنّع بالدّيجورِ نيّرُهُ
ما كرَّ في جيشهِ مِهْراجُ طرّته / على سَنا البدرِ إلّا فرّ قيصَرُهُ
ولا اِستثارَ دُخانَ النّدِّ عارضُه / إلّا وشَيبُ قَذا لي شبَّ مِجمَرُهُ
تشبّهَ الطّيبُ في خدّيْه إذ نَبتا / فَاِبيضّ كافورُه واِسودّ عنبرُهُ
فسِحرُ عَينيهِ عن هاروتَ يسنُدُه / وخطُّ خدّيهِ عن كافورَ يَسطُرُهُ
تستودعُ الدّرَّ من ألفاظهِ أذُني / نظْماً فتَسرِقُه عَيني فتنْثُرُهُ
أمَا وقُضبانِ مَرجانٍ بجنَّتِها / من فوقِ أُنبوبِ بلّورٍ يُسوِّرُهُ
وشينِ شَهدةِ معسولٍ بمَلثمِه / وقافِ قامةِ عسّالٍ يُزنّرُهُ
لولا حَريرُ عِذارَيه لمَا نسجَ الد / ديباجَ شِعري ولا فِكْري يُصوّرُهُ
إلى مَ يا قلبُ تُصفي الودَّ ذا مَلَلٍ / لا يستقرُّ ولا يَصفو مُكدِّرُهُ
إنّ المَلولَ وإن صافاكَ ذو عجَبٍ / إن حالَ مُسْكِرُه أو مُجَّ سُكَّرُهُ
يا خَيبةَ السّعيِ قد ولّى الشبابُ ولا / أدرَكْتُ سُؤلي وعُمري فاتَ أكثَرُهُ
فما وَفى لي حبيبٌ كنتُ أعشَقُه / ولا صَفا لي خليلٌ كنتُ أُوثِرُهُ
ولا اِختَبرْتُ صديقاً كنتُ أمنحُه / صفوَ السريرةِ إلّا صِرْتُ أحذَرُه
يا دَهرُ ويحكَ إنّ الموت أهونُ من / مُذمَّمٍ بكَ يؤذيني وأشْكُرُهُ
ما لي وما لَك لا تنفكّ تُقعِدُني / إن قُمتُ للمجدِ أو حَظّي تُعثِّرُهُ
لقد غَدا البُخلُ شخصاً نَصْبَ أعيُننا / فأصبحَ الجودُ عهداً ليس نَذكرُهُ
وعاد يطوي لِواءَ الحمدِ رافعُه / لولا بَدا بَركاتِ المجدِ تنشُرُهُ
ربُّ النّوالِ الذي لولا مواهبُه / سِمطُ القَوافي لدينا بارَ جوهرُهُ
المُتْبِعُ الهِبةِ الأولى بثانيةٍ / وأكرمُ المُزنِ ما يوليكَ مُمطِرُهُ
سرُّ الإله الذي للخَلْقِ أبرزَهُ / لُطفاً وكادَ فؤادُ الغَيبِ يُضمِرُهُ
مملَّكٌ يركبُ الأمرَ المَخُوفَ ومنْ / فوق الأفاعي به يَمشي غضَنْفَرُهُ
كأنّما الموتُ مَلزومٌ بطاعَتِه / في كلِّ ما هو يَنْهاهُ ويأمرُهُ
يضمُّ منهُ غديرُ الدِرْع بحرَ نَدىً / ويحتوي منهُ بدرَ التِّمِّ مِغْفَرُهُ
سمحٌ تحرّج نهرَ السائلينَ ولا الْد / دُرُّ اليتيمُ عنِ الرّاجينَ يقهَرُهُ
يُعطي الجزيلَ فلا عُذراً يقدّمُه / للطّالبينَ ولا وَعْداً يؤخِّرُهُ
تملّك الحَوْزَ فلْتَهرُب ثَعالبُهُ / فقد تكفّلَ جيشَ المُلكِ قَسْوَرُهُ
مهذّبٌ فطِنٌ كادت فراستُه / عمّا بقلبِكَ قبلَ القولِ تُخبرُهُ
لا يلحَقُ الذُلُّ جاراً يستعزُّ به / ولا يرى الأمنَ مرعوبٌ يُذعِّرُهُ
بعدلِه الظالمُ المَرهوبُ يخذُلُه / وجانبَ البائِسِ المَظلومِ ينصُرُهُ
إنْ زارَهُ سائِلٌ عافٍ يعظّمُه / وإن تآتاهُ جبّارٌ يحقّرُهُ
لُفَّتْ على الهامةِ العُليا عِمامتُه / وشُدَّ فوقَ عَفافِ الفرْجِ مئْزَرُهُ
لا نَعرِفُ الجَدْبَ إلّا عندَ غَيبَتِه / ولا نرى الغَيثَ إلّا حين نُبصِرُهُ
قد حالَف السيفُ منه أيَّ داهيةٍ / كُبرى وصافَح يُمنى المَوتِ خنْجَرُهُ
كم قد أغارَ وشُهبُ الليلِ غائرةٌ / والفجرُ ينبَتُّ بالكافورِ عَنبَرُهُ
فآبَ والأُسْدُ في الأغلالِ خاضعة / وعاد بالنُّجْحِ والأنفالُ عسكَرُهُ
والدُّهْمُ كُمْنٌ وسُمرُ الخطّ تحمَدُه / والبيضُ صُفرٌ مَصوناتٌ تكبِّرهُ
والجوّ كالغسقِ المُسودِّ أبيضُهُ / والسيفُ كالشّفق المُحمَرِّ أخضَرُهُ
هوَ الهُمامُ الّذي صحّت سيادتُه / واِشْتُقَّ من أنبياءِ اللَّهِ عُنصرُهُ
همَّ العِدا بذهابِ النورِ منه وما / يُطْفونَ نوراً يُريدُ اللّهُ يُظهِرُهُ
يبغونَ محوَ اِسمِه من صُحْفِ مَنصِبِه / واللَّهُ في لوحِه المحفوظِ يَزبُرُهُ
بغَوْا عليه ومَن يجعلْ تجارَتَهُ / بضاعةَ البغي يوماً خابَ متجَرُهُ
وحاوَلوا الغدْرَ فيهِ وهْو أمنُهُم / وصاحبُ الغَدرِ يكفي فيه مُنكَرُهُ
ودبّروا الأمرَ سرّاً وهوَ متّكِلٌ / وربّهُ فوقَ أيديهم يدبّرُهُ
فأدركوا الوَيلَ والحُزنَ الطويل وما / رأوا من الأمرِ شيئاً سرّ منظرُهُ
فكم عزيزٍ له ولّت ضراغِمُه / وكم كِناسِ خِباً قد فرّ جُؤذرُهُ
مولاي فلتَهْنكَ الدنيا وعودتُها / إليكَ والعبدُ قد وافى مُبشِّرُهُ
وليهنِنا حجُّ بيتٍ منك دار على / شعائرِ البرِّ والمعروفُ مَشْعَرُهُ
واِرْمِ العِدا بجمارِ النّبْلِ واِسْعَ إلى / مِنى وغىً يرهبُ الضرغامَ منحَرُهُ
وبشِّرِ الخصمَ أنّ البغيَ يصرعُه / وماردَ الجورِ أنّ الظُلمَ يَدحَرُهُ
واِسْتَجلِ دُرَّ قَريضٍ كاد في حِكَمٍ / نظمُ البَديعِ بيانُ المرءِ يسحَرُهُ
ودُمْ مَدى الدهر في عزٍّ وفي شرفٍ / يسمو على الفلَكِ الدّوّارِ مفخَرُهُ
ويا وَميضَ بُروقِ المُزنِ إن سفَرتْ
ويا وَميضَ بُروقِ المُزنِ إن سفَرتْ / عن الثّنايا فغُضَّ الطَّرْفَ واِستَتِرِ
ويا وَجيزَ عِبارات البيان لقد / أطْنَبتَ في وصف ذاك الخَصْر فاِختصِرِ
هذا الأُبَيرِقُ في فِيها فَيا ظمئي / إلى عُذَيبِ عَقيق المَبسمِ العَطِرِ
وذا الغوَيرُ تراءى في الوشاح فَوا / شوقي إليه وهذا الجزعُ في الأزُرِ
بمهجَتي نارُ حسنٍ فوق مِرشفِها / تشَبُّ من حولِ ذاك المنظرِ الخَضِرِ
مرّت بنا وهْي تُبدي نونَ حاجِبها / والصُّدغُ يلثم منها وردةَ الخفَرِ
ففوّقَ القوسُ نبلَ العين وا حزَني / وقاربَ العقرَبُ المِرّيخَ وا حذَري
وحدّثتْنا فخِلنا أنّها اِبتسَمَتْ / زُهْرُ النجومِ حديثاً في فمِ القمرِ
أمَا وبلّورَتي فَجرٍ تلثّم في / ياقوتَتي شفقٍ يفترُّ عن دُرَرِ
ما خِلتُ قبلَك أنّ الحتْف يَبرزُ في / زِيّ العُيونِ من الآرامِ والعُفُرِ
لولا اِبتسامُكَ لم تجرِ العيونُ دَماً / والمُزْنُ لم تبكِ لولا البَرقُ بالمطَرِ
لو بِيعَ وصلُك للعاني بمُهجتِه / هانَتْ عليه ومَن للعُمي بالبصَرِ
أفنَيْتُ ماءَ عيوني بالصّدودِ بُكاً / وجذوةُ الصيفُ تُفني لجّةَ الغُدُرِ
خُلوُّ قلبك من نارِ الهوى عجَبٌ / ومكمَنُ النارِ لا ينفَكُّ في الحَجَرِ
لا تمقُتي أثراً بي في الخُطوبِ بَدا / فزينَةُ الصّارم الهِنديّ بالأثرِ
ولا تذُمّي بياض الشّيب إن شُعِلَتْ / شموعُه في سواد الليل من شَعَري
فالمرءُ كالجمرِ في حالِ الخُمودِ يُرى / فيه السّوادُ ويبدو النورُ في السَّعَرِ
للَّه دَرُّ لَيالٍ بالحِمى سلَفتْ / بيضٌ تُرى في جِباه الدّهر كالغُررِ
وكم عَشَوْنا بجنّاتِ النّعيم إلى / سَناءِ نارَينِ من جَمْرٍ ومن قُطُرِ
وبَدرِ خِدر بِشبهِ الليل مُنتَطِقٍ / مُبَرقعٍ بسناءِ الفَجرِ مُعتَجِرِ
لا أصبح الليلُ من فَودَيهِ ما بزَغَتْ / شمسُ المُدامة بالآصالِ والبُكَرِ
ولا عَدا اللّثْمُ ذاك البدرَ ما قذَفَتْ / أيدي اِبنِ منصور للعافين بالبُدَرِ
سوادُ عينِ المَعالي نَقْشُ مِعصَمِها / بياضُ صَلْتِ العَطايا مَبسِم السّتَرِ
سهمُ المنيّة دِرعُ المُلكِ جُنّتُه / سِنانُ رمحِ الليالي صارمُ القدَرِ
ممَلّكٌ ساس أحوالَ الرعيّة في / عَدْلٍ يؤلّفُ بين الأُسْدِ والبَقَرِ
لو ذاقتِ النَحْلُ مَرعى سَوطِ نِقمَتِه / لَمُجَّ منها مَسيلُ الشّهدِ بالصّبرِ
لو جاد صيّبُه العِينَ المَها نَبتَتْ / جُلودها بالحرير المَحْضِ لا الوَبَرِ
له جِبالُ حُلومٍ لو شوامخُها / رسَتْ على السّبعة الأفلاكِ لم تَدُرِ
قِرْنٌ تقنّص بالبيضِ الجوارِح منْ / أعلى غُصونِ العَوالي طائرَ الظّفَرِ
يا عُصبةَ الحاجِ هذا لُجُّ راحتِه / فيَمّمي اليمّ تستغني عن الحجَرِ
ويا شُموسَ الكُماة الشوسِ إن طلَعت / نجومُه في ظلامِ النّقع فاِنكَدري
بَدا لنا فبدا في ضمن جوهَره الْ / فَردِ الكِرام بجمعٍ غيرِ منحصِرِ
فكان في الحِلم كالمرآة حين يُرى / يُعَدّ فرداً وما فيها من الصّورِ
وِتْرُ البريّة شفعُ الدّهر جُملَتُه / جمْعُ الفخارِ مُثنّى النّفْع والضّررِ
فالحربُ تُثني عليه لُسْنُ أنصُلِها / والحتفُ يَثني عليه عِطفَ مؤتَمِرِ
لو فاضَ طوفانُ نوحٍ من ندى يدِه / لما نَجا منهُ بالألواحِ والدُّسُرِ
أو شاهدَ الملْكُ شدّادٌ جلالَته / لعفّر الذُعْرُ منه خدَّ مُحتقرِ
دعِ الروايات في الماضي فرؤيتُه / أقوى فليس عِيانُ الأمر كالخبَرِ
فأشرقَ النّقعُ منها واِنجلى شفقٌ / من الدِماءِ على الهامات والطُّرَرِ
يا ناظمَ المجدِ يا سِمْطَ الفضائلِ بل / يا حِليةَ المَدْح بل يا زينةَ البَشرِ
ثمَنْتَ في سيفكَ السّبْعَ الزّواخرِ والس / سبعَ الكواكبَ لا بل سبعة الكِبَرِ
وزِدْتَ في المُلك إجلالاً ومقدرةً / حتّى جلَلْتَ عن التحديد والقدرِ
مولاي يا واحِدَ الدُنيا وسيّدَها / والماجِدَ المُحسِنَ المُزْري بكلّ سَري
سَمعاً لدعوةِ عبدٍ تحت رِقّكُمُ / يرجو لديكَ ينالُ الفوزَ بالوَطَرِ
قد فرّ من عبدِك الدهرُ المُسيءُ إلى / حُسنى صَنيعِك يا ذا العِزِّ والخَطَرِ
فأنتَ إن خانتِ الأيّامُ معتمَدي / وأنتَ إن قلّ وَفْري خيرُ مدَّخَرِ
عرّج على البانِ واِنُشُدْ في مَجانِيهِ
عرّج على البانِ واِنُشُدْ في مَجانِيهِ / قلباً فقد ضاعَ منّي في مَغانيهِ
وسَلْ ظِلالَ الغَضا عنه فثَمَّ لهُ / مثوىً بها فهَجيرُ الهَجْرِ يُلْجيهِ
أو لا فسَلْ منزلَ النّجوى بكاظمةٍ / عن مُهجَتي وضَماني إنّها فيهِ
واِقْرَ السلامَ عُرَيبَ الجِزع جمعَهُمُ / واِخضَعْ لهم وتلطّفْ في تأدّيهِ
وحيّ أقمارَ ذاك الحيّ عن دنَفٍ / يُميتُه الليلُ فِكراً وهْو يُحييهِ
واِنْحُ الحِمى يا حَماكَ اللّهُ مُلتَمِساً / فكّ القلوبِ الأسارى عندَ أهليهِ
للَّه حيٌّ إذا أقمارُهُ غربَتْ / أغنَتْكَ عنها وُجوهٌ من غَوانِيهِ
مغنىً إذا اِرْتادَ طَرْفي في ملاعِبِه / حسِبتُهُنّ عُقوداً في تَراقيهِ
جَمالُ كلِّ أسيلِ الخدِّ يجمعُه / وقلبُ كلِّ أسيرِ الوجهِ يَحْويهِ
تمشي كُنوزُ الثّنايا من عقائِلِه / مرصودةً بالأفاعي من عَواليهِ
لولا النّوى وجليُّ البَيْنِ لاِلتَبَسَتْ / عواطِلُ السِّربِ حُسناً في حَوالِيهِ
إذا بمَجرى الظِبا تَجري ضراغِمُهُ / أثارَتِ الخيلُ نقْعاً من عَواليهِ
قد يكتفي المُجرمونَ النّاكِسونَ إذا / هبّ النّسيمُ عليهِمْ من نَواحيهِ
مذ حرّمَتْ قُضبُه مسَّ الصّعيدِ على / باغي الطّهورِ ودَمعي ماءُ وادِيهِ
سَقى الحَيا عزَّ أقوامٍ صَوارمُهُم / عن مِنّةِ الغيثِ عامَ الجدبِ تُغنيهِ
يا نازِحينَ وأوهامي تقرّبُهُم / حُوشِيتُم من لَظى قَلبي وحُوشِيهِ
عسى نسيمُ الصّبا في نشرِ تُربتِكُم / يعودُ مَرضاكُمُ يوماً فيَشْفيهِ
مَن لي به من ثَراكُم أن يحدّثني / بِما عليه ذُيولُ العَين ترويهِ
وحقِّكمْ إن رضيتُم في ضَنى جَسَدي / بحبِّكُم لوجودي في تفانِيهِ
أفري الجُيوبَ إذا غِبتُم فكيفَ إذا / بِنتُم فمِنْ أينَ لي قلبٌ فأفريهِ
بالنَفسِ دُرّاً بسَمعي كُنتُ ألفِظُه / منكم وَوَرْداً بعَيني كُنت أجنِيهِ
اللّهَ يا ساكِني سَلعٍ بنفسِ شجٍ / على الطّلولِ أسالَتْها مآقِيهِ
عانٍ خُصورُ الغواني البيضِ تُنحِلُه / وبيضُ مَرضى الجُفونِ السودِ تَبريهِ
يَرعى السُها بعُيونٍ كلّما اِلتفتَتْ / نحو العقيقِ غدَتْ في الخدِّ تُجريهِ
يهزّهُ البانُ شوقاً حين تَفهَمُه / معنى الإشارة عنكمْ في تَثَنّيهِ
تبدو بُدورُ غوانيكُم فتوهِمُه / بأنّهنّ ثَناياكُم فتُصبيهِ
هَوى فأضحى بمَيدانِ الهَوى هدَفاً / فعينُكُم بسِهامِ الغُنْجِ تَرميهِ
يوري النّوى أيَّ نارٍ في جوانحِه / أمَا تَرَوْنَ سَناها في نَواصِيهِ
رَعْياً لمنزلِ أُنسٍ بالعَقيقِ لنا / لا زالَ صوبُ الحيا بالدُّرِّ يوليْهِ
وحبّذا عصرُ لَذّاتٍ عرَجْتُ به / نحوَ البُدورِ ببيضٍ من لَيالِيهِ
أكرِمْ بِها من لُوَيلاتٍ لو اِنْتسَقَتْ / لكُنّ في السِلكِ أبهى من لآلِيهِ
غُرٌّ كأنّ عليَّ المجدِ خوّلَها / فزُيّنَتْ ببُدورٍ من أياديهِ
شمسٌ بها زانَ وجهَ الدّهرِ واِنكشفتْ / عن أهلِه ظُلُماتٌ من مَساويهِ
حَليفُ حزْمٍ له في كلِّ مَظلمةٍ / نُورٌ من الرأيِ نحو الفَتْحِ يَهديهِ
سيفاً لو الحِلْمُ لم يُغمِدْهُ كادَ بِه / أن تهلكَ الناسُ حين العزمُ يُنضيهِ
غيثٌ هَما وسَما في المَجْدِ فاِشترَكَتْ / في جودِه الخَلْقُ واِختصّتْ مَعالِيهِ
يُمْنُ العُلا والأماني البيض في يده الْ / يُمنى وحُمرُ المَنايا في أمانيهِ
فلو أراعَ غُرابَ البَين صارمُه / لَشابَ فَوْداهُ واِبْيَضّتْ خَوافيهِ
ولو أتَتْهُ النجومُ الشُّهْبُ يومَ ندىً / لم يرضَ بالشّمسِ ديناراً فيُعطيهِ
تهوى الأهلّةُ أن تسعى لخِدمتِه / ولو بها اِشتعلَتْ يوماً مَذاكِيهِ
وا فرحةَ الليثِ فيه لو يُسالِمُه / وغِبطةَ الغيثِ فيه أن يؤاخيهِ
مِقدارُه عن ذوي الأقدارِ يرفعُهُ / وجودُه لذَوي الحاجاتِ يُدْنيهِ
هو الأصمُّ إذا تدعوهُ فاحِشةٌ / وهو السّميعُ إذا التّقوى تُناديهِ
إن يحمِلِ الحَمدُ ورداً فهْو قاطِفُه / أو يُجتَنى منه شهدٌ فهْو جانِيهِ
هامَ الزّمانُ به حبّاً فأوشكَ أنْ / يعودَ شوقاً إلى رُؤياهُ ماضِيهِ
إذا الحُظوظُ مَحاها اليأسُ أثبتَها / رجاؤهُ بحُظوظٍ مِلء أيديهِ
دَوحُ الفَخارِ الّذي مُزنُ الإمامةِ لا / تنفكّ في رشَحاتِ البِرِّ تَسقيهِ
من حولِه نسَبٌ يَغشى بصائِرَنا / نورُ النّبوّةِ منه حينَ يُغريهِ
منَ المُلوكِ الأُلى لولا حُلومُهُمُ / تزَلْزَلَ المجدُ واِندَكّت رَواسيهِ
من كلِّ أبلَجَ مأمونٍ مناقِبُه / بجنّةِ الحَمدِ يلقى طعنَ شانِيهِ
نَشا ونفْسُ النّدى منه نشَتْ فغَدا / كلٌّ لصاحبِه الأدنى يُربّيهِ
الحيدَريُّ الّذي دانَ الزّمانُ له / حتّى اِستكانَ وخافَتْهُ دَواهِيهِ
قِرنٌ إذا ما غَديرُ الدُرِّ أغرقَهُ / خاضَ الرّدى فيكادُ البأسُ يوريهِ
بدْرُ الحُسامِ إذا في الرّوعِ أضحكَهُ / فإنّه بالدّم الجاري سيُبكيهِ
والهامُ تدري وإنْ عزّت سيلزَمُها / ذلُّ السُّجودِ إذا صلّتْ مَواضيهِ
ساسَ الأمورَ فأجْرى في أوامرِه / حُكمَ المُنى والمَنايا في مناهِيهِ
تعشّقَ المجدَ طِفلاً واِستَهامَ بهِ / فهانَ فيهِ عليه ما يُقاسِيْهِ
سلِ الحَيا حينَ يَهْمي عن أناملِه / أهُنّ أندى بَناناً أم غَوادِيهِ
لهُ خِصالٌ بخيطِ الفَجرِ لو نُظِمَتْ / لم ينتظِمْ سبَجُ الدّاجي بثانِيهِ
شمائِلٌ لو حَواها الليلُ واِفتقدَتْ / بودِّه لَفداها في دَرارِيهِ
قِلادةُ المجدِ والعُليا صنائِعُه / وزينةُ الدّينِ والدُّنيا مَساعِيهِ
مَولىً كأنّك تَتلو في مجالِسِنا / آيَ السُّجودِ علَينا إذ تُسمّيهِ
يا ساعِدَ الجودِ بل يا نَفْسَ حاتِمه / يا نقْشَ خاتَمِه يا طوقَ هادِيهِ
لا زِلْتَ يا غَوثُ لي غَوثاً ومُنتجَعاً / ولا برِحْتُ إليكَ المَدْحَ أُهدِيهِ
لولا تملُّكُكُمْ رِقّي بأنعُمِكم / ما راقَ شِعري ولا رقّتْ مَبانِيهِ
واِستجْلِ من آيِ نَظْمي أيَّ مُعجزةٍ / تخلِّدُ الذِكرَ في الدُنيا وتُبقيهِ
مدحٌ تَسيرُ إذا ما فيكَ فُهْتُ به / سيرَ الكَواكِبِ في الدّنيا قَوافيهِ
بُيوتُ شِعْرٍ بَناها الفِكرُ من ذهَبٍ / سكّانُها حُورُ عِينٍ من مَعانيهِ
واِغْنَمْ بصومٍ عسى بالخيرِ يختُمُه / لكَ الإله وبالرُّضوانِ يجزيهِ
هِلالُ سَعدٍ تَراءى فيه منك عُلاً / فعادَ صبّاً يكادُ الشّوقُ يُخفيهِ
وليَهْنِكَ العيدُ في تجديدِ عودتِه / بل فيكَ يا بهجةَ الدُّنيا نُهنّيهِ
رَوى عن الرّيقِ منها الثّغْرُ والشّنَبُ
رَوى عن الرّيقِ منها الثّغْرُ والشّنَبُ / معنىً عن الرّاحِ تَروي نظْمَهُ الحَبَبُ
وحدّثَتْ عن نُفوسِ الصّيدِ وجنَتُها / أخبارَ صِدقٍ يُقوّيها دمٌ كذِبُ
وأرسلَتْ للدُجى من فرعِها مثلاً / تمثّلَتْهُ فُروعُ البانِ والعذَبُ
وجالَ ماءُ محيّاها فأوهَمَنا / أنّ الصّباحَ غَديرٌ موجُهُ ذهَبُ
بيضاءُ عن وجهِها في الجنحِ ما سفرَتْ / إلّا وقامتْ لها الحِرباءُ ترتقِبُ
لم يَلقَها الليلُ إلّا دُهمُهُ صدرَتْ / بيضَ الثّيابِ وغارتْ فوقَها الشُهُبُ
ريمٌ بأحداقِها ليثٌ يَصولُ وفي / أطواقِها ذنَبُ السِّرحانِ منتصِبُ
إذا أصابَ غُبارُ الكُحْلِ مُقلتَها / تكادُ ترقُصُ من أهدابِها العُضُبُ
مِن لحظِها لا يصونُ القِرْنُ مهجتَهُ / ولا تُضَمُّ عليهِ البيضُ والسُّلُبُ
يحنو إليها حَمامُ البانِ حين يَرى / منها القوامَ فيَشْدو وهْو مُكتئِبُ
قد أيّدَتْ دولةَ المُرّانِ قامتُها / وحكّمَتْها على سُلطانِها القُضُبُ
مَهاةُ خِدْرٍ سِباعُ الطّيرِ تألَفُها / لعِلمِها بجُنوبٍ حَولَها تَجبُ
تخالُ سَمعاً لديها وهي أفئِدةٌ / تهوي إليها وفيها الشوقُ يلتهِبُ
تُمسي العيونُ إذا مِن خِدرِها وردَتْ / ماءَ الشّبابِ بماءِ الوردِ ينسكِبُ
للحُسنِ سرٌّ طواهُ في مراشِفِها / أوحاهُ منه إليها النّحْلُ والعِنَبُ
يظنّ أصداغَها الرائي إذا اِنسدلَتْ / تتلو عَقارِبُها سِحراً فتنقلِبُ
كأنّ منها سِوارَ البِكر شمسُ ضُحىً / شقّ الصّباحُ حَشاها فهْي تصطخِبُ
والخالُ لصٌّ أميرُ الحسن أفرَشَهُ / نطعَ الدِّماء وهُزّتْ فوقَه القُضبُ
تهوي على جيدِها الأقراطُ ساكنةً / فيسْحَبُ الفرْعُ ثُعباناً فتضْطَربُ
كأنّما في عَمودِ الصبحِ سحرَتُها / تحت الدُجى في حِبالِ الشمس قد صُلِبوا
أيُّ القَبائِلِ من دُرِّ البحار إلى / عَينِ الحياةِ سوى إنسانِها هرَبوا
وأيُّ شُهْبٍ سوى ما في قلائِدها / أمْسَتْ صُفوفاً حَوالَ الشمسِ تصطحِبُ
من خدِّها في قُلوبِ المُدنَفين لظىً / وفي المُحبّينَ من أكفانِها نصَبُ
لم يسمك الحُسنُ بيتاً للهوى بحَشاً / إلّا وكان له من فرعِها طُنُبُ
ولا بَنو المجدِ بيتاً للنّسيبِ بنَوْا / إلّا لها وعليها سجفَهُ ضربوا
للّهِ أُسْدُ عَرينٍ من عَشيرَتها / ترضى الصّوارِمُ عنهم كلّما غَضِبوا
غُرٌّ إذا اِنكشفَتْ عنهم ترائِكُهُم / تحت الدّجُنّةِ من أقمارِها حُسِبوا
تطلّبَ الدّرُّ معنىً من مَباسمِهِمْ / فأدركَ النّظْمَ لمّا فاتَهُ الشّنَبُ
سُيوفُهُم في مَضاها مثلُ أعيُنِهم / سُودُ الجُفونِ ولكنْ فاتَها الهُدُبُ
قاموا لدَيْها وباتوا حولَها حرَساً / إذا أحسّوا بطَيفٍ طارقٍ وثَبوا
عزّتْ لديهِم فحازَتْ كلّما ملَكوا / حتّى لها النّومَ من أجفانِهم وهَبوا
قد صيّروا بالدّمِ المخطوبِ سُنّتَهُم / خدَّ المَهاةِ وكفَّ الليثِ يختَضِبُ
لحاظُهُم هِندَويّاتٌ ذوائِبُهُم / زنجيّة اللّونِ إلّا أنّهُم عَرَبُ
لم يُحسِنوا الخطّ إن راموا مُكاتبةً / فوق الصّدورِ بأطرافِ القَنا كَتبوا
سلّوا البروقَ من الأجفانِ واِبتسَموا / عنها وحادوا فقُلنا إنّهُم سُحُبُ
إذا المنيّةُ عن أنيابِها كشرَتْ / عضّوا عليها بذَيلِ النّقْعِ واِنتقَبوا
شنّوا الإغارَ على نهبِ الجِمالِ وإذْ / فيهِم أتَتْ وهَبوها كلّما نهَبوا
يُعزى إلى حيّهم شُحُّ النساءِ كما / إلى عليٍّ خِصالُ الجودِ تنتسبُ
ربُّ الخصالِ اللّواتي في مصابِحِها / يزهو القَريضُ وفيها تَشْرُقُ الخُطَبُ
حسبُ الكواكبِ لو منْ بعضِها حُسِبَتْ / يوماً فينظِمُها في سِلكِها الحَبَبُ
خليفةٌ ورِثَ المعروفَ عن خلَفٍ / فحبّذا خلَفٌ حازَ العُلا وأبُ
حرٌّ إذا اِفتخروا قومٌ بمرتبةٍ / ففي أبيه وفيه تفخرُ الرُتَبُ
نجمٌ رحى الحربِ والرُكبانُ تعرفُه / ودائراتُ اللّيالي أنّه القُطُبُ
زَينُ الفِعالِ إذا مُدّاحُهُ اِمتدحوا / حُسّانَها خلفَهُم في شِعرِهم نُسِبوا
لو أنّها مثّلَتْ في خَلقِه صُوَراً / لنافستْهُنّ فيه الخُرَّجُ العرَبُ
فاقَ السّحابَ وأبكاها أسىً فلِذا / تَذري الدموع وفيها الرّعدُ ينتحِبُ
لولا تعجّبُها منه لما اِجتمعَتْ / لا يحدُثُ الضّحكُ حتّى يحدُثَ العجَبُ
إن كان يشملُهُ لفظُ الملوكِ فقدْ / يعمُّ بالجِنسِ نوعَ الصّندَلِ الخَشَبُ
جسمٌ تركّب تركيبَ الطّباعِ به / الحِلمُ والبأسُ والمعروفُ والأدبُ
يَغشى الرّماحَ العوالي غيرَ مُكترثٍ / بها فيحسَبُ منها أنّه لعِبُ
رأى العُلا سُكّراً يحلو لطالبِه / فظنّ أنّ أنابيبَ القَنا قصَبُ
لولاهُ جِسمُ العُلا أوصالُه اِفترقَتْ / كأنّ آراءَهُ في ربْطِهِ عقَبُ
يحمي الوليَّ ويقضي ذو النِفاقِ به / كالماءِ يهلِكُ فيه مَنْ به الكلَبُ
في كلّ أنمُلةٍ منه وجارحةٍ / يمُدُّ بحراً ويسطو فيلَقٌ لجِبُ
قد أضحكَ التيهُ في أيديه صارمهُ / وهزّ في راحتَيْهِ رُمحَهُ الطّرَبُ
يسقي النجيع مواضيهِ فيُضرِمُها / فاِعجبْ لنارٍ لها ماءُ الطُلا حطَبُ
ذُؤابةُ الموتِ سمراءٌ بلهذَمِهِ / كأنّه فوقَها نجمٌ له ذنَبُ
لو هزّ جِذْعاً هشيماً في أنامِله / يوماً لأوشَكَ منه يسقُطُ الرُّطَبُ
يفوحُ نشرُ الكِبا من طَيّ بُردتِه / وفي النبوّةِ منهُ يعبَقُ النّسبُ
فأينَ طينُ الوَرى من طيبِ عُنصرِه / وهل يُساوي رَطيبَ المُندُلِ الضّرَبُ
قد نزّهَتْ آيةُ التّطهيرِ ملبسَهُ / من كلِّ نجْسٍ ولكنْ سيفُهُ جُنُبُ
من معشرٍ شرّفَ اللَّه الوجودَ بهم / وأُنزِلَتْ فيهم الآياتُ والكتُبُ
همُ الملائِكُ إلّا أنّهم بشرٌ / على الورى حُلَفاءٌ للهدى نُصِبوا
أبناءُ مجدٍ كرامٌ قبلَ ما فُطِموا / عن الرّضاعِ لأخلافِ النّدى حَلَبوا
قومٌ إذا ذُكِرَ الرحمنُ من وجَلٍ / لانوا وإنْ شهِدوا يومَ الوغى صعُبوا
غُرُّ الوجوهِ مصاليتٌ إذا نزلوا / عنِ السّروجِ محاريبَ التّقى رَكِبوا
لا يسكُنُ الحقُّ إلّا حيثُ ما سكنوا / وليس يذهبُ إلّا حيثُ ما ذهبوا
بُحورُ جودٍ إذا هبّتْ رياحُ وغىً / ماجوا ومجّوا وإنْ همُ سالَموا عَذُبوا
إذا تنشّقْتَ ريّاهُم عرفْتَهُمُ / بأنّهُم من جَنابِ القُدْسِ قد قَرُبوا
سَكرى إذا أصبحوا تَدري الصُحاةُ بهم / من أيّ كاسٍ طَهورٍ بالدُجى شرِبوا
كأنّهمُ يا عليَّ المجدِ إذ نظَروا / تخيّروكَ منَ الأولادِ واِنتخَبوا
قد خلّفوكَ إماماً بعدَهم ومَضَوا / وأبرزوكَ إِلى الإسلامِ واِحتجَبوا
تخوي العُروشُ إذا ما غِبْتَ عن بلدٍ / حتّى تعودَ فيَحْيى ميْتُهُ الخَرِبُ
لو لم تَعُدْ لم تعُدْ للحَوزِ بهجتُهُ / ولا تورّدَ يوماً خدّهُ التَرِبُ
لولا وجودُك فيه أهلُه هلَكوا / كذاك يهلِكُ بعد الوابِلِ العُشُبُ
لو كُنتَ مولىً تُجازيهِم بما اِقترَفوا / من الذّنوبِ إذاً بادوا بِما كسبوا
لم يُرجَ بالعَفو منهم فعلُ مكرمةٍ / من عِندهم بل على الرّحمنِ محتَسبُ
كسرْتَ جِبْتَهُم بالسيفِ فاِجتمعوا / عليكَ أحزابُ ذاكَ الجِبْت واِعتصبوا
همّوا بإطفاءِ نورِ المجدِ منك فلا / فتمّ فيك ويأبى اللّهُ ما طَلبوا
فكلّما أوقدوا ناراً بها اِحترقوا / وأحدَثوا الحربَ فيهم يحدُثُ الحرَبُ
أخزاهُمُ اللَّهُ أنّى يؤفَكون ولوْ / حازوا الهُدى لطريقِ الإفكِ ما اِرتَكَبوا
فدُمْ على رغمِهم بَعْلاً لبِكرِ عُلاً / صِداقُها منكَ ضَرْبُ الهامِ والنُشُبُ
واِلبَسْ قَميصاً من الإجلالِ في دمهِمْ / قد دبّجَتْهُ المَواضي والقَنا السُّلُبُ
واِسعَدْ بعيدٍ بنَحْسِ المُعتدينَ أتى / مبشّراً أرسلَتْهُ نحوَكَ الحِقَبُ
يومٌ وليُّكَ مسروراً بعودتِه / وفي عدوّكَ منه الهمُّ والنّصَبُ
فلا عصَتْكَ الليالي يا اِبنَ سيّدِها / وحالَفَتْكَ على أعدائِكَ النّوَبُ
للّهِ قومٌ بأكنافِ الحِمى نزَلوا
للّهِ قومٌ بأكنافِ الحِمى نزَلوا / همُ الأحبّةُ إن صدّوا وإن وصَلوا
ودَرَّ درُّهُمُ من جيرةٍ معهم / لم يبرحِ القلبُ إن ساروا وإنْ نزَلوا
جعلْتُهُم لي وُلاةً واِرتَضَيْتُ بما / يقضون في الحُبِّ إن جاروا وإن عدَلوا
همُ همُ سادتي رقّوا قسَوا عطَفوا / جفَوْا وفَوْا خلّفوني أنجَزوا مطَلوا
ودّوا فلو هجَروا زاروا صفَوْا كدَروا / قد حسّنَ الحُبُّ عندي كلّما فعَلوا
رَعْياً لماضي زَمانٍ فُزْتُ فيه بهم / وحبّذا بالحِمى أيّامُنا الأُوَلُ
عصْرٌ كأنّ الليالي فيهِ بيضُ دُمىً / لُعْسُ الشِّفاهِ وأوقاتَ اللّقا قُبَلُ
إذا الرّواةُ روَوْا عنهُ لنا خبَراً / كأنّهم نقلونا بالّذي نقَلوا
كم في القِبابِ لديهم من محجّبةً / في الحُسنِ والعزِّ منها يُضرَبُ المثَلُ
بِكرٌ هي الشّمسُ في إشراقِ بهجَتِها / لو لم يُجِنَّ سَناها فرعُها الجَثِلُ
ودُميةُ القصر لولا سِمْطُ منطقِها / وظبيةُ القَفْرِ لولا الحَليُ والعطَلُ
سيّان بيضُ ثناياها إذا ضحِكَتْ / ومَبسَمُ البرْقِ لولا النّظمُ والرّتَلُ
يبدو الصّباحُ فيَستَحيي إذا سفرَتْ / عنِ المُحيّا فيعلو وجهَهُ الخَجَلُ
تختالُ في السّعي سُكراً وهْيَ صاحيةٌ / فتنقُضُ الصّبرَ منها وهْيَ تنتَقِلُ
تغزو القلوبَ بلَحظَيْها ومُقلَتها / لولا النُّعاسُ لقُلْنا جفنُها خلَلُ
أفديهِم من سَراةٍ في جواشِنِهم / وفي البراقعِ منهُم تلتَظي شُعَلُ
فُرسانُ طَعْنٍ وضرْبٍ غيرَ أنّهُمُ / أمضى سِلاحِهم القاماتُ والمُقَلُ
شُوسٌ على الشّوسِ بالبيضِ الرِّقاقِ سطَوا / وبالجُفونِ على أهلِ الهَوى حمَلوا
في غِمد كلِّ هزَبْرٍ من ضَراغِمهم / وعَينِ كلِّ مَهاةٍ كامنٌ أجَلُ
لم أدْرِ من قَبلِ ألقى سُودَ أعيُنِهم / أنّ المنيّةَ من أسمائِها الكَحَلُ
كلّا ولا خِلْتُ لولا حَليُ خُرَّدِهم / أنّ الدّنانيرَ ممّا يُثمِرُ الأسَلُ
بالبيضِ قد كلّلوا أقمارَهُم وعلى / شُموسِهم بالدّياجي تُضرَبُ الكُلَلُ
صباحُهُم من وُجوهِ البيضِ منفَلِقٌ / ولَيلُهُم من قُرونِ العِينِ مُنسدِلُ
صانوا من الدُّرِّ ما حازَتْ مباسِمُهُم / وما حوَوا منه في راحاتِهم بذَلوا
سُودُ الذّوائِبِ والأحداقِ تحسَبُهم / تعمّموا بسوادِ الليلِ واِكتَحَلوا
يَروقُ في أُسْدِهم نَظمُ القَريضِ وفي / غِزلانِهم يَحسُنُ التّشبيبُ والغزَلُ
تُمْسي القُلوبُ ضُيوفاً في منازلِهم / ولا لهُنّ سِوى نيْرانِهم نُزُلُ
همُ الأكارمُ إلّا أنّهم عرَبٌ / عندَ الكرائمِ منهُم يحسُنُ البُخُلُ
أمَا وَلُدْنٍ تثنّتْ في مناطقِهم / تحت الحَديدِ وقُضْبٍ فوقَها حُلَلُ
وبِيضِ حبّاتِ دُرٍّ بعضها لفَظوا / وبعضهُنّ لأعناقِ الدُّمى جعَلوا
لولا عُيونٌ وقاماتٌ بنا فتكَتْ / لم نَخْشَ من وقْعِ ما سَلّوا وما قتَلوا
لا أطْلَعَ اللَّهُ فجراً في مَفارقِهم / ولا اِنجَلى ليلُها عنهُم ولا أفَلوا
ولا صحَتْ من سُلافِ الدَّلِّ أعيُنُهم / ولا سَرى في سِواها منهُمُ الكَسَلُ
لولا هَواهُم لما أبلى الضّنى جسَدي / ولا شجَتْني رُسومُ الدّارِ والطّلَلُ
ولا تفرّقَ قلبي بالرّسومِ كما / تفرّقتْ من عَليٍّ في الوَرى الخَوَلُ
المُوسَويُّ الّذي مِشكاةُ نِسبتِه / أرحامُها بشِهابِ الطّورِ تتّصِلُ
كريمُ نَفْسٍ تُزانُ المَكرُماتُ به / ومنهُ تنشأُ بالدُّنيا وتنتقِلُ
طَوْدٌ لوَ اِنّ سَرَنْدِيباً تبدّلُه / لساكِني الحَوْزِ بالرّاهونِ ما قَبِلوا
ولو إلى أرضه يهوي الهِلالُ دُجىً / لم ترضَهُ أنّه من نَعلِها بدَلُ
قِرنٌ يَميلُ إلى نَحوِ الظُّبا شغَفاً / كأنّهُنّ لديهِ أعيُنٌ نُجُلُ
يغشى العِدا مثلَ ماضيهِ وعاملُه / يهتزُّ بِشراً ويَثني عِطفَهُ الجذَلُ
في طرْفِ هِنديّه من ضَربه رَمَدٌ / وفي عَواليهِ من خَمْرِ الطُّلا ثمَلُ
له سُيوفٌ إذا ما النّصرُ أضحكَها / تَبكي الرِّقابُ وتَنعى نفسَها الظُّلَلُ
جِراحُها وعُيونُ الصّبِّ واحدةٌ / لا تِلْكَ تَرْقا ولا هاتِيكَ تَندَمِلُ
بيضُ الجوانبِ كالأنهارِ من لبَنٍ / تظنّها بالوَفا يَجري بها العسَلُ
حَليفُ بأسٍ إذا اِشتدّتْ حميّتُه / لولا نَدى راحتَيْهِ كادَ يشتعِلُ
يغزو العدوَّ على بُعْدٍ فيُدرِكُه / كالنّجمِ يَسري إليه والدُّجى جمَلُ
يكادُ كلُّ مكانٍ حلَّ ساحتَهُ / يَقفوهُ شَوقاً إليهِ حينَ يرتَحِلُ
تَلقى مراقِدَ نُورٍ في مَواطِئِه / كأنّه بأديمِ الشّمسِ مُنتَعِلُ
لا يُطْمعُ الخصمَ فيه لِينُ جانبِه / فقد تَلينُ الأفاعي والقَنا الذُّبُلُ
ولا يغُرُّ العِدا ما فيهِ من كرَمٍ / فمُحْدِثُ الصّاعِقاتِ العارضُ الهَطِلُ
يمدُّ نحو العُلا والمَكْرُماتِ يَداً / خُطوطُها للمَنايا والمُنى سبُلُ
يدٌ إلى كلِّ مِصْرٍ من أنامِلِها / تَسري الأيادي وفيها ينزِلُ الأملُ
كأنّ خاتَمَهُ يومَ النّوالِ بها / قوسُ السّحابِ الغَوادي حينَ ينهَمِلُ
حازَ الكَمالَ صبيّاً منذُ مولدِه / وقام بالفَضْلِ طِفلاً قبلَ ينفصِلُ
نفْسٌ من القُدْسِ في ذاتٍ مجرّدةٍ / بالعُرْفِ جازَ عليها يصدُقُ الرّجُلُ
ما لاحَ فوقَ سريرٍ مثلَهُ قمرٌ / ولا تمطّى جواداً قبلَهُ جَبَلُ
ولا تنسّكَ زُهْداً غيرَهُ أسَدٌ / ولا تديّن في دينِ الظّبا بَطَلُ
هل عانقَ الشّمسَ إلّا سيفَهُ فلَقٌ / واِستغرَقَ البحرَ إلّا دِرعهُ وشَلُ
باهَتْ مناقبهُ الدُّنيا به فعَلا / قدْراً على سائِر الأيّام واِستفَلوا
حكَوهُ خَلْقاً وما حازوا خلائِقَهُ / والناسُ كالوحْشِ منها الليثُ والوَعلُ
أنّى يحاوِلُ فيه مدّعٍ صفةً / وهل يُحصِّلُ طِيبَ النّرجسِ البصلُ
ما كلُّ ذي كرَمٍ تحوي مكارمُه / والدّرُّ في كلِّ بحرٍ ليسَ يحتَمِلُ
لديه أغلى لِباسِ المرءِ أخشنُه / وأحسَنُ الخزِّ والدّيباجِ مُبتذَلُ
لو باللّباسِ بدونِ البأسِ مفتخَرٌ / فاقَ البُزاةَ بحُسْنِ الملْبسِ الحَجَلُ
يا اِبْنَ الأُسودِ الألى يوماً إذا حملَتْ / بالأفْقِ يُشفِقُ منها الثَّوْرُ والجمَلُ
زانَتْ بأبنائِكَ الدُّنيا وفيكَ ولو / لم يُولَدوا لم تَجِدْ كُفْؤاً لها الدّوَلُ
أنتم شُموسُ ضُحاها بل وأنجُمُها / لَيلاً وأوقاتُها الأسْحارُ والأُصُلُ
عنكم ومنكم رُواةُ المجدِ قد أخذوا / عِلمَ المَعالي ولولاكم به جهِلوا
يدرونَ أنّكُم حقّاً أئِمّتُهُم / ويعلَمون يَقيناً أنّكُم قُبُلُ
إذا العَياءُ كَساكُم فضْلَ ملْبَسِه / فأيُّ فخرٍ عليكُم ليسَ يشتمِلُ
أدواكُمُ لسَقيمِ المجدِ عافيةٌ / لكنّهُنّ لأبحارِ الثّنا عِلَلُ
كأنّما خُلِطَتْ بالطّينِ طينَتُكُم / فنَبْتُها ليس إلّا الوردُ والنّفَلُ
مولايَ ذا الصّومُ أبقى أجرَهُ ومضى / لديكَ والفِطْرُ والإقْبالُ مُقتَبَلُ
واِسعَد بعودةِ عيدٍ عاد فيه لَنا / فيكَ السّرورُ وزال الهمّ والوجَلُ
عيدٌ تشرّفَ يا اِبْنَ الطّاهرينَ بكُم / لِذا به ملّةُ الإسلامِ تحتفِلُ
فاقَ الزّمانَ كما فُقْتَ الملوكَ فَما / كِلاكُما سيّدٌ في قومِه جلَلُ
واِسْتَجْلِ طلعةَ فِطْرٍ فوقَ غُرّتِه / هِلالُ سَعْدٍ سَناهُ منكَ مُنتَحِلُ
شيخاً تأتّاكَ كالعُرْجونِ مُنحنياً / وأنت كالرّمحِ رَطْبُ العودِ مُعتدِلُ
رآكَ بعدَ النّوى ليلاً فعادلَهُ / عُمرُ الشّبيبةِ غضّاً وهْوَ مُكتَحِلُ
ولا برِحْتَ مُطاعَ الأمرِ مقتدِراً / يجري القضاءُ بما تَقْضي ويمتثِلُ
سلْ ضاحِكَ البرقِ يوماً عن ثناياها
سلْ ضاحِكَ البرقِ يوماً عن ثناياها / فقد حَكاها فهل يروي حَكاياها
وهل درى كيفَ ربُّ الحُسن رتّلها / والجوهرُ الفردُ منه كيفَ جزّاها
وهل سُقاةُ الطِّلا تدري إذا اِبتسَمتْ / أيُّ الحَيا بانَ عند الشّرْبِ أشهاها
وسلْ أراكَ الحِمى عن طعمِ ريقَتها / فليسَ يَدري سِواهُ في محيّاها
وهل رياضُ الرُّبا تدري شقائِقُها / في خدِّها أيُّ خال في سُويْداها
وإنْ رأيتَ بُدورَ الحيِّ وهي بهِم / فحيِّ بالسّرّ عنّي وجهَ أحياها
واِقصِدْ لُباناتِ نُعمانٍ وجيرتَها / واِذكُر لُباناتِ قلبي عند لُبْناها
عرّجْ عليها عن الألباب ننشدُها / فإنّنا منذُ أيّامٍ فقدْناها
وقِفْ على منزلٍ بالخيفِ نسألُه / عن أنفُسٍ وقُلوبٍ ثمّ مَثواها
معاهدٌ كلّما أمسَيْتُ عامرَها / ليلاً وأصبحتُ مجنوناً بلَيلاها
ورُبّ ليلٍ به خُضْتُ الظّلامَ كما / يخوضُ في مَفرق العذراءِ مِدراها
جَوْن كحظٍّ به الآفاقُ قد خضَبَتْ / بياضَها وجرى بالقارِ جِرْياها
تبدو النجومُ فلم تَصْبِرْ لظُلمتِه / مثلَ الشَّرارِ بجوفِ الزَّندِ أخفاها
هوَتْ بنا فيهِ عيسٌ كالجبالِ سمَتْ / نحو السّماءِ ولو شِئْنا مَسسناها
ركائِبٌ كحُروفٍ رُكِّبتْ جُمَلاً / أكرِمْ بها من حُروفٍ قد سطَرْناها
أنعامُ هُجنٍ حكَتْ روحَ النّعامِ إذا / مرّتْ بها الريحُ ظنّتْها نُعاماها
حتّى نزَلْنا على الدّارِ الّتي شرُفَتْ / بمَنْ بها ولثَمْنا دُرَّ حَصباها
فعاوَضَتْنا بُدورٌ من فوارسِها / تحمي خُدورَ شُموسٍ من عذاراها
ضيفانُهم غيرَ أنّا لا نُريد قِرىً / إلّا قُلوباً إليهم قد أضفْناها
ما كان يُجدي ولا يُغني السُّرى دنِفاً / لكنّ حاجةَ نفسٍ قد قضَيناها
مَنْ لي بوصلِ فتاةٍ دون مطلَبِها / طعْنٌ يصوّرُ بالأجسامِ أفواها
عزيزةٌ هي شفْعُ الكيمياءِ لها / نَدري وُجوداً ولكنْ ما وجَدْناها
فيها منَ الحُسْنِ كنزٌ لا يُرى وكذا / تُخفي الكُنوزُ المَنايا في زواياها
تكادُ ترشَحُ نوراً كلّما خطرَتْ / بالمَشْيِ لا عَرَقاً من كلِّ أعضاها
كأنّما الفجرُ ربّاها فأرضَعَها / حليبَهُ وبقُرْصِ الشّمسِ غذّاها
قد صاغَها اللّهُ من نورٍ فأبرزَها / حتّى ثراها الورى يوماً وواراها
محجوبةٌ لا ينالُ الوهمُ رؤيتَها / ولا تَصيدُ شِراكَ النّومِ رُؤياها
قد منّعَتْها أسودٌ مثلُ أعيُنِها / سُيوفُهم لا تنالُ البُرءَ جَرحاها
لو تُمسِكُ الريقَ كادوا حين تقطُرُها / أن يلعَقوها فلم ترحَل بريّاها
إذا على حيّهم مُزنُ الحَيا وقعَتْ / لفّتْ على زَفَراتِ الرّعدِ أحشاها
وإنْ تنفّسَ صُبْحٌ عن لظى شفَقٍ / قاموا غِضاباً وظنّوا الصُبحَ يهواها
حرصاً عليهم نواحُ الوُرْقِ يُسخِطُهُم / توهُّماً أنّ داءَ الحُبِّ أشجاها
تهوى الفراشُ إليها كلّما سفرَتْ / فيستُرونَ غَياراها محيّاها
بين القُلوبِ وعينَيْها مضى قسَمٌ / أن لا تُصحَّ ولا تصحو سُكاراها
وبالجَمالِ على أهلِ الهَوى حلفَتْ / أن لا تموتَ ولا تحْيا أُساراها
للّه أيّامُ لهوٍ بالعقيقِ وإن / كانت قِصاراً وساءَتْني قُصاراها
أوقاتُ أُنْس كأنّ الدهرَ أغفلَها / أو من صُروفِ الليالي ما عرَفْناها
لم نشْكُ من محَنِ الدُنيا إلى أحدٍ / من البريّة إلّا كان إحداها
أُعيذُ نفسي من الشّكوى إلى بشَر / باللّه والقائِم المهديّ مولاها
اِبنِ النّبيّ أبي الفضلِ الأبيّ أخي ال / معروفِ خيرِ بَني الدُّنيا وأزْكاها
نورُ الزُجاجةِ مِصباحٌ توقّدَ مِنْ / نارِ الكَليمِ الّتي في الطُّورِ ناجاها
جُزءٌ من العالَمِ القُدسيّ هِمّتُه / ينوءُ بالعالَمِ الكلّيِّ أدناها
تاجُ الوزارةِ طوقُ المجدِ خاتَمُهُ / إنسانُ عينِ المعالي زَندُ يُمناها
حليفُ فضلٍ به تدري الوزارة إذ / فيها تجلّى بأيّ الفضلِ حلّاها
طِيبُ النّبوّةِ فيه عنهُ يُخبِرُنا / بأنه ثمرٌ من دوحِ طُوباها
كريمُ نفسٍ من الإحسانِ قد جُبِلَتْ / منه الطِباعُ فعمّ الناسَ جَدواها
ذاتٌ من اللُطْفِ صاغَ اللّهُ عنصُرَها / ورحمةً لجميعِ الناسِ سوّاها
عظيمةٌ يتّقي الجبّارُ سطوَتَها / زكيّةٌ تعرفُ العُبّادُ تَقواها
تقضي بسعدٍ ونحسٍ في الورى فلها / حُكمُ النّجومِ الدّراري في قضاياها
للطّالبينَ كُنوزٌ في أنامِلها / وللزّمانِ عُقودٌ من سجاياها
في أصفهانَ ديارِ العزّ منزلُه / ونفْسُهُ فوقَ هامِ النّجمِ مَسعاها
يرمي الغيوبَ بآراءٍ مسدّدةٍ / مثلِ السّهامِ فلا تُخطي رَماياها
عزّتْ به الدولةُ العلياءُ واِعتدلَتْ / حتّى ملا الأرضَ قِسطاً عدلُ كِسراها
عِمادُها العلمُ والمعروفُ نائِبُها / إكسيرُها مومِياها بُرْءُ أدواها
لم يترُكَنْ ظالماً غيرَ العُيونِ بها / إذ لا تُجازى بما تَجنيهِ مرضاها
أفديهِ من عالِمٍ تشْفي براعتُه / مرضى قلوبِ الورى في نفْثِ أفعاها
للفاضلينَ سُجودٌ حين يُمسِكُها / كأنّ سرَّ العصا فيها فألقاها
كأنّما ليلُنا تُطوى غياهبُه / إذا صحائِفُه فيها نشرْناها
سُطورُها عن صُفوفِ الجيشِ مغنيةٌ / وأيُّ جيشِ وغىً بالرّدّ يَلقاها
كأنّما ألِفاتٌ فوقَها رُقِمَتْ / على الأعادي رِماحاً قد هزَزْناها
نسطو بهنّ على الخصمِ المُلمِّ بنا / كأنّ راءَاتِها قُضْبٌ سلَلْناها
إذا رأينا الحُروفَ المُهمَلاتِ بها / فودُّنا بالأناسي لو لقَطْناها
قومٌ تنالُ الأماني والأمانَ بها / وآخرونَ بها تَلقى مناياها
لم يظفَرِ الفهمُ يوماً في تصوّرها / ولا يَزورُ خيالُ الوهمِ مَغناها
وبِنتِ فكرٍ سحابُ الشّكِّ حجّبَها / عنِ العُقولِ وليلُ الغَيِّ غشّاها
جرَتْ فأجْرَتْ لها من عينِ حِكمتِه / ما لو يَفيضُ على الأمواتِ أحياها
فزالَ عنها نِقابُ الرّيبِ واِنكشفَت / أسرارُها وتجلّى وجهُ معناها
قُلْ للّذينَ اِدّعوا في الفضلِ فلسفةً / قد أبطلَ الحجّة المَهديُّ دَعواها
من طُورِ سيناءَ هذا نورُ فِطنتِه / فمَنْ أرسطو ومن طورُ اِبن سيناها
فليفخرِ الفُرسُ وليزْهوا بسؤدُدِهم / على جميع الوَرى وليَحمَدوا اللّهَ
بمَنْ يُقاسون في الدنيا ودولتُهم / وزيرُها من بَني طهَ ومولاها
من مالِكٍ أصبحَ المهديُّ آصفَها / وقام فيها سُليمانُ الورى شاها
إنّ الرعايةَ لا تُعزى إلى شرفٍ / إلّا إذا كانتِ الأشرافُ تَرعاها
يا اِبْنَ النُبوّةِ حقّاً أنت عِترَتُها / فقد حوَيْتَ كثيراً من مَزاياها
حافظْتَ فيها على التّقوى ودُمتَ على / عهدِ المودّةِ والحُسنى بقُرباها
كم في ثناياكَ منّا نفحةً عبقَتْ / إليكَ فيها اِهتدَينا إذ شَممناها
من كلِّ منقبَةٍ بالفضلِ معجزةٍ / آياتُها من سِواكُم ما عرَفْناها
مفاخِرٌ قبلَ تشريفي برؤيتكُم / آمنتُ بالغَيبِ فيها إذ سمعناها
عنها ثِقاتُ بني المَهديّ قد نقَلوا / لنا روايات صِدقٍ فاِعتَقَدْناها
كانت كنَثْرِ اللآلي في مسامِعِنا / واليومَ فيكَ عُقودٌ قد نَظَمْناها
شُكراً لصُنعِكَ من حُرٍّ لسادَتِنا / بعدَ الإياسِ وهَبْتَ المُلكَ والجاها
تزلزَلَتْ في بَني المهديِّ دولتُهم / لكنّ فيكَ إله العرشِ أرساها
تطلّبَ الفُرْسُ والأعرابُ خُطبَتَها / فما سمحْتَ بها إلّا لأولاها
زوّجْتَها بكريم النفسِ أطهرِها / فرجاً وأوفرها عِلماً وأتقاها
لولا وُجودُك يا اِبنَ المصطفى غُصِبَتْ / منّا حُقوقُ معالٍ قد ورِثْناها
عنّا رفعتَ زمانَ السّوءِ فاِنقمعَتْ / بالكّرهِ شوكتُه حتّى وطِئْناها
مولايَ دعوةَ مُشتاقٍ حُشاشتُه / لولا الرّجاءُ أُوارُ المجدِ أوراها
إليكَ قد بعثَتهُ رغبةٌ غلبَتْ / لم يهجُرِ الأهلَ والأوطانَ لولاها
لعلّ عزْمةَ نشْطٍ فيكَ قد رحلتْ / إليكَ نحمَدُ غِبَّ السّيرِ عُقباها
أتاكَ يطوي الفَلا يوماً وآونةً / يَرقى الجِبالَ ليَلقى طورَ سِيناها
فحلّ بُقعةَ قُدْسٍ حين شارفَها / ما شكّ أنّكَ نارٌ أنتَ مُوسَاها
توهّمَ النورَ ناراً إذ رآكَ وكم / نفْسٍ تُغالِطُها في الصدقِ عَيناها
دَنا ليقبِسَ ناراً أو يُصيبَ هُدىً / إلى مَدارِكِ غاياتٍ تمنّاها
حاشا عن الرؤية العُظمى تجابُ بلَنْ / فكلُّ قصدِ كَليمِ الشّوقِ إيّاها
إن لم يعُدْ باليدِ البيضاءِ منك إلى / ديارِ مصرٍ أتى منها فقد تاها
عسى بكُمْ يُنجح الرحمنُ مطلبَه / فقد توسّلَ فيكُم يا بَني طهَ
هذا الحِمى يا فتى فاِنزِل بحَوْمتِه
هذا الحِمى يا فتى فاِنزِل بحَوْمتِه / واِخضَع هنالكَ تعظيماً لحُرمتِهِ
وإن وصلتَ إلى حيٍّ بأيمنهِ / بعد البُلوغِ فبالِغْ في تحيّتِهِ
وحُلَّ بالحِلّ واِكحَل بالثّرى بصَراً / وقبّل الأرضَ واِسجُدْ نحو قِبلَتِهِ
واِطمَع بما فوقَ إكليلِ النّجومِ ولا / ترجو الوصولَ إلى ما في أكلّتِهِ
واحذَرْ أُسودَ الشّرى إن كُنتَ مقتنِصاً / فإنّ حُمرَ ظُباها دون ظَبيتِه
للّهِ حيٌّ إذا أوتادُه ضُرِبَتْ / يودُّها الصّبُّ لو كانت بمُهجتِهِ
بجِزعِه كم قضتْ من مهجةٍ جزَعاً / وكم هوَتْ كبِدٌ حرّى بحرَّتِهِ
لم يُمكِنِ المرءَ حِفظاً للفؤادِ به / يوماً ولو كان مَقبوضاً بعَشْرَتِهِ
ما شِئتَ فيه اِقترِح إلّا الأمانَ على / قَرحى القلوبِ وإلّا وصلَ نِسوَتِهِ
ربُّ الحسامِ وذاتُ الجَفنِ فيه سوىً / كلٌّ غدا الحتفُ مقروناً بضربتِهِ
لن تُخفيَ الحُجبُ أنوارَ الجمالِ به / فربّةُ السّجْفِ فيه كاِبنِ مُزنتِهِ
قد أنشأ الغُنجَ شيطانُ الغرامِ به / فقامَ يدعو إلى شيطانِ فِتنتهِ
والحُسنُ فيه لسلطان الهوى أخذتْ / يَداهُ في كلّ قلبٍ عقْدَ بَيعتِهِ
أقمارُه لحديدِ الهِندِ حاملةٌ / تحمي شُموسَ العَذارَى في أهلّتهِ
اللّهَ يا أهلَ هذا الحيّ في دنفٍ / يُجيبُ رجعَ أغانيكُم برنّتِهِ
ضيفٌ ألمّ كإلمامِ الخيالِ بكُم / إليكُمُ حملَتْهُ ريحُ زفرَتِهِ
صبٌّ غريقُ الهوى في لُجِّ مدمَعِه / فأينَ نوحُ رضاكُم من سفينتِهِ
اللّهَ في نفس مصدورٍ بكم خرجَتْ / أمشاجُها كلَفاً فيكم بنفثتِهِ
فحبَّكم لتُحبّوهُ فهام وما / يدري محبّتَهُ تصحيف محنتهِ
صُنتم صِغارَ اللآلي من مباسِمكُم / عنه وغِرتُم على ياقوتِ عَبرتِهِ
فكم أسيرِ رُقادٍ عنه رِقَّكُمُ / فادى جُفونَكمُ المرضى بصحّتهِ
يا حاكِمي الجور فينا من معاطِفِكم / تعلّموا العدلَ واِنحوا نحو سُنّتهِ
قلبي لدى بعضِكم رهنٌ وبعضُكُمُ / هذا دمي صارَ مطلولاً بوجنَتِهِ
وذا اِبنُ عينيَّ خالٌ في مورّدِه / وذاك نومِيَ مسروقٌ بمُقلتِهِ
أفدي بكم كلَّ مخصورٍ ذُؤابتُه / تتلو لنا ذِكرَ فِرعونٍ وفِرقتِهِ
كأنّما الخِضرَ فيما نال شارَكه / ففي المراشِفِ منه طعمُ جُرعَتِهِ
أُعيذُ نفسي بكم من سحرِ أعيُنكُم / فإنّ أصلَ بلائي من بليّتِهِ
في كلِّ نوعٍ مُرادٍ من محاسِنكُم / نوعٌ من الموتِ يأتينا بصورتِهِ
يكادُ قلبي إذا مرّ النّسيمُ بكُم / عليهِ في النارِ يَحمى من حميّتهِ
يا حبّذا غُرُّ أيّامٍ بنا سلَفَتْ / على منىً ولَيالينا بحمرَتِهِ
أوقاتُ أُنسٍ كسَتْ وجهَ الزّمانِ سنىً / كأنّما هُنّ أقمارٌ بظُلمتِهِ
كم نشّقتنا رَياحينَ الوِصالِ به / يدُ الرِّضا وسقَتْنا كأسَ بهجَتِهِ
كأنّ لُطفَ صَباها في أصائِلِها / لُطفُ الوزيرِ حُسينٍ في رعيّتهِ
فُزْنا بها وأمِنّا كلَّ حادثةٍ / كأنّما نحنُ في أيّامِ دولتِهِ
مضَتْ وللآنَ عِندي ليس يفضُلُها / شيءٌ من الدّهر إلّا يومُ نُصرتِهِ
يومٌ به أعيُنُ الأعداءِ باكيةٌ / والسّيفُ يبسِمُ مخضوباً بعزّتِهِ
والحتفُ يترعُ كاساتِ النّجيعِ به / والرُمْحُ يهتزّ نَشواناً بخَمرِتهِ
والذّنبُ أصبحَ مَسروراً ومُبتَهِجاً / واللّيثُ يندُبُ مفجوعاً بإخوَتِهِ
لقد رَماها بموّارٍ ذوابلُهُ / مثل الصِّلالِ تسقّتْ سُمَّ عزمَتِهِ
جيشٌ إذا سار يكسو الجوَّ عِثْيَرُه / فتَعثُرُ الشّمسُ في أذيال هَبوَتِهِ
دُروعُه الحزمُ من تسديد سيّده / وبيضُ راياتِه آراءُ حِكمَتِهِ
إذا الجبالُ له في غارةٍ عرَضَتْ / إلى الرّحيلِ تنادَتْ عوفَ وطأتِهِ
ترى به كلَّ مِقدامٍ بكلِّ وغىً / يرى حُصولَ الأماني في منيّتِهِ
شهمٌ إذا ما غديرُ الدِّرعِ جلّلَهُ / منهُ توهّمتَ ثُعباناً بحِليتِهِ
وإنْ تأبّطْتَ سيفاً خِلتَهُ قدَراً / يجري وتجري المنايا تحت قُدرتِهِ
فأصبحَ الحيُّ منها حين صبّحَها / يذري الدُموعَ على الصّرعى بعرْصَتِهِ
قد توّجَ الضّربَ بالهاماتِ مَعقِلُهُ / وورّدَ الطّعْنُ منه خدَّ تُربتِهِ
لم يدْرِ يفرحُ في فتحِ الحُسينِ له / إذ حازَهُ أم يعزّى في أعزَّتِهِ
فتحٌ أتاهُ وكان الصومُ ملبسَهُ / فهزّ عِطفَيْهِ في ديباجِ خِلعَتِهِ
أشابَ فودَيْهِ بالأهوالِ أوّلُه / وعاد أوّلُ يومٍ من شَبيبتِهِ
فتحٌ تراه المعالي نورَ أعيُنها / ويكتسي المجدَ فيه يومُ زينتهِ
إذا الرّواةُ أتوا في ذِكره سطَعَتْ / مجامرُ النّدِّ من ألفاظِ قصّتِهِ
سلِ الهُفوفَ عن الأعرابِ كم ترَكوا / منَ الكُنوزِ وجنّاتٍ ببقعَتِهِ
وسائِلِ الجيشَ عنهُم كم بهِم نسفَتْ / عواصِفُ النّصرِ طوقاً عندَ سطوَتِهِ
ما هُمْ بأوّلِ قومٍ حيَّهُم فرَدوا / فأهلكوا برُجومٍ من أسنّتِهِ
يَضيقُ رحبُ الفضا في عينِ هاربِهم / خوفاً وأضيقُ منها دِرعُ حِيلتِهِ
يا خالديّونَ خُنتُم عهدَ سيّدِكم / هلّا وفَيتُم وخِفتُم بأسَ صَولَتِهِ
يحيا دُعاكُم لمولاكُم لتقتَبِسوا / من نورِه فاِصطَلَيْتُم نارَ جَذوتِهِ
من جيشهِ أحرقَتْكُم نارُ صاعقةٍ / فكيفَ لو تنجلي أنوارُ طلعتِهِ
عارَضتموهُ بسِحرٍ من تخيّلِكُم / فكان موسى ويَحيى مثلَ حيَّتِهِ
أضلّكُم عن هُداكُم سامريُّكُمُ / حتّى اِتّخذتُم إلَهاً عِجلَ ضِلّتِهِ
كُنتُم بفوزٍ وجَنّاتٍ فأخرَجَكُم / إبليسُ منها وحُزتُم خِزيَ لَعنتِهِ
بَرّاكَ ربُّك ما برّاكَ منهُ ولا / خُصِصْتَ في برَكاتٍ من عطيّتِهِ
كفرْتَ في ربِّكَ الثاني وخُنتَ به / يَكفيكَ ما فيكَ من حِرمانِ نِعمتِهِ
يا زينةَ المُلكِ بل يا تاجَ سُوددِه / وحِليةَ الفخرِ بل يا طَرْزَ حُلّتِهِ
إن كان من فتحِ عمّوريّةٍ بقِيَتْ / ذُرّيّةٌ من بَنيه أو عَشيرتِهِ
فإنّ فتحَك هذا فذُّ توأمِه / وإنّ نصرَك هذا صِنْوُ نَخلتِهِ
لو كان يدري له في القَبرِ مُعتَصِمٌ / لَقامَ حَيا وعادَتْ رُوحُ غيرَتِهِ
فليَهْنِكَ اللّهُ في النّصرِ العزيزِ وفي ال / فتحِ المُبين وفي إدراكِ رِفعَتِهِ
وليتَ والدَكَ المرحومَ يشهدُ ما / منكَ الحُضورُ رَواهُ حالَ غَيبتِهِ
مَنْ مُبلِغٌ عنكَ هذا الفتحَ مسمَعَهُ / لكَيْ تكونَ سَواءً في مسرّتهِ
سَمعاً فديتُك مَدحاً من حليفِ ولاً / عليهِ صِدقُ وِلاءٍ من عَقيدتِهِ
مدحاً على وجنتَيْهِ ورْدَتا خجَلي / منكُم وأوضحَ عُذري فوقَ غُرّتِهِ
بوجهِه من ظُنوني في مكارِمِكُم / آثارُ حُسْنٍ وبِشْر فوقَ بَشْرَتِهِ
أحرَقْتَ بالصّدِّ عودي فاِسْتطابَ شذاً / أمَا تُشمُّ مَديحي طيبَ نفحتِهِ
هذا الّذي كان في ظرفي نضحْتُ به / فاِرشُفْ طِلا كأسِه واِلذذ بشَهْدَتِهِ
واِغفِر فِدىً لك نفسي ذنبَ مُعتَرِفٍ / بفضلكِم مُستَقيلٍ من خطيئَتِهِ
كُنْ كيفَ شِئْتَ فما لي عنكَ مُصطَبَرٌ / واِرْفُقْ بمَنْ أنت مَلزومٌ بذِمّتِهِ
لا زِلتَ يا اِبنَ عليٍّ رُكنَ بيتِ عُلاً / تهوي الوُجوهُ سُجوداً نحوَ كعْبَتِهِ
فخرُ الوَرى حيدريٌّ عمَّ نائِلُهُ
فخرُ الوَرى حيدريٌّ عمَّ نائِلُهُ / فجرُ الهُدى ذو المَعالي الباهراتِ علي
نجمُ السُّهى فلكيّاتٌ مراتِبُه / بادي السّنا نيّرٌ يسمو على زُحَلِ
ليثُ الثّرى قبَسٌ تَهمي أنامِلُه / غيثُ النّدى مورِدٌ أشهى من العسَلِ
بدْرُ البَها أفُقٌ تَبدو كواكِبُه / شمسُ الدُّنا صُبْحُ ليلِ الحادِثِ الجَلَلِ
سامي الذَرى صاعدٌ تُخشى نوازِلُه / حتفُ العِدا ضارِبُ الهاماتِ والقُللِ
طودُ النُّهى عندَ بيتِ المالِ صاحِبُه / سِمطُ الثّنا زينةُ الأجيادِ والدُّولِ
طِبُّ القِرى كفُّ يُمنِ الدّهرِ كاهِلُهُ / نابُ الرّدى أجلٌ في صورةِ الرَّجُلِ
روضٌ زَها منهلٌ طابَتْ مشارِبُه / روحُ المُنى منبعُ الآلاءِ والخَوَلِ
بحرٌ جَرى علقَميٌّ مُجَّ عاسِلُه / مُروي الصّدى مورِدِ العسّالةِ الذُّبُلِ
مُعطي اللّهى نبويّاتٌ مناقبُه / رحبُ الفنا نجلُ خيرِ الخلْقِ والرُسُلِ
مَقْنى الثّرى فاضلٌ عمّت فواضِلُه / عفُّ الرِّدا علَويٌّ طاهرُ الخُلَلِ
دهرٌ دَها قدَرٌ دارَتْ نوائِبُه / كنزُ الغِنى كهفُ أمْنِ الخائِفِ الوجِلِ
فَخرُ الوَرَى ذو المَعَالي البَاهِرَاتِ عَلِي
فَخرُ الوَرَى ذو المَعَالي البَاهِرَاتِ عَلِي / نَجمُ السُّهَى نَيّرٌ يَسمُو عَلَى زُحَلِ
لَيثُ الثَّرَى مَورِدٌ أَشهَى مِنَ العَسَلِ / بَدرُ البَهَا صُبحُ لَيلِ الحَادِثِ الجَلَلِ
سَامِي الذرَى ضَارِبُ الهَامَاتِ والقُلَلِ / طَودُ النُّهَى زِينَةُ الأَجيَادِ وَالدُّوَلِ
طِبُّ القِرَى أَجلٌ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ / رَوضٌ زَهَا مَنبَعُ الآلاءِ والخَوَلِ
بَحرٌ جَرَى مَورِدِ العَسَّالَةِ الذُّبُلِ / مُعطِي اللّهَى نَجلُ خَيرِ الخَلقِ والرُّسُلِ
مَقنَى الثَّرَى عَلَوِيٌّ طَاهِرُ الخُلَلِ / دَهرٌ دَهَا كَهفُ أَمنِ الخَائِفِ الوَجِلِ
دَهرٌ دَهَا قَدَرٌ دَارَت نَوَائِبُهُ
دَهرٌ دَهَا قَدَرٌ دَارَت نَوَائِبُهُ / مَقنَى الثَّرَى فَاضِلٌ عَمَّت فَوَاضِلُه
مُعطِي اللَّهَى نَبَوِيَّاتٌ مَنَاقِبُهُ / بَحرٌ جَرَى عَلقَمِيٌّ مُجَّ عَاسِلُهُ
رَوضٌ زَهَا مَنهَلٌ طَابَت مَشَارِبُهُ / طِبُّ القِرَى كَفُّ يُمنِ الدَّهرِ كَاهِلُهُ
طَودُ النُّهَى عِندَ بَيتِ المَالِ صَاحِبُهُ / سَامِي الذَرَى صَاعِدٌ تُخشَى نَوَازِلُهُ
بَدرُ البَهَا أُفُقٌ تَبدُو كَوَاكِبُهُ / لَيثُ الثَّرَى قَبَسٌ تَهمِي أَنَامِلُهُ
نَجمُ السُّهَى فَلَكِيَّاتٌ مَرَاتِبهُ / فَخرُ الوَرَى حَيدَرِيٌّ عَمَّ نائِلُهُ
فَخرُ الوَرَى حَيدَرِيٌّ عَمَّ نائِلُهُ
فَخرُ الوَرَى حَيدَرِيٌّ عَمَّ نائِلُهُ / نَجمُ السُّهَى فَلَكِيَّاتٌ مَرَاتِبهُ
لَيثُ الثَّرَى قَبَسٌ تَهمِي أَنَامِلُهُ / بَدرُ البَهَا أُفُقٌ تَبدُو كَوَاكِبُهُ
سَامِي الذَرَى صَاعِدٌ تُخشَى نَوَازِلُهُ / طَودُ النُّهَى عِندَ بَيتِ المَالِ صَاحِبُهُ
طِبُّ القِرَى كَفُّ يُمنِ الدَّهرِ كَاهِلُهُ / رَوضٌ زَهَا مَنهَلٌ طَابَت مَشَارِبُهُ
بَحرٌ جَرَى عَلقَمِيٌّ مُجَّ عَاسِلُهُ / مُعطِي اللّهَى نَبَوِيَّاتٌ مَنَاقِبُهُ
مَقنَى الثَّرَى فَاضِلٌ عَمَّت فَوَاضِلُهُ / دَهرٌ دَهَا قَدَرٌ دَارَت نَوَائِبُهُ
فَخرُ الوَرَى حَيدَرِيٌّ عَمَّ نائِلُهُ
فَخرُ الوَرَى حَيدَرِيٌّ عَمَّ نائِلُهُ / كَنزُ الغِنَى كَهفُ أَمنِ الخائِفِ الوَجلِ
نَجمُ السُّهَى فَلَكِيَّاتٌ مَرَاتِبهُ / عَفُّ الرِّدا عَلَوِيٌّ طَاهِرُ الخُلَلِ
لَيثُ الثَّرَى قَبَسٌ تَهمِي أَنَامِلُهُ / رَحبُ الفَنَا نَجلُ خَيرِ الخَلقِ والرُّسُلِ
بَدرُ البَهَا أُفُقٌ تَبدُو كَوَاكِبُهُ / مُروِي الصّدَى مَورِدِ العَسَّالَةِ الذُّبُلِ
سَامِي الذَرَى صَاعِدٌ تُخشَى نَوَازِلُهُ / رُوحُ المُنَى مَنبَعُ الآلاءِ والخَوَلِ
طَودُ النُّهَى عِندَ بَيتِ المَالِ صَاحِبُهُ / نابُ الرَّدَى أَجلٌ في صُورَةِ الرَّجُلِ
طِبُّ القِرَى كَفُّ يُمنِ الدَّهرِ كَاهِلُهُ / سِمطُ الثَّنَا زِينَةُ الأَجيَادِ وَالدُّوَلِ
رَوضٌ زَهَا مَنهَلٌ طَابَت مَشَارِبُهُ / حَتفُ العِدَا ضَارِبُ الهَامَاتِ والقُلَلِ
بَحرٌ جَرَى عَلقَمِيٌّ مُجَّ عَاسِلُهُ / شَمسُ الدُّنا صُبح لَيلِ الحادِثِ الجَلَلِ
مُعطِي اللَّهَى نَبَوِيَّاتٌ مَنَاقِبُهُ / غَيثُ النَّدَى مَورِدٌ أَشهَى مِنَ العَسَلِ
مَقنَى الثَّرَى فَاضِلٌ عَمَّت فَوَاضِلُهُ / بَادِي السَّنَا نَيّرٌ يَسمُو عَلَى زُحَلِ
دَهرٌ دَهَا قَدَرٌ دَارَت نَوَائِبُهُ / فَجرُ الهُدَى ذُو المَعالِي البَاهِرَاتِ عَلِي
فَجرُ الهُدى حَيدَرِيٌّ عَمَّ نائِلُهُ
فَجرُ الهُدى حَيدَرِيٌّ عَمَّ نائِلُهُ / بَادِي السَّنَا فَلَكِيَّاتٌ مَرَاتبهُ
غَيثُ النَّدَى قَبَسٌ تَهمِي أَنامِلُهُ / شَمسُ الدُّنَا أُفُقٌ تَبدُو كَوَاكِبُهُ
حَتفُ العِدَا صَاعِدٌ تُخشَى نَوازِلُهُ / سمطُ الثَّنَا عِندَ بَيتِ المَالِ صَاحِبُهُ
نَابُ الرَّدَى كَفُّ يُمنِ الدَّهرِ كَاهِلُهُ / رُوحُ المُنَى مَنهَلٌ طَابَت مَشَارِبُهُ
مُروِي الصَّدَى عَلقَمِيٌّ مجَّ عَاسِلُهُ / رَحبُ الفَنَا نَبَوِيَّاتٌ مَنَاقِبُهُ
عَفُّ الرِّدا فَاضِلٌ عَمَّت فَوَاضِلُهُ / كَنزُ الغِنَى قَدَرٌ دَارَت نَوَائِبُهُ
وصوت شادٍ حكى في سجع منطقهِ
وصوت شادٍ حكى في سجع منطقهِ / ورق الحمائِم تغريداً وتصويتا
إِذا تغنّى غدا في جنبِ نَغمتهِ / هاروتُ في حلباتِ السبقِ سكّيتا
ما حاز درَّ معاني لفظهِ أذني / إلّا يساقط من عيني يواقيتا
كأنّما الأفق لمّا شمسهُ غربت
كأنّما الأفق لمّا شمسهُ غربت / واللّيل يشمل درَّ الشهب مسدَفهُ
صبٌّ تردّى بأفواه الأسى فبكى / بدمع يعقوبَ لمّا غابَ يوسفهُ
ماذا على مَن أذى الأشواق ينهكه
ماذا على مَن أذى الأشواق ينهكه / لو أفصحَ الدمعُ عنهُ حين ينهكه
يا لائمي في هوى من لستُ أتركهُ / كم أكتم الوجدَ والأجفان تهتكه
وأُطلقُ الحبَّ والأحشاءُ تمسكه /
قالوا دعِ الحبَّ يا هذا ومسلكهُ / فكم سعى فيهِ من صبٍّ فأهلكهُ
فقلت والشوق داعي البين حرَّكهُ / عصانيَ القلب لمّا أن تملّكهُ
غيري فوا أسفاً لو كنت أملكهُ /
السحبُ تروي حديث الغيث عن حدقي / والورقُ تنقل سجع النوح عن قلقي
سل الّذي نام عن وجدي وعن حرقي / ما ضرَّ من لم يدع منّي سوى رمقي
لو كان يسمحُ بالباقي ويتركهُ /
ويح الفؤادِ أَيرجو من معذّبهِ / وصلاً ونيل الثريّا دون مطلبهِ
بعداً لما يتمنّى من تجنبهِ / لهفي على الوصل لو أنّي ظفرتُ بهِ
ما كلّما يتمنّى المرءُ يدركهُ /
لو أقسم المرءُ بالرحمنِ خالقه
لو أقسم المرءُ بالرحمنِ خالقه / بأنَّ بعضَ الورى لا شيءَ ما حنثا
إن كان شيئاً فغير اللَه خالقهُ / اللَهُ أكرمُ من أن يخلقَ العبثا