القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الشَّريف المُرتَضى الكل
المجموع : 85
في كُلِّ يَومٍ أَرى عجيباً
في كُلِّ يَومٍ أَرى عجيباً / جَرّ عَلى مِفْرقي المَشيبا
وَمِن خطوبٍ يَزرنَ قَلبي / شِبتُ وَما آنَ أَن أَشيبا
أُرى بَغيضاً إِذا تَمَنَّتْ / عَينايَ أَن تُبصِرَ الحَبيبا
ما لِيَ يا قومُ وَاللّيالي / يَغمُزْن لي عودِيَ الصّليبا
يُرحِلنَني عَن قرا أَمونٍ / أَردت وَحدي لَها الرّكوبا
وَلَم أعَفْ سلمها فَلم ذي / تَشِبُّ ما بَينَنا الحُروبا
وَكُلّما تُبنَ مِن ذُنوبٍ / إِليَّ جَدّدنها ذنوبا
كَأنَّني مُخطئٌ بِشيءٍ / ما كُنتُ إِلاّ بِهِ مُصيبا
بَنِي الحفيظَة هَل للمجدِ من طلبٍ
بَنِي الحفيظَة هَل للمجدِ من طلبٍ / ليس الطّعان له من أنجح السّببِ
هزّوا إلى الحمد عِطْفَيْ كلِّ سَلْهَبَةٍ / تبُذُّ كلَّ سِراعِ الخيل بالخَبَبِ
أُحبُّ كلَّ قليلِ الرّيثِ في وطنٍ / مُقسّمَ الفِكرِ بينَ الكور والقَتَبِ
إِمّا على صَهَواتِ الخيل موطِنُهُ / أو دارُهُ في ظهور الأينُقِ النُّجُبِ
إنّي وأصدقُ قولٍ ما نطقتُ بهِ / أَرعى منَ الوِدّ ما أرعى من النّسَبِ
ما عاقَني الحلمُ عن باغٍ عَنِفْتُ بهِ / وَلا نَسيتُ الرّضا في موطن الغَضبِ
وَلا خَلطتُ بِيَأسٍ عَن غنىً طمعاً / وَلا مَزجتُ عُقارَ الجِدِّ باللّعِبِ
أَلستُ إنْ عُدّ هَذا الخَلقُ خيرَهُمُ / لَم يَبرحوا بين جَدٍّ لِي وبين أبِ
ما للنجومِ الّتي بانَتْ تُطالِعنا / مِن كُلّ عالٍ عَلا كلَّ الورى حَسبي
فَقُل لِمن ضلَّ مَغروراً يُفاخِرني / وَما له مثلُ عُجْمي لا ولا عَرَبي
أَلَيسَ بيَن نبيٍّ مُرسَلٍ خُتِمَتْ / بهِ النبيّون أو صهرٍ له نسبي
بَني المُخلَّف ما اِستَمْتُمْ مَراتِبنا / حَتّى صَفَحنا لكمْ عن تلكُم الرّتبِ
أَلِفْتُمُ الحلمَ منّا ثُمّ طابَ لَكُمْ / لَمّا اِشرَأبّت إِليكُم أنفُسُ الغضَبِ
لَولا دفاعِيَ عَنكمْ يومَ أمْطَرَكمْ / نَوء السماكينَ أَشفيتمْ على العَطَبِ
كَم عِندَكمْ وَبِأَيديكم لَنا سَلَبٌ / لَكِنّه لَو عَلِمتمْ ليس كالسَّلَبِ
مَلأتُمونا عُقوقاً ثُمَّ نَحنُ لَكمْ / طولَ الزَّمانِ الوالدِ الحَدِبِ
عَمَرْتُ ظاهركمْ جُهدي فَكَيف بما / أَعيا عَليَّ لكُمْ من باطنٍ خَرِبِ
وَكَمْ رَضيتُ ولكنْ زدتُكمْ سَخَطاً / وَلَيسَ بعدَ الرّضا شيءٌ سوى الغَضَبِ
وَما تأمَّلتُ ما بَيني وبينَكُمُ / إِلّا رَجعتُ كظيظَ الصّدر بالعجبِ
ما اِرتبتُ منكمْ على مرِّ الزّمانِ فلِمْ
ما اِرتبتُ منكمْ على مرِّ الزّمانِ فلِمْ / ملأتُمُ اليومَ أضلاعي من الرِّيَبِ
وقد صَدقتُكُمُ حتّى رأيتُ لكمْ / وما كذبتكُمُ حظّاً من الكَذب
ما خِيرَ لِي في اِختياري وُدّكمْ وَزَرٌ / آوِي إليه ولا أنجحتُ في الطّلبِ
وكنت منكمْ قريباً قبل غدركُمُ / فصرتُ أبْعَدَ من جِدٍّ إلى اللّعِبِ
فلا تُدِلّوا بإثراءٍ أُتيحَ لكمْ / لا خَيرَ بعدَ اِفتِقارِ العِرْضِ بالنَّشَبِ
ما ضرّكمْ لو وهبتمْ لِي جميلَكُمُ / فأيُّ شيءٍ من الإجمال لم أهَبِ
قَد كنتُ أَحسبكمْ والظنُّ مَطْمَعَةٌ / عزّاً لِذي الذُلِّ أو حِرْزاً لذِي العَطَبِ
حتّى صحبتُكُمُ جهلاً بخيرِكُمُ / ثمَّ اِختبرتُ فَكنتمْ شَرَّ مُصْطَحَبِ
فَليتكمْ ما عرضتُمْ لي مودَّتكم / وَلَيتَني كنتُ مدعوّاً فلمْ أُجبِ
وطالما غِبتُمُ عن نفعِكمْ خَوَراً / وكنتُ منهُ قريبَ الدّار لم أغبِ
إنَّ الّذي اِعوجَّ من بعد اِستقامتِهِ / وَاِنسَلَّ من وَطَري فيه ومِنْ أرَبِي
نَفضتُ مِن وُدِّه كفّي وقد صَفِرَتْ / وَعُدتُ من دارهِ أَمشي إلى العَقِبِ
قالتْ ضَننتَ علينا بالدّموع وقد
قالتْ ضَننتَ علينا بالدّموع وقد / سرنا ودمعُك منهلٌّ إذا شيتا
فقلت لم تدرِ عيني بالفراقِ فلَمْ / تمطرْ عليه لأنّي كنتُ مبهوتا
ما ضرّ من نعتُهُ بالحسنِ مشتهرٌ / لو كان بالحسنِ والإحسان منعوتا
والزّادُ منكِ فإنْ لم تبذلي سَرَفاً / فقد رضيتُ إذا لم تسرفي القوتا
فَقد بتتِّ فلا بذلٌ ولا عِدَةٌ / حبلاً لوصلِكِ لِي ما كان مبتوتا
ما ضرّ طيفَكِ لو والى زياراتي
ما ضرّ طيفَكِ لو والى زياراتي / ما بَينَ تِلكَ المَحاني والثّنِيّاتِ
والرّكبُ عنّا مشاغيلٌ بأَبيَنهمْ / مِنَ الدّؤوب وإرقالِ المطيّاتِ
صَرْعى كأنّ زجاجاتٍ أُدِرْنَ لهمْ / فهمْ لعينيك أحياءٌ كأمواتِ
إنْ حرّم الصّبحُ وصلاً كان يُجذلُنا / فَهْوَ الحلالُ بتهويمِ العشيّاتِ
وَكَم أَتاني وجُنحُ اللَّيلِ حُلّتُهُ / مَن لَم يَكُن في حسابي أنَّه ياتي
وَزارَ في غيرِ ميقاتٍ وكم لُوِيَتْ / عنّا زيارتُهُ في كلِّ ميقاتِ
وَقَد رَأَيتمْ وَقد سار المطيُّ بكمْ / كَيفَ اِصطِباري على تلك المصيباتِ
وَكَم ثنيتُ لِحاظي عَن هوادِجكمْ / وَفي الهَوادِجِ أَوطاري وحاجاتي
وقلت لا وجدَ في قلبي لِلائِمِهِ / وَالقلبُ تحرقُهُ نارُ الصّباباتِ
قلْ للّذين حَدَوْا في يوم رِحلَتِهم / خُوصاً خمائِصَ أمثالَ الحنيّاتِ
مذكّراتٍ فلا سَقْبٌ لهنّ ولا / كَرِعْنَ يوماً بنشوانِ الوليداتِ
لَهُنّ والرّحلُ يَعْلَولِي مناسِجَها / إلى السَّباسِبِ شوقاً كلَّ حنّاتِ
وكمْ ولَجْنَ شديداتٍ صَبَرْنَ بها / حَتّى نَجونَ كِراماً بالحُشاشاتِ
فَإِنْ بُعِثْنَ إِلى نيلِ المُنى رُسُلاً / كفَلْنَ منك بتقريبِ البعيداتِ
مَنْ فيكُمُ مُبلغٌ عنّي الوزيرَ إذا / بَلَغْتموه سلامي والتحيّاتِ
وَمن سعود الورى ثمّ البلاد بهِ / لم يَظلموا إذ دعوه ذا السّعاداتِ
قولوا لَيتني كنتُ الرّسولَ وما / أدّى إليك سوى لفظِي رسالاتي
للّه دَرُّكَ في مُستغْلَقٍ حَرِجٍ / أسعفتَ فيه بفرحاتٍ وفُرجاتِ
وفاحمٍ مُدْلَهمٍّ لا ضياءَ بهِ / نزعتَ عنه لنا أثواب ظُلماتِ
وفي يديك رسولٌ منك تُرسلهُ / متى أردتَ إلى كلِّ المنيّاتِ
مثلَ الرِّشاءِ يُرى منه لمبصرِهِ / تغضّنُ الرُّقمِ يقطعن التّنوفاتِ
حَلفتُ بالبُدْنِ يرعين الوَجيف ولا / عَهدٌ لهنَّ بِرَيٍّ من غماماتِ
يُردنَ بيتاً به الأملاكُ ساكنةٌ / بنيّة فَضَلَتْ كلَّ البِنيّاتِ
وَالطائِفين حوالَيْهِ وقد سَدَكوا / بِه تُقاءً بمسحاتٍ ولثماتِ
وما أراقوه في وادي مِنى زُمَراً / عند الجِمارِ من الكُومِ المسنّاتِ
وأذرُعٍ كسيوفِ الهندِ ضاحيةٍ / يَقذفن في كلِّ يومٍ بالحُصيّاتِ
وَالبائتينَ بجَمْعٍ بعد أن وقفوا / على المعرَّفِ لكنْ أيَّ وَقْفاتِ
وَجاوَزوه خِفافاً بَعد أَن ذَبحوا / حتّى أَتوه بِأجرامٍ ثقيلاتِ
مَحا النضارةَ من صَفْحاتِ أوجههمْ / ذاكَ الّذي كَان محواً للجريراتِ
لأنتَ مِن دونِ هَذا الخلقِ كلِّهِمُ / أَحقّ فينا وَأَولى بالموالاةِ
قُدنِي إِلَيكَ فما يَقتادني بشرٌ / إلّا فتىً كان مأوىً للفضيلاتِ
وَاِشددْ يَديك بما ناولتَ من مِقَتِي / ومن غرامي ومن ثاوِي مودّاتي
أَنا الّذي لا أَحول الدّهرَ عن كَلَفِي / بِمن كلفتُ ولا أسلو صباباتي
لا تخشَ منّي على طول المدى زللاً / فكلُّ شيءٍ تراه غير زلّاتي
سِيّانِ عندي ولا منٌّ عليه بهِ / مَغْنى الأذى ومقرّاتُ اللّذاذاتِ
أَشكو إلى اللَّه أَشواقي إِليك وما / في القلبِ مِن حرّ لوعاتٍ ورَوْعاتِ
وَإِنّني عاطِلٌ مِن حَلي قُربِكَ أو / صِفْرُ اليدين خليٌّ من زياراتي
ولو رأيتُك دون النّاسِ كلِّهِمُ / قَضيتُ مِن هَذهِ الدّنيا لُباناتي
لا تَحسَبوا أَنّني لَم أَلقَهُ أبداً / فَإِنّنا نَتَلاقى بالمودّاتِ
وَكَمْ تَلاقٍ لِقَومٍ مِنْ قلوبهمُ / كَما أَرادوا على بُعدِ المَسافاتِ
وَالقربُ قربُ خبيئاتِ الصّدور وما / تحوي الضمائرُ لا قربُ المحلّاتِ
إِنّي الصديقُ لمن كنتَ الصديقَ له / ومن تُعادِي له منّي معاداتي
وأنتَ من معشرٍ تُروى فضائلُهمْ / سادوا على أنّهمْ أبناءُ ساداتِ
البالِغين مِنَ العَلْياءِ ما اِقتَرحوا / وَالقائِمينَ بصَعْباتِ المُلمّاتِ
وَيَشهَدونَ الوغى من فَرْطِ نَجْدَتهمْ / والرّعبُ فاشٍ بألْبابٍ خليّاتِ
كأنّ أيدِيَهُمْ في النّاس ما خُلقتْ / إِلّا لِبَذل الأيادِي والعَطِيّاتِ
مُقَدَّمين عَلى كلِّ الأنامِ عُلاً / مُحَكّمين على كلِّ القضيّاتِ
فإِنْ تَقِسْهُمْ تَجِدْهُمْ منزلاً وبناً / طالوا النّجومَ التّي فوق السّماواتِ
قد فُقْتَهُمْ بمزيّاتٍ خُصِصْتَ بها / هذا على أنّهمْ فاقوا البريّاتِ
ولم تزلْ مُنجباً فيمن نَسَلْتَ كما / أخَذتها لك من أيدِي النجيباتِ
وكنتَ فضلاً وديناً يُستضاءُ بهِ / خلطتَ للمجدِ أبياتاً بأبياتِ
إنّ الرَّئيس الّذي راسَ الأنام بما / حواه من فضلهِ قبل الرّياساتِ
فَإِن تَجمّل قومٌ في وزارتهمْ / فَاِجَّمَّلتْ فيك أدراعُ الوزاراتِ
جاءتكَ عفواً ولم تبعثْ لها سبباً / ولا بسطتَ إليها قبضَ راحاتِ
وقد أتانِيَ فيما زارني خبرٌ / فَطالَ منهُ قُصارى كلِّ ساعاتي
سَقاني المُرَّ مِن كَأسيهِ وَاِستَلبتْ / يُمناهُ من بَصَرِي لذّاتِ هَجْعاتي
إِنِ اِضطَجعتُ فمِنْ شوكِ القنا فُرُشِي / وإنْ مشيتُ فواطٍ فوقَ جَمْرَاتِ
قالوا اِشتَكى مَنْ يوَدُّ النَّاسُ أنَّهُم / كانوا الفداءَ له دون الشّكاياتِ
وَلَم أَزَلْ مُشفقاً حتّى علمتُ بما / أَنالَهُ اللَّهُ مِن ظِلِّ السّلاماتِ
وَبشّروا بالعوافي بعد أن مُطِلَتْ / بُشري ولكنّها لا كالبشاراتِ
وَالحمدُ للَّه قَد نلتَ المَرادَ وما ال / سَعيدُ إلّا الّذي نالَ الإراداتِ
فَعِشْ كما شئتَ من عزٍّ يطيف بهِ / للَّهِ جَيشٌ كثيفٌ من كفاياتِ
وَلا بُليتَ بِمَكروهٍ ولا قَصُرَتْ / منك الأناملُ عن نيلِ المُحبّاتِ
فلم تكنْ مُعْنِتاً من ذا الورى بشراً / فَكيفَ تُبلى منَ الدنيا بِإِعْناتِ
أمَا سمعتَ حَمامَ الأيْكِ إذْ صَدَحا
أمَا سمعتَ حَمامَ الأيْكِ إذْ صَدَحا / غَنَّى ولمْ يدرِ أنّي بعضُ مَنْ جَرحا
لم أقترحْ منه ما غنّى الغداةَ بهِ / وربّ مَنْ نال ما يهوى وما اِقتَرحا
ولِي جفونٌ من البَلْوى مُسَهَّدَةٌ / لا تعرفُ الغَمْضَ ممّا ترقُبُ الصُّبُحا
فقلْ لممرضِ قلبي بعد صحّتِهِ / إنّ السّقيم الّذي أدويتَ ما صَلُحا
قد جدّ بِي المزحُ من صَدٍّ دُهيتُ بهِ / وطالما جدّ بالأقوامِ من مَزَحا
ماذا على القلبِ لولا طولُ شِقْوتِهِ / مِنْ نازلٍ حلَّ أو من نازِحٍ نَزَحا
يا مُثْكِلِي نومَ عينٍ فيه ساهرةٍ / جَفْنِي عليك بدمعي فيك قد قُرِحا
وفِيَّ ضدّانِ لا أسطيعُ دَفْعَهُما / نارٌ بقلبي وماءٌ بالهوى سَفَحا
وَقَد عَذلتمْ فُؤاداً بِالهَوى كَلِفاً / لو كان يقبل نُصْحاً للّذي نَصَحا
صَحا الّذي يشرب الصَّهْبَاءَ مُتْرعةً / وشاربُ الحبِّ أعيا أنْ يُقالَ صَحا
لم يبرَحِ الوجدُ قلبي بعد أنْ عَذَلوا / على صبابتِهِ لكنّه بَرِحا
وقد ثوى أمَّ رأسي للصبابةِ ما / يُغرِي بمعصيتِي مَنْ لامَنِي ولَحا
ليت الفراقَ الّذي لا بدّ أكرعُ مِنْ / كاساتِهِ الصَّبْرَ صِرْفاً لا يكون ضحا
وليت أدْمَ المَهارَى النّاهضات بما / تحوِي الهوادجُ كانت رُزَّحاً طُلُحا
طوَوْا رحيلَهُمُ عنّي فنمَّ بهِ / عَرْفُ اليَلَنْجوجِ والجادِي إذا نَفَحا
وقد طلبتُ ولكنْ ما ظَفِرتُ به / من الفراقِ الّذي أَمُّوه مُنْتَدَحا
أهوى من الحيِّ بدراً ليس يطلعُ لِي / يوماً وظَبْيَ فَلاةٍ ليتَه سَنَحا
أبَتْ ملاحَتُهُ من أنْ يجودَ لنا / فليتَه في عيونِ العِشقِ ما مَلُحا
وكان لي جَلَدٌ قبلَ الغرامِ به / فَالآن أفنَى اِصطباري وَجْدُهُ ومَحا
وزائرٍ زارَني واللّيلُ معتكرٌ / والصُّبحُ في قبضةِ الظّلْماءِ ما وَضَحا
كَأنّهُ كَلِمٌ راعتْ وليسَ لَها / مَعْنىً ولَمعةُ برقٍ خلَّبٍ لَمَحا
لو أنّه زارَني والعينُ ساهرةٌ / أعطيتُه من نصيبِ الشّكرِ ما اِقتَرحا
أَعطى إلى العَينِ مِنّي قُرّةً وأتى / قلبي فأذْهبَ عنه الهمَّ والتَّرَحا
زَوْرٌ أبِيتُ به جَذْلانَ منتفعاً / وكم من الزَّوْرِ ما طرنا به فرحا
وبات يسمحُ لِي منه بنائِلِهِ / لكنّه راجعٌ فيما بهِ سَمَحا
يا صاحبي إنْ تُرِدْ يوماً موافقتِي / فقد بلغتَ بِيَ الأوطارَ والنُّجَحا
جَنِّبْنِيَ اللّهوَ في سرٍّ وفي عَلَنٍ / وعاطِ غيرِي إذا غنّيتَه القَدَحا
ولا تُهِبْ بِي إلى ثِنْيَيْ بُلَهْنِيةٍ / وَاِجعَلْ نِداءَك لِي من فادحٍ فَدَحا
فَلَستُ أَفرحُ إلّا بالّذي مَدَحَتْ / مِنّي الرّجال فَلا تطلبْ لِيَ الفَرَحا
وَكُنْ إِذا اِصطبَح الأقوامُ في طَرَبٍ / بالمجدِ مُغتَبِقاً والحمدِ مُصْطَبِحا
مَنْ لِي بِحُرٍّ من الأقوامِ ذي أنَفٍ / ينحو طريقي الذي أنحوه حين نَحا
تَراهُ وَالدّهرُ شتّى في تقلّبِهِ / لا يَقبَلُ الذلّ كيما يقبلُ المِنَحا
وإنْ مضى لم تُعِجْهُ الدّهرَ عائجةٌ / ولا يُقادُ إلى الإقدامِ إنْ جَنَحا
حَلفتُ بِالبيتِ طافَتْ حولَه عُصَبٌ / من لاثمٍ ركنَه أو ماسحٍ مسحا
والبُدْنِ حلّتْ ثرى جَمْعٍ وقد وُدِجَتْ / وَإِنّما بَلغ الأوطارَ من رَزَحا
وَبِالحُصيّاتِ يقذَفنَ الجمارُ بها / وبالهَدِيِّ على وادي مِنى ذُبحا
وشاهِدِي عَرَفاتٍ يومَ موقِفِهمْ / يستصفحون كريماً طالما صَفَحا
لقد حللتُ من العَلياءِ أفنيةً / ما حلّها بشرٌ نحو العُلا طَمحا
وقد مُنِحتُ وضلّ الناسُ كلُّهُمُ / عنه طريقاً لطيبِ الذّكر ما فتِحا
كان الزّمان بهيماً قبل أنْ مَنَحتْ / فضائلِي جِلدَه الأوضاحَ والقُرحا
وقد رجحتُ على قومٍ وُزِنتُ بهمْ / وما عليَّ من الأقوامِ مَنْ رَجَحا
فإنْ كدَحتُ ففي عزٍّ أَضنُّ بهِ / وضلّ مَنْ في حطامٍ عمرَه كَدَحا
ما زلتُ أُسّاً وباقي النّاسِ أَبنَيةٌ / وكنتُ قُطباً وحولِي العالمون رَحا
وأيُّ ثِقْلٍ وقد أعيا الرّجالَ على / ظَهري الّذي حَمل الأثقال ما طُرِحا
وَسُدْتُ قومِيَ في عَصرِ الصِّبا حَدَثاً / وَلَم يسودوا مَشيباً لا ولا جَلَحا
فكمْ قدحتُ وأضرمتُ الورى لهَباً / وكمْ من النّاس قد أكْدى وما قَدَحا
فَقُلْ لِقَومٍ غرستُ البِرَّ عندهُمُ / فما رَبحْتُ وكم من غارسٍ رَبِحا
ليت الّذي غرّ قلبي من تجمّلكمْ / ما سال فينا له وادٍ ولا رَشَحا
وَلَيتَني لَم أَكُنْ يوماً عرفتكُمُ / وَكُنتُ مِنكُمْ بعيدَ الدّار مُنتَزِحا
قَد عادَ صدرِيَ منكمْ ضيِّقاً حَرَجاً / وكان من قبل أنْ جرّبتُ منشرِحا
فَلا تَروموا لِوُدِّي أوْبَةً لكُمُ / إنّ الجوادَ جوادَ الودِّ قد جَمَحا
طَرحتموني كَأنّي كنتُ مُطَّرحاً / ولُمْتُموني كأنّي كنتُ مُجتَرِحا
وخلتُ أنّكُمُ تجزونَنِي حَسَناً / فالآن أوْسعتمونِي منكمُ القُبَحا
فَلا تَظنّوا اِصطِلاحاً أَنْ يَكون لنا / فَلم يدع ما أَتَيتمْ بَيننا صُلُحا
وَلو جزيتُكُمُ سوءاً بسَوْءتِكُمْ / لَكُنتُ أنْبِحُ كلبَ الحيِّ إنْ نَبَحا
وَلا سَقَتكمْ منَ الأنواءِ ساقيةٌ / ولا نَشَحْتُمْ إذا ما معشرٌ نَشَحا
وَلا يَكن عَطَنٌ مِنكمْ ولا وَطَنٌ / مُتّسعاً بالّذي تَهْوَوْنَ مُنفسِحا
وَلا لَقيتمْ بضرّاءٍ لكمْ فَرَجاً / ولا أصبتم بسرّاءٍ بكمْ فَرَحا
لا قَضى اللَّه لِقَلبي
لا قَضى اللَّه لِقَلبي / في الهَوى أَن يَستَريحا
أَنا راضٍ مِن هَوى البي / ضِ بأن كان قريحا
يا ميلحَ الوَجهِ لِمْ تصْ / نعُ ما ليسَ مَليحا
إنّما يُعذِرُ في التّق / بيحِ من كان قبيحا
أنا مُشفٍ من تَجنّي / كَ وقد كنتُ صحيحا
والّذي صيّرَ من حب / بِكَ في جسمِيَ روحا
لا أطاعَ القلبُ مِنِّي / أبداً فيك نصيحا
لِي مِنْ رُضابِكَ ما يُغنِي عن الرّاحِ
لِي مِنْ رُضابِكَ ما يُغنِي عن الرّاحِ / ونورُ وجهكَ في الظّلماء مصباحِي
وحمرةٌ نُشِرتْ في وجْنَتيكَ بها / مَلكتَ ناصِيَتَيْ وردٍ وتفّاحِ
وقد لَحَوْني على وجْدِي فقلْ لهمُ / كَيفَ اِنثَنى خائِباً مِن طاعَتي اللّاحِي
تَلومُني وَاِلتِياعٌ ما يُفارِقُني / مِلْءَ الضّلوعِ بقلبٍ غيرِ مُرتاحِ
وَأَنتَ صاحٍ وَلاحٍ مَنْ به سُكرٌ / وَما اِستَوى في الهَوى السّكرانُ والصَّاحِي
قُمْ غَنِّنِي بِأَحاديثِ الهَوى طَرَباً / وَسَقّنِي مِن دُموعي مِلْءَ أقداحي
ولا تَمِلْ بي إلى مَن لا أُسَرُّ بهِ / ففي يَمينكَ أَحزاني وأفراحي
وقد شَجِيتُ بقُمْرِيٍّ على غُصُنٍ / باكٍ بلا أدْمُعٍ يجرين نَوّاحِ
قلْ للّذين أرادوا مثلَ مَفْخرتي / أَنّى لكمْ مثلُ غُرّاتي وأوضاحِي
وَهَلْ تَبيتونَ إِلّا في حِمى كَنَفِي / وفي خَفَارةِ أسيافي وأرماحي
مَنْ فيكم وَقَد اِشتدَّ الخصامُ له / مِنْ دونِكم مثلُ إِيضاحي وَإِفصاحي
ما زالَ رائدُكُمْ في كلِّ مَكرُمةٍ / لولايَ فيكمْ بوجهٍ غيرِ وضّاحِ
وقد بلغتُ مراماً عزّ مطلبُهُ / لَم تَبلغوهُ وَعيسى غيرُ أطلاحي
وَكَم ثَوَتْ منكُمُ الأحوالُ فاسدةً / حتّى صرفتُ إليها وجهَ إصلاحِي
لا لذّةٌ لِيَ في غير الجميلِ ولا / في غيرِ أوديةِ المعروفِ أفراحي
دفعتُ عنكم بمَا تجلو القُيونُ وقد / دفعْتُمُ الشرَّ عجزاً عنه بالرّاحِ
سيّانِ سِرِّي وجهري في ظِهارتِهِ / ومستوٍ خَمَرِي فيهِ وتَرْواحي
إنْ كان رِبْحُكُمُ مالاً يفارقُكمْ / فليس غيرَ الأيادِي البيضِ أرباحي
ورثتُ هذِي الخصالَ الغُرَّ دونكُمُ / عن كلِّ قَرْمٍ طويلِ الباعِ جَحْجاحِ
قومٌ إذا ركبوا يوماً على عَجَلٍ / ضاق الفضاءُ وسدّوا كلَّ صَحْصاحِ
ترى جيادَهُمُ في كلِّ مُعتَرَكٍ / تُلقِي من الأرضِ صُفّاحاً بصُفّاحِ
هُمُ البحورُ لمنْ يعتادُ رِفْدَهُمُ / والنَّاسُ ما بين أوْشالٍ وضَحْضاحِ
لَو طاوَلوا النّجمَ لم يطلعْ على أحدٍ / أو صاولوا النّارَ لم تظهرْ لقدّاحِ
أُولاكَ قومِي فجيئونِي بمِثِلهمُ / في منزلٍ هابطٍ أو ظاهرٍ ضاحِ
مَعالمٌ لا مرورُ الدّهرِ يُخلِقها / ولا يخاف على مَحْوٍ لها ماحِ
في مِثلِها يُستَثارُ الصَّبرُ والجَلَدُ
في مِثلِها يُستَثارُ الصَّبرُ والجَلَدُ / وعندها يَتقاضى الحزمُ ما يَجِدُ
وَما الرزيَّةُ إلّا أَنْ تُلِمَّ بنا / وَنَحنُ لاهونَ عنها غُفَّلٌ بُعُدُ
مثلُ السّوامِ رَعَى في أرض مَضْيَعةٍ / نامَ المُسِيمُ بِها وَاِستَيقظَ الأسدُ
تَمشي الضَّراءَ وهامٌ لا تُخَمِرُّها / محلّقٌ فوقهنّ العارِضُ البَرَدُ
وإنّما المرءُ في الأيّامِ مُحتَبَسٌ / على المنيّةِ تأتيهِ ومُقتَعَدُ
يَسعى وَلَم يسعَ إلّا نَحوَ حُفرتِهِ / يخالُ معتمداً أو كيف يعتمدُ
جاب البلادَ وعدّى عن مصارعِهِ / فَاِختطّ مَصرعَه مِنْ بينها بَلدُ
وَكَيف يَنجو حِبالاتِ الرّدى رجلٌ / مُستَجمعٌ للمنايا بعده بَدَدُ
وَقَد عَلِمنا بِأنّا مَعشرٌ أُكُلٌ / للموتِ نُوجَدُ أحياناً ونُفتَقَدُ
يَرتاحُ نحوَ غدٍ من غفلةٍ أبداً / مَنْ ليس يدرِي بما تجنِي عليهِ غَدُ
كَم ذا فَقَدنا كراماً لا إِيابَ لهمْ / حُطّوا منَ المَنزلِ الأعلى وَنفتَقِدُ
ذاقَتْ شِفاهُهُمُ طعمَ الرّدى مَقِراً / وَطالَما كانَ يَجري بينها الشَّهَدُ
وَكَم وَرَدْنا وَما تُغْنِي ورادَتنا / إنّا وردنا وأُعْفُوا مُرَّ ما وردوا
لم يُغنِ عنهمْ وقد همّ الحِمامُ بهمْ / ما جَمّعوا لدفاعِ البُؤْسِ وَاِحتَشدوا
وَلَيسَ يُجدِي وَإِنْ أَرْبى بكثرتِهِ / عَلى الفَتى مَدَداً إِذا اِنقَضتْ مُدَدُ
كَأنّهمْ بَعد ما اِمتدَّ الزّمانُ لَهمْ / لِما مَضوا في سبيلِ المَوتِ ما وُلِدوا
فَنَحنُ نَبكي عَلى آثارهمْ جَزَعاً / نَقولُ لا تبعُدوا عنّا وقد بَعُدوا
قُلْ لِلوَزير سواك المرءُ نوقظُهُ / وَسمعَ غيرِكَ يَغشى العَذْلُ والفَنَدُ
حَتّى مَتى أَنتَ فيما فات مُكتئِبٌ / جَنَى الحِمامُ فلا عَقْلٌ ولا قَوَدُ
دَعِ التتبّع للعُمرِ الّذي قطعتْ / عَنه الحياةَ المنايا وَاِنتَهى الأمدُ
ما دُمتَ تطمعُ فيه فَاِحزنَنَّ له / فإنْ يَئِسْتَ فلا حُزْنٌ ولا كَمَدُ
وَاِستبقِ دمعَك لا تذهبْ به سَرَفاً / فمسرفٌ فيه يُضحِي وهو مقتصدُ
وإنْ جَزِعتَ لأَنْ مدّت إليك يدٌ / فبالّذي عشتَ ما مُدّت إليك يَدُ
ومُنيةُ الوالدين الدّهرَ أجمعَهُ / أنْ يكرعا الموتَ حتّى يسلمَ الولَدُ
هَلْ شافعٌ لِي إلى نَعْمٍ وسيلتُها
هَلْ شافعٌ لِي إلى نَعْمٍ وسيلتُها / وَلا وَسيلةَ إلّا السَّقْمُ والجُهُدُ
لَم تطعمِ الحبَّ فَاِرتابَتْ لطاعِمهِ / ولم تَجِدْ بِي فلم أوقنْ بما أجدُ
في القربِ والبعدِ هجرانٌ ومَقْلِيَةٌ / فليس ينفعنِي قربٌ ولا بُعُدُ
ما نامَ ذِكرُكِ في قلبِي فيوقظُهُ / برقٌ سرى موهِناً أو طائرٌ غَرِدُ
أُحِبُّ منكِ وإنْ ماطَلْتِ عن أرَبي / وعداً وكم أخلف الميعاد من يَعدُ
ما أطعمَ الحبَّ يأساً ثمّ مَطْمَعَةً / لَو كانَ لي بالّذي يجني عليَّ يَدُ
لا مَوقف الحبِّ أَنساهُ وَنَحنُ عَلى / رَصْفٍ من البينِ يخبو ثمَ يَتَّقِدُ
حَيثُ اِستَندتُ إِلى صبرِي فأَسْلَمنِي / والشّوقُ يأخذُ مِنِّي كلّ ما يجدُ
أُحِبُّ مَنْ ليس حظٌّ في مودّتِهِ
أُحِبُّ مَنْ ليس حظٌّ في مودّتِهِ / وَليسَ إلّا الهَوى والهمُّ والكَمَدُ
يَسوؤُهُ أنّه همِّي ويُغضِبُهُ / أنِّي شكوتُ إليه بعضَ ما أجدُ
يا صاحبي لا تَلُمْني في هوىً هجمتْ / به عليَّ الَّتي ما ردّها أحَدُ
وافى ولم تَسعَ لي رِجْلٌ لألحقَهُ / حِرصاً عليهِ ولم تُمدَد إليهِ يَدُ
فإنْ يكن لكَ صبرٌ فيه أو جَلَدٌ / فليس لِي في الهوى صبرٌ ولا جَلَدُ
صدّتْ أسَيماءُ عن شيبي فقلتُ لها
صدّتْ أسَيماءُ عن شيبي فقلتُ لها / لا تنفُرِي فبياضُ الشَيب معهودُ
عمرُ الشّبابِ قصيرٌ لا بقاءَ له / والعمرُ في الشّيبِ يا أسماءُ ممدودُ
قالتْ طُرِدتَ عن اللذّاتِ قاطبةً / فقلتُ إنّي عن الفحشاءِ مطرودُ
ما صَدّني شيبُ رأسي عن تُقىً وعُلاً / لكنّنِي عن قذى الأخلاقِ مصدودُ
لولا بياضُ الضّحى ما نِيلَ مُفتَقَدٌ / ولم يَبِنْ مطلبٌ يبقى ومَقصودُ
ما عادل الصُّبحَ ليلٌ لا ضياءَ بهِ / وَلا اِستَوتْ في اللّيالي البيضُ والسُّودُ
هَذي المُصيبةُ ما أبْقَتْ لنا أبداً
هَذي المُصيبةُ ما أبْقَتْ لنا أبداً / صبراً عليها ولا خلَّتْ لنا جَلَدا
جاءَتْ ولا همّ في قلبِي ولا كَمَدٌ / فَلَم تَدعْ فيه إلّا الهمَّ والكَمَدا
يا سَعدَنا لَم يجد فيك الزّمانُ وقد / بلاك موضعَ إخشاعٍ وقد وجدا
اِنظُر إِلى الدّهرِ لمّا أنْ ألمَّ بنا / من أيِّ بابٍ إلى مكروهنا قصدا
جبَّ السَّنام الذي كنّا نصولُ به / فما أفادَ بأنْ أبقى شوىً ويدَا
أنكى بأفرسِ مَنْ ناجيتُه قدرٌ / جارٍ وأفرسِ مَن حاذرتُ منه رَدى
والموتُ إنْ لم يزرْ يوماً ففِي غدِهِ / والمرءُ إنْ لم يرُحْ سعياً إليه غدا
لَو يَستَطيعُ الّذي يهوى البقاءَ له / فداءَه بالّتِي في جنبِه لفدى
وَلَو أَطافَ الّذي قِيدتْ مشافِرُهُ / إلى ورودِ حياضِ الموتِ ما وردا
وما أرى الصّبرَ لِي رأياً فأسألَهُ / والقصدُ يُغْرِي به مَن كان مقتصدا
ولستُ أرضى له قولاً وفي كَبدِي / جمرُ المصيبةِ ما أغضى ولا خَمَدا
فإنْ أفَقْتُ فعندي كلّ قافيةٍ / تَتْرى وقد ضَمِنَ الإنجازَ من وعدا
فخراً فإنّك من قومٍ إذا اِفتَخروا
فخراً فإنّك من قومٍ إذا اِفتَخروا / مدّوا إلى كلِّ نجمٍ في السّماءِ يدا
مُحَسَّدين وهذا الفضل مَرقَبةٌ / تَجرّ قِدْماً على طُلّاعِها الحَسدا
لمّا رأينا سجاياً منهمُ سُمعتْ / كأنّنا ما رأينا منهمُ أحدا
مَتى أَرى الدّهرَ قد آلت مصايرُهُ
مَتى أَرى الدّهرَ قد آلت مصايرُهُ / إلى الّذي كان مألوفاً ومعهودا
كم ذا أرى كلَّ مذمومٍ ولست أرى / بين الورى أبدَ الأيّامِ محمودا
قالتْ أراك بهمٍّ لا تفارقُهُ / فقلت همِّي لأنّي ظَلْتُ مَجهودا
إنْ شئتَ عزّاً بلا ذُلٍّ يُطيف بهِ / فَاِقطَعْ منَ الحرصِ حبلاً كان ممدودا
خذْ كيفَ شئتَ عن الأقطار قاطبةً / وَاِطلُبْ من الرّزق مطلوباً وموجودا
فلستَ تأخذُ إلّا ما سبقتَ بهِ / ولا تبدّل بالمجدودِ مجدودا
مضى الثّقاتُ فلا عينٌ ولا أثرٌ / وأُورِدوا من حياضِ الموتِ مورودا
وأصبحوا كهشيمٍ بات في جَلَدٍ / بِعاصِفاتٍ منَ النّكباءِ مكدودا
فما أبالِي وقد فارقتهمْ غَبَناً / شُحّاً منَ الدَهرِ في نفعٍ ولا جودا
وَلا أضمُّ يداً منِّي بغيرهمُ / ولا أودُّ من الأقوامِ مودودا
ولا أخاف على مَن كان بعدهُم / نَحساً وسعداً ولا بيضاً ولا سودا
ما خامر الرّزقُ قلبي قبل فَجْأتِهِ
ما خامر الرّزقُ قلبي قبل فَجْأتِهِ / ولا بسطتُ له في النائباتِ يدي
كم قد ترادفَ لم أحفِلْ زيادَتَهُ / ولو تجاوزني ما فتَّ في عَضُدِي
إن أسْخَطِ الأمرَ أُدركْ عنه مُضطَرَباً / وإِنْ أُرِدْ بَدَلاً من مذهبٍ أجِدِ
هَل هاجَ شَوقَك صوتُ الطائرِ الغَرِدِ
هَل هاجَ شَوقَك صوتُ الطائرِ الغَرِدِ / في الرّبعِ والرّبعُ عُريانٌ بلا أحدِ
غنّاك ما قلبُه شوقاً بُمكتئبٍ / وليس دمعٌ له حُزناً بمطّردِ
وربّما هاجَ أحزانَ الفؤادِ وما / يَدْرِي خليٌّ من الأشجانِ والكَمَدِ
أمّا الذين رَمَتْ عسفانَ عِيرُهُمُ / بكلِّ موَّارةٍ عَيرانةٍ أُجُدِ
ففي الفؤادِ على آثارهمْ جَزَعٌ / لا يستفيق وهمٌّ غيرُ مُفتقَدِ
حنّوا إليك وقد شطّ المزارُ بهمْ / كَأنّهمْ لم يَصدّوا عنك من صَدَدِ
قَد قلتُ لمّا لِقينا الظّعنَ سائرةً / ماذا يُفيد لِقَيناهُنَّ من غَيَدِ
مِن كلِّ موسومةٍ بالحسن بَهْكَنَةٍ / كَأنّما سُرِقتْ من جنّةِ الخُلدِ
مَن عاذِري في الغَواني غِبَّ مُنتشرٍ / من المشيبِ كنُوّار الضّحى بَدَدِ
وافى ولم يبغِ مِنّي أن أهيبَ به / وحلَّ مِنّيَ كرهاً حيث لم أُردِ
وَلَو جَنَتهُ يَدِي ما كنتُ طائعَها / لَكِنْ جَناهُ على فَوْدَيَّ غيرُ يدِي
دَعْ عنكَ كلَّ لئيمِ الطّبعِ مُبتذَلٍ / أذلَّ في عَرَصاتِ الدار من وَتدِ
إِنْ هَمَّ بِالخَيرِ عاقَتهُ عَوائقهُ / وإنْ مضى في طريق الحمدِ لم يَعُدِ
وَلا تُؤاخِ منَ الأقوامِ مُنطَوياً / على الضّغينةِ مملوءاً من الحسدِ
نَشواً منَ الغيِّ ما لم يَدرِهِ أبداً / ولا يمرّ بما يدري من الرُّشدِ
يا فَخرَ ملكِ بنِي العبّاس كلّهمُ / من والدٍ قد مضى منهمْ ومن وَلَدِ
وَمَن يَجود على ما في نَوافلِهِ / بالفخر والعزّ قبل الجود بالصَّفَدِ
للَّهِ درُّك تمرِي شَدَّ ناجيةٍ / هوجاءَ مرشوشةِ القُطرين بالنَّجَدِ
كَأنَّها وَكريم النّجْوِ يَحفِزها / إلى بلوغِ المدى سِيدٌ على جَدَدِ
وَفي يَديك لَعوبُ المتنِ مُبتَدرٌ / إلى تقنّصِ نفس الفارس النَّجِدِ
مثلُ الرّشاءِ ولكنْ لا قليبَ له / يَومَ الكريهةِ إلّا مُنحَنَى الكَبِدِ
ماذا يريبُ العِدى لا دَرّ دَرُّهمُ / مِن نازِحٍ عَن مَقامِ العَذْلِ والفَنَدِ
ما زالَ والظّمءُ يَستدعِي مكارِعَهُ / إِنْ فاتهُ العدُّ لم يوردْ على ثَمَدِ
كَم ذا لكفّكِ مِن آثارِ مكرُمةٍ / في غُنمِ مفتقرٍ أو فكِّ مُضطَهَدِ
قلائدٌ مثلُ أطواقِ الحمامِ لنا / تبيدُ أُخرى اللّيالِي وهْيَ لم تَبِدِ
وَحاطَها وهيَ بالبيداءِ مُصحِرَةٌ / لأخذِ مستَلَبٍ أو لَقْمِ مُزدَرَدِ
مِن بعدِ ما غابَ عَنها كلُّ منتصرٍ / فمنْ جنى فبِلا عقْلٍ ولا قَوَدِ
وَجُبتَ أَعداءَها عَنها فَلو طلبتْ / لها عدوّاً طِوالَ الدّهرِ لم تَجِدِ
حَتّى اِستَقرّتْ وقد كانتْ مُقَلْقَلةً / تُساق من بلدٍ ناءٍ إلى بلدِ
لَولا مَكانُك كانَتْ يَومَ بَطشَتها / بِلا ذراعٍ ولا كفٍّ ولا عَضُدِ
مَنْ كان غيركَ والرُّعيانُ قد هجموا / يَضُمُّ أرجاءَ تلك الثلَّةِ الشُّرُدِ
ومَنْ يدُلّ وقد ضلّتْ حلومُهُمُ / عن السَّدادِ إلى شيءٍ من السَّدَدِ
فالآن أصبح ما قد كان مُنتَهَكاً / ذُؤابةَ النّيقِ أو عرّيسةِ الأسدِ
لا فاتَنا لكَ دَهرٌ لا تزال بهِ / وَلا اِنتَهيتَ منَ الدّنيا إِلى أمَدِ
وَضَلَّ عنّا الّذي نَخشى ولا نَضُبتْ / هذي الغضارةُ عن أيّامنا الجُدُدِ
وَعادَك العيدُ أَعواماً متى حُصرتْ / بِالعدِّ كانتْ بلا حَصرٍ ولا عددِ
في ظِلِّ مَملكةٍ تبلى الصُّخورُ على / طولِ المدى وهْيَ لا تبلى على الأمَدِ
هَل أَنتَ لصبّ القلبِ معمودِ
هَل أَنتَ لصبّ القلبِ معمودِ / دَوِي الفؤادِ بغير الخُرّدِ الخُودِ
ما شفّه هجرُ أحبابٍ وَإِنْ هَجَروا / من غير جُرمٍ ولا خُلفِ المواعيدِ
وفي الجفون قذاةٌ غيرُ زائلةٍ / وفي الضّلوع غرامٌ غيرُ مفقودِ
يا عاذلِي ليس وجدٌ بتُّ أكتُمه / بين الحَشى وَجدَ تعنيفٍ وتفنيدِ
شِربِي دموعِي على الخدّين سائلةً / إِن كانَ شربك مِن ماء العناقيدِ
ونمْ فإنّ جفوناً لِي مُسهّدةٌ / عُمْر اللّيالِي ولكنْ أيُّ تسهيدِ
وقد قضيتُ بذاك العذل مَأْرَبَةً / لو كان سمعِيَ عنه غيرَ مسدودِ
تلومنِي لم تُصبْك اليومَ قاذفتِي / ولم يعدْك كما يعتادنِي عيدي
فالظّلمُ عَذْلُ خليِّ القلبِ ذا شَجَنٍ / وهُجنَةٌ لومُ موفورٍ لمجهودِ
كم ليلةٍ بتُّ فيها غيرَ مرتفق / والهمُّ ما بين محلولٍ ومعقودِ
ما إن أحِنُّ إليها وهْيَ ماضيةٌ / ولا أقول لها مستدعياً عودِي
جاءتْ فكانت كعُوّارٍ على بصرٍ / وزايلتْ كزيال المائد المودِي
فإنْ يودّ أناسٌ صبحَ ليلهمُ / فإنّ صبحِيَ صبحٌ غيرُ مودودِ
عشيَّةٌ هجمتْ منها مصائبُها / على قلوبٍ عن البَلوى محاييدِ
يا يوم عاشورَ كم طأْطأْتَ من بصرٍ / بعد السموّ وكم أذللتَ من جِيدِ
يا يومَ عاشورَ كم أطردتَ لي أملاً / قد كان قبلك عندي غيرَ مطرودِ
أنتَ المُرنِّقُ عيشي بعد صفوتِهِ / ومولجُ البيضِ من شيبي على السُّودِ
جُزْ بالطّفوفِ فكم فيهنّ من جبلٍ / خرّ القضاءُ به بين الجلاميدِ
وكم جريحٍ بلا آسٍ تمزّقُهُ / إمّا النُّسُورُ وإمَّا أضبُعُ البيدِ
وكم سليبِ رماحٍ غير مستترٍ / وكم صريعِ حمامٍ غيرِ ملحودِ
كأنَّ أَوجههم بيضاً ملألئةً / كواكبٌ في عِراصِ القفرةِ السُّودِ
لم يطعموا الموتَ إلّا بَعد أنْ حطموا / بالضّربِ والطعنِ أعناقَ الصَّناديدِ
ولم يدعْ فيهمُ خوفُ الجزاءِ غداً / دماً لتُربٍ ولا لحماً إلى سِيدِ
من كلِّ أبلجَ كالدِّينار تشهده / وسْطَ النَدِيّ بفضلٍ غيرِ مجحودِ
يغشى الهياجَ بكفٍّ غيرِ منقبضِ / عن الضّرابِ وقلبٍ غير مَزؤُودِ
لم يعرفوا غيرَ بثِّ العُرْفِ بينهمُ / عفواً ولا طُبعوا إِلّا على الجودِ
يا آلَ أحمدَ كم تُلوى حقوقُكمُ / لَيَّ الغرائبِ عن نبت القراديدِ
وكم أراكمْ بأجواز الفلا جُزُراً / مبدّدين ولكنْ أيَّ تبديدٍ
لَو كانَ يُنصفكم مَن ليسَ ينصفكمْ / ألقى إِليكمْ مطيعاً بالمقاليدِ
حُسدتمُ الفضلَ لم يُحرزه غيركُمُ / والناس ما بين محرومٍ ومحسودِ
جاؤوا إليكمْ وقد أعطوا عهودهمُ / في فيلقٍ كَزُهاءِ الليلِ ممدودِ
مُستَمرِحينَ بِأيديهمْ وَأَرجلهمْ / كَما يَشاؤونَ رَكضَ الضُّمَّرِ القودِ
تَهوِي بهمْ كلُّ جرداءٍ مُطهّمةٍ / هوِيَّ سَجْلٍ من الأوذامِ مجدودِ
مُستشعرين لأطرافِ الرّماح ومِنْ / حدِّ الظّبا أدْرُعاً من نسجِ داودِ
كأنَّ أَصواتَ ضربِ الهامِ بينهمُ / أصوات دوحٍ بأيدي الرّيح مبرودِ
حَمائمُ الأيكِ تَبكيهمْ على فَنَنٍ / مُرنّحٍ بنسيم الرّيح أُملودِ
نوحِي فذاك هديرٌ منك مُحتَسَبٌ / على حسينٍ فتعديدٌ كتغريدِ
أُحبّكم والّذي طاف الحجيجُ به / بمُبْتَنىً بإزاءِ العرش مقصودِ
وزمزمٍ كلّما قسنا مواردَها / أوفى وأربى على كلِّ المواريدِ
والموقِفَيْنِ وما ضحَّوْا على عجلٍ / عند الجِمار من الكومِ المقاحيدِ
وكلّ نُسكٍ تلقّاه القبولُ فما / أَمسى وأَصبحَ إلّا غيرَ مردودِ
وأرتضِي أنّنِي قدْ متُّ قبلكُمُ / في موقفٍ بالرُّدينيّاتِ مشهودِ
جمِّ القتيل فهاماتُ الرّجالِ به / في القاع ما بين متروكٍ ومحصودِ
فقلْ لآلِ زيادٍ أيُّ معضلةٍ / رَكبتموها بِتخبيبٍ وَتخويدِ
كَيفَ اِستَلَبتم منَ الشّجعان أمرَهُمُ / والحربُ تغلِي بأوغادٍ عراديدِ
فرّقتُم الشّملَ ممّن لَفّ شَملَكُمُ / وأنتمُ بين تطريدٍ وتشريدِ
وَمَنْ أعزَّكمُ بعد الخمولِ ومَنْ / أدناكُمُ مِن أمانٍ بعد تبعيدِ
لولاهُمُ كنتمُ لحماً لمُزدَرِدٍ / أو خُلسةً لقصير الباع مَعْضُودِ
أو كالسّقاءِ يبيساً غيرَ ذي بللٍ / أو كالخباءِ سقيطاً غيرَ معمودِ
أعطاكمُ الدّهرُ ما لا بعد يرفعه / فسالبُ العودِ فيها مورِقُ العودِ
وَلا شَرِبتمْ بِصفوٍ لا ولا عَلِقَتْ / لكمْ بنانٌ بأزمانٍ أراغيدِ
وَلا ظفِرتمْ وقد جُنّتْ بكم نُوَبٌ / مقلقلاتٌ بتمهيدٍ وتوطيدِ
وحوّل الدّهر ريّاناً إلى ظَمَأٍ / منكمْ وبدّل محدوداً بمجدودِ
قد قلتُ للقومِ حطّوا من عمائمهمْ / تَحقّقاً بمصابِ السّادةِ الصّيدِ
نوحوا عَليهِ فَهذا يومُ مصرعهِ / وعدّدوا إنّها أيّامُ تعديدِ
فلِي دموعٌ تُبارِي القَطر واكِفةٌ / جادتْ وإن لم أقلْ يا أَدمعِي جودِي
قَومٌ ولاؤهم حِصن وودّهُمُ
قَومٌ ولاؤهم حِصن وودّهُمُ / لمِنْ أعدَّ نجاةً أوثقُ العُدَدِ
قادَتْ حِرانِيَ يوم النَّفْرِ خُرعُبَةٌ
قادَتْ حِرانِيَ يوم النَّفْرِ خُرعُبَةٌ / وضلَّ عنِّي ما أُوتيتُ من جَلَدِ
قضتْ عليَّ ولم تعمدْ بنظرتها / وكم أصابَ صميماً غيرُ معتمدِ
كأنّما مهجتِي والبُزلُ مُرحلةٌ / مطيعةٌ للنّوى في ماضِغي أسدِ
فليتنِي ساعةً أشكو صبابتها / سرّاً إِلَيها ولا أشكو إلى أحدِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025