القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ المُقَرَّب العُيُونِي الكل
المجموع : 21
بِيني فَما أَنتِ مِن جِدّي وَلا لَعِبي
بِيني فَما أَنتِ مِن جِدّي وَلا لَعِبي / ما لي بِشَيءٍ سِوى العَلياءِ مِن أَرَبِ
لا تُكثِري مِن مَقالاتٍ تزيدُ ضَنىً / ما الخَطُّ أُمّي وَلا وادي الحَساءِ أَبي
في كُلِّ أَرضٍ إِذا يَمَّمتُها وَطنٌ / ما بَينَ حُرٍّ وَبَينَ الدّارِ مِن نَسَبِ
يا ساكِني الخَطِّ وَالأَجزاعِ مِن هَجَرٍ / هَل اِنتِظارُكُم شَيئاً سِوى العَطبِ
بَحِحتُ ممّا أُناديكُم وَأَندُبُكُم / لِخَيرِ مُنقَلَبٍ عِن شَرِّ مُنقَلَبِ
فَسَكِّتوني بِقَولٍ لا تَفونَ بِهِ / قَد صِرتُ أَرضى بِوَعدٍ مِنكُمُ كَذِبِ
يَلُومُني في فِراقِيكُم أَخو سَفهٍ / أَحَقُّ مِن ناضِحٍ بِالغَربِ وَالقَتَبِ
اللَّهُ أَكرَمُ أَن أَبقى كَذا غَرَضاً / ما بَينَكُم لِصُروفِ الدَهرِ وَالنُوبِ
لِي عَن دِيارِ الأَذى وَالهُونِ مُتَّسَعٌ / ما كُلُّ دارٍ مَناخُ الوَيلِ وَالحرَبِ
لا تَنسِبوني إِلى مَنشاي بَينَكُمُ / التُربُ تُربٌ وَفيهِ مَنبَتُ الذَّهَبِ
لا تَحسَبوا بُغضِيَ الأَوطانَ مِن مَلَلٍ / لا بُدَّ لِلوُدِّ وَالبَغضاءِ مِن سَبَبِ
قِلٌّ وَذُلٌّ وَخِذلانٌ وضَيمُ عِدىً / مُقامُ مِثلي عَلى هَذا مِنَ العَجَبِ
إِذا الدِّيارُ تَغشّاكَ الهَوانُ بِها / فَخَلِّها لِضَعيفِ العَزمِ وَاِغترِبِ
حَسبي مِنَ المالِ ذَيّالٌ وَسابِغَةٌ / وَصارِمٌ مُرهَفُ الحَدّينِ ذُو شُطَبِ
وَحُرَّةٌ مِن بَناتِ العيدِ ناجِيَةٌ / لا تَعرِفُ السَّيرَ غَيرَ الشَّدِّ وَالخَبَبِ
تَخالُها بَعدِ خِمسِ الرَّكبِ رائِحَةً / دَوِّيَّةً فَقَدَت رَألاً بِذي نَجَبِ
لأَطلُبَنَّ العُلى جَهدي طِلابَ فَتىً / يَدوسُ بِالعَزمِ هامَ السَّبعَةِ الشُهُبِ
فَإِن أَنَل فَبِسَعيي ما أَتَيتُ بِهِ / بِدعاً وإِلّا فَقد أَعذَرتُ في الطَلبِ
واحَسرَتا لِتَقضّي العُمرِ في بَلَدٍ / الشّؤمُ في أَهلِها أَعدى من الجربِ
لا سَيّدٌ ماجِدٌ يَحمي ذِمارَهُمُ / يَحظى لَدَيهِم وَلا حُرٌّ أَخو أَدَبِ
مالي وَجِسمي وَسَمعي مِنهُمُ وَفَمي / وَناظِري وَمَحَلُّ الفِكرِ في تَعبِ
دُعايَ يا رَبِّ أَلهِم رَبَّ دَولَتنا / أَن يُبلِغَ الرَّأسَ مِنّا رُتبَةَ الذَنبِ
أَفي القَضِيَّةِ أَن أَبقى كَذا تَبَعاً / وَرُتبَتي في المَعالي أَشرَفُ الرُتَبِ
لا يَرتَجي لِحُؤُولِ الحالِ ذُو أَمَلِ / نَيلي وِلا يَتَّقي ذُو مَيلَةٍ غَضَبي
أَرى العُلى تَقتَضيِني غَيرَ وانِيَةٍ / عَزماً يُبَيِّنُ عَن فَضلي وَعَن حَسبي
وَما نَهَضتُ لَهُ إِلّا وَأَقعَدَني / خذلانُ قَومي وَعَيثُ الدَهرِ في نَشبي
وَالمَرءُ يَسعى بِلا رَهطٍ وَلا جِدَةٍ / كَالسَّهمِ يُرمى بِلا ريشٍ وَلا عَقبِ
عُجِّلتُ يَومِيَ إِن لَم أُفنِ غارِبَها / أَلَيسَ لا بُدَّ مِن هَمٍّ وَمِن نَصَبِ
تَقولُ لِي هِمَمي خَلِّ المُقامَ وَقُم / فَإِنَّما راحَةُ الأَبدانِ في التَعَبِ
وَاِرغَب بِمَدحِكَ إِلّا في سَليلِ عُلاً / يُنمَى إِلى العِزِّ مِن آبائِكَ النُجُبِ
مُتَوَّجٍ عَبَدَليٍّ حينَ تَنسِبُهُ / لِخَيرِ جَدٍّ إِذا يُدعى وَخَيرِ أِبِ
مِن آلِ فَضلٍ بُناةِ المَجدِ تَعرِفُهُ / كُلُّ القَبائِلِ مِن ناءٍ وَمُقتَرِبِ
الضارِبي الهامَ في يَومٍ تَخالُ بِهِ الش / شَمسَ المُنيرَةَ قَد غابَت وَلم تَغِبِ
وَالهاتِكينَ عَلى الجَبّارِ قُبّتهُ / شَدَّ النَهارِ بِلا خَوفٍ وَلا رَهَبِ
وَالمَطعِمينَ إِذا هَبَّت شَآمِيَةٌ / نَكباءُ تَقلَعُ كسرَ البَيتِ بِالطُنُبِ
بَنى المَعالي لَهُم فَضلٌ وَشَيَّدَها / أَبو سِنانٍ قَريعُ العجمِ وَالعَربِ
وَأَحمَدٌ اِبنُهُ المَلكُ الَّذي مَنَعَت / ما بَينَ نَزوى سَراياهُ إِلى حَلَبِ
وَماجِدٌ كانَ نِعمَ المُستغاثُ إِذا / دَعا إِلى الحَربِ داعِيها فَلم يُجَبِ
وَمن أُولَئِكَ إِذ يُعزى أُبُوَّتُهُ / فَلَيسَ يُدرَكُ في فَضلٍ وَلا حَسَبِ
وَلَم يَمُت مَن أَبو شُكرٍ خَليفَتُهُ / المخجِلُ البَدرَ وَالمُزري عَلى السُّحبِ
مُقَدَّمٌ كاِسمِهِ في كُلِّ مَكرُمَةٍ / فَإِن نَبا بِكَ دَهرٌ فَاِدعُهُ يُجِبِ
وَأَين مِثلُ أَبي شُكرٍ إِذا اِستَعَرَت / نارُ الوَغى واِتَّقى المَسلوبُ بِالسَّلبِ
مُردي حُروبٍ تَرى تَحتَ العَجاجِ لَهُ / في الخَيلِ وَقعاً كَوَقعِ النّارِ في الحَطَبِ
لا يَتَّقي بَأَسَهُ الأَبطالُ يَومَ وَغىً / إِلّا بِعَقدِ ذِمامٍ مِنهُ أَو هَرَبِ
لَو أَنَّ لِلسَّيفِ يَومَ الرَّوعِ عَزمَتَهُ / ما كانَ لِلبيضِ مَعناهُ وَلا اليَلبِ
وَلَو تَكون لِليثِ الغابِ نَجدَتُهُ / ما كانَ مَسكَنُهُ في الغابِ وَالقَصَبِ
وَالشَّمسُ لَو خُلِقَت مِن نورِ غُرَّتِهِ / لَما تَوارَت عَنِ الأَبصارِ بِالحُجبِ
وَالبَحرُ لَو غُمِسَت فيهِ شَمائِلُهُ / لَصارَ أَنقَعَ لِلصَديانِ مِن ثَغبِ
تَسَنَّمَ المُلكَ لَم تَبقُل عَوارِضُهُ / وَحَلَّ مِن ذِروَتَيهِ أَفضَلَ الرُتَبِ
سَهلُ الخَليقَةِ مَحمودُ الطَريقَةِ من / نَاعُ الحَقيقَةِ سُمُّ الجَحفَلِ اللَجِبِ
ماضي العَزيمَةِ وَرّادٌ بِهِمَّتِهِ / عَلى المَتالِفِ هَجّامٌ عَلى النُّوَبِ
لَو يَبرُزُ المَوتُ في شَخصٍ وَقالَ لَهُ / اِنزِل لَنازَلَهُ ضَرباً وَلَم يَهَبِ
مِلءُ المُفاضَةِ مِن بَأسٍ وَمِن كَرَمٍ / وَمِن وَفاءٍ وَمِن حِلمٍ وَمِن أَدَبِ
بَدّاعُ مَكرُمَةٍ خَواضُّ مَلحَمَةٍ / أَشهى الكَلامِ إِلى فيهِ هَلا وَهَبِ
يَوماهُ يَومُ نَدىً غَمرٍ وَيَومُ وَغَىً / لا يَومُ كاسِ رَنَوناةٍ وَلا طَرَبِ
الطاعِنُ الخَيلَ شَزرَاً كُلَّ نافِذَةٍ / سُلكى وَمَخلوجَةٍ تَشفي مِنَ الكَلبِ
وَالتارِكُ القِرنَ في البَوغاءِ مُنعَفِراً / بِضَربَةٍ سَبَقَت مِنهُ عَلى غَضَبِ
وَالواهِبُ الهَجَماتِ الحُمرَ تَتبَعُها / فِصلانُها في السِّنينِ العُرَّمِ الشُّهبِ
يَقري الضُّيوفَ سَديفَ الكُومِ مُغتَبِطاً / في الشِّيزِ لا الخازِر المَمذوقَ في العُلَبِ
تَأبى لَهُ الضَّيمَ نَفسٌ عَزَّ خالِقُها / لا كالنُّفوسِ وَأَصلٌ غَيرُ ذي أَشَبِ
أَجرا عَلى البَطَلِ المِقدامِ مِن أَسَدٍ / عَلى حُوارٍ وَمِن صَقرٍ عَلى خَرَبِ
يا اِبنَ المُلوكِ الأُلى شادوا مَمالِكَهُم / بِسَلَّةِ البيضِ وَالخَطِّيَّةِ السُّلُبِ
نَماكَ مِن آلِ إِبراهيمَ كُلُّ فَتىً / مُهَذَّبٍ طاهِرِ الأَخلاقِ مُنتَخَبِ
كَم في أُبوَّتِكَ الأَمجادِ مِن مَلكٍ / بِالمَجدِ مُلتَحِفٍ بِالتاجِ مَعتَصِبِ
لَم يَبقَ إِلّاكَ فَاِذكُر ما يُقالُ غَداً / وَإِن هَمَمتَ بَضَعفِ العَزمِ فَاِنتَسِبِ
لا تَركَنَنَّ إِلى مَن لا وفاءَ لَهُ / الذِئبُ مِن طَبعِهِ إِن يَقتَدِر يَثِبِ
وَلا تَكُن لِذَوي الأَلبابِ مُحتَقِراً / ذُو اللُبِّ يَكسِرُ فَرعَ النَبعِ بِالغَرَبِ
وَاِحسِب لِشَرِّ العِدى مِن قَبلِ مَوقِعِهِ / فَرُبَّما جاءَ أَمرٌ غَيرُ مُحتَسَبِ
وَغَر عَلى المُلكِ مِن لعبِ الرِّجالِ بِهِ / فَالمُلكُ لَيسَ بِثَبّاتٍ عَلى اللَعِبِ
وَاِرفَع وَضَع وَاِعتَزِم وَاِنفَع وَضُرَّ وَصِل / وَاِقطَع وَقُم وَاِنتَقِم وَاِصفَح وَخُذ وَهَب
وَاِحذَر تُؤَخِّر فِعلاً صالِحاً لِغَدٍ / فَكَم غَدٍ يَومُهُ غادٍ فَلم يَؤُبِ
وَاِبسُط يَدَي فاضِلٍ في الأَمرِ تُكفَ بِهِ / ما نابَ واِرمِ العِدى عَن قَوسِهِ تُصِبِ
فَفاضِلٍ غَيرِ خَوّارٍ وَلا وَكلٍ / في الكائِناتِ وَلا وانٍ وَلا وَعِبِ
أَوفى نِزارٍ وَأَكفاها وَأَمنَعها / عِندَ اللّقاءِ وَأَحماها عَلى الحَسَبِ
إلَيكَ جَوهَرَةً مِن طَبعِ قائِلَها / تَبقى عَلى غابِرِ الأَزمانِ وَالحِقَبِ
يُقالُ لِلمُدَّعي شِعراً يُعادِلُها / كَذَبتَ ما الضَرَبُ الطَّلحِيُّ كَالضَّرَبِ
بَقيتَ في دَولَةٍ يَشقى العَدُوُّ بِها / تَرعى الصَديقَ وَتُدعى كاشِفَ الكُرَبِ
اليَومَ سُرَّ العُلا وَاِستَبشَرَ الأَدَبُ
اليَومَ سُرَّ العُلا وَاِستَبشَرَ الأَدَبُ / وَأَحمَدت سَيرَها المَهرِيَّةُ النُجُبُ
اليَومَ أَعتَبَ دَهري وَاِرعَوى وقَضى / في كُلِّ ما كُنتَ أَشكوهُ فَكَم أُجَبُ
اليَومَ أَسفَرَ وَجهُ الحَظِّ وَاِنبَسَطَت / يَدُ الرَجاءِ وَزالَ الهَمُّ وَالنَصَبُ
اليَومَ أَقبَلَتِ الآمالُ باسِمَةً / عَن كَالمَها زانَهُ التَفلِيجُ والشَنَبُ
فَكَم لِذا اليَومِ مِن دَوِّيَّةِ قَذفٍ / قَطَعتُ وَالقَلبُ في أَهوالِها يَجِبُ
تَبدو بِها الجِنُّ لي حيناً وَآوِنَةً / تَبثُّ أَضواءَها حَولي وَتَنتَحِبُ
فَحينَ أَكثَرتِ التَهويلَ قُلتُ لَها / هَذا التَّهَوُّلُ جِدٌّ مِنكِ أَو لَعِبُ
حَسبي أَبو جَعفَرٍ مِمّا يَدُبُّ عَلى / وَجهِ البَسيطَةِ أَو يَعتَرُّ أَو يَثِبُ
حَسبي إِمام الهُدى لا فرعُ دَوحَتِهِ / عِشٌّ وَلا ريشُ سَهمٍ راشَهُ لَعبُ
حَسبي إِمامُ الهُدى المَنصورُ فَاِمتَلَأَت / رُعباً فَضاقَت بِها الغيطانُ وَالجيبُ
صِنوُ النَبِيِّ إِذا يُعزى وَمُشبِهُهُ / خَلقاً وَخُلقاً وَبابُ اللَّهِ وَالسَّبَبُ
وَهّابُ ما لا رَأَت عَينٌ وَلا سَمِعَت / بِمثلِهِ هَيبَةً عُجمٌ وَلا عَرَبُ
تَرى مَناقِب كُلِّ الناسِ إِن سَفَرَت / أَدنى مَناقِبهِ تَخزى فَتَنتَقِبُ
كَم نارِ شَرٍّ طِلاعُ الأَرضِ جاحِمُها / لَهُ شُواظٌ بِحَيثُ النَجمُ يَلتَهِبُ
بِلَمحَةٍ مِنهُ عادَت وَهيَ خاشِعَةٌ / ثَلجاً وَما ذاكَ مِن آياتِهِ عَجَبُ
وَكَم أَخي ثَروَةٍ أَودى بِثَروَتِهِ / ظُلمُ الوُلاةِ وَتَأويلاتُها الكَذِبُ
أَعادَ ثَروتَهُ مِن غَيرِ مَسأَلَةٍ / إِلَيهِ عَفواً وَقَد مَرَّت لَها حِقَبُ
وَكَم خَلاءٍ مَخُوفٍ قَلبُ سالِكِهِ / لِلخَوفِ مِثلَ لِواءِ الجَيشِ يَضطَرِبُ
أَضحى بِهَ آمِناً تَمشي الفَتاةُ بِهِ / مَشيَ القَطاةِ وَحَلّا صَدرَها لَبَبُ
وَكَم أَنالَ الغِنى مَن لا يُعَدُّ لَهُ / غَيرُ الخَصاصَةِ أُمٌّ وَالشَقاءُ أَبُ
وَكَم عِظامِ ذُنوبٍ فيه مُوثَقَةٍ / أَقلُّها لِحَصاةِ القَلبِ تَنتَهِبُ
هَذا هُوَ الفَضلُ وَالنَفسُ الشَريفَةُ وَال / جودُ العَميمُ وَهَذا الخَيرُ وَالحَسَبُ
وَكَم قَبائِلَ بَعدَ المَوتِ أَنشَرَها / وَما لَها غَيرُ مَقصوراتِها تُرُبُ
فَلو رَأى عُمَرُ الفاروقُ سيرَتَهُ / لَقالَ هَذا رَحى الإِسلامِ وَالقُطُبُ
وَشَمَّرَ الذَّيلَ يَسعى في أَوامِرِهِ / ما في الَّذي قُلتُهُ شَكٌّ وَلا رِيَبُ
بِهِ الفُتُوَّةُ تَمَّت وَاِعتَلَت شَرَفاً / كَما بِهِ شَرُفَت آباؤُهُ النُّجُبُ
فَما نَرى كَعلِيٍّ في الأَنامِ فَتَىً / سِواهُ وَالشِّبهُ نَحوَ الشِّبهِ مُجتَذَبُ
وَأَيُّ مُعتَصِمٍ بِاللَّهِ مُنتَصِرٍ / لَلّهِ مِنهُ الرِّضا في اللَّهِ وَالغَضَبِ
قَرَّت بِهِ الأَرضُ مِن أَقصى التُخومِ وَقَد / كادَت لِفَقدِ إِمامِ البِرِّ تَنقلِبُ
وَأَصبَحت أَيكَةُ الإِسلامِ ناضِرَةً / يَدعو المُسيمَ إِلَيها الماءُ وَالعُشبُ
وَاِهتَزَّتِ الأَرضُ مِن رِيٍّ فَلا طَلَقٌ / لِلماءِ يُذكَرُ في حَيٍّ وَلا قَرَبُ
وَأَشرَقَت بَهجَةً دارُ السَّلامِ بِهِ / حَتّى تَمَنَّت سَناها السَبعَةُ الشُهُبُ
وَأَظهَرَ العُجبَ شَطّاها وَدِجلَتُها / وَما أَحاطَت بِهِ الأَسواقُ وَالرُحُبُ
وَفُتِّحت لِلقِرى أَبوابُ ذي كَرَمٍ / جفانُهُ خُلُجُ الصِّينِيِّ لا العُلَبُ
وَأَلفُ أَلفٍ تَزيدُ الضِّعفَ جادَ بِها / في كُلِّ عامٍ وَقَلَّت عِندما يَهِبُ
وَمِثلُ ذَلِكَ أَضعافاً مُضاعَفَةً / أَعطى وَقالَ قُصارى كُلِّ ذي العَطَبُ
فَما يَمُرُّ بِهِ يَومٌ وَلَيسَ بِهِ / لَهُ مَواهِبُ تُستَزرى لَها السُّحُبُ
فَاليَومَ ما فوقَ ظَهرِ الأَرضِ قاطِبَةً / إِلّا اِمرُؤٌ وَلَهُ مِن مالِهِ نَشَبُ
فَلو تُذابُ عَطايا كَفِّهِ لَجَرَت / بَحراً مِن التِبرِ رَجّافاً لَهُ لَجَبُ
لَم يَدَّخِر غَيرَ ما آباؤُهُ اِدَّخُروا / مِن أَنفُسٍ وَجَميع المالِ قَد وَهَبُوا
يَأبى الأُلى غَيرَ كَسبِ الحَمدِ ما اِدَّخروا / وَغَيرَ أَنفَسِ ما يَحوونَ ما وَهَبُوا
وَغَيرَ رَجراجَةٍ شَعواءَ ما جَلَبُوا / وَغَيرَ نَجمٍ يُسامي النَّجمَ ما طَلَبُوا
وَغَيرَ هامَةِ مَعدى الهامِ ما ضَرَبُوا / وَغَيرَ مِدرَهِ دارِ الحَربِ ما حَرَبُوا
قَومٌ هُم الرَأسُ مِن فهرٍ وَغَيرهُم / إِذا يُقاسُ إِلى عَلياهُمُ ذَنَبُ
النَجمُ يَنجُم ظُهراً إِن هُمُ غَضِبُوا / وَالأَرضُ تَأرضُ نَهراً إِن هُمُ رَكِبُوا
بِفَضلِهِم نَطَقَ القُرآنُ مُمتَدِحاً / لَهُم وَجاءَت بِهِ مِن قَبلِهِ الكُتُبُ
أَبوهُمُ الخَيرُ عَبدُ اللَّهِ خَيرُ أبٍ / وَجَدُّهُم سَيِّدُ البَطحاءِ إِن نُسِبُوا
لَولاكُمُ يا بَني العَبّاسِ ما اِنصَدَعَت / عَصا الخِلافَةِ صَدعاً لَيسَ يَنشَعِبُ
عَنها طَردتُم وَلَمّا يَثنِكُم رَهَبٌ / بَني الطَّريدِ وَلا اِستَوهاكُمُ رُعبُ
وَلا وَنَيتُم إِلى أَن قامَ ماؤُهُم / وَخانَ دَلوَهُمُ مِن عَقدِها الكَرَبُ
وَعادَ ميراثُكُم مِن كَفِّ غاصِبِهِ / فيكُم وَأَهلُ الدَعاوى عَنكُمُ غِيَبُ
يا خَيرَ مَن عَلِقَت أَيدي الرَجاءِ بِهِ / وَمَن سَواءٌ لَدَيهِ التِبرُ وَالتّربُ
إِلَيكَ مِن بَلَدِ البَحرينِ قَرَّبَني / شَدٌّ بِهِ اِنحَلَّتِ الأَكوارُ وَالغُرُبُ
وَغادَرَ العِيسَ أَنضاءً مُطَلَّحَةً / يَكادُ يَصرَعُها مِن خَلفِها العُشبُ
فَحَلِّني بِلباسٍ مِنكَ يَحسُدُني / عَلى اِتّصالي بِكُم ناءٍ وَمُقتَرِبُ
وَاِجعَل عدادي في الفِتيانِ واِعلُ بِهِ / شَأني فَمُعتَقدي أَن يَنجَحَ الطَّلَبُ
أَنتَ الإِمامُ الَّذي قَد كُنتُ آمُلُهُ / وَذا الزَمانُ الَّذي قَد كُنتُ أَرتَقِبُ
كَم جُبت دونَكَ مِن تَيها وَخاوِيَةٍ / يَشكو الكَلالَ بِها النَجّاءَةُ التَعِبُ
وَمُزبِدٍ يَتراءى المَوتُ راكِبهُ / سَلامَةُ المُتَخَطِّيه لَهُ عَجَبُ
وَكَم طَرقتُ رِجالاً ينذِرونَ دَمي / أَسقيتُهُم عَلقَماً غَصباً لَهُ شَرِبُوا
كَم قُلتُ لِلنَّفسِ إِذ لَجَّ الهُلوعُ بِها / وَكَالدِماءِ دُموعِ العَينِ تَنسَكِبُ
قِرّي فَيُمنُ أَميرِ المُؤمِنينَ لَنا / حرزٌ يَقينا الَّذي يُخشى وَيُجتَنَبُ
فَبارَكَ اللَّهُ في أَيّامِ دَولَتِهِ / وَجادَها كُلُّ رَجّاسٍ لَهُ لجَبُ
فَإِنَّ أَيّامَها طرزُ الزَمانِ إِذ / عُدَّت وَتاجٌ بِهِ الأَعيادُ تَعتَصِبُ
وَلا أَرانا إِماماً غَيرَهُ أَبَداً / فَما لَنا في إِمامٍ غَيرِهِ أَرَبُ
وَعاشَ في ظِلِّهِ المَولى الَّذي شَهِدَت / بِمَجدِهِ وَعُلاهُ العُجمُ وَالعَرَبُ
بَحرُ النَّدا شَرَفُ الدّينِ الَّذي شَرُفَت / بِهِ الوَرى وَسَما فَخراً بِهِ اللَقَبُ
ما ناحَ صَبٌّ وَما ناحَت مُطَوَّقَةٌ / وَما اِستَلَذَّ غَراماً عاشِقٌ وَصِبُ
أُعيذ مَجدَكَ بِاِسمِ الواحِدِ الأَحَدِ
أُعيذ مَجدَكَ بِاِسمِ الواحِدِ الأَحَدِ / مِمّا يُرَقِّشُ ذُو شُؤمٍ وَذو نَكَدِ
وَأَطفَأَ اللَّهُ نُورَ الحاسِدينَ فَما / تُؤتى مَعاليكَ مِن شَيءٍ سِوى الحَسَدِ
أَبا شُجاعٍ رَعاكَ اللَّهُ مِن مَلِكٍ / سَما فَما مِثلُهُ في الناسِ مِن أَحَدِ
أَمّا الفِراقُ فَتَأتينا رَواحِلُهُ / غَداً وَيحدِجنَ لِلتِرحالِ بَعدَ غَدِ
وَاللَّهُ يَعلَمُ أَنّي لا أُسَرَّ بِهِ / لَكِن أَخافُ شَقاءَ الأَهلِ وَالوَلَدِ
وَهَل يَكونُ شَقاءٌ في الزَمانِ لَهُم / كَغَيبَتي عَنهُمُ مَع ضيقِ ذاتِ يَدي
أَلا وَوَجهُكَ أَشهى مِن وُجوهِهِمُ / عِندي وَأَنَّهُمُ الأَفلاذُ مِن كَبدي
وَبَلدَةٌ أَنتَ يا خَيرَ المُلوكِ بِها / أَحظى لَديَّ وَبَيتِ اللَّهِ مِن بَلَدي
فَأَسأَلُ اللَهُ أَن يَقضي اللِّقاءَ لَنا / وَأَن يَكونُ اِجتِماعاً آخِرَ الأَبَدِ
لا عِزَّ إِلّا بِحَدِّ الصارِمِ الذَكَرِ
لا عِزَّ إِلّا بِحَدِّ الصارِمِ الذَكَرِ / وَضَربِكَ الصّيدَ بَينَ الهامِ وَالقَصَرِ
وَقَودِكَ الخَيلَ تَمضي في أَعِنَّتِها / يُعاجِلُ العَزم أُولاها عَن الخَبَرِ
وَبِالطّوالِ الرُدَينِيّاتِ تُدرك ما / فَوقَ المُنى لا بِطولِ الذَيلِ وَالشَعَرِ
يا طالِبَ المَجدِ لا ينفَكُّ مُجتَهِداً / هَوِّن عَلَيكَ فَكَم وِردٍ وَلا صَدَرِ
فَكَم شَأى شاءٍ العَليا فَأَحرَزَها / أَبو سِنانٍ جَميلُ الذِكرَ وَالسّيرِ
السالِبُ الملِكَ الجَبّارَ مُهجَتَهُ / وَالطاعِنُ الخَيلَ في اللَبّاتِ وَالثَغَرِ
وَالمُمطِرُ الجودَ مِن أَثناءِ راحَتِهِ / فَيضاً إِذا ضَنَّتِ الأَنواءُ بِالمَطَرِ
وَالعابِدُ الزاهِدُ الصَوّامُ إِن حَمِيَت / هَواجِرُ الصَيفِ وَالقَوّامُ بِالسَحَرِ
وَالمُظهِرُ الحَقَّ لا يَبغي بِهِ عِوَضاً / إِذ كانَ طالِبُهُ يَغدو علَى خَطَرِ
وَالطاهِرُ العِرض مِن عَيبٍ وَمِن دَنَسٍ / وَالسالِمُ العُودَ مِن وَصمٍ وَمِن خَوَرِ
ذِكرُ المَظالِمِ وَالآثامِ إِن ذُكِرَت / لَدَيهِ وَالبُخلُ ذَنبٌ غَيرُ مُغتَفَرِ
يا طالِبَ الرَزقِ في حِلٍّ وَمُرتَحَلٍ / يَمِّمهُ تَرضَ عَنِ الأَيّامِ وَالقَدَرِ
بَعيدُهُ لِذَوي الآمالِ مُتَّدَعٌ / كَجَنَّةِ الخُلدِ لا تَخلو مِنَ الثَمَرِ
فَكُلُّ حَيٍّ مِنَ الأَحياءِ يَعرِفُهُ / يدعوهُ بِالمَلِكِ الوَهّابِ لِلبِدَرِ
وَيا مَضيماً أَمضَّ الضَيمُ مُهجَتَهُ / اِنزِل بِساحَتِهِ تَنزِل عَلى الظَفَرِ
وَاِصفَع بِنَعلِكَ رَأسَ الدَهرِ واِسطُ عَلى / أَحداثِهِ سَطوَ ضِرغامٍ عَلى حُمُرِ
وَلا تَخَف عِندَها مِن بَأسِ صَولَتِهِ / فَلَيسَ يَملِكُ مِن نَفعٍ وَلا ضَرَرِ
فَكَم أَجارَ عَلى الأَيّامِ ذا مَضَضٍ / يَبيتُ يَلصِقُ مِنهُ الصَدرَ بِالعَفَرِ
وَكَم أَغاثَ اِمرءاً أَضحى وَمُنيتُهُ / مَوتٌ يُؤَدّي إِلى الفِردَوسِ أَو سَقَرِ
وَكَم مَشى الخَيزَلى في ظِلِّ دَولَتِهِ / مَن كانَ يَنسابُ كَالعِلّوصِ في الخُمُرِ
يا اِبنَ الأُلى شَيَّدُوا بُنيانَ مَجدِهِمُ / بِالجُودِ وَالبَأسِ لا الآجُرِّ وَالمَدَرِ
نَماكَ لِلمجدِ آباءٌ أَقَرَّ لَهُم / بِالفَضلِ مَن كانَ ذا سَمعٍ وَذا بَصَرِ
قَومٌ إِذا كانَتِ الأَنباءُ أَو كُتِبَت / صَحائِفُ المَجدِ كانُوا أَوَّلَ السَطَرِ
وَإِن هُمُ كَتَبوا مَجداً بِسُمرِهِمُ / فَخَطُّهُم بِمدَادٍ مِن دَمٍ هَدَرِ
وَالشارِبونَ جِمامَ الماءِ صَافِيَةً / وَيَشرَبُ الناسُ مِن طينٍ وَمِن كَدَرِ
وَالمُوقِدونَ إِذا هَبَّت شَآمِيَةٌ / نارَ الوَغى تَحتَ هامي القَطرِ بِالقِطرِ
أُعيذُ مَجدَكَ مِن عَينِ الجمالِ فَقَد / أَراهُ في التِمِّ يَحكي هالَةَ القَمَرِ
جَمَعتَ شَملَ المَعالي بَعدَ تَفرِقَةٍ / وَصُنتَ وَجهَ العُلا مِن ذَلِكَ القَتَرِ
أَطفَأتَ ناراً يُغَشّي الأَرضَ لاهِبُها / لَولاكَ لَم تُبقِ مِن شَيءٍ وَلَم تَذَرِ
فَأَصبَحَت كُلُّ أَرضٍ خافَ ساكِنُها / تَقولُ دَعني وَسِر قَصداً إِلى هَجَرِ
وَاِجعَلَ بِها دارَ سَكنٍ تَستَقِرُّ بِها / عَمّا يُريبُكَ مِن خَوفٍ وَمِن ذُعرِ
مَتى تَحُلَّ بِها تَحلُل لَدى مَلِكٍ / بِالزُهدِ مُشتَمِلٍ بِالعَدلِ مُتَّزِرِ
تَنامُ أَمناً رعاياهُ وَمُقلَتُهُ / وَقَلبُهُ أَبَداً في غايَةِ السَهَرِ
يَرى البَلِيَّةَ أَن تَغدو رَعِيَّتُهُ / وَأَن تَروحَ بِناديهِ عَلى حَذَرِ
لا يَرهَبُ الريمَ مَن أَمسى بِعقوَتِهِ / وَلا يَمُنُّ عَلَيهِ سابِحُ البَقَرِ
وَلا يُرَوَّعُ ذَو وَفرٍ يُجاوِرُهُ / بِنَكبَةٍ مِن مُقيمٍ أَو أَخي سَفَرِ
لَكِن يَروعُ العِدا مِنهُ بِذي لَجَبٍ / كَاللَيلِ تَلمَعُ فيهِ البيضُ بِالغَدَرِ
الطَعنُ مِنهُ كَأَفواهِ المَزادِ إِذا / غُصَّت وَطَعنُ العِدى كَالوَخزِ بِالإِبَرِ
يا أَيُّها الملكُ النَدبُ الَّذي عُرِفَت / لَهُ المَناقِبُ في بَدوٍ وَفي حَضَرِ
يا زينَةَ المُلكِ يا تاجَ المُلوكِ وَيا / فَخرَ المَمالِكِ بَل يا غُرَّةَ الغُرَرِ
أَنتَ الصَؤولُ بَلا خَيلٍ وَلا دَهَشٍ / أَنتَ القَؤُولُ بِلا عِيٍّ وَلا حَصَرِ
أَنتَ الوَلِيُّ بِلا خَوفٍ وَلا رَهَبٍ / أَنتَ السَخِيُّ بِلا مَنٍّ وَلا كَدَرِ
بِاللَهِ أُقسِمُ لا مُستَثنِياً أَبَداً / لَولاكَ لَم يبقَ لِلعَلياءِ مِن وَزَرِ
وَلا خَلَت باحَةُ البَحرَينِ مِنكَ وَلا / زالَت عِداتُكَ طُولَ الدَهرِ في قِصَرِ
وَعِشتَ في عِزَّةٍ قَعساءَ نائِيَةٍ / مِنَ الحَوادِثِ وَالآفاتِ وَالغيرِ
ماذا بِنا في طِلابِ العِزِّ نَنتَظِرُ
ماذا بِنا في طِلابِ العِزِّ نَنتَظِرُ / بِأَيِّ عُذرٍ إِلى العَلياءِ نَعتَذِرُ
لا الزَندُ كابٍ وَلا الآباءُ مُقرِفَةٌ / وَلا بِباعِكَ عَن باعِ العُلى قِصَرُ
لا عَزَّ قَومُكَ كَم هَذا الخُمولُ وَكَم / تَرعى المُنى حَيثُ لا ماءٌ وَلا شَجَرُ
فَاِطلُب لِنَفسِكَ عَن دارِ القِلى بَدَلاً / إِن جَنَّة الخُلدِ فاتَت لَم تَفُت سَقَرُ
أَما عَلِمتَ بِأَنَّ العَجزَ مَجلَبَةٌ / لِلذُّلِّ وَالقُلِّ ما لَم يَغلِب القَدَرُ
وَلَيسَ تَدفَعُ عَن حَيٍّ مَنِيَّتهُ / إِذا أَتَت عُوَذُ الراقي وَلا النُشرُ
وَلا يجتلي الهُمومَ الطارِقاتِ سِوى / نَصُّ النَجائِب وَالرَوحاتُ وَالبُكَرُ
وَالذِكرُ يُحييهِ إِمّا وابِلٌ غَدِقٌ / مِنَ النَوالِ وَإِمّا صارِمٌ ذَكَرُ
واحَسرَتا لِتَقَضّي العُمرِ في نَفَرٍ / هُمُ الشَياطينُ لَولا النُطقُ وَالصُوَرُ
لا يَرفَعونَ إِذا عَزّوا بِمَكرُمَةٍ / رَأساً وَلا يحسِنونَ العَفوَ إِن قَدِرُوا
يَوَدُّ جارُهُمُ الأَدنى بِأَنَّهُمُ / أَضحَوا وَما مِنهُمُ عَينٌ وَلا أَثَرُ
بُليتُ مِنهُم بِأَجلافٍ سَواسِيَةٍ / قَد صَعَّدُوا بِزمامِ اللُؤمِ وَاِنحَدَرُوا
خُزرِ العُيونِ إِذا أَبصارُهُم نَظَرَت / شَخصي فَلا زالَ عَنها ذَلِكَ الخَزَرُ
وَغَيرُ مُعنِتِهِم لَوماً فَأَظلِمُهُم / الشَمسُ يَزوَرُّ عَن إِدراكِها البَصَرُ
لَهُم سِهامٌ بِظَهرِ الغَيبِ نافِذَةٌ / لَم تُكسَ ريشاً وَلَم يَنبِض لَها وَتَرُ
كَم غادَرَت مِن فَتىً حُلوٍ شَمائِلُهُ / يُمسي وَحَشوُ حَشاهُ الخَوفُ وَالحَذَرُ
إِن يَظفَرُوا بي فَلا تَشمَخ أُنُوفُهُمُ / فَإِنَّما لِعِداهُم ذَلِكَ الظَفَرُ
أَلا فَسَل أَيُّهُم يُغني غِنايَ إِذا / نارُ العَدُوِّ تَعالى فَوقَها الشَرَرُ
وَمَن يَقومُ مَقامي يَومَ مُعضِلَةٍ / لا سَمع يُبقى لِرائيها وَلا بَصَرُ
وَمَن يَسُدَّ مَكاني يَومَ مَلحَمَةٍ / إِذا الغَزالَةُ وارى نُورَها القَتَرُ
أُمضي عَلى السَيفِ عَزماً حينَ تُبصِرُهُ / مِثلَ الجِداءِ إِذا ما بَلَّها المَطَرُ
إِذا نَطَقتُ فَلا لَغوٌ وَلا هَذَرٌ / وَإِن سَكَتُّ فَلا عِيٌّ وَلا حَصَرُ
تَجري الجِيادُ وَإِن رَثَّت أَجِلَّتُها / فَلا يُغرّكَ جُلٌّ تَحتَهُ دَبَرُ
إِنّي لَأَعجَبُ مِن قَومٍ رَأَوا عَسَلاً / ظُلمي وَأَسوَغُ مِنهُ الصابُ وَالصَبرُ
أَيَأمنونَ اِنتِقامي لا أَباً لَهُمُ / بِحَيثُ لَيسَ لَهُم مِن سَطوَتي وَزَرُ
إِنّي اِمرُؤٌ إِن كَشَرتُ النابَ عَن غَضَبٍ / لا الخَطُّ يَمنَعُ مِن بَأسي وَلا هَجَرُ
فَلا يَغُرَّنَّهُم حِلمٌ عُرِفتُ بِهِ / قَد تَخرُجُ النارُ فيما يُقرَعُ الحَجَرُ
إِن تَعمَ عَن رُشدِها قَومي فَلا عَجَبٌ / مِن قَبلِها عَمِيت عَن رُشدِها مُضَرُ
مالُوا عَن المُصطَفى وَالوَحيُ بَينَهُمُ / وَفيهمُ تَنزِلُ الآياتُ وَالسُوَرُ
وَقابَلوهُ بِكُفرانٍ لِنِعمَتِهِ / وَكانَ خَيراً مِنَ الكُفرَانِ لَو شَكَرُوا
فَإِن تَغاضيتُ عَن قَومي فَعَن كَرَمٍ / مِنّي وَما ذَنبُ كُلِّ الناسِ يُغتَفَرُ
وَإِنَّ قَومي لِتُؤذيني أَذاتُهُمُ / أَلامَ في ذَلِكَ اللُوّامُ أَم عَذَروا
لا عَيبَ فيهِم سِوى أَنّي شَقيتُ بِهم / وَالذَنبُ لِلحَظِّ وَالخُسران ما خَسِرُوا
وَلَو أَشاءُ لَما ضاقَت مَذاهِبُها / عَنّي وَلا كانَ لِي الإِيرادُ وَالصَدَرُ
وَكُلُّ ذي خَطَرٍ في الناسِ مُحتَقَرٌ / عِندي إِذا لَم يَكُن لِي عِندَهُ خَطَرُ
فَليخشَ بَأسِيَ مَن طالَت حَماقَتُهُ / وَرُبَّ عاجِلِ شَرٍّ قادَهُ أَشَرُ
حَسبي مِن المُكذِبي الآمالَ لَو بَلَغَت / مِنّي اللّيالي وَفي التَجريبِ مُزدَجَرُ
قَومٌ كَأَنَّهُمُ الدّفلى يَبينُ لَها / نورٌ يَرُوقُكَ مَرآهُ وَلا ثَمَرُ
يا شِبهَ بَردِيَّةٍ في الماءِ منبِتُها / وَلا نَداوَةَ فيها حينَ تُعتَصَرُ
لا تُلزِمونيَ ذَنباً في رِحابِكُمُ / فَلَستُ أَوَّلَ سارٍ غَرَّهُ قَمَرُ
ما كُنتُ أَحسبكُم كَالجوزِ لَيسَ يُرى / فيهِ السَماحَةُ إِلّا حينَ يَنكَسِرُ
لَقَد نَأَيتُ فَلَم آسَف لِفَقدِكُمُ / وَلا تَداخَلَني مِن نَأيِكُم ضَجَرُ
وَاللَهِ ما طالَ لَيلي وَحشَةً لَكُمُ / وَلا عَرانِيَ مِن وَجدٍ بِكُم سَهَرُ
وَإِنَّني لَقَريرُ العَينِ مُذ شَحَطَت / بِيَ النَوى عَنكُمُ وَاِخرَوَّطَ السَفَرُ
كَم أَشرَبُ الغَيظَ صِرفاً مِن أَكُفِّكُمُ / وَلا يُرَجّى لِشَرٍّ مِنكُمُ غِيَرُ
لا حِلمَ يَردَعُكُم عَمّا أُساءُ بِهِ / وَلا أُطيعُ بِكُم جَهلي فَأَنتَصِرُ
فَجَنِّبوني أَذاكُم قَبلَ آبِدَةٍ / تَأتي غِشاشاً فَلا تُبقي وَلا تَذَرُ
وَاِستَعصِمُوا بِرِضائي وَاِحذَرُوا سَخَطي / فَجَرحُ مِثلي في أَمثالِكُم هَدَرُ
أَنا الَّذي يَرهَبُ الجَبّارُ سَطوَتَهُ / وَبي يُقَوَّمُ مَن في خَدِّهِ صَعَرُ
أُنمى إِلى الذّروَةِ العُليا وَتُنجِبُني / أَماجِدٌ لَيسَ في عِيدانِها خَوَرُ
سُمحٌ بَهاليلُ عَيّافُو الخَنا صُبُرٌ / يَومَ الكَريهَةِ طَلّابُونَ إِن وُتِرُوا
غُرٌّ مَغاويرُ أَنجادٌ خَضارِمَةٌ / بِمثلِهِم تحسُنُ الأَخبارُ وَالسِيَرُ
لا يُسلِمونَ لِرَيبِ الدَهرِ جارَهُمُ / يَوماً ولا رِفدُ راجي رِفدِهِم غُمَرُ
كَم نِعمَةٍ لَهُم لا يُستَقَلُّ بِها / لا مَنُّ يَتبَعُها مِنهُم وَلا كَدَرُ
لا يَجبُرُ الدَهرُ هَيضاً في كَسيرِهِمُ / وَلا تَهيضُ يَدُ الأَيّامِ ما جَبَرُوا
جِبالُ عِزٍّ مَنيفاتٌ بِحارُ نَدىً / قَلَهذَماتٌ لُيُوثٌ سادَةٌ غُرَرُ
لا يُنكِرُ الناسُ نعماهُم وَأَنَّهُمُ / أَهلُ العَلاءِ وَأَهلُ الفَخرِ إِن فَخَرُوا
أَتعَبتَ سَمعي بِطولِ اللَومِ فَاِقتَصِرِ
أَتعَبتَ سَمعي بِطولِ اللَومِ فَاِقتَصِرِ / ماذا أَهَمَّكَ مِن نَومي وَمِن سَهَرِي
عَدِمتَ رُشدَكَ كَم نَومٍ عَلى ضَمَدٍ / قُل لي أَمِن حَجَرٍ صُوِّرتَ أَم بَشَرِ
يا جاثِماً لِسِهامِ الذُلِّ تَرشُقُهُ / ما أَنتَ إِلّا قَتيلُ العَجزِ وَالخَورِ
ثِب قائِماً وَاِركَبِ الأَخطارَ مُقتَحِماً / فَإِنَّما يَركَبُ الأَخطارَ ذُو الخَطَرِ
وَلا تَكُن مِثلَ ما قَد قالَ بَعضُهُمُ / غَيمٌ حَمى الشَمسَ لَم يُمطِر وَلَم يسِرِ
أَفي القَضِيَّةِ أَن أَبقى كَذا تَبَعاً / وَالقَومُ قَومي وَأَربابُ العُلى نَفَري
كَم ذا اِنتِظاريَ وَالأَنفاسُ في صَعَدٍ / وَالظُلمُ في مَدَدٍ وَالعُمرُ في قِصَرِ
عَلى حُسامي وَعَزمي لا عَدِمتُهُما / وِردي وَلَكِن عَلى رَبِّ العُلى صَدَري
وَكَيفَ أَرهَبُ مَوتاً أَو أَخافُ رَدىً / وَحامِلُ المَيتِ مَحمولٌ عَلى الأَثَرِ
وَلَستُ مِمَّن إِذا نابَتهُ نائِبَةٌ / أَحالَ عَجزاً وَإِشفاقاً عَلى القَدَرِ
يا ضَيعَةُ العُمرِ في قَومٍ تَخالُهُمُ / ناساً وَلا غَيرَ أَثوابٍ عَلى صُوَرِ
لَو أَنَّ ذا الحِلمِ قَيساً حَلَّ بَينَهُمُ / لَوَدَّ مِنهُم ذَهابَ السَمعِ وَالبَصَرِ
وَلَو يُعَمِّرُ نُوحٌ فيهمُ سَنَةً / لَقالَ يا رَبِّ هَذا غايَةُ العُمُرِ
فَآهِ مِنّي بِحَجّاجٍ يزُولُ بِهِ / ما كانَ مِن عُجَرٍ عِندي وَمِن بُجَرِ
أَدنِ النَجيبَةِ لِلتِرحالِ واِرخِ لَها / زِمامَها وَاِخلط الرَوحاتِ بِالبُكَرِ
وَخَطِّها الخَطَّ إِرقالاً وَأَولِ قِلىً / أَوالَ لا نادِماً وَاِهجُر قُرى هَجَرِ
أَماكِناً لَعِبَت أَهلُ الفَسادِ بِها / فَدَمَّرُوها بِلا فِكرٍ وَلا نَظَرِ
لَم يَبقَ في خَيرِها فَضلٌ وَلا سَعَةٌ / عَنِ العَدُوِّ لذي نَفعٍ وَلا ضَرَرِ
أَما وَلَولا اِبن عَبدِ اللَهِ لا كَذِبا / لاِستُهلِكَت بَينَ نابِ الشَرِّ وَالظَفُرِ
لَولا الهُمامُ اِبنُ عَبدِ اللَهِ لاِنقَلَبَت / حَصّاءَ نابٍ بِلا هُلبٍ وَلا وَبَرِ
لَكِنَّهُ لَم يَزَل يَجلو بِهِمَّتِهِ / عَنها غَياهِبَ مِن ذُلٍّ وَمِن قَتَرِ
كَم نارِ شَرٍّ عَلَت فيها فَأَخمَدَها / مِن بِعدِ أَن عَمَّتِ الآفاقَ بِالشَرَرِ
وَكَم أَخي ثَروَةٍ أَودى بِثَروَتِهِ / تَحامُلٌ مِن صُروفِ الدَهرِ وَالغِيَرِ
أَهدى إِلَيهِ الغِنى مِن غَيرِ مَسأَلَةٍ / كَذا يَكونُ فِعالُ السادَةِ الغُرَرِ
وَكَم مِن مَضيمٍ تَمَنّى مِن مَضامَتِهِ / مَوتاً يُؤَدّي إِلى الفِردَوسِ أَو سَقَرِ
أَغاثَهُ وَأَزالَ الضَيمَ عَنهُ فَما / يَخشى سِوى اللَه في بَدوٍ وَلا حَضَرِ
فَحَبَّبَ العَيشَ وَالدُنيا إِلَيهِ وَقَد / تَحلو الحَياةُ لِفَقدِ الخَوفِ وَالضَرَرِ
وَكَم غَشومٍ شَديدِ البَطشِ ذي جَنَفٍ / بِالكِبرِ مُشتَمِلٍ بِالتِّيهِ مُؤتَزِرِ
لا يَذكُرُ اللَهَ إِلّا عِندَ رابِيَةٍ / يَرقى وَعِندَ اِرتِجاسِ الرَعدِ وَالمَطَرِ
يَلقى الرِياحَ إِذا هَبَّت بِساحَتِهِ / مُجَرَّدَ السَيفِ مِن جَهلٍ وَمِن أَشَرِ
يَتلوهُ كُلُّ غَوِيٍّ حينَ تَندُبُهُ / أَجرى مِنَ السَيلِ بَل أَشرى مِنَ النَفَرِ
لا يَعرِفُ المَنعَ في شَيءٍ يُحاوِلُهُ / وَلا يُراجِعُ في عُرفٍ وَلا نُكرِ
قَد عَوَّدَتهُ ذوُو الأَمرِ النُزولَ عَلى / ما شاءَ عادَةَ مَقهورٍ لِمُقتَهِرِ
أَرادَ مِنهُ الَّذي قَد كانَ يَعهَدُهُ / مِنهُم فَصادَفَ أَلوى طامِحَ البَصَرِ
مُماحِكاً لِلعِدى عَقّادَ أَلوِيَةٍ / أَقضي وأَمضي مِنَ الصَمصامَةِ الذَكَرِ
فَعافَ مَن كانَ منَّتهُ مَطامِعُهُ / وَاِنقادَ بَعدَ طُموحِ الرَأسِ وَالصَعَرِ
لَو غَيرُهُ وُلِّيَ البَحرَينِ لاِنتُهِكَت / وَخبِّرَ القَومُ عَنها أَسوَأَ الخَبَرِ
فَقَد تَوَلَّت رِجالٌ أَمرَها وَسَعَت / فيها فَلَم تُبقِ مِن شَيءٍ وَلَم تَذَرِ
وَأَيُّ سائِسِ مُلكٍ وَاِبنُ سائِسَةٍ / وَأَيُّ عُدَّةِ أَملاكٍ وَمُدَّخَرِ
أَغَرُّ ينمِيهِ مِن شَيبانَ كُلُّ فَتىً / حامي الذِمارِ جَوادٍ ماجِدٍ زَمِرِ
سَمحٍ يَعُدُّ وَفُورَ المالِ مَنقَصَةً / عِندَ الكِرامِ إِذا ما العِرضُ لَم يَفِرِ
لَو لَم يَكُن لِبَني شَيبانَ مَنقَبَةٌ / إِلّا أَبوهُ لَطالَت كُلَّ مُفتَخِرِ
وَلَم يَمُت مَن صَفِيُّ الدِينِ وارِثهُ / إِنَّ الغُصونَ لَقَد تُنمى عَلى الشَجَرِ
جُودُ الأَكارِمِ إِخبارٌ وَجُودُهُما / شَيءٌ تَراهُ وَلَيسَ الخُبرُ كَالخَبَرِ
يَفديكَ يا ذا العلى وَالمَجدِ كُلُّ عَمٍ / عَنِ المَكارِمِ بادي العِيِّ والحَصَرِ
إِذا يُلِمُّ بِهِ خَطبٌ ذكَرتَ بِهِ / تِلكَ النَعامَةَ لَم تَحمِل وَلَم تَطِرِ
فإِنَّهُ وَالَّذي تَعنُو الوُجُوهُ لَهُ / لَولاكَ لَم يَبقَ لِلعَلياءِ مِن وَزَرِ
قالوا نُهَنِّيكَ بِالعيدِ الكَبيرِ فَقَد / وافى وَتَركُ الهَنا مِن أَعظَم الكبَرِ
وَهَل تهَنّا بِعيدٍ أَنتَ بَهجَتُهُ / لَولاكَ لَم يَحلُ في سَمعٍ وَلا بَصَرِ
بَقيتَ ظِلّاً عَلى كُلِّ الأَنامِ وَلا / زِلتَ المَؤَيَّدَ بِالإِقبالِ وَالظَفَرِ
وَلا خَلَت مِنكَ دُنيا أَنتَ زَهرَتُها / حَتّى يُقارَن بَينَ الشَمسِ وَالقَمَرِ
يابا شُجاعٍ رَعاكَ اللَهُ مِن مَلِكٍ
يابا شُجاعٍ رَعاكَ اللَهُ مِن مَلِكٍ / لَولاكَ ما كانَ هَذا الناسُ بِالناسِ
وَجادَ كُلَّ بِلادٍ أَنتَ ساكِنُها / تَهتانُ كُلِّ مُلثِّ الوَدقِ رَجّاسِ
أَحيَيتُ حِلمَ ابنِ قَيسٍ في سِيادَتِهِ / لَكِن قَرَنتَ بِهِ إِقدامَ جَسّاسِ
وَعَدلَ كِسرى وَإِفضالَ اِبنِ حارِثَةٍ / أَوسٍ وَعِلمَ الفَتى الحَبر اِبنِ عَبّاسِ
أَشكو إِلَيكَ جَوىً مِن بَعدِ قُربِ نَوىً / وَوَحشَةً عَرَضَت مِن بَعدِ إِيناسِ
أَعاذَكَ اللَهُ مِن وَجدي وَمِن قَلِقي / وَمِن غَرامي وَمِن هَمّي وَوِسواسي
أَلِيَّةً ما يَخافُ الحنثَ مُقسِمُها / بِالصَفوَةِ المُجتَبى مِن ضِئضِئِ الياسِ
ما حالَ وُدُّكَ مِن قَلبي وَلا صَعَدَت / شَوقاً إِلى مَلِكٍ إِلّاكَ أَنفاسي
وَإِنَّني بِأَيادٍ مِنكَ سالِفَةٍ / مُثنٍ فَلا المُتناسيها وَلا الناسي
وَلامَني فيكَ أَقوامٌ فَقُلتُ لَهُم / عَنّي إِلَيكُم فَما في الحَقِّ مِن باسِ
لَئِن كَسوتُكُمُ ظُلماً مَحاسِنَهُ / إِنّي لِبالدُّسمِ مِن أَثوابِكُم كاسِ
ثُمَّ اِندَفَعتُ خِلالَ القَومِ أُسمِعُهُم / بَيتَ الحُطَيئَةِ إِذ أَشفى عَلى ياسِ
لَقَد مرَيتُكُمُ لَو أَنَّ دِرَّتَكُم / يَوماً يَجِيءُ بِها مَسحي وَإِبساسي
خَلّوا الثَناءَ لِمَن لَيسَت مَذاهِبه / تِلثامَ كاسٍ وَلا تجماعَ أَكياسِ
إِن كُنتُ كَلَّفتُكُم إِدراكَ غايَتِهِ / إِنّي لأَعنَتُ حُكماً مِن أَخي شاسِ
فَاِرضُوا عَدُوَّكُم ما اِستَطَعتُمُ وَخُذُوا / في قَلفِ لَوحٍ وَفي تَعبيرِ فِنطاسِ
يَفديكَ يا شَمسَ دينِ اللَهِ كُلُّ عَمٍ / عَنِ المَكارِمِ لِلسَوآتِ لَبّاسِ
أَما تَرى القَمَرَ المَنحوسَ طَلعَتُهُ / وَما أَتى غَيرَ ما ساهٍ وَلا ناسِ
لَقَد تَعَمَّدَ أَمراً لا تَهِمُّ بِهِ / آسادُ ترجٍ وَلا ذُؤبانُ أَوطاسِ
فَأمُر بِهِ ذَنَبَ التَنِّينِ يَخسِفُهُ / حَتّى يَصيرَ كَقُرصِ الآرزِ الخاسي
ما راقَبَ اللَهَ في حُجّاجِ كَعبَتِهِ / بَل قامَ يَضرِبُ أَخماساً لِأَسداسِ
وَلا اِتَّقى بَأسَ قُرمٍ لا عِرانَ بِهِ / إِذ لَم يَزَل لِفُحولِ الشُولِ عَرّاسِ
قَد فاتَ في مُكرِهِ الأَسوا وَحيلَتِهِ / وَظُلمِهِ كُلَّ نَخّاسٍ وَمَكّاسِ
أَحيَى أَباهُ لَعَمرِي وَالبُيوتَ عَلى / قَواعِدٍ بُنِيَت قِدماً وَأَسّاسِ
لامَ الدُيَيثِيَّ قَومٌ في خَساسَتِهِ / هاتُوا الدُيَيثي عَلى العَينَينِ وَالرَاسِ
فَيا أَمينَ أَمينِ اللَهِ أَبقِ بِهِ / جرحاً مَدى الدَهرِ لا يَلقى لهُ آسِ
وَعِش عَزيزاً حَميدَ الجارِ ما وَخَدَت / عِيسٌ بِمَجهولَةِ الأَرجاءِ مِيعاسِ
إِلام أُورِدُ عُتباً غَيرَ مُستَمَعِ
إِلام أُورِدُ عُتباً غَيرَ مُستَمَعِ / وَأُنفِقُ العُمرَ بَينَ اليَأسِ وَالطَمَعِ
وَكَم أُحيلَ عَلى الأَيّامِ مُفتَرِياً / ما تُحدِثُ البدعُ النَوكَى مِن البِدَعِ
آلَيتُ أَنفَكُّ مِن حِلٍّ وَمُرتَحَلٍ / أَو أَن تَقولَ لِيَ الآمالُ خُذ وَدَعِ
لا صاحَبَتنِيَ نَفسٌ لا تُبَلِّغُني / مَراتِبَ العِزِّ لَو في ناظِرِ السَبُعِ
سَيَصحَبُ الدَهرَ مِنّي ماجِدٌ نَجِدٌ / لَو داسَ عِرنِينَ أَنفِ المَوتِ لَم يُرَعِ
أَأَقبَلُ النَقصَ وَالآباءُ مُنجِبَةٌ / وَالبَيتُ في المَجدِ ذُو مَرأىً وَمُستَمَعِ
لَأَركَبَنَّ مِنَ الأَهوالِ أَعظَمَها / هَولاً وَما يَحفَظُ الرَّحمنُ لَم يُضَعِ
وَلا أَكونُ كَمَن يَسعى وَغايَتُهُ / وَمُنتَهى سَعيِهِ لِلرِّيِّ وَالشِبَعِ
أَيذهَبُ العُمرُ لا يَخشى مُعانَدَتي / خَصمي وَجاري بِقُربي غَيرُ مُنتَفِعِ
وَبَينَ جَنبَيَّ عَزمٌ يَقتَضي هِمَماً / لَو ضَمَّها صَدرُ هَذا الدَهرِ لَم يَسَعِ
فَلا رَعى اللَهُ أَرضاً لا أَكونُ بِها / سُمّاً لِمُستَنكِفٍ غَيثاً لِمُنتَجِعِ
كَم عايَنَ الدَهرُ مِنّي صَبرَ مُكتَهِلٍ / إِذ لَيسَ يُوجَدُ صَبرُ العودِ في الجَذَعِ
وَكَم سَقاني مِن كَأسٍ عَلى ظَمَأٍ / أَمَرَّ في الطَعمِ مِن صابٍ وَمِن سَلَعِ
وَما رَمَتني بَكرٌ مِن نَوائِبهِ / إَلّا صَكَكتُ بِصَبري هامَةَ الجَزَعِ
سَلِ الأَخِلّاءِ عَنّي هَل صَحِبتُهُمُ / يَوماً مِنَ الدَهرِ إِلّا وَالوَفاءُ مَعي
أَلقى مُسيئَهُمُ بِالبِشرِ مُبتَسِماً / حَتّى كَأَن لَم يَخُن عَهداً وَلَم يُضِعِ
وَسَلهُمُ هَل وَفى لي مِن ثِقاتِهمُ / حُرٌّ وَلَم يَشرِ في نَقضي وَلَم يَبِعِ
ثَكِلتُهُم ثُكلَ عَينٍ ما تَبَطَّنَها / مِنَ القَذى أَو كَثُكلِ العُضوِ لِلوَجَعِ
لَقَد تَفَكَّرتُ في شَأني وَشَأنِهمُ / فَبانَ لي أَنَّ ذَنبي عِندَهُم وَرَعي
فآهِ مِن زَفَراتٍ كُلَّما صَعَدَت / في الصَدرِ كادَت تُوَرّي النار مِن ضِلعي
يَسُوقُها أَسَفٌ قَد ثارَ مِن نَدَمٍ / يُربي عَلى نَدَمِ المَغبُونِ مِن كُسَعِ
وَلَيسَ ذاكَ عَلى مالٍ نَعِمتُ بِهِ / حِيناً وَأَفناهُ صَرفُ الأَزلَمِ الجَذِعِ
وَلا عَلى زَلَّةٍ أَخشى عَواقِبَها / وَالناسُ حِزبانِ ذُو أَمنٍ وَذُو فَزَعِ
لَكِن عَلى دُرَرٍ تَزهُو جَواهِرُها / في عِقدِ كُلِّ نِظامٍ غَيرِ مُنقَطِعِ
تَوَّجتُها مَعشَراً لا أَبتَغي عِوَضاً / عَنها وَإِنّيَ في قَومي لَذُو قَنَعِ
وَكُنتُ أَولى بِها مِنهُم وَكَم مِنَنٍ / ضاعَت وَما فائِتٌ يَمضي بِمُرتَجَعِ
وغَرَّني مِنهُمُ لَفظٌ خُدِعتُ بِهِ / وَالناسُ ما بَينَ مَخدوعٍ وَمُختَدِعِ
فَلو تَكونُ إِلى الأَصدافِ نِسبَتُها / لَكانَ لِي كَرَمٌ يَنهى عَن الهَلَعِ
لَكِنَّها الجَوهَرُ الطَبعِيُّ قَد أَمِنَت / مِنَ التَشَظّي مَدى الأَيّامِ وَالطَبَعِ
ليُبعِدَنِّيَ عَنهُم شَدُّ ناجِيَةٍ / وَجناءَ غُفلٍ مِن التَوقِيعِ وَالوَقَعِ
أَو ذاتُ قِلعٍ مِنَ العَيناءِ ما عُرِفَت / في زَجرِها بخَلٍ يَوماً وَلا هِدَعِ
وَلا رَغَت عِندَ حَملِ الثِقلِ مِن ضَجَرٍ / وَلا إلى هُبَعٍ حَنَّت وَلا رُبَعِ
تَجري مَعَ الريحِ إِن هَوناً وَإِن مَرَحاً / فَنِعمَ مُطلِعَةٌ مِن هَولِ مُطَّلِعِ
فَتِلكَ أَو هَذِهِ أَجلو الهُمومَ بِها / إِذا تَطاوَلَ لَيلُ العاجِزِ الضَرِعِ
يَأبى لِيَ المَجدُ أَن أَرضى بِغَيرِ رِضاً / وَرَأيِ ماضٍ وَعَزمٍ غَيرِ مُفتَرِعِ
ما أَقبَحَ الذُلَّ بِالحُرِّ الكَريمِ وَما / أَسوا وَأَقبَحَ مِنهُ العِزُّ بِاللُكَعِ
ما لي أُجمجِمُ في صَدري بَلابِلَهُ / وَمَنكِبُ الأَرضِ ذو مَنأىً وَمُتَّسَعِ
وَكُلُّ أَرضٍ إِذا يَمَّمتُها وَطني / وَكُلُّ قَومٍ إِذا صاحَبتهُم شِيَعي
وَلي مِنَ الفَضلِ أَسنَاهُ وَأَشرَفَهُ / وَهِمَّةٌ جاوَزَت بي كُلَّ مُرتَفِعِ
المَجدُ أَعتَقُ وَالآدابُ بارِعَةٌ / وَذِروَةُ المَجدِ مُصطافي وَمُرتَبَعي
لِيَ النَّباهَةُ طَبعٌ قَد عُرِفتُ بِهِ / وَكُلُّ مَعنىً مِنَ الأِلفاظِ مُختَرَعي
فَيَأسكُم مِن رُجُوعِي بَعدَ مُنصَرَفي / نِطافُ دِجلَةَ تُغنِيني عَنِ الجُرَعِ
سَيَعرِفُ الخاسِرُ المَغبُونُ صَفقَتَهُ / مِنّا وَمَن ضَيّعَ البازِيَّ بِالوَصَعِ
لا خَيرَ في مَنزِلٍ تَشقى الكِرامُ بِهِ / وَيُلحَقُ السَيِّدُ المَتبُوعُ بِالتَبَعِ
كَم لُمتُ قَومي لا بَل كَم أَمَرتُهُمُ / بِحَسمِ داءِ العِدا فيهِم فَلَم أُطَعِ
فَلَم أَجِد بَعدَ يَأسي غَيرَ مُرتَحَلي / عَنهُم لِهَمٍّ أسَلِّيهِ وَمُتَّدَعِ
فَإِن يُرِيعُوا أَرِع وَالعَقلُ مُكتَسَبٌ / وَالرَيعُ خَيرٌ وَمَن لِلعُميِ بِالرَسَعِ
بُنَيَّ مُذ غِبتَ عَن عَينَيَّ ما عَرَفَت
بُنَيَّ مُذ غِبتَ عَن عَينَيَّ ما عَرَفَت / غمضاً وَلا بِتُّ إِلّا ساهِراً دَنِفا
وَلا سَمِعتُ بِشَخصٍ آبَ مِن سَفَرٍ / إِلّا حَنَنتُ وَأَعلَنتُ البُكا أَسَفا
قَضى أَخُوكَ حُسَينٌ نَحبَهُ وَمَضى / وَهَل سِواكَ تراهُ مِنهُ لِي خَلَفا
فَما مَرَرتُ بِقَبرٍ مُذ فُجِعتُ بِهِ / إِلّا وَصِحتُ بِأَعلى الصَوتِ وَا لَهَفا
فَاِرحَم أَباكَ فَلو أَبصَرتَ عَبرَتَهُ / وَكُلَّما كَفَّ مِن شأَنٍ لَها وَكَفا
قَد أَقرَحَ الدَمعُ عَينَيهِ وَقَد وَهَنَت / مِنهُ العِظامُ وَأَضحى الجِسمُ قَد نَحُفا
شَيخٌ أَنافَ عَلى السَبعينَ حَلَّ بِهِ / ثُكلٌ وَشَوقٌ فَإِن داما فَوَا تَلَفا
إِن لَم يَمُت خافَ أَن يَعمى وَمَن عَمِيَت / عَيناهُ ماتَ وَإِن لَم يَسكُنِ الجَدَفا
بُنَيَّ ما أَنتَ مِن أَهلِ العُقوقِ وَلا / عَوَّدتَني مِنكَ إِلّا البِرَّ وَاللُطَفا
فَرِقَّ لِي وَاِرث مِن هَمٍّ أُكابِدُهُ / شَوقاً إِلَيكَ وَحُزناً لِلّذي سَلَفا
وَاِدفَع بِلُقياكَ عَنّي وَحشَةً وَأَسىً / عَلى إِذابَةِ جِسمٍ بالضَنى اِختلَفَا
وَكُن جَوابَ كِتابي حينَ تَنشُرُهُ / وَأمُر بِشِدٍّ وَلَمّا تَبلُغِ الطَرَفا
وَلا تَكَلَّف لِرِزقٍ غُربَةً وَشَقا / الرِّزقُ آتٍ فَلا تَحمِل لَهُ كَلَفا
أُمَيمُ لا تُنكِري حِلّي وَمُرتَحَلي
أُمَيمُ لا تُنكِري حِلّي وَمُرتَحَلي / إِنَّ الفَتى لَم يَزَل كَلّاً عَلى الإِبِلِ
وَسائِلي وارِدَ الرُكبانِ عَن خَبَري / يُنبيكِ أَنّيَ عَينُ الماجِدِ البَطَلِ
لا أَشرَبُ الماءَ ما لَم يَصفُ مَورِدُهُ / وَلا أَقولُ لِمُعوَجِّ الوِصالِ صِلِ
تُكَلِّفِيني مُقاماً بَينَ أَظهُرِكُم / وَلَيسَ يَبدُو فِرِندُ السَيفِ في الخِلَلِ
ما دامَتِ البيضُ في الأَجفانِ مُغمَدَةً / فَما يَبينُ لَها في الهامِ مِن عَمَلِ
وَفي التَنَقُّلِ عِزٌّ لِلفَتى وَعُلاً / لَم يَكمُلِ البَدرُ لَولا كَثرَةُ النَقلِ
وَالمَندَلُ الرَطبُ في أَوطانِهِ حَطَبٌ / وَقَد يُقوَّمُ في الأَسفارِ بِالجُملِ
داوَيتُكُم جاهِداً لَو أَنَّ داءَكُمُ / مِمّا يُداوى بِغَيرِ البيضِ وَالأَسَلِ
وَكُلَّما زادَ نُصحي زادَ غَيُّكُمُ / لا بارَكَ اللَهُ في وُدٍّ عَلى دَخَلِ
أَسَأتمُ وَظَنَنتُم لا أَباً لَكُمُ / أَن لا أُحِسَّ بِطَعمِ الصابِ في العَسَلِ
إِن أَترُكِ العَودَ في أَمرِ اِغتِنائِكُمُ / فَنَهلَةُ الطَرفِ مَجزاةٌ عَنِ العَلَلِ
كَم قَد غَرَستُ مِنَ الإحسانِ عِندَكُمُ / لَو يُثمِرُ الغَرسُ في صَفواءَ مِن جَبَلِ
لا تَحسَبُوا أَنَّ بُعدَ الدارِ أَوحَشَني / البُعدَ آنَسُ مِن قُربٍ عَلى دَغَلِ
لَقَد تَبَدَّلتُ مِنكُم خَيرَ ما بَدَلٍ / فَاِستَبدِلُوا الآنَ مِنّي شَرَّ ما بَدَلِ
شَرُّ الأَخِلّاءِ مَن تَسري عَقارِبُهُ / لا خَيرَ في آدِمٍ يُطوى عَلى نَغلِ
لا تَنقِمُونَ عَلى مَن لا يَبيتُ لَكُم / مِنهُ سَوامٌ وَلا عِرضٌ عَلى وَجَلِ
يُزانُ ناديكُمُ يَومَ الخِصامِ بِهِ / كَما تُزانُ بُيُوتُ الشِعرِ بِالمَثَلِ
إِذا خَطِيبُكُم أَكدَت بَلاغَتُهُ / أَجابَ عَنهُ فَلَم يُقصِر وَلَم يُطِلِ
أَثرى زَماناً فَلَم يَذمُمهُ سائِلُهُ / وَقَلَّ مالاً فَلَم يَضرَع وَلَم يَسَلِ
يَكسُوكُمُ كُلَّ يَومٍ مِن مَحاسِنِهِ / وَمَجدِهِ حُلَلاً أَبهى مِنَ الحُلَلِ
وَلَم يَزَل هَمُّهُ تَشييدَ مَجدِكُمُ / يَوَدُّ لَو أَنَّهُ أَوفى عَلى زُحَلِ
يُهينُ في وُدِّكُم مَن لا يَوَدُّ لَهُ / هُوناً وَيُكرِمُ فيهِ عِلَّةَ العِلَلِ
إِن قُلتُمُ الخَيرَ يَوماً قالَ مُبتَجِحاً / عَنكُم وَإِن قُلتُمُ العَوراءَ لَم يَقُلِ
ما ضَرَّكُم لَو وَفَيتُم فَالكَريمُ إِذا / حالَ اللَئيمُ وَفى طَبعاً وَلَم يَحلِ
أَلَستُ أَوفاكُمُ عَهداً وَأَحلَمُكُم / عَقداً وَأَقوَمُكُم بِالفَرضِ وَالنَفَلِ
أَلَيسَ بَيتُكُم في العِزِّ مَركَزُهُ / بَيتي فَما كانَ مِن فَخرٍ فَمِن قبلي
أَلَستُ أَطوَلَكُم في كُلِّ مَكرُمَةٍ / باعاً وَأَحملَكُم لِلحادِثِ الجَلَلِ
كَم يَنفُقُ الغِشُّ فِيكُم وَالنِفاقُ وَكَم / لا تَرغَبُونَ إِلى نُصحٍ ولا عَذَلِ
إِن يُمسِ مَقتُكُمُ حَظّي فَحُقَّ لَكُم / الوَردُ مِن قُربِهِ يُغمى عَلى الجُعَلِ
وَإِن عَكَفتُم عَلى من لا خَلاقَ لَهُ / دُوني فَقَد عَكَفَت قَومٌ عَلى هُبَلِ
أَمَّلتُ دَفعَ مُلِمّاتِ الخُطوبِ بِكُم / فَآهِ واشَقوتا مِن خَيبَةِ الأَمَلِ
وَكُنتُ أَحسَبُكُم مِمَّن تَقرُّ بِهِ / عَيني فَأَلفَيتُكم مِن سُخنَةِ المُقَلِ
إِن يَخفَ ما بَينَكم فَضلي فَلا عَجَبٌ / لا يَستَطيعُ شُعاعَ الشَمسِ ذُو السَبَلِ
يا لَيتَ شِعريَ وَالأَنباءُ ما بَرِحَت / تُسايِرُ الريحَ بِالأَسحارِ وَالأُصُلِ
هَل جاءَ قَومي وَأَخداني الَّذينَ هُمُ / إِن أُرمَ مِن قِبَلِ الرامينَ لا قِبلي
بِأَنَّني لَم أَرِد وِرداً أُعابُ بِهِ / وَلَم أَقِف ذاتَ يَومٍ مَوقِفَ الخَجَلِ
كَسَوتُ قَومِيَ وَالبَحرَين ثَوبَ عُلاً / يَبقى جَديداً بَقاءَ الحُوتِ وَالحَملِ
لَقَد تَقَدَّمتُ سَبقاً مَن تَقَدَّمَني / سِنّاً وَأَدرَكَ شَأوي فارِطَ الأوَلِ
بِذاكَ قُدوَةُ أَهلِ العِلمِ قاطِبَةً / أَبو البَقاءِ مُحِبُّ الدَينِ يَشهَدُ لي
هُوَ الإِمامُ الَّذي كُلٌّ لَهُ تَبَعٌ / مِن كُلِّ حافٍ عَلى الدُنيا وَمُنتَعِلِ
فَما الخَليلُ لَهُ مِثلٌ يُقاسُ بِهِ / وَهَل يُقايَسُ بَينَ البَحرِ والوَشَلِ
وَبَعضِ غُلمانِهِ يَكفي فَكَيفَ بِهِ / مُهَذَّباً لَم يَحِف جَوراً وَلَم يَمِلِ
وَلَم يَقُل وَحدَهُ ما قالَ بَل شَهدَت / بِهِ الأَفاضِلُ مِن بَغدادَ عَن كَمَلِ
وَلَيسَ في الشِعرِ مِن فَضلٍ يَطُولُ بِهِ / مِثلي وَلَو فاقَ أَعلى سَبعِها الطُوَلِ
بَل فَضلُ مِثلِيَ أَن يَسمُو بِهِمَّتِهِ / عَن مَدحِ فَدمٍ عَن العَلياءِ في شُغُلِ
يا ساهِرَ الطَرفِ مِن خَوفٍ وَمِن وَجَلِ
يا ساهِرَ الطَرفِ مِن خَوفٍ وَمِن وَجَلِ / نَم في جِوارِ الهُمامِ السَيِّدِ البَطَلِ
وَلا تَرُعكَ خَيالاتٌ تَمُرُّ بِها / كانَت تَرُوعُكَ في أَيّامِكَ الأُولِ
فَقَد كَفاكَ مُقاساةَ الأَذى مَلكٌ / مُتَوَّجٌ بَينَ فَضلِ ذِي النَدى وَعَلي
وَيا أَخا المالِ لا تَوجَل وَباهِ بِهِ / في الناسِ وَاِقطَع عُرى مَن شِئتَ أَو فَصلِ
فَقد تَرى دَولَةَ الساداتِ قَد خَفَقَت / أَعلامُها وَتَوَلَّت دَولَةُ الخوَلِ
وَاِبعَث إِلى المُدنِ بِالبُشرى مُخَبِّرَةً / بِمُلكِ أَروَعَ لا عِيٍّ وَلا وَكِلِ
كَيما تَعُودَ إِلى الأَوطانِ آيِبَةً / قَومٌ رَأَوا قَبلُ فيها خَيبَةَ الأَمَلِ
جَلاهُمُ الضَيمُ عَنها فَاِغتَدَوا هَرَباً / مِن غَيرِ ما بغضَةٍ مِنهُم وَلا مَلَلِ
في أَرضِ فارِسَ لا يُحصى عَديدُهُمُ / وَفي العِراقَينِ مِلءُ السَهلِ وَالجَبَلِ
مُذَبذَبينَ عَن الأَوطانِ كُلّهمُ / مِن شِدَّةِ الشَوقِ وَالتِذكارِ في شُغُلِ
وَمَن أَقامَ بِها قامَت قِيامَتُهُ / وَعايَنَ النارَ مِن خَلفٍ وَمِن قُبُلِ
وَجاءَهُ كُلَّ يَومٍ مَن يُحاسِبُهُ / مِن غَيرِ فَرضٍ يُؤَدِّيهِ وَلا نَفَلِ
يَبيتُ آمِنُهُم مِمّا يُكابِدُهُ / فَوقَ الحَشِيَّةِ مِثلَ الشارِبِ الثَمِلِ
وَلَيسَ يَأمَنُ إِلّا مَن أُذَمُّ لَهُ / عَبدٌ نَشا مِن نِتاجِ الزِّنجِ كَالعَجَلِ
أَو خَلفُ سُوءٍ مِنَ الأَعرابِ هِمَّتُهُ / ما أَسخَطَ اللَهَ مِن قَولٍ وَمِن عَمَلِ
يا هاجِرَ الدارِ مِن خَوفٍ هَلُمَّ فَقَد / نادى بِكَ الأَمنُ أَن أَقدِم عَلى عَجَلِ
وَلا تَخَف فَالَّذي قَد كُنتَ تَعهَدُهُ / أَزالَهُ سَيِّدُ الأَملاكِ مُنذُ وَلي
أَبُو سِنانٍ حَليفُ المَكرُماتِ وَمَن / أَنافَ سُؤدُدُهُ السامي عَلى زُحَلِ
مُحيي البِلادِ وَقَد أَشفَت عَلى جُرُفٍ / هارٍ وَمانِعُها بِالبيضِ وَالأَسَلِ
وَباعِثُ العَدلِ حَيّاً بَعدَما صَرَخَت / وَأَعلَنَت أُمُّهُ بِالوَيلِ وَالثَكَلِ
لَو عادَ وَالِدُهُ حَيّاً وَخاصَمَهُ / مُستَضعَفٌ لَم يَحِف جَوراً وَلَم يَمِلِ
كَم رَدَّ مَظلَمَةً قَد ماتَ ظالِمُها / وَلَم يُناقِش ذَوي الدَعوى وَلَم يَسَلِ
وَكَم يَدٍ في الأَذى وَالظُلمِ قَد بَسَطَت / كَفّاً فَبَدَّلَها مِن بَعدُ بِالشَلَلِ
هَذا وَكَم عَبدِ سُوءٍ كانَ هِمَّتُهُ / حَملَ النَمائِمِ وَالبُهتانِ وَالنَغَلِ
أَراحَ مِنهُ قُلوبَ المُسلِمينَ وَلَم / يَصحَب وَبَدَّلَهُ نِكلاً مِن النَكَلِ
وَكَم نَدِيِّ ضَلالٍ كانَ ذا لجَبٍ / سَطا فَأَخرَسَهُ عَن قَولِ لا وَهَلِ
أَحمى مِنَ المَرءِ جَسّاسِ بنِ مُرَّة إِذ / أَردى كُلَيباً بِعَزمٍ غَيرِ ذي فَشَلِ
لَم يَقبلِ العارَ في ضَيمِ النَزيلِ وَلَم / يَقنَع بِنَقصٍ وَلا يَحتَجُّ بِالعِلَلِ
أَحنى وَأَعدَلُ مِن كِسرى غَداةَ رَمى / بِالسَهمِ قَلبَ اِبنِهِ في الحَقِّ لَم يُبَلِ
وَلَيسَ يَعدِلُهُ الطائيُّ في كَرَمٍ / يَوماً وَكَيفَ يُقاسُ البَحرُ بِالوَشَلِ
وَأَينَ مِنهُ كُلَيبٌ في النِزالِ إِذا / عَضَّت حُدودُ السُرَيجِيّاتِ بِالقُلَلِ
سَل عَنهُ يَومَ أَغارَت في كَتائِبِها / خَيلُ القَطيفِ مِنَ القَرحا إِلى الجَبَلِ
يَحُثُّها مِن عُقَيلٍ كُلُّ ذي أَشَرٍ / مَولى فَوارِسَ لا ميلٍ وَلا عُزَلِ
أَعطى أَسِنَّتَهُم نَحرَ الجَوادِ وَلَم / يَسمَح لَهُم في مَجالِ الطَعنِ بِالكَفَلِ
حَتّى حَمى خَيلَهُ غَصباً وَساعَدَهُ / قَلبٌ جَرِيءٌ وَرَأيٌ غَيرُ ذي خَطَلِ
ثُمَّ اِنثَنى راجِعاً وَالنَصرُ صاحِبُهُ / يَمشي بِهِ المُهرُ مُختالاً عَلى مَهلِ
كَم مِن أَخي كُربَةٍ أَحيا بِصارِمِهِ / وَكَم أَماتَ بِهِ مِن ثائِرٍ بَطَلِ
وَكَم ظَلامِ وَغَىً جَلّى غَياهِبَهُ / مِن بَعدِ أَن صارَ وَقتُ الظُهرِ كَالطَفَلِ
يا طِيبَ أَيّامِهِ يا حُسنَ دَولَتِهِ / لَقَد أَبَرَّت عَلى الأَيّامِ وَالدُوَلِ
فَلَيتَ أَنّهُما داما وَدامَ وَلَم / يَكُن لَهُم أَبَدَ الأَيّامِ مِن دُولِ
لَولا الرَجاءُ الَّذي كُنّا نُؤَمِّلُهُ / فيها لَمُتنا بِغِلِّ النَفسِ عَن كملِ
لَكِن تحاتي حُشاشاتُ النُفوسِ إِذا / كادَت تَقضّى بِقَولٍ فيهِ مُتَّصِلِ
بِأَنَّهُ الثائِرُ المَنصُورُ يسنِدُهُ / عَن الرُواةِ عَن الأَبدالِ وَالرُسُلِ
بِهِ أَنارَت قُرى البَحرَينِ وَاِبتَهَجَت / بِقاعُها وَتَسَمَّت قُرَّةَ المُقَلِ
وَأَصبَحَت بَعدَ ثَوبِ الذُلِّ قَد لَبِسَت / ثَوباً مِنَ العِزِّ ذا وَشيٍ وَذا خَمَلِ
وَراحَ من حَلّها في رَأسِ شاهِقَةٍ / لَو رامَهَا الأَسوَدُ النَعّابُ لَم يَصِلِ
لَو حَلَّها آدَمٌ مِن بَعدِ جَنَّتِهِ / لَم يَبغ عَنها إِلى الفِردَوسِ مِن حِوَلِ
يا اِبنَ المُلوكِ الأُلى شادُوا مَمالِكَهُم / بِالمَشرَفِيّاتِ لا بِالمَكرِ وَالحِيَلِ
نَماكَ مِن آلِ إِبراهِيمَ كُلُّ فَتىً / مُنَزَّهِ العِرضِ مِن غِشٍّ وَمِن دَغَلِ
قَومٌ هُمُ القَومُ في بَأسٍ وَفي كَرَمٍ / وَفي وَفاءٍ وَفي حِلٍّ وَمُرتَحَلِ
يُمضُونَ في الناسِ ما قَالُوا وَغَيرُهُم / إِن أَنكَرُوا مِنهُ بَعضَ القَولِ لَم يَقُلِ
في كُلِّ حَيٍّ تَرى إِلّا أَقَلَّهُم / بَيتاً وَمَفخَرُ ذاكَ البَيتِ في رَجُلِ
وَأَنتُمُ مَعشَرٌ لَو رامَ طِفلُكُمُ / نَيلَ السَماءِ لَصَكَّ الحوتَ بِالحَملِ
مَن ذا يُعَدُّ كَعَبدِ اللَهِ جَدِّكُمُ / جَدّاً وَيَدعُو فَتىً كَالفَضلِ أَو كَعلي
وَمَن يُسامي أَبا المَنصُورِ وَالِدَكُم / فَخراً وَأَينَ الثَرى مِن مَعقَلِ الوَعلِ
وَمَن كَمِثلِ بَنيهِ يَومَ عادِيَةٍ / يَمشي الكُماةُ إِلَيها مِشيَةَ الوَجَلِ
وَفي أَبي مِسعَرٍ فَخرٌ تُقِرُّ بِهِ / كُلُّ القَبائِلِ مِن حافٍ وَمُنتَعِلِ
وَأَينَ مِثلُ بَني الفَضلِ الَّذينَ إِذا / سُئِلُوا أَنالُوا بِلا مَطلٍ وَلا مَذلِ
وَلَو ذَكَرتُ مُلوكاً مِن أُبُوَّتِكُم / مَضَوا تَرَكتُ مُلوكَ الأَرضِ في خَجَلِ
لَكِن رَأَيتُ اِمتِداحيكُم بِسالفِكُم / في الجاهِلِيَّةِ نَفسُ العيِّ وَالخَطَلِ
لِأَنَّ مَن قَد رَأَينا مِن أَماجِدِكُم / بِبَعضِهِم يَكتَفي السامي عَلى الأُوَلِ
وَأَنتَ يابا سِنانٍ مِنهُمُ خَلَفٌ / وَذَلِكَ النُبلُ مِن آبائِكَ النّبلِ
جُزتَ المَدى وَتَحاماكَ الرَدى وَغَدَت / أُمُّ العِدى بِكَ أُمّ الوَيلِ وَالهَبَلِ
وَعاشَ أَبناؤُكَ الغُرُّ الَّذينَ هُمُ / في الجُودِ وَالبَأسِ فينا غايَةُ الأَمَلِ
فَفي حَياتِكُمُ صَفوُ الحَياةِ لَنا / بِغَيرِ شَكٍّ وَطيبُ اللَهوِ وَالجَذَلِ
وَماتَ غَيظاً عَلى الأَيامِ حاسِدُكُم / وَإِن يَعِش فَبِذُلٍّ غَيرِ مُنتَقِلِ
أَبا الفَضائِلِ يا مَن في مُفاضَتِهِ
أَبا الفَضائِلِ يا مَن في مُفاضَتِهِ / بَدرٌ وَبَحرٌ وَثُعبانٌ وَرئبالُ
لا تَحلِفَنَّ بِقَولِ المُرجِفينَ وَما / قَد زَخرَفُوا فَعَلى ذا الوَضعِ ما زالُوا
فَقَد عَهِدتُكَ طَوداً ما تُزَعزِعُهُ / نَكباءُ عادٍ فكَيفَ القِيلُ وَالقالُ
مَن ذا يَهُمُّ بِغابٍ أَنتَ ضيغمُهُ / وَحَولَكَ الأُسدُ في الماذِيِّ تَختالُ
قَد كُنتَ وَحدَكَ لا جُندٌ وَلا عَدَدٌ / وَقَد أَتَوكَ فَقُل لي ما الَّذي نالُوا
هَل غَيرُ إحراقِ غَلّاتٍ وَقَد شَقِيَت / بِهِم عَجائِزُ هِمّاتٌ وَأَطفالُ
وَكُلُّ ذا لَيسَ يُشفى غَيظَ ذي حَنَقٍ / وَكَيفَ يَشفي غَليلَ الحائِمِ الآلُ
وَأَنتَ لَو شِئتَ أَضحَت كُلُّ ناحِيَةٍ / مِن أَرضِهِم وَبِها نَوحٌ وَإِعوالُ
لَكِن أَبى لَكَ حِلمٌ راسِخٌ وَتُقىً / ما لا تَوَهَّمهُ غَوغاءُ جُهّالُ
وَأَنتَ تَعلَمُ لازِلتَ المَنيعَ حِمىً / أَنَّ الشَدائِدَ لِلساداتِ غِربالُ
قَد أَحسَنَ المُتَنَبّي إِذ يَقولُ وَما / زالَت لَهُ حِكَمٌ تُروى وَأَمثالُ
لا يُدرِكُ المَجدَ إِلّا سَيّدٌ فَطِنٌ / لِما يَشُقُّ عَلى الساداتِ فَعّالُ
وَأَنتَ ذاكَ الَّذي نَعني فَلا اِنقَطَعَت / إِلى القِيامَةِ لِلراجيكَ آمالُ
وَسُرَّ وَاِسعَد بِذا الشَهرِ الأَصَمِّ فَقَد / وَافاكَ يَصحَبُهُ نَصرٌ وَإِقبالُ
وَاِسلَم وَدُم في نَعيمٍ شامِلٍ وَعُلاً / ما دامَ لِلعَيشِ بِالوَعساءِ إِرقالُ
حُطُّوا الرِحالَ فَقَد أَودى بِها الرَحلُ
حُطُّوا الرِحالَ فَقَد أَودى بِها الرَحلُ / ما كُلِّفَت سَيرَها خَيلٌ وَلا إِبلُ
بَلَغتُمُ الغايَةَ القُصوى فَحَسبُكُمُ / هَذا الَّذي بِعُلاهُ يُضرَبُ المَثَلُ
هَذا هُوَ المَلكُ بَدرُ الدِينِ خَيرُ فَتىً / بِهِ تَعَلَّقَ لِلرّاجي الغِنى أَمَلُ
هَذا الَّذي لَو يُباري فَيضَ راحَتِهِ / فَيضُ البِحارِ لما أَضحى لَها بَلَلُ
هَذا الَّذي لَو لِلَيثِ الغابِ نَجدَتُهُ / ما حَلَّ إِلّا بِحَيثُ الشِيحُ وَالنَفَلُ
هَذا الَّذي بِالنَدى وَالبَأسِ يَعرِفُهُ / وَبِالتُقى كُلُّ مَن يَحفى وَيَنتَعِلُ
هَذا الهُمامُ الَّذي أَقصى مَطالِبِهِ / ما لا يُحدُّ وَأَدنى هَمِّهِ زُحَلُ
الناسُ كُلُّهُمُ هَذا وَلا عَجَبٌ / الخَلقُ أَفضَلُ مِنهُم كُلِّهِم رَجُلُ
اللَهُ أَكبَرُ جاءَ الدَهرُ مُعتَذِراً / إِلَيَّ يَسأَلُني العُتبى وَيَبتَهِلُ
وَقَبلُ كَم سامَني خَسفاً وَألزَمَني / ما لَيسَ لِي ناقَةٌ فيه وَلا جَمَلُ
فَآهِ يا دَهرُ هَلّا كانَ عُذرُكَ ذا / وَلَم يَغِب عَن عَياني الجشُّ وَالجَبَلُ
الشُكرُ في ذا لِمولىً أَنتَ لا كَذِباً / عَبدٌ لَهُ كُلُّ مَن يَهواهُ يَمتَثِلُ
وَكُلُّ مَن فَوقَ ظَهرِ الأَرضِ مِن مَلِكٍ / وَسَوقَةٍ فَلِسامي مَجدِهِ خَوَلُ
أَبو الفَضائِلِ أَولى الناسِ كُلِّهِمُ / بِما يُكَنّى بِهِ فَليُترَكِ الجَدَلُ
الخَيلُ تَعرِفُ يَومَ الرَوعِ صَولَتَهُ / بِحَيثُ في مُلتَقاها يَبطُلُ البَطَلُ
كَم فارِسٍ تَحتَ ظِلِّ النَقعِ غادَرَهُ / بِضَربَةٍ لَم يَشِن أُخدُودَها فَشَلُ
تَخالُهُ أَحوالاً مِمّا بِهامَتِهِ / وَقَبلُ لا حَولٌ فيهِ وَلا قَبَلُ
يَقُولُ حينَ يَشُقُّ السَيفُ هامَتَهُ / لِزَوجَتي وَلأُمّي الوَيلُ وَالهَبَلُ
وَيَستَديرُ وَيَهذي في اِستِدارَتِهِ / حَتّى يُخالُ بِهِ مِن قَبلِها تُؤَلُ
وَالنَسرُ في الجَوِّ ما يَألُو يَقُولُ لَهُ / لِكُلِّ نَفسٍ وَإِن طالَ المَدى أَجَلُ
وَكَم لَهُ ضربَةٍ يَقضي المُصابُ بِها / وَالنَصلُ يَعمَلُ فيهِ قَبلَ يَنفَصِلُ
مَحضُ الضَريبَةِ مَيمُونُ النَقِيبَةِ طَع / عان الكَتيبَةِ لا غَمرٌ وَلا وَكِلُ
كَهلُ الشَبيبَةِ نَهّابُ الحَريبَةِ وَه / هاب الرَغيبَةِ هَشٌّ بِالنَدى عَجِلُ
ماضي العَزيمَةِ عَيّافُ الغَنيمَةِ تَر / راكَ الجَريمَةِ نِكلٌ لِلعِدى نَكِلُ
أَرسى قَواعِدَ مُلكٍ لَو يُدَبِّرُهُ / كِسرى وَإِسكَندَرٌ أَعيَتهُمُ الحِيَلُ
مِن بَعدِ أَن قِيلَ ضاعَ المُلكُ وَاِنفَصَمَت / مِنهُ العُرى وَاِستوى الرِئبالُ وَالوَرلُ
وَقالَ قَومٌ تَوَلّى المُلكَ مُنصَرِفاً / عَن أَهلِهِ وَكَذا الدُولاتُ تَنتَقِلُ
تَبّاً لِحَدسٍ سَما كُلَّ التَبابِ وَلا / زالَت عُقولُهُمُ يَعتادُها الخَبَلُ
أَما دَرَوا أَنَّ بَدرَ الدِّينِ لَو رُدِيَت / بِهِ الشَواهِقُ لَم يَعقِل بِها وَعَلُ
وَكَيفَ يُخشى عَلى مَلكٍ وَقَد ضُرِبَت / لِمَجدِهِ في ذُراهُ الخيمُ وَالكِلَلُ
مَلكٌ تَحَمَّلَ ما لا يَستَطيعُ لَهُ / حَملاً ثَبيرٌ وَثَهلانٌ فَيَحتَملُ
جَوادُهُ بارِقٌ وَالعَزمُ صاعِقَةٌ / وَسَيفُهُ قَدرٌ في لَحظِهِ أَجَلُ
غَدا بِهِ المُلكُ بِالجَوزاءِ مَنتَطِقاً / وَراحَ وَهوَ بِظَهرِ الحُوتِ مُنتَعِلُ
إِذا شُمُوسُ مَواضيهِ طَلَعنَ فَما / لَهُنَّ إِلّا بِهاماتِ العِدى أَفَلُ
وَإِن نُجومُ عَوالِيهِ لَمَعنَ فَما / يَغِبنَ إِلّا بِحَيثُ الغِشُّ وَالدَغَلُ
مِقدامُ مَعرَكَةٍ كَشّافُ تَهلُكَةٍ / طَلّابُ مَملَكَةٍ تَسمُو بِها الدُوَلُ
وَيَوم نَحسٍ يُواري الشَمسَ عِثيَرُهُ / حَتّى يُخالُ الضُحى قَد غالَهُ الأُصُلُ
كَأَنَّما البِيضُ راحَت وَهيَ مُصلَتَةٌ / فِيهِ بَوارِقُ غَيثٍ رَعدُهُ زَجَلُ
وَالسُمرُ قَد جَعَلَت تَحكي أَسِنَّتَها / كَواكِبَ القَذفِ وَالفُرسانُ تَنتَصِلُ
وَالنَبلُ في الجَوِّ تَحكي لِلمُشَبِّهِهِ ال / كبرِيتَ في رُوسِهِ النِيرانُ تَشتَعِلُ
سَما لَهُ مِشيَةَ الرِئبالِ لا خَوَرٌ / يَشِينُهُ في تَهادِيهِ وَلا كَسَلُ
بِصارِمٍ لَو عَلا ضَرباً بِهِ حَضناً / لَقِيلَ كانَ قَديماً ها هُنا جَبَلُ
إِذا بَدا ضاحِكاً في يَومِ مَعرَكَةٍ / بِكَفِّهِ بَكَتِ الأَعناقُ وَالقُلَلُ
فَصَكَّ هامَ العِدى صَكّاً بِهِ مُقَلٌ / قَرَّت لِأَن سَخِنَت مِن وَقعِهِ مُقَلُ
طَودٌ إِذا لَم يَكُن في الحِلمِ مَفسَدَةٌ / وَإِن يُهَج فَالسَبنتى ظَلَّ يَأتَكِلُ
بَحرٌ يُواري الرُبى وَالقُورَ مُزبدُهُ / وَإِنَّما البَحرُ تَشبيهاً بِهِ وَشَلُ
إِن عُدَّ جُودٌ فَمَن كَعبٌ وَمَن هَرِمٌ / أَو عُدَّ مَجدٌ فَمَن حصنٌ وَمَن حَمَلُ
يا عاذِلاً لامَهُ في البَذلِ دَعهُ وَسِر / مَن يَعشَقِ الجُودَ لَم يَعلَق بِهِ العَذَلُ
وَلا تُفَنِّد كَريماً عَن سَجِيَّتِهِ / حُسنُ السَجِيّاتِ مِن رَبِّ العُلى نِحَلُ
طابَت بِهِ المَوصِلُ الحَدباءُ وَاِتَّسَعَت / لِساكِنِيها بِها الأَرزاقُ وَالسُبُلُ
وَأَصبَحَت جَنَّةً لا يَبتَغي حِوَلا / قُطّانُها لَو إِلى دارِ البَقا نُقِلُوا
وَحَسبُهُ مَفخَراً أَنَّ الإِمامَ بِهِ / بَرٌّ وَأَنَّ لَدَيهِ شَأنَهُ جَلَلُ
إِمامُنا الناصِرُ الهادي فَما اِختَلَفَت / فِيهِ العِبادُ وَما جاءَت بِهِ الرُسُلُ
خَليفَةٌ قَسَماً لَولا مَحَبَّتُهُ / لَما تُقُبِّلَ مِن ذي طاعَةٍ عَمَلُ
هُوَ الَّذي اِفتَرَضَ الرَحمَنُ طاعَتُهُ / وَمن سِواهُ فَلا فَرضٌ وَلا نَفَلُ
فَعاشَ ما شاءَ لا ما شاءَ حاسِدُهُ / في دَولَةٍ نَجمُها بِالسَعدِ مُتَّصِلُ
يا أَيُّها المَلِكُ المُغني بِنائِلِهِ / إِذا المُلوكُ بِأَدنى نائِلٍ بَخِلُوا
إِلَيكَ مِن بَلَدِ البَحرَينِ أَنهَضَني / هَمٌّ لَهُ أَنفُسُ الأَشرافِ تُبتَذَلُ
كَم جُبتُ دُونكَ مِن مَجهُولَةٍ قَذَفٍ / تِيهٍ قَليلٌ بِها حلٌّ وَمُرتَحَلُ
وَمُزبِدٍ لا يَلَذُّ النَومُ راكِبَهُ / لَهُ إِذا اِضطَرَبَت أَمواجُهُ زَجَلُ
وَحُسنُ ظَنّي وَما يُثنى عَلَيكَ بِهِ / أَجاءَني وَالزَمانُ المُفسِدُ الخَبِلُ
شَهرٌ وَشَهرٌ وَشَهرٌ بَعدَ أَربَعَةٍ / لِلمَوجِ وَاليَعمُلاتِ القُودِ بِي عَمَلُ
أَقَلُّها راحَةٌ في غَيرِ مَنفَعَةٍ / وَراحَةٌ لا يُرَجّي نَفعها شُغلُ
وَكَم تَخطَّأتُ في قَصدِيكَ مِن مَلِكٍ / لِي عِندَه لَو أَرَدتُ النَهلُ وَالعَلَلُ
أَفنَيتُ زادي وَمَركوبي وَشيَّبَني / عَلى عُتُوِّ جَناني الخَوفُ وَالوَجَلُ
وَقَد بَلَغتُ الجَنابَ الرَحبَ بَعدَ وَجَىً / وَلَيسَ إِلّا عَلى عَلياكَ مُتَّكَلٌ
بَقيتَ في عِزَّةٍ قَعساءَ نائِيَةٍ / عَن الحَوادِثِ مَقرُوناً بِها الجَذَلُ
وَعاشَ حاسِدُكَ الأَشقى أَخا مَضضِ / وَماتَ في الجِلدِ مِنهُ ذَلِكَ النَغَلُ
أَيدي الحَوادِثِ في الأَيّامِ وَالأُمَمِ
أَيدي الحَوادِثِ في الأَيّامِ وَالأُمَمِ / أَمضى مِنَ الذَكَرِ الصَمصامَةِ الخَذِمِ
فَلا يَظُنَّنَّ مَن طالَت سَلامَتُهُ / أَنَّ المَقادِيرَ أَعطَتهُ عُرى السَلمِ
كُلٌّ بِما تُحدِثُ الأَيّامُ مُرتَهَنٌ / وَكُلُّ غايَةِ مَوجُودٍ إِلى عَدَمِ
مَن سَرَّهُ الدَهرُ صِرفاً سَوفَ تَمزُجُهُ / لَهُ تَصارِيفُهُ مِن صَفوَةِ النِقَمِ
فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُنيا وَزِينَتُها / وَلَو حَبَتكَ بِحُمرِ الخَيلِ وَالنَعَمِ
فَما اللَذاذَةُ في عَيشٍ وَغايَتُهُ / مَوتٌ يُؤَدِّيكَ مِن قَصرٍ إِلى رُجَمِ
يا غافِلاً لَعِبَ الظَنُّ الكَذُوبُ بِهِ / خَفِ العَواقِبَ وَاِحذَر زَلَّةَ القَدَمِ
وَاِنظُر إِلى حَسَنٍ في حُسنِ صُورَتِهِ / جاءَت إِلَيهِ صُروفُ الدَهرِ مِن أُمَمِ
لَم يَحمِهِ صارِمٌ قَد كانَ يَخضِبُهُ / يَومَ النِزالِ مِنَ الأَعناقِ وَالقِمَمِ
وَلا جَوادٌ أَقَبُّ الظَهرِ مُنجَرِدٌ / يَهوي بِهِ كَهُوِيِّ الأَجدَلِ القَطِمِ
وَلا الغَطارِفُ مِن بَكرٍ وَإِخوَتِها / مِن تَغلِب الغُلبِ أَهلِ البَأسِ وَالكَرَمِ
كانُوا يُفَدُّونَهُ بِالخَيلِ مُسرَجَةً / وَالمالِ وَالآلِ وَالأَولادِ وَالحَشَمِ
إِيهاً بَني وائِلٍ قَد ماتَ لَيثُكُمُ / فَاِبكُوا عَلَيهِ بِدَمعٍ وَاكِفٍ وَدَمِ
قَد كانَ إِن نَزَلَت دَهياءُ مُظلِمَةٌ / وَخامَ عَنها حُماةُ القَومِ لَم يَخِمِ
وَإِن نَبا زَمَنٌ أَو عَضَّ ناجِذُهُ / أَعطي العُفاةَ بِلا مَنٍّ وَلا سَأَمِ
مَضى وَلَم يَدرِ ما سُكرُ الشَبابِ وَلا / أَمالَهُ الغَيُّ عَن رُشدٍ إِلى أَثَمِ
وَلا تَخَطّى بُيُوتَ الحَيِّ مُبتَجِحاً / جَذلانَ يَخطُرُ مُختالاً عَلى قَدَمِ
وَلَم يَكُن هَمُّهُ شُربَ المُدامِ وَلا / شَدُوَ المَزاهيرِ بِالأَوتارِ وَالنَغَمِ
لَكِنَّ هِمَّتَهُ مالٌ يُقَسِّمُهُ / عَلى العُفاةِ وَإِقدامٌ عَلى البُهُمِ
وَلَم يَزَل صائِماً طَوعاً لِخالِقِهِ / وَبِالدُجى قائِماً في حِندِسِ الظُلَمِ
فَيا أَبا جَعفَرٍ لا زِلتَ في دَعَةٍ / لا تَجزَعَن فَقَضاهُ غَيرُ مُتَّهَمِ
وَيا أَبا حَسَنٍ صَبراً فَكُلُّ فَتىً / مُفارِقٌ وَحَياةُ المَرءِ كَالحلُمِ
وَالمَوتُ كُلُّ اِمرِئٍ لا بُدَّ ذائِقُهُ / تَقاصَرَ العُمرُ أَو أَدّى إِلى الهرَمِ
أَينَ المُلوكُ وَأردافُ المُلوكِ وَمَن / سادَ القبائِلَ مِن عادٍ وَمِن إرَمِ
وَأَينَ طَسمٌ وَأَولادُ التَبابِعِ مِن / أَولادِ حِميَرَ وَالساداتُ مِن عَمَمِ
وَأَينَ آلُ مُضاضٍ في قَبائِلِها / مِن جُرهُمٍ ساكِني بَحبوحَةِ الحَرمِ
أَفناهُمُ وَأَدارَ الكَأسَ مُترَعَةً / في وائِلٍ فَسَقاها غَيرَ مُحتَشِمِ
أَردى اِبنَ مُرَّةَ هَمّاماً وَكانَ لَهُ / عَقدُ الرِئاسَةِ عَن آبائِهِ القِدَمِ
وَمانِعَ الجارِ جَسّاساً أُتيحَ لَهُ / سَهمُ المَنونِ عَلى عَمدٍ فَلَم يَرُمِ
وَالحَوفَزانَ الَّذي كانَت تَنُوءُ بِهِ / بَكرٌ سَقاهُ بِكاساتٍ مِنَ النِقَمِ
وَفارِسَ العَرَبِ العَرباءِ إِن ذُكِرَت / بسطامَ مَدَّ إِلَيهِ كَفَّ مُختَرِمِ
فَاِبتَزَّهُ مُلكَهُ غَصباً وَأَنزَلَهُ / فَوقَ التُرابِ عَفيرَ الخَدِّ والقَسِمِ
وَعافرَ الفِيلِ يَومَ القادِسِيَّةِ قَد / سَقاهُ كاسَ الرَدى صِرفاً بِغَيرِ فَمِ
وَقَد أَذاقَ شَبيباً في شَبيبَتِهِ / كَأسَ الحُتُوفِ بِلا سَيفٍ وَلا سَقَمِ
والمَزيَدِيِّينَ غالَتهُم غَوائِلُهُ / وَاِجتَاحَهُم مُزبِدٌ مِن سَيلِهِ العَرِمِ
وَلَم تَدع هانِئاً وَهوَ الَّذي اِنتَصَفَت / بِهِ الأَعارِيبُ وَاِستَولَت عَلى العَجَمِ
وَالحارِثَ بنَ عُبادٍ غالَهُ وَسَطا / بِجَحدَرٍ فارِسِ التَحلاقِ لِلَّمَمِ
وَالحارِثَ بنَ سَدُوسٍ لَم يَهَب عَدَداً / فِيهِم بَنُوهُ وَلَمّا يَكتَرِث بِهِمِ
وَالجعدَ مَسلَمَةً لَم يَحمِهِ فَدَنٌ / بَناهُ والِدُهُ إذ كانَ ذا هِمَمِ
وَهَوذَةَ بنَ عَلِيٍّ حَطَّ مُنتَزِعاً / عَن رَأسِهِ التاجَ عَمداً غَيرَ مُحتَشِمِ
وَشيخَ عِجلٍ أَبا مَعدانَ عاجَلَهُ / مِنهُ الحِمامُ فَلَم يُطلَب لَهُ بِدَمِ
وَفارِسَ العَرَبِ العَربا وَسَيِّدَها / أَعني كُلَيباً قَريعَ العُربِ وَالعَجَمِ
لَم يَحمِهِ عَدَدٌ مَجرٌ وَلا دَفَعَت / عَنهُ المَنِيَّةَ إِذ جاءَت بنُو جُشَمِ
وَلَم يَكُن لِعَدِيٍّ بَعدَهُ عِصَمٌ / مِنهُ وَكانَ عَدِيٌّ أَيَّ مُعتَصِمِ
وَآلَ كُلثُومَ ساداتِ الأَراقِمِ لَم / يَترُك لَهُم مِن حِمى حامٍ ولا حَرَمِ
أُولَئِكَ الغُرُّ مِن ساداتِ قَومِكُما / أَهلُ النُهى وَاللُهى وَالعَهدِ وَالذِّمَمِ
وَهَذِهِ شِيَمُ الدُنيا وَعادَتُها / فِيمَن مَضى أَو بَقى مِن سائِرِ الأُمَمِ
قالُوا الدُبَيثِيُّ ذُو قُوافٍ
قالُوا الدُبَيثِيُّ ذُو قُوافٍ / مُحكَمَةُ النَظمِ مُستَقِيمَه
فَقُلتُ بُعداً لَكُم وَسُحقاً / فَكُلُّ أَفهامِكُم سَقِيمَه
شِعرُ الدُبَيثِيِّ لَو عَقلتُم / أَبرَدُ مِن أُمِّهِ اللَئِيمَه
هُوَ الَّذي تَعلَمُونَ كَلبٌ / فَهَل لِنَبحِ الكِلابِ قِيمَه
إِنّا إِلى اللَهِ مِن طَغامٍ / تَعتَقِدُ الفَضلَ في بَهِيمَه
وَاللُؤمُ وَالشُؤمُ مِنهُ جُزءٌ / وَالغَدرُ وَالإِفكُ وَالنَميمَه
وَيُنسَبُ العارُ وَالدَنايا / طُرّاً إِلى أُمِّهِ القَديمَه
مَتى يَمُت تَصرُخُ المَخازِي / يا أَبَتا واشَقا اليَتِيمَه
بَعدكَ حَلَّت بِنا أُمُورٌ / مُقعِدَةٌ لِلعُوا مُقِيمَه
راحَت جُيُوشُ الضَلالِ فَوضى / قَد هُزِمَت أَسوَأَ الهَزيمَه
وَأَدرَكَ الحَقُّ بَعدَ ذُلٍّ / مِنّا بِآثارِهِ المُنِيمَه
مِن أَينَ لِلظُلمِ باطِنِيٌّ / مثلُكَ يَستَصغِرُ العَظِيمَه
يَومُكَ أَبقى أَخاكَ ديناً / إِبليسَ مُستَهلَكَ العَزيمَه
قَد كُنتَ رِدءاً لَهُ تُساوي / كُلَّ شَياطِينِهِ الرَجيمَه
مَن كُنتَ أَوصَيتَ بِالمَعاصي / مِن هَذِهِ العُصبَةِ الأَثِيمَه
مَن لأَذى ماجِدٍ كَريمٍ / خَلَّفتَ أَو حرَّةٍ كَريمَه
بَعدَكَ ما فُتِّشَت حَصانٌ / وَلا اِشتَكي مُوهَنٌ هَضِيمَه
وَأَطلَقُوا الحُضرَ وَالبَوادي / وَالعُزلَ وَالبيضَ عَن صَريمَه
يُظَنُّ أَنَّ الإِلَهَ أَهدى / لِذا الوَرى نَظرَةً رَحيمَه
يا فَرحَةَ النارِ يَومَ تَأتي / إِلى دِيارِ البَلا وَذِيمَه
كَم يَتَلَقّاكَ مِن زَبانٍ / قَساوَةُ الطَبعِ فيهِ شِيمَه
مِثلَ تَلَقّيكَ سُفنَ ماءٍ / تَحمِلُ مِن بابلٍ لَطِيمَه
إِنَّ بَغِيّاً غَذَتكَ طِفلاً / فَيما أَتَتهُ لَمُستَلِيمَه
لِأَنَّها قَد رَأَت عِياناً / شُؤمَكَ مُذ أَنتَ في المَشيمَه
كَم عِثتَ في بَظرِها بِعَضٍّ / أَورَثَها الشَهوَةَ الذَميمَه
تَطلُبُ مِنها المَنِيَّ قُوتاً / وَلَيسَ بِالصُورَةِ الوَسيمَه
فَهيَ تُنادي الزُناةَ هُبّوا / إِلى حِرٍ يُشبِهُ الأَطِيمَه
وَلَيسَ يَرويكَ غَيرُ ماءٍ / يَنصَبُّ فيها اِنصِبابَ دِيمَه
وَساعَةَ الوَضعِ جِئتَ بَثناً / غادَرتَ وَجعاءَها كَلِيمَه
وَحينَ أَكمَلتَهُنَّ سَبعاً / ملتَ إِلى الصَنعَةِ الذَميمَه
كَسَّدتَ سُوقَ العُلوقِ حَتّى / تَرَكتَ أَبوابَها رَديمَه
حَتّى لَقَد راحَ كُلُّ عِلقٍ / عَلَيكَ في قَلبِهِ سَخِيمَه
كَم مارِدٍ في صِباكَ عاتٍ / صِدتَ بِنَغماتِكَ الرَخيمَه
وَكَم لَعَمري مِن أَلفِ صادٍ / سَطَت بِها مِنكَ فردَ مِيمَه
حَتّى إِذا نَشَت بَعدَ حينٍ / وَطالَتِ اللِّحيَةُ اللَئيمَه
أَصبَحتَ عَشّارَ أَرض سُوءٍ / ما بَرِحَت أَرضُها مَضيمَه
أَسَّسَها شَرُّ آدَمِيٍّ / بِذاكَ كُلُّ الوَرى عَليمَه
قَومُهُ بَعضُهُم بِبَعضٍ / وَأَنتَ مِنهُم أَقَلُّ قِيمَه
قاتَلَكَ اللَهُ كَم تَعامى / وَتَعكِسُ السُنَّةَ القَويمَه
تُلزِمُ زادَ الغَريبِ مَكساً / وَثَوبَهُ يا لَها عَظيمَه
مَهلاً فَلِلظّالِمينَ حَتماً / مَصارِعٌ كُلُّها وَخِيمَه
أَبَت لَكَ العِزَّةُ القَعساءُ وَالكَرَمُ
أَبَت لَكَ العِزَّةُ القَعساءُ وَالكَرَمُ / أَن تَقبَلَ الضَيمَ أَو تَرضى بِما يَصِمُ
وَطالَبَتكَ العُلى إِنجازَ ما وَعَدَت / فِيكَ المَخائِلُ طِفلاً قَبلَ تَحتَلِمُ
وَأَقبَلَت نَحوَكَ الأَيّامُ مُذعِنَةً / طَوعاً لِأَمرِكَ وَاِنقادَت لَكَ الأُمَمُ
فَاِنهَض وَسِر وَاِفتَحِ الدنيا فَقَد ضَمِنَت / لَكَ المَهابَةُ ما تَهوى وَتَحتَكِمُ
فَالبِيضُ ماضِيَةٌ وَالسُمرُ قاضِيَةٌ / وَالخَيلُ خاضِبَةٌ أَطرافها زَلَمُ
خَيلٌ مَتى صَبَّحتَ حَيّاً بِيَومِ وَغىً / فَما لِمُستَعصِمٍ مِن بَأسِها عِصَمُ
قَد عُوِّدَت كُلَّ يَومٍ خَوضَ مَعرَكَةٍ / ضيوفُ أَبطالِها العِقبانُ وَالرَخَمُ
وَوَسَّمَتها العَوالي في مَناخِرِها / طَعناً كَما وَسَّمَت آنافَها الحَكَمُ
يَحمي فَوارِسَها يَومَ الوَغى مَلِكٌ / حامي الذِمارِ لَهُ في الغايَةِ القدَمُ
رَحبُ الذِراعِ إِذا ما هَمَّ أَنجَدَهُ / عَزمٌ بِهِ جَوهَرُ العَلياءِ مَنتَظِمُ
كَأَنَّهُ مِن تَمامِ الخَلقِ جاءَ بِهِ / عادٌ أَبُو السَلَفِ الماضِينَ أَو إِرَمُ
عَفُّ السَريرَةِ حَمّالُ الجَريرَةِ وَل / لاجُ الظَهيرَةِ وَالمَعزاءُ تَضطَرِمُ
أَرسى قَواعِدَ مُلكٍ كانَ أَسَّسَها / قِدماً أَبُوهُ وَبَحرُ المَوتِ يَلتَطِمُ
مِن قَبلِ أَن قِيلَ رَثَّ المَجدُ وَاِنفَصَمَت / عُرى المَعالي وَماتَ العَهدُ وَالذِّمَمُ
وَقالَ قَومٌ تَوَلّى المُلكَ مُنصَرِفاً / عَن آلِ فَضلٍ لَقَد ضَلّوا وَقَد وَهِمُوا
وما دَرَوا أَنَّ فَضلَ الجُودِ يُكذِبُهُم / عَمّا قَليلٍ بِما في زَعمِهِم زَعَمُوا
وَيَجلِبُ الخَيلَ كَالعِقبانِ يَقدُمُها / عَلَيهِمُ القُورُ وَالغِيطانُ وَالأَكَمُ
سَواهِماً لَم تَزَل تَدمى شَكائِمُها / مِمّا تَصَلصَلُ في أَشدَاقِها اللُجُمُ
يا آلَ فَضلٍ أَماتَ اللَهُ حاسِدَكُم / غَيظاً ثِبُوا في ذُرى العَلياءِ وَاِعتَزِمُوا
فَفيكُمُ البَيتُ مِن عَدنانَ تَعرِفُهُ / إِذا اِلتَقت لِلفخارِ العربُ والعَجَمُ
بَيتٌ سَما فَرعُهُ فَوقَ السَما وَرَسى / في التُربِ حَتّى اِنتَأَت عَن أَصلِهِ التُخُمُ
بَناهُ صادِقُ بَأسٍ في الوَغى وَنَدىً / غَمرٌ فَلَيسَ عَلى الأَيّامِ يَنهَدِمُ
عِمادُهُ الفَضلُ وَاِبناهُ وَمَركَزُهُ / مُحمَّدٌ خَيرُ مَن نِيطَت بِهِ الأُدُمُ
جَرّارُ كُلِّ كَثيفِ النَقعِ ذِي لَجَبٍ / كَأَنَّما السُمرُ في حافاتِهِ أَجَمُ
تَساقَطَ الطَيرُ رَزحى في جَوانِبِهِ / وَالوَحشُ تَخطِفُها الأَيدي فَلا تَرِمُ
خابَت ظُنون رِجالٍ بايَعُوا وَسَعوا / في قَتلِهِ وَهَفَت أَحلامُهُم وَعَمُوا
بِئسَ الأَمانِيُّ مَنَّتهُم نُفُوسُهُمُ / جَهلاً وَيا قُربَ ما فاجاهُمُ النَدَمُ
مُنُوا بِأَروع تَتلُوهُ خَضارِمَةٌ / أَماجِدٌ مارَسُوا الهَيجا وَما اِحتَلَمُوا
مُستَرعِفٍ بِلِواءِ النَصرِ يَحمِلُهُ / نَهدُ المَراكِلِ مَمسُودُ القَرى زَهِمُ
مِمّا حَباهُ أَميرُ المُؤمِنينَ بِهِ / لما أَتَتهُ بِهِ الوَخّادَةُ الرَسَمُ
مُستَعصِماً وَاثِقاً بِالنَصرِ مِنهُ وَهَل / يَخيبُ مَن بِالإِمامِ البَرِّ يَعتَصِمُ
أَجابَهُ حينَ ناداهُ وَقَرَّبَهُ / أَشَمُّ في راحَتَيهِ لِلنَدى دِيَمُ
أَغَرُّ أَبلَجُ مِن آلِ النَبِيِّ بِهِ / يُستَدفَعُ البُؤسُ وَالضَرّاءُ وَالنِّقَمُ
فَلَو يَشاءُ لَزَجّاها مُلَملَمَةً / لا مَعقلٌ عاصِمٌ مِنها وَلا أُطُمُ
تَحوي مِنَ التُركِ وَالأَعرابِ كُلَّ فَتىً / كَأَنَّهُ أَجدَلٌ مُستَلحِمٌ قَطِمُ
لَكِنَّهُ اِختارَ إِبقاءً وَعارِفَةً / وَهَكَذا تَفعَلُ الأَخلاقُ وَالشِيَمُ
فَنالَ ما كانَ يَرجُوهُ وَأَيَّدَهُ / بِالنَصرِ عَدلٌ قَضاهُ لَيسَ يُتَّهَمُ
فَاِسلم وَعِش لِلعُلا ما ناحَ ذُو شَجَنٍ / وَما تَعاقَبَتِ الأَنوارُ وَالظُلَمُ
وَليَهنك المُلكُ يا تاجَ المُلوكِ وَلا / زالَت تُباكِرُك السَرّاءُ وَالنِعَمُ
فَأَنتَ حِصنٌ لَنا عالٍ نَلُوذُ بِهِ / إِن عَضَّنا الدَهرُ أَو زَلَّت بِنا القَدَمُ
وَهَذِهِ دَولَةٌ لَولا الرَجاءُ لَها / لَما اِنجَلَت كُربَةٌ عَنّا وَلا غُمَمُ
عِشنا بآمالِها دَهراً وَبَلَّغَنا / إِدراكَها وَاحِدٌ فَردٌ لَهُ القِدَمُ
فَالحَمدُ وَالشُكرُ مِنّا وَاجِبانِ لَهُ / لا يَنفَدانِ جَميعاً ما جَرى القَلَمُ
قُمُ فَاِشدُدِ العِيسَ لِلتِرحالِ مُعتَزِماً
قُمُ فَاِشدُدِ العِيسَ لِلتِرحالِ مُعتَزِماً / وَاِرمِ الفِجاجَ بِها فَالخَطبُ قَد فَقِما
وَلا تَلَفَّت إِلى أَهلٍ وَلا وَطَنٍ / فَالحرُّ يَرحَلُ عَن دارِ الأَذى كَرَما
كَم رِحلَةٍ وَهَبَت عِزّاً تَدينُ لَهُ / شُوسُ الرِجالِ وَكَم قَد أَورَثَت نِعَما
وَكَم إِقامَةِ مَغرُورٍ لَهُ جَلَبَت / حَتفاً وَساقَت إِلى ساحاتِهِ النِقَما
وَاِسمَع وَلا تُلغِ ما أَنشَأتُ مِن حِكَمٍ / فَذُو الحِجا لَم يَزَل يَستَنبِطُ الحِكَما
لَم يَبكِ مَن رَمِدَت عَيناهُ أَو سُبِلَت / جفناهُ إِلّا لِخَوفٍ مِن حُدوثِ عَمى
إِنَّ المَنِيَّةَ فَاِعلَم عِندَ ذِي حَسَبٍ / وَلا الدَنِيَّةَ هانَ الأَمرُ أَو عَظُما
مَن سالَمَ الناسَ لَم تَسلَم مَقاتِلُهُ / مِنهُم وَمَن عاثَ فيهِم بِالأَذى سَلِما
لا يَقبَلُ الضَيمَ إلّا عاجِزٌ ضَرِعٌ / إِذا رَأى الشَرَّ تَغلي قِدرُهُ وَجَما
وَذُو النَباهَةِ لا يَرضى بِمَنقَصَةٍ / لَو لَم يَجِد غَيرَ أَطرافِ القَنا عِصَما
وَذُو الدَناءَةِ لَو مَزَّقتَ جِلدَتَهُ / بِشَفرَةِ الضَيمِ لَم يَحسِس لَها أَلَما
وَمَن رَأَى الضَيمَ عاراً لَم تَمُرَّ بِهِ / شَرارَةٌ مِنهُ إلّا خالَها أُطُما
وَكُلُّ مَجدٍ إِذا لَم يُبن مَحتِدُهُ / بِاليَأسِ نَقَّرَهُ الأَعداءُ فَاِنهَدَما
لا يَضبطُ الأَمرَ مَن في عُودِهِ خَوَرٌ / لَيسَ البُغاثُ يُساوي أَجدَلاً قَطِما
وَلِلبُيوتِ سِطاعاتٌ تَقُومُ بِها / لا خِروَعاً جُعِلَت يَوماً وَلا عَنَما
ما كُلُّ ساعٍ إِلى العَلياءِ يُدرِكُها / مَن حَكّمَ السَيفَ في أَعدائِهِ حَكَما
مَن أَرعَفَ السَيفَ مِن هامِ العِدى غَضَباً / لِلمَجدِ حُقَّ لَهُ أَن يُرعِفَ القَلَما
لا تَطلُبِ الرَأيَ إِلّا مِن أَخي ثِقَةٍ / لا يُصدِرُ القَومَ مَن لا يُورِدُ العَلَما
وَلا يُعَدُّ كَريماً مَن مَواهِبُهُ / تُمسي وَتُصبِحُ في أَعدائِهِ دِيما
وَالبُخلُ خَيرٌ مِنَ الإِحسانِ في نَفَرٍ / أَبَرُّهُم بِكَ مَن أَغرى وَمَن شَتَما
وَواضِعُ الجُودِ في أَعداءِ نِعمَتِهِ / كَمُودِعِ الذِئبِ في بَرِّيَّةٍ غَنَما
مَنِ اِستَخَفَّ بِأَربابِ العُلى سَفَهاً / وَسامَها الخَسفَ أَدمى كَفَّهُ نَدَما
أَلا فَسَل عَن كُلَيبٍ كَيفَ جَدَّلَهُ / جَسّاسُ هَل كانَ إِلّا أَن حَمى فَرَمى
وَلا يعزُّ الفَتى إِلّا بِأُسرَتِهِ / لَو كانَ في البَأسِ عَمراً وَالنَدى هَرِما
لا تَرضَ بِالهُونِ في خِلٍّ تُعاشِرُهُ / فَلَن تَرى غَيرَ جارِ الذُلِّ مُهتَضَما
وَأَخسَرُ الناسِ سَعياً رَبُّ مَملَكَةٍ / أَطاعَ في أَمرِهِ النِسوانَ وَالخَدَما
وَقائِلٍ قالَ لي إِذ راقَهُ أَدَبي / وَالمَرءُ قَد رُبَّما أَخطَا وَما عَلِما
وَذاكَ بَعدَ سُؤالٍ مِنهُ عَن خَبَري / وَالصِدقُ مِن شيمتي لَو أَورَثَ البَكَما
هَلّا اِمتَدَحتَ رِجالاً بِالعِراقِ لَهُم / مالٌ رُكامٌ وَجُودٌ يَطرُدُ العَدَما
فَجاشَتِ النَفسُ غَبناً بَعدَ أَن شَرِقَت / عَينايَ بِالدَمعِ حَتّى فاضَ وَاِنسَجَما
فَقُلتُ كَلّا وَهَل مِثلي يَليقُ بِهِ / مَدحُ الرِجالِ فَكَم جُرحٍ قَدِ اِلتَأَما
إِنّي عَلى حادِثاتِ الدَهرِ ذُو جَلَدٍ / تَجلُو الحَوادِثُ مِنّي صارِماً خَذِما
وَلَستُ أَوَّلَ ذِي مَجدٍ لَهُ ظَلَمَت / صُرُوفُ أَيّامِهِ العَوصاءُ فَاِنظَلَما
يَأبي لِيَ الشَرَفُ العاليُّ مَنصِبهُ / أَن أَورِدَ النَفسَ حِرصاً مَورِداً وَخِما
أَنا اِبنُ أَركانِ بَيتِ المَجدِ لا كَذِباً / وَالنازِلينَ ذُرى العَلياءِ وَالقِمَما
قَومي هُمُ القَومُ في بَأسٍ وَفي كَرَمٍ / إِنِ اِدَّعى غَيرُهُم ما فيهِمُ وَهِما
في الجاهِلِيَّةِ سُدنا كُلَّ ذي شَرَفٍ / بِالمَأثُراتِ وَسُدنا العُربَ وَالعَجَما
وَصارَ كُلُّ مَعَدّيٍّ لَنا تَبَعاً / يَرعى بِأَسيافِنا الوَسمِيَّ حِيثُ هَمى
حُطنا نِزاراً وَذُدنا عَن مَحارِمِها / وَلَم نَدَع لِمُناوي عزِّها حَرَما
حَتّى أَتى اللَهُ بِالإِسلامِ وَاِفتَتَحَت / كُلَّ البِلادِ وَأَضحَت لِلأَنامِ سَما
وَفَضلُ آخِرنا عَن فَضلِ أَوَّلِنا / يُغني ولَكِنَّ بَحراً هاجَ فاِلتَطَما
شِدنا مِن المَجدِ بَيتاً لا تُقاسُ بِهِ / ذاتُ العِمادِ وَلَكِن لَم نَكُن إِرَما
سَلِ القَرامِطَ مَن شَظّى جَماجِمَهُم / فَلقاً وَغادَرَهُم بَعدَ العُلا خَدَما
مِن بَعدِ أَن جَلَّ بِالبَحرَينِ شَأنُهُمُ / وَأَرجَفُوا الشامَ بِالغاراتِ وَالحَرَما
وَلَم تَزَل خَيلُهُم تَغشى سَنابِكُها / أَرضَ العِراقِ وَتَغشى تارَةً أَدَما
وَحَرَّقُوا عَبدَ قَيسٍ في مَنازِلها / وَصَيَّروا الغُرَّ مِن ساداتِها حُمَما
وَأَبطَلوا الصَلواتِ الخَمس وَاِنتَهَكُوا / شَهرَ الصِيامِ وَنَصُّوا مِنهُمُ صَنَما
وَما بَنَوا مَسجِداً لِلّهِ نَعرِفُهُ / بَل كُلُّ ما أَدرَكُوهُ قائِماً هُدِما
حَتّى حَمَينا عَلى الإِسلامِ وَاِنتَدَبَت / مِنّا فَوارِسُ تَجلُو الكربَ وَالظُلما
وَطالَبَتنا بَنُو الأَعمامِ عادَتَنا / فَلَم تَجِد بَكَماً فينا وَلا صَمَما
وَقَلَّدُوا الأَمرَ مِنّا ماجِداً نَجداً / يَشفي وَيَكفي إِذا ما حادِثٌ دَهَما
ماضي العَزيمَةِ مَيمُونٌ نَقيبَتُهُ / أَعلا نِزارٍ إِلى غاياتِها هِمَما
فَصارَ يَتبَعُهُ غُرٌّ غَطارِفَةٌ / لَو زاحَمَت سَدَّ ذي القَرنَينِ لاِنثَلَما
إِذا اِدَّعَوا يالَ إِبراهيمَ ظَلَّ لَهُم / يَومٌ يُشَيِّبُ مِن هامِ العِدى اللِّمَما
حَتّى أَناخَ بِبابِ الحِصنِ يَصحَبُهُ / عَزمٌ يَهُدُّ الجِبالَ الشُمَّ وَالأَكَما
فَشَنَّها غارَةً شَعواءَ ناشِئَةً / كَسى بِها العُمَّ مِن حيطانِها قَتَما
فأَقبَلَت وَرِجالُ الأَزدِ تَقدُمُها / كَالأُسدِ قَد جَعَلَت سُمرَ القَنا أَجَما
فَصادَفَت كُلَّ لَيثٍ لَو يُحِسُّ بِهِ / لَيثٌ بِعَثَّرَ أَو خَفّانَ ما زَحَما
فَكَم صَرِيعٍ هَوى عَفصاً بِشِكَّتِهِ / مِنهُم وَآخَرَ وَلّى الدُبرَ مُنهَزِما
وَنَثرَةٍ أَخفَرَ الهِندِيُّ ذِمَّتَها / إِنَّ السُيُوفَ المَواضي تَخفِرُ الذِمما
فَاِستَنجَدَت عامِراً مِن بَأسِها فَأَتَت / مُغِذَّةً لا تَرى في سَيرِها يَتَما
ذُكُورُ خَيلِهِمُ أَلفٌ مُصَتَّمَةٌ / وَرَجلُهُم يُفعِمُ الوَادِيَّ إِذ زَحَما
وَجَمعُنا في مِئينٍ أَربَعٍ حَضَرَت / عَدّاً وَلَكِنَّها أَعلا الوَرى قَدَما
وَلَم نَزَل نَرِدُ الهَيجاءَ يَقدُمُنا / ماضٍ على الهَولِ وَرّادٌ إِذا عَزَما
أَبُو عَلِيٍّ وَفَضلُ ذُو النَدى وَأَبُو / مُسَيَّبٍ وَهُما تَحتَ العَجاجِ هُما
وَمِسعَرُ الحَربِ مَسعُودٌ إِذا خَمَدَت / وَماجِدٌ وَاِبنُ فَضلٍ خَيرُها شِيما
هُمُ بَنُوهُ فَلا ميلٌ وَلا عُزُلٌ / وَلا تَرى فيهمُ وَهناً وَلا سَأَما
كُلٌّ يُعَدُّ بِأَلفٍ لا يَضيقُ بِها / ذَرعاً وَيُوسِعُها طَعناً إِذا أَضِما
وَمالِكٌ حينَ تَدعُوهُ وَأَيُّ فَتى / حَربٍ إِذا ما اِلتَقى الزَحفانِ فَاِصطَدَما
وَمِن بَني الشَيخِ عَبدِ اللَهِ كُلُّ فَتىً / يُخالُ في الرَوعِ فَحلَ الشَولِ مُغتَلِما
يُنمى لِفَضلٍ وَصبّارٍ وَإِخوَتِهِ / بَني عَلِيٍّ كِعامِ الخَطبِ إِذ هَجَما
وَلَم تَكُن وُلدُ غَسّانٍ إِذا حَمِيَت / لَوافِحُ الحَربِ أَنكاساً وَلا قُرُما
تِلكُم بَناتُ العُلا لا قَولُ مُنتَحِلٍ / كُنّا وَكانَ وَلا باعاً وَلا قَدَما
سَقَوا صُدُورَ القَنا عَلّا وَقد نَهِلَت / وَأَكرَهُوا المازِنَ الخَطِّيَّ فَاِنحَطَما
وَفَلَّلَ البِيضَ في الهاماتِ ضَربُهُمُ / مِن بَعدِ أَن أَنهَلُوها في المَكَرِّ دَما
بَزُّوا ثَمانينَ دِرعاً مِن سُراتِهِمُ / في حَملَةٍ تَرَكَت هاماتِهِم رِمَما
وَكَم لَنا مِثلُها لَم تُبقِ باقِيَةً / إِلّا الزَعانِفَ وَالأَطفالَ وَالحَرَما
فَسَلَّمَ الأَمرَ أَهلُ الأَمرِ وَاِنتَزَحُوا / عَن سَورَةِ المُلكِ لا زُهداً وَلا كَرَما
وَأَصبَحَت آلُ عَبدِ القَيسِ قَد ثَلَجَت / صُدُورُها فَتَرى المَوتُورَ مُبتَسِما
ثُمَّ اِنتَحَينا لِعَوفٍ بَعدَما وَرِمَت / أُنُوفُها فَفَشَشنا ذَلِكَ الوَرَما
دُسناهُمُ دَوسَةً مِرِّيَّةً جَمَعَت / أَشلاهُمُ وَضِباعَ الجَوِّ وَالرَخَما
لَم يَنجُ غَيرُ رَئيسِ القَومِ تَحمِلُهُ / خَيفانَةٌ كَظَليمٍ رِيعَ تَحتَ سَما
ثُمَّ اِنثَنَينا بِجُردِ الخَيلِ نَجنِبُها / نَقائِذاً وَأَفَأنا السَبيَ وَالنَعَما
وَسَل بِقارُونَ هَل فازَت كَتائِبُهُ / لَمّا أَتَتنا وَهَل كُنّا لَهُم غُنَما
وَالشَرسَكِيَّة إِذ جاءَت تُطالِبُنا / دَمَ النُفوسِ وَفينا تقسِمُ القِسَما
بَيتانِ عِندَهُما كانَت رَعِيَّتُنا / عَوناً عَلَينا ضَلالاً مِنهُمُ وَعَمى
فَفَرَّجَ اللَهُ وَالبِيضُ الحِدادُ لَنا / وَعِزَّةٌ لَم تَكُن يَوماً لِمَن غَشَما
وَأَصبَحَت حاسِدُونا في قَبائِلِنا / لَحماً أَقامَ لَهُ جَزّارُهُ وَضَما
لَكِن عَفَونا وَكانَ العَفوُ عادَتَنا / وَلَم نُؤاخِذ أَخا جُرمٍ بِما اِجتَرَما
وَلَم يُنَجِّ اِبنَ عَيّاشٍ بِمُهجَتِهِ / يَمٌّ إِذا ما يَراهُ الناظِرُ اِرتَسَما
أَتى مُغِيراً فَوافَى جَوَّ ناظِرَةٍ / فَعايَنَ المَوتَ مِنّا دُونَ ما زَعَما
فَراحَ يَطرُدُ طَردَ الوَحشِ لَيسَ يَرى / حَبلَ السَلامَةِ إِلّا السَوطَ وَالقَدَما
فَاِنصاعَ نَحوَ أَوالٍ يَبتَغي عِصَماً / إِذ لَم يَجِد في نَواحي الخَطِّ مَعتَصما
فَأَقحَمَ البَحرَ مِنّا خَلفَهُ مَلِكٌ / مازالَ مُذ كانَ لِلأَهوالِ مُقتَحما
فَحازَ مُلكَ أَوالٍ بَعدَ ما تَرَكَ ال / عَكرُوتَ بِالسَيفِ لِلبَوغاءِ مُلتَزِما
فَصارَ مُلكُ اِبنِ عَيّاشٍ وَمُلكُ أَبي ال / بَهلُولِ مَع مُلكِنا عِقداً لَنا نُظِما
مَن ذا يُقاسُ بِعَبدِ اللَهِ يَومَ وَغىً / في بَأسِهِ أَو يُباري جُودهُ كَرَما
مِنّا الَّذي جادَ بِالنَفسِ الخَطيرَةِ في / عِزِّ العَشيرَةِ حَتّى اِستَرحَلَ العَجَما
مِنّا الَّذي قامَ سُلطانُ العِراقِ لَهُ / جَلالَةً وَالمَدى وَالبُعدُ بَينَهُما
مِنّا الَّذي حازَ مِن ثاجٍ إِلى قَطَرٍ / وَصَيَّرَ الرَملَ مِن مالِ العَدُوِّ حِمى
مِنّا الَّذي حينَ عَدَّ الأَلفَ خازِنُهُ / لِضَيفِهِ قالَ ضاعِفها أَرى أَمَما
مِنّا الَّذي مِن نَداهُ ماتَ عامِلُهُ / غَمّاً وَأَصبَحَ في الأَمواتِ مُختَرَما
مِنّا الَّذي جادَ إِيثاراً بِما مَلَكَت / كَفّاهُ لا يَدَ يَجزِيها وَلا رَحِما
مِنّا الَّذي أَنهَبَ اِصطَبلاتِهِ كَرَماً / وَهيَ الجِيادُ اللَواتي فاتَتِ القِيَما
وَكانَ إِن سارَ فَالعِقيانُ تَتبَعُهُ / لِسائِلٍ رُدَّ أَو مُستَرفِدٍ حُرِما
مِنّا الَّذي فَضَّ أَموالَ الخَزائِنِ في / غَوثِ الرَعِيَّةِ لا قَرضاً وَلا سَلَما
وَأَهمَلَ الدَخلَ ذاكَ العامَ فَاِنتَعَشَت / بِهِ الرَعِيَّة حَتّى جازَتِ القُحَما
مِنّا الَّذي جَعَلَ الأَقطاعَ مِن كَرَمٍ / إِرثاً تَوَزَّعُهُ الوُرّاثُ مُقتَسَما
وَجادَ في بَعضِ يَومٍ وَهوَ مُرتَفِقٌ / بِأَربَعينَ جَواداً تَعلُكَ اللُجُما
وَمُطعِم الطَيرِ عامَ المَحلِ فَاِسمُ بِهِ / مِنّا إِذا صَرَّ خِلفُ الغَيثِ فَاِنصَرَما
مِنّا الَّذي أَنفَقَ الأَموالَ عَن عَرضٍ / حَتّى رَأَى شِعبَ شَملِ العِزِّ مُلتَئِما
مِلءَ المُسُوكِ قَناطيراً مُقَنطَرَةً / ما خافَ في جَمعِها حُوباً وَلا أَثَما
مِنّا المُسَوَّرُ تَعظيماً وَوالِدُهُ / كَذاكَ كانَ فَنَحنُ السادَةُ العُظَما
مِنّا الَّذي كُلَّ يَومٍ فَوقَ دارَتِهِ / داعٍ يُنادي إِلَيهِ الجائِعَ الضَرِما
مِنّا الَّذي لَم يَدَع ناراً بِساحَتِهِ / تذكى سِوى نارِهِ لِلضّيفِ إِن قَدِما
وَصاحِبُ البَيتِ مِنّا حِينَ تَنسِبُهُ / لَو لَم نَجِد غَيرَهُ سُدنا بِهِ الأمَما
مِنّا الَّذي عامَ حَربِ النائِليِّ حَلا / يَومَ السُبَيعِ وَيَومَ الخائِسِ الغُمَما
مِنّا الَّذي مَنَعَ الأَعداءَ هَيبَتهُ / حَربَ البِلادِ فَما شَدّوا لَهُ حُزُما
وَماتَ يَطلُبُ يَوماً يَستَلِذُّ بِهِ / يُطَبِّقُ الأَرضَ نَقعاً وَالحَضيضَ دَما
مِنّا الَّذي ضُرِبَت حُمرُ القِبابِ لَهُ / بِالمَشهَدَينِ وَأَعطى الأَمنَ وَاِنتَقَما
لَولا عِياذُ بَني الجَرّاحِ مِنهُ بِهِ / لَصاحَبَت دَهمَشاً أَو أُلحِقَت دَرِما
مِنّا الَّذي أصحَبَ المُجتازَ مِن حَلَبٍ / إِلى العِراقِ إِلى نَجدٍ إِلى أَدَما
مِنّا الَّذي كُلَّ عامٍ بِالعِراقِ لَهُ / رَسمٌ سَنِيٌّ إِلى أَن ضُمِّنَ الرُجَما
مِنّا الَّذي رَكَزَ الرُمحَينِ ضاحِيَةً / وَجَوّزَ العَرَبَ العَرباءَ بَينَهُما
حَتّى اِحتَوى ما اِصطَفاهُ مِن عَقائِلَها / غَصباً وَهانَ عَلَيهِ رَغمُ مَن رَغِما
وَيَومَ سُترَةَ منّا كانَ صاحِبُهُ / لاقَت بِهِ شامَةٌ وَالحاشِكُ الرَقِما
أَلفَينِ غادَرَ مِنهُم مَع ثَمانِ مئىٍ / صَرعى فَكَم مُرضَعٍ مِن بَعدها يَتُما
مِنّا أَبُو يُوسُفٍ وَالمُرتَجى حَسَنٌ / وَاِبنُ الإِمارَةِ وَالبَيتِ المُنيفِ هُما
وَيُوسُفٌ وَأَبُو شُكرٍ وَإِخوَتُهُ / حَليُ العُلا وَكِعامُ الدَهرِ إِن عَزَما
مِنّا الَّذي أَبطَلَ الماشُوشَ فَاِنقَطَعَت / آثارُهُ وَاِنمَحى في الناسِ وَاِنطَسَما
مِنّا الأَميرُ أَبو فَضلٍ مَتى اِختَصَمَت / بَنُو الوَغى كانَ في أَرواحِها الحَكَما
ما قابَلَ الأَلفَ إِلَّا وَاِنثَنَت هَرَباً / كَأَنَّها الوَحشُ لاقَت ضَيغَماً قَرِما
منّا الأَميرُ حَوارِيٌّ وَوالِدُهُ / فَاِذكُرهُما فَلَقد طابا وَقَد كَرُما
وَفي سُليمٍ لَنا عِزٌّ وَمُفتخَرٌ / وَمُفلِحٌ وَهُما لِلّهِ دَرُّهُما
وَفي أَمِيرٍ وَسُلطانٍ لَنا شَرَفٌ / نَسمو بِهِ وَاِبنُ بَدرِ اللَيثُ بَعدَهُما
مِنّا أَبو فاضِلٍ وَاللَوذَعيُّ أَبُو / مَذكُورٍ القرمُ فَلنَفخَر بِمثلِهِما
وَما حُسَينٌ وَبَدرٌ إِن ذَكَرتُهُما / إِلّا هُمامانِ فاقَ الناسَ مَجدُهُما
مِنّا الَّذي حَطَّ زُهداً عَن رَعِيَّتهِ / كُلَّ المُكُوسِ فَأَضحى الجَورُ مُنحَسِما
وَكَم لَنا مِن بَني البَيعِيِّ مِن بَطَلٍ / إِذا رَأى مِن عَدُوٍّ هامَةً صَدَما
مِنّا الثَلاثَةُ وَالفردُ الَّذينَ لَقُوا / كَتائِباً كَأبي السَيّالِ حِينَ طَما
تَدعُو عَجِيبَةَ أَحياناً وَآوِنَةً / أُمُّ العَجرَّشِ وَالحَجّافِ بَينَهُما
يَومَ الجُرَيعاءِ ما خامُوا وَما جَبُنوا / بَل كُلُّهُم يَصطَلي نِيرانَها قَدَما
مِنّا الرِجالُ الثَمانُونَ الَّذينَ هُمُ / يَومَ القَطيعَةِ أَوفى مَعشَرٍ ذِمَما
لاقُوا ثَلاثَةَ آلافٍ وَما جَبُنُوا / عَنهُم وَلا اِستَشعَرُوا خَوفاً وَلا بَرَما
فَطاعَنُوهُم إِلى أَن عافَ طَعنَهُمُ / مَن كانَ يَحسِبُهُم غُنماً إِذا قَدما
أَفعالُ آبائِهِم يَومَ الرُكَينِ وَمَن / يُشبِه أَبَاهُ فَلا وَاللَهِ ما ظَلَما
إِذ طَيَّرَ التَلَّ يَومَ القَصرِ كَرُّهُمُ / عَلى الأَعاجِمِ حَتّى بادَ بَينَهُما
نَحنُ الثِمالُ فَمَن يَكفُر بِنِعمَتِنا / كُنّا المُثَمَّلَ يُدني الحَتفَ وَالسَقَما
أَبياتُنا لِذَوي الآمالِ مُنتَجَعٌ / إِذا الزَمانُ يُرى كَالعِيرِ أَو عَرَما
وَما عَدَدتُ عَشيراً مِن مَناقِبِنا / وَمَن يَعُدُّ ثرَى يَبرِينَ مُرتَكِما
أَنِخ فَهَذِي قِبابُ العِزِّ وَالكَرَمِ
أَنِخ فَهَذِي قِبابُ العِزِّ وَالكَرَمِ / وَقِل فَكُلُّ العُلا في هَذِهِ الخِيَمِ
وَاِعفِ النَجائِبَ مِن نَصٍّ وَمِن عَنقٍ / فَقَد بَلَغتَ مُلُوكَ العُربِ وَالعَجَمِ
فَما وَراءَ بَني فَضلٍ فَتَطلُبَهُ / غِنىً لِراجٍ وَلا عِزٌّ لِمُهتَضَمِ
هُمُ المُلوكُ وَساداتُ المُلوكِ هُمُ / وَما رَبى المُلكُ إِلّا في بُيوتِهِمُ
وَقَد نَزَلتَ بِأسراهُم وَأَنبَلِهِم / عَلى سَراواتِهِم فِينا وَنُبلِهِمُ
فَاِنظُر بِعَينِكَ هَذا فَهوَ سَيِّدُهُم / طُرّاً وَسَيِّدُ عَدنانٍ وَغَيرِهِمُ
هَذا الهُمامُ عِمادُ الدِّينِ أَكرَمُ مَن / يُدعى وَيُرجى وَخَيرُ الناسِ كُلِّهِمُ
هَذا هُوَ المَلِكُ المَيمونُ طائِرُهُ / هَذا المُؤَمَّلُ هَذا كاشِفُ الغُمَمِ
هَذا هُوَ المُخجِلُ الأَنواءَ نائِلُهُ / فَما يُشائِمُهُ فَقرٌ إِلى الدِّيَمِ
هَذا هُوَ السالِبُ الجَبّارَ مُهجَتَهُ / غَصباً وَتارِكُهُ لَحماً عَلى وَضَمِ
هَذا الَّذي لَو رَأى قُسٌّ فَصاحَتَهُ / لَقالَ هَذا لَعَمري مَعدِنُ الحِكَمِ
هَذا الَّذي لَو رَآهُ في جَلالَتِهِ / كِسرى لَفَدّاهُ مِن مَوتٍ وَمِن أَلَمِ
هَذا الَّذي لَو زُهَيرُ الشِعرِ أَدرَكَهُ / يَوماً لَعَدّى إِلَيهِ القَولَ عَن هَرِمِ
فَحَيِّهِ بَعدَ تَقبيلِ الصَعيدِ وَقُل / أَهلاً وَسَهلاً بِمُحيي البَأسِ وَالكَرَمِ
أَهلاً بِسَيِّدِ أَهلِ الأَرضِ قاطِبَةً / وَخَيرِ أَملاكِ أَهلِ الحِلِّ وَالحَرَمِ
أَهلاً وَسَهلاً بِمَن في نُورِ غُرَّتِهِ / غِنىً عَنِ البَدرِ لِلسارِينَ في الظُلمِ
أَهلاً بِهِ وَبِهَذا اليَومِ إِنَّهُما / إِن فُوضِلا أَفضَلُ الأَيّامِ وَالأُمَمِ
وَكَبِّرِ اللَهَ وَاِشكُرهُ لِذاكَ وَقُل / اللَهُ أَكبَرُ وَاِسجُد غَيرَ مُحتَشَمِ
لِلّهِ دَرُّ عِمادِ الدِّينِ مِن مَلِكٍ / ما فِيهِ مِن كَرَمِ الأَخلاقِ وَالشِّيَمِ
سَكِينَةٌ لَو سَرَت في البَحرِ ما اِضطَرَبَت / بِرِيحِ عادٍ أَواذِيهِ وَلا إِرَمِ
وَهَيبَةٌ لَو سُلَيمانُ النَبيُّ أَتى / بِها الشَياطِينَ أَهلَ المَسِّ وَاللَمَمِ
لَأَوغَلُوا في البِناءِ المُقرَنينَ لَهُ / وَالغَوصِ أَو تُبعَثُ المَوتى مِنَ الرِّمَمِ
وَنَجدَةٌ لَو لِلَيثِ الغابِ أَيسَرُها / عَلا البِقاعَ وَلم يَستَذرِ بِالأُجُمِ
مَلِكٌ حَمى جَنَباتِ المُلكِ مُعتَزِماً / بِالسَيفِ لا بِيَراعٍ غُطَّ في جَمَمِ
وَشَكلَةُ السَيفِ أَمضى في العَدُوِّ وَإِن / فُلَّت مَضارِبُهُ مِن شَكلَةِ القَلَمِ
مِن بَأسِهِ تَذهَبُ الفُرسانُ شارِدَةً / شُرُودَ سِربِ القَطا مِن أَجدَلٍ قَطِمِ
كَم سَيِّدٍ في ظَلامِ النَقعِ غادَرَهُ / شِلواً بِأَبيضَ أَو زَرقاءَ كَالضَرَمِ
في وَقعَةٍ صاحَ فيها مَن نَجا هَرَباً / يا خِصبَ عامِكَ لا هُنِّيتَ مِن رَخَمِ
فَالخَيلُ تَعرِفُ في الهَيجاءِ صَولَتهُ / بِحَيثُ يَأخُذُ سامي النَقعِ بِالكَظَمِ
فَما أَحَسَّت بِهِ إِلّا اِنثَنَت هَزَماً / وَنَكهَةُ الذِئبِ لا تَخفى عَلى الغَنَمِ
كَم صَكَّ بِالسَيفِ وَالأَبطالُ جائِلَةٌ / مِن مُعلَمٍ في نَدِيِّ الحَيِّ كَالعَلَمِ
لَم يَشكُلِ الخَيلَ مُذ جالَت بِشَكلَتِهِ / إِلّا بِشَعرِ لِحى الأَبطالِ وَاللِّمَمِ
لَقَد زَهَت خُطَطُ البَحرَينِ وَاِفتَخَرَت / بِهِ عَلى مَأرِبٍ في الأَعصُرِ القِدَمِ
بعَدلِهِ وَالدَمِ المُهراقِ حَصَّنَها / وَلا يَقِرُّ دَمٌ إِلّا بِسَفكِ دَمِ
لِلّهِ حَدسُ أَبِيهِ إِذ تَأَمَّلَهُ / في المَهدِ لَمّا يُبن عَن لا وَلا نَعَمِ
قَد قالَ وَهوَ يُناغِيهِ لِأُسرَتِهِ / ثِقُوا بِأَبلَجَ عالي الذِكرِ وَالهِمَمِ
أَعطى اللَهى وَعَلَت في المَجدِ هِمَّتُهُ / قَبلَ اِختِطاطِ عِذارٍ وَاِثِّغارِ فَمِ
وَقادَها لِتَمامِ العَشرِ تَحسِبُها / آذِيَّ بَحرٍ زَفَتهُ الرِيحُ مُلتَطِمِ
فَداسَ كُلَّ بِلادٍ لِلعَدُوِّ بِها / دَوسَ اليَمانِيِّ ما يَخلى مِن الأَدَمِ
وَما أَلَمَّ إِلى أَن لَم يَدَع مَلِكاً / لَهُ بِها مِن حِمى حامٍ وَلا حَرَمِ
أَعطَتهُ مَملَكَةَ الأَحساءِ هِمَّتهُ / وَعَزمُ مُستَبصِرٍ بِالرَأيِ غَيرُ عَمِ
فَإِن يَقُولُوا اِختِياراً كانَ ذاكَ فَهَل / يُختارُ لِلضَربِ غَيرُ الصارِمِ الخَذِمِ
فَغَيرُ لايٍ وَزَجّاها مُلَملَمَةً / تَدافُعَ السَيلِ سَيلَ اليَأمَنِ العَرِمِ
فَما أَناخَت إِلى أَن غالَ عِثيَرُها / ما شيدَ بِالخَطِّ مِن حِصنٍ وَمِن أُطُمِ
وَما نَضا الدِّرعَ حَتّى حازَ حَوزَتَها / قَهراً وَآخى بِها الأًحساءَ مِن أَمَمِ
وَلَم يَمُدَّ إِلى هَرمُوزَ مِنهُ يَداً / وَحاركٌ لَم يَمُدُّوا كَفَّ مُعتَصِمِ
يا آلَ فَضلٍ أَماتَ اللَهُ حاسِدَكُم / بِغَيظِهِ وَكَفاكُم زَلَّةَ القَدَمِ
كَم يَمضُغُ الدَهرُ فِيما بَينَ أَظهُرِكُم / لَحمي وَيَشرَبُ شُربَ الهيمِ فَضلَ دَمي
أَفي المُروءَةِ أَن أَظمى وَحوضُكُمُ / لِلكَلبِ وَالذِئبِ وَالجِرذانِ وَالبُهَمِ
وَيُصطَفى مَن أَبُوهُ كانَ عَبدَ أَبي / دُوني وَيُقطَعُ فِيما بَينَكُم رَحِمي
حاشا اِبنَ مَسعُودٍ المَلكَ المُعَظَّمَ أَن / أُجفى وَيُقفى بَنُو الداياتِ وَالخَدَمِ
فَتىً نَماهُ إِلى العَلياءِ كُلُّ فَتىً / حامي الذِّمارِ وَفِيِّ العَهدِ وَالذِّمَمِ
مَن مِثلُ مَسعُودٍ القَرمِ الهُمامِ وَمَن / كَأَحمَدَ المُرتَجى في البَأسِ وَالكَرَمِ
وَمَن يُباري اِبنَ فَضلٍ في مَكارِمِهِ / أَبا سِنانٍ غِياثَ الناسِ في القُحَمِ
وَخَيرُ قَيسِ بنِ عَيلانٍ خُؤُولَتُهُ / فَمَن بَغى الفَخرَ فَليَفخَر بِمثلِهِمُ
قَومٌ أَبُوهُم سِنانٌ خَيرُ ما حَمَلَت / أُنثى وَمَن قادَها تَختالُ في اللُجُمِ
يابا عَلِيٍّ أَجِب مِن غَيرِ نَأنَأَةٍ / صَوتَ اِمرِئٍ في عُلاكُم غَير مُتَّهَمِ
إِلَيكَ شَدّاً مِنَ الأَحساءِ أَنهَضي / عَزمُ المُلوكِ وَحَظٌّ غَيرُ ذِي كَشَمِ
وَقَد تَحَقَّقتُ أَنَّ الرُشدَ يَصحَبُني / فَما أُحاذِرُ قَرعَ السِنِّ مِن نَدَمِ
كَم جُبتُ دُونكَ مِن تيهٍ يَتِيهُ بِها / قَلبُ الدَليلِ مِنَ الإِشفاقِ وَالسَأَمِ
وَمُزبِدٍ يَتَراءى المَوتُ راكِبَهُ / يَرمي بِمُقلَولبِ الأَمواجِ مُرتَطِمِ
قَد قُلتُ لِلنَفسِ فيهِ وَهيَ مُجهِشَةٌ / وَالمَوجُ مِن هازِمٍ فيهِ وَمُنهَزِمِ
قِرّي فَلَو شاءَ أَمراً فَهوَ بالِغُهُ / وَالمَوتُ آتٍ وَما تَلقَينَ كَالحُلُمِ
وَمَن تَكُن صُحبَةُ الأَملاكِ هِمَّتُهُ / مَضى على الهَولِ مَمضى البازِلِ السَدِمِ
وَغَيرُ مُستَنكَرٍ لَو زُرتُ حَضرَتَهُ / سَعياً عَلى الرَأسِ لا سَعياً عَلى القَدَمِ
وَقَد بَلَغتُ وَما في المالِ مِن ضَعَفٍ / وَقَد دَعَوتُ وَما في السَمعِ مِن صَمَمِ
وَها أَنا اليَومَ يا خَيرَ المُلوكِ أَنا / وَأَنتَ أَنتَ وَشَيءٌ قَطُّ لَم يَدُمِ
وَلَيسَ إِلّاكَ نَدعُوهُ وَنَندُبُهُ / لِما يُقابِلُنا مِن دَهرِنا الحُطَمِ
فَلا خَلَت مِنكَ آفاقُ البِلادِ وَلا / خَلَوتَ مِن نِعَمٍ تَأتي عَلى نِعَمِ
ما أَنصَفَ الطَلَلُ العافي بِماوانا
ما أَنصَفَ الطَلَلُ العافي بِماوانا / لَم نُشجِهِ يَومَ سَلَّمنا وَأَشجانا
عُجنا نُحَيّيهِ إِجلالاً وَتَكرِمَةً / مِنّا فَلَم نُبكِهِ شَوقاً وَأَبكانا
وَكُنتُ أَحسبُهُ وَالدَهرُ ذُو غِيَرٍ / لَو لَم نُحَيِّ مَغانِيهِ لَحَيّانا
فَلَستُ أَدري لِإِنكارٍ تَخَوَّنَهُ / أَم بِالعُقوقِ عَلى عَمدٍ تَوَخّانا
فَإِن يَكُن ذاكَ إِنكاراً فَلا عَجَبٌ / فَالشَيءُ يُنكِرُهُ ذُو اللُبِّ أَحيانا
رَأى عَلى شُعَبِ الأَكوارِ أَزفِلَةً / شِيباً وَيَعهَدُنا بِالأَمسِ شُبّانا
كُلٌّ مِنَ الضَعفِ قَد أَشفى عَلى هَرَمٍ / وَعِندَهُ أَنَّ حينَ الشَيبِ ما حانا
أَقُولُ وَالدَمعُ قَد بَلَّت بَوادِرُهُ / مِنّا خُدُوداً وَأَذقاناً وَأَردانا
وَقَد مُلِئتُ بِما عاينتُهُ عَجَبَاً / ما ضَرَّ سَهمَ الرَزايا لَو تَخَطَّانا
ما الذَنبُ لِلرَبعِ في هَذا فَنُلزِمُهُ / عَتباً وَلَكِنَّ هَذا الدَهرَ لا كانا
لَو لَم تَحُلَّ بِنادينا زَلازِلُهُ / لَكانَ ذَلِكُمُ الإِنكارُ عِرفانا
إِيهاً خَلِيلَيَّ مِن ذُهلِ بنِ ثَعلَبَةٍ / مَن لَم يُهِن نَفسَهُ في حَقِّها هانا
قُوما فَفي الأَرضِ عَن ذِي إِحنَةٍ سَعَةٌ / وَالحُرُّ يَختارُ أَخداناً وَأَوطانا
وَإِنَّني وَاجِدٌ في كُلِّ ناحِيَةٍ / بِالدارِ داراً وَبِالجيرانِ جِيرانا
كَم ذا المُقامُ عَلى ذُلٍّ وَمَنقَصَةٍ / وَكَم أُجَرَّعُ كَأسَ الضَيمِ مَلآنا
يَسُومني الخَسفَ أَقوامٌ أُبوّتهُم / عَبِيدُ آبايَ إِقراراً وَإِذعانا
أَرضى وَأَقنَعُ بِالحَظِّ الخَسيسِ وَلَو / أُنصِفتُ كُنتُ لَها بَدءاً وُثنيانا
وَيَعتَرِيني الأَذى مِن كُلِّ نازِلَةٍ / أَلقى أَوائِلَهُ في الناسِ خمّانا
يَعُدُّ إِن قالَ صِدقاً مِن مَفاخِرِهِ / كَرّاً وَمرّاً وَمِسحاةً وَفدّانا
يا دَهرُ إِن كُنتَ يَقظاناً فَقُم عَجِلاً / أَو ما تَزالُ إِذا نُوديتَ وَسنانا
فَاِنظُر أُمُوراً وَأَحوالاً مُنَكَّسَةً / ما كُنتُ نائِلَها لَو كُنت يَقظانا
جَدعاً وَعَقراً وَعَثراً يا زَمانُ وَلا / لَعاً لَقَد سُمتَنا جَوراً وَعُدوانا
ذَهَبتَ بِالعِزِّ وَاِستَبقَيتَ لِي غِرَراً / صُمّاً عَن الخَيرِ وَالمَعرُوفِ عُميانا
يَرى الغَنيمَةَ مَن يَرجُو نَوالَهُمُ / أَن لا يَعُودَ إِلى نادِيهِ عُريانا
وَجالِبُ المَدحِ يَستَمري أَكُفَّهُمُ / كَحالِبِ التَيسِ يَرجُو مِنهُ أَلبانا
يَعُدُّ مَمدُوحُهُم إِصغاءَ مَسمَعِهِ / إِلى مُمَدِّحِهِ فَضلاً وَإِحسانا
لِعِلمِهِ أَنَّهُ قَد جاءَ مُبتَدِعاً / وَقالَ في حَقِّهِ زُوراً وَبُهتانا
الحَمدُ لِلّهِ لَم أُنزِل بِهِم أَمَلاً / يَوماً فَأَرجِعُ كابي الزَّندِ خَزيانا
وَلا رَأَيتُهُمُ أَهلاً لِمَكرُمَةٍ / فَأَجتَدي مِنهُمُ مَقتاً وَحِرمانا
وَكَيفَ أُنزِلُ آمالي بِمُقرِفَةٍ / مَصّوا أَفاوِيقَ ثَديِ اللُؤمِ وِلدانا
يَرى جَوادُهُم العافي فَتَحسِبُهُ / رَأى هِزَبراً هَريتَ الشَدقِ طيّانا
يُخالُ سائِلهُم مِن صَرِّ أَوجُهِهم / بِالمِلحِ يَعرِكُ آنافاً وَآذانا
كَأَنَّما نَغمَةُ المُمتاحِ سَيبُهُمُ / سَهمٌ أَحَنَّ بِهِ كَبداءَ مِرنانا
جُودُ الكَريمِ لمن أَصفي مَوَدَّتَهُ / بَدءاً وَعَوداً وَإِسراراً وَإِعلانا
وَجُودُ كُلِّ لَئيمِ الطَبعِ يُمطِرُهُ / أَهلَ العَداوَةِ أَو مَن كانَ عَجّانا
يا أَيُّها الراكِبُ المُزجي لِطيَّتِهِ / وَجناءَ مَوّارَةِ الضَبعَينِ مِذعانا
أَبلِغ عَلى النَأيِ قَومي حَيثُ ما نَزَلُوا / بَرّاً وَبَحراً وَأَجبالاً وَغِيضانا
وَقُل لَهُم عَن لِساني غَيرَ مُتَّئِبٍ / قَولاً تُبَيِّنُهُ لِلقَومِ تِبيانا
كَم ذا التَغافُلُ عَمّا قَد مُنِيتُ بِهِ / وَكَم أَهُزُّكُمُ مَثنى وَوُحدانا
أَتَقنَعُونَ بِأَن أَطوي رَجاءَكُمُ / يَأساً وَأَن أَتَرَجّى الحَيَّ قَحطانا
وَأَن أُفارِقَكُم حَرّانَ قَد بَرَدَت / بِيَ المُعادُونَ أَحقاداً وَأَضغانا
لا وَفَّقَ اللَهُ في بَدوٍ وَلا حَضَرٍ / أَعَقَّنا لِمَواليهِ وَأَجفانا
وَلا رَعى في رَعاياهُ الَّتي حُفِظَت / أَبَرَّنا بِمُعادِيهِ وَأَحفانا
يا لَيتَ شِعرِيَ إِن زُمَّت رَكائِبُنا / وَقُطِّعَت مِن قُرى البَحرَينِ أَقوَانا
وَأَصبَحَت قَد أَناخَت في ذُرى مَلِكٍ / مِن حِميَرٍ أَو بَقايا الحَيِّ كَهلانا
وَجاءَتِ القَومُ أَفواجاً لِتَسأَلَني / فَصادَفُوا مَنطِقي لِلفَضلِ عُنوانا
فَإِن أُجَمجِم وَأُخفي عَنهُمُ خَبري / حَمِيَّةً جَلَبَت هَوناً وَنُقصانا
وَإِن أَقُل كُنتُ ذا مالٍ فَمَزَّقَهُ / صَرفٌ مِنَ الدَهرِ ما يَنفَكُّ يَلحانا
يُقالُ لي كُلُّ تَفريقٍ لَهُ سَبَبٌ / يَجري فَأورِد عَلَينا الأَمرَ وَالشانا
فَإِن أَقُل سَيِّدا قَومي هُما سَبَبٌ / لِذاكَ لَم أَرَ هَذا القَولَ إِحسانا
هَذا لَعَمري أَطاعَ الكاشِحينَ وَلَم / يَعطِف وَأَصغى إِلى الواشينَ إِذعانا
وَمَنَّ بَعدَ ذَهابِ المالِ عَن عَرَضٍ / يفَتِّرُ النَفسَ كَي نَدعُوهُ مَنّانا
وَجِئتُ هَذا أُرَجّي عِندَهُ أَمَلاً / نَزراً فَصادَفتُ إِعراضاً وَحِرمانا
وَفي مَوَدَّتِهِ لاقَيتُ كُلَّ أَذىً / وَاِجتيحَ وَفرِيَ بُغضاً لِي وَشَنآنا
وَكُلُّ ذِي غُصَّةٍ بِالماءِ يَدفَعُها / فَكَيفَ يَصنَعُ مَن بِالماءِ غَصّانا
وَما عَلى مَن يَقُولُ الصِدقَ مِن حَرَجٍ / وَلَيسَ تَلزَمُهُ ذَنباً وَلا ذانا
لا عَزَّ قَومٌ يَعيشُ الكَلبُ ذا بغَرٍ / ما بِينَهُم وَيَمُوتُ اللَيثُ عَطشانا
وَقائِلٍ عَدِّ عَن نَظمِ القَريضِ فَقَد / أَسمَعتَ مِن قَبلُ لَو نَبَّهتَ يَقظانا
المَجدُ أَمسى دَفيناً بِالعذارِ فَقُم / كَيما تُقيمَ لَهُ نَوحاً وَإِرنانا
فَلَيسَ بَعدَ عِمادِ الدِينِ مِن مَلِكٍ / تَخُطُّ فيهِ رُواةُ الشِعرِ دِيوانا
يا ثُكلَ أُمِّ العِدى وَالمَكرُماتِ أَما / لَو يَنطِقُ الدَهرُ عَزّاها وَعَزّانا
فَقُلتُ لَم نَرَ فيهِ مِن خِلالِ عُلاً / إِلّا وَنَحنُ نَراها في اِبنِهِ الآنا
حَزمٌ وَعَزمٌ وَبَأسٌ صادِقٌ وَنَدىً / غَمرٌ وَحِلمٌ وَعَقلٌ فاقَ لُقمانا
يا فَضلُ دَعوةَ ذِي قُربى دَعاكَ وَقَد / أَحَسَّ لِلضَيمِ في أَحشاهُ نِيرانا
أَنتَ الَّذي تَرَكَ الأَعداءَ هَيبَتُهُ / كُلٌّ يُجَمجِمُ ما يَلقاهُ حَيرانا
يَأبى لَكَ المَجدُ وَالطَبعُ الكَريمُ بِأَن / تُدعى عَلى المالِ لِلأَحداثِ خَزّانا
يا مَن يَرى بَذلَهُ الأَموال فائدةً / تَبقى لَهُ وَيَرى الإِمساكَ خُسرانا
وَأَنتَ للدَوحَةُ اللّاتي أَرُومَتُها / طابَت فَمَدَّت عَلى الأَغصانِ أَغصانا
وَفِي يَدَيكَ سَحابُ الجُودِ تُمطِرُها / عَلى الخَلائِقِ أَوراقاً وَعِقيانا
أُعِيذُ مَجدَكَ أَن أَشقى وَتَعرِفُني / نُيُوبُ دَهرٍ تَرُدُّ القَرمَ حُلّانا
نَماكَ لِلمَجدِ آباءٌ بِهِم شَرُفَت / رَبِيعَةُ الغُرُّ عَدناناً وَقَحطانا
قَومٌ هُمُ ثَأَرُوا حُجراً وَهُم أَسَرُوا / عَمراً وَهُم قَهَرُوا ذا التاج صُهبانا
وَهُم أَباحُوا حِمى كِسرى وَهُم قَتَلُوا / هامُرزَ وَاِستَنزَلُوا الأُسوارَ مَهرانا
كانُوا جِبالاً لِنَجدٍ تَستَقِرُّ بِها / عَن الزَلازِلِ إِن ماجَت وَأَركانا
حَتّى إِذا اِرتَحَلُوا عَن جَوِّها اِضطَرَبَت / وَبُدِّلَت مِنهُمُ خَسفاً وَخِذلانا
وَأَصبَحَت بِقُرى البَحرَينِ خَيلُهُمُ / تَجُرُّ لِلعِزِّ أَشطاناً وَأَرسانا
لَولا نُزولهُمُ في جَوِّها لَرَأَت / رَبِيعَةٌ هَرَباً كَيشاً وَمَكرانا
لَكِنَّهُم أَثبَتُوا آساسَها وَنَفَوا / عَنها حَمِيَّ بنَ عَيمانٍ وَحَدّانا
كَما نَفَت قَبلَ ذا قَسراً أَوائِلُهُم / عَنها إِياداً وَحُلواناً وَجِيلانا
فَهاكَها يا عِمادَ الدِينِ حاوِيَةً / دُرّاً وَمِسكاً وَياقُوتاً وَمَرجانا
بَعضُ الَّذي نالَنا يا دَهرُ يَكفِينا
بَعضُ الَّذي نالَنا يا دَهرُ يَكفِينا / فَاِمنُن بِبُقيا وَأَودِعها يَداً فِينا
إِن كانَ شَأنُكَ إِرضاءَ العَدُوِّ بِنا / فَدُونَ هَذا بِهِ يَرضى مُعادينا
فَالحَمدُ لِلّهِ حَمداً لا نفادَ لَهُ / إِذ لَم يَكُن ضَعفُنا إِلّا بِأَيدِينا
خافَت بَنُو عَمِّنا أَمراً يُعاجِلُنا / مِن قَبلِ إِلحاقِ تالينا بِماضينا
وَاِستَيقَنَت أَنَّ كُلَّ المُلكِ مُنتَزَعٌ / وَلَو تَمَكَّثَ في أَربابِهِ حِينا
وَحاذَرت دَولَةً في عَقبِ دَولَتِها / تَأتي سَريعاً فَتُلقِي سُمَّها فِينا
فَلَم تَدَع لِمُرجٍّ سَلبَ نِعمَتِها / أَرضاً قَراحاً بِأَيدِينا وَلا لِينا
وَلَم تَزَل هَذِهِ فِينا عِنايَتُها / حَتّى تَساوى اِبنُ سِتٍّ وَاِبنُ سِتِّينا
هَذا هُوَ الحَزمُ وَالرَأيُ السَديدُ فَلا / تَظُنّهُ القَومُ زَهداً في مَغانينا
لِأَنَّ مَن يَتَوَلّى الأَمرَ بَعدَهُمُ / لَيسُوا بِمَأمُونِ شَرٍّ في نَواحينا
وَالفَقرُ في أَرضِنا خَيرٌ لِصاحِبِهِ / مِنَ الغِنى وَالقَليلُ النَزرُ يُرضِينا
لِما يُعانيهِ رَبُّ المالِ مِن تَعَسٍ / في أَرضِنا لا لِأَنَّ المالَ يُطغِينا
وَكَم غِنىً عِندَنا قَد جَرَّ داهِيَةً / دَهياءَ تَترُكُ فَحلَ القَومِ عِنِّينا
فَاِنظُر أَخا العَقلِ وَالتَدبيرِ إِنَّ لَهُ / شَأناً عَظيماً وَدَوِّنهُ الدَواوِينا
لَم يَهتَدِ المَرءُ كِسرى أَن يُدَبِّرَهُ / وَكانَ أَرجَحَها عَقلاً وَتَمكِينا
وَصاحِبٍ قالَ لي وَالعَينُ تَحرُسُهُ / حِيناً وَيَنطِقُ بِالشَكوى أَحايينا
أَما تَرى قَومَنا فِينا وَما صَنَعُوا / لَم يَترُكُوا أَمَلاً فِينا لِراجِينا
مالُوا عَلَينا مَعَ الأَيّامِ وَاِستَمَعُوا / فِينا أَقاوِيلَ شانِينا وَقالِينا
مِن غَيرِ شَيءٍ سِوى قَصرٍ بِأَلسُنِنا / عَمّا يُعابُ وَطُولٍ في عَوالينا
وَأَنَّنا نَرِدُ الهَيجاءَ تَحسَبُنا / مِن زَأرِنا في الوَغى جِنّاً مَجانينا
وَلا نُبالي شَقَقنا في عَجاجَتِها / هَوادِيَ القَومِ أَو شَقَّت هَوادِينا
وَيُكرِهُ الصَعدَةَ السَمراءَ أَصغَرُنا / سِنّاً وَيُفحِمُ كَهلَ القَومِ ناشِينا
نَحنُ المُلوكُ وَأَردافُ المُلوكِ وَفي / بَحبُوحَةِ العِزِّ شادَ العِزَّ بانينا
نَحمي عَلى الجارِ وَالمَولى وَيَأمَنُنا / عَلى اِختِلافِ اللَيالي مَن يُصافِينا
آباؤُنا خَيرُ آباءٍ إِذا ذُكِرُوا / كانُوا المَشاوِذَ وَالناسُ التَساخِينا
أَيّامُنا لَم تَزَل غُرّاً مُحَجَّلَةً / وَلا تُباعُ بِأَيّامٍ لَيالينا
تَرَعرَعَ المُلكُ في أَبياتِنا وَنَشا / حَتّى اِستَوى وَمُرَبِّيهِ مُرَبِّينا
يا لَيتَ شِعري أَيُّ الذَنبِ كانَ لَنا / حَتّى بِهِ اِجتيحَ دانينا وَقاصِينا
أَضحَت بَساتِينُنا نَفدي بِأَحسَنِها / شِقصاً لِأَدنى خَسيسٍ مِن مَوالينا
بِجُلَّةِ التَمرِ وَالشاةِ الرَعُومِ غَدَت / أَملاكُنا وَاِحتَمَت أَملاكُ عادينا
إِنّا إِلى اللَهِ لا أَرحامُنا نَفَعَت / وَلا طِعانُ حُماةِ القَومِ يَحمينا
هَذا الجَزاءُ لِما سَنَّت أَسِنَّتُنا / يا لَلرِجالِ وَما أَمضَت مَواضينا
يَومَ العَطيفَةِ إِذ جاءَت مُغَلِّسَةً / كَتائِبٌ نَحوَنا بِالمَوتِ تُردِينا
تُوفي ثَلاثَةَ آلافٍ مُضَمَّنَةً / وَلا تجاوِزُ في عَدٍّ ثَلاثينا
رِماحُهُم وَظَلامُ النَقعِ يَستُرُنا / وَكَرُّنا وَضِياءُ البيضِ يُبدِينا
طَعناً بِهِ كانَ إِبراهيمُ وَالِدنا / مِن قَبلِ أَن يَنزِلَ البَحرَينِ يُوصِينا
حَتّى تَوَلَّوا وَقَد جاشَت نُفُوسُهُمُ / غَيظاً لِما عايَنُوهُ مِن تَحامِينا
وَقَبلُ رَدَّت رُبُوعَ القَومِ أَربَعَةٌ / مِنّا فَمَن ذا إِلى مَجدٍ يُسامِينا
يَومَ الشَباناتِ لا نَثني أَعِنَّتَها / كَأُسدِ خَفّانَ هِيجَت أَو عِفرِّينا
تَتلُوهُمُ آلُ حَجّافِ وَما وَلَدَت / أُمُّ العَجَرَّشِ مِثلَ الجُربِ طُلِّينا
لَم يَترُكُوا فَضلَ رُمحٍ في أَكُفِّهِمُ / وَنَحنُ نَقصدُها قَرعاً فَتُخَطِينا
هَل غَيرُنا كانَ يَلقاهُم بِعُدَّتِنا / لا وَالَّذي بَيَّنَ الفُرقانَ تَبيينا
وَكَم لَنا مِن مَقامٍ لا نُعابُ بِهِ / وَلا نُذَمُّ بِهِ دُنيا وَلا دِينا
يا ضَيعَةَ العُمرِ يا خُسرانَ صَفقَتِنا / يا شُؤمَ حاضِرِنا الأَشقى وَبادِينا
كُنّا نَخافُ اِنتِقالَ المُلكِ في مُضَرٍ / فَمَرحَباً بِكَ يا مُلكَ اليَمانينا
فَإِن تَوَلَّت مُلُوكُ الرُومِ ما بَلَغَت / مِعشارَ ما صَنَعَت إِخوانُنا فِينا
كُنّا نَضِجُّ مِنَ الحِرمانِ عِندَهُمُ / وَنَطلُبُ الجاهَ فيهِم وَالبَساتِينا
فَاليَومَ نَفرحُ أَن يُبقُوا لِمُوسِرِنا / مِن إِرثِ جَدَّيهِ سَهماً مِن ثمانينا
أَفدي الَّذي قال وَالأَشعارُ سائِرَةٌ / قَبلي يُدَوِّنُها الرَاوُونَ تَدوِينا
يا طالِبَ الثّأرِ قُم لا تَخشَ صَولَتنا / فَما نُراعي بِها مَن لا يُراعِينا
فَسَوفَ يُسقى بِكاساتِ العُقوقِ عَلى / حَرِّ الظَما مَن بِكَأسِ الغَبنِ يَسقِينا
فَما المُعادي لَنا أَولى بِبَغضَتِنا / مِن اِبنِ عَمٍّ مَدى الأَيّامِ يُؤذينا
أَعزِز عَلى اِبنِ عَلِيٍّ وَالأَكارِمِ مِن / آبائِنا أَن يُسيمَ الضَيمُ وادِينا
نالَ المُعانِدُ مِنّا ما يُحاوِلُهُ / سِرّاً وَجَهراً وَتَعرِيضاً وَتَعيينا
رامَت ذَوُو أَمرِنا إِطفاءَ جَمرَتِنا / فَبَعدَها أَلحِقِ الأَحساءَ يَبرِينا
يا قُبحَ آرائِهِم فينا فَلو عَرَفُوا / حَقَّ السَوابِقِ ما اِختارُوا البَراذِينا
فَقُل لَهُم لا أَقالَ اللَهُ صَرعَتَهُم / وَزادَ أَمرَهُمُ ضَعفاً وَتَوهِينا
هَل يَنقِمُونَ عَلَينا غَيرَ أَنَّ بِنا / صارُوا مُلوكاً مَطاعِيماً مَطاعِينا
عَزَّت أَوائِلُهُم قِدماً بِأَوَّلِنا / لِذاكُمُ عَزَّ تاليهِم بِتالينا
كَم قَد كَفَيناهُمُ مِن يَومِ مُعضِلَةٍ / لَوَ اِنَّهُم مَن عَلى الحُسنى يُكافِينا
نَحمي وَنَضرِبُ رَبَّ التاجِ دُونَهُمُ / ضَرباً يُطيرُ فِراخُ الهامِ سِجّينا
فَسَوفَ يَدرُونَ أَنَّ الأَخسَرينَ هُمُ / إِذا اِستَغاثُوا وَنادُوا يالمُحامِينا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025