القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : صَريعُ الغَوانِي الكل
المجموع : 44
أُجرِرتُ حَبلَ خَليعٍ في الصِبا غَزِلِ
أُجرِرتُ حَبلَ خَليعٍ في الصِبا غَزِلِ / وَشَمَّرَت هِمَمُ العُذّالِ في العَذَلِ
هاجَ البُكاءُ عَلى العَينِ الطَموحِ هَوَىً / مُفَرَّقٌ بَينَ تَوديعٍ وَمُحتَمَلِ
كَيفَ السُلُوُّ لِقَلبٍ راحَ مُختَبَلاً / يَهذي بِصاحِبِ قَلبٍ غَيرَ مُختَبَلِ
عاصى العَزاءَ غَداةَ البَينِ مُنهَمِلٌ / مِنَ الدُموعِ جَرى في إِثرِ مُنهَمِلِ
لَولا مُداراةُ دَمعِ العَينِ لَاِنكَشَفَت / مِنّي سَرائِرُ لَم تَظهَر وَلَم تُخَلِ
أَما كَفى البَينُ أَن أُرمى بِأَسهُمِهِ / حَتّى رَماني بِلَحظِ الأَعيُنِ النُجُلِ
مِمّا جَنى لي وَإِن كانَت مُنىً صَدَقَت / صَبابَةً خُلَسُ التَسليمِ بِالمُقَلِ
ماذا عَلى الدَهرِ لَو لانَت عَريكَتُهُ / وَرَدَّ في الرَأسِ مِنّي سَكرَةَ الغَزَلِ
جُرمُ الحَوادِثِ عِندي أَنَّها اِختَلَسَت / مِنّي بَناتِ غِذاءِ الكَرمِ وَالكِلَلِ
وَرُبَّ يَومٍ مِنَ اللَذّاتِ مُحتَضَرٍ / قَصَّرتُهُ بِلِقاءِ الراحِ وَالخُلَلِ
وَلَيلَةٍ خُلِسَت لِلعَينِ مِن سِنَةٍ / هَتَكتُ فيها الصِبا عَن بَيضَةِ الحَجَلِ
قَد كانَ دَهري وَما بي اليَومَ مِن كِبَرٍ / شُربَ المُدامِ وَعَزفَ القَينَةِ العُطُلِ
إِذا شَكَوتُ إِلَيها الحُبَّ خَفَّرَها / شَكوايَ فَاِحمَرَّ خَدّاها مِنَ الخَجَلِ
كَم قَد قَطَعتُ وَعَينُ الدَهرِ راقِدَةٌ / أَيّامَهُ بِالصِبا في اللَهوِ وَالجَذَلِ
وَطَيِّبِ الفَرعِ أَصفاني مَوَدَّتَهُ / كافَأتُهُ بِمَديحٍ فيهِ مُنتَخَلِ
وَبَلدَةٍ لِمَطايا الرَكبِ مُنضِيَةٍ / أَنضَيتُها بِوَجيفِ الأَينُقِ الذُلُلِ
فيمَ المُقامُ وَهَذا النَجمُ مُعتَرِضاً / دَنا النَجاءُ وَحانَ السَيرُ فَاِرتَحِلِ
يا مائِلَ الرَأسِ إِنَّ اللَيثَ مُفتَرِسٌ / ميلَ الجَماجِمِ وَالأَعناقِ فَاِعتَدِلِ
حَذارٍ مِن أَسَدٍ ضِرغامَةٍ بَطَلٍ / لا يولِغُ السَيفَ إِلّا مُهجَةَ البَطَلِ
لَولا يَزيدُ لَأَضحى المُلكُ مُطَّرَحاً / أَو مائِلَ السَمكِ أَو مُستَرخيَ الطِوَلِ
سَلَّ الخَليفَةُ سَيفاً مِن بَنى مَطَرٍ / أَقامَ قائِمُهُ مَن كانَ ذا مَيَلِ
كَم صائِلٍ في ذَرا تَمهيدِ مَملَكَةٍ / لَولا يَزيدُ بَني شَيبانَ لَم يَصُلِ
نابُ الإِمامِ الَّذي يَفتَرُّ عَنهُ إِذا / ما اِفتَرَت الحَربُ عَن أَنيابِها العُصُلِ
مَن كانَ يَختِلُ قِرناً عِندَ مَوقِفِهِ / فَإِنَّ قِرنَ يَزيدٍ غَيرُ مُختَتَلِ
سَدَّ الثُغورَ يَزيدٌ بَعدَما اِنفَرَجَت / بِقائِمِ السَيفِ لا بِالخَتلِ وَالحِيَلِ
كَم أَذاقَ حِمامَ المَوتِ مِن بَطَلٍ / حامي الحَقيقَةِ لا يُؤتى مِنَ الوَهَلِ
أَغَرُّ أَبيَضُ يُغشى البَيضَ أَبيَضُ لا / يَرضى لِمَولاهُ يَومَ الرَوعِ بِالفَشَلِ
يَغشى الوَغى وَشِهابُ المَوتِ في يَدِهِ / يَرمي الفَوارِسَ وَالأَبطالَ بِالشُعَلِ
يَفتَرُّ عِندَ اِفتِرارِ الحَربِ مُبتَسِماً / إِذا تَغَيَّرَ وَجهُ الفارِسِ البَطَلِ
موفٍ عَلى مُهجٍ في يَومِ ذي رَهَجٍ / كَأَنَّهُ أَجَلٌ يَسعى إِلى أَمَلِ
يَنالُ بِالرِفقِ ما يَعيا الرِجالُ بِهِ / كَالمَوتِ مُستَعجِلاً يَأتي عَلى مَهَلِ
لا يُلقِحُ الحَربَ إِلّا رَيثَ يُنتِجُها / مِن هالِكٍ وَأَسيرِ غَيرِ مُختَتَلِ
إِن شيمَ بارِقُهُ حالَت خَلائِقُهُ / بَينَ العَطِيَّةِ وَالإِمساكِ وَالعِلَلِ
يَغشى المَنايا المَنايا ثُمَّ يَفرُجُها / عَنِ النُفوسِ مُطِلّاتٍ عَلى الهَبَلِ
لا يَرحَلُ الناسُ إِلّا نَحوَ حُجرَتِهِ / كَالبَيتِ يُضحي إِلَيهِ مُلتَقى السُبُلِ
يَقري المَنِيَّةَ أَرواحُ الكُماةِ كَما / يَقري الضُيوفَ شُحومَ الكُومِ وَالبُزُلِ
يَكسو السُيوفَ دِماءَ الناكِثينَ بِهِ / وَيَجعَلُ الهامَ تيجانَ القَنا الذُبُلِ
يَغدو فَتَغدو المَنايا في أَسِنَّتِهِ / شَوارِعاً تَتَحَدّى الناسَ بِالأَجَلِ
إِذا طَغَت فِئَةٌ عَن غِبِّ طاعَتِها / عَبّا لَها المَوتَ بَينَ البيضِ وَالأَسَلِ
قَد عَوَّدَ الطَيرَ عاداتٍ وَثِقنَ بِها / فَهُنَّ يَتبَعنَهُ في كُلِّ مُرتَحَلِ
تَراهُ في الأَمنِ في دِرعٍ مُضاعَفَةٍ / لا يَأمَنُ الدَهرَ أَن يُدعى عَلى عَجَلِ
صافي العِيانِ طَموحُ العَينِ هِمَّتُهُ / فَكُّ العُناةِ وَأَسرُ الفاتِكِ الخَطِلِ
لا يَعبَقُ الطيبُ خَدَّيهِ وَمَفرِقَهُ / وَلا يُمَسِّحُ عَينَيهِ مِنَ الكُحُلِ
إِذا اِنتَضى سَيفَهُ كانَت مَسالِكُهُ / مَسالِكَ المَوتِ في الأَبدانِ وَالقُلَلِ
وَإِن خَلَت بِحَديثِ النَفسِ فِكرَتُهُ / حَيى الرَجاءُ وَماتَ الخَوفُ مِن وَجَلِ
كَاللَيثِ إِن هِجتَهُ فَالمَوتُ راحَتُهُ / لا يَستَريحُ إِلى الأَيّامِ وَالدُوَلِ
إِنَّ الحَوادِثَ لَمّا رُمنَ هَضبَتَهُ / أَزمَعنَ عَن جارِ شَيبانٍ بِمُنتَقَلِ
فَالدَهرُ يَغبِطُ أُولاهُ أَواخِرَهُ / إِذ لَم يَكُن كانَ في أَعصارِهِ الأُوَلِ
إِذا الشَريكِيُّ لَم يَفخَر عَلى أَحَدٍ / تَكَلَّمَ الفَخرُ عَنهُ غَيرَ مُنتَحِلِ
لا تُكذِبَنَّ فَإِنَّ الحِلمَ مَعدِنُهُ / وِراثَةٌ في بَني شَيبانَ لَم تَزَلِ
سَلّوا السُيوفَ فَأَغشَوا مَن يُحارِبُهُم / خَبطاً بِها غَيرَ ما نُكلٍ وَلا وُكُلِ
الزائِدِيّونَ قَومٌ في رِماحِهِمُ / خَوفُ المُخيفِ وَأَمنُ الخائِفِ الوَجِلِ
كَبيرُهُم لا تَقومُ الراسِياتُ لَهُ / حِلماً وَطِفلُهُمُ في هَدى مُكتَهِلِ
إِسلَم يَزيدُ فَما في الدينِ مِن أَودٍ / إِذا سَلِمتَ وَما في المُلكِ مِن خَلَلِ
أَثبَتَّ سوقَ بَني الإِسلامِ فَاِطَّأَدَت / يَومَ الخَليجِ وَقَد قامَت عَلى زَلَلِ
لَولا دِفاعُكَ بَأسَ الرومِ إِذ بَكَرَت / عَن عِترَةِ الدينِ لَم تَأمَن مِنَ الثَكَلِ
وَيوسُفُ البَرمَ قَد صَبَّحتَ عَسكَرَهُ / بِعَسكَرٍ يَلفِظُ الأَقدارَ ذي زَجَلِ
غافَصتَهُ يَومَ عَبرِ النَهرِ مُهلَتَهُ / وَكانَ مُحتَجَزاً في الحَربِ بِالمُهَلِ
وَالمارِقَ اِبنَ طَريفٍ قَد دَلَفتَ لَهُ / بِعَسكَرٍ لِلمَنايا مُسبِلٍ هَطِلِ
لَمّا رَآكَ مُجِدّاً في مَنِيَّتِهِ / وَأَنَّ دَفعَكَ لا يُسطاعُ بِالحِيَلِ
شامَ النِزالَ فَأَبرَقتَ اللِقاءَ لَهُ / مُقدِّمَ الخَطوِ فيها غَيرَ مُتَّكِلِ
ماتوا وَأَنتَ غَليلٌ في صُدورِهِمُ / وَكانَ سَيفُكَ يُستَشفى مِنَ الغُلَلِ
لَو أَنَّ غَيرَ شَريكي أَطافَ بِهِ / فازَ الوَليدُ بِقَدحِ الناضِلِ الخَصِلِ
وَقُمتَ بِالدينِ يَومَ الرَّسِّ فَاِعتَدَلَت / مِنهُ قَوائِمُ قَد أَوفَت عَلى مَيَلِ
ما كانَ جَمعُهُمُ لَمّا لَقيتَهُمُ / إِلّا كَمِثلِ نُعامٍ ريعَ مُنجَفِلِ
تابوا وَلَو لَم يَتوبوا مِن ذُنوبِهِمُ / لابَ جَيشُكَ بِالأَسرى وَبِالنَفَلِ
كَم آمِنٍ لَكَ نائِيَ الدارِ مُمتَنِعٍ / أَخرَجتَهُ مِن حُصونِ المُلكِ وَالخَوَلِ
يَأبى لَكَ الذَمَّ في يَومَيكَ إِن ذُكِرا / عَضبٌ حُسامٌ وَعِرضٌ غَيرُ مُبتَذَلِ
وَمارِقينَ غُزاةٍ مِن بُيوتِهِمُ / لا يَنكُلونَ وَلا يُؤتونَ مِن نَكَلِ
خَلَّفتَ أَجسادَهُم وَالطَيرُ عاكِفَةٌ / فيها وَأَقفَلتَهُم هاماً مَعَ القَفَلِ
فَاِفخَر فَمالَكَ في شَيبانَ مِن مَثَلٍ / كَذاكَ ما لِبنى شَيبانَ مِن مَثَلِ
كَم مَشهَدٍ لَكَ لا تُحصى مَآثِرُهُ / قَسَمتَ فيهِ كَرِزقِ الإِنسِ وَالخَبَلِ
لِلَّهِ مِن هاشِمٍ في أَرضِهِ جَبَلٌ / وَأَنتَ وَاِبنُكَ رُكنا ذَلِكَ الجَبَلِ
قَد أَعظَموكَ فَما تُدعى لِهَيِّنَةٍ / إِلّا لِمُعضِلَةٍ تُستَنُّ بِالعَضَلِ
يا رُبَّ مَكرُمَةٍ أَصبَحتَ واحِدَها / أَعيَت صَناديدَ راموها فَلَم تُنَلِ
تَشاغَلَ الناسُ بِالدُنيا وَزُخرُفِها / وَأَنتَ مَن بِذَلِكَ المَعروفَ في شُغُلِ
أَقسَمتُ ما ذُبَّ عَن جَدواكَ طالِبُها / وَلا دَفَعتَ اِعتِزامَ الجِدِّ بِالهَزَلِ
يَأبى لِسانُكَ مَنعَ الجودِ سائِلُهُ / فَما يُلَجلِجُ بَينَ الجودِ وَالبُخلِ
صَدَّقتَ ظَنّي وَصَدَّقتَ الظُنونَ بِهِ / وَحَطَّ جودُكَ عَقدَ الرَحلِ عَن جَمَلي
طَيفَ الخَيالِ حَمِدنا مِنكَ إِلماما
طَيفَ الخَيالِ حَمِدنا مِنكَ إِلماما / داوَيتَ سُقماً وَقَد هَيَّجتَ أَسقاما
لِلَّهِ واشٍ رَعى زَوراً أَلَمَّ بِنا / لَو كانَ يَمنَعُنا في النَومِ أَحلاما
بِتنا هُجوداً وَباتَ اللَيلُ حارِسُنا / حَتّى إِذا الفَلَقُ اِستَعلى لَهُ ناما
قَد قُلتُ وَالصُبحُ عِندي غَيرَ مُغتَبِطٍ / ما كانَ أَطيَبَ هَذا اللَيلُ لَو داما
وَلائِمٍ في هَوى أَروى وَصَلتُ لَهُ / حَبلَ الخَليعِ بِحَبلِ اللَهوِ إِذ لاما
عِندي سَرائِرُ حُبٍّ ما يَزالُ لَها / تَذكارُ عَهدٍ وَما يَقرِفنَ آثاما
لَولا يَزيدُ وَأَيّامٌ لَهُ سَلَفَت / عاشَ الوَليدُ مَعَ الغاوينَ أَعواما
سَلَّ الخَليفَةُ سَيفاً مِن بَني مَطَرٍ / يَمضي فَيَختَرِقُ الأَجسادَ وَالهاما
كَالدَهرِ لا يَنثَني عَمَّن يَهُمُّ بِهِ / قَد أَوسَعَ الناسَ إِنعاماً وَإِرغاما
حَمى الخِلافَةَ وَالإِسلامَ فَاِمتَنَعا / كَاللَيثِ يَحمي مَعَ الأَشبالِ آجاما
أَكرِم بِهِ وَبِآباءٍ لَهُ سَلَفوا / أَبقَوا مِنَ المَجدِ أَيّاماً وَأَيّاما
تَرى العُفاةَ عُكوفاًحَولَ حُجرَتِهِ / يَرجونَ أَروَعَ رَحبَ الباعِ بَسّاما
يَقولُ لا وَنَعَم في وَجهِ حَمدِهِما / كِلتاهُما مِنهُ قَد تَمضي لِما راما
مَنِيَّةٌ في يَدَي هارونَ يَبعَثُها / عَلى أَعاديهِ إِن سامى وَإِن حاما
خَيرُ البَرِيَّةِ آباءً إِذا ذُكِروا / وَأَكرَمُ الناسِ أَخوالاً وَأَعماماً
تَظَلَّمَ المالُ وَالأَعداءُ مِن يَدِهِ / لا زالَ لِلمالِ وَالأَعداءِ ظَلّاما
أَردى الوَليدَ هُمامٌ مِن بَني مَطَرٍ / يَزيدُهُ الرَوعُ يَومَ الرَوعِ إِقداما
صَمصامَةٌ ذَكَرٌ يَعدو بِهِ ذَكَرٌ / في كَفِّهِ ذَكَرٌ يَفري بِهِ الهاما
تَمضي المَنايا كَما تَمضي أَسِنَّتُهُ / كَأَنَّ في سِرجِهِ بَدراً وَضِرغاما
أَروى بِجَدواهُ ظَمَأَ السائِلينَ كَما / أَروى نَجيعَ دَمٍ رُمحاً وَصَمصاما
لا يَستَطيعُ يَزيدٌ مِن طَبيعَتِهِ / عَنِ المَنِيَّةِ وَالمَعروفِ إِحجاما
خَيلٌ لَهُ ما يَزالُ الدَهرُ يُقحِمُها / في غَمرَةِ المَوتِ يَومَ الرَوعِ إِقحاما
إِذا بَدا رُفِعَ الأَستارُ عَن مَلِكٍ / تُكسى الشُهودُ بِهِ نُوراً وَإِظلاما
أَقسَمتُ مانِمتَ عَن قَهرِ المُلوكِ وَلا / كانَ الخَليفَةُ عَن نُعماكَ نَوّاما
أَذكَرتَ سَيفَ رَسولِ اللَهِ سُنَّتَهُ / وَبَأسَ أَوَّلَ مَن صَلّى وَمَن صاما
إِن يَشكُر الناسُ ما أَولَيتَ مِن حَسَنٍ / فَقَد وَسَعتَ بَني حَوّاءَ إِنعاما
قَطَعتَ في اللَهِ أَرحامَ القَريبِ كَما / وَصَلتَ في اللَهِ أَرحاماً وَأَرحاما
إِذا الخِلافَةُ عُدَّت كُنتَ أَنتَ لَها / عِزّاً وَكانَ بَنو العَبّاسِ حُكّاما
ما مِن عَظيمٍ قَدِ أَنقادَ المُلوكُ لَهُ / إِلّا يَرى لَكَ إِجلالاً وَإِعظاما
يُصيبُ مِنكَ مَعَ الآمالِ صاحِبُها / حِلماً وَعِلماً وَمَعروفاً وَإِسلاما
كَم بَلدَةٍ بِكَ حَلَّ الرَكبُ جانِبَها / وَما يُلِمُّ بِها الرُكبانُ إِلماما
إِذا عَلَوا مَهمَهاً كانَ النَجاءُ لَهُم / إِنشادَ مَدحِكَ إِفصاهاً وَتَرناما
لَو كانَ يَفقَهُ القَولَ طائِرُها / غَنّى بِمَدحِكَ فيها بومُها الهاما
لَو لَم تُجِبكَ جُنودُ الشامِ طائِعَةً / أَضرَمتَ فيها شِهابَ المَوتِ إِضراما
وَوَقعَةٍ لَكَ ظَلَّ المُلكُ مُبتَهِجاً / فيها وَماتَ لَها الحُسّادُ إِرغاما
رَدَدتَ فيها إِلى الإِسلامِ مظلَمَةً / سَوّى الإِلَهُ بِها فِهراً وَهَمّاما
لَو لَم تَكونوا بَني شَيبانَ مِن بَشَرٍ / كُنتُم رَواسيَ أَطوادٍ وَأَعلاما
أَغرى بِهِ الشَوقُ لَيلَ الساهِرِ الرَمِدِ
أَغرى بِهِ الشَوقُ لَيلَ الساهِرِ الرَمِدِ / وَنَظرَةٌ وَكَّلَت عَينَيهِ بِالسُهُدِ
أَمُنقَضٍ عَنهُ حُزنٌ ما يُفارِقُهُ / أَقامَ بَينَ الحَشى بِالسُقمِ وَالكَمَدِ
أَم لَيسَ ناسِيَ أَيّامٍ لَهُ سَلَفَت / جَرَت عَلَيهِ بِلَذّاتٍ فَلَم تَعُدِ
أَحيا البُكا لَيلَهُ حَتّى إِذا تَلِفَت / نَفسُ الدُجى وَاِستَنارَ الصُبحُ كَالوَقَدِ
غادى الشَمولَ فَعاطَتهُ سَمادِرُها / طَيفاً بِهِ أَلَّفَت روحاً إِلى جَسَدِ
كَأَنَّها وَسِنانُ الماءِ يَقتُلُها / عَقيقَةٌ ضَحِكَت في عارِضٍ بَرِدِ
حَتّى إِذا الراحُ قامَت عَنهُ فَترَتُها / ريعَ الكَرى وَأَقامَت حَسرَةُ الخَلَدِ
يَكادُ يُسليهِ مَرُّ الحادِثاتِ بِهِ / لَولا بَقايا دَواعي قَلبِهِ الكَمِدِ
لَو ساعَفَ الدَهرُ لَاِرتَدَّت غَضارَتُهُ / وَلَاِستَرَدَّ مَوَدّاتِ المَها الخُرُدِ
ماذا تَراءى لَهُ نَأيُ الخَليطِ بِهِ / غَداةَ يَحمَدُ لَمّا أَو يَذُمُّ قَدِ
لِلَّهِ دَرُّ اللَواتي عِفنَ مَكرَعَهُ / حَتّى صَدَرنَ بِهِ ظَمآنَ لَم يَرِدِ
خافَ العُيونَ وَضَمَّتهُ عَزيمَتُهُ / إِلى اِمتِناعٍ عَلى جَولانَ مُطَّرِدِ
وَرُحنَ وَالعَينُ لِلتَّوديعِ واكِفَةٌ / إِنسانُها مِن مَسيلِ الدَمعِ في صُعُدِ
بِاللَهِ أُخلِفُ ما أَتلَفتُ مِن نَشبٍ / وَعادَةُ الجودِ في أَبياتِيَ الشُرُدِ
تَهوى بِأَشعَثَ أَعطاهُ المُنى أَمَلٌ / وَعُقدَةٌ مِن رَجاءٍ ضامِنِ العُقَدِ
فَاِستَودَعَتهُ بُطونَ البيدِ هِمَّتُهُ / وَأَودَعَتهُ السُرى في الوَعثِ وَالجَدَدِ
حَتّى إِذا قَبَضَ الإِدلاجُ بَسطَتَها / وَوُقِّفَت مِن مُنى الساري عَلى أَمَدِ
تَمَخَّضَت عَنهُ تِمّاً بَعدَ مَحمَلِهِ / شَهرَينِ بَيداءُ لَم تُضرَب وَلَم تَلِدِ
أَلقَتهُ كَالنَصلِ مَعطوفاً عَلى هِمَمٍ / يَعمَدنَ مُنتَجِعاتٍ خَيرَ مُعتَمِدِ
تَخَطَّأَت نَومَهُ عَنهُ وَشايَعَهُ / دَأبُ الجَديدَينِ وَالعيدِيَّةِ الوُخُدِ
حاشى لِطالِبِ عُرفٍ أَن يَخيبَ عَلى / نَدى يَدَيكَ وَلَو حاشاكَ لَم يَجِدِ
ظُنونُ راجي الَّذي يَرجوكَ واثِقَةٌ / أَلّا يُخَيَّبَ فيها آخِرَ الأَبَدِ
تَأتى عَطاياهُ شَتّى غَيرَ واحِدَةٍ / مُؤَمِّليهِ وَإِن كانوا عَلى بَعدِ
كَحَملَةِ السَيلِ تَأتي بَعدَ عاشِرَةٍ / لَهُ قَراقيرُ بِالآذِيِّ وَالزَبَدِ
لا يَمنَعُ العُرفُ مِن إِلحاحِ طالِبِهِ / وَلا يُقَرِّبُ مِنهُ رِفقُ مُتَّئِدِ
يَبِرُّ بِالجودِ يَحميهِ وَيَكلَؤُهُ / كَأَنَّهُ والِدٌ يَحنو عَلى وَلَدِ
أَغنى الصَديقَ فَعاشوا مِنهُ في رَغَدٍ / وَاِستَلَّ جودُ يَدَيهِ غِلَّ ذي الحَسَدِ
مُعَقِّرُ الكُومِ لِلأَضيافِ لَيسَ لَها / إِلّا المَكارِمَ مِن ذي عَقلٍ وَلا قَوَدِ
تَأتي البُدورُ فَتُفنيها صَنائِعُهُ / وَما يُدَنَّسُ فيها كَفُّ مُنتَقِدِ
لا يَعرِفُ المالَ إِلّا عِندَ سائِلِهِ / أَو يَومَ يَجمَعُهُ لِلنَهبِ وَالبَدَدِ
وَصاحِبٍ لَم يُخَيِّرني المُنى أَمَلاً
وَصاحِبٍ لَم يُخَيِّرني المُنى أَمَلاً / إِلّا جَعَلتُ لَهُ مِن أَمرِهِ الخِيَرا
مَرَّت بِهِ هَفَواتُ الأُنسِ في سَبَبٍ / لَم يَتَّرِك لِلرِضى عَيناً وَلا أَثَرا
لَم أُعطِهِ مُهلَةَ العُتبى فَيُعتِبَني / وَلا تَعَتَّبتُ حَتّى ضَيَّعَ العُذُرا
قَدِ اِطَّلَعتَ عَلى سِرّي وَإِعلاني
قَدِ اِطَّلَعتَ عَلى سِرّي وَإِعلاني / فَإِذهَب لِشَأنِكَ لَيسَ الجَهلُ مِن شاني
إِنَّ الَّتي كُنتُ أَنحو قَصدَ شِرَّتِها / أَعطَت رِضىً وَأَطاعَت بَعدَ عِصيانِ
حَسبي بِما أَدَّتِ الأَيّامُ تَجرِبَةً / سَعى عَلَيَّ بِكَأسَيها الجَديدانِ
دَلَّت عَلى عَيبِها الدُنيا وَصَدَّقَها / ما اِستَرجَعَ الدَهرُ مِمّا كانَ أَعطاني
إِما تَرَيني أُزجّي العيسَ مُنتَظِراً / وَعدَ المُنى أَرتَعي في غَيرِ أَوطاني
فَقَد أَروحُ نَديمَ الدَهرِ يَمزُجُ لي / كَأسَ الهَوى وَيُحَيِّني بِرَيحانِ
سائِل جَديدَ الهَوى هَل كُنتُ أُخلِقُهُ / إِذ لِلصِبى مُهجَةٌ تَمشي بِجُثماني
أَيّامَ لِلعَذلِ إِكثارٌ وَمَعصِيَّةٌ / وَالراحُ تُسرِعُ في عَقلي وَأَحزاني
لا أُوحِشُ الخِدرَ مِن شَخصي وَبَيضَتَهُ / وَلا أُوَحِّدُ بِالصَهباءِ نُدماني
وَلَيلَةٍ ما يَكادُ النَجمُ يَسهَرُها / سامَرتُها بِقَتولِ الدَلِّ مِفتانِ
إِذا أَطاعَت عَصاها ثِقلُ رادِفِها / كَالدِعصِ يَفرَعُهُ غُصنٌ مِنَ البانِ
كَأَنَّها بَعدَ ما قامَ الصَباحُ بِها / وَسنى تَمَشَّت بِها أَعطافُ نَشوانِ
وَلَّت كَما اِنسابَ ثُعبانٌ وَقَد نَهَضَت / إِلّا وَقيذَةَ أَردافٍ وَأَركانِ
أَدرَكتُ في الدَهرِ أَيّاماً بَلَغتُ بِها / رِضى الشَبابِ الَّذي قَد كانَ عاصاني
سَعَت عَلَيَّ لَياليها بِزائِرَةٍ / زَفَّ الكَرى طَيفَها وَهناً فَحَيّاني
باتَت تَأَبّى وَما تَدري بِما صَنَعَت / بِنائِمٍ وَرَّثَتهُ سُؤلَ يَقظانِ
فَالآنَ أَقصَرتُ إِذ رَدَّ الزَمانُ يَدي / وَنافَرَتني اللَيالي بَعدَ إِذعانِ
حاشى لِعَينَيَّ أَن تَفنى دُموعُهُما / عَلى هَوى نازِحٍ أَو نَأيَ جيرانِ
ما كُنتُ أَدَّخِرُ الشَكوى لِحادِثَةٍ / حَتّى اِبتَلى الدَهرُ أَسراري فَأَشكاني
إِلى الأَمامِ تَهادانا بِأَرحُلِنا / خَلقٌ مِنَ الريحِ في أَشباحِ ظُلمانِ
كَأَنَّ إِفلاتَها وَالفَجرُ يَأخُذُها / إِفلاتُ صادِرَةٍ عَن قَوسِ حُسبانٍ
نَستَودِعُ اللَيلَ أَسرارَ الهُمومِ إِذا / باحَ النُعاسُ بِعَجزِ الصاحِبِ الواني
تَهوى بِأَشعَثَ لَو يَسطيعُ أَعقَبَها / تَفري مَجاهِلَ غيطانٍ لِغيطانِ
قَضَت عَلى اللَيلِ بِالإِدلاجِ هِمَّتُهُ / فَقَدَّهُ بِسَؤُورِ اللَيلِ مِذعانِ
تَلَوَّمَ الصُبحُ فيهِ ثُمَّ قَوَّضَهُ / وَاِرتَدَّ وَجهُ النَهارِ الفاقِعِ القاني
يَنسابُ في اللَيلِ لا يَرعى لِهاجِسِهِ / كَأَنَّهُ راكِبٌ في رَأسِ ثُعبانِ
لَم يُغمِدِ السَيفَ مُذ نيطَت حَمائِلُهُ / يَوماً وَلا سَلَّهُ إِلّا عَلى جانِ
لا تَدعُ بي الشَوقَ إِني غَيرُ مَعمودِ
لا تَدعُ بي الشَوقَ إِني غَيرُ مَعمودِ / نَهى النُهى عَن هَوى الهَيفِ الرَعاديدِ
لَو شِئتُ لا شِئتُ راجَعتُ الصِبى وَمَشَت / فِيَّ العُيونُ وَفاتَتني بِمَجلودِ
سَل لَيلَةَ الخَيفِ هَل أَمضَيتُ آخِرَها / بِالراحِ تَحتَ نَسيمِ الخُرَّدِ الغيدِ
شَجَّجتُها بِلُعابِ المُزنِ فَاِغتَزَلَت / نَسجَينِ مِن بَينِ مَحلولٍ وَمَعقودٍ
كِلا الجَديدَينِ قَد أُطعِمَتُ حَبرَتَهُ / لَو آلَ حَيٌّ إِلى عُمرٍ وَتَخليدِ
أَهلاً بِوافِدَةٍ لِلشَيبِ واحِدَةٍ / وَإِن تَراءَت بِشَخصٍ غَيرِ مَودودِ
لا أَجمَعُ الحِلمَ وَالصَهباءَ قَد سَكَنَت / نَفسي إِلى الماءِ عَن ماءِ العَناقيدِ
لَم يَنهَني فَنَدٌ عَنها وَلا كِبَرٌ / لَكِن صَحَوتُ وَغُصني غَيرَ مَخضودِ
أَوفى بِيَ الحِلمُ وَاِقتادَ النُهى طَلَقاً / شَأوى وَعِفتُ الصِبا مِن غَيرِ تَفنيدِ
إِذا تَجافَت بِيَ الهِمّاتُ عَن بَلَدٍ / نازَعتُ أَرضاً وَلَم أَحفِل بِتَمهيدِ
لا تَطَّبيني المُنى عَن جَهدِ مُطَّلَبٍ / وَلا أَحولُ لِشَيءٍ غَيرِ مَوجودِ
وَمَجهَلٍ كَاطِّرادِ السَيفِ مُحتَجِزٍ / عَنِ الأَدِلّاءِ مَسجورِ الصَياخيدِ
تَمشي الرِياحُ بِهِ حَسرى مُوَلَّهَةً / حَيرى تَلوذُ بِأَكنافِ الجَلاميدِ
مُوَقَّفِ المَتنِ لا تَمضي السَبيلَ بِهِ / إِلّا التَخَلُّلَ رَيثاً بَعدَ تَجهيدِ
قَرَيتُهُ الوَخدَ مِن خَطّارَةٍ سُرُحٍ / تَفري الفَلاةَ بِإِرقالٍ وَتَوخيدِ
إِلَيكَ بادَرتُ إِسفارَ الصَباحِ بِها / مِن جِنحِ لَيلٍ رَحيبِ الباعِ مَمدودِ
وَبَلدَةٍ ذاتِ غَولٍ لا سَبيلَ بِها / إِلّا الظُنونُ وَإِلّا مَسرَحُ السيدِ
كَأَنَّ أَعلامَها وَالآلُ يَركَبُها / بُدنٌ تَوافى بِها نَذرٌ إِلى عيدِ
كَلَّفتُ أَهوالَها عَيناً مُؤَرَّقةً / إِلَيكَ لَولاكَ لَم تُكحَل بِتَسهيدِ
حَتّى أَتَتكَ بِيَ الآمالُ مُطَّلِعاً / لِليُسرِ عِندَكَ في سِربالِ مَحسودِ
مِن بَعدِ ما أَلقَتِ الأَيّامُ لي عَرَضاً / مُلقى رَهينٍ لِحَدِّ السَيفِ مَصفودِ
وَساوَرَتني بَناتُ الدَهرِ فَاِمتَحَنَت / رَبعي بِمُمحِلَةٍ شَهباءَ جارودِ
إِلى بَني حاتِمٍ أَدّى رَكائِبَنا / خَوضُ الدُجى وَسُرى المَهرِيَّةِ القُودِ
تَطوي النَهارَ فَإِن لَيلٌ تَخَمَّطَها / باتَت تَخَمَّطُ هاماتِ القَراديدِ
مِثلَ السَمامِ بَعيداتِ المَقيلِ إِذا / أَلقى الهَجيرُ يَداً في كُلِّ صَيخودِ
حَلَّت بِداوُدَ فَاِمتاحَت وَأَعجَلَها / حَذرُ النِعالِ عَلى أَينٍ وَتَحريدِ
أَعطى فَأَفنى المُنى أَدنى عَطِيَّتِهِ / وَأَرهَقَ الوَعدَ نُجحاً غَيرَ مَنكودِ
وَاللَهُ أَطفَأَ نارَ الحَربِ إِذ سُعِرَت / شَرقاً بِمُوقِدِها في الغَربِ داوُدِ
لَم يَأتِ أَمراً وَلَم يَظهُر عَلى حَدَثٍ / إِلّا أُعينَ بِتَوفيقٍ وَتَسديدِ
مُوَحَّدُ الرَأيِ تَنشَقُّ الظُنونُ لَهُ / عَن كُلِّ مُلتَبِسٍ مِنها وَمَعقودِ
تُمنى الأُمورُ لَهُ مِن نَحوِ أَوجُهِها / وَإِن سَلَكنَ سَبيلاً غَيرَ مَورودِ
إِذا أَباحَت حِمى قَومٍ عُقوبَتُهُ / غادى لَهُ العَفوُ قَوماً بِالمَراصيدِ
كَاللَيثِ بَل مِثلُهُ اللَيثُ الهَصورُ إِذا / غَنّى الحَديدُ غِناءً غَيرَ تَغريدِ
يَلقى المَنِيَّةَ في أَمثالِ عُدَّتِها / كَالسَيلِ يَقذِفُ جُلموداً بِجُلمودِ
إِذا قَصّرَ الرُمحُ لَم يَمشِ الخُطا عَدَداً / أَو عَرَّدَ السَيفُ لَم يَهمُم بِتَعريدِ
إِذا رَعى بَلَداً دانى مَناهِلَهُ / وَإِن بُنينَ عَلى شَحطٍ وَتَبعيدِ
جَرى فَأَدرَكَ لَم يَعنُف بِمُهلَتِهِ / وَاِستَودَعَ البُهرَ أَنفاسَ المَجاويدِ
آلُ المُهَلَّبِ قَومٌ لا يَزالُ لَهُم / رِقُّ الصَريحِ وَأَسلابُ المَذاويدِ
مُظَفَّرونَ تُصيبُ الحَربُ أَنفُسَهُم / إِذا الفِرارُ تَمَطّى بِالمَحاييدِ
نَجلٌ مَناجيبُ لَم يَعدَم تِلادُهُمُ / فَتىً يُرَجّى لِنَقضٍ أَو لِتَوكيدِ
قَومٌ إِذا هَدأَةٌ شامَت سُيوفَهُمُ / فَإِنَّها عُقُلُ الكومِ المَقاحيدِ
نَفسي فِداؤكَ يا داودُ إِذ عَلِقَت / أَيدي الرَدى بِنَواصي الضُمَّرِ القودِ
داوَيتَ مِن دائِها كَرمانَ وَاِنتَصَفَت / بِكَ المَنونُ لِأَقوامٍ مَجاهيدِ
مَلَأنَها فَزَعاً أَخلى مَعاقِلَها / مِن كُلِّ أَبلَخَ سامي الطَرفِ صِنديدِ
لَمّا نَزَلتَ عَلى أَدنى بِلادِهِمُ / أَلقى إِلَيكَ الأَقاصي بِالمَقاليدِ
لَمَستَهُم بِيَدٍ لِلعَفوِ مُتَّصِلٍ / بِها الرَدى بَينَ تَليينٍ وَتَشديدِ
أَتَيتَهُم مِن وَراءِ الأَمنِ مُطَّلِعاً / بِالخَيلِ تَردى بِأَبطالٍ مَناجيدِ
وَطارَ في إِثرِ مَن طارَ الفِرارُ بِهِ / خَوفٌ يُعارِضُهُ في كُلِّ أُخدودِ
فاتوا الرَدى وَظُباتُ المَوتِ تَنشُدُهُم / وَأَنتَ نَصبُ المَنايا غَيرُ مَنشودِ
وَلَو تَلَبَّثَ دَيّانٌ لَها رَوِيَت / مِنهُ وَلَكِن شَآها عَدوَ مَزؤودِ
أَحرَزَهُ أَجَلٌ ما كادَ يُحرِزُهُ / فَمَرَّ يَطوي عَلى أَحشاءِ مَفؤودِ
وَرَأسُ مِهرانَ قَد رَكَّبتَ قُلَّتَهُ / لَدناً كَفاهُ مَكانَ اللَيثِ وَالجيدِ
قَد كانَ في مَعزِلٍ حَتّى بَعَثتَ لَهُ / أُمَّ المَنِيَّةِ في أَبنائِها الصيدِ
أَجُنَّ أَم أَسلَمَتهُ الفاضِحاتُ إِلى / حَدٍّ مِنَ السَيفِ مَن يَعلَق بِهِ يودِ
أَلحَقتَهُ صاحِبَيهِ فَاِستَمرَّ بِهِم / ضَربٌ يُفَرِّقُ ضَبّاتِ القَماحيدِ
أَعذَرَ مَن فَرَّ مِن حَربٍ صَبَرتَ لَها / يَومَ الحُصَينِ شِعارٌ غَيرُ مَجحودِ
يَومَ اِستَضَبَّت سِجِستانٌ طَوائِفَها / عَلَيكَ مِن طالِبٍ وِتراً وَمَحقودِ
ناهَضتَهُم ذائِدَ الإِسلامِ تَقرَعُهُم / عَنهُ ثُلاثَ وَمَثنى بِالمَواحيدِ
تَجودُ بِالنَفسِ إِذ أَنتَ الضَنينُ بِها / وَالجودُ بِالنَفسِ أَقصى غايَةِ الجودِ
تِلكَ الأَزارِقُ إِذ ضَلَّ الدَليلُ بِها / لَم يُخطِها القَصدُ مِن أَسيافِ داودِ
كانَ الحُصَينُ يُرَجِّي أَن يَفوزَ بِها / حَتّى أَخَذتَ عَلَيهِ بِالأَخاديدِ
ما زالَ يَعنُفُ بِالنُعمى وَيَغمِطُها / حَتّى اِستَقَلَّ بِهِ عودٌ عَلى عودِ
وَضَعتَهُ حَيثُ تَرتابُ الرِياحُ بِهِ / وَتَحسُدُ الطَيرَ فيهِ أَضبُعُ البيدِ
تَغدو الضَواري فَتَرميهِ بِأَعيُنِها / تَستَنشِقُ الجَوَّ أَنفاساً بِتَصعيدِ
يَتبَعنَ أَفياءَهُ طَوراً وَمَوقِعَهُ / يَلَغنَ في عَلَقٍ مِنهُ وَتَجسيدِ
فَكانَ فارِطَ قَومٍ حانَ مَكرَعُهُم / بِأَرضِ زاذانَ شَتّى في المَواريدِ
يَومَ جُراشَةَ إِذ شَيبانُ موجِفَةٌ / يَنجونَ مِنكَ بِشِلوٍ مِنهُ مَقدودِ
زاحَفتَهُ بِاِبنِ سُفيانَ فَكانَ لَهُ / ثَناءُ يَومٍ بِظَهرِ الغَيبِ مَشهودِ
نَجا قَليلاً وَوافى زَجرُ عائِفِهِ / بِيَومِهِ طَيرَ مَنحوسٍ وَمَسعودِ
وَلّى وَقَد جَرَعَت مِنهُ القَنى جُرَعاً / حَيَّ المَخافَةِ مَيتاً غَيرَ مَوؤودِ
زالَت خُشاشَتُهُ عَن صَدرِ مُعتَدِلٍ / داني الكُعوبِ بَعيدَ الصَدرِ أُملودِ
إِذا السُيوفُ أَصابَتهُ تَقَطَّعَ في / سُرادِقٍ بِحَوامي الخَيلِ مَمدودِ
يَفدي بِما نَحَلَتهُ مِن خِلافَتِهِ / حُشاشَةَ الرَكضِ مِن جَرداءَ قَيدودِ
حَلَّ اللِواءَ وَخالَ الخِدرَ عائِذَهُ / فَعاذَ بِالخِدرِ تِربُ الكاعِبِ الرُوَدِ
وَإِن يَكُن شَبَّها حَرباً وَقَد خَمَدَت / فَنائِياً حَيثُ لا هَيدٍ وَلا هيدِ
كُلٌّ مَثَلتَ بِهِ في مِثلِ خُطَّتِهِ / قَتلاً وَأَضجَعتَهُ في غَيرِ مَلحودِ
عافوا رِضاكَ فَعاقَتهُم بِعَقوَتِهِم / عَنِ الحَياةِ مَناياهُم لِمَوعودِ
وَأَنتَ بِالسِندِ إِذ هاجَ الصَريخُ بِها / وَاِستَنفَدَت حَربُها كَيدَ المَكاييدِ
وَاِستَغزَرَ القَومُ كَأساً مِن دِمائِهِمُ / وَأَحدَقَ المَوتُ بِالكُرّارِ وَالحيدِ
رَدَدتَ أَهمالَها القُصوى مُخَيَّسَةً / وَشِمتَ بِالبيضِ عَوراتِ المَراصيدِ
كُنتَ المُهَلَّبَ حَتّى شَكَّ عالِمُهُم / ثُمَّ اِنفَرَدتَ وَلَم تُسبَق بِتَسويدِ
لَم تَقبَلِ السِلمَ إِلّا بَعدَ مَقدِرَةٍ / وَلا تَأَلَّفتَ إِلّا بَعدَ تَبديدِ
حَتّى أَجابوكَ مِن مُستَأمِنٍ حَذِرٍ / راجٍ وَمُنتَظِرٍ حَتفاً وَمَثمودِ
أَهدى إِلَيكَ عَلى الشَحناءِ أُلفَتَهُم / مَوتٌ تَفَرَّقَ في شَتّى عَباديدِ
وَفي يَدَيكَ بَقايا مِن سَراتِهِمُ / هُمُ لَدَيكَ عَلى وَعدٍ وَتَوعيدِ
إِن تَعفُ عَنهُم فَأَهلُ العَفوِ أَنتَ وَإِن / تُمضِ العِقابَ فَأَمرٌ غَيرُ مَردودِ
إِسمَع فَإِنَّكَ قَد هَيَّجتَ مَلحَمَةً / وَفَدتَ مِنها بِأَرواحِ الصَناديدِ
اِقذِف أَبا مَلِكٍ فيها يَكُنكَ بِها / وَيَسعَ فيها بِجَدٍّ مِنكَ مَجدودِ
يَمضي بِعَزمِكَ أَو يَجري بِشَأوِكَ أَو / يَفري بِحَدِّكَ كَلٌّ غَيرُ مَحدودِ
لا يَعدَمنَكَ حِمى الإِسلامِ مِن مَلِكٍ / أَقَمتَ قُلَّتَهُ مِن بَعدِ تَأويدِ
كَفَيتَ في المُلكِ حَتّى لَم يَقِف أَحَدٌ / عَلى ضَياعٍ وَلَم يَحزَن لِمَفقودِ
أَعطَيتَهُم مِنكَ نُصحاً لا كَفاءَ لَهُ / وَأَيَّدوكَ بِرُكنٍ غَيرَ مَهدودِ
لَم يَبعَثِ الدَهرُ يَوماً بَعدَ لَيلَتِهِ / إِلّا اِنبَعَثتَ لَهُ بِالبَأسِ وَالجودِ
أَجرى لَكَ اللَهُ أَيّامَ الحَياةِ عَلى / فِعلٍ حَميدٍ وَجَدٍّ غَيرِ مَنكودِ
لا يَفقِدِ الدينُ خَيلاً أَنتَ قائِدُها / يُعهَدنَ في كُلِّ ثَغرٍ غَيرِ مَعهودِ
مُحَمَّلاتٍ إِذا آبَت غَنائِمُها / وَمُقدِماتٍ عَلى نَصرٍ وَتَأيِيدِ
هُناكَ أَنَّكَ مَغدى كُلِّ مُلتَمِسٍ / جوداً وَأَنَّكَ مَأوى كُلِّ مَطرودِ
تَستَأنِفُ الحَمدَ في دَهرٍ أَوائِلُهُ / مَوسومَةٌ بِفَعالٍ مِنكَ مَحمودِ
إِذا عَزَمتَ عَلى أَمرٍ بَطَشتَ بِهِ / وَإِن أَنَلتَ فَنَيلاً غَيرَ تَصريدِ
عَوَّدتَ نَفسَكَ عاداتٍ خُلِقتَ لَها / صِدقَ الحَديثِ وَإِنجازَ المَواعيدِ
لَم أَصحُ مِن لَذَّةٍ لا لا وَلا طَرَبٍ
لَم أَصحُ مِن لَذَّةٍ لا لا وَلا طَرَبٍ / وَكَيفَ يَصحُ قَرينُ اللَهوِ وَاللَعِبِ
نَفسي تُنازِعُني اللَذّاتَ دائِبَةً / وَإِنَّما اللَهوُ وَاللَذّاتُ مِن أَرَبي
كَم لَيلَةٍ بِتُّ مَسروراً وَمُغتَبِطاً / جَذلانَ مُنغَمِساً في اللَهوِ وَالطَرَبِ
إِذا دُعيتُ إِلى لَهوٍ أَجَبتُ وَإِن / لَم أُدعَ لِلَّهوِ وَاللَذاتِ لَم أُجِبِ
وَشادِنٍ قالَ هاكَ الكَأسَ قُلتُ لَهُ / هاتِ اِسقِني مِن نِتاجِ الماءِ وَالعِنَبِ
فَقامَ يَسعى إِلى دَنٍّ فَسَلَّلَها / حَمراءَ بِكراً لَها عَشرٌ مِنَ الحِقَبِ
مَحجوبَةً عَن عُيونِ الناسِ لَيسَ لَها / في غَيرِ بَيتِ بَني ساسانَ مِن نَسَبِ
كَأَنَّها وَصَبيبُ الماءِ يَقرُعُها / دُرٌّ تَحَدَّرَ مِن سِلكٍ عَلى ذَهَبِ
لَم يَغذُها بِمَصيَفِ القَيظِ بائِعُها / وَلا غَذاها بِحَرِّ الشَمسِ وَاللَهَبِ
كانَت ذَخيرَةَ دِهقانٍ يَضِنُّ بِها / مَكسوبَةً مِن حَلالٍ غَيرَ مُكتَسَبِ
يُدعى أَباها وَيُغذاها فَيا عَجَبا / مِن اِبنَةٍ صَيَّروها غَذيَةً لِأَبِ
كَأَنَّما ضُمِّنَت مِسكاً يَفوحُ بِهِ / أَو عَنبَرَ الهِندِ أَو طيباً مِنَ السَخَبِ
يَكادُ أَن تَتَلاشى كُلَّما مُزِجَت / في الكَأسِ لَولا بَقايا الريحِ وَالهَبَبِ
مُميتَةٌ لِهُمومِ القَلبِ مُحيِيَةٌ / لِلبِشرِ نافِيَةٌ لِلفِكرِ وَالوَصبِ
يَسعى بِها مُخطَفُ الأَحشاءِ مُختَلَقٌ / قَد تَمَّ في حُسنِ تَركيبٍ وَفي أَدَبِ
لا شَيءَ أَحسَنُ مِنها حينَ نَشرَبُها / صِرفاً وَنَبدَأُ بَعدَ الشُربِ بِالنُخَبِ
لا تُكذَبَنَّ فَلا جودٌ وَلا كَرَمٌ / إِلّا بِكَفَّيكَ يا رَيحانَةَ العَرَبِ
كَم نِعمَةٍ لَكَ لا تَنفَكُّ مُوَجِبَةً / شُكراً وَمِن نِعمَةٍ لَم تَنجُ مِن عَطَبِ
إِذا العِدا أَوقَدوا ناراً لِفِتنَتِهِم / أَطفَأتَها بِزُجاجِ الخَطِّ وَالقُضُبِ
فَمَن يُرِدكَ لِحَربٍ يَجتَنَ عَطَباً / وَمَن أَتاكَ لِبَذلِ العُرفِ لَم يَخِبِ
مُستَذعِنينَ وَمُستَنجِدينَ يَجمَعُهُم / رَجاً إِلَيكَ دَعاهُم غَيرُ مُنشَعِبِ
بَعَثتَ جوداً وَفَضلاً فيهِمُ فَمَضى / لَم يَترُكا كُربَةً تَبقى لِذَي كُرَبِ
وَفي عَدُوِّهِمُ سَيفاً يُحاكِمُهُم / فَقَد أَبَدتَهُمُ بِالقَتلِ وَالهَرَبِ
أَنتَ الأَمينُ الَّذي عَمَّت مَكارِمُهُ / مَن حَلَّ في الأَرضِ مِن عُجمٍ وَمِن عَرَبِ
فَاِسلَم عَلى الدَهرِ وَالأَيّامِ مُحتَفِظاً / مِنَ الكَريهاتِ مَحجوباً مِنَ الرَيبِ
يا زَينَ آلِ قُصَيٍّ وَاِبنَ سَيِّدِهِم / خَليفَةَ اللَهِ يا اِبنَ السادَةِ النُجُبِ
إِنّي أَنا الناصِحُ المُبدي نَصيحَتَهُ / ما شُبتُ نُصحاً بِإِبطالٍ وَلا كَذِبِ
فَاِقبَل مَديحِيَ فيهِم وَاِستَمِع نَسَقاً / في وَصفِ أَغلَبَ مِن أَشعارِ مُنتَخِبِ
ما كَاِبنِ عَمِّكَ في نُصحٍ وَلا أَدَبٍ / مِن ذي قَرابَتِكُم أَو غَيرَ مُقتَرِبِ
يَهوى هَواكَ فَما تَكرَه فَمُطَّرَحٌ / ما قَد كَرِهتَ إِلى مُستَنبَتِ القَصَبِ
فَتىً إِذا هُزَّ في نُصحٍ أُصيبَ لَهُ / صِدقُ السَريرَةِ فيما كانَ مِن سَبَبِ
إِن زِدتَهُ رُتبَةً تَبغي زِيادَتَهُ / في النُصحِ أَعطاكُمُ عَشراً مِنَ الرُتَبِ
لَو كانَ تُبتاعُ أَو تُشرى مَوَدَّتُهُ / لَاِبتاعَها مِنكُمُ المَأمونُ بِالرَغَبِ
فَاِشدُد بِهاشِمَ كَفّاً إِنَّ فَضلَهُمُ / فَضلُ الدَرورِ عَلى مَنزورَةِ الحَلَبِ
ما مِثلُهُم في جَميعِ الناسِ كُلِّهِمِ / لا لا وَكَيفَ يَكونُ الرَأسُ كَالذَنَبِ
يا لَيلَةً نِلتُ فيها اللَهوَ وَالوَطَرا
يا لَيلَةً نِلتُ فيها اللَهوَ وَالوَطَرا / كُرّي عَلَينا وَإِلّا فَاِطرُدي الذِكَرا
لَمّا اِلتَقَينا اِفتَرَعنا في تَعاتُبِنا / مِنَ الحَديثِ وَمِن لَذّاتِهِ العُذَرا
إِذا اِستَتَرنا بِسِترِ اللَيلِ بادَرَنا / كَيما يَرانا عَمودُ الصُبحِ فَاِنفَجَرا
قالَت أَأَقرَرتَ بِالإِجرامِ قُلتُ نَعَم / لَو كانَ جُرمي عَلى الإِقرارِ مُغتَفَرا
سَأَدَّعي ذَنبَ غَيري كَي يُصَدِّقَني / مَن لا أُرَجّي لَدَيهِ العَفوَ إِن قَدَرا
قَد أَولَعَتهُ بِطولِ الهَجرِ غِرَّتُهُ / لَو كانَ يَعلَمُ طولَ الهَجرِ ما هَجَرا
ما تُغمِضُ العَينُ مُذ غُلِّقتُ حُبَّكُمُ / إِلّا إِذا خالَسَها عَينُكَ النَظَرا
أَسهَرتُموني أَنامَ اللَهُ أَعيُنَكُم / لَسنا نُبالي إِذا ما نِمتِ مَن سَهِرا
فَاِستَضحَكَت ثُمَّ قالَت لا تَكُن نَزِقاً / وَاِكتُم حَديثِكَ لا تُعلِم بِهِ بَشَرا
فَقَد غَفَرتُ لَكَ الذَنبَ الَّذي زَعَموا / لا بارَكَ اللَهُ فيمَن بَعدَ ذا غَدَرا
وَقَصَّرَ اللَيلُ عَن حاجاتِ أَنفُسِنا / كَذاكَ لَيلُ التَلاقي رُبَّما قَصُرا
قامَت تَمَشّى الهُوَينا نَحوَ قُبَّتِها / وَقُمتُ أَمشي خَفِيَّ الشَخصِ مُستَتِرا
لَمّا بَدا القَمَرُ اِستَحيَت فَقُلتُ لَها / بَعضَ الحَياءِ فَإِنَّ الحُبَّ قَد ظَهَرا
أَلقَت عَلى وَجهِها هُدّابَ خامَتِها / وَنازَعَتني بِكَأسِ الوَحشَةِ الخَفَرا
تُكاتِمُ القَمَرَ الوَجهَ الَّذي ضَمِنَت / وَالوَجهُ مِنّها تَرى في مائِهِ القَمَرا
ثُمَّ اِفتَرَقنا فَضَمَّنّا سَرائِرَنا / دونَ القُلوبِ وَفاءَ العَهدِ وَالخَطَرا
لَم نَأمَن اللَيلَ حَتّى حينَ فُرقَتِنا / كَأَنَّما اللَيلُ يَقفو خَلفَنا الأَثَرا
قالوا اِشتَهَرتَ فَقُلتُ الحُبُّ صاحِبُهُ / مَن لا يَزالُ بِهِ في الناسِ مُشتَهِرا
وَرُبَّ يَومٍ بِيَومِ اللَهوِ مُتَعَجِرٍ / خَلَعتُ فيهِ إِلى لَذّاتِهِ العُذُرا
وَكَأسِ راحٍ يُميتُ الهَمَّ شارِبُها / باكَرتُها وَرِداءُ اللَيلِ قَد حَسَرا
صَبَّ المِزاجُ عَلَيها الحَلى فَاِضطَرَبَت / كَأَنَّ في حافَتَيها الدُرَّ وَالشِذَرا
شُغلي عَنِ الدارِ أَبكيها وَأَرثيها
شُغلي عَنِ الدارِ أَبكيها وَأَرثيها / إِذا خَلَت مِن حَبيبٍ لي مَغانيها
دَعِ الرَوامِسَ تَسفى كُلَّما دَرَجَت / تُرابَها وَدَعِ الأَمطارَ تُبليها
إِن كانَ فيها الَّذي أَهوى أَقَمتُ بِها / وَإِن عَداها فَما لي لا أُعَدّيها
أَحَقُّ مَنزِلَةٍ بِالتَركِ مَنزِلَةٌ / تَعَطَّلَت مِن هَوى نَفسي نَواديها
أَمكَنتُ عاذِلَتي في الخَمرِ مِن أُذُنٍ / صَمّاءَ يُعيِ صَداها مَن يُناديها
وَقُلتُ حينَ أَدارَ الكَأسَ لي قَمَرٌ / الآنَ حينَ تَعاطى القَوسَ باريها
يا أَملَحَ الناسِ كَفّاً حينَ يَمزُجُها / وَحينَ يَأخُذُها صِرفاً وَيُعطيها
قَد قُمتَ مِنها عَلى حَدٍّ يُلائِمُها / فَهَكَذا فَأَدِرها بَينَنا إِيها
إِن كانَتِ الخَمرُ لِلأَلبابِ سالِبَةً / فَإِنَّ عَينَيكَ تَجري في مَجاريها
سِيانَ كَأسٌ مِنَ الصَهباءِ أَشرَبُها / وَنَظرَةٌ مِنكَ عِندي حينَ تُصبيها
في مُقلَتَيكَ صِفاتُ السِحرِ ناطِقَةٌ / بِلَفظِ واحِدَةٍ شَتّى مَعانيها
فَاِشرَب لَعَلَّكَ أَن تَحظى بِسَكرَتِها / فَتَصدُقَ الكَأسُ نَفَساً ما تُمَنّيها
وَمُخطَفِ الخَصرِ في أَردافِهِ عَمَمٌ / يَميسُ في خامَةٍ رَقَّت حَواشيها
إِذا نَظَرتُ إِلَيهِ تاهَ عَن نَظَري / وَإِن شَكَوتُ إِلَيهِ زادَني تيها
لَولا الأَمينُ الَّذي في الأَرضِ ما اِختَلَسَت / بَناتُ لَهوي إِذا عَنَّت غَواشيها
خَليفَةُ اللَهِ قَد ذَلَّت بِطاعَتِهِ / صُعرُ الخُدودِ بِرَغمٍ مِن مَراقيها
أَحيَت يَداهُ النَدى وَالجودَ فَاِنتَشَرا / في الأَرضِ طُرّاً وَجالا في نَواحيها
عَمَّت مَكارِمُهُ الدُنيا فَأَوَّلُها / تُهدى نَداهُ إِلى أُخرى أَقاصيها
كَم مِن يَدٍ لِأَمينِ اللَهِ لَو شُكِرَت / لَقَصَّرَ النَفسُ عَن أَدنى أَدانيها
فَتىً تُهينُ رِقابَ المالِ راحَتُهُ / إِذا أَتاها مُريدُ المالِ يَبغيها
يُمنى يَدَيكَ لَنا جَدوى مُطَبَّقَةٍ / هَذا السَحابُ بِأَعلى الأُفقِ يَحكيها
حَلَّت قُرَيشُ العُلا مِن كُلِّ مَكرُمَةٍ / وَحَلَّ بَيتُكَ في أَعلى أَعاليها
فُقتَ البَرِيَّةَ مِن كَهلٍ وَمِن حَدَثٍ / وَفاقَ أَباؤُكَ الماضونَ ماضيها
شَيَّدتَ بَيتَكَ في عَلياءِ مَكرُمَةٍ / يُقَصِّرُ النَجمُ عَن أَدنى مَراقيها
ما يَسبِقُ الناسُ في غاياتِ مَكرُمَةٍ / إِلّا وَكَفُّكَ دونَ الخَلقِ تَحويها
خَليفَةُ اللَهِ لَو عُدَّت فَضائِلُهُ / إِذاً لَقَلَّ مِن الحُسّابِ مُحصيها
جارى الأَمينُ مُلوكَ الناسِ كُلَّهُمُ / فَما تُقُدِّمَ سَبقاً في مَباديها
نالَت مَكارِمُكَ العَيّوقَ فَاِتَّصَلَت / بِهِ وَقَصَّرَ عَنها مَن يُساميها
يا أَكرَمَ الناسِ إِذ تُرجى لِنائِبَةٍ / جاءَت بِها حادِثاتُ الدَهرِ تَهديها
لَسنا نَخافُ صُروفَ الدَهرِ ما عَلِقَت / أَكُفُّنا بِحِبالٍ مِنكَ تَمريها
كافى الإِمامُ الوَرى طُرّاً بِأَجمَعِها / وَفاقَهُم بِبُيوتِ المَجدِ يَبنيها
رَآكَ رَبُّكَ أَهلاً إِذ حَباكَ بِها / فَاِبقَ وَدُم بِسُرورٍ ناعِماً فيها
أَحيا المَكارِمَ هارونٌ وَأَثبَتَها / وَأَنتَ في الناسِ يا اِبنَ الغُرِّ تُمضيها
يا مُثبِتَ المُلكِ إِذا زالَت دَعائِمُهُ / وَثارَ بِالفِتنَةِ العَمياءِ باغيها
كَم طَعنَةٍ لَكَ في الأَعداءِ مُهلِكَةٍ / نَجلاءَ تُعجِلُهُم عَن نَفثِ راقيها
لَمّا غَدَوتَ إِلى الأَعداءِ مُطَّلِعاً / غَيرَ الجَبانِ عَلَيها لا تُباليها
قَسَمتَ فيها مَنايا غَيرَ مُبقِيَةٍ / وَقُمتَ عِندَ نُفوسِ الحَقِّ تُحيِيها
أَخَمَدتَ بِالشَرقِ نيراناً مُؤَجَّجَةً / قَد كانَ عَزَّ عَلى الإِسلامِ مُخبيها
حَتّى بُعِثتَ عَلَيها رَحمَةً فَخَبَت / نيرانُها بِكَ فَاِنفَتَّت أَفاعيها
ما ضَيَّعَ اللَهُ قَوماً صِرتَ تَملِكُهُم / وَلا أَضاعَ بِلاداً أَنتَ واليها
أَمّا النَحيبُ فَإِنّي سَوفَ أَنتَحِبُ
أَمّا النَحيبُ فَإِنّي سَوفَ أَنتَحِبُ / عَلى الأَحِبَّةِ إِن شَطّوا وَإِن قَرُبوا
ضَلِلتُ في فُرضَةِ الكَلّاءِ مُكتَئِباً / أَبكي عَلَيها بِعَينٍ دَمعُها سَرِبُ
لَما نَظَرتُ إِلى بُعدِ المَزارِ بِهِم / فَعُدتُ أَبكي عَلى نَفسي وَأَنتَحِبُ
ما ضَرَّ مَن كانَ يَنأى عَن أَحِبَّتِهِ / أَلّا يُمَدَّ لَهُ في عُمرِهِ سَبَبُ
يا ساكِنَ الكوفَةِ اللاهي بِلَذَّتِهِ / ما مالَ بي عَن حَبيبٍ غَيرِكَ الطَرَبُ
قَد كُنتُ بِالبَصرَةِ المَغبوطِ ساكِنُها / إِنَّ التُقى وَالصِبا فيها لَمُصطَحِبُ
إِنّي نَظَرتُ إِلى الحورِ الحِسانِ بِها / وَإِنَّما هَمُّهُنَّ اللَهوُ وَاللَعِبُ
إِنَّ العَتيكَ لَحَيُّ ما مَرَرتٌ بِهِ / إِلّا رَجَعتُ وَرَوحي فيهِ مُستَلِبُ
عِندَ الخُرَيبَةِ غيدٌ قَد صَبَونَ بِنا / مِثلُ المَها في رِياضٍ حَولَها العُشُبُ
كُثبانُ رَملٍ إِذا اِرتَجَّت أَسافِلُها / ما لَت بِأَثمارِها مِن فَوقِها القُضُبُ
ما مَرَّ بي رَجَبٌ إِلّا نَعَمتُ بِهِ / يا حَبَّذا رَجَبٌ لَو دامَ لي رَجَبُ
لَمّا ظَهَرتُ لَها بِالمِربَدِ اِحتَجَبَت / مِنّي وَما كادَ نورُ الشَمسِ يَحتَجِبُ
فَبادَرَتها بِوَحيِ القَولِ خادِمُها / فَاِستَضحَكَت ثُمَّ قالَت أَمرُ ذا عَجَبُ
قالَت أَنيلي فَتىً يَهواكِ مُذ زَمَنٌ / قَد مَسَّهُ في هَواكِ الضُرُّ وَالتَعَبُ
قالَت نَعَم أَنتَ تَهوانا فَقُلتُ لَها / أَيِ وَالوِصالِ الَّذي أَرجو وَأَطَّلِبُ
لا هَنَّأَ اللَهُ عَيني مِنكِ نَظرَتَها / إِلَيكِ إِن كانَ لي في غَيرِكُم أَرَبُ
فَلَو تَراني وَخَدّي فَوقَ راحَتِها / وَقَد تَدانَت وَلَمّا تَفعَلِ الرُكبُ
ثُمَّ اِفتَرقنا وَلَم نَأثَم وَنَحنُ كَذا / نَهوى التَلاقي وَما مِن شَأنِنا الرِيَبُ
وَقَهوَةٍ مِنَ بَناتِ الكَرمِ صافِيَةٍ / صَهبا يَهودِيَّةٍ أَربابُها العَرَبُ
تُنمى إِلى الشَمسِ في إِغذائِها وَلَها / مِنَ الرَضاعَةِ في حَرِّ الهَجيرِ أَبُ
حَمراءَ إِن بَرَزَت صَفراءَ إِن مُزِجَت / كَأَنَّ فيها شَرارَ النارِ تَلتَهِبُ
مُحمَرَّةٌ كَفُّ ساقيها بِحُمرَتِها / كَأَنَّما هُوَ بِالفِرصادِ مُختَضِبُ
يا عَينُ جودي بِدَمعٍ مِنكِ مِدرارِ
يا عَينُ جودي بِدَمعٍ مِنكِ مِدرارِ / لا تُعذِري في البُكا لا حينَ إِعذارِ
أَبكانِيَ الدَهرُ مِمّا كانَ أَضحَكَني / وَالدَهرُ يَخلِطُ إِحلاءً بِإِمرارِ
إِقرا السَلامَ عَلى قَبرٍ تَضَمَّنَهُ / ماذا تَضَمَّنَ مِن جودٍ وَأَيسارِ
حُلوُ الشَمائِلِ مَأمورُ الغَوائِلِ مَأ / مُولُ النَوافِلِ مَحَضٌ زَندُهُ واري
اللَهُ أَلبَسَهُ في عودٍ مَغرِسِهِ / ثِيابَ حَمدٍ نَقِيّاتٍ مِنَ العارِ
دَفّاعُ مُعضِلَةٍ حَمّالُ مُثقِلَةٍ / دَرّاكُ وِترٍ وَدَفّاعٌ لِأَوتارِ
الجودُ شيمَتُهُ كَالبَدرِ سُنَّتُهُ / يَكادُ أَن يَهتَدي في نورِهِ الساري
جاءَ القَضاءُ بِمِقدارِ الحِمامِ لَهُ / فَحَلَّ قَعرَ ضَريحٍ بَينَ أَحجارِ
مُصيبَةٌ نَزَلَت كَأَنَّها قَذَفَت / لا بَل وَقَد فَعَلَت في القَلبِ بِالنارِ
أَفنى البُكاءُ دُموعَ العَينِ فَاِنهَمَلَت / عَلى أَخي بِدِماءٍ فَيضُها جارِ
كَم قائِلاً بَعدَهُ حُزناً وَقائِلَةً / يا ضَيعَنا بَعدَ حَمّادِ بنِ سَيّارِ
إِن يُنصِتِ القَومُ لا يَنطِق بِفاحِشَةٍ / أَو يَنطِقوا فَمُصيبٌ غَيرُ مِهذارِ
كانَ الرَبيعُ إِذا ضَنَّ السَحابُ لَهُم / وَفي اللَوازِبِ مُرتاداً لِمُمتارِ
يا حَسرَتا يا أَخي مَن ذا أُؤَمِّلُهُ / لِلدَهرِ بَعدَكَ في عُسري وَإِيساري
أَم مَن لَنا إِن مُلِمّاتٌ بِنا نَزَلَت / أَم مَن لِحاجَةِ ذي القُربى وَلِلجارِ
فَجَأتَني بِفِراقٍ لا لِقاءَ لهُ / وَكُنتُ أَبكيكَ في نَأيِي وَأَسفاري
فَالآنَ أَبكي بُكاءً لا اِنقِطاعَ لَهُ / بِدَمعِ عَينٍ غَزيرِ السَيبِ مِدرارِ
أَتى بِتَبلِ المَنايا يا أَخي قَدَرٌ / صَلّى عَلَيكَ الإِلَهُ الخالِقُ الباري
قَطَعتَني مِن رَجاءٍ كُنتُ آمُلُهُ / فَصِرتُ بَعدَكَ بَينَ البابِ وَالدارِ
ما لِلحَوادِثِ لا يُغبِبنَ بَعدَكَ إِن / يَهِضنَ عَظمي بِإِقبالٍ وَإِدبارِ
اِستَمطَرَ العَينَ أَن أَحبابُهُ اِحتَمَلوا
اِستَمطَرَ العَينَ أَن أَحبابُهُ اِحتَمَلوا / لَو كانَ رَدَّ البُكاءُ الحَيَّ إِذ رَحَلوا
لَولا الشَبابُ وَعَهدٌ لا أَحيسُ بِهِ / لَأَعقَبَ العَينَ نَوماً ماؤُها الخَضِلُ
رُمتُ السُلوَّ وَناجاني الضَميرُ بِهِ / فَاِستَعطَفَتني عَلى بَيضاتِها الحَجَلُ
وَلَيلَةٍ يَومَ يَومي ضِحكَةٌ وَبُكاً / باتَت بِعَيني عُيونُ العَينِ تَكتَحِلُ
باتَت تُعاطيهِ كَأسَ اللَهوِ جارِيَةٌ / رودُ الشَبابِ أُناةٌ مِرطُها رَحِلُ
كَأَنَّها ثَمِلٌ مالَ الصَبوحُ بِهِ / لَيسَت بِهِ هُوَ لَكِن مَشيُها ثَمِلُ
وَما اِستَخَفَّكَ إِلّا نَظرَةٌ سَلَكَت / إِثرَ القَبولِ وَقَد خَفَّت لَهُ السُدُلُ
ريعَت فَراعَت ظِباءَ الإِنسِ آنِسَةً / وَهُنَّ عَنها وَما أَغفَلنَها غُفُلُ
وَالناظِراتُ شُفوناً إِن عَرَضنَ لَنا / كَما تَرامى بِلَحظِ الخُلسَةِ القُبُلُ
تَداوَلَت عَذَباتِ السَجفِ أَعيُنُها / خُذلَ القُلوبِ وَفي أَبصارِها وَجَلُ
اِستَفسَدَ الدَهرُ أَقواماً فَأَصلَحَهُم / مُحَمَّلٌ نَكَباتِ الدَهرِ مُحتَمِلُ
بِهِ تَعارَفَتِ الأَحياءُ وَإِئتَلَفَت / إِذ أَلَّفَتهُم إِلى مَعروفِهِ السُبُلُ
كَأَنَّهُ قَمَرٌ أَو ضَيغَمٌ هِصرٌ / أَو حَيَّةٌ ذَكَرٌ أَو عارِضٌ هَطِلُ
لا يَضحَكُ الدَهرُ إِلّا حينَ تَسأَلُهُ / وَلَيسَ يَعبُسُ إِلّا حينَ لا يُسَلُ
أَعطى المَقادَةَ أَهلَ الشامِ حينَ غُشوا / مِن جَعفَرٍ بِهَناتٍ مالَها حِوَلُ
سَدَّ الخَليفَةُ أَطرافَ الثُغورِ بِهِ / وَقَد تَهَتَّكَ وَاِستَرخى لَها الطِوَلُ
يَأتي الأُمورَ بِأَشكالٍ فَيُبرِمُها / مُستَحصِدُ الرَأيِ ما في رَأيِهِ خَطَلُ
يَكادُ مِن عَزمِ رَأيٍ في بَصيرَتِهِ / أَن يَختِلَ الدَهرَ عَما لَيسَ يُختَتَلُ
أَمَّنتَ بِالشامِ أَرواحاً وَأَفئِدَةً / قَد حَلَّ مُستَوطِناً أَوطانُها الوَجَلُ
كُلُّ البَرِيَّةِ مُلقٍ نَحوَهُ أَمَلاً / بِالرُغبِ وَالرُهبِ مَوصولاً بِهِ الأَمَلُ
مُستَغرِقٌ لِمُنى العافينَ نائِلَهُ / تَفنى عَلى وَعدِهِ الأَموالُ وَالعِلَلُ
وَمَجمَعٍ لِحُتوفِ الدَهرِ أُهبَتُهُ / فَرَّجتَ غَمّاءَهُ وَالمَوتُ مُشتَمِلُ
وَمَأزِقٍ يَبعَثُ الطُغيانُ بَعثَتَهُ / مُستَهدِفٍ لِلمَنايا دَواؤُهُ القَفِلُ
قَد بَلَّغَتهُ بِكَ الأَقدارُ مَبلَغَهُ / وَعاذَ بِالأَسرِ مَن يُؤتى بِهِ النَفَلُ
في عَسكَرٍ تُشرِقُ الأَرضُ الفَضاءُ بِهِ / كَاللَيلِ أَنجُمُهُ القُضبانُ وَالأَسَلُ
لا يُمكِنُ الطَرفَ مِنهُ أَن يُحيطَ بِهِ / ما يَأخُذُ السَهلُ مِن عُرضَيهِ وَالجَبَلُ
أَثبَتَّ لِلدينِ أَركاناً وَأَعمِدَةً / قَد كانَ خِيفَ عَلَيها الدَحضُ وَالزَلَلُ
إِذا تَفاوَتَ أَمرٌ أَو مَضى حَدَثٌ / رَدَّت نَوافِلَهُ مِن أَمرِكَ المُهَلُ
أَطَعتَ رَبَّكَ فيما الحَقُّ لازِمُهُ / حَتّى أَطاعَكَ في أَعدائِكَ الأَجَلُ
لَم يُخرِجِ النَكثُ قَوماً عَن دِيارِهِمُ / إِلّا رَمَتهُم بِكَ الأَيّامُ وَالدُوَلُ
تَفتَرُّ عَنكَ العُلا إِذا عُدَّ واحِدُها / حَتّى يَكونَ إِلَيكَ الخَوفُ وَالأَمَلُ
لاقى بِكَ المَجدُ قَوماً يَحتَلونَ بِهِ / فَقَلَّدوكَ حُلِيَّ المَجدِ إِذ عُطِلوا
هَبَطتَ أَرضَ فِلَسطينٍ وَقَد سَمُحَت / فَالخَوفُ مُنتَشِرٌ وَالسَيفُ مُعتَمَلُ
فَما بَرِحتَ تَسوقُ المَوتَ نَحوَهُمُ / حَتّى كَبوا وَأَضَلَّ اللَهُ ما عَمِلوا
لَقيتَهُم بِالمَنايا في مُلَملَمَةٍ / تَنبو الصَوارِمُ عَنها وَالقَنا الذُبُلُ
يَحوزُ عَفوَكَ مَن سالَمتَ مُغتَبِطاً / وَلا يُقالُ لِمَن عادَيتَ ما فَعَلوا
ناضَلتَ فيها الرَدى عَن نَفسِ ذائِدِها / وَالمَوتُ في مُهَجِ الفُرسانِ تَنتَضِلُ
داوى فِلِسطينَ مِن أَدوائِها بَطَلٌ / في صورَةِ المَوتِ إِلّا أَنَّهُ رَجُلُ
سَلَّ المَنونُ عَلَيهِم مِن مَناصِلِهِ / مِثلَ العَقيقِ تَرامى دونَهُ الشُعَلُ
مِن بَعدِ ماعَظُمَت في الدينِ شَوكَتُها / وَاِستَذأَبَت شاتُها وَاِستَأسَدَ الوَعِلُ
فَسَيفُ جَعفَرَ أَعطاهُم أَمانَهُمُ / وَرَأيُ يَحيى أَراهُم غِبَّ ما جَهِلوا
فَالمُلكُ مُمتَنِعٌ وَالشَرُّ مُتَّزِعٌ / وَالخَيرُ مُتَّسِعٌ وَالأَمرُ مُعتَدِلُ
عاوِد عَزاءَكَ لا يَعنُف بِكَ الذِكَرُ
عاوِد عَزاءَكَ لا يَعنُف بِكَ الذِكَرُ / ماذا الَّذي بَعدَ شَيبِ الرَأسِ تَنتَظِرُ
هَذا الشَبابُ لَهُ في شِرَّةٍ أُنُفُ / دونَ الثَلاثينَ مَجلوبٌ بِهِ الشِرَرُ
يَرميهِ بِالحَزمِ مَعقولٌ فَتَنزِعُهُ / إِلى التَصابي القَريباتُ الهَوى النُفُرُ
أَهِلَّةٌ فَوقَ أَغصانٍ عَلى كُثُبٍ / كَأَنَّها صُوَرٌ تَمشي بِها البَقَرُ
تَبكي لِبَيضاءَ لاحَت في مَفارِقِهِ / بَيضاءُ ما يَنقَضي مِنها لَهُ وَطَرُ
يَروعُها الشَيبُ تاراتٍ وَيُعجِبُها / بَقِيَّةٌ مِنهُ لَم يَعنُف بِها الكِبَرُ
هُوَ الشَبابُ فَما بالُ الصِبا حُبِسَت / أَيّامُهُ وَقَد اِشتَدَّت لَها المِرَرُ
كِلا الجَديدَينِ قَد أُطعِمتُ حَبرَتَهُ / بادٍ وَماضٍ وَمَغفورٌ وَمُغتَفَرُ
خَليفَةَ اللَهِ إِنَّ النَصرَ مُقتَصَرٌ / عَلَيكَ مُذ أَنتَ مَبلوٌ وَمُختَبَرُ
أَعدَدتَ لِلحَربِ سَيفاً مِن بَني مَطَرٍ / يَمضي بِأَمرِكَ مَخلوعاً لَهُ العُذُرُ
لاقى بَنو قَيصَرٍ لَمّا هَمَمتَ بِهِم / مِثلَ الَّذي سَوفَ تَلقى مِثلَهُ الخَزَرُ
لَقَد بَعَثتَ إِلى خاقانَ جائِحَةً / خَرقاءَ حَصّاءَ لا تُبقي وَلا تَذَرُ
أَظَلَّهُم مِنكَ رُعبٌ واقِفٌ بِهِمُ / حَتّى يُوافِقَ فيهِم رَأيَكَ القَدَرُ
أَمضى مِنَ المَوتِ يَعفو عِندَ قُدرَتِهِ / وَلَيسَ لِلمَوتِ عَفوٌ حينَ يَقتَدِرُ
ما إِن رَمى بِالمُنى في مُلكِهِ طَمَعٌ / وَلا تَخَطّاهُ التَأيِيدُ وَالظَفَرُ
بَنو حَنيفَةَ لا يَرضى الدَعيُّ بِهِم
بَنو حَنيفَةَ لا يَرضى الدَعيُّ بِهِم / فَاِترُك حَنيفَةَ وَاِطلُب غَيرَها نَسَبا
وَاِذهَب إِلى عَرَبٍ تَرضى بِنِسبَتِهِم / إِنّي أَرى لَكَ خَلقاً يُشبِهُ العَرَبا
لَقيتَني بِاِحتِجاجٍ بَعدَما رَتَعَت / فيكَ القَوافي وَأَبقى وَسمُها نَدَبا
هَلّا وَأَنتَ بِظَهرِ الغَيبِ تَأكُلُني / فَلا تَهَنَّأتَني أَمسَكتَ مُتَّئِبا
مُنيتَ مِنّي وَقَد هاجَ الرِهانُ بِنا / بِغايَةٍ مَنَعَتكَ الفَوتَ وَالطَلَبا
فَاِقعُد فَأَنتَ طَليقُ العَفوِ مُرتَهَنٌ / بِسَورَةِ الجَهلِ ما لَم أَملِكِ الغَضَبا
لايَنتُها بِاِختِلاسِ اللَحظِ فَاِنخَشَعَت
لايَنتُها بِاِختِلاسِ اللَحظِ فَاِنخَشَعَت / لِلحُبِّ جارِيَةٌ أَقسى مِنَ الحَجَرِ
أَتبَعتُها نَظَري حَتّى إِذا عَلِمَت / مِنّي الهَوى قارَضَتني الوِدَّ بِالنَظَرِ
فَنَحنُ مِن خَطَراتِ الحُبِّ في وَجَلٍ / وَمِن تَقَلُّبِ طَرفَينا عَلى خَطَرِ
ما كُنتُ أَحسِبُ خَمراً لَيسَ مِن عِنَبٍ / حَتّى سَقَتنيهِ صَرفاً أُعينُ البَقَرِ
ظَلَمتُ نَفسي لَها حَتّى إِذا رَضِيَت / وَقَفتُ حِفظاً عَلَيها ناظِرَ البَصَرِ
باتَت تَجَنّى ذُنوباً لَستُ أَعرِفُها / وَبِتُّ أَطلُبُ مِنها مَخرَجَ العُذُرِ
يا قَصرَ جَعفَرَ مالي عَنكَ إِقصارُ
يا قَصرَ جَعفَرَ مالي عَنكَ إِقصارُ / لي فيكَ إِلفٌ وَأَشجانٌ وَأَوطارُ
مازِلتُ أَبكي إِلى سُكّانِ دارِكُمُ / حَتّى بَكى لِيَ جِنٌّ فيهِ عُمّارُ
وَالدارُ تَملِكُني وَيحي وَساكِنُها / فَلي مَليكانِ رَبُّ الدارِ وَالدارُ
ما كُنتُ أَحسِبُني أَحيا وَتَملِكُني / مِن بَعدِ حُرِّيَّةِ لِبنٌ وَأَحجارُ
قَد كُنتُ قَبلَكِ خِلواً فَاِبتُليتُ بِمَن
قَد كُنتُ قَبلَكِ خِلواً فَاِبتُليتُ بِمَن / لا أَحمَدُ الدَهرَ لي في حُبِّها حالا
مِثالُها زَهرَةُ الدُنِّيا مُصَوَّرَةً / في أَحسَنِ الناسِ إِدباراً وَإِقبالا
أَستَودِعُ العَينَ مِنها كُلَّما بَرَزَت / وَجهاً مِنَ الحُسنِ لا تَلقى لَهُ بالا
فَالعَينُ لَيسَت تَرى شَيئاً تُسَرُّ بِهِ / حَتّى تَرينَ لِما اِستَودَعتُ تِمثالا
نامي عَنِ الحُبِّ إِنّي مِنكِ في سَهَرٍ / غالَ الرُقادَ وَأَحذى القَلبَ بَلبالا
ما طالَ لَيلٌ بِهِ ذِكراكِ أَرَّقَني / هَواكِ أَطوَلُ مِن لَيلي وَإِن طالا
تَذَكَّري أَنَّني نَسيتُ العَهدَ لَيلَتَنا / إِذ لا نُراقِبُ في الأَسرارِ خَلخالا
وَلا نَخافُ عَلَينا قَولَ ذي حَسَدٍ / إِلّا الوَساوِسَ مِن حَلى إِذا جالا
شَخَصتُ مُذ يَومَ نادَوا بِالرَحيلِ عَلى
شَخَصتُ مُذ يَومَ نادَوا بِالرَحيلِ عَلى / آثارِهِم ثُمَّ لَم أَطرَف إِلى أَحَدِ
أَغضَت عَنِ الناسِ عَيني ما تَرى حَسَناً / في الناسِ حَتّى تَراهُم آخِرَ الأَبَدِ
تَقَسَّمَ الشَوقُ أَنفاسي فَقَطَّعَها / حُبٌّ بِنَفسِيَ في الأَحشاءِ وَالكَبدِ
لَمّا اِستَبى البَينُ مِن نَفسي وَأَمرَضَها / جاءَ الوَداعُ بِنَعيِ الصَبرِ وَالجَلَدِ
سَلَبتِ روحي وَأَسكَنتِ الهَوى بَدَني / فَصارَ فيهِ مَكانَ الروحِ في الجَسَدِ
إيهاً دَعِ اللَومَ عَنّي لَستُ مُزدَجِرا
إيهاً دَعِ اللَومَ عَنّي لَستُ مُزدَجِرا / لا تَسلُك اللَومَ مِنّي مَسلَكاً وَعِرا
رُقادُ عَينِيَ مِن عَيني بِمَنزِلَةٍ / لَكِنَّها في الهَوى تَستَحسِنُ السَهَرا
ما ضَرَّ مَن كان مَهجوراً وَمُجتَنِباً / لَو أَنَّهُ لَم يَكُن قَبلَ الهَوى بَشَرا
أَمُرُّ بِالحَجَرِ القاسي فَأَغبِطُهُ / لِأَنَّ قَلبَكِ عِندي يُشبِهُ الحَجَرا
أَنا المُقِرُّ بِذَنبٍ لَستُ صاحِبُهُ / إِن كانَ ذَنبٌ عَلى الإِقرارِ مُغتَفَرا
أَحبَبتُ مِن حُبِّها مَن كانَ يُشبِهُها / حَتّى لَقَد صِرتُ أَهوى الشَمسَ وَالقَمَرا
وَما ضَمِنتُ لَها سِرّاً فَأَكتُمَهُ / إِلّا حَفَظتُ عَلَيهِ الدَمعَ وَالبَصَرا
لَها المجازُ عَلى عَيني فَأَمنَعُها / أَن تَستَتِمَّ إِذا ما تَطرُفُ النَظَرا
إِذا تَخَوَّفتُ أَن تَبدو سَرائِرُها / كَلَّفتُها في الحَشا الكِتمانَ وَالحَذَرا
لَم يَعدُها الشَوقُ قَلبي وَهيَ في يَدِها / لَقَد تَسَلّى بِها أَو بي لَقَد غَدَرا
شَكى الزَمانَ بِهِ أَمضى بِهِ قَدَراً
شَكى الزَمانَ بِهِ أَمضى بِهِ قَدَراً / إِنَّ الزَمانَ لَمَحمودٌ عَلى الأَبَدِ
لَن يُبطِئَ الأَمرُ ما أَمَّلتَ أَوبَتَهُ / وَإِن أَعانَكَ فيهِ رِفقُ مُتَّئِدِ
وَالدَهرُ آخِذُ ما أَعطى مُكَدِّرُ ما / أَصفى وَمُفسِدُ ما أَهوى لَهُ بِيَدِ
فَلا يَغُرَّنكَ مِن دَهرٍ عَطِيَّتُهُ / فَلَيسَ يَترُكُ ما أَعطى عَلى أَحَدِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025