المجموع : 13
الآن قَد صَحَّ لي حَقاً بِلا كَذِب
الآن قَد صَحَّ لي حَقاً بِلا كَذِب / مِن كَثرَةِ الحُرفِ أَنّي مِن ذَوي الأَدَبِ
لأَنَّ لِلدَّهرِ أَحوالاً تَدُلُّ عَلى / أَنَّ الَّذي نابِهٌ مِنهُ بِمُنقَلبِ
كَم قائل قَد رأى حالي وَقَد رَزَحَت / مَقالة صَدَرَت عَن قلب مُكتَئِبِ
حَتّى مَتى أَنتَ لا تنفَكُّ مُغتَرِباً / تَعتاض مُرتَغِباً بِالبؤسِ وَالتَعبِ
فَقلت ذر عَنكَ لَومي لا تَفندني / يَكفيكَ ما قَد أَقاسيهِ مِن النوَبِ
عَجائِب الدَهر لا تَفنى عَجائِبُها / ما الدَهر في فِعلِهِ إِلّا أَبو العَجَبِ
كَم مِن أَديبٍ غَدا وَالدَهرُ يعركه / عرك الأَديم بِما يَلقى مِن النَكبِ
وَكَم حمار غَدا وَالدَهرُ يَرفَعه / قَد داسَ أَعلى ذَرى كيوانَ بِالعَقِبِ
وَنالَ مِن دَهرِهِ ما لَم تَكُن خَطَرَت / بِهِ أَمانيهِ مِن جاهٍ وَمِن نَشَبِ
يا صاحِبَيَّ ذرا عتب الزَمان لِما / يأتي فَلَيسَ تَرى عَنهُ بِمُقتَضِبِ
أَظن لِلدهر ثأراً فَهوَ يطلبه / مِنّي فَلَيسَ لَهُ شغل سِوى طلبي
إِذا ظَنَنتُ بِأَنّي قَد ظفرت بِما / أَبغي يقصِّرُني عَنهُ بِلا سَبَبِ
وَإِن عتبتُ عَلَيهِ قال لي أَنِفاً / أَلَستُ في عذلِهِ عَن جاهِل دَرِبِ
قَد حُزت مِن فاخر الآدابِ ما عَجِزَت / عَن نَيلِ أَمثالِهِ نَفس لِمطَّلبِ
مِنَ الحِسابِ وَمن علم الغَريب مَعاً / وَالنَحوِ ما لَم يَكُن فيهِ بِمُكتَسِبِ
ما لَو سَألتَ يَسيراً من تنقصه / بِنَيل نفسك ما تَهوى وَلَم تطبِ
فَقُلتُ قول امرىء أَضحى لِعُسرَتِهِ / بَينَ البَريَّةِ مِن عَدم كمُجتَنبِ
قَد كنت أَختار حَظاً استرِق بِهِ / مَن كانَ في حالَتي في العلم والأدَبِ
فَذاكَ أَروح لي من أَن أَرى نعماً / عَلى طغام بِها تَعلوا إِلى الحَسَبِ
ماذا أُؤمِّلُ يُحييني بِهِ أَدبي / إِذا غَدَت راحَتي صفراً مِن الأَدَبِ
ما نِلتُ مِن أَدبي حالاً حَظيتُ بِها / إِلّا ارتِسامي بِتَهذيبي لعقل صبي
أَظَل أَكسِبه عِلماً وَيكسبني / جَهلاً وُصِمتُ بِه في العجم والعَرَبِ
فأن قعدنَ ربيَ الأَيامُ عَن دَرَكٍ / حَظاً أَنالُ بِهِ العالي مِن الرُتَبِ
فالعُتبُ في ذا لِغَيري لَيسَ يَلزَمني / لأَنَّني قَد بلغت الجهد في الطَلَبِ
لي هِمّة كَضِياء الصبح مشرقة / في حِندِسٍ وَجِناني لَيسَ بِالنَخبِ
وَلَيسَ لِلمَرءِ في الأَقدارِ من طمع / وَالحرص في فائِتٍ يُدني إِلى التَعَبِ
حلبَت أَخلاف هَذا الدَهرُ مُنتَصِراً / فَلَم أَدَع فيهِما حَظاً لِمُحتَلِبِ
وَكَم تدرعت مِن بَيداء مُقفِرَة / في لَيلَة خِلتُ أَن الصبح لَم يؤُبِ
مِن طولِها وَرواق اللَيل مُنسَدِل / وَسحبها بركام الوَبلِ كالقُرَبِ
لا يَهتَدي الريح فيها من مسالكها / بَينَ الضَحا ضح من وهد ومن كثبِ
لا تَهتَدي الجنُّ فيها من تفاوتها / ولا يتم الصَبا بالوبل وَالحرب
الجنّ قَد هجَرت أَكنافها فَرَقاً / وَالوحش قَد نفرت مِنها إِلى العُشُبِ
خلقت خَيفانَة صَوصاء قَد ذبلت / لقطع مهمها وَالنَجم لَم يغب
يَظلُّ يَهوي بِها وَالريحُ قَد عجزَت / عَنها اللحاق بِها وَالسيل في الصيب
وَكَم عسفت جِبالاً طالَما عجزت / عَنها الوعول من الأدغال وَالشُعَبِ
أَهوي إِلَيها بِنَفسٍ غَيرَ خائِفَةٍ / صرف المنون وَلَو صارَت إِلى الهيبِ
أَحتَلُّها وَالمَنايا في مَساكِنَها / مِثلَ ابن قفرة إِذ يَهوي إِلى سَربِ
وَكَم قطعت بِحاراً لَيسَ يَقطعها النَي / رانِ وَلا العالي مِنَ السُحُبِ
وَمؤنسي عَزمَةٌ كالصُبحِ مُشرِقَةٌ / وَصارِمٌ مُرهفُ الحدَينِ ذو شطبِ
مالي إِلى الدَهر ذنب أَستَحِقُّ بِهِ / ما نالَني مِنهُ مِن خَوف وَمِن شَغبِ
إِلّا لأَنّي لال المُصطَفى تَبَعٌ / وَبَعدَ ذا أَنَّني من سادة نُجُبِ
إِذا التَضت نار حَربٍ ثار قسطلها / واحلولكت أَوجه الأَبطالِ للقضبِ
وَإِن رَأيتَ رحاً لِلحرب دائِرَةً / كانوا لها دون هَذا الخلق كالقُطُبِ
وَإِن خبت نارها فاعلم بِأَنَّهموا / بِحَدِّ أَسيافهم يَطفون للهبِ
كانوا على الدهر حكاماً بصولِهِم / وَالدَهر من خوفهم في ذل مُغتَصبِ
حَتّى إِذا ما فَنَوا أَخنى بِكَلكَلِهِ / عَليَّ مُستَوفياً لِلثأر كالغضَبِ
في الجَوِّ زهر علت لي همة سَبَقَت / لَكِن حَظّي بِها في عقدة الذَنَبِ
أَتَيت مصر أَرجّي نَيل ثروتها / فرحتُ مِنها بأَفلاس مَع الجَرَبِ
فَلي بِها تِسع أَحوالٍ قَد اكتَمَلَت / أَرتادُ فيها مَعاشاً لي فَلَم أَصبِ
يا نَفسُ صَبراً عَلى ما قَد حُييت بِهِ / فاستَسلِمي لِلقَضاء الحتم واحتَسِبي
فَلَيسَ يَفديكَ وَالأَقدار جاريِة / وَالوَقتُ مُقتَرِب أَو غير مُقتَرِب
لما تَخافي وَما تُرجى لما سَبَقَت / بِهِ المقادير عَمّا خُطَّ في الكُتُبِ
لا بُدَ مِن فرجٍ يأتي عَلى قنطٍ / تَحظي بِهِ فاصبري يا نَفسُ وارتَقبي
إِمّا بلوغَ أَمانٍ تَنعَمينَ بِها / أَو نَيلَ منزلة تَشفي من الرِيب
أَولا فَمَوتٌ مُريح لا مَردَّ لَهُ / فَأنَّ إِحداهُما يُعفي مِنَ التَعَبِ
وَاللَهُ أَولى بِما يَأَتي وَلَيسَ لَهُ / معارض في الَّذي يَختار من أَرب
لَكِنَّني أَسأل الرحمَن لي فرجاً / مِمّا أقاسيه مِن كَدِّ وَمِن نَصَبِ
فَهوَ المُجيب لما نَدعوهُ عَن كَرَمٍ / إِن لَم يُجِبنا لما نَهوى فمن يُجِبِ
الحِلمُ أَولى بِمَن شابَت ذَوائِبُهُ
الحِلمُ أَولى بِمَن شابَت ذَوائِبُهُ / وَالحَمدُ أَحرى بِمَن دامَت تَجارِبُهُ
وَالمَرءُ مَن لَم يَضِق ذَرعاً بِنائِلِهِ / وَلا يَرى الهَول إِلّا وَهوَ راكِبُهُ
فَإِن تَعَذَّرَ مطريه وَمادِحه / أَتى إِلَيهِ مرجِّيهِ وَنادِبُهُ
أَبا العَلاء الَّذي جَلَّت مآرِبُهُ / مِن قبل قَصدي لَهُ دَرَّت سَحائِبُهُ
لَولا المطهَّر ما تَهدي أَنامِلُهُ / إِلى العُفاةِ يعافُ الشعر صاحِبُهُ
يَجودُ بِدءاً وَعوداً قَبلَ تسأَلَهُ / فَإِن سَأَلتَ فَنَل ما أَنتَ طالِبُهُ
إِن أَخلَف المُزنَ لَم تَخلِف أَنامِلُهُ / أَو أَمسِك الغَيثَ لَم تُمسِك مَواهِبُهُ
مباركُ الوَجهِ مَيمونُ النَقيبَةِ / وَهّابُ الرَغيبَة مَعدومُ ضَرائِبُهُ
يُريكَ في بدءآتِ الرأي أَحسَن ما / يأتي بِهِ بَعدَ أَحوالٍ عَواقِبُهُ
يا كاتِباً جَرَتِ الأَقدارُ حينَ جَرَت / أَقلامُهُ في الوَرى شاعَت مَناقِبُهُ
قَضَت عَلى المالِ لِلعافي أَنامِلُهُ / كَما قَضَت في أَعاديهِ قَواضِبُهُ
وَواجِد طرقاً لِلحَمدِ واصِفُهُ / وَعادِمٍ طُرُقات الذَمّ عائِبُهُ
لا يَغفَل الخَير ما لاقيتَ غُرَّتُهُ / بِحَيثُ حَلَّ وَلا تَدجو غَياكِهبُهُ
مَقدودة غَضَّة الشَباب
مَقدودة غَضَّة الشَباب / أَرَق مِن رِقَّةِ الشَرابِ
خافَت عَلى الوَردِ وَجَنَتاها / فَغَطَّت الوَردَ بِالنِقابِ
وَعاتَبتني وَأيُّ شَيءٍ / في الحُبِّ أَحلى مِن العِتابِ
لا تَملأَنَّ قَدحي وارفِق فَقَد مُزِجَت
لا تَملأَنَّ قَدحي وارفِق فَقَد مُزِجَت / لي مِن جُفونِكَ أَقداح وَأَقداحُ
يا مَن إِذا تُثنى قدهِ خَطَفَت / لِلجِنِّ وَالإِنسِ أَرواحٌ وَأَرواحُ
زِدني ابتِساماً وَقُل لليل دَم أَبَداً / فَأَنتَ وَالكأسُ مُصباحٌ وَمُصباحُ
صَددت أَن عاد روض الرأس ذا زَهَرٍ
صَددت أَن عاد روض الرأس ذا زَهَرٍ / فالشَيبُ عِندَكِ ذَنبٌ غير مغتفرِ
لا دَرَّ دَرُّ بَياض الشَيبِ إِنَّ لَهُ / في أَعيُن الغيدِ مِثلَ الوَخزِ بالإِبَرِ
سَواد رأسِكَ عِندَ الهائِماتِ بِهِ / مُعادِلٌ لِسَوادِ القَلبِ وَالبَصَرِ
قَد كانَ مَغفِرَ رأسي لاقتير بِهِ / فَصَيَّرته قَتيراً صبغة الكِبَرِ
كُن من ملاحظ عينيها عَلى حذرٍ / فَإِنَّما لَحظُها أَمضى مِنَ القَدَرِ
أَهتَزُّ عِندَ تَمَنّي وَصلِها طَرَباً / وَرُبَّ أمنِيَة أَحلى مِنَ الظَفَرِ
تَجني عَليَّ وَأَجني مِن مَراشِفها / فَفي الجنا وَالجَنايات انقَضى عُمُري
أَهدى لَنا طَيفُها نَجداً وَساكِنُهُ / حَتّى اقتَصنا ظباء البَدو في الحَضَرِ
يخنسن بَينَ فروج المعلمات كَما / يكنسن بَينَ فُروع الظال والسَمرِ
فَباتَ يَجلو لَنا مِن وَجهِها قمراً / مِنَ البَراقِعِ لَولا كَلفَةُ القَمَرِ
وَراعها حَرُّ أَنفاسي فَقلت لَها / هَوايَ نارٌ وَأَنفاسي مِنَ الشَرَرِ
فَزادَ دُرُّ الثَنايا دَرُّ أَدمعها / فالتفَّ مُنتَظم مِنهُ بمنتِثرِ
فَما نكرنا مِنَ الطَيفِ المُلِمِّ بِنا / ممن هَويناهُ إِلّا قِلَّةُ الخَفرِ
باتَت تُبيحُ لَنا ما لا تَجود بِهِ / مِنَ الرِضابِ اللَذيذ البارِد الخَصرِ
فثرت أَعثر في ذيل الدُجى ولهاً / وَالجوُّ رَوضٌ وَزهر الشيب كالزَهرِ
وَللمجرَّة فَوقَ الأَرضِ مُعتَرِضٌ / كَأَنَّها حَبَبٌ يَطفو عَلى نَهَرِ
وَلِلثُّرَيّا رُكود فَوقَ أَرحلنا / كَأَنَّها قطعة مِن جلدة النَمِرِ
وَأَدهم الليل نَحو الغَرب مُنهَزِمٌ / وَأَشقَرُ الفَجرِ يَتلوهُ عَلى الأَثَرِ
كَأَنَّ أَنجمه وَالصبح يغمضها / قَسراً عيون غفت مِن شِدَّةِ السَهَرِ
فَرَوَّع السِربَ لما ابتل أَكرعه / في جَدوَلٍ مِن خَليج الفَجرِ مُنفَجِرِ
وَلَو قدرت وَثوب اللَيلِ مُنخَرِقٌ / بِالصُبحِ رَقَّعته مِنهُنَّ بِالشَعَرِ
قالَت أَأَنساكِ نَجداً حُبُّ مطَّرفٍ / فَقُلت خُبرُكِ يُغنيني عَن الخَبَرِ
أَخَذتِ طَرفي وَسَمعي يَومَ بَينِكُمُ / فَكَيفَ أَهوى بِلا سَمعٍ وَلا بَصَرِ
وَقَد أَخَذتِ فُؤادي قَبلُ فاطَّلعي / هَل فيهِ غَيرُكِ مِن أُنثى وَمِن ذَكَرِ
فَإِن وَجدت سِوى التَوحيد فيهِ هَوىً / إِلّا هَواكِ فَلا تُبقي وَلا تَذَري
حَكَّمَت حُبَّكِ في قَلبي فَجارَ وَمَن / يَقنَع بِحُكمِ الهَوى في قَلبِهِ يَجرِ
بَيضاء تَسحَبُ لَيلاً حُسنَهُ أَبَداً / في الطُولِ مِنهُ وَحسن اللَيلِ في القِصَرِ
يَحكي جنا الأُقحوان الغضّ مَبسِمُها / في اللَون وَالريح وَالتَفليج وَالأَشَرِ
لَو لَم يَكُن أُقحُواناً ثَغرُ مَبسِمِها / ما كانَ يَزداد طيباً ساعَة السَحرِ
لَها عَلى الغيد فَضل مِثلَ ما فَضُلَت / كَفّا الرَئيس أَبي عَمروٍ عَلى المَطَرِ
وهبه بارهما في غُزرِ نيلهما / فَهَل يباريهما في الجودِ بِالبِدَرِ
ذو صورة أَفرَغ الرَحمن صيغتها / في قالِب المَجدِ لا في قالِب البشرِ
وَماء وَجه ينِّبي عَن صَرامَتِهِ / إِن الفرند دَليلُ الصارِمِ الذَكَرِ
بَحرٌ وَلَكِنَّهُ تَصفو مَوارِده / وَالبَحر مُنبَعِث بِالصَفوِ وَالكدرِ
لا تنكرَنَّ نَفيساً من مَواهِبِهِ / فَلَيسَ ينكر قَذفُ البَحرِ بالدُرَرِ
صَعب الأباء ذَلول الصَفح مُبتَعِدُ / المحلِّ داني النَدى مُستَحكِم المَرَرِ
يا مَن يَروم لَهُ شُبهاً يُشاكِلُهُ / لَقَد طلبت مَحالاً لَيسَ في القَدَرِ
إِن كُنتَ تَطلُب بَحراً لا يَغيض فزر / مُحَمَّد بِن الحُسَين الآن أَو فَذرِ
فَمَجدِهِ وَنداه المحض في حَضَرٍ / وَماله وَثَناهُ الغضُّ في سَفَرِ
يَزيد مَعروفه بالسَترِ منزلة / كما يَزيدُ بَهاء الخود بالخفرِ
تَرى مياه النَدى تَجري بأنملة / تَرَقرَقَ الماءِ في الهِندِيَّةِ البترِ
عَرَفتُ أَباءه الشمُّ الكِرام بِهِ / كَذاكَ يَعرِف طيب الأَصلِ بالثَمَرِ
قَوم علوا وَأَضاؤوا الأُفق واتصلت / أَنواؤهم كفعال الأَنجم الزُهُرِ
مَضوا وَأَهوى عَلى آثارهم خلفاً / وَالسُحب مبقية لِلروض وَالغَدرِ
قَد كنت أَهواه تَقليداً لمِخبره / فصرت أَهواهُ بِالتَقليد وَالنَظر
وَكنت أُكبِرُهُ قَبلَ اللِقاء لَهُ / فازددت للفرق بَينَ العين والأَثَرِ
لا غرو إِن سمح الدهر البَخيل بِهِ / فَطالَما فاضَ ماء النَهرِ مِن حَجَرِ
جادَ الزَمان فأعطى فَوقَ قيمَته / وَرُبَّما جادَت الأَصداف بِالدُرَرِ
يحل مِن كُلِّ مَجد شامِخٍ وَسَطاً / توسط العين بَينَ الشفر وَالشفرِ
لَولاهُ لَم يَقضِ في أَعدائِهِ قَلَم / وَمخلب اللَيث لَولا اللَيثُ كالظُفُرِ
فيهِ المُنى وَالمَنايا كالشُجاع بِه / الدِرياق وَالسُمّ جمُّ النَفع وَالضَرَرِ
ما صَرَّ إِلّا وصلَّت بيض أَنصله / في الهام أَو أطَّتِ الأَرماح في الثَغرِ
وَغادَرَت في العِدى طَعناً يَحف بِهِ / ضَرب كَما حَفَّت الأعكان بِالسررِ
يا رَبَّ مَعنىً بَعيد الشأوِ أَسلُكُهُ / في سلك لَفظ قَريب الفَهمِ مُختَصَرِ
لَفظاً يَكون لعقد القَول واسِطَة / ما بَينَ مَنزِلَة الأَسهاب وَالحصرِ
إِنَّ الكِتابة سارَت نَحوأَنمله / وَالجود فالتَقَيا فيهِ عَلى قَدرِ
تَردُّ أَرماحه الأَقلام صاغِرَة / عَكساً كَعَكسِ شعاع الشَمسِ للبصر
يَجلو بَياض المَعاني سود أَحرُفِها / إِنَّ الظَلام لَيَجلو رونَق السَحَرِ
وَفي كِتابِكَ فاعذر من يهيم بِهِ / مِنَ المَحاسِن ما في أَحسَن الصُوَرِ
يتركن صَفحة شمس الطرس ساحَته / نَمشاء تحسبها من صفحَةِ القمر
الطِرسُ كالوَجهِ وَالنونات دائِرَة / مِثلَ الحَواجِبِ وَالسينات كالطُررِ
تَحكي حروفك لا مَعنى مواقعها / وَلَيسَ كل سَواد أَسودَ البصَرِ
وَلَيسَ كل بَياض بصَّ أَسوَدِهِ / فيما سِوى العينِ مَعدوداً مِنَ الحورِ
وَلا يُعُدّان في عَينِ امرىءٍ حَوَراً / إِلّا إِذا اجتَمعا فيهِ عَلى قَدَرِ
فَرَّغتَ نَفسَكَ للأَحرار تَغرِسُهم / وَهَمُّ غَيرِكَ غرس النَخلِ وَالشَجرِ
لَمّا وَطئت دِمَشقاً بيع ما وطئت / رِجلاك مِنها بِسعر العَنبَر الذَفرِ
وَهَذِهِ صِلَةٌ لا يَشعُرونَ بِها / أَجَدَت حَتّى بِوطء الرِجل في العفرِ
من جود كَفِّكَ جاد الأَكرَمونَ نَدىً / وَالشَمسُ مِنها ضِياء الأَنجم الزُهرِ
فمن تَجِد مِنهُم يَمدحك مادحه / وَالمَدح في أَرَجِ النَوار للمطرِ
وَكُلَّما شَحَّ أَهل الأَرضِ زِدتَ نَدىً / بظلمة الدُهم تَبدو زينة الغُرَرِ
أَما العِراقُ فَيَثني جيد مُلتَفِتٍ / شَوقاً إِلَيكَ وَيَرعى لَيلَ مُنتَظِرِ
لا زِلتَ في معزل عَن كُلِّ نائِبَةٍ / مُسَلَّماً من صُروفِ الدَهر وَالغِيَرِ
ما جَنَّ ليل وَلاحَ الصُبحُ يتبعه / وَما تَرَنَّمتِ الأَطيار في السَحرِ
وَلّى وَلَم يَقضِ مِن أَحبابِهِ وَطراً
وَلّى وَلَم يَقضِ مِن أَحبابِهِ وَطراً / لَمّا دَعاهُ مُنادي الشَوق وَلا وزَرا
قَد كانَ يَكذِب أَخبار النَوى أَبَداً / فالآن صَدَّق خَبَر الرِحلَة الخَبَرا
كَم عاهَدَ الدَمع لا يُغري بجريت / هِ الواشي فَلَمّا استَقَلَّت ظَعنَهُم غَدرا
وَلِلمُحِبِّ شَهيد غير مكتتمٍ / مِن مقلتيه أَسَرَّ الحُبَّ أَو جَهرا
وَفي الهَوادِجِ ريم لَو عصرت ضَحىً / ماء النُضارَةِ مِن خَدَّيهِ لا نعصرا
هَيفاء فاتِرَة الأَلحاظ مُقلَتِها / وَأقتُل اللَحظ للعشاق ما فَتَرا
إِن كُنتَ مِمَّن لَهُ في نَفسِهِ أَربٌ / فامنَع جُفونك يَوم المَوقف النَظَرا
مَرَّت بِنافيه أَعرابيَّة فتنت / بِالحُسنِ مَن حَجَّ بيت اللَهِ وَاِعتَمَرا
تَرمي الحَجيج فَتصميهم وَيرشقها / راميهمُ فَيولّي سَهمَه هَدرا
تَرمي الجِمارَ فَتُذكي في قُلوبِهِم / جَمراً تَكون لَهُ أَنفاسهم شَررا
رَمَتكَ واِستَتَرَت في خَدرِها وَكَذا / القَنّاص إِن رامَ رَميَ الأبدِ اِستَتَرا
فَرُبَّ صبٍّ تَمَنّى أَنَّهُ حَجر / في البَيتِ حينَ أَكَبَّت تَلثم الحَجرا
إِنَّ الحِجاز سَقاها اللَهُ غادِيَة / أَرض مولدة في الأَعيُن الحَورا
سَل اللَياليَ هَل أَعطى القِياد وَهَل / جَرَّدن مِنّيَ الأَصارِما ذَكَرا
عَضباً يَزينك بَينَ القَومِ مَلبَسِهِ / وَإِن ضربت بِهِ في معرك بَترا
كُن مِثلِ دَهرِكَ إِن حارَبتَهُ أَبَداً / إِن يَستَقِم فاستَقِم واعثُر إِذا عَثَرا
وَإِن صَفا لَكَ لَون الدهر فاصفِ لَهُ / وَإِن تلوَّن أَلواناً فَكُن نَمِرا
واجعَل أَبا طاهِر مِن كُلِّ نائِبَةٍ / جاراً تَجِدهُ مِنَ الأَيام مُنتَصِرا
لا تَطلُبِ الجودَ إِلّا مِن أَنامِلِهِ / وَكَيفَ يُطلَبُ بَعدَ الرؤيَة الأَثَرا
أَغر لو لمست كَفّاه جَلمدة / صَلداً لأنبع في أَقطارِها نَهَرا
تعودت كفّه بَذل النَوال فَلَو / أَرادَ تَحويلها عَن ذاكَ ما قَدِرا
فَقَد وصلت بآمالي إِلى مَلِكٍ / تَعنو المُلوك لَهُ فَضلاً عَن الأَمرا
لأَنَّ راحَتَهُ بَحرٌ فَلَيسَ لَها / رَدٌّ ومن ذا يَرُدُّ البَحر إِن زَجَرا
بَحرٌ وَلَكِنَّهُ صافٍ موارِده / والبحر تَلقى لديه الصَفوَ وَالكَدَرا
لا تُنكرَنَّ نفيساً مِن مَواهِبهِ / فالبَحر مِن شأنِهِ أَن يَلفُظَ الدُرَرا
ينبيك عَن جود كفَّيه تبَسُّمه / وَالبَرق عادَته أَن يَقدُم المَطَرا
قَد وافَقَ الفلك الدَوّار بغيته / وَحالَف النَصر وَالتأييد وَالظَفرا
لَو لَم يَفِد سفري ذا غير رؤيَته / لَكُنتُ أَربحَ مِن فَوقَ الثَرى سَفَرا
تَعنو لأبلَجَ طلق فَوقَ غُرَّتِهِ / تاج مِنَ النور يَعلوهُ إِذا سَفَرا
إِذا تَبَدّى نَهاراً خلت غُرَّتُهُ / شَمساً وَإِن لاحَ لَيلاً خلته قَمَرا
مَلكٌ إِذا عِشتُ مختَصّاً بَحَضرتِهِ / يَوماً عدلتُ بِهِ مِن عيشَتي عُمُرا
جيوشه زمراً غاراته ظفراً / أَنضارِهِ غرراً أَتباعه أَمرا
تعدي السُيوف بِيُمناهُ صَرامته / فَلو أَشارَ بِنابي الشَفرَتين برا
تلقى الكَهام إِذا ما كانَ حامِلَهُ / صِمصامَةً ذكراً صِمصامَةٌ ذكرا
قَد زادَ شِعريَ حسناً أَنَّني رَجُل / نظمت من وصفه في الشعر ما نُثِرا
فَكانَ شِعريَ سلكاً في فَضائِلِهِ / نطمتُهُنَّ وَكانَت فَوقه دُرَرا
يَجُلُّ جواداً سِواهُ عِندَنا فَإِذا / قِسنا بِهِ شُعبَةً مِن جودِهِ قَصرا
إِذا غَدا المدح في وَصفِ امرىءٍ غُرَراً / غَدَت مَناقِبُهُ في مَدحِهِ غُرَرا
قَد جَلَّ جودك قَدراً بَل عَلا شَرَفاً / مِن أَن تُقاسَ إِلى الأَشباه وَالنُظرا
أَقَلُّ قدرك أَن تدعى الأَميرُ كَما / أَقَلُّ قَدريَ أَن أَدعى مِن الشُعَرا
فليهن دجلة إِنَّ البحر جاورها / وَليَسحَبِ القصر ذيلَ التيه إِن قدرا
فالقَصر قَد حاطَه بَحران دجلته / بَحرٌ وَكَفَّكَ بَحر يَقذِف الدُرَرا
إِن كُنتَ أَشرَعتَ باباً أَو فَتَحتَ فَكَم / فَتَحتَ في المَجدِ باباً يُدهِشُ البَشرا
وَغير مُستَنكِر ذا في علاك وَلَو / كانَ المَساميرُ مِنهُ أَنجماً زهرا
فَأسعَد بِهِ فَلَو أَنَّ الدَهر أَنصَفَهُ / لَأُلبِسَت حافَتاهُ الشَمس وَالقَمَرا
لَو أَنَّ ذا العَرشِ لَم يَختِم نُبوَّتِهِ / حَتماً لأَنزَلَ في تَفضيلك السُوَرا
قَضى الإِلَهُ لَكَ الحُسنى وَقَدَّرَها / ومن يَردُّ قَضاء اللَهِ وَالقَدَرا
كَم جُبتُ نَحو عُبيد اللَه مِن بَلَدٍ / لَولاهُ لَم أَعتَسِفهُ طالَ أَم قَصُرا
وَلَم تَكُن آمِدٌ وَاللَهُ يَحرُسُها / داري وَلَم تَكُ خَيلي تألَف الحَضَرا
وَكَم تَعَسَّفت في قَصديه مِن خَطَرٍ / لا يبلغ المَجدَ مَن لا يَركَبُ الخَطَرا
لَو أَنَّهُ جاد بِالدُنيا بأَجمَعِها / لسائل لاستَحى مِن ذاكَ واِعتَذَرا
وَمَن يَكُن مثله في بَعدِ هِمَّتِهِ / يَرى العَظيم مِنَ الأَشياءِ مُحتَقَرا
نَفديهِ ما أَشرَقَت شَمسُ النَهارِ ضُحىً / وَجَنَّ لَيلٌ وَلاحَ الصُبحُ فاِنفَجَرا
يا ظَبيَةَ القاعِ بَينَ الضال وَالسَمرِ
يا ظَبيَةَ القاعِ بَينَ الضال وَالسَمرِ / من كانَ أَغراكِ بالإِعراضِ وَالخَفَرِ
نَظَرتُ يَومَ مروراتٍ فأقصَدَني / سَهمٌ من الوَحشِ راميه مِنَ البَشَرِ
قَد كُنتُ أَعجَب من قول مَضى قدر / فمنذ ذَلِك قَد آمنتُ بِالقَدرِ
صَبٌّ نَأَى فَأَفاعي البَينِ تلسعه
صَبٌّ نَأَى فَأَفاعي البَينِ تلسعه / وَلَيسَ عِندَ ذَوي الآلامِ يَنفَعُهُ
مشرق شَقَّ عنه ثَوبَ سَلوَتِهِ / حُزناً وَأَضحى سَلبياً مِنهُ ينزَعُهُ
في كُلِّ يَومٍ له من فِرطِ لَوعَتِهِ / جِنيَّةٌ في رَضى الأَحبابِ تَصرعُه
يا صاحِبيَّ أَصبِحاني راح عذركما / كَأَساً تردَّدَ في بؤسي تَشعشُعُه
وَخَلِّياني وطرف الحُبِّ أَركضه / حَتّى تَكَلُّ عَناءً منه أَربعُهُ
أَستودع اللَهَ في أَرض الحِجازِ رشاً / في رَوضَةِ القَلبِ مأواهُ وَمربَعُهُ
إِن يُعظِمُ البين قَلبي من تَعذُّبهِ / فَلِلصَّبابَةِ ثدي راح يُرضعُهُ
ما بنت عنه قِلىً مَنّي لصُحبَتِهِ / وَلا لودٍ سَها عنه يضيعُهُ
بَل غالَني فيهِ واشٍ ما قدرتُ عَلى / مرادهِ في مضرّاتي فأدفعُهُ
وآشٍ وَشا في أَذائي جهدَ طاقته / فَلا تَهنّا بحلو العيشِ يَجرَعُهُ
موكَّلٌ بِنَبات الخَيرِ يَحصُدُهُ / وَلا يَرى مِن صَوابِ الأي يَزرَعُهُ
قَد كانَ يَحكُمُ ما يَهوى فَأَقبَلُهُ / وَما أَتى مِن خِطابٍ كُنتُ أَسمَعُهُ
فَرُحتُ أَفرقُ مِن مَوتي بِمَنزِلِهِ / إِذ كانَ لَيسَ لَهُ حِفظٌ فَيُردِعُهُ
بِاللَهِ يا وَجدُ رِفقاً بِالفُؤادِ فَما / أَطيقُ أَكثَرَ مَمّا أَنتَ تَصنَعُهُ
كَيفَ العَزاء لمن في الغرب مُهجَتُهُ / وَجسمه بَلدُ الفِسطاطِ مَرتَعُهُ
صَبٌّ سَرى النَوم عَن جفنيهِ مُرتَحِلاً / فَالدَمع في إِثرِهِ جارٍ يُشَيِّعُهُ
وَأَنتَ يا وَصلُ عُج في رَبع فُرقتنا / عَساكَ تَجمع شَملاً عِزَّ مَجمَعُهُ
وَأَسقِهِ من حَيا التَقريب ساريَة / فَإِنَّهُ داثِر قَد مُجَّ مَوضِعُهُ
عَسى اللَياليَ بِأَوطاي الَّتي سلفت / يرجعن فيهِ رُجوعاً لا تُوَدِّعُهُ
فَكَم تركنا هلال الكأسِ طالعة / فيهِ تُغَيِّب هَمَّ النَفسِ مطلِعُهُ
سَماؤُهُ كَفَّ من كَفَّ الغَرامَ بِهِ / مَمدودَةٌ نَحوَ حَبل الصَبرِ يَقطَعُهُ
وَالرّاح رائِحَةٌ فينا وَغادِيَة / عَلى مَجالِسِ رَبعٍ جَلَّ مرتَعُهُ
راحٌ هيَ الرِيحُ فاجعلها عَلى طربٍ / تِجارة قَبلَ خُسرٍ لَيسَ يَنفَعُهُ
وَمُت بِها مَوتُ مَن يُرجى الحَياة لَهُ / فَمَيِّتُ الرّاحِ مَيتٌ صَحَّ مَرجِعُهُ
مَخبيَّةُ الدَهرِ كانَت في ذَخائِرِهِ / فَجادَ من صَفوِها ما كانَ يَمنَعُهُ
كَأَنَّها شفقٌ وَالمزجُ يكسِبُها / غَيماً سرياً بِلا ريثٍ يُقشِّعُهُ
وَلائِمٌ لامَني جَهلاً فَقُلتُ لَهُ / لي في الصَبابَةِ عُذرٌ لَيسَ تَدفعُهُ
لي فاصِرف اللَومَ قَلبٌ شاعَ منكَشِفاً / في مَذهَبِ الحُبِّ يا هَذا تَشَيُّعُهُ
وَمهجة لإِمام الحُسنِ يتبعها / فَالوجه عَهدٌ عَلَينا لَيسَ يَخلَعُهُ
أَذهبت رونق ماء النُصحِ في العَذلِ
أَذهبت رونق ماء النُصحِ في العَذلِ / فاربَعَ فلستَ بِمَعصومِ عَن الزَلَلِ
لِكُلِّ سَهمٍ يَعُدُّ الناس سابغة / تردُّه عَنكَ إِلّا أَسهم المُقَلِ
هامَ الفُؤادُ بِشَمسٍ ما يُزايلها / غَربٌ مِنَ البَينِ أَو غيمٌ مِنَ الكِلَلِ
يَنتابُ دَمعَ النَوى وَاللَهو وَجنَتَها / فقلَّما انفَكَ ظهر الخَدِّ مِن بَلَلِ
لا شيءَ أَكفَر مِن مِسواكَ إِسحلة / يُعلُّهُ الريق لَم يورق وَلَم يَطُلِ
يَخفى شهاب الهَوى في درِّ ريقتها / كَما استكنَّ نَقيع السُمِّ في العُسُلِ
وَفي أُصول الثَنايا بارِد عَلِلٌ / نَفسي الفِداء لِتِلكَ البارِدِ العَلِلِ
كأَنَّ ريقتها بعد الكَرى عَسَلٌ / أَستغفر اللَهَ بَل أَحلى مِنَ العَسَلِ
إِيّاكَ إِيّاكَ تَطريفاً بأَنمُلِها / فَهيَ الأَسِنَّةُ في العَسّالَةِ الذَبلِ
ما بالُ طرفك لا تنمي رَميَّته / كَأَنَّما هوَ رام مِن بَني ثُعَلِ
صَدَّت بِنَجدٍ وَزارَت في طَرابُلُسٍ / وَبَينَنا عَنَقٌ لِلسُّفن وَالإِبِلِ
في خرَّد نُهَّدٍ يعكسنَ أَعيُننا / لِضَوئِهِنَّ كَعَكس الشَمسِ للمُقلِ
تَنقادُ نَحوَ هَواهُنَّ القُلوب كَما اِنقادت / إِلى هِبَةِ اللَهِ العلى ابن علي
فَتىً عَن السُمرِ بِالسُمرِ الكُعوبِ وَعَن / بيضِ الوجوهِ بِبيضِ الهند في شُغلِ
يُزَيِّنُ الدَولَة الغَرّاء مَوضِعه / إِذا تَزَيَّنَت الأَملاكُ بِالدُوَلِ
يُنبي تَبسُّمه عَن نَشرِهِ أَبَداً / وَالغَيث آيَة صَوبِ الوابِل الهَطلِ
يزينها فَوقَ ما زانته فَهوَ بِها / في حُلَّةٍ وَهوَ من عَلياه في حُلَلِ
يَبُشُّ بِالوَفد حَتّى خلت وآفده / وَآفي يُهنِّيه بِالتأخير في الأَجَلِ
عَلا فلا يَستَقِرُّ المالُ في يَدِهِ / وَكَيفَ يُمسِكُ ما في قَنَّة الجَبَلِ
يَقضي بِحُكمِ الهُدى في المُشكِلاتِ كَما / يَقضي بِحُكمِ الظُبيِ في ساعَةِ الوَهلِ
قَد حالَفَ العَدلَ في أَحكامِهِ أَبَداً / وَالعَدلُ خَيرُ اقتِناء الفارِسِ البَطَلِ
تَخشى العِدى أَبَداً صَدرَ الجَوادِ فَقَد / ظَنَّ العِدى أَنَّه صَدرٌ بِلا كَفَلِ
في جَحفَلِ لَجبٍ لَولا تبسّطه / لخلته شهباً من كَثرَةِ الأُسُلِ
كَأَنَّ حُمَر المذاكي الخمر تَحتَهم / وَبيضُهم حبَبٌ يَطفو عَلى القُلَلِ
أَمَّلتُ ذلك عِلماً أَنَّهُ رَجُل / فَردٌ فأبصرت كل الناس في رَجُلِ
يُصغي إِلى سائِلي جَدوى يَديه كَما / يُصغي المُحِبُّ إِلى التَغريدِ وَالغَزَلِ
لَو شاءَ قالَ وَلَم يَكذِب بِمَخبَرِهِ / عَن كُلِّ فَضلٍ أَراهُ أَنَّ ذَلِكَ لي
لأَنَّه اختَرَعَ العَلياء سالفة / وَسائرُ الناسِ من تالٍ وَمُنتَحِلِ
قَد أَحكم الحاكِم المَنصور دولَتَهُ / بآلَ حَيدَرَةٍ في السَهلِ وَالجَبَلِ
وَرَفَّهت كتبهم أَقصى كَتائِبِهِ / عَن الزِيادَة للأَعداءِ وَالقفلِ
تَرضى الدَراريعُ عنهم وَالدُروعُ / وَأَصدافُ القنا وَصُدور البيضِ والأُسُلِ
تاهَت بِهِم دولة الإِسلامِ واِعتَدَلَت / بِعَزمِهِم كاِعتِدالِ الشَمسِ في الحَمَلِ
شادوا وَسادوا بِما يَبنونَ مِن كَرَمٍ / أَساسُ مجدهم المُستَحكِم الأَزلي
تَشابَهوا في اِختِلافِ من زَمانِهِمُ / عِندَ اللَهى وَالنُهى وَالقَولِ وَالعَمَلِ
كالرُمُ أَوَّلَه عَونٌ لآخِرِهِ / وَآخر الرُمحِ عون الأَكعبِ الأُوَلِ
تبعتَ في الجودِ وَالعَليا أَباك وَلَم / تَكذِب كَما تبعَ الوَسميّ صَوبَ وَلي
غَيثانِ أَيّهما جادَت أَنامله / في بَلدَةٍ نَبَتَت بِالمالِ وَالخَولِ
حَلَّيتما الدِين وَالدُنيا بعزِّكما / فَلا أَزالهُما الرَحمن بِالعَطَلِ
وَلا رَأَينا بِعَيني دَهرِنا مَرَهاً / فَأَنتُما في مآقيهِ من الكُحُلِ
وَعشتُما أَبَداً في ظِلِّ مَملَكَةٍ / قَد اِستَعاذَت مِنَ التَغيير وَالدُوَلِ
ما رَقرَقَ المزنُ فَوقَ الأَرضِ أَدمعه / وَحَنَّ ذو شَجَنٍ يَوماً لمرتَحِلِ
عَصى العَواذِلِ إِذ لَجَّت عَواذِلُهُ
عَصى العَواذِلِ إِذ لَجَّت عَواذِلُهُ / وَواصَل الهَمِّ فيمَن لا يُواصِلُهُ
وَطالَ لَيل مُحِبٍّ في تَفَكُّرِهِ / فيمَن لِمَوعُودِهِ أَضحى يُماطِلُهُ
وَكانَ سَمحاً جواداً بِالوِصالِ لَهُ / إِن ضَنَّ يَوماً بِوَصلِ الحُبِّ باخِلُهُ
لِلَّهِ أَيامُنا تِلكَ الَّتي سَلفَت / وَالدَهرُ في غفلة عَنّا نُماحِلُهُ
وَالدَهرُ في غَفلَةٍ عَنّا يَلذُّ لَنا / عَيش الصِبا وَأَلَذ العَيش غافِلُهُ
وَكأَسُنا كَنَسيم المِسكِ عاطِره / يُديرها شادنٌ حُلوٌ شَمائِلُهُ
سَقى النَدامى مُداماً مِن لَواحِظِهِ / من سحر طَرفٍ كساهُ السِحر بابِلُهُ
يَهتَزُّ كالغُصنِ مَيّاس الرِياض غَدا / بِمثله كل ذي عَقلٍ يُماثِلُهُ
أَبا العَلاء الَّذي جلَّت راحَتِهِ / فَلَيسَ في المَجدِ من خَلقٍ يُطاوِلُهُ
ومن له سُحبٌ من غيث راحَتِهِ / عَلى الوَرى بِالنَدى تَهمي هَواطِلُهُ
فَيا عطا اللَهِ يا ابن الأَكرَمينَ وَمَن / بِوَصفِهِ في العُلى قامَت دَلائِلُهُ
أَنتَ الَّذي غمرت بِالجودِ راحته / كُلَّ الأَنامِ وَعَمَّ الخَلق نائِلُهُ
عبسنَ مِن شَعَرٍ في الرأس مُبتَسِمِ
عبسنَ مِن شَعَرٍ في الرأس مُبتَسِمِ / ما نَفرَّ البيضَ مثل البيضِ في اللِمَمِ
ظَنَّت شَبيبته تَبقى وَما علمت / أَنَّ الشَبيبة مرقاةٌ إِلى الهَرَمِ
ما شابَ عَزمي وَلا حَزَمي وَلا خُلقي / وَلا وَفائي وَلا ديني وَلا كَرَمي
وَإِنَّما اِعتاضَ رأسي غَيرَ صِبغَتِهِ / وَالشَيبُ في الرأسِ دونَ الشيب في الشيمِ
بِالنَفس قائِلَةٌ في يَوم رِحلَتنا / هَواكَ عِندي فَسِر إِن شئتَ أَو أَقِمِ
فَبُحتُ وَجداً فَلامتني فقلن لَها / لا تَعذُليهِ فَلَم يلؤم وَلَم يَلَمِ
لَمّا صَفا قلبه شَفَّت سَرائره / وَالشَيء في كل صافٍ غير مُكتتمِ
بعض التَفرق أَدنى للقاء وَكَم / لاءَمت شملاً بِشَملٍ غَير مُلتَئِمِ
كَيفَ المُقام بِأَرض لا يَخاف بِها / وَلا يُرَجّى شَبا رُمحي وَلا قَلَمي
فَقَبَّلَتنيَ تَوديعاً فَقُلتُ لَها / كُفّي فَلَيسَ اِرتِشاف الخَمرِ مِن شِيَمي
لَو لَم يَكُن ريقها خَمراً لَما نَطَقَت / بِلؤلؤٍ من حُباب الثَغر مُنتظِمِ
وَلَو تَيَقَّنتُ غير الراح في فَمِها / ما كُنتُ مِمَّن يَصُدُّ اللَثم بِاللَتمِ
وَزادَ رِيقتها بَرداً تحدُّرها / عَلى حَصى بَرَدٍ من ثَغرِها شَبِمِ
إِنّي لأَصرف طَرفي عَن مَحاسِنِها / تَكَرُّماً وَأَكُفُّ الكَفَّ عَن أَمَمِ
وَلا أَهُمُّ وَلي نَفسٌ تُنازِعُني / أَستَغفِر اللَهَ إِلّا ساعَةَ الحُلُمِ
لا أَكفُرُ الطَيف نُعمى اِنشرَت رَمَماً / مِنا كَما تَفعَل الأَرواح بِالرِمَمِ
حَيّا فَأَحيا وَأَغنَتنا زِيارَته / عن اِعتِساف الفلا بالأَنيق الرُسمِ
وَصلُ الخيال وَوصل الخود إن بخلت / سَيّا م أَشبه الوِجدانَ بِالعَدَمِ
فَالدَهر كَالطَيف يؤساهُ وَأنعمه / عَن غير قَصدٍ فَلا تَمدح وَلا تَلُمِ
لا تَحمَد الدَهر في بأساء يَكشفها / فَلو أَردت دوام البؤس لَم يَدُمِ
خالِف هَواك فَلَولا أَنَّ أَهوَنَهُ / شَجوٌ لَمّا اِقتُنِصَ العقبان بِالرَخمِ
تَرجو الشِفاءَ بِجفنيها وَسُقمِهِما / وَهَل رأَيت شفاء جاء من سَقَمِ
وَتَدَّعي بِصَبا نجد فَإِن خطرت / كانَت جوىً لك دونَ الناس كلِّهِمِ
وَكَيفَ تَطفي صَبا نَجدٍ صَبابته / وَالريحُ زائِدَة في كُلِّ مضطَرِمِ
أَصبو وَأَصحو وَلَم يُكلَمِ بِبائِقَةٍ / عِرضي كَما تُكَلَمُ الأَعراض بِالكَلَمِ
وَلا أحبُّ ثَناء لا يُصَدِّقه / فِعلي وَلا أَرتَضي في المَجدِ بِالتُهَمِ
لا تَحسَبَن حَسَبَ الآباءِ مَكرُمَة / لِمَن يقصِّر عَن غايات مجدهم
حُسنُ الرِجالِ بِحُسناهُم وَفخرهم / بِطولِهِم في المَعالي لا بِطولِهِم
ما اِغتابَني حاسِدٌ إِلّا شَرفتُ بِهِ / فَحاسِدي منعم في زيِّ مُنتَقِمِ
فاللَه يَكلأ حُسّادي فانعُمهم / عِندي وَإِن وقعت عن غير قَصدِهِم
يُنَبِّهونَ عَلى فَضلي إِذا كُتَبت / صَحيفَتي في المَعالي عنونت بِهِمِ
يا طالِبَ المَجدِ في الآفاقِ مُجتَهِداً / وَالمَجدُ أَقرَب من ساقٍ إِلى قَدَمِ
قل نصر دولة دين اللَهِ لي أَمَلٌ / قَولاً وَقَد نِلتَ أَقصى غاية الهِمَمِ
كَم حِدتُ عَنهُ فَنادتني فَضائِلُهُ / يا خاتِمَ الأَدَبِ امدَح خاتِم الكَرَمِ
وَقادَني نَحوه التَوفيقُ ثُمَّ دَعا / هَذا الطَريق إِلى العَلياء فاِستَقِمِ
وَقَصره عَرَفات العُرف فاِغنَ بِهِ / وكفُّه كعبة الأَفضالِ فاِستَلَمِ
تَرى المُلوك عَلى أَبوابه عُصُباً / وَفداً فَدَع غيرهم من سائِر الأُمَمِ
يَحُفُّه كل مَحفوفٍ مَواكِبُهُ / عِزّاً وَيخدمه ذو الجند وَالخَدَمِ
تَظَلُّ مزدحمات في مَواكِبُهُ / تيجان كل مَهيب الناس وَالنقم
تفيّأوا ظل مَلكٍ منه مُحتَشِم / وَرُبَّ مَلِكٍ مُذالٍ غير مُحتَشَمِ
وَالمَلكُ كالغاب منه خدر ذي لِبَدٍ / ومنه مرتَبعٌ لِلشّاء وَالنَعَمِ
هُم أَعظَمُ الناس أَقداراً ومقدرة / لكن أَتى فَضله من فوق فَضلِهِم
إِذا بَدا طبَّق التَقبيل ساحته / فَما عَلى الأَرضِ شِبرٌ غير مُلتَثِمِ
فَساحة الثَغرِ ثغر أَشنَبٍ رَتلٍ / مُفلَّجٌ فَهوَ مَرشوفُ بكل فَمِ
فَلَو تُؤَثِّر في الأَفواهِ أَنمله / وَأَرض موكبه لَم يَخلُ من رَثَمِ
كَأَنَّ أَرضك مَغناطيسُ كل فَمٍ / فَالطَبعُ يَجذِبها بِالطَوعِ وَالرَغمِ
لَمّا علوت غَمرت العالمينَ نَدىً / وَالمزن يَعلو فَيَروي الأَرض بِالديمِ
تَرقا وَما رَقأت نُعماكَ عَن أَحَدٍ / بُورِكتَ بُورِكتَ من عالٍ وَمُنسَجِمِ
مقسَّم في العُلى لِليُمنِ يُمنَته / وَاليُسرِ يسرته وَالكُلُّ لِلكَرَمِ
إِن قالَ لا فَهيَ لاءٌ مُضاعَفة / وَإِن يقل نعماً أَفضَت إِلى نَعَمِ
تَبدو صَرامته في ماء غُرَّتِهِ / وَالماء بعض صِفات الصارِمِ الخذمِ
هوَ الجَريء عَلى مالٍ يَجودُ بِهِ / وَالكُرُّ في الجودِ مثل الكرِّ في البُهَمِ
مُفرَّق الجودِ مَقسوم مواهِبه / في عليةِ الناس وَالأَوساط وَالحَشَمِ
وَالغيثُ إِن جادَ بِالمَعروفِ وَزَّعَه / بَينَ الشَناخيبِ وَالغيطانِ وَالأكمِ
بِهِ إِلى كُلِّ شُربٍ لِلعُلى ظَمأٌ / بَرَح وَمَهما ارتَوى من مائهنَّ ظِمي
وَيَعتَريهِ إِلى بذل اللهى نَهَمٌ / وَالظرف أَجمعه في ذَلِكَ النَهَمِ
إِلَيكَ نَظَّمت أَجوازَ الفَلاة عَلى / خَرقاء تَهوى انقضاض الجارِحِ القرمِ
كَأَنَّما البيد من دامي مَناسِمِها / مَصاحِف كُتِبَت أَعشارُها بِدَمِ
أَخفافُها شاكِلات كل مُشكِلَةٍ / بِحُمرَةٍ معلمات كل منعَجِمِ
وَأَدهَمٌ واضِحُ الأَوضاحِ مُشتَرِك / بَينَ النَهار وَبَينَ اللَيلِ مُنقَسِمِ
للضَوءِ أَرساغه إِلّا حَوافِره / فَأَنَّهُنَ مَع الجِلبابِ لِلظُّلَمِ
مَحلولك علق التَجميل أَكرعه / كَما تَعلَّق بدء النار في الفَحَمِ
جَرى فَجَلّى فَحَيّا الصبح غُرَّته / لَثماً ومسح بِالأَرساغِ وَالخَدَمِ
وَقَبَّل الفَجر كَي يُجزيه قُبلته / فاِرتد بِاللمظ المَشفوعِ بِالرَثمِ
أَضحى بِعَدلِكَ ثغر الثَغر مُبتَسِماً / وَكانَ قَبلُ عَبوساً غير مُبتَسِمِ
ما ينقم الثغر إِلّا أَن مَحَوتَ بِهِ / لَيلاً مِنَ الظُلمِ كانوا منه في ظُلَمِ
عففتَ عنهم فَزادوا عِفَّة وَتُقىً / فَهم من الأَمنِ والإِيمانِ في حرمِ
قَد عَظَّمَ اللَهَ إِملاكاً مَلَكَت بِهِ / بَني عقيل وَما يَحوون مِن نِعَمِ
لَو لَم تَحُزها أَبا نَصرٍ لما وَجدت / كُفؤاً يُشاكل في أَصل وَلا كَرَمِ
لَو تَطلِبَ الشَمسَ غير البَدرِ ما اِتَّصَلَت / بمثله في سَناءِ القَدرِ وَالعِظَمِ
زادَت إِلى عِزِّها غِزّاً به مضرٌ / وَرُبَّما صيدت العَلياء بِالحَرَمِ
خَمسونَ أَلفاً يُغطّي البرَّ جمعَهُم / بِمَوجِ بَحرٍ مِنَ الماذيِّ مُلتَطِمِ
مِن كُلِّ مَن يتلقّى وجه زائِره / بِكَوكَب بِهِلالِ الفِطرِ ملتَثِمِ
مُجرّبون عَلى مخُبورَةٍ غنيت / عَن الأَعِنَّة فاِستَغنوا عَن الحُزَمِ
فالوَحش زادهم وَالمزن ماؤهم / تَحمَّلتهم فَأَغنَتهم عَنِ الأَدمِ
تَصاهل الخيل من تَحتِ الرِماحِ بهم / كَما تَزاءَرُ علبَ الأسد في الأَجمِ
قَوم يَرون اختِصار العُمرِ مكرمة / فَلَيسَ يُفضي بِهِم شَيءٌ إِلى هَرَمِ
وَنَغمةٌ السَيف أَحلى نَغَمة خُلِقَت / إِذا تَرَنَّم بَعض البيض في اللِمَمِ
وَالعَيش في كَفِّ أَفراسِ مُكَلِّمَة / لِمِثلِهِنَّ وَفرسانٍ بِمِثلِهِمِ
إِذِ الأَسِنَّة في الهَيجاء أَلسِنَةٍ / يُعربنَ عَن كُلِّ مِقدامٍ وَمُنهَزِمِ
محمَّرة من دَمِ الأَبطالِ أَنصُلهم / كَأَنَّما نَصَّلوا الأَرماحَ بِالعَنمِ
قَد كُنتُ أَنكُرُ شِعري حينَ حاوله / مِنّي وَحاشاك أَملاك بِلا هِمَمِ
لا يأَلَمونَ لِنَقص اليُخلِ وَهوَ بِهِم / مُبرِّح كَيف لِلأَمواتِ بِالأَلَمِ
يحكيك في الخُلقِ لا في الخُلُقِ أَكثرهم / وَرُبَّما شُبِّهَ الإِنسانُ بِالصَنَمِ
وَلَستُ أَنكُرُ قَدرَ الشِعرِ إِنَّ بِهِ / نَقلُ المآثِر عَن عاد وَعَن إِرمِ
خَيرُ المَناقِبِ ما كانَ البَيانُ لَهُ / سِلكاً وَفًصِّلَ بِالأَمثالِ وَالحِكَمِ
رِث كُلَّ من بَخِلَت كَفّاهُ من مَلِكٍ / فأكثر الناس خَزّانٍ لِغَيرِهِمِ
ذو الجودِ يورث في مَحياهُ أَنعُمَهُ / وَالنِكس يورث بعد الموت وَالعَدَمِ
وَقيمة المرء ما جادَت بِهِ يده / وَقدرك الأَنفَسَ الغالي من القيَمِ
وَالفَضل أَشياءُ شَتّى أَنتَ جُملتها / وَصيغة أَنتَ مَعناها فَدُم تَدُمِ
أَمِن خَيال هُداه الشَوق وَالحِلم
أَمِن خَيال هُداه الشَوق وَالحِلم / ظَلَّت دموعك فَوق الخَدِّ تَنسَجِمُ
وَظِلَت تَستَفهِم الأَطلال ما فعلت / وَكَيفَ يَفهَمُ شَخصٌ مالَهُ فَهِمُ
حاشاك حاشاك أَن تَبكي لِغانِيَةٍ / تَبكي عَلَيكَ قَليلاً ثُمَّ تَبتَسِمُ
ما يَجلِب الدَمع بَعدَ العُدمِ مَنفَعَة / عِندَ الفِراقِ وَلا ضُرٌّ وَلا سَقَمُ
ما كانَ يدنيه إِكثار يقَرِّبه / أَقصاه منك وَإِن أَدنيته عَدَمُ
قُل لِلَّذينَ مُرادي قَبلَ بينهم / فَسَلَّموني إِلى الأَوصابِ لا سَلِموا
وَلِلزَّمانِ الَّذي أَخنى عَلى جَلدي / كن كَيفَ شِئتَ فَلي جَدٌّ وَمُعتَصِمُ
أَعني أَبا حَسنٍ موسى الَّذي يَده / مأوى العفاة وَتبدي شكرها أُمَمُ
هَذا الوَزير الَّذي نُعماه قَد شهدت / لَهُ البَرايا ومنه البؤس وَالنِعَمُ
السَيد الكامِل الشَهم الأَديب وَمَن / يَزهو بِراحَتِهِ القُرطاسُ وَالقَلَمُ
يَدٌ تَقلِّم أَظفارَ الخُطوبِ لَهُ / رأي يكل لديه الصارِم الخَذِمُ
ذو عِزَّةٍ بِسَناها تَنجَلي الظُلم / وَراحَة بنداها يُطرَد العَدَمُ
ما حَلَّ مِن جُودِهِ عقد اللَهى كرماً / إِلّا وَأَضحى لَدَيهِ المَجدُ مُلتَطِمُ
وَلا بَكَت أَعيُن الأَموالِ مِن يَدِهِ / إِلّا وَثغر الأَماني منه مُبتَسِمُ
يا مَن إِذا ورد السُؤال ساحَته / رأت ما ملكت كَفّاه يُقتسَمُ
راجي يَديك أَتى مُستَفدياً وَبِهِ / مِمّا يُعانيه مِن أَيامِهِ أَلَمِ
فافكِكهُ مِن أَسر دَهرٍ هَدَّ جانبه / فَإِنَّهُ سَجايا نفسك الكَرَمُ
فاِستَغنِم الشُكر فيما قَد تَمَنُّ بِهِ / فَالشُكرُ أَفضَل ما تَحوي وَتَغتَنِمُ
سَلا أَحِبَّتَه من لَم يَذُق كَمَدا
سَلا أَحِبَّتَه من لَم يَذُق كَمَدا / يَومَ الفِراقِ وَلَو أَذرى الدُموعَ دَما
إِنّي أَسأتُ إِلى سَمعي بفرقتهم / أَنا ظَلمتُ ومن أَهواهُ ما ظَلما