المجموع : 50
ما زلتُ أسمَعُ أنّ الشُّهبَ ثاقبةٌ
ما زلتُ أسمَعُ أنّ الشُّهبَ ثاقبةٌ / حتى رأيتُ شهاباً وهْوَ مَثْقوبُ
في كَفّهِ الدَّهْرَ أو في طَهرِه قَلَمٌ / فنِصفْهُ كاتبٌ والنِّصفُ مَكْتوب
شاوِرْ سِواكَ إذا نابَتْكَ نائبةٌ
شاوِرْ سِواكَ إذا نابَتْكَ نائبةٌ / يوماً وإن كنتَ من أهلِ المشوراتِ
فالعَيْنُ تَلْقى كِفاحاً ما نأى ودنا / ولا تَرى نَفْسَها إلا بمِرآة
قُل للعزيزِ عزيزِ الدينِ عن مِقَةٍ
قُل للعزيزِ عزيزِ الدينِ عن مِقَةٍ / مَقالةً مَن يُعِرْها سَمْعَهُ سَعِدا
تَهنيكَ عَزْمةُ صِدقٍ إذ عَزمْتَ على / خَيرٍ ولُقّيتَ في إتمامها رشَدا
مَبْناكَ للكُتْبِ داراً سوف تَجعَلُها / يَداك جامعةً من شَملِها بَددا
مثْلُ السّماء إذا أَمسَتْ وقد مُلِئَتْ / من النجومِ ليُوسِعْنَ الأنام هُدى
فلْتَهْنَ في أصفهانَ حيث حضْرَتُه / فذاك أدنَى إلى إسعادِ مَن وفَدا
حتّى إذا أَنْفَذتْ في مدْحِه عُصَبٌ / بضائعَ الفضلِ يَردُدْها لهم جُدُدا
إذا استفادوا لُهاً من عندهِ اقتَبسوا / نُهىً يكون على شُكْرِ اللُّها مددا
فامدُدْ يداً للمعالي ما تزال بها / مُطالِعاً في كتابٍ أو تُفيدُ يدا
لا تَحسَبنَّ خلودَ المرء مُمْتنِعاً / مَن ناطَ عُرْفاً بعِرْفانٍ فقد خلَدا
يُعايِشُ الدّهرَ عيشاً لا انقطاع له / مَن يَقرُن الفضلَ بالإفضالِ مُجتَهِدا
مُقسِّماً بين إحسانَيْهِ نَظْرَته / ما إن يَرى لأقاصي عُمْرِه أَمَدا
الفِكْرُ والذِّكْرُ لم يُثْلِثْهُما شَرفٌ / إذا اللّبيبُ على رُكنَيْهِما اعتَمدا
بالفِكْرِ في سِيَرِ الماضين تحسَبُه / كأنّما عاش فيهم تِلْكُمُ المُدَدا
والذِّكْرُ في الأُممِ الباقينَ يَجْعلُه / كأنّه غيرُ مَفْقودٍ إذا فُقِدا
وليس إلاّ على ذا الوجهِ إن نظَروا / يصِحُ معنىً لقولِ النّاسِ عِشْ أبدا
أَلَمّ صُبحاً وجَمْرُ الحَلْيِ قد بَرَدا
أَلَمّ صُبحاً وجَمْرُ الحَلْيِ قد بَرَدا / وقد بَدا يَخْطِفُ الأبصارَ مُتّقِدا
فهل رأَتْ قَطُّ عينٌ قبل رُؤْيتِه / جَمْراً به تَخْصَرُ الأيدي وما خَمَدا
وافَى شبيهَ خيالٍ منه مُستَرِقاً / وفي جفوني خَيالٌ منه قد وَفدا
واستَشخصَ الطّيفُ في عَيْني فقلتُ له / أَفي كرىً زائري أم يقظةٍ قَصدا
فقُمتُ للعينِ منّي ماسِحاً بيَدِي / ولاثماً منه رِجْلاً تارةً ويدا
مُغازِلاً لغزالٍ منه ذي غَيَدٍ / منه غَزالُ الفلاةِ استَوهَب الغَيدا
وِشاحُه حاسِدٌ في خَصْرِه هَيَفاً / والعِقْدُ في الجِيدِ منه يَحسُدُ الجَيدا
ذو عارِضٍ مُشرِقٍ يَفْتَرُّ عن بَرَدٍ / فَسمِّهِ إن أردتَ العارِض البَرَدا
مُضرَّجُ الخَدِّ إن قَرّبتَ مُقتَبِساً / من وجنَتَيْهِ سراجاً في الدُّجى وَقَدا
فقلتُ يا بدرُ ما هذا الطُّروقُ لنا / ولا طريقَ أرى إلاّ وقد رُصِدا
فكيف والحَيُّ أيقاظٌ مَررْتَ بهم / وما بدَوْتَ ونجمٌ لو سَرى لَبَدا
فقال في ليلِ أصداغي خَفِيتُ سُرىً / فكان مَن هَبَّ بالوادي كَمنْ هَجَرا
والحَيُّ قد أزمَعوا سَيْراً غداةَ غدٍ / كُلٌّ أعدَّ له عَيْرانةً أُجُدا
والعِيس أعناقُها شَطْرَ الحُداةِ لها / ميْلٌ كأنّك بالحادي بها وخَدا
وليس يَعْشَقُ طولَ اللّيلِ ذو كَلَفٍ / إلاّ إذا خَبَّروا أنّ الرّحيلَ غَدا
وقال هذا وَداعي فاستَعِرْ جَزعاً / من وَشْكِ فُرقتِنا أو فاستَعِرْ جَلَدا
وعاد كالنَّفَسِ المُرتَدِّ من سَرعٍ / والقومُ قد أخَذوا للرِّحلةِ العُدَدا
وَلَّى وفي الخَدِّ ما في العِقْدِ من دُرَرٍ / كأنّ ذائبَها في جِيدِه جَمَدا
وقامَ يَعثُر في أذيالِهِ دنِفٌ / للإلْفِ والقَلْبِ منه راح مُفْتَقِدا
صَبّ أقامَ وقد سارَتْ أحِبَّتُهُ / يُسامِرُ الهَمَّ طولَ اللّيلِ والسُّهُدا
وَلْهانَ يبكي بماءٍ أَحمرٍ أَسَفاً / كأنّما هو من آماقِه فُصِدا
قَتيلَ عينَيْهِ أو عَينَيْ مُنَعَّمةٍ / فليس يَعْلمُ مِمَّنْ يَطلُبُ القَودا
قد كنتُ أحسَبُ أنّي إن يَغِبْ سَكَني / يوماً أَمُتْ خجَلاً إن لم أَمُتْ كَمَدا
فقد تَدرَّبْتُ حتّى ما يُتَعْتِعُني / سُكْرُ الفِراقِ لِما قد راحَ بي وغَدا
فلستُ أخشَى عِثاراً في طريقِ نوىً / لأنّني منه أغدو سالِكاً جَددا
أمِنْتُ من فُرْقةِ الاُّلاّفِ غَيبْتَها / فمِنْ عزاءٍ كسَوْتُ الصّدْرَ لي زَرَدا
عندي منَ الدّهرِ مالو أنّ أَهْونَه / يَغْشى الثُّريّا رأوا مجموعَها بَدَدا
حَدٌّ يُكَلّفُني إقصاءهُ عُدَداً / ولستُ مُمتلِكاً إحصاءه عَدَدا
لو حَمَّلوا عِبْءَ قلبي مَتْنَ شاهقةٍ / صارتْ طرائقَ من أقطارِها قِدَدا
قلبٌ من الهَمّ ما يعلو له نَفَسٌ / كأنّما هو في أحشائهِ وُئدا
فالدّهرُ لولا بنوهُ وهو أقبَلَ في / جَيشِ الحوادثِ لم أَشعُرْ به أَبَدا
عَبِيدُ صَوْتٍ وسَوْطٍ يَملِكانِهمُ / لو أصبح البُخْلُ شَخصاً فيهمُ عُبِدا
يا مَنْ يظَلُّ خطيبُ القومِ يَجمَعُهم / حتّى إذا حَلَّ خطْبٌ كان مُنْفَرِدا
خُضْ وقعةَ الدّهرِ خَوضاً غيرَ هائبِها / فما غَنيمتُها إلاّ لمَنْ شَهِدا
كم تَقطَعُ العُمْرَ حِلْفاً للشّقاء كذا / وكم تُكابِدُ هَمّاً يَقْرَحُ الكَبِدا
وما السّعادةُ إلاّ مطْلَبٌ أمَمٌ / مَن قال أَسعَدُ مأْمولي فقد سَعِدا
شهابُ الشُّهْبُ مَرْآها له أَبَداً / من العُلُوِّ كمَرآنا لها بُعُدا
سُدٌّ لمملكةِ السّلطانِ فِكْرتُهُ / وماله منه سُدٌّ لا يُعَدُّ سُدى
إجالةُ الرّأيِ منه رايةٌ رفِعَتْ / وخَطّةُ السّطْرِ منه جَيشٌ احْتَشَدا
ليثُ الكتابةِ أو ليثُ الكتيبةِ مَن / طلبْتَ في بُرْدهِ لم تَعْدُ أن تَجِدا
ما بالْقَنا عَسَلانٌ في أكفِّهمُ / من خوفِ أقلامِه تُبدي القنا رِعَدا
متوِّجُ الكُتْبِ في طُغْرى يُنَمِّقُها / تاجاً به الكُتْبُ تَستَعْلِي إذا عُقِدا
قَوْساً وسَهْماً معاً يُمسى مَجازُهما / حقيقةً في حَشا المُخْفِي له حَسَدا
تَبْرِي أناملُه الأظفارَ من قَصَبٍ / مقوِّماً من قناةِ الدّولةِ الأَوَدا
لا غَرو إن صالَ في يُمْنَى يدي أَسَدٍ / ما ضَمّ غابُ اللّيالي مِثْلَهُ أَسَدا
لَعزَّما منه قد يُهدَي لأنمُلِه / مُشَجِّعٌ نبتُهُ في الغَيْضةِ الأَسَدا
له يَراعٌ يُراعُ الدّارعون له / يَثْني مُتون الأعادي والقَنا قِصَدا
وغُرُّ خَيلٍ عليها غُرُّ أغلِمةٍ / تَرْدِي فَتَرْدَى إذا ما مارِدٌ مَرُدا
زُهْرٌ إذا ركبوا كانوا نجومَ هُدىً / حتّى إذا غَضِبوا كانوا رُجومَ رَدى
ثَبْتٌ على الخيلِ في الهَيْجا وليدُهُم / كأنّه في سَراةِ الطِّرفِ قد وُلِدا
يا عاكفاً لم يَزْل قلبي بساحتهِ / إنْ كان شَخْصي دنا في الأرضِ أو بَعُدا
قد يَعلَمُ اللهُ مذْ فارقْتُ حضْرتَه / أنّ الولاءَ على العَهْدِ الّذي عَهِدا
لم تَلْبِسِ القُرْطَ أُذْني قَطُّ من كَلِمٍ / إلاّ إذا خَبرٌ من شَطْرِه وَرَدا
بأنّ عُقْبَى الّتي قد أقبلَتْ حُمِدتْ / وخيرُ عُقْبَى امرئ في الدّهرِ ما حُمِدا
وكيف لا أتمنّى عيشةً رغَداً / لمَنْ به صِرْتُ أُزجِي عيشةً رغَدا
كم قلتُ يا رب هَبْ طولَ البقاء لمَنْ / خلَقْتَه الروحَ معنىً والورى جَسَدا
أعِشْ لنا سالماً مَولىً نَعيشُ به / وأحْيِه هو بأْسا في الورى ونَدى
مَن لم أُجِلْ مُقلتي في مَنزلي نَظَراً / إلاّ أرى كُلَّ مالي بعضَ ما رفَدا
كم قلتُ للمَرْء يَلْقاني يُهنّئُني / لَمّا لَبِستُ جديداً وهْو منه جَدا
هو المُجدِّدُ ما أَفنَى مدى عُمُري / مَن قال أَبْلِ وجَدّدْ لم يقُلْ فَنَدا
فاللهُ للدّينِ والدُّنيا مُعَمِّرُه / عُمْرَ الزّمانِ جميعاً أو أَمَدَّ مَدى
وجاعِلُ الأولياءِ الطّائعين له / من الرّدى والأعادي الرّاغمين فِدى
قَوْمٌ تُناطُ بنَفْعِ النّاسِ همَتُه / ومَن بحقٍّ سَما لمّا سَما صُعُدا
دعِ القِرانَ لقومٍ يَحكمون به / إن كنتَ للحُكْمِ بالقُرآنِ مُعتَقدا
واقرأْ فقد ضَمِن اللهُ البقاءَ له / ومَنْ مِنَ اللهِ أَوفَى بالّذي وعدا
ما ينفَعُ النّاسَ يَبْقَى ماكثاً لهمُ / وذاهبٌ زائلٌ ما يَرتَقي زبَدا
فهاكَها فِقَراً كالرّوضِ مُبتَسماً / والعِقْدِ منتظماً والرُمْحِ مُطّرِدا
ما ضَرّ أن لم تكن سيّارةً شُهُباً / مادُمْتُ أَقرِضُها سَيّارةً شُرُدا
إن لم تكن شُهُباً في نَفْسِها طَلَعَتْ / ففي مَنِ الشهْبُ لا يَصعِدْن ما صَعِدا
شهابُ دينٍ يُسَرُّ النّاظرون به / إن يَكْتحِلْ بسَناهُ مَنْ غَوى رَشدا
نَوْءٌ وضَوءٌ إذا عايَنْتَ طَلْعتَه / فلِلورَى من مُحَيّاهُ ندىً وهُدى
حَبْرٌ متى أنفذَتْ في مَدْحِه عُصَبٌ / بضائعَ الفَضلِ يَردُدْها لهم جُدُدا
إذا استفادُوا لُهاً من عِنده اقْتَبسوا / نهىً تكون على شُكرِ اللُّها مَدَدا
يا مَن يَمُدُّ يَداً ما إن يَزالُ بها / مُطالِعاً في كتابٍ أو يُفيدُ نَدى
مُقسِّماً بين إحسانَيهِ ناظِرَهُ / ما إن يُرَى لائماً في عُمرِه أبَدا
لا تَحسبَنَّ خلودَ الدّهرِ مُمتَنِعاً / مَن ناط عُرْفاً بعِرفانٍ فقد خَلَدا
يُعايشُ الدّهرَ عيشاً لا انقضاءَ له / مَن يَقُرنُ الفَضلَ بالإفضالِ مُجتَهدا
الفِكُر والذِكُر لم يُثلِثْهُما شرفٌ / إذا اللّبيبُ على رُكنَيهما اعتَمَدا
بالفِكر في سِيَر الماضينَ تَحْسَبه / كأنّما عاش فيهم تِلكُم المُدَدا
والذّكْرُ في الأمَمِ الباقين يَجعلُه / كأنّه غيرُ مفقودٍ إذا فقِدا
وليس إلاّ على ذا الوجْهِ فاقتَنِه / مَعنىً يَصِحُّ لقَول النّاسِ عِشْ أبدا
أقولُ يا أهلَ تَبريزَ لكلِّكُمُ
أقولُ يا أهلَ تَبريزَ لكلِّكُمُ / سوى أكابرَ بين العَصْرِ أفْرادا
فيكم جَوادٌ وفيكم مَن يَضِنُّ غِنىً / فدفْنُ مَن شَحَّ منكم في اسْتِ مَن جادا
اليَومَ عادَ رَجائي مورِقَ العودِ
اليَومَ عادَ رَجائي مورِقَ العودِ / وَأَنجَزَ الدَهرُ مِنهُ كُلَّ مَوعودِ
العيدُ عادَ إِلى عودي بِخُضرَتِهِ / وَالحالُ حالَ عَلى حالي بِتَجديدِ
وَاليُمنُ مِن عَن يَميني غَيرُ مُنقَطِعٍ / وَاليُسرُ مِن عَن يساري غَيرُ مَصدودِ
وَكُلُّ هَذا بِيُمنٍ عادَ يَشمَلُني / مِن مَقدَمٍ لِأَمينِ المُلكِ محمودِ
إِذ عادَ بِالطائِرِ المَيمونِ مُبتَهِجاً / يَختالُ ما بَينَ تَمكينٍ وَتَأييدِ
وَجاءَ في مَوكِبِ الإِقبالِ يَنشُرُ مِن / نَصرٍ بِناصيَةِ الراياتِ مَعقودِ
وَجَرَّ ذَيلَ العُلا وَالمَجدِ يَخطِرُ في / رَيعٍ مِنَ العِزِّ مَعمورٍ بِتَخليدِ
فَاِرتاحَ رَكبُ بَني الآمالِ قاطِبَةً / إِلَيهِ يُحدَونَ بِالمَهرِيَّةِ القودِ
يَسرونَ في البيدِ أَرسالاً وَسَيرُهُم / إِلى فَتىً صَدرُهُ أَفضى مِن البيدِ
يَستَمطِرونَ النَدى مِن كَفِّ ذي كَرَمٍ / يُعطيكَ مِن غَيرِ تَكديرٍ وَتَنكيدِ
فَتىً غَدا الجودُ مَوجوداً بَخِلقَتِهِ / وَلَم يَكُن قَبلَهُ جودٌ بِمَوجودِ
يَجودُ حَتّى لِيُعدي الجودُ سائِلَه / فَهَل رَأَيتُم جَواداً جادَ بِالجُسودِ
فَأَيُّ مَجمَعٍ وَفرِ غَيرُ مُفتَرِقٍ / وَأَيُّ مَحفِلِ حَمدٍ غَيرُ مَشهودِ
وَأَيُّ سِلكِ ثَناءٍ غَيرُ مُتَّصِلٍ / وَأَيُّ حَبلِ رِجاءٍ غَيرُ مَمدودِ
مُهذَّبُ الخُلقِ مَعسولٌ شَمائِلُهُ / مُوَفَّقُ الرَأيِ مَلحوظٌ بِتَسديدِ
مُحَسَّدُ الفَضلِ ما بَينَ الوَرى أَبَداً / وَما سَمِعنا بِفَضلٍ غَيرِ مَحسودِ
في كَفِّهِ قَلَمٌ تَجري بِمَدَّتِهِ / عَينا دَمٍ وَعَطاءٍ غَيرِ تَصريدِ
البيضُ وَالسودُ تَعيا عَن مَداهُ وَإِن / أَنشا يُؤَلِّفُ بَينَ البيضِ وَالسودِ
فَما اللَيالي وَلا الأَيّامُ فاعِلَةٌ / فِعالَها عِندَ إِرخاءٍ وَتَشديدِ
أَضحى أَبو طالِبٍ دونَ الوَرى كَرَماً / وَلِلندى بِيَدَيهِ كُلُّ إِقليدِ
بَنى لَهُ في العُلا أَسلافُهُ شَرَفاً / وَجاءَ يُتبِعُ ما شادوا بِتَشييدِ
ذو رُتبَةٍ في القُرَيَّتَينِ عالِيَةٍ / يَرمي العِدا دونَ أَدناها بِتَبعيدِ
وَغُرَّةٍ في جَبينِ الدَهرِ شادِخَةٍ / مَوروثَةٍ مِن عُلا آبائِهِ الصِّيدِ
قَد مَهَّدَ اللَهُ أَكنافَ العَلاءِ لَهُ / وَاللَهُ يُؤثِرُ أَقواماً بِتَمهيدِ
وَأَصبَحَت أَشقِياءُ الخَلقِ مِن يَدِهِ / تَخوضُ وِردَ نَعيمٍ غَيرَ مَعدودِ
وَلَو قَضَت ما عَلَيها لَاِكتَسى وَرَقاً / مِن فَيضِ كَفَّيهِ مِنها كُلُّ جُلمودِ
فَمَن يُبَلِّغُ عَنّي مَجدَ دَولَتِهِم / مِنَ النَصيحَةِ قَولاً غَيرَ مَردودِ
بِسَيفِ رَأيِ اِبنِ مَنصورٍ نُصِرتَ عَلى / عِداكَ لَمّا تَساعَو بِالمَكاييدِ
فَاِشدُد يَدَيكَ بِنَدبٍ مِنهُ مُنتَصِرٍ / تَلقَ الوَرى بِكَمالِ غَيرِ مَجحودِ
يَنالُ مالُكَ أَقصى الحِفظِ في يَدِهِ / وَمالُهُ هُوَ مَخصوصٌ بِتَبديدِ
يَوَدُّ أَعلى مُلوكِ الأَرضِ مَنزِلَةً / لَو كانَ يُلقي إِلَيهِ بِالمَقاليدِ
لَكِنَّها قِسَمٌ يَجري القَضاءُ بِها / مِنَ الوَرى بَينَ مَجدودٍ وَمَحدودِ
هُنِّئتَ يا أَحسَنَ الإِحسانِ أَن جُمِعا / عيدانِ قَد رَوَّحا عَن كُلِّ مَجهودِ
إِظلالُ فِطرٍ وَعودٌ مِنكَ مُنتَظِرٌ / وَذاكَ أَولاهُما مِنّا بِتَعييدِ
فَاِسلَم وَدُم لِلعُلا في عيشَةٍ رَغَدٍ / مُطَرَّزٍ ثَوبٌ نُعماها بِتَأييدِ
وَاِسمَع إِذا شِئتَ مِنّي كُلَّ شارِدَةٍ / كَالعِقدِ تُجعَلُ مِن عُلياكَ في جيدِ
مِمّا نَأَيتُ بِذِهنٍ غَيرَ مُحتَبِسٍ / عَلى القَوافي وَطَبعٍ غَيرِ مَكدودِ
كَنَسجِ مَسرودَةِ العِطفَينِ سابِغَةٍ / أَو نَظمِ مُنخَرِطٍ في السِلكِ مَسرودِ
يا سَيِّداً سَوَّدَتهُ الناسُ قاطِبَةً / لا كَالَّذي سادَهُم مِن غَيرِ تَسويدِ
وَمَن غَدا وَلَهُ في كُلِّ ما نَفَسٍ / مِنَ الجَلالَةِ أَمرٌ غَيرُ مَعهودِ
قَد عَيَّدَ اليَومَ كُلُّ الناسِ قاطِبَةً / مَسَرَّةً بِقُدومٍ مِنكَ مَسعودِ
وَكانَ عيدُ الوَرى مِن بَعدِ صَومِهِمُ / فَجِئتَهُم أَنتَ قَبلَ العيدِ بِالعيدِ
حَظٌّ مِنَ النَصرِ وَالتَأييدِ مُعتادُ
حَظٌّ مِنَ النَصرِ وَالتَأييدِ مُعتادُ / وَرُتبَةٌ في العُلا وَالمَجدِ تَزدادُ
وَنِعمَةٌ في قَرارِ العِزِّ خالِدَةً / وَكَوكَبٌ في سَماءِ الفَخرِ وَقّادُ
وَدَولَةٌ لِأَمينِ الدَولَةِ اِشتَبَهَت / أَيّامُها بِحُلاها فَهيَ أَندادُ
كُلٌّ يُهَنّي بِيَومِ العيدِ صاحِبَهُ / لِأَنَّ أَعيادَهُم في الدَهرِ أَفرادُ
وَلا أَخُصُّ لَهُ يَوماً بِتَهنِئَةٍ / أَيّامُهُ كُلُّها لِلناسِ أَعيادُ
كَأَنَّني حينَ أَلوي مِن مَعاطِفِهِ
كَأَنَّني حينَ أَلوي مِن مَعاطِفِهِ / أَثني قَضيباً مِنَ الرَيحانِ مَيّادا
لولا طُروقُ خيالٍ منكَ مُنتظَرِ
لولا طُروقُ خيالٍ منكَ مُنتظَرِ / يُلمُّ بي راقداً ما ساءني سَهَري
وإن خَلتْ منك عَيني حين تُسهِرها / فليس يُخْليك طُولُ الوجْد من فِكَري
تَحُلُّ في ناظِري إن زُرتَني أبداً / عِزّاً وفي خاطِري إن أنت لم تَزُر
يا مَن غدا فَرْط حُبّي وهْو يَحملُه / على البصيرة منّي أو على البَصَر
إنْ تَغْشَ طَرْفي وقلبي نازلاً بهما / فالطرفُ والقَلبُ كُل مَنزلُ القَمر
إن يَطْرُقِ الطّيفُ عَيني وهْي باكيةٌ / فالبَدْرُ في الغيم يَسْري وهْو ذو مَطر
عَمْري لقد سَحَر الأبصارَ حين سَرى / بَدراً ولم يُر لمّا زار في سَحَر
فَمَرَّ مِنّي بغُمْضٍ كان جاء به / وقُمْتُ أبكي بدمْعٍ عندها دَرَر
كأنّ جَفْنِيَ إكراماً لزائرِه / أمسَى على قَدمَيْه ناثرَ الدُّرر
تحيّةٌ من عَرارِ الرَّمْلِ واصلةٌ / والرَّكبُ يَطلُعُ من أعلامِ ذي بَقَر
وليس بالرّيح إلاّ أنّها نَسمَتْ / على مساحب ذيلٍ بالحِمَى عَطِر
كم زرتُهم وحُماةُ الحَيِّ مانعةٌ / للبيضِ بالبيض أو للسُّمْر بالسُّمُر
أرمي إليهم بطَرْفِ العَيْن أقسِمُه / بين الرّقيب وبين الإْلف من حَذَر
كعَينِ ذي ظَمأ أمسَتْ مُعايِنةً / للماء ساعةَ لا وِرْدٍ ولا صَدَر
لله خيلُ بُكاً تَجْري صَوالِجُها / أهدابُ عَيني وقَطْرُ الدّمع كالأُكر
تَخُدُّ حَلْبةَ خَدّي كلّما ذكروا / منها سَوابقُ ما تَنفكُّ في حُضُر
والجوُّ كالرّوضةِ الخضراءِ مُعرِضةٌ / لناظرِي والنّجومُ الزُّهْرُ كالزَّهَر
واللّيلُ كالرّاية السّوداء قدّمَها / للصُّبِح خيلٌ تُرى مُبيضّةَ الغُرَر
يَحكي لواءَ بني العبّاس يومَ وغىً / إذا بدا وجيوشُ التُّركِ في الأثَر
لا حائدٌ عنهما يَنجو على بُعُدٍ / أن يُدرِكهُ ولا يَأْوي إلى وَزَر
هما اللّذانِ إذا مالا على أُمَمٍ / لم يُبْقِ مَرُّهما شيئاً ولم يَذَر
إنْ ساعَدا زَمناً أو عانَدا أتَيا / بغايةِ التّفعِ للأقوامِ والضَّرر
لا يَعجبَنّ ملوكُ الأرض حين غدَوْا / واسْمُ السّوادِ لديهم رايةُ الظَفَر
لو لم يكُنْ وأيادي اللّهِ سالفةٌ / هذا الشِّعارُ معَ الأفلاك لم تَدُر
قد أَسندَتْ أَمرَها الدُّنيا إلى مَلِكٍ / ما افتَرّ عن مثْلِه خالٍ منَ العُصُر
كأنّما قال أَحداثُ الزّمانِ له / يا أَقدرَ النّاسِ قُمْ للّهِ فانتَصِر
فقد غدا الدّينُ يُغضي طَرْفَ مُضطَهَدٍ / وأَصبحَ الحقُّ يُخْفي شخصَ مُستَتِر
فقام مُستَظْهراً باللّهِ يُظْهِرُه / بالرَأْيِ طَوراً وبالهِنديّةِ البُتُر
راعٍ يَبيتُ على قاصي رَعيّتِه / فؤادُه كجناحِ الطّائرِ الحَذِر
محاسنُ السّلَفِ الماضينَ كُلِّهمُ / مجموعةٌ فيه جَمْعَ القَطْرِ في الغُدُر
له يدٌ خُلِقَتْ للجودِ فهْو لَها / طبعٌ كما خُلِقَ العينانِ للنَّظَر
إن أنت يا بحرُ لم تَملِكْ ندىً خَضِلاً / فمِنْ يمينِ الإمامِ القائمِ اسْتَعِر
وأَنت يا بَدرُ إن أَظلَمْتَ في أُفُقٍ / فجُزْ بسُدّتهِ العَلْياء تَستَتِر
ويا حُسامُ إذا لم تَحْكِ عَزْمتَه / فما تَسَمّيك بالصّمصامةِ الذَّكَر
مَلْكٌ إذا قَدَّرتْ أمراً عزائمُه / وافَى معَ القدَر الجِاري على قَدَر
في مَعْرِضِ السِّلْمِ تَجلو الحَرْبُ نَجدَته / إذا الأعادي رَمَوا باللّحْظِ من أَشَر
فالسُّمْرُ مركوزةٌ والبِيضُ مُغمَدةٌ / لكنّها في طُلىً منهمْ وفي ثُغَر
إذا تلاقَتْ له يوماً قناً وعِداً / أَجلَيْنَ عن مِزقٍ منها وعن كِسَر
من كلِّ كَعْبٍ لها بالكَعْبِ مُختلِطٍ / وكلِّ صَدْرٍ لها في الصَّدْرِ مُنْكَسِر
للّهِ دَرُّك إذ تَرعَى الورَى حَدِباً / من مُقْتفٍ سُنَنَ الآباء مُقْتَفِر
له من الحَبْرِ عبدِ اللّهِ علْمُ هُدىً / يُجْلَى من النُّطْقِ في أَبهَى من الحِبَر
ويَسحَرُ القلبَ تسويدُ البياضِ بِه / كأنّما هو مجموعٌ منَ الحَوَر
يا مَنْ سريرتُه عَدْلٌ وسيرتُه / لكلِّ مُستَخْبِرٍ عنها ومُخْتَبِر
نَفديك من مَلِكٍ إنْ يَغْدُ مُنْتَقِماً / يُمهِلْ وإنْ يُسألِ الإنعامَ يَبتَدِر
أَغَرُّ أَزهَرُ فيّاضٌ أَنامِلُه / من معشرٍ كمصابيحِ الدُّجَى زُهُر
قومٌ بنو خَيرِ أَعمامِ النّبيِ هُمُ / فما يُدانيهمُ فَخْرٌ لمُفتَخِر
يا وارثَ الأرضِ والأمرِ المُطاعِ بها / إرْثاً من السّابقِ المكتوبِ في الزُّبُر
بِكُمْ قديماً رسولُ اللّهِ بَشَّرنا / كما بِه بشّرتْنا سالفُ النُّذُر
لمّا غدا من أبيكم واضِعاً يَدَهُ / مَجداً على ظَهْرِ خيرِ البدْوِ والحضَر
وأنتُمُ فيه أسرارٌ مُكتَّمةٌ / من كلِّ وارثِ مُلْكِ الأرضِ مُنتظَر
إليكُمُ مَدَّ يُمناهُ يُعاهِدُكم / هُناك بالعدلِ والإحسانِ في السِّيَر
شبيهَ ما عاهدَ اللّهُ الأنامَ وهم / من بعدُ في الظَّهْرِ سِرٌّ من أَبي البَشَر
حُكْمٌ قضَى لكُمُ رَبُّ السّماء به / على العبادِ برَغْمِ الكاشِحِ الأشِر
هل بعد قولِ رسولِ اللّهِ من رِيَبٍ / أم هل كصِدقِ رسول اللّه في خَبَر
سَمَّى الخلافةَ مُلكاً بعد أَربعةٍ / هم في الأنام وأنتم خِيرةُ الخِيَر
وقال من بعدُ للعبّاس في مَلأَ / افخَرْ فأنت أبو الأملاك من مُضَر
فعِلْمُنا مُدّةَ الدنيا خلافَتُكُم / بواضحٍ في بُطون الكُتْب مُستَطَر
لا مثْلما زعمَتْ من جَهْلِها عُصَبٌ / لا يَرجِعون إلى عَيْنٍ ولا أَثَر
هل بعدَ حقٍ إذا صحَّتْ دلائلُه / إلاّ ضلالٌ فخُذْ إنْ شِئْتَ أو فَذَر
إذا تَلوْنا أحاديثاً رُوِينَ لكم / تَريبُنا نَفْرةٌ تَبدو على نَفَر
حتّى لقد صار يَحكي قولُ ذي أثَرٍ / على فؤادِ المُعادي فِعْلَ ذي أُثُر
عليه حَرْفٌ من المأثور مُشتَهِرٌ / نظيرَ حَرْفٍ من المأثورِ مُشتَهر
إلى إمام الهُدَى مَدَّتْ هَواديَها / عِيسٌ وصلْن لنا الآصالَ بالبُكَر
حتّى حطَطْنا إلى الزّوراء أرحُلَها / وعُوجُ أضلاعِها يُعدَدْن من ضُمُر
كأنّها من وعولٍ وَسْطَ مُنتطَحٍ / سلَكْنَ أو من رماحٍ بين مشتَجَر
سارتْ بنا وسرَتْ حتّى أَتَتْه بنا / ومَن يَزُرْ كعبةَ العلياء لم يَجُر
خليفةَ اللهِ صفْحاً عن أخي زَلَلٍ / فَمدْحُ مثْلكَ شَيءٌ ليس في القُدَر
لغيرِك الدّهرَ قَولي إن مَدحتُ أَصِخْ / وعند مَدحِك قَولي كلُّه اغتَفِر
إن لم تُعِدْ نظَراً فينا بعَيْن رِضاً / لم يَخلُص الصَفْوُ لي يوماً من الكَدَر
لولا رجاءٌ وخوفٌ منك مُقتَسَمٌ / ما كان عن ذنْبه دهرٌ بمُعْتَذِر
الدّهرُ عَبدُك تُرعيه الورى كرماً / فَمُرْه فينا بما أَحبَبْتَ يأْتَمِر
والأرضُ دارُك والنُّعمَى قِراك بها / والضيّفُ كُلُّ الورى والنّحْرُ بالبِدَر
فَدُمْ كذاكَ أميرَ المؤمنين لنا / جَذْلانَ في ظِلِّ مُلْكٍ غيرِ مُنحَسِر
وصُمْ وأَفطِرْ بسَعْدٍ وارْمِ أَفئدةَ ال / حسّادِ يُصبِحْنَ من مُصمىً ومُنفطِر
تَغْدو بآلِكَ ذا نَفْسٍ مُمتَّعةٍ / وأَوليائك في طُولٍ من العُمُر
ما لاحَ في جُنْحِ ليلٍ أَنجمٌ زُهُرٌ / كأنّها غُرَرٌ يَلْمَعْنَ في طُرَر
أمّا الغزالُ الذي أَهوَى فقد هَجَرا
أمّا الغزالُ الذي أَهوَى فقد هَجَرا / أنْ عادَ رَوضُ شبابي مُبدِياً زَهَرا
فهل سَمعْتُمْ بظَبْيٍ في مَراتعِه / إذا رأَى زَهَراً في رَوضةٍ نَفَرا
قد كنتُ سارِقَ عيشٍ غيرَ مُفتَكِرٍ / من تحت ليلِ شبابٍ كان مُعتَكِرا
فالآن أقمَرَ ذاك اللّيلُ من كِبَرٍ / فَعُدْتُ عن سَرَقِ اللّذّاتِ مُنزَجِرا
عُلُوُّ سِنٍّ ضحا رأسي له عَجلاً / والظِلُّ مهما تعالَتْ شمسٌ انحَسَرا
نَضا رِداء سوادٍ كنتُ لابِسَه / فانظُرْ بأيِّ شعارٍ فُجِّعَ الشُّعَرا
وشِبْتُ فاحتجبتْ عنّي الحسانُ قِلىً / وكان منهنّ طَرْفي يَجْتلي صُوَرا
إذا بياضٌ أفاتَ المرءَ رُؤيةَ مَنْ / يَهوَى فسِيّانِ شَعْراً حَلَّ أو بَصَرا
عَصْرٌ أُجِدُّ بتَذْكاري له طَرَباً / حتّى أُقطِّعُ أيامي به ذِكَرا
يا قاتَلَ اللهُ بدراً لستُ أَذكرُه / إلاّ تَرقرقَ دَمعُ العَينِ فابتَدَرا
إلْفٌ أقولُ قياساً عند رُؤيتِه / إذا بدا وإذا ما زار طيفُ كَرى
مُقنَّعٌ في جُفوني كلّما رقَدَتْ / أم يُوشَعٌ في يدَيْهِ كلّما سَفَرا
بَدْرٌ سِدادُ طريقِ الدَمعِ مَطلِعُه / في ناظري فمتى ما غابَ عنه جَرى
لِثامُه مثْلُ غَيْمٍ حَشْوه بَرَدٌ / يَشِفُّ من بُعُدٍ عنه وما حُدِرا
كأنّما سَكِرَ العَينانِ منه بما / تقولُ في فيهِ من أصداغِه عُصِرا
تَمَّتْ محاسِنُه إلاّ قَساوتَه / على الأنام وإلاّ قَتْلَهمْ هَدَرا
كأنّه صنَمٌ أهدَى الحياةَ له / رَبُّ العبادِ وأبقَى قلبَه حَجَرا
لَيلي وعَينيَ لا أدري لفُرقتِه / أجُنحُه طالَ لي أم جَفنُها قَصُرا
كأن جَفْنيَّ طُولَ اللّيلِ من أرَقٍ / على حَجاجَيَّ بالأهدابِ قد سُمِرا
أو الإمام غداة العَرْضِ حين غَزا / تقاسَمتْ صُبْحَ ليلي خَيلُه غُرَرا
لمّا تَجلّتْ من الزّوراء طالعةً / تحت الفوارسِ مَرْحَى تَنْقُضُ العُذَرا
سودٌ بُنوداً وبيضٌ أوجهاً طلَبتْ / عِداً لِتَخْضِبَ حُمْراً منهُمُ السُّمُرا
تَحُفُّ أرْوعَ مَيْموناً نقيبتُه / مهما أشار بها لم يَعْدُه أشِرا
مَلْكٌ يقودُ جنوداً من ملائكةٍ / في طاعةِ اللهِ لا يَعصُونَ ما أَمَرا
وآخَرِينَ طِلاعَ الأرض من بُهَمٍ / تَهُزُ أيمانُها الهِنديّةَ البُتُرا
قومٌ إذا غَرسُوا بين الضلوعِ قناً / عادتْ حَوامِلَ من هامِ العِدا ثَمَرا
لم يَبقَ في الأرضِ لا ظُلْمٌ ولا ظُلَمٌ / إلاّ طُوِي بِيَدِ العدلِ الّذي نُشِرا
وقام مسترشِداً باللهِ أَرشَدَه / فما يطيشُ له سَهمٌ إذا افتكَرا
فإن دعا كان جُودُ الغَيثِ مُتَّصلاً / وإن سَخا كان غَيْثُ الجُودِ مُنَهمِرا
لا يَعجَبِ القومُ إنْ أَبدَى تَجَرُّدَهُ / فإنمّا هو سيفُ اللهِ قد شُهِرا
هم أغضبوا اللّهَ فاجتاحَ العُداةَ به / لا غَرو حين وتَرْتَ اللّهَ إن ثَأرا
لمّا أطالَ الطُّلَى قومٌ إلى فِتَنٍ / لم يُمْهِل السّيفُ حتّى قَصَّر القَصَرا
ضَرْباً إلى الأرضِ للتقبيلِ راغمةً / تَلقَى الثُغورَ وطَعْناً يَنِظمُ الثغَرا
ورَشْقةً تَخطِفُ الأرواحَ صائبةً / مِمّا تُطايرُهُ نارُ الوغَى شَرَرا
للمارِقينَ من الدّينِ الّذين طغَوْا / بالمارقاتِ من النَبْعِ الّذي انْأطَرا
تَجنَّحوا بسهامٍ في جُنوبِهمُ / لولا وَشيكُ الرّدى طَاروا بِها حَذَرا
لم يأكلِ النّسْرُ قَتْلاهم مُشاكلَةً / لمّا علا شِلْوَهم مَن ريشُهُ اشتَكَرا
قد أضحتِ الأرضُ تُحِكي تحتهم وضَماً / مِمّا قتلْتَ فلمَ تَعدَمْ بهمْ وضَرا
فلو غَسلْتَ الثَرى من وَطء أرجُلِهم / بغيرِ ماءِ الطُّلى منهمْ لمَا طَهُرا
فحاطَكَ اللهُ مَلْكاً ثار مُمتَعِضاً / للدِينِ حتّى جَلا عن وَجْهِهَ القَتَرا
لو لم تُكَسَّرْ رماحُ الخَطِّ شاجرةً / إذَنْ لكانَ لكَسْرِ الدّينِ ما جَبَرا
نُصْحاً لكم يا ملوكَ الأرضِ فانتَصِحوا / كفَى برائعِ ما بُلّغتُمُ خَبَرا
هو ابْنُ مَن بعجَ اللهُ الغمامَ له / حتّى تَرهْيا فأحيا البَدْوَ والحَضَرا
فحاذِروا مَن إذا ما شاء مُنتقماً / عَدَّ الحديدَ غماماً والدَّمَ المَطَرا
فيئوا إلى كُتْبِه واخشَوْا كتائبَهُ / قد أصحَر اليومَ ليثٌ طالما خَدَرا
نافٍ غِرارَيْهِ من جَفْنَيهِ ذو حَدَبٍ / يُواصِلُ الضَرْبَ دون الدِّينِ والسّهَرا
فِداؤكم آلَ عبّاسٍ وإنْ صَغَروا / من العدا مَن أسرَّ الخُلْفَ أو جَهَرا
حُكْمٌ منَ الله في الدُّنيا لدولتِكم / ألاّ يُغادِرَ حَيّاً مَن بها غَدَرا
ما استوطأ الظّهرَ مِن عَصيانِكم أحدٌ / إلاّ وقالتْ له الأيّامُ سوف تَرى
ما جَرَّد السَّيفَ باغٍ حَرْبَكم فرأى / لذلكِ السيفِ إلاّ نفسَه جَزرا
لقد رأى اللّهُ ما أَبَدى خليفتُه / وما أعادَ مِنَ العدْلِ الذي اشتَهرا
خلافةٌ رشّحتْهُ السّابقونَ لها / وِراثةً قد نَفَوا عن صَفْوِها الكَدَرا
ودَرَّجتْه إليها أوّلونَ دَعَوا / للمؤمنينَ فذادوا عنهمُ أُمَرا
سَفّاحُهم بَعْدَهُ المنصورُ يَتْبَعُه ال / مَهديُّ واقتفَر الهادي له الأَثرا
ثُمّ الرّشيدُ وأبناءٌ له نُجُبٌ / ثلاثةٌ للهُدَى أَعزِزْ بهِم نَفَرا
أمينُ مُلْكٍ ومأمونٌ ومُعتَصِمٌ / وواثقٌ وكفَى فَخْراً لِمَنْ فَخَرا
ومَن تَوَّكل فيما قد تَقلَّدَه / ومَن دَعَوه لدينِ اللّه مُنْتَصِرا
والمُستعينُ له المُعتَزُّ مُرتَدفٌ / والمُهتدي بالإلهِ المُرتَضَى سِيَرا
وقام مُعتَمِدٌ يَتلوهُ مُعتَضِدٌ / ومُكْتَفٍ مُعْقِبٌ للمُلْكِ مُقْتَدِرا
والقاهرُ العَدْلُ والرّاضي ومُتّقِياً / فاذْكرْ ومُستَكْفياً من بَعْدِ مَنْ ذُكِرا
ثُمّ المُطيعُ يَليهِ الطّائعُ اختُتِمَتْ / عُلْياهُ بالقادرِ الكافي إذِ اقتدرا
وقائمٌ قد تَلاهُ مُقْتَدٍ سَبَقا / أيّامَ مُستَظْهِرٍ باللّهِ قد ظَهَرا
خلائفٌ نُظِموا في سِلْكِ دَهْرِهمُ / ونورُ وَجْهِك منهم في المنونِ سَرى
فما عدا وهْو سِرُّ اللّهِ أَضمَرَه / بيومِ إظْهارِه أن بَشَّرَ البَشَرا
وَثمَّ عِدّةُ أملاكٍ ذَوي شَرَفٍ / تَقَدَّموه وكانوا أنجُماً زُهُرا
عِشرونَ يَتْبَعُها منهم ثمانيةٌ / كانوا المنازلَ والمسترشدُ القَمَرا
إنِ استَسَرَّ وراءَ الحُجْبِ آوِنةً / فقد شفَى العينَ إهْلالٌ له بَدَرا
فارقَبْ نَماءَ منَ الإقبالِ مُتَّصِلاً / ودوْلةً سوف تُفْني دَهْرَها عُمُرا
يا بحرَ علمٍ نَماهُ الحَبْرُ والدُه / مَجْداً ويا بَدْرَ تِمّ يَمطُرُ الدُّررا
أنعِمْ عليَّ بخَطٍّ ما حَظِيتُ به / وكم مَددْتُ إليه العينَ مُنتَظِرا
شمسُ الهدى طلعَتْ للخَلْقِ مُشرِقةً / وما رُزِقْتُ إلى أنوارِها نَظَرا
والبيتُ من دونِه الأستارُ قد رُفِعَتْ / ولم أكنْ أنا فيمنْ حَجَّ واعتَمرا
فما أرى أنّني أهدَيْتُ مُمتدِحاً / شِعْرِي ولكنّني أهدَيْتُ مُعتَذِرا
وقَلَّ سُؤْراً لكم منّا قصائدُنا / حِياضُ مَدْحِكُمُ قَدْ أُترِعَتْ سُؤَرا
كلٌّ من البحرِ مُمتارٌ لدرّتِه / ولي إلى البحرِ راوٍ يَحمِلُ الدُّررا
وواعدي بالغنى فَقْرِي إليك وقد / نالَ الغنى مَن إلى إنعامِك افتقَرا
خليفةَ اللهِ جَلَّلْتَ الورى نِعَماً / ألا فلا لَقِيَتْ أيّامُك الغِيَرا
هَبْ للثَّرى نظْرةً تَرمي بها لتَرَى / هامَ الرُّبا برِداء النَّورِ مُعتَجِرا
قد زَيَّنَ الأرضَ شُكراً أنْ بَقيتَ لها / والوعْدُ أنْ سيزيد اللهُ مَن شَكَرا
لمّا تباشَر إصباحاً شقائقُها / بأنْ نُصِرتَ وكانتْ قُمْصُها حُمُرا
رَدَّتْ على الأرؤسِ الأذيالَ من طَرَبٍ / لخَلْعِهنّ على مَن بَلّغَ الخَبَرا
لقد بَلغْتَ أميرَ المؤمنين مَدىً / عنه السُّها قاصِرٌ لو كُنتَ مُقتصِرا
مَن فَرّ منك يَجوبُ الأرضَ مُنهزماً / يَزدادُ وِزْراً ولكنْ لا يَرى وَزَرا
في الشّرقِ والغَربِ لا يُفْضي إلى سَعَةٍ / ذو الذَّنْبِ إلاّ إذا ما كنتَ مُغتَفِرا
ألا فَنَوْرِزْ مُطاعَ الأمرِ مُبتهِجاً / مُقسِّماً في الأنامِ النّفْعَ والضّرَرا
ودُمْ لنا ووَلِيِّ العَهْدِ مُحتفِظاً / منه بأنفَسِ ذُخْرٍ للورَى ذُخِرا
في دولةٍ من صُروفِ الدَّهْرِ آمنةٍ / وعيشةٍ لا تَرَى عن وِرْدِها صَدَرا
كتابُ عبدٍ إلى مَولاهُ يَعتَذِرُ
كتابُ عبدٍ إلى مَولاهُ يَعتَذِرُ / ذي خَجلةٍ قَلْبُه مِمّا جنَى حَذِرُ
فإنْ غدا وله في قَلْبِه أثَرٌ / لم يَبْقَ للعَبْدِ لا عَيْنٌ ولا أثَر
وإنْ غدا قابِلاً أعذارَهُ كرماً / فلا يَزالُ على الأكفاء يَفْتَخِر
هل غافِرٌ أنت تَقْصيراً عثَرْتُ به / يا مَنْ بلُقياهُ ذَنْبُ الدّهرِ يُغتَفَر
ومَن بقُربيَ منه غُربتي وَطَنٌ / ومَن مُقاميَ عنه نائياً سَفَر
حَرمْتُ نَفْسيَ أعْلَى مَفْخَرٍ فغَدا / من الغبينةِ قلبي وهْو يَنْفَطِر
لكنْ تُعِلّلُ منّي النَفْسَ مَعرفتي / بأنّ عهدَ ولائي الدّهرَ مُدَّكَر
وأنّني من ذُرا المَولَى صفاءَ هَوىً / أُدْنَى وإن غبْتُ من قومٍ وإنْ حَضَروا
يا مَن غدا شاغِلي عن فَضْلِ خدمتِه / بفَضْلِ نعمتِه والصّدْقُ يَشْتَهِر
أكثرتَ رِفْدِي فأكثَرتُ التّفكُّرَ في / إحرازِه وأخو التّحصيلِ يَفتكِر
وقيل إن لم تُبادِرْ قَلَّ حاصِلُه / وفُرصةُ الشَّيءِ تُرجَى حينَ تُبتَدَر
فمِن حَيائي ومن شَوقي إليك أرَى / نارَيْنِ كلتاهما في القَلْبِ تَستَعِر
فلا تَظُنَّنَّ أنّي عنك مُصطَبِرٌ / وإن رحَلْتَ فمالي عنك مُصطَبَر
إن أصبحَتْ قُبلةُ التّوديعِ فائِتَتي / فَسَلْوتي أنّها للعَودِ تُدَّخَر
كأنّني بي وقد أعجلْتُ مُنصَرَفي / إلى ذُراكَ ولُطْفُ اللهِ مُنتظَر
وصدَّق اللهُ فأْلي في تَوجُّهِكُمْ / وصدْقُ فأليَ للأصحاب مُخَتَبر
وعُدْتَ أحسنَ عَوْدٍ عادَه أحَدٌ / من وِجهةٍ عَرضَتْ فاستبشَر البَشَر
وأقبلتْ رايةُ السّلطانِ طالعةً / والنَّصرُ في ظِلِّها يَختالُ والظّفَر
وزُرتُه قَلميَّ المشْي من طَرَبٍ / لمّا أتاني بهِ عن سَيْفِه الخَبَر
وصغْتُ تَهنئةً بالفتحِ تَحسُدُها / من حُسْنِها في السماء الأنجمُ الزُّهُر
ونِلْتُ منه نَوالاً لا يُشاكِلُه / إلاّ قِطارُ الغَوادي وهْي تَنْهَمِر
ولن يَفوتَ غِنىً أنت الضّمينُ له / وإنْ تَصدَّتْ ليالٍ دُونه أُخَر
يا مُغْنِياً لي بآلاءٍ يُواصِلُها / إنّي إليك وإن أغنَيْتَ مُفتَقِر
لي منك مَضْمونُ إدرارٍ إلى صِلَةٍ / كُلٌّ له حين يُسْمَى عندهُمْ خَطَر
فلو جَرى قَلَمُ المَولَى بتَوصيةٍ / في بعضِ كتْبٍ إلى النُّوّابِ يُستَطَر
كانتْ كعادةِ طَوْلٍ منه عَوَّدها / وعادةُ الطَّولِ طُولَ الدَّهر تُدَّكر
وَرْدُ الملوكِ كثيرُ الشّوكِ إن غفَلُوا / عن مُجتَنيهِ فأدْنى نَيْلِه عَسِر
وهْو الهنيءُ قِطافاً إن غدا كرماً / لهم إلى المُجتَني من بُعْده النّظَر
يا واهبَ الألْفِ جُوداً وهو يَحقِرُها / والرفُدُ أعظَمُ قَدراً حين يُحتقَر
بَقيِتَ للمُلكِ ألفاً في ظلالِ عُلاً / ودولة لك لا تنتابُها الغِيَر
ألفاً إذا الدّهرُ أحصاها استقَلَّ كما / تَغْدو لنا واهباً ألفاً وتعتَذِر
وبعدَ ألْفٍ أُلوفاً يَرتدِفْنَ كما / من جُودِ كفِّك تَتلو البِدرةَ البِدَر
مُمتَّعاً ببَنيكَ الغُرِّ أوجهُهم / مثْلَ الكواكب يبدو وَسْطَها القَمَر
في ظلِّ مَن هو ظِلُّ اللهِ من شرفٍ / في أرضِه فهْو ظِلٌّ ليس ينحَسِر
مَلْكِ الملوكِ العظيمِ المُلك حين غدا / منك الوزيرُ له في الدّهْرِ والوَزَر
تَبقَى ويَبقَونَ في نَعماءَ عاكفةٍ / وعيشةٍ ما لكم من وِرْدِها صَدَر
ومُشْبِهاً عيشَكم في الدّهرِ مُلكُكمُ / فلسَ يَعرضُ في صَفْويْهما كَدَر
بكم حَوى الفخْرَ دَهْرٌ ضمَّ شملَكمُ / ما قيمةُ السِّلْكِ إن لم تُغْلِهِ الدُّرَر
نشَدْتُك اللّهَ هل تَدرينَ يا دارُ
نشَدْتُك اللّهَ هل تَدرينَ يا دارُ / ماذا دَعا الحَيَّ من مَغْناكِ أنْ ساروا
ساروا يَسيحون في آثار ما تَركُوا / في الدّارِ من جَفْنِ عَيْني وهْو مِدرار
وقفتُ لم أتقَلّدْ للحَيا مِنَناً / فيها ومنّيَ في الأجفانِ إسْآر
كأنّني واضعاً خَدّي به قَلَمٌ / أَبكِي أَسىً ورُسومُ الدّارِ أَسطار
دارُ التي قلتُ لمّا أن تأوَّبني / منها خيالٌ سَرى والركبُ قد حاروا
أَبارِقٌ ما أَرى أم رأيةٌ نُشِرَتْ / أم كوكبٌ في سوادِ الّليلِ أم نار
لا بل أُميمةُ أمستْ سافِراً فبَدَا / من أوّلِ الّليلِ للإصباح إِسفار
أكلّما كاد يَبْلَى الوَجْدُ جَدَّدهُ / طَيْفٌ على عُدَواء الدّارِ زَوّار
لغادةٍ كمَهاةِ الرَّمْلِ ناظرةٍ / شِفارُ أسيافِها للفَتْكِ أَشفار
خَوْدٌ إذا سفَرتْ للعين أو نطَقتْ / فالطَرْفُ لي قاطفُ والسّمعُ مُشتار
تُريكَ حَلْياً على نَحْرٍ إذا التمَعا / لاحا كأنّهما جَمْرٌ وجُمّار
لمّا أتَتْ رُسُلُ الأحلام زُرتُهمُ / ليلاً وهل عن هوَى الحسناء إقصار
والحَيُّ صرعَى كرىً في جُنْح داجيةٍ / كأنّهم منه في الأحشاء أَسرار
سحَبْتُ ذَيلَ الدُّجَى حتّى طَرقتُهمُ / بسُحرةٍ وقميصُ اللّيلِ أَطمار
أَزورُهم وسِنانُ الرُّمح من بُعُدٍ / إليّ بالمُقْلةِ الزَّرقاء نَظّار
فاليومَ لا وَصْلَ إلاّ أن يُعِلّلَني / في العينِ طيفٌ لها والقلب تَذْكار
لا أَشربُ الدّمعَ إلاّ أن تُغَنِّيَني / وُرْقٌ سواحِرُ مهما رَقَ أَسحار
من كُلِّ أخطَبَ مِسْكِيّ العِلاطِ له / في مِنْبَر الأيكِ تَسجاعٌ وتَهدار
خطيبُ خَطْبٍ وقد أفنى السّوادَ بلىً / فمِنْ بَقِيّتِه في الجِيدِ أزرار
شادٍ على مذهبِ العُشّاق أَعجَبَه / تَفَقُّهٌ فله باللّيل تَكرار
حُرٌّ رأَى فَرْطَ أشواقي فاَسعدَني / والحُرُّ يُسعِدُه في الدَّهر أحرار
صَبٌّ تَجاذَبُه الأهواءُ واقتسمَتْ / سُرىَ مطاياهُ أنجادُ وأغوار
والدَّهرُ مذ كان من تَكْديرِ مَشْربهِ / لم تَجتمِعْ فيه أوطان وأوطار
للرّوضِ والرّيحِ إذْكارٌ بفاتنتِي / فالرّوضُ حاليةٌ والريحُ مِعطار
أَمتارُ من جَفْنِها سُقْماً يُحالِفُني / فهل سَمعتُمْ بسُقْمٍ قَطُّ يُمتار
لا تَكْذِبَنَّ فسلطانُ الهَوى أبداً / في دينِه لدمِ العُشاقِ إهدار
حتّى متى يا ابنةَ الأقوامِ ظالمةً / لكِ الذُّنوبُ ولي عنهنّ أَعذار
أقسَمْتُ ما كُلُّ هذا الضّيم مُحتَملٌ / ولا فُؤادي على ما سُمْتُ صَبّار
إلاّ لأنّكِ منّى اليوم نازلةٌ / في القلب حيثُ سديدُ الدّولةِ الجار
أَعَزُّ مَن ذَبَّ عن جارٍ وأَكَرمُ مَن / هُزَّتْ إليه على الأنضاء أكوار
للهِ يومٌ تَجلَتْ فيه عُزَّتُه / ساعاتُه غُرّةٌ للنّاسِ أعمار
كأنّه كَعبةٌ قد سافَرتْ كَرماً / حتّى قضَى الحَجَّ في الأوطانِ زُوّار
لكنْ بدا كعبةً ما دونَ طَلْعتِه / للعينِ إلاّ غبارَ الخيلِ أَستار
كأنّما الشّمسُ فيما ثار مِن رَهَجٍ / سِرٌّ له في صَميمِ القلبِ إضمار
كأنّها من خلالِ النَقْعِ قائلةٌ / إن غابَ نُورٌ كفَتْكم منه أَنوار
من باهرِ البِشْرِ وَضّاحِ أَسِرَّتُه / بالوجهِ منه للَيْلِ النّقْعِ أَقمار
وتحته مُقْبِلاً رِيحٌ مُجسّمَةٌ / يُصيبُ منها جَبينَ النّجمِ إعصار
كأنّها في حواشي رَوضةٍ أُنُفٍ / فالحلْيُ منها على الأَقطار نُوّار
إذا مَساعِي سديدِ الدَّولتينِ بدَتْ / فما لِسَعْيِ ملوكِ الدَّهْرِ أخطار
سما يرومُ العلا حتّى المجَرّة مِن / تَسحابِه الذَّيلَ في مَسْراه آثار
والشّمسُ والبدرُ مِن فَضْلاتِ ما نثروا / في طُرْقِه درهمٌ مُلقىً ودينار
للنّاظِرِين إلى عَليائه وإلى / عُلْيا بني الدّهرِ إكبارٌ وإصغار
في كفِّه قلمٌ للخطْبِ يُعملُه / كأنّه لجِراحِ الدَّهرِ مِسْبار
تخالُه رايةَ للفضلِ في يدِه / وخلْفَها جحفلٌ للرَّأيِ جرّار
يَزِلُّ منه إلى القرطاسِ دُرُّ نُهىً / لهنّ عند ذوِي التّيجانِ أقدار
ما تُضمِرُ النّفْسُ شكّاً أنّها دُرَرٌ / بِيضٌ لهنَّ كما للدُّرِّ أَبشار
لكنْ لمُلْكِ بني العّباسِ دَعْوَتُها / من أجلِ ذلكَ للتّسويدِ تُختار
تَهْدِي الوَرى بمِدادٍ والعيونَ كذا / منها الأناسيُّ سُودٌ وهْي أبصار
لمّا أهابَ أميرُ المؤمنين إلى / تذْليلِ صعْبٍ أُتيحتْ فيه أسفار
فارقْتَه لا لنقْصٍ منك يُكْمِلُه / سيْرٌ كما ابتدَرتْ بالبُعْدِ أقمار
وإنّما لك عند الاجتماعِ به / قبلَ انصرافِكَ عنه ثَمَّ إبدار
بل أنت سَهْمٌ سديد من كِنانتهِ / له مع اليُمْنِ إيرادٌ وإصدار
سَهْمٌ يُنالُ به ثأْرُ الهُدَى أبداً / إذا ترامتْ به في اللهِ أوتار
يُصيبُ قاصيةَ الأغراضِ مُرسِلُه / حزْماً وَيسبِقُ بالإصماء إنذار
يُرضي الأئمّةَ في قُرْبٍ وفي بُعُدٍ / أقام في الحيِّ أم شطّتْ بهِ الدّار
ذو طاعَتيْنِ بخط لم يزَلْ وخُطاً / ميْمونةٍ نقْلُها للمُلْكِ إقرار
يَسيرُ كيْما يُقِيموا في العُلا وكذا / شُهْبُ الدُّجَى ثابِتٌ منها وسَيّار
فالمُلْكُ في بَيْتِه يُلْفَي تَمَهُّدُه / بأن يُرَى منك في الآفاقِ تَسيار
كالأرضِ يُمْسِكُها ألاّ يَزال يُرَى / من حَولِها فَلَكٌ يُحْتَثُّ دَوّار
يا ابنَ الأكارمِ والآباءُ ما كسَبوا / منَ العُلا فهْو للأبناء أذخار
شَرُفْتَ نفْساً ونَجْراً والأصولُ كَذا / إذا صفَتْ لم تَضِرْ بالفَرْعِ أكدار
آلاؤك الطّوقُ والنّاسُ الحَمامُ فهم / في حَلْيها وقَعوا في الأرضِ أم طاروا
ما إن تُفَكُّ طُلاهم من قلائدِها / ما أنجدوا في بلادِ اللهِ أو غاروا
كمن تألَّى على مَسْح السّحاب إذا / صافَحْتَهُ أنت عامَ الجَدْبِ أبرار
جَزتْكَ عنّا جوازي الخيرِ من رَجُلٍ / آثارُه كلُّها في الحُسْن أسمار
ليثُ الكتيبةِ أم ليثُ الكتابة أم / حاوِي المعاني وما للحَقِّ إنكار
ليثٌ عَرِيناهُ باْسٌ أو ندىً ولَه / بالبِيضِ والرُّقشِ أنيابٌ وأظفار
لكَ المَقاوِمُ دونَ الدّينِ قُمْتَ بها / ثَبْتَ المواقفِ والأعداءُ قد ثاروا
والبِيضُ قد فُتّقتْ عنها كَمائمُها / والسُّمْرُ منهنّ في الأطرافِ أزهار
والخيلُ تُوردُها الفُرسانُ بحْرَدَمٍ / تَخوضُه ولبَرقِ السّيفِ أمطار
لمّا انثنَوا وسيوفُ الهندِ مخمَدةٌ / نيرانُها ورماحُ الخَطِّ أكسار
حَنَّتْ ضلوعُ الحنايا العوجُ نحوَ عِداً / أحداقُهم لِمُطارِ النَّبْلِ أوكار
حتّى إذا ما جرتْ في كلِّ مُلتفَتٍ / من فْرطِ إنهارِهم للطَّعْنِ أنهار
رَدّوا الوشيجَ وفي أغصانِه وَرَقٌ / من الدّماء وبالهاماتِ أثمار
ما إن شهِدْتَ الحروبَ العُونَ لاقِحةً / إلاّ نتجْنَ فُتوحٌ ثَمَّ أبكار
عاداتُ نصْرٍ على الأعداء عَوّدها / هادٍ إلى اللهِ يُهْدِي الخلقَ إن حاروا
خليفةُ اللهِ مَن أضحَى مُخالِفَه / أتاه مِن طَرفيْهِ النّارُ والعار
فلا عَدا السّوءُ مَنْ عاداهُ من مَلكٍ / كَفّارُ أنعُمه باللهِ كَفّار
ودامَ مُرعيهِ أهْلَ الدّهرِ راعيَهُ / ما استَوعبَتْ سِيَرَ الأحرارِ أشعار
وعادَ وافِدُ هذا العيدِ نَحوَكُما / بالسّعْدِ مَاكرَّ بالأعيادِ أعصار
مُضحّياً بالعدا تُدمَى تَرائبُها / ما سُنَّ بالبُدنِ إذ يُهدَيْنَ إشعار
سَلا رسوماً أقامتْ بعدَ ما ساروا
سَلا رسوماً أقامتْ بعدَ ما ساروا / أعِندها بمكانِ الحيِّ أخبارُ
ورَوّحا عاتقي من حَمْلِها مِنَناً / للسُّحْبِ فيها وفي الأجفانِ إسْآر
رَبْعٌ وقفْتُ به والسّمعُ مُرتَنِقٌ / عنِ الملامِ هوىً والدّمعُ مدرار
كأنّني واضعاً خَدِّي به قَلَمٌ / أبكِي أسىً ورُسومُ الدّارِ أسطار
يا مَن نَداهُ لزائرِي
يا مَن نَداهُ لزائرِي / هِ الدَّهْرَ تَرحيبٌ وبِشْرُ
اسْمَحْ بلُبٍّ من نَدا / كَ لنا فإنّ البِشْرَ قِشْر
إلى خيالٍ خَيالٌ في الظّلام سَرَى
إلى خيالٍ خَيالٌ في الظّلام سَرَى / نَظيُره في خَفاء الشَّخصِ إن نُظِرا
سارٍ ألَمّ بسارٍ كامنَيْنِ مَعاً / عن النّواظرِ في لَيلٍ قدِ اعتكَرا
كلاهما غابَ هذا في حِجابِ ضنىً / عنِ العيونِ وهذا في حِجابِ كَرى
تَشابَها في نُحولٍ وادّراعِ دُجىً / وخَوْضِ أهوالِ بيدٍ واعْتيادِ سُرى
فليسَ بينهما إلا بواحدةٍ / فَرْقٌ إذا ما أعادَ النّاظرُ النَّظرا
بأنّه ما دَرى السَّيفُ الطَّروقُ بما / لاقَى من اللَّيلِ والصَّبُّ المَشوقُ دَرى
سَرى إليّ ولم يَشتَقْ ومن عَجَبٍ / إلى المَشوقِ إذَنْ غيرُ المشَوقِ سَرى
ظَبْيٌ من الإنْسِ مَجبولٌ على خُلُقٍ / للوَحشِ فهْو إذا آنْستَه نَفَرا
مُعَقْرَبُ الصُّدغِ يَحِكي نُورُ غُرَّتِه / بَدْراً بدا بظلامِ اللّيلِ مُعتَجِرا
مُذْ سافَر القلبُ من صَدْري إليه هوىً / ما عادَ بعدُ ولم أعرِفْ له خَبَرا
وهْو المُسيءُ اختياراً إذا نَوى سَفَراً / وقد رأى طالعاً في العَقْربِ القَمَرا
أشكو إلى اللهِ لا أشكو إلى أحَدٍ / أنّ الزّمانَ أحالَ العُرّفَ والنُّكُرا
وأنّ عَصري على أنْ قد تَجمَّلَ بي / ما إن أصادِفُ فَضْلي فيه مُعتَصَرا
أتَى بشَرحٍ بَسيطٍ للحوادثِ لي / دَهْري وصَنَّف حَظّي فيه مختصَرا
علَتْ منازلُ أملاكٍ رجَوتُهمُ / وما أرى بيَ من إنعامِهمْ أثَرا
كلٌّ إلى المُشتِري في الأُفْقِ ذو نَظَرٍ / والشّأْنُ فيمن إليه المُشتري نَظَرا
أُخَيَّ والحُرُّ بالأحرارِ مُعتَرِفٌ / من اللّيالي إذا ما صَرْفُها غَدَرا
إن قَصّرتْ قُدرةٌ عن عادةٍ عُهِدَتْ / فاعذُرْ فأكرمُ مَن صاحَبْتَ مَن عَذَرا
ولي هُمومٌ توالَتْ بي طَوارقُها / حتّى حوَى خاطري من قَطْرِها غُدُرا
وما رَضِيتُ لضيفِ الهَمِّ قَطُ سوى / شحمِ السّنامِ من العَنْسِ الأَمونِ قِرى
فَثُرْ بِها أيّها الحادي على عجَلٍ / فكم تَرى سفَراً عن مَغنَمٍ سَفَرا
وقلّما أمكنَ الإنسانَ في دَعَةٍ / أن يَجمعَ الوطنَ المألوفَ والوَطَرا
وَاحْدُ المطايا إلى أرضِ العراق بنا / فما أَرى بيَ عن زَورائها زَوَرا
واقْصِدْ كريماً له عبدُ الكريمِ أَبٌ / تَجِدْ هُماماً لأمرِ المجدِ مُؤْتَمِرا
مُحسَّدُ المجدِ والعُلْيا إذا رُمِقَتْ / مُحمّدُ الإِسْمِ والأوصافِ إن ذُكرا
فما أَرى لي منَ الأيامِ إن ظَلَمَتْ / إلاّ مُؤيِّدَ دينِ اللّهِ مُنتَصِرا
هو الّذي إن سَخا دَهْري برؤيتهِ / من بعدِ ما شَفّ قلبي بُعدُه فِكَرا
في الحالِ أَغدو إذا استقبلتُ طلعتَه / لِما مضَى من ذُنوب الدّهرِ مُغْتَفِرا
فاحْلُلْ بِسامي ذُراه وَاغْدُ مُنتَجِعاً / سَمْحاً إذا شامَ راجٍ بَرقَهُ مُطِرا
مُوكّلاً باللّيالي جُودُ أَنمُلِه / فكلّما كسَرتْ من فاضلٍ جَبَرا
كلوءُ مُلْكٍ برأْيٍ ما يزالُ له / يُعِدُّه وَزَراً كُلُّ امرئٍ وَزرا
فضْلُ الخطابِ له فصْلُ الخُطوبِ به / إن كان مُنتَظَماً أو كان مُنتثَرا
ليثٌ إذا صالَ لم تَثْبُتْ له نفَساً / لُيوثُ شَرٍّ تَصدَّتْ أو ليوثُ شَرى
يَراعُه نابَ عن نابٍ وعن ظُفُرٍ / له فلم يَستعرْ ناباً ولا ظُفُرا
بكفِّه إن مضَتْ قلتُ الحسامُ مضَى / شَباتُها أَو جَرتْ قلتُ القضاءُ جرى
يُغني العُفاةَ كما يُفْني العداةَ به / كأنّه البحرُ يَحوي النَّفْعَ والضَّررا
قد جاء في فترةٍ لكنّه فَطِنٌ / مُذْ جَدّ في كسبِه للحمد ما فتَرا
كم ذادَ عنّا وكم قد بات ناظِرُه / يُنيمُنا ويُقاسي دونَنا السَّهرا
وما تَغيَّر عنه عَهدُ مكرمةٍ / ألا فلا لَقِيَتْ أيّامُه الغِيَرا
غيثٌ من الجودِ لا يدعو سوى الجَفَلى / إذا أَبى الغيثُ إلاّ دَعوةَ النّقَرى
يُغِنى عنِ القَطرِ عامَ الجدْبِ نائلُه / إذا انهمَى لبني الآمالِ وانهَمرا
يُرضي الرعيّةَ والرّاعي بسِيرتِه / ولم يَكادا معاً أَن يُرضِيا سِيَرا
للأُمَّةِ الدَّهرَ يَسعَى والإمام معاً / سعْياً له العَبْدُ والمعبود قد شَكَرا
له استنابَ الإمامُ المُقْتَفي شرفاً / لمّا اقتفى أَمرَ رَبِّ العرشِ واقْتفرا
أَلقى فصيحَ لسانٍ عنه في يَدِه / يَبينُ عمّا نهَى في المُلكِ أَو أَمَرا
يَكْفي الأقاليمَ أَن يُمضي له قلماً / فلا يضاهي به بِيضاً ولا سُمُرا
يَسوسُ أَطرافَها في كفِّه طَرَف / من أَرقَشٍ وكَفاها ذاكَ مُفتَخَرا
يَخُطُّ سَوداءَ في بيضاءَ من كتُبٍ / كأنّما هيَ عينٌ أُودِعَتْ حَوَرا
كأنَّ سِحْرَ بيانٍ في كتابتِه / أعدَى به كُلِّ طَرْفٍ أحورٍ سَحَرا
لا عَيبَ في دُرِّ لَفْظٍ منه يُودِعُه / كتْباً سوى أنّه بالنِّقْس قد سُطِرا
لولا شِعارٌ إماميٌّ رَعاهُ لمَا / كسَتْ سوادَ مِدادٍ كفّه الدُّررا
بل كان في ذَهبٍ يَجلو البنانُ به / دُرَّ البيانِ إذا ما بَحْرُه زَخرا
إنّ الخليفةَ والتّأييدَ يَكنُفُه / لمّا اغتدَى لكفاةِ المُلْكِ مُختَبِرا
لم تَحْوِ إلاّ سديداً واحداً يَدُه / وللكنانةِ مَلاْءَى أسهُماً نثَرا
سديدُ دولةِ ماضٍ عَزْمُه فمتَى / رمَى أصابَ به أغراضَه الكُبَرا
إن أصبحَ الدَّهرُ ليلاً داجياً فلقد / بدَتْ مساعيهِ فيه أنجماً زُهُرا
يا مَن سَوابقُ أيّامي بحَضْرتِه / كانٍتِ لأوجُهِها أفعالُه غُرَرا
إنّي لشاكرُ ما أسلفْتَ من نِعَمٍ / عندي ومَن كَفَر النُعمَى فقد كفَرا
أنت الرّبيعُ وفَضْلي في تَرقُّبِه / كالعُودِ عاد إلى الإيراقِ مُفتَقِرا
فَهُزَّ لي عِطْفَ مولانا الوزيرِ وقُلْ / عنّي ومهما أقُلْ من قَولٍ اشْتَهَرا
جُدْ لي بنَظرةِ صِدقٍ منكَ واحدةٍ / حتّى أقولَ لريْبِ الدّهرِ كيفَ تَرى
ومُرْ زماناً صفَحْنا عن جرائمِه / يَحِتْم بعُذْرٍ فلم يذْنِبْ منِ اعْتذرا
جَدِّدْ ندَى رَسْمِ إنعامَيْنِ قد قَدُما / فالرَّسْمُ كالرَّسْم إن طالَ المَدى دَثرا
بَقِيتُما في نَعيمٍ واردَيْنِ معاً / عَيشاً أبَى لكما عن وِرْدهِ الصَّدَرا
فكم بغَى حاسدٌ لاقَى صفاءَكما / إلقاءهُ كدَراً فيه فما قَدَرا
يا ماجداً لم أَزُرْ مأْنوسَ سُدّتِه / إلاّ رأَى فُرصةً للحمدِ فابْتَدَرا
كم قد أُضيعُ أنا حَظّي ويَحفظُه / وكم نَسيِتُ أنا نَفْسي وقد ذَكرا
متى لنا ولكم تُقصَى الفَوائتُ من / قولٍ وفعلٍ يَروقُ السَّمْعَ والبَصَرا
متى نَعودُ إلى العاداتِ ثانيةً / قُلْ لي أذلكَ في وُسْعِ الزّمانِ تُرى
في كأْسِ عُمْريَ ما أبقَى الزَّمانُ سوى / سُؤْرٍ قليلٍ ببُعْدي منك قد كَدِرا
فالْحَقْ بقيّةَ أنفاسي فجُملَتُها / شُكْرٌ لسالفِ نُعماكَ الّذي بَهَرا
عُذْري حوادثُ دَهري وهْي ظاهرةٌ / كُفيتَها فاقْبَلِ العُذْرَ الّذي ظَهَرا
قَصّرتُ إذ لم أَجِدْ لي منك مُقتَرَباً / وعُدْتُ إذْ لم أجِدْ لي عنك مُصطَبرا
فدونكمْ هَدْيَ شِعْرٍ ساقَ مُشعِرُه / مَن لو أطاقَ مَسيراً حَجّ واعتَمرا
وما نأَتْ دارُ مَن تدنو فواضِلُه / ولم يكُن غائباً مَن شُكرُه حضَرا
وإنّ أرفعَ من قَصرٍ لشائدِه / بَيتٌ إذا سار مِن شِعْري لمَنْ شَعَرا
بَقِيتَ للمدحِ والمُدّاحِ تَسمَعُهمْ / في ظلِّ مُلْكٍ نفَى عن صَفْوهِ الكَدرا
مادام غَرْسُ الأيادي في مَواضعها / يُرَى لها شُكْرُ أحرارِ الوَرى ثَمَرا
الخُؤْرُ والجَورُ خُوزِستانُ أَصلهما
الخُؤْرُ والجَورُ خُوزِستانُ أَصلهما / والخَوزُ تَصحيفتاهُ الجَور والخَورُ
فأعجَزُ النّاسِ أهلوها إذا ظُلموا / وأَظلمُ النّاسِ أهلوها إذا قَدَروا
يا سائلي عنه لمّا جئْتُ أَمدحُه
يا سائلي عنه لمّا جئْتُ أَمدحُه / هذا هو الرّجُلُ العاري من العارِ
كم من شُنوفٍ لِطافٍ من مَحاسنِه / عُلّقْنَ منه على آذانِ سُمّار
لَقِيتُه فرأيتُ النّاسَ في رَجُلٍ / والدَّهرَ في ساعةٍ والأرضَ في دار
أخلاقهُ نُكَتٌ في المجدِ أَيسَرُها
أخلاقهُ نُكَتٌ في المجدِ أَيسَرُها / لُطْفٌ يُؤلِّفُ بينَ الماء والنّارِ
بالكُتْبِ طُرّاً كتابٌ خَطَّهُ مَلِكٌ
بالكُتْبِ طُرّاً كتابٌ خَطَّهُ مَلِكٌ / بأَنمُلٍ خُلِقتْ للجُودِ والباسِ
غدا وكاتبُه المَأْمولُ مُوصِلُه / حتّى تَضاعفَ تَشْريفي وإيناسي
قد غار من مَسِّ أيدي الرُّسْلِ لي فأَبى / بقَبسةِ الفَخرِ منه غيرَ إقباس
لم تَدرِ كَفّيَ مَاذا منه أَعبقَها / كافورُ طِرْسٍ له أو مِسْكُ أَنقاس
بل عَرْفُ عُرْفِ الّذي أَملاهُ عَطَّرنا / لا مِسْكُ نِقْسٍ ولا كافورُ أَطْراس
لمّا تَناولتُه منه وقلتُ لقد / أُتيحَ للكوكبِ العُلْويّ إلماسي
وضَعْتُ مَطويَّه إعظامَ صاحبِه / منّي على الرأْسِ فيما بينَ جُلاّسي
حتّى إذا نشَرتْه الكَفُّ لم تَرَ لي / إلاّ سُجوداً وإلاّ لَثْمَ قرطاس
كأنّني قَلَمُ المُنْشيهِ مُعتمِداً / لكُلِّ حَرفٍ قياماً لي على الرّاس
أُوتيتُه بيمينِي ثُمَّ سِيقَ إلى ال / جِنانِ طَرْفي بَرغمِ الحاسِدِ الخاسي
من بَعدِ ما طالَ من بُعْدٍ تَرقُّبُه / وأَوجَسَ القلبُ خَوفاً أَيّ إيجاس
وسَجدةُ النُّجحِ إن فَتَّشْتَ أكثرُ ما / تَجيءُ والمرءُ يَتْلو آيةَ الياس
في أَصفهانَ أَتى والخُوزُ مَقْصدُه / والدَّهرُ ضاربُ أخماسٍ لأَسداس
سَهْمٌ تَوقَّفَ حتّى جاءه هدَفٌ / يَسعَى وما بمزيدِ العِزِّ من باس
لقد تَقَدَّم قَدْري مَنْ تأَخّرَهُ / حتّى تَتناولَنيهِ أَشْرَفُ النّاس
كأسٌ دِهاقٌ لآدابٍ صُبِحْتُ بها / من كَفّ موليَ ولكنْ طَرفيَ الحاسي
تَخِذْتُه عُوذةً لي من كرامتِه / تَنْفي عنِ القلبِ منّى كُلَّ وسواس
فما رأيتُ كتاباً قبلَ رُؤْيَتِه / على تقادُمِ أَزْمانٍ وأَحْراس
ما بينَ ضَمٍّ وفَتْحٍ منه قد سَعِدَتْ / بكَ الوزراةُ إرْغاماً لأنكاس
كالجفْنِ أُطبِقَ ليلاً ثُمَّ فُتِّقَ في / صُبْحٍ أَضاءَ لأبصارٍ وأَحساس
فَفُض عن كرمٍ غَمْرٍ وعن كَلِمٍ / غُرٍّ لجُرْحِ فؤادي كُلُّها آس
وفيه بَعضُ بِضاعاتي التّي سلَفتْ / أضحَتْ إليّ وقد رُدّتْ لإفلاس
وذِكْرُ عهدٍ مضَى ما كنتُ قَطُّ له / يا أَكرَم النّاسِ لولا أنت بالنّاس
أيّامَ تُصبِحُ دَلْوي غيرَ واصلةٍ / على إطالةِ اشطاني وأَمْراسي
فاليومَ تَجديدُ نُعمَى اللهِ فيكَ لنا / أَنسَى الورَى دِرّةٌ تَمرِي بإبساس
وِزارةٌ خُتِمَتْ خَتْماً بذي كرَمٍ / لم يَعْتَلِقْ عِرضُه يوماً بأَدْناس
بصاحبٍ عادلٍ في عَقْدِ حُبْوتِه / بَحرُ العطايا وطَودُ السُّؤْدَدِ الرّاسي
رَقيقُ وَجهٍ وأَلفاظٍ لسائلهِ / والقلبُ منه على أَموالهِ قاس
سَمْحٌ على الدّينِ بالدّنيا أناملُهُ / سُحْبُ النّدى وسِواهُ الطّاعمُ الكاسي
إليك يا شرفَ الدّينِ انتهَتْ رُتَبٌ / من العُلا لم تُقَسْ يَوماً بمِقْياس
للدَّسْتِ أصبحْتَ مثلَ الرُّوحِ في جَسَدٍ / منه فعاش ومثْلَ الرّاحِ في كاس
يَرَى ويَسمَعُ مَن يَلْقاهُ من أَحدٍ / وكان من قَبْلُ جِسماً غيرَ حَسّاس
فلْيَهْنِه شَرَفٌ في جُودِه سَرَفٌ / وبأْسُه الدَّهْرَ مَوزونٌ بقِسْطاس
لا فارقَ العِزُّ غاباً أنت ساكِنُه / من ضَيْغَمٍ لطُلَى الفُرْسانِ فَرّاس
أعمارُ أعدائه في عَصْرِه قِصَراً / مِقْدارُ لَبْثِ سهامٍ فوقَ أَعجاس
قُلْ للَّذي هو في ذا العَصْرِ إن نظَروا / أكفَى كُفاةٍ لمُلْكِ الأرضِ سُوّاس
ما للوِزارةِ قد جاءَتْكَ خاطِبةً / والخاطبونَ لها من كُلِّ أجناس
العِرْسُ تُخطَبُ ما زالتْ وإن صَغُرَتْ / وجَّل بَعْلٌ غدا مخْطوبَ أَعراس
أمّا القوافي فأحياها ندَى ملكٍ / أَضحَى مُثيراً لها من تحتِ أَرماس
زمانُه كربيعٍ عاد مُستَمِعاً / نُطْقَ الطُّيورِ به من بَعْدِ إخْراس
بالصّاحبِ العادلِ المأمولِ أَمطَر لي / أُفْقي وأَثمرَ بالأغراضِ أغراسي
لا تَرقُبِي يا ركابي بعدَها سفَراً / ففي ذُراه نَفَضتُ اليومَ أَحلاسي
نَفْضَ الحُطَيئةِ لمّا حَطّ أَرحُلَه / بعدَ ابنِ بَدْرٍ إلى النّدْبِ ابنِ شَمّاس
حَقرْتُ كُلَّ الورىَ لمّا اكتحلْتُ به / والشمسُ تُغني ضُحىً عن ضَوء نِبْراس
يَا شمسُ إن شِئتِ بعدَ اليوم فانتَقِبي / فمِن مُحيّاهُ إقماري وإشماسي
ويا سحابُ كَفاني فَضلُ نائلهِ / فأمطُرْ على دِمَنٍ بالبيدِ أَدْراس
يا أَعدلَ النّاسِ حَكِّمْ في الورى نظَراً / عَدْلاً وأَحكِمْ بناءً فوقَ آساس
لا تَترُكَنّ وَليّاً ذا مُخالَصةٍ / فيهمْ لَقىً بينَ أنيابٍ وأَضراس
فاليومَ لا رافعٌ مَن أنت واضِعُه / فاذكُرْ مقالةَ عبّاسِ بنِ مِرداس
لقد نثَرتُ سهامي من كِنانتِها / أَرمِي عِداكَ وقد وَتّرْتُ أقواسي
وقد شَهرتُ لساني وهْو ذو شُطَبٍ / وقد قَصْرتُ على مَدْحِيكَ أنفاسي
فادْلُلْ على حُسْنِ رأْيٍ منك تُضمِرُه / بحُسْنِ زِيٍّ بعِطْفِ المَرء مَيّاس
ما حِليةُ السَّيفِ إلاّ حَلْيُ لابسِه / فَخْراً فما شئْتَ فالْبَسْهُ بإلْباسي
اللهُ حارسُ ما أَولاكَ من نِعَمٍ / إذا الملوكُ اتَّقَوا يَوماً بحُرّاس
مُبقيكَ في المُلْكِ ما غَنّتْ مُطوَّقةٌ / وفاخَر الرَّوضُ بين الوَرْدِ والآس
قضَى على جَدِّ شانيكم بإتْعاسِ
قضَى على جَدِّ شانيكم بإتْعاسِ / وخَصَّ قلبَ مُواليكْ بإيناس
عِزٌّ قدمْتَ به تَختالُ مُبتهِجاً / في ظِلِّ مُعتَلِجِ الأطرافِ نَوّاس
وعُدتَ بالخيلِ مَنصوراً فوارسُها / عَوْدَ الأُسود إلى أَفناء أَخياس
لمّا قَدِمْتَ على إثرِ الرَّبيعِ لنا / هَزَّ النّدى كُلّ غُصْنٍ للمُنى عاس
أَنْدَى الرَّبيعَيْنِ للرَّاجي بنانُ يَدٍ / مليئةٍ بسِجالِ الجُودِ والباس
وأَكْرمُ الوابلَيْنِ الدانِيَيْنِ يَدا / مُبخِّلٍ كُلَّ واهي القَطْرِ رَجّاس
أنت الّذي قَرَنَ الخُلْقُ الكريمُ له / سَماحَ كعْبٍ بإقدامِ ابْنِ مِرداس
لا ذاكراً عِظَمَ الأحقادِ إن سلَفتْ / ولا لأدنَى حُقوقِ القومِ بالنّاسي
حِلْمٌ رسا وتَسامَتْ فوقَه هِمَمٌ / كما تَسامَتْ فروعُ الشّاهِقِ الرّاسي
يَحِنُّ للمجدِ يَستقصي مَداهُ إذا / حَنَّ الخليعُ إلى النَّدْمانِ والكاس
إذا أظلَّتْ هوادي الخَطْبِ واشتبهتْ / كسَمْتِ طامسةِ الأعلامِ أملاس
رَميْتَ بالرأيِ لا يُخْطِي شَواكلَها / والفَسْلُ يَضرِبُ أخماساً لأسداس
رَأيٌ إذا بتُ دون المُلْكِ تُعمِلُه / حَسِبتَه في الدُّجى لألاءَ نِبْراس
ومأزِقٍ يَملأُ الأسماعَ مَوقِفُه / دَعْوَى فوارسَ أو تَصهالَ أفراس
والبِيضُ في سُدُفاتِ النَّقْعِ لامعةٌ / كَفرْعِ أشمطَ مَوشيٍّ بإخْلاس
صاك النّجيعُ بها تحت العَجاجِ كما / وَشَّحْتَ أوضاحَ قِرطاسٍ بأنقاس
فَرَّجتَ ضِيقتَه والخَيلُ عابِسةٌ / تَرْدي بكلِّ رَبيطِ الجَأشِ قنْعاس
حتّى تركْتَ العِدا شَتَّى مَصارِعُهم / فهم رهائنُ أقيادٍ وأرماس
مآتمٌ لنساء المارقِينَ غَدَتْ / بها لذِئبِ الغَضا أيّامُ أعراس
مَيامناً لو دعا آلُ الرّسولِ بها / على العِدا نُصِروا في يومِ أوطاس
يا ماجداً خَضِلاً تاه العلاءُ به / فَهزَّ أعطافَ عالي التِّيهِ مَيّاس
وأعدَتِ النُّورَ شمسَ الأفْقِ غُرَّتُه / كما تَوقَّد نِبراسٌ بنِبْراس
يُخالِطُ البِشْرَ في ضاحي أسِرَّتِه / حَياءُ أروعَ للأقْرانِ فَرّاس
ويَظلِمُ المالَ للعافِين مجتهِداً / ظُلْماً كَساهُ به حَلْيَ العُلا كاس
قلبٌ على مالهِ من فَرْطِ رأفتِه / على كَرائمهِ يومَ النَّدى قاس
نَماكَ للمجدِ حتّى مَلّكوكَ بِه / نَواصيَ الفخر قَومٌ غيرُ أنكاس
ساسوا الممالكَ حتّى قرَّ نافرُها / لم تَبقَ مكرمةٌ إلاّ بِسُوّاس
منَ قاس غيرَكمُ يومَ الفخارِ بكمْ / فإنَّما قاس أشخاصاً بأجناس
عَمرْتَ بعدَهمُ للمُلكِ منزلةً / عَجماء قبلك لم تُعْمَرْ بآناس
وخَصَّك المَلكُ المَيمونُ طائرُه / بمفْخَرٍ جَلَّ عن حَدٍّ ومقْياس
إذا تَسامَى إليه حاسدٌ وقَفتْ / أنضاءُ آمالِه صُغْراً على الرّاس
لمّا دَعاكَ مليكُ النّاسِ قاطبةً / بتاجِه المُعتلي يا أشرفَ النّاس
أرادَ أنّك والأعداءُ راغمهٌ / تَدومُ كالتّاج مَحمولاً على الرّاس
أدْنَى سَراياكَ ما تَرمي العدوَّ به / كوامناً خيلُه في طَيِّ قِرْطاس
يَسْري إليهم سِراراً لا يَنِمُّ به / إلى المسامع إصْغاءٌ لأحْراس
جَيشٌ يُكِتّبُهُ في كُتْبِه قَلَمٌ / يَرمي خُدودَ العِدا طُرّاً بأنقاس
يُرضِي ولّياً ويُشْجي حاسداً أبداً / بعِزّ جاهِك فهْو الجارِحُ الآسي
زجْرْتُ بالسّعدِ طَيْري منكَ مُغْتبِطاً / لمّا زَجرْتُ إلى ناديك أعياسي
فلامَني فيكَ أقوامٌ وهل عَجَبٌ / إنّ الحُطيئةَ يُطْرِي آلَ شَمّاس
أجَلْ وَلاؤكَ موسومٌ به أبداً / قلبي ومَدحُكَ موصولٌ بأنفاسي
وما قصَدْتُك إلاّ بعدَ ما اجتمعَتْ / وَسائلٌ أحصدَتْ للنُّجْحِ أمراسي
ولو تَعرَّيتُ عنها لم يَضِرْ أملي / إنّ الغزيرةَ لا تَمْرِي بإبساس
غَرسْتُ عندك آمالي لأُثمرَها / فامِطْر بإنْعامِك المأْمولِ أغراسي
وكلُّ حَيٍّ فقد أولَيتَه نِعَماً / فهل لرأيِكَ إنعامٌ على شاس
لا زِلْتَ في حُلَلٍ للعيشِ ذائلةٍ / ما فاحَ في الرَّوضِ نَشْرُ الوَرْدِ والآس