المجموع : 21
بِيني فَما أَنتِ مِن جِدّي وَلا لَعِبي
بِيني فَما أَنتِ مِن جِدّي وَلا لَعِبي / ما لي بِشَيءٍ سِوى العَلياءِ مِن أَرَبِ
لا تُكثِري مِن مَقالاتٍ تزيدُ ضَنىً / ما الخَطُّ أُمّي وَلا وادي الحَساءِ أَبي
في كُلِّ أَرضٍ إِذا يَمَّمتُها وَطنٌ / ما بَينَ حُرٍّ وَبَينَ الدّارِ مِن نَسَبِ
يا ساكِني الخَطِّ وَالأَجزاعِ مِن هَجَرٍ / هَل اِنتِظارُكُم شَيئاً سِوى العَطبِ
بَحِحتُ ممّا أُناديكُم وَأَندُبُكُم / لِخَيرِ مُنقَلَبٍ عِن شَرِّ مُنقَلَبِ
فَسَكِّتوني بِقَولٍ لا تَفونَ بِهِ / قَد صِرتُ أَرضى بِوَعدٍ مِنكُمُ كَذِبِ
يَلُومُني في فِراقِيكُم أَخو سَفهٍ / أَحَقُّ مِن ناضِحٍ بِالغَربِ وَالقَتَبِ
اللَّهُ أَكرَمُ أَن أَبقى كَذا غَرَضاً / ما بَينَكُم لِصُروفِ الدَهرِ وَالنُوبِ
لِي عَن دِيارِ الأَذى وَالهُونِ مُتَّسَعٌ / ما كُلُّ دارٍ مَناخُ الوَيلِ وَالحرَبِ
لا تَنسِبوني إِلى مَنشاي بَينَكُمُ / التُربُ تُربٌ وَفيهِ مَنبَتُ الذَّهَبِ
لا تَحسَبوا بُغضِيَ الأَوطانَ مِن مَلَلٍ / لا بُدَّ لِلوُدِّ وَالبَغضاءِ مِن سَبَبِ
قِلٌّ وَذُلٌّ وَخِذلانٌ وضَيمُ عِدىً / مُقامُ مِثلي عَلى هَذا مِنَ العَجَبِ
إِذا الدِّيارُ تَغشّاكَ الهَوانُ بِها / فَخَلِّها لِضَعيفِ العَزمِ وَاِغترِبِ
حَسبي مِنَ المالِ ذَيّالٌ وَسابِغَةٌ / وَصارِمٌ مُرهَفُ الحَدّينِ ذُو شُطَبِ
وَحُرَّةٌ مِن بَناتِ العيدِ ناجِيَةٌ / لا تَعرِفُ السَّيرَ غَيرَ الشَّدِّ وَالخَبَبِ
تَخالُها بَعدِ خِمسِ الرَّكبِ رائِحَةً / دَوِّيَّةً فَقَدَت رَألاً بِذي نَجَبِ
لأَطلُبَنَّ العُلى جَهدي طِلابَ فَتىً / يَدوسُ بِالعَزمِ هامَ السَّبعَةِ الشُهُبِ
فَإِن أَنَل فَبِسَعيي ما أَتَيتُ بِهِ / بِدعاً وإِلّا فَقد أَعذَرتُ في الطَلبِ
واحَسرَتا لِتَقضّي العُمرِ في بَلَدٍ / الشّؤمُ في أَهلِها أَعدى من الجربِ
لا سَيّدٌ ماجِدٌ يَحمي ذِمارَهُمُ / يَحظى لَدَيهِم وَلا حُرٌّ أَخو أَدَبِ
مالي وَجِسمي وَسَمعي مِنهُمُ وَفَمي / وَناظِري وَمَحَلُّ الفِكرِ في تَعبِ
دُعايَ يا رَبِّ أَلهِم رَبَّ دَولَتنا / أَن يُبلِغَ الرَّأسَ مِنّا رُتبَةَ الذَنبِ
أَفي القَضِيَّةِ أَن أَبقى كَذا تَبَعاً / وَرُتبَتي في المَعالي أَشرَفُ الرُتَبِ
لا يَرتَجي لِحُؤُولِ الحالِ ذُو أَمَلِ / نَيلي وِلا يَتَّقي ذُو مَيلَةٍ غَضَبي
أَرى العُلى تَقتَضيِني غَيرَ وانِيَةٍ / عَزماً يُبَيِّنُ عَن فَضلي وَعَن حَسبي
وَما نَهَضتُ لَهُ إِلّا وَأَقعَدَني / خذلانُ قَومي وَعَيثُ الدَهرِ في نَشبي
وَالمَرءُ يَسعى بِلا رَهطٍ وَلا جِدَةٍ / كَالسَّهمِ يُرمى بِلا ريشٍ وَلا عَقبِ
عُجِّلتُ يَومِيَ إِن لَم أُفنِ غارِبَها / أَلَيسَ لا بُدَّ مِن هَمٍّ وَمِن نَصَبِ
تَقولُ لِي هِمَمي خَلِّ المُقامَ وَقُم / فَإِنَّما راحَةُ الأَبدانِ في التَعَبِ
وَاِرغَب بِمَدحِكَ إِلّا في سَليلِ عُلاً / يُنمَى إِلى العِزِّ مِن آبائِكَ النُجُبِ
مُتَوَّجٍ عَبَدَليٍّ حينَ تَنسِبُهُ / لِخَيرِ جَدٍّ إِذا يُدعى وَخَيرِ أِبِ
مِن آلِ فَضلٍ بُناةِ المَجدِ تَعرِفُهُ / كُلُّ القَبائِلِ مِن ناءٍ وَمُقتَرِبِ
الضارِبي الهامَ في يَومٍ تَخالُ بِهِ الش / شَمسَ المُنيرَةَ قَد غابَت وَلم تَغِبِ
وَالهاتِكينَ عَلى الجَبّارِ قُبّتهُ / شَدَّ النَهارِ بِلا خَوفٍ وَلا رَهَبِ
وَالمَطعِمينَ إِذا هَبَّت شَآمِيَةٌ / نَكباءُ تَقلَعُ كسرَ البَيتِ بِالطُنُبِ
بَنى المَعالي لَهُم فَضلٌ وَشَيَّدَها / أَبو سِنانٍ قَريعُ العجمِ وَالعَربِ
وَأَحمَدٌ اِبنُهُ المَلكُ الَّذي مَنَعَت / ما بَينَ نَزوى سَراياهُ إِلى حَلَبِ
وَماجِدٌ كانَ نِعمَ المُستغاثُ إِذا / دَعا إِلى الحَربِ داعِيها فَلم يُجَبِ
وَمن أُولَئِكَ إِذ يُعزى أُبُوَّتُهُ / فَلَيسَ يُدرَكُ في فَضلٍ وَلا حَسَبِ
وَلَم يَمُت مَن أَبو شُكرٍ خَليفَتُهُ / المخجِلُ البَدرَ وَالمُزري عَلى السُّحبِ
مُقَدَّمٌ كاِسمِهِ في كُلِّ مَكرُمَةٍ / فَإِن نَبا بِكَ دَهرٌ فَاِدعُهُ يُجِبِ
وَأَين مِثلُ أَبي شُكرٍ إِذا اِستَعَرَت / نارُ الوَغى واِتَّقى المَسلوبُ بِالسَّلبِ
مُردي حُروبٍ تَرى تَحتَ العَجاجِ لَهُ / في الخَيلِ وَقعاً كَوَقعِ النّارِ في الحَطَبِ
لا يَتَّقي بَأَسَهُ الأَبطالُ يَومَ وَغىً / إِلّا بِعَقدِ ذِمامٍ مِنهُ أَو هَرَبِ
لَو أَنَّ لِلسَّيفِ يَومَ الرَّوعِ عَزمَتَهُ / ما كانَ لِلبيضِ مَعناهُ وَلا اليَلبِ
وَلَو تَكون لِليثِ الغابِ نَجدَتُهُ / ما كانَ مَسكَنُهُ في الغابِ وَالقَصَبِ
وَالشَّمسُ لَو خُلِقَت مِن نورِ غُرَّتِهِ / لَما تَوارَت عَنِ الأَبصارِ بِالحُجبِ
وَالبَحرُ لَو غُمِسَت فيهِ شَمائِلُهُ / لَصارَ أَنقَعَ لِلصَديانِ مِن ثَغبِ
تَسَنَّمَ المُلكَ لَم تَبقُل عَوارِضُهُ / وَحَلَّ مِن ذِروَتَيهِ أَفضَلَ الرُتَبِ
سَهلُ الخَليقَةِ مَحمودُ الطَريقَةِ من / نَاعُ الحَقيقَةِ سُمُّ الجَحفَلِ اللَجِبِ
ماضي العَزيمَةِ وَرّادٌ بِهِمَّتِهِ / عَلى المَتالِفِ هَجّامٌ عَلى النُّوَبِ
لَو يَبرُزُ المَوتُ في شَخصٍ وَقالَ لَهُ / اِنزِل لَنازَلَهُ ضَرباً وَلَم يَهَبِ
مِلءُ المُفاضَةِ مِن بَأسٍ وَمِن كَرَمٍ / وَمِن وَفاءٍ وَمِن حِلمٍ وَمِن أَدَبِ
بَدّاعُ مَكرُمَةٍ خَواضُّ مَلحَمَةٍ / أَشهى الكَلامِ إِلى فيهِ هَلا وَهَبِ
يَوماهُ يَومُ نَدىً غَمرٍ وَيَومُ وَغَىً / لا يَومُ كاسِ رَنَوناةٍ وَلا طَرَبِ
الطاعِنُ الخَيلَ شَزرَاً كُلَّ نافِذَةٍ / سُلكى وَمَخلوجَةٍ تَشفي مِنَ الكَلبِ
وَالتارِكُ القِرنَ في البَوغاءِ مُنعَفِراً / بِضَربَةٍ سَبَقَت مِنهُ عَلى غَضَبِ
وَالواهِبُ الهَجَماتِ الحُمرَ تَتبَعُها / فِصلانُها في السِّنينِ العُرَّمِ الشُّهبِ
يَقري الضُّيوفَ سَديفَ الكُومِ مُغتَبِطاً / في الشِّيزِ لا الخازِر المَمذوقَ في العُلَبِ
تَأبى لَهُ الضَّيمَ نَفسٌ عَزَّ خالِقُها / لا كالنُّفوسِ وَأَصلٌ غَيرُ ذي أَشَبِ
أَجرا عَلى البَطَلِ المِقدامِ مِن أَسَدٍ / عَلى حُوارٍ وَمِن صَقرٍ عَلى خَرَبِ
يا اِبنَ المُلوكِ الأُلى شادوا مَمالِكَهُم / بِسَلَّةِ البيضِ وَالخَطِّيَّةِ السُّلُبِ
نَماكَ مِن آلِ إِبراهيمَ كُلُّ فَتىً / مُهَذَّبٍ طاهِرِ الأَخلاقِ مُنتَخَبِ
كَم في أُبوَّتِكَ الأَمجادِ مِن مَلكٍ / بِالمَجدِ مُلتَحِفٍ بِالتاجِ مَعتَصِبِ
لَم يَبقَ إِلّاكَ فَاِذكُر ما يُقالُ غَداً / وَإِن هَمَمتَ بَضَعفِ العَزمِ فَاِنتَسِبِ
لا تَركَنَنَّ إِلى مَن لا وفاءَ لَهُ / الذِئبُ مِن طَبعِهِ إِن يَقتَدِر يَثِبِ
وَلا تَكُن لِذَوي الأَلبابِ مُحتَقِراً / ذُو اللُبِّ يَكسِرُ فَرعَ النَبعِ بِالغَرَبِ
وَاِحسِب لِشَرِّ العِدى مِن قَبلِ مَوقِعِهِ / فَرُبَّما جاءَ أَمرٌ غَيرُ مُحتَسَبِ
وَغَر عَلى المُلكِ مِن لعبِ الرِّجالِ بِهِ / فَالمُلكُ لَيسَ بِثَبّاتٍ عَلى اللَعِبِ
وَاِرفَع وَضَع وَاِعتَزِم وَاِنفَع وَضُرَّ وَصِل / وَاِقطَع وَقُم وَاِنتَقِم وَاِصفَح وَخُذ وَهَب
وَاِحذَر تُؤَخِّر فِعلاً صالِحاً لِغَدٍ / فَكَم غَدٍ يَومُهُ غادٍ فَلم يَؤُبِ
وَاِبسُط يَدَي فاضِلٍ في الأَمرِ تُكفَ بِهِ / ما نابَ واِرمِ العِدى عَن قَوسِهِ تُصِبِ
فَفاضِلٍ غَيرِ خَوّارٍ وَلا وَكلٍ / في الكائِناتِ وَلا وانٍ وَلا وَعِبِ
أَوفى نِزارٍ وَأَكفاها وَأَمنَعها / عِندَ اللّقاءِ وَأَحماها عَلى الحَسَبِ
إلَيكَ جَوهَرَةً مِن طَبعِ قائِلَها / تَبقى عَلى غابِرِ الأَزمانِ وَالحِقَبِ
يُقالُ لِلمُدَّعي شِعراً يُعادِلُها / كَذَبتَ ما الضَرَبُ الطَّلحِيُّ كَالضَّرَبِ
بَقيتَ في دَولَةٍ يَشقى العَدُوُّ بِها / تَرعى الصَديقَ وَتُدعى كاشِفَ الكُرَبِ
اليَومَ سُرَّ العُلا وَاِستَبشَرَ الأَدَبُ
اليَومَ سُرَّ العُلا وَاِستَبشَرَ الأَدَبُ / وَأَحمَدت سَيرَها المَهرِيَّةُ النُجُبُ
اليَومَ أَعتَبَ دَهري وَاِرعَوى وقَضى / في كُلِّ ما كُنتَ أَشكوهُ فَكَم أُجَبُ
اليَومَ أَسفَرَ وَجهُ الحَظِّ وَاِنبَسَطَت / يَدُ الرَجاءِ وَزالَ الهَمُّ وَالنَصَبُ
اليَومَ أَقبَلَتِ الآمالُ باسِمَةً / عَن كَالمَها زانَهُ التَفلِيجُ والشَنَبُ
فَكَم لِذا اليَومِ مِن دَوِّيَّةِ قَذفٍ / قَطَعتُ وَالقَلبُ في أَهوالِها يَجِبُ
تَبدو بِها الجِنُّ لي حيناً وَآوِنَةً / تَبثُّ أَضواءَها حَولي وَتَنتَحِبُ
فَحينَ أَكثَرتِ التَهويلَ قُلتُ لَها / هَذا التَّهَوُّلُ جِدٌّ مِنكِ أَو لَعِبُ
حَسبي أَبو جَعفَرٍ مِمّا يَدُبُّ عَلى / وَجهِ البَسيطَةِ أَو يَعتَرُّ أَو يَثِبُ
حَسبي إِمام الهُدى لا فرعُ دَوحَتِهِ / عِشٌّ وَلا ريشُ سَهمٍ راشَهُ لَعبُ
حَسبي إِمامُ الهُدى المَنصورُ فَاِمتَلَأَت / رُعباً فَضاقَت بِها الغيطانُ وَالجيبُ
صِنوُ النَبِيِّ إِذا يُعزى وَمُشبِهُهُ / خَلقاً وَخُلقاً وَبابُ اللَّهِ وَالسَّبَبُ
وَهّابُ ما لا رَأَت عَينٌ وَلا سَمِعَت / بِمثلِهِ هَيبَةً عُجمٌ وَلا عَرَبُ
تَرى مَناقِب كُلِّ الناسِ إِن سَفَرَت / أَدنى مَناقِبهِ تَخزى فَتَنتَقِبُ
كَم نارِ شَرٍّ طِلاعُ الأَرضِ جاحِمُها / لَهُ شُواظٌ بِحَيثُ النَجمُ يَلتَهِبُ
بِلَمحَةٍ مِنهُ عادَت وَهيَ خاشِعَةٌ / ثَلجاً وَما ذاكَ مِن آياتِهِ عَجَبُ
وَكَم أَخي ثَروَةٍ أَودى بِثَروَتِهِ / ظُلمُ الوُلاةِ وَتَأويلاتُها الكَذِبُ
أَعادَ ثَروتَهُ مِن غَيرِ مَسأَلَةٍ / إِلَيهِ عَفواً وَقَد مَرَّت لَها حِقَبُ
وَكَم خَلاءٍ مَخُوفٍ قَلبُ سالِكِهِ / لِلخَوفِ مِثلَ لِواءِ الجَيشِ يَضطَرِبُ
أَضحى بِهَ آمِناً تَمشي الفَتاةُ بِهِ / مَشيَ القَطاةِ وَحَلّا صَدرَها لَبَبُ
وَكَم أَنالَ الغِنى مَن لا يُعَدُّ لَهُ / غَيرُ الخَصاصَةِ أُمٌّ وَالشَقاءُ أَبُ
وَكَم عِظامِ ذُنوبٍ فيه مُوثَقَةٍ / أَقلُّها لِحَصاةِ القَلبِ تَنتَهِبُ
هَذا هُوَ الفَضلُ وَالنَفسُ الشَريفَةُ وَال / جودُ العَميمُ وَهَذا الخَيرُ وَالحَسَبُ
وَكَم قَبائِلَ بَعدَ المَوتِ أَنشَرَها / وَما لَها غَيرُ مَقصوراتِها تُرُبُ
فَلو رَأى عُمَرُ الفاروقُ سيرَتَهُ / لَقالَ هَذا رَحى الإِسلامِ وَالقُطُبُ
وَشَمَّرَ الذَّيلَ يَسعى في أَوامِرِهِ / ما في الَّذي قُلتُهُ شَكٌّ وَلا رِيَبُ
بِهِ الفُتُوَّةُ تَمَّت وَاِعتَلَت شَرَفاً / كَما بِهِ شَرُفَت آباؤُهُ النُّجُبُ
فَما نَرى كَعلِيٍّ في الأَنامِ فَتَىً / سِواهُ وَالشِّبهُ نَحوَ الشِّبهِ مُجتَذَبُ
وَأَيُّ مُعتَصِمٍ بِاللَّهِ مُنتَصِرٍ / لَلّهِ مِنهُ الرِّضا في اللَّهِ وَالغَضَبِ
قَرَّت بِهِ الأَرضُ مِن أَقصى التُخومِ وَقَد / كادَت لِفَقدِ إِمامِ البِرِّ تَنقلِبُ
وَأَصبَحت أَيكَةُ الإِسلامِ ناضِرَةً / يَدعو المُسيمَ إِلَيها الماءُ وَالعُشبُ
وَاِهتَزَّتِ الأَرضُ مِن رِيٍّ فَلا طَلَقٌ / لِلماءِ يُذكَرُ في حَيٍّ وَلا قَرَبُ
وَأَشرَقَت بَهجَةً دارُ السَّلامِ بِهِ / حَتّى تَمَنَّت سَناها السَبعَةُ الشُهُبُ
وَأَظهَرَ العُجبَ شَطّاها وَدِجلَتُها / وَما أَحاطَت بِهِ الأَسواقُ وَالرُحُبُ
وَفُتِّحت لِلقِرى أَبوابُ ذي كَرَمٍ / جفانُهُ خُلُجُ الصِّينِيِّ لا العُلَبُ
وَأَلفُ أَلفٍ تَزيدُ الضِّعفَ جادَ بِها / في كُلِّ عامٍ وَقَلَّت عِندما يَهِبُ
وَمِثلُ ذَلِكَ أَضعافاً مُضاعَفَةً / أَعطى وَقالَ قُصارى كُلِّ ذي العَطَبُ
فَما يَمُرُّ بِهِ يَومٌ وَلَيسَ بِهِ / لَهُ مَواهِبُ تُستَزرى لَها السُّحُبُ
فَاليَومَ ما فوقَ ظَهرِ الأَرضِ قاطِبَةً / إِلّا اِمرُؤٌ وَلَهُ مِن مالِهِ نَشَبُ
فَلو تُذابُ عَطايا كَفِّهِ لَجَرَت / بَحراً مِن التِبرِ رَجّافاً لَهُ لَجَبُ
لَم يَدَّخِر غَيرَ ما آباؤُهُ اِدَّخُروا / مِن أَنفُسٍ وَجَميع المالِ قَد وَهَبُوا
يَأبى الأُلى غَيرَ كَسبِ الحَمدِ ما اِدَّخروا / وَغَيرَ أَنفَسِ ما يَحوونَ ما وَهَبُوا
وَغَيرَ رَجراجَةٍ شَعواءَ ما جَلَبُوا / وَغَيرَ نَجمٍ يُسامي النَّجمَ ما طَلَبُوا
وَغَيرَ هامَةِ مَعدى الهامِ ما ضَرَبُوا / وَغَيرَ مِدرَهِ دارِ الحَربِ ما حَرَبُوا
قَومٌ هُم الرَأسُ مِن فهرٍ وَغَيرهُم / إِذا يُقاسُ إِلى عَلياهُمُ ذَنَبُ
النَجمُ يَنجُم ظُهراً إِن هُمُ غَضِبُوا / وَالأَرضُ تَأرضُ نَهراً إِن هُمُ رَكِبُوا
بِفَضلِهِم نَطَقَ القُرآنُ مُمتَدِحاً / لَهُم وَجاءَت بِهِ مِن قَبلِهِ الكُتُبُ
أَبوهُمُ الخَيرُ عَبدُ اللَّهِ خَيرُ أبٍ / وَجَدُّهُم سَيِّدُ البَطحاءِ إِن نُسِبُوا
لَولاكُمُ يا بَني العَبّاسِ ما اِنصَدَعَت / عَصا الخِلافَةِ صَدعاً لَيسَ يَنشَعِبُ
عَنها طَردتُم وَلَمّا يَثنِكُم رَهَبٌ / بَني الطَّريدِ وَلا اِستَوهاكُمُ رُعبُ
وَلا وَنَيتُم إِلى أَن قامَ ماؤُهُم / وَخانَ دَلوَهُمُ مِن عَقدِها الكَرَبُ
وَعادَ ميراثُكُم مِن كَفِّ غاصِبِهِ / فيكُم وَأَهلُ الدَعاوى عَنكُمُ غِيَبُ
يا خَيرَ مَن عَلِقَت أَيدي الرَجاءِ بِهِ / وَمَن سَواءٌ لَدَيهِ التِبرُ وَالتّربُ
إِلَيكَ مِن بَلَدِ البَحرينِ قَرَّبَني / شَدٌّ بِهِ اِنحَلَّتِ الأَكوارُ وَالغُرُبُ
وَغادَرَ العِيسَ أَنضاءً مُطَلَّحَةً / يَكادُ يَصرَعُها مِن خَلفِها العُشبُ
فَحَلِّني بِلباسٍ مِنكَ يَحسُدُني / عَلى اِتّصالي بِكُم ناءٍ وَمُقتَرِبُ
وَاِجعَل عدادي في الفِتيانِ واِعلُ بِهِ / شَأني فَمُعتَقدي أَن يَنجَحَ الطَّلَبُ
أَنتَ الإِمامُ الَّذي قَد كُنتُ آمُلُهُ / وَذا الزَمانُ الَّذي قَد كُنتُ أَرتَقِبُ
كَم جُبت دونَكَ مِن تَيها وَخاوِيَةٍ / يَشكو الكَلالَ بِها النَجّاءَةُ التَعِبُ
وَمُزبِدٍ يَتراءى المَوتُ راكِبهُ / سَلامَةُ المُتَخَطِّيه لَهُ عَجَبُ
وَكَم طَرقتُ رِجالاً ينذِرونَ دَمي / أَسقيتُهُم عَلقَماً غَصباً لَهُ شَرِبُوا
كَم قُلتُ لِلنَّفسِ إِذ لَجَّ الهُلوعُ بِها / وَكَالدِماءِ دُموعِ العَينِ تَنسَكِبُ
قِرّي فَيُمنُ أَميرِ المُؤمِنينَ لَنا / حرزٌ يَقينا الَّذي يُخشى وَيُجتَنَبُ
فَبارَكَ اللَّهُ في أَيّامِ دَولَتِهِ / وَجادَها كُلُّ رَجّاسٍ لَهُ لجَبُ
فَإِنَّ أَيّامَها طرزُ الزَمانِ إِذ / عُدَّت وَتاجٌ بِهِ الأَعيادُ تَعتَصِبُ
وَلا أَرانا إِماماً غَيرَهُ أَبَداً / فَما لَنا في إِمامٍ غَيرِهِ أَرَبُ
وَعاشَ في ظِلِّهِ المَولى الَّذي شَهِدَت / بِمَجدِهِ وَعُلاهُ العُجمُ وَالعَرَبُ
بَحرُ النَّدا شَرَفُ الدّينِ الَّذي شَرُفَت / بِهِ الوَرى وَسَما فَخراً بِهِ اللَقَبُ
ما ناحَ صَبٌّ وَما ناحَت مُطَوَّقَةٌ / وَما اِستَلَذَّ غَراماً عاشِقٌ وَصِبُ
أُعيذ مَجدَكَ بِاِسمِ الواحِدِ الأَحَدِ
أُعيذ مَجدَكَ بِاِسمِ الواحِدِ الأَحَدِ / مِمّا يُرَقِّشُ ذُو شُؤمٍ وَذو نَكَدِ
وَأَطفَأَ اللَّهُ نُورَ الحاسِدينَ فَما / تُؤتى مَعاليكَ مِن شَيءٍ سِوى الحَسَدِ
أَبا شُجاعٍ رَعاكَ اللَّهُ مِن مَلِكٍ / سَما فَما مِثلُهُ في الناسِ مِن أَحَدِ
أَمّا الفِراقُ فَتَأتينا رَواحِلُهُ / غَداً وَيحدِجنَ لِلتِرحالِ بَعدَ غَدِ
وَاللَّهُ يَعلَمُ أَنّي لا أُسَرَّ بِهِ / لَكِن أَخافُ شَقاءَ الأَهلِ وَالوَلَدِ
وَهَل يَكونُ شَقاءٌ في الزَمانِ لَهُم / كَغَيبَتي عَنهُمُ مَع ضيقِ ذاتِ يَدي
أَلا وَوَجهُكَ أَشهى مِن وُجوهِهِمُ / عِندي وَأَنَّهُمُ الأَفلاذُ مِن كَبدي
وَبَلدَةٌ أَنتَ يا خَيرَ المُلوكِ بِها / أَحظى لَديَّ وَبَيتِ اللَّهِ مِن بَلَدي
فَأَسأَلُ اللَهُ أَن يَقضي اللِّقاءَ لَنا / وَأَن يَكونُ اِجتِماعاً آخِرَ الأَبَدِ
لا عِزَّ إِلّا بِحَدِّ الصارِمِ الذَكَرِ
لا عِزَّ إِلّا بِحَدِّ الصارِمِ الذَكَرِ / وَضَربِكَ الصّيدَ بَينَ الهامِ وَالقَصَرِ
وَقَودِكَ الخَيلَ تَمضي في أَعِنَّتِها / يُعاجِلُ العَزم أُولاها عَن الخَبَرِ
وَبِالطّوالِ الرُدَينِيّاتِ تُدرك ما / فَوقَ المُنى لا بِطولِ الذَيلِ وَالشَعَرِ
يا طالِبَ المَجدِ لا ينفَكُّ مُجتَهِداً / هَوِّن عَلَيكَ فَكَم وِردٍ وَلا صَدَرِ
فَكَم شَأى شاءٍ العَليا فَأَحرَزَها / أَبو سِنانٍ جَميلُ الذِكرَ وَالسّيرِ
السالِبُ الملِكَ الجَبّارَ مُهجَتَهُ / وَالطاعِنُ الخَيلَ في اللَبّاتِ وَالثَغَرِ
وَالمُمطِرُ الجودَ مِن أَثناءِ راحَتِهِ / فَيضاً إِذا ضَنَّتِ الأَنواءُ بِالمَطَرِ
وَالعابِدُ الزاهِدُ الصَوّامُ إِن حَمِيَت / هَواجِرُ الصَيفِ وَالقَوّامُ بِالسَحَرِ
وَالمُظهِرُ الحَقَّ لا يَبغي بِهِ عِوَضاً / إِذ كانَ طالِبُهُ يَغدو علَى خَطَرِ
وَالطاهِرُ العِرض مِن عَيبٍ وَمِن دَنَسٍ / وَالسالِمُ العُودَ مِن وَصمٍ وَمِن خَوَرِ
ذِكرُ المَظالِمِ وَالآثامِ إِن ذُكِرَت / لَدَيهِ وَالبُخلُ ذَنبٌ غَيرُ مُغتَفَرِ
يا طالِبَ الرَزقِ في حِلٍّ وَمُرتَحَلٍ / يَمِّمهُ تَرضَ عَنِ الأَيّامِ وَالقَدَرِ
بَعيدُهُ لِذَوي الآمالِ مُتَّدَعٌ / كَجَنَّةِ الخُلدِ لا تَخلو مِنَ الثَمَرِ
فَكُلُّ حَيٍّ مِنَ الأَحياءِ يَعرِفُهُ / يدعوهُ بِالمَلِكِ الوَهّابِ لِلبِدَرِ
وَيا مَضيماً أَمضَّ الضَيمُ مُهجَتَهُ / اِنزِل بِساحَتِهِ تَنزِل عَلى الظَفَرِ
وَاِصفَع بِنَعلِكَ رَأسَ الدَهرِ واِسطُ عَلى / أَحداثِهِ سَطوَ ضِرغامٍ عَلى حُمُرِ
وَلا تَخَف عِندَها مِن بَأسِ صَولَتِهِ / فَلَيسَ يَملِكُ مِن نَفعٍ وَلا ضَرَرِ
فَكَم أَجارَ عَلى الأَيّامِ ذا مَضَضٍ / يَبيتُ يَلصِقُ مِنهُ الصَدرَ بِالعَفَرِ
وَكَم أَغاثَ اِمرءاً أَضحى وَمُنيتُهُ / مَوتٌ يُؤَدّي إِلى الفِردَوسِ أَو سَقَرِ
وَكَم مَشى الخَيزَلى في ظِلِّ دَولَتِهِ / مَن كانَ يَنسابُ كَالعِلّوصِ في الخُمُرِ
يا اِبنَ الأُلى شَيَّدُوا بُنيانَ مَجدِهِمُ / بِالجُودِ وَالبَأسِ لا الآجُرِّ وَالمَدَرِ
نَماكَ لِلمجدِ آباءٌ أَقَرَّ لَهُم / بِالفَضلِ مَن كانَ ذا سَمعٍ وَذا بَصَرِ
قَومٌ إِذا كانَتِ الأَنباءُ أَو كُتِبَت / صَحائِفُ المَجدِ كانُوا أَوَّلَ السَطَرِ
وَإِن هُمُ كَتَبوا مَجداً بِسُمرِهِمُ / فَخَطُّهُم بِمدَادٍ مِن دَمٍ هَدَرِ
وَالشارِبونَ جِمامَ الماءِ صَافِيَةً / وَيَشرَبُ الناسُ مِن طينٍ وَمِن كَدَرِ
وَالمُوقِدونَ إِذا هَبَّت شَآمِيَةٌ / نارَ الوَغى تَحتَ هامي القَطرِ بِالقِطرِ
أُعيذُ مَجدَكَ مِن عَينِ الجمالِ فَقَد / أَراهُ في التِمِّ يَحكي هالَةَ القَمَرِ
جَمَعتَ شَملَ المَعالي بَعدَ تَفرِقَةٍ / وَصُنتَ وَجهَ العُلا مِن ذَلِكَ القَتَرِ
أَطفَأتَ ناراً يُغَشّي الأَرضَ لاهِبُها / لَولاكَ لَم تُبقِ مِن شَيءٍ وَلَم تَذَرِ
فَأَصبَحَت كُلُّ أَرضٍ خافَ ساكِنُها / تَقولُ دَعني وَسِر قَصداً إِلى هَجَرِ
وَاِجعَلَ بِها دارَ سَكنٍ تَستَقِرُّ بِها / عَمّا يُريبُكَ مِن خَوفٍ وَمِن ذُعرِ
مَتى تَحُلَّ بِها تَحلُل لَدى مَلِكٍ / بِالزُهدِ مُشتَمِلٍ بِالعَدلِ مُتَّزِرِ
تَنامُ أَمناً رعاياهُ وَمُقلَتُهُ / وَقَلبُهُ أَبَداً في غايَةِ السَهَرِ
يَرى البَلِيَّةَ أَن تَغدو رَعِيَّتُهُ / وَأَن تَروحَ بِناديهِ عَلى حَذَرِ
لا يَرهَبُ الريمَ مَن أَمسى بِعقوَتِهِ / وَلا يَمُنُّ عَلَيهِ سابِحُ البَقَرِ
وَلا يُرَوَّعُ ذَو وَفرٍ يُجاوِرُهُ / بِنَكبَةٍ مِن مُقيمٍ أَو أَخي سَفَرِ
لَكِن يَروعُ العِدا مِنهُ بِذي لَجَبٍ / كَاللَيلِ تَلمَعُ فيهِ البيضُ بِالغَدَرِ
الطَعنُ مِنهُ كَأَفواهِ المَزادِ إِذا / غُصَّت وَطَعنُ العِدى كَالوَخزِ بِالإِبَرِ
يا أَيُّها الملكُ النَدبُ الَّذي عُرِفَت / لَهُ المَناقِبُ في بَدوٍ وَفي حَضَرِ
يا زينَةَ المُلكِ يا تاجَ المُلوكِ وَيا / فَخرَ المَمالِكِ بَل يا غُرَّةَ الغُرَرِ
أَنتَ الصَؤولُ بَلا خَيلٍ وَلا دَهَشٍ / أَنتَ القَؤُولُ بِلا عِيٍّ وَلا حَصَرِ
أَنتَ الوَلِيُّ بِلا خَوفٍ وَلا رَهَبٍ / أَنتَ السَخِيُّ بِلا مَنٍّ وَلا كَدَرِ
بِاللَهِ أُقسِمُ لا مُستَثنِياً أَبَداً / لَولاكَ لَم يبقَ لِلعَلياءِ مِن وَزَرِ
وَلا خَلَت باحَةُ البَحرَينِ مِنكَ وَلا / زالَت عِداتُكَ طُولَ الدَهرِ في قِصَرِ
وَعِشتَ في عِزَّةٍ قَعساءَ نائِيَةٍ / مِنَ الحَوادِثِ وَالآفاتِ وَالغيرِ
ماذا بِنا في طِلابِ العِزِّ نَنتَظِرُ
ماذا بِنا في طِلابِ العِزِّ نَنتَظِرُ / بِأَيِّ عُذرٍ إِلى العَلياءِ نَعتَذِرُ
لا الزَندُ كابٍ وَلا الآباءُ مُقرِفَةٌ / وَلا بِباعِكَ عَن باعِ العُلى قِصَرُ
لا عَزَّ قَومُكَ كَم هَذا الخُمولُ وَكَم / تَرعى المُنى حَيثُ لا ماءٌ وَلا شَجَرُ
فَاِطلُب لِنَفسِكَ عَن دارِ القِلى بَدَلاً / إِن جَنَّة الخُلدِ فاتَت لَم تَفُت سَقَرُ
أَما عَلِمتَ بِأَنَّ العَجزَ مَجلَبَةٌ / لِلذُّلِّ وَالقُلِّ ما لَم يَغلِب القَدَرُ
وَلَيسَ تَدفَعُ عَن حَيٍّ مَنِيَّتهُ / إِذا أَتَت عُوَذُ الراقي وَلا النُشرُ
وَلا يجتلي الهُمومَ الطارِقاتِ سِوى / نَصُّ النَجائِب وَالرَوحاتُ وَالبُكَرُ
وَالذِكرُ يُحييهِ إِمّا وابِلٌ غَدِقٌ / مِنَ النَوالِ وَإِمّا صارِمٌ ذَكَرُ
واحَسرَتا لِتَقَضّي العُمرِ في نَفَرٍ / هُمُ الشَياطينُ لَولا النُطقُ وَالصُوَرُ
لا يَرفَعونَ إِذا عَزّوا بِمَكرُمَةٍ / رَأساً وَلا يحسِنونَ العَفوَ إِن قَدِرُوا
يَوَدُّ جارُهُمُ الأَدنى بِأَنَّهُمُ / أَضحَوا وَما مِنهُمُ عَينٌ وَلا أَثَرُ
بُليتُ مِنهُم بِأَجلافٍ سَواسِيَةٍ / قَد صَعَّدُوا بِزمامِ اللُؤمِ وَاِنحَدَرُوا
خُزرِ العُيونِ إِذا أَبصارُهُم نَظَرَت / شَخصي فَلا زالَ عَنها ذَلِكَ الخَزَرُ
وَغَيرُ مُعنِتِهِم لَوماً فَأَظلِمُهُم / الشَمسُ يَزوَرُّ عَن إِدراكِها البَصَرُ
لَهُم سِهامٌ بِظَهرِ الغَيبِ نافِذَةٌ / لَم تُكسَ ريشاً وَلَم يَنبِض لَها وَتَرُ
كَم غادَرَت مِن فَتىً حُلوٍ شَمائِلُهُ / يُمسي وَحَشوُ حَشاهُ الخَوفُ وَالحَذَرُ
إِن يَظفَرُوا بي فَلا تَشمَخ أُنُوفُهُمُ / فَإِنَّما لِعِداهُم ذَلِكَ الظَفَرُ
أَلا فَسَل أَيُّهُم يُغني غِنايَ إِذا / نارُ العَدُوِّ تَعالى فَوقَها الشَرَرُ
وَمَن يَقومُ مَقامي يَومَ مُعضِلَةٍ / لا سَمع يُبقى لِرائيها وَلا بَصَرُ
وَمَن يَسُدَّ مَكاني يَومَ مَلحَمَةٍ / إِذا الغَزالَةُ وارى نُورَها القَتَرُ
أُمضي عَلى السَيفِ عَزماً حينَ تُبصِرُهُ / مِثلَ الجِداءِ إِذا ما بَلَّها المَطَرُ
إِذا نَطَقتُ فَلا لَغوٌ وَلا هَذَرٌ / وَإِن سَكَتُّ فَلا عِيٌّ وَلا حَصَرُ
تَجري الجِيادُ وَإِن رَثَّت أَجِلَّتُها / فَلا يُغرّكَ جُلٌّ تَحتَهُ دَبَرُ
إِنّي لَأَعجَبُ مِن قَومٍ رَأَوا عَسَلاً / ظُلمي وَأَسوَغُ مِنهُ الصابُ وَالصَبرُ
أَيَأمنونَ اِنتِقامي لا أَباً لَهُمُ / بِحَيثُ لَيسَ لَهُم مِن سَطوَتي وَزَرُ
إِنّي اِمرُؤٌ إِن كَشَرتُ النابَ عَن غَضَبٍ / لا الخَطُّ يَمنَعُ مِن بَأسي وَلا هَجَرُ
فَلا يَغُرَّنَّهُم حِلمٌ عُرِفتُ بِهِ / قَد تَخرُجُ النارُ فيما يُقرَعُ الحَجَرُ
إِن تَعمَ عَن رُشدِها قَومي فَلا عَجَبٌ / مِن قَبلِها عَمِيت عَن رُشدِها مُضَرُ
مالُوا عَن المُصطَفى وَالوَحيُ بَينَهُمُ / وَفيهمُ تَنزِلُ الآياتُ وَالسُوَرُ
وَقابَلوهُ بِكُفرانٍ لِنِعمَتِهِ / وَكانَ خَيراً مِنَ الكُفرَانِ لَو شَكَرُوا
فَإِن تَغاضيتُ عَن قَومي فَعَن كَرَمٍ / مِنّي وَما ذَنبُ كُلِّ الناسِ يُغتَفَرُ
وَإِنَّ قَومي لِتُؤذيني أَذاتُهُمُ / أَلامَ في ذَلِكَ اللُوّامُ أَم عَذَروا
لا عَيبَ فيهِم سِوى أَنّي شَقيتُ بِهم / وَالذَنبُ لِلحَظِّ وَالخُسران ما خَسِرُوا
وَلَو أَشاءُ لَما ضاقَت مَذاهِبُها / عَنّي وَلا كانَ لِي الإِيرادُ وَالصَدَرُ
وَكُلُّ ذي خَطَرٍ في الناسِ مُحتَقَرٌ / عِندي إِذا لَم يَكُن لِي عِندَهُ خَطَرُ
فَليخشَ بَأسِيَ مَن طالَت حَماقَتُهُ / وَرُبَّ عاجِلِ شَرٍّ قادَهُ أَشَرُ
حَسبي مِن المُكذِبي الآمالَ لَو بَلَغَت / مِنّي اللّيالي وَفي التَجريبِ مُزدَجَرُ
قَومٌ كَأَنَّهُمُ الدّفلى يَبينُ لَها / نورٌ يَرُوقُكَ مَرآهُ وَلا ثَمَرُ
يا شِبهَ بَردِيَّةٍ في الماءِ منبِتُها / وَلا نَداوَةَ فيها حينَ تُعتَصَرُ
لا تُلزِمونيَ ذَنباً في رِحابِكُمُ / فَلَستُ أَوَّلَ سارٍ غَرَّهُ قَمَرُ
ما كُنتُ أَحسبكُم كَالجوزِ لَيسَ يُرى / فيهِ السَماحَةُ إِلّا حينَ يَنكَسِرُ
لَقَد نَأَيتُ فَلَم آسَف لِفَقدِكُمُ / وَلا تَداخَلَني مِن نَأيِكُم ضَجَرُ
وَاللَهِ ما طالَ لَيلي وَحشَةً لَكُمُ / وَلا عَرانِيَ مِن وَجدٍ بِكُم سَهَرُ
وَإِنَّني لَقَريرُ العَينِ مُذ شَحَطَت / بِيَ النَوى عَنكُمُ وَاِخرَوَّطَ السَفَرُ
كَم أَشرَبُ الغَيظَ صِرفاً مِن أَكُفِّكُمُ / وَلا يُرَجّى لِشَرٍّ مِنكُمُ غِيَرُ
لا حِلمَ يَردَعُكُم عَمّا أُساءُ بِهِ / وَلا أُطيعُ بِكُم جَهلي فَأَنتَصِرُ
فَجَنِّبوني أَذاكُم قَبلَ آبِدَةٍ / تَأتي غِشاشاً فَلا تُبقي وَلا تَذَرُ
وَاِستَعصِمُوا بِرِضائي وَاِحذَرُوا سَخَطي / فَجَرحُ مِثلي في أَمثالِكُم هَدَرُ
أَنا الَّذي يَرهَبُ الجَبّارُ سَطوَتَهُ / وَبي يُقَوَّمُ مَن في خَدِّهِ صَعَرُ
أُنمى إِلى الذّروَةِ العُليا وَتُنجِبُني / أَماجِدٌ لَيسَ في عِيدانِها خَوَرُ
سُمحٌ بَهاليلُ عَيّافُو الخَنا صُبُرٌ / يَومَ الكَريهَةِ طَلّابُونَ إِن وُتِرُوا
غُرٌّ مَغاويرُ أَنجادٌ خَضارِمَةٌ / بِمثلِهِم تحسُنُ الأَخبارُ وَالسِيَرُ
لا يُسلِمونَ لِرَيبِ الدَهرِ جارَهُمُ / يَوماً ولا رِفدُ راجي رِفدِهِم غُمَرُ
كَم نِعمَةٍ لَهُم لا يُستَقَلُّ بِها / لا مَنُّ يَتبَعُها مِنهُم وَلا كَدَرُ
لا يَجبُرُ الدَهرُ هَيضاً في كَسيرِهِمُ / وَلا تَهيضُ يَدُ الأَيّامِ ما جَبَرُوا
جِبالُ عِزٍّ مَنيفاتٌ بِحارُ نَدىً / قَلَهذَماتٌ لُيُوثٌ سادَةٌ غُرَرُ
لا يُنكِرُ الناسُ نعماهُم وَأَنَّهُمُ / أَهلُ العَلاءِ وَأَهلُ الفَخرِ إِن فَخَرُوا
أَتعَبتَ سَمعي بِطولِ اللَومِ فَاِقتَصِرِ
أَتعَبتَ سَمعي بِطولِ اللَومِ فَاِقتَصِرِ / ماذا أَهَمَّكَ مِن نَومي وَمِن سَهَرِي
عَدِمتَ رُشدَكَ كَم نَومٍ عَلى ضَمَدٍ / قُل لي أَمِن حَجَرٍ صُوِّرتَ أَم بَشَرِ
يا جاثِماً لِسِهامِ الذُلِّ تَرشُقُهُ / ما أَنتَ إِلّا قَتيلُ العَجزِ وَالخَورِ
ثِب قائِماً وَاِركَبِ الأَخطارَ مُقتَحِماً / فَإِنَّما يَركَبُ الأَخطارَ ذُو الخَطَرِ
وَلا تَكُن مِثلَ ما قَد قالَ بَعضُهُمُ / غَيمٌ حَمى الشَمسَ لَم يُمطِر وَلَم يسِرِ
أَفي القَضِيَّةِ أَن أَبقى كَذا تَبَعاً / وَالقَومُ قَومي وَأَربابُ العُلى نَفَري
كَم ذا اِنتِظاريَ وَالأَنفاسُ في صَعَدٍ / وَالظُلمُ في مَدَدٍ وَالعُمرُ في قِصَرِ
عَلى حُسامي وَعَزمي لا عَدِمتُهُما / وِردي وَلَكِن عَلى رَبِّ العُلى صَدَري
وَكَيفَ أَرهَبُ مَوتاً أَو أَخافُ رَدىً / وَحامِلُ المَيتِ مَحمولٌ عَلى الأَثَرِ
وَلَستُ مِمَّن إِذا نابَتهُ نائِبَةٌ / أَحالَ عَجزاً وَإِشفاقاً عَلى القَدَرِ
يا ضَيعَةُ العُمرِ في قَومٍ تَخالُهُمُ / ناساً وَلا غَيرَ أَثوابٍ عَلى صُوَرِ
لَو أَنَّ ذا الحِلمِ قَيساً حَلَّ بَينَهُمُ / لَوَدَّ مِنهُم ذَهابَ السَمعِ وَالبَصَرِ
وَلَو يُعَمِّرُ نُوحٌ فيهمُ سَنَةً / لَقالَ يا رَبِّ هَذا غايَةُ العُمُرِ
فَآهِ مِنّي بِحَجّاجٍ يزُولُ بِهِ / ما كانَ مِن عُجَرٍ عِندي وَمِن بُجَرِ
أَدنِ النَجيبَةِ لِلتِرحالِ واِرخِ لَها / زِمامَها وَاِخلط الرَوحاتِ بِالبُكَرِ
وَخَطِّها الخَطَّ إِرقالاً وَأَولِ قِلىً / أَوالَ لا نادِماً وَاِهجُر قُرى هَجَرِ
أَماكِناً لَعِبَت أَهلُ الفَسادِ بِها / فَدَمَّرُوها بِلا فِكرٍ وَلا نَظَرِ
لَم يَبقَ في خَيرِها فَضلٌ وَلا سَعَةٌ / عَنِ العَدُوِّ لذي نَفعٍ وَلا ضَرَرِ
أَما وَلَولا اِبن عَبدِ اللَهِ لا كَذِبا / لاِستُهلِكَت بَينَ نابِ الشَرِّ وَالظَفُرِ
لَولا الهُمامُ اِبنُ عَبدِ اللَهِ لاِنقَلَبَت / حَصّاءَ نابٍ بِلا هُلبٍ وَلا وَبَرِ
لَكِنَّهُ لَم يَزَل يَجلو بِهِمَّتِهِ / عَنها غَياهِبَ مِن ذُلٍّ وَمِن قَتَرِ
كَم نارِ شَرٍّ عَلَت فيها فَأَخمَدَها / مِن بِعدِ أَن عَمَّتِ الآفاقَ بِالشَرَرِ
وَكَم أَخي ثَروَةٍ أَودى بِثَروَتِهِ / تَحامُلٌ مِن صُروفِ الدَهرِ وَالغِيَرِ
أَهدى إِلَيهِ الغِنى مِن غَيرِ مَسأَلَةٍ / كَذا يَكونُ فِعالُ السادَةِ الغُرَرِ
وَكَم مِن مَضيمٍ تَمَنّى مِن مَضامَتِهِ / مَوتاً يُؤَدّي إِلى الفِردَوسِ أَو سَقَرِ
أَغاثَهُ وَأَزالَ الضَيمَ عَنهُ فَما / يَخشى سِوى اللَه في بَدوٍ وَلا حَضَرِ
فَحَبَّبَ العَيشَ وَالدُنيا إِلَيهِ وَقَد / تَحلو الحَياةُ لِفَقدِ الخَوفِ وَالضَرَرِ
وَكَم غَشومٍ شَديدِ البَطشِ ذي جَنَفٍ / بِالكِبرِ مُشتَمِلٍ بِالتِّيهِ مُؤتَزِرِ
لا يَذكُرُ اللَهَ إِلّا عِندَ رابِيَةٍ / يَرقى وَعِندَ اِرتِجاسِ الرَعدِ وَالمَطَرِ
يَلقى الرِياحَ إِذا هَبَّت بِساحَتِهِ / مُجَرَّدَ السَيفِ مِن جَهلٍ وَمِن أَشَرِ
يَتلوهُ كُلُّ غَوِيٍّ حينَ تَندُبُهُ / أَجرى مِنَ السَيلِ بَل أَشرى مِنَ النَفَرِ
لا يَعرِفُ المَنعَ في شَيءٍ يُحاوِلُهُ / وَلا يُراجِعُ في عُرفٍ وَلا نُكرِ
قَد عَوَّدَتهُ ذوُو الأَمرِ النُزولَ عَلى / ما شاءَ عادَةَ مَقهورٍ لِمُقتَهِرِ
أَرادَ مِنهُ الَّذي قَد كانَ يَعهَدُهُ / مِنهُم فَصادَفَ أَلوى طامِحَ البَصَرِ
مُماحِكاً لِلعِدى عَقّادَ أَلوِيَةٍ / أَقضي وأَمضي مِنَ الصَمصامَةِ الذَكَرِ
فَعافَ مَن كانَ منَّتهُ مَطامِعُهُ / وَاِنقادَ بَعدَ طُموحِ الرَأسِ وَالصَعَرِ
لَو غَيرُهُ وُلِّيَ البَحرَينِ لاِنتُهِكَت / وَخبِّرَ القَومُ عَنها أَسوَأَ الخَبَرِ
فَقَد تَوَلَّت رِجالٌ أَمرَها وَسَعَت / فيها فَلَم تُبقِ مِن شَيءٍ وَلَم تَذَرِ
وَأَيُّ سائِسِ مُلكٍ وَاِبنُ سائِسَةٍ / وَأَيُّ عُدَّةِ أَملاكٍ وَمُدَّخَرِ
أَغَرُّ ينمِيهِ مِن شَيبانَ كُلُّ فَتىً / حامي الذِمارِ جَوادٍ ماجِدٍ زَمِرِ
سَمحٍ يَعُدُّ وَفُورَ المالِ مَنقَصَةً / عِندَ الكِرامِ إِذا ما العِرضُ لَم يَفِرِ
لَو لَم يَكُن لِبَني شَيبانَ مَنقَبَةٌ / إِلّا أَبوهُ لَطالَت كُلَّ مُفتَخِرِ
وَلَم يَمُت مَن صَفِيُّ الدِينِ وارِثهُ / إِنَّ الغُصونَ لَقَد تُنمى عَلى الشَجَرِ
جُودُ الأَكارِمِ إِخبارٌ وَجُودُهُما / شَيءٌ تَراهُ وَلَيسَ الخُبرُ كَالخَبَرِ
يَفديكَ يا ذا العلى وَالمَجدِ كُلُّ عَمٍ / عَنِ المَكارِمِ بادي العِيِّ والحَصَرِ
إِذا يُلِمُّ بِهِ خَطبٌ ذكَرتَ بِهِ / تِلكَ النَعامَةَ لَم تَحمِل وَلَم تَطِرِ
فإِنَّهُ وَالَّذي تَعنُو الوُجُوهُ لَهُ / لَولاكَ لَم يَبقَ لِلعَلياءِ مِن وَزَرِ
قالوا نُهَنِّيكَ بِالعيدِ الكَبيرِ فَقَد / وافى وَتَركُ الهَنا مِن أَعظَم الكبَرِ
وَهَل تهَنّا بِعيدٍ أَنتَ بَهجَتُهُ / لَولاكَ لَم يَحلُ في سَمعٍ وَلا بَصَرِ
بَقيتَ ظِلّاً عَلى كُلِّ الأَنامِ وَلا / زِلتَ المَؤَيَّدَ بِالإِقبالِ وَالظَفَرِ
وَلا خَلَت مِنكَ دُنيا أَنتَ زَهرَتُها / حَتّى يُقارَن بَينَ الشَمسِ وَالقَمَرِ
يابا شُجاعٍ رَعاكَ اللَهُ مِن مَلِكٍ
يابا شُجاعٍ رَعاكَ اللَهُ مِن مَلِكٍ / لَولاكَ ما كانَ هَذا الناسُ بِالناسِ
وَجادَ كُلَّ بِلادٍ أَنتَ ساكِنُها / تَهتانُ كُلِّ مُلثِّ الوَدقِ رَجّاسِ
أَحيَيتُ حِلمَ ابنِ قَيسٍ في سِيادَتِهِ / لَكِن قَرَنتَ بِهِ إِقدامَ جَسّاسِ
وَعَدلَ كِسرى وَإِفضالَ اِبنِ حارِثَةٍ / أَوسٍ وَعِلمَ الفَتى الحَبر اِبنِ عَبّاسِ
أَشكو إِلَيكَ جَوىً مِن بَعدِ قُربِ نَوىً / وَوَحشَةً عَرَضَت مِن بَعدِ إِيناسِ
أَعاذَكَ اللَهُ مِن وَجدي وَمِن قَلِقي / وَمِن غَرامي وَمِن هَمّي وَوِسواسي
أَلِيَّةً ما يَخافُ الحنثَ مُقسِمُها / بِالصَفوَةِ المُجتَبى مِن ضِئضِئِ الياسِ
ما حالَ وُدُّكَ مِن قَلبي وَلا صَعَدَت / شَوقاً إِلى مَلِكٍ إِلّاكَ أَنفاسي
وَإِنَّني بِأَيادٍ مِنكَ سالِفَةٍ / مُثنٍ فَلا المُتناسيها وَلا الناسي
وَلامَني فيكَ أَقوامٌ فَقُلتُ لَهُم / عَنّي إِلَيكُم فَما في الحَقِّ مِن باسِ
لَئِن كَسوتُكُمُ ظُلماً مَحاسِنَهُ / إِنّي لِبالدُّسمِ مِن أَثوابِكُم كاسِ
ثُمَّ اِندَفَعتُ خِلالَ القَومِ أُسمِعُهُم / بَيتَ الحُطَيئَةِ إِذ أَشفى عَلى ياسِ
لَقَد مرَيتُكُمُ لَو أَنَّ دِرَّتَكُم / يَوماً يَجِيءُ بِها مَسحي وَإِبساسي
خَلّوا الثَناءَ لِمَن لَيسَت مَذاهِبه / تِلثامَ كاسٍ وَلا تجماعَ أَكياسِ
إِن كُنتُ كَلَّفتُكُم إِدراكَ غايَتِهِ / إِنّي لأَعنَتُ حُكماً مِن أَخي شاسِ
فَاِرضُوا عَدُوَّكُم ما اِستَطَعتُمُ وَخُذُوا / في قَلفِ لَوحٍ وَفي تَعبيرِ فِنطاسِ
يَفديكَ يا شَمسَ دينِ اللَهِ كُلُّ عَمٍ / عَنِ المَكارِمِ لِلسَوآتِ لَبّاسِ
أَما تَرى القَمَرَ المَنحوسَ طَلعَتُهُ / وَما أَتى غَيرَ ما ساهٍ وَلا ناسِ
لَقَد تَعَمَّدَ أَمراً لا تَهِمُّ بِهِ / آسادُ ترجٍ وَلا ذُؤبانُ أَوطاسِ
فَأمُر بِهِ ذَنَبَ التَنِّينِ يَخسِفُهُ / حَتّى يَصيرَ كَقُرصِ الآرزِ الخاسي
ما راقَبَ اللَهَ في حُجّاجِ كَعبَتِهِ / بَل قامَ يَضرِبُ أَخماساً لِأَسداسِ
وَلا اِتَّقى بَأسَ قُرمٍ لا عِرانَ بِهِ / إِذ لَم يَزَل لِفُحولِ الشُولِ عَرّاسِ
قَد فاتَ في مُكرِهِ الأَسوا وَحيلَتِهِ / وَظُلمِهِ كُلَّ نَخّاسٍ وَمَكّاسِ
أَحيَى أَباهُ لَعَمرِي وَالبُيوتَ عَلى / قَواعِدٍ بُنِيَت قِدماً وَأَسّاسِ
لامَ الدُيَيثِيَّ قَومٌ في خَساسَتِهِ / هاتُوا الدُيَيثي عَلى العَينَينِ وَالرَاسِ
فَيا أَمينَ أَمينِ اللَهِ أَبقِ بِهِ / جرحاً مَدى الدَهرِ لا يَلقى لهُ آسِ
وَعِش عَزيزاً حَميدَ الجارِ ما وَخَدَت / عِيسٌ بِمَجهولَةِ الأَرجاءِ مِيعاسِ
إِلام أُورِدُ عُتباً غَيرَ مُستَمَعِ
إِلام أُورِدُ عُتباً غَيرَ مُستَمَعِ / وَأُنفِقُ العُمرَ بَينَ اليَأسِ وَالطَمَعِ
وَكَم أُحيلَ عَلى الأَيّامِ مُفتَرِياً / ما تُحدِثُ البدعُ النَوكَى مِن البِدَعِ
آلَيتُ أَنفَكُّ مِن حِلٍّ وَمُرتَحَلٍ / أَو أَن تَقولَ لِيَ الآمالُ خُذ وَدَعِ
لا صاحَبَتنِيَ نَفسٌ لا تُبَلِّغُني / مَراتِبَ العِزِّ لَو في ناظِرِ السَبُعِ
سَيَصحَبُ الدَهرَ مِنّي ماجِدٌ نَجِدٌ / لَو داسَ عِرنِينَ أَنفِ المَوتِ لَم يُرَعِ
أَأَقبَلُ النَقصَ وَالآباءُ مُنجِبَةٌ / وَالبَيتُ في المَجدِ ذُو مَرأىً وَمُستَمَعِ
لَأَركَبَنَّ مِنَ الأَهوالِ أَعظَمَها / هَولاً وَما يَحفَظُ الرَّحمنُ لَم يُضَعِ
وَلا أَكونُ كَمَن يَسعى وَغايَتُهُ / وَمُنتَهى سَعيِهِ لِلرِّيِّ وَالشِبَعِ
أَيذهَبُ العُمرُ لا يَخشى مُعانَدَتي / خَصمي وَجاري بِقُربي غَيرُ مُنتَفِعِ
وَبَينَ جَنبَيَّ عَزمٌ يَقتَضي هِمَماً / لَو ضَمَّها صَدرُ هَذا الدَهرِ لَم يَسَعِ
فَلا رَعى اللَهُ أَرضاً لا أَكونُ بِها / سُمّاً لِمُستَنكِفٍ غَيثاً لِمُنتَجِعِ
كَم عايَنَ الدَهرُ مِنّي صَبرَ مُكتَهِلٍ / إِذ لَيسَ يُوجَدُ صَبرُ العودِ في الجَذَعِ
وَكَم سَقاني مِن كَأسٍ عَلى ظَمَأٍ / أَمَرَّ في الطَعمِ مِن صابٍ وَمِن سَلَعِ
وَما رَمَتني بَكرٌ مِن نَوائِبهِ / إَلّا صَكَكتُ بِصَبري هامَةَ الجَزَعِ
سَلِ الأَخِلّاءِ عَنّي هَل صَحِبتُهُمُ / يَوماً مِنَ الدَهرِ إِلّا وَالوَفاءُ مَعي
أَلقى مُسيئَهُمُ بِالبِشرِ مُبتَسِماً / حَتّى كَأَن لَم يَخُن عَهداً وَلَم يُضِعِ
وَسَلهُمُ هَل وَفى لي مِن ثِقاتِهمُ / حُرٌّ وَلَم يَشرِ في نَقضي وَلَم يَبِعِ
ثَكِلتُهُم ثُكلَ عَينٍ ما تَبَطَّنَها / مِنَ القَذى أَو كَثُكلِ العُضوِ لِلوَجَعِ
لَقَد تَفَكَّرتُ في شَأني وَشَأنِهمُ / فَبانَ لي أَنَّ ذَنبي عِندَهُم وَرَعي
فآهِ مِن زَفَراتٍ كُلَّما صَعَدَت / في الصَدرِ كادَت تُوَرّي النار مِن ضِلعي
يَسُوقُها أَسَفٌ قَد ثارَ مِن نَدَمٍ / يُربي عَلى نَدَمِ المَغبُونِ مِن كُسَعِ
وَلَيسَ ذاكَ عَلى مالٍ نَعِمتُ بِهِ / حِيناً وَأَفناهُ صَرفُ الأَزلَمِ الجَذِعِ
وَلا عَلى زَلَّةٍ أَخشى عَواقِبَها / وَالناسُ حِزبانِ ذُو أَمنٍ وَذُو فَزَعِ
لَكِن عَلى دُرَرٍ تَزهُو جَواهِرُها / في عِقدِ كُلِّ نِظامٍ غَيرِ مُنقَطِعِ
تَوَّجتُها مَعشَراً لا أَبتَغي عِوَضاً / عَنها وَإِنّيَ في قَومي لَذُو قَنَعِ
وَكُنتُ أَولى بِها مِنهُم وَكَم مِنَنٍ / ضاعَت وَما فائِتٌ يَمضي بِمُرتَجَعِ
وغَرَّني مِنهُمُ لَفظٌ خُدِعتُ بِهِ / وَالناسُ ما بَينَ مَخدوعٍ وَمُختَدِعِ
فَلو تَكونُ إِلى الأَصدافِ نِسبَتُها / لَكانَ لِي كَرَمٌ يَنهى عَن الهَلَعِ
لَكِنَّها الجَوهَرُ الطَبعِيُّ قَد أَمِنَت / مِنَ التَشَظّي مَدى الأَيّامِ وَالطَبَعِ
ليُبعِدَنِّيَ عَنهُم شَدُّ ناجِيَةٍ / وَجناءَ غُفلٍ مِن التَوقِيعِ وَالوَقَعِ
أَو ذاتُ قِلعٍ مِنَ العَيناءِ ما عُرِفَت / في زَجرِها بخَلٍ يَوماً وَلا هِدَعِ
وَلا رَغَت عِندَ حَملِ الثِقلِ مِن ضَجَرٍ / وَلا إلى هُبَعٍ حَنَّت وَلا رُبَعِ
تَجري مَعَ الريحِ إِن هَوناً وَإِن مَرَحاً / فَنِعمَ مُطلِعَةٌ مِن هَولِ مُطَّلِعِ
فَتِلكَ أَو هَذِهِ أَجلو الهُمومَ بِها / إِذا تَطاوَلَ لَيلُ العاجِزِ الضَرِعِ
يَأبى لِيَ المَجدُ أَن أَرضى بِغَيرِ رِضاً / وَرَأيِ ماضٍ وَعَزمٍ غَيرِ مُفتَرِعِ
ما أَقبَحَ الذُلَّ بِالحُرِّ الكَريمِ وَما / أَسوا وَأَقبَحَ مِنهُ العِزُّ بِاللُكَعِ
ما لي أُجمجِمُ في صَدري بَلابِلَهُ / وَمَنكِبُ الأَرضِ ذو مَنأىً وَمُتَّسَعِ
وَكُلُّ أَرضٍ إِذا يَمَّمتُها وَطني / وَكُلُّ قَومٍ إِذا صاحَبتهُم شِيَعي
وَلي مِنَ الفَضلِ أَسنَاهُ وَأَشرَفَهُ / وَهِمَّةٌ جاوَزَت بي كُلَّ مُرتَفِعِ
المَجدُ أَعتَقُ وَالآدابُ بارِعَةٌ / وَذِروَةُ المَجدِ مُصطافي وَمُرتَبَعي
لِيَ النَّباهَةُ طَبعٌ قَد عُرِفتُ بِهِ / وَكُلُّ مَعنىً مِنَ الأِلفاظِ مُختَرَعي
فَيَأسكُم مِن رُجُوعِي بَعدَ مُنصَرَفي / نِطافُ دِجلَةَ تُغنِيني عَنِ الجُرَعِ
سَيَعرِفُ الخاسِرُ المَغبُونُ صَفقَتَهُ / مِنّا وَمَن ضَيّعَ البازِيَّ بِالوَصَعِ
لا خَيرَ في مَنزِلٍ تَشقى الكِرامُ بِهِ / وَيُلحَقُ السَيِّدُ المَتبُوعُ بِالتَبَعِ
كَم لُمتُ قَومي لا بَل كَم أَمَرتُهُمُ / بِحَسمِ داءِ العِدا فيهِم فَلَم أُطَعِ
فَلَم أَجِد بَعدَ يَأسي غَيرَ مُرتَحَلي / عَنهُم لِهَمٍّ أسَلِّيهِ وَمُتَّدَعِ
فَإِن يُرِيعُوا أَرِع وَالعَقلُ مُكتَسَبٌ / وَالرَيعُ خَيرٌ وَمَن لِلعُميِ بِالرَسَعِ
بُنَيَّ مُذ غِبتَ عَن عَينَيَّ ما عَرَفَت
بُنَيَّ مُذ غِبتَ عَن عَينَيَّ ما عَرَفَت / غمضاً وَلا بِتُّ إِلّا ساهِراً دَنِفا
وَلا سَمِعتُ بِشَخصٍ آبَ مِن سَفَرٍ / إِلّا حَنَنتُ وَأَعلَنتُ البُكا أَسَفا
قَضى أَخُوكَ حُسَينٌ نَحبَهُ وَمَضى / وَهَل سِواكَ تراهُ مِنهُ لِي خَلَفا
فَما مَرَرتُ بِقَبرٍ مُذ فُجِعتُ بِهِ / إِلّا وَصِحتُ بِأَعلى الصَوتِ وَا لَهَفا
فَاِرحَم أَباكَ فَلو أَبصَرتَ عَبرَتَهُ / وَكُلَّما كَفَّ مِن شأَنٍ لَها وَكَفا
قَد أَقرَحَ الدَمعُ عَينَيهِ وَقَد وَهَنَت / مِنهُ العِظامُ وَأَضحى الجِسمُ قَد نَحُفا
شَيخٌ أَنافَ عَلى السَبعينَ حَلَّ بِهِ / ثُكلٌ وَشَوقٌ فَإِن داما فَوَا تَلَفا
إِن لَم يَمُت خافَ أَن يَعمى وَمَن عَمِيَت / عَيناهُ ماتَ وَإِن لَم يَسكُنِ الجَدَفا
بُنَيَّ ما أَنتَ مِن أَهلِ العُقوقِ وَلا / عَوَّدتَني مِنكَ إِلّا البِرَّ وَاللُطَفا
فَرِقَّ لِي وَاِرث مِن هَمٍّ أُكابِدُهُ / شَوقاً إِلَيكَ وَحُزناً لِلّذي سَلَفا
وَاِدفَع بِلُقياكَ عَنّي وَحشَةً وَأَسىً / عَلى إِذابَةِ جِسمٍ بالضَنى اِختلَفَا
وَكُن جَوابَ كِتابي حينَ تَنشُرُهُ / وَأمُر بِشِدٍّ وَلَمّا تَبلُغِ الطَرَفا
وَلا تَكَلَّف لِرِزقٍ غُربَةً وَشَقا / الرِّزقُ آتٍ فَلا تَحمِل لَهُ كَلَفا
أُمَيمُ لا تُنكِري حِلّي وَمُرتَحَلي
أُمَيمُ لا تُنكِري حِلّي وَمُرتَحَلي / إِنَّ الفَتى لَم يَزَل كَلّاً عَلى الإِبِلِ
وَسائِلي وارِدَ الرُكبانِ عَن خَبَري / يُنبيكِ أَنّيَ عَينُ الماجِدِ البَطَلِ
لا أَشرَبُ الماءَ ما لَم يَصفُ مَورِدُهُ / وَلا أَقولُ لِمُعوَجِّ الوِصالِ صِلِ
تُكَلِّفِيني مُقاماً بَينَ أَظهُرِكُم / وَلَيسَ يَبدُو فِرِندُ السَيفِ في الخِلَلِ
ما دامَتِ البيضُ في الأَجفانِ مُغمَدَةً / فَما يَبينُ لَها في الهامِ مِن عَمَلِ
وَفي التَنَقُّلِ عِزٌّ لِلفَتى وَعُلاً / لَم يَكمُلِ البَدرُ لَولا كَثرَةُ النَقلِ
وَالمَندَلُ الرَطبُ في أَوطانِهِ حَطَبٌ / وَقَد يُقوَّمُ في الأَسفارِ بِالجُملِ
داوَيتُكُم جاهِداً لَو أَنَّ داءَكُمُ / مِمّا يُداوى بِغَيرِ البيضِ وَالأَسَلِ
وَكُلَّما زادَ نُصحي زادَ غَيُّكُمُ / لا بارَكَ اللَهُ في وُدٍّ عَلى دَخَلِ
أَسَأتمُ وَظَنَنتُم لا أَباً لَكُمُ / أَن لا أُحِسَّ بِطَعمِ الصابِ في العَسَلِ
إِن أَترُكِ العَودَ في أَمرِ اِغتِنائِكُمُ / فَنَهلَةُ الطَرفِ مَجزاةٌ عَنِ العَلَلِ
كَم قَد غَرَستُ مِنَ الإحسانِ عِندَكُمُ / لَو يُثمِرُ الغَرسُ في صَفواءَ مِن جَبَلِ
لا تَحسَبُوا أَنَّ بُعدَ الدارِ أَوحَشَني / البُعدَ آنَسُ مِن قُربٍ عَلى دَغَلِ
لَقَد تَبَدَّلتُ مِنكُم خَيرَ ما بَدَلٍ / فَاِستَبدِلُوا الآنَ مِنّي شَرَّ ما بَدَلِ
شَرُّ الأَخِلّاءِ مَن تَسري عَقارِبُهُ / لا خَيرَ في آدِمٍ يُطوى عَلى نَغلِ
لا تَنقِمُونَ عَلى مَن لا يَبيتُ لَكُم / مِنهُ سَوامٌ وَلا عِرضٌ عَلى وَجَلِ
يُزانُ ناديكُمُ يَومَ الخِصامِ بِهِ / كَما تُزانُ بُيُوتُ الشِعرِ بِالمَثَلِ
إِذا خَطِيبُكُم أَكدَت بَلاغَتُهُ / أَجابَ عَنهُ فَلَم يُقصِر وَلَم يُطِلِ
أَثرى زَماناً فَلَم يَذمُمهُ سائِلُهُ / وَقَلَّ مالاً فَلَم يَضرَع وَلَم يَسَلِ
يَكسُوكُمُ كُلَّ يَومٍ مِن مَحاسِنِهِ / وَمَجدِهِ حُلَلاً أَبهى مِنَ الحُلَلِ
وَلَم يَزَل هَمُّهُ تَشييدَ مَجدِكُمُ / يَوَدُّ لَو أَنَّهُ أَوفى عَلى زُحَلِ
يُهينُ في وُدِّكُم مَن لا يَوَدُّ لَهُ / هُوناً وَيُكرِمُ فيهِ عِلَّةَ العِلَلِ
إِن قُلتُمُ الخَيرَ يَوماً قالَ مُبتَجِحاً / عَنكُم وَإِن قُلتُمُ العَوراءَ لَم يَقُلِ
ما ضَرَّكُم لَو وَفَيتُم فَالكَريمُ إِذا / حالَ اللَئيمُ وَفى طَبعاً وَلَم يَحلِ
أَلَستُ أَوفاكُمُ عَهداً وَأَحلَمُكُم / عَقداً وَأَقوَمُكُم بِالفَرضِ وَالنَفَلِ
أَلَيسَ بَيتُكُم في العِزِّ مَركَزُهُ / بَيتي فَما كانَ مِن فَخرٍ فَمِن قبلي
أَلَستُ أَطوَلَكُم في كُلِّ مَكرُمَةٍ / باعاً وَأَحملَكُم لِلحادِثِ الجَلَلِ
كَم يَنفُقُ الغِشُّ فِيكُم وَالنِفاقُ وَكَم / لا تَرغَبُونَ إِلى نُصحٍ ولا عَذَلِ
إِن يُمسِ مَقتُكُمُ حَظّي فَحُقَّ لَكُم / الوَردُ مِن قُربِهِ يُغمى عَلى الجُعَلِ
وَإِن عَكَفتُم عَلى من لا خَلاقَ لَهُ / دُوني فَقَد عَكَفَت قَومٌ عَلى هُبَلِ
أَمَّلتُ دَفعَ مُلِمّاتِ الخُطوبِ بِكُم / فَآهِ واشَقوتا مِن خَيبَةِ الأَمَلِ
وَكُنتُ أَحسَبُكُم مِمَّن تَقرُّ بِهِ / عَيني فَأَلفَيتُكم مِن سُخنَةِ المُقَلِ
إِن يَخفَ ما بَينَكم فَضلي فَلا عَجَبٌ / لا يَستَطيعُ شُعاعَ الشَمسِ ذُو السَبَلِ
يا لَيتَ شِعريَ وَالأَنباءُ ما بَرِحَت / تُسايِرُ الريحَ بِالأَسحارِ وَالأُصُلِ
هَل جاءَ قَومي وَأَخداني الَّذينَ هُمُ / إِن أُرمَ مِن قِبَلِ الرامينَ لا قِبلي
بِأَنَّني لَم أَرِد وِرداً أُعابُ بِهِ / وَلَم أَقِف ذاتَ يَومٍ مَوقِفَ الخَجَلِ
كَسَوتُ قَومِيَ وَالبَحرَين ثَوبَ عُلاً / يَبقى جَديداً بَقاءَ الحُوتِ وَالحَملِ
لَقَد تَقَدَّمتُ سَبقاً مَن تَقَدَّمَني / سِنّاً وَأَدرَكَ شَأوي فارِطَ الأوَلِ
بِذاكَ قُدوَةُ أَهلِ العِلمِ قاطِبَةً / أَبو البَقاءِ مُحِبُّ الدَينِ يَشهَدُ لي
هُوَ الإِمامُ الَّذي كُلٌّ لَهُ تَبَعٌ / مِن كُلِّ حافٍ عَلى الدُنيا وَمُنتَعِلِ
فَما الخَليلُ لَهُ مِثلٌ يُقاسُ بِهِ / وَهَل يُقايَسُ بَينَ البَحرِ والوَشَلِ
وَبَعضِ غُلمانِهِ يَكفي فَكَيفَ بِهِ / مُهَذَّباً لَم يَحِف جَوراً وَلَم يَمِلِ
وَلَم يَقُل وَحدَهُ ما قالَ بَل شَهدَت / بِهِ الأَفاضِلُ مِن بَغدادَ عَن كَمَلِ
وَلَيسَ في الشِعرِ مِن فَضلٍ يَطُولُ بِهِ / مِثلي وَلَو فاقَ أَعلى سَبعِها الطُوَلِ
بَل فَضلُ مِثلِيَ أَن يَسمُو بِهِمَّتِهِ / عَن مَدحِ فَدمٍ عَن العَلياءِ في شُغُلِ
يا ساهِرَ الطَرفِ مِن خَوفٍ وَمِن وَجَلِ
يا ساهِرَ الطَرفِ مِن خَوفٍ وَمِن وَجَلِ / نَم في جِوارِ الهُمامِ السَيِّدِ البَطَلِ
وَلا تَرُعكَ خَيالاتٌ تَمُرُّ بِها / كانَت تَرُوعُكَ في أَيّامِكَ الأُولِ
فَقَد كَفاكَ مُقاساةَ الأَذى مَلكٌ / مُتَوَّجٌ بَينَ فَضلِ ذِي النَدى وَعَلي
وَيا أَخا المالِ لا تَوجَل وَباهِ بِهِ / في الناسِ وَاِقطَع عُرى مَن شِئتَ أَو فَصلِ
فَقد تَرى دَولَةَ الساداتِ قَد خَفَقَت / أَعلامُها وَتَوَلَّت دَولَةُ الخوَلِ
وَاِبعَث إِلى المُدنِ بِالبُشرى مُخَبِّرَةً / بِمُلكِ أَروَعَ لا عِيٍّ وَلا وَكِلِ
كَيما تَعُودَ إِلى الأَوطانِ آيِبَةً / قَومٌ رَأَوا قَبلُ فيها خَيبَةَ الأَمَلِ
جَلاهُمُ الضَيمُ عَنها فَاِغتَدَوا هَرَباً / مِن غَيرِ ما بغضَةٍ مِنهُم وَلا مَلَلِ
في أَرضِ فارِسَ لا يُحصى عَديدُهُمُ / وَفي العِراقَينِ مِلءُ السَهلِ وَالجَبَلِ
مُذَبذَبينَ عَن الأَوطانِ كُلّهمُ / مِن شِدَّةِ الشَوقِ وَالتِذكارِ في شُغُلِ
وَمَن أَقامَ بِها قامَت قِيامَتُهُ / وَعايَنَ النارَ مِن خَلفٍ وَمِن قُبُلِ
وَجاءَهُ كُلَّ يَومٍ مَن يُحاسِبُهُ / مِن غَيرِ فَرضٍ يُؤَدِّيهِ وَلا نَفَلِ
يَبيتُ آمِنُهُم مِمّا يُكابِدُهُ / فَوقَ الحَشِيَّةِ مِثلَ الشارِبِ الثَمِلِ
وَلَيسَ يَأمَنُ إِلّا مَن أُذَمُّ لَهُ / عَبدٌ نَشا مِن نِتاجِ الزِّنجِ كَالعَجَلِ
أَو خَلفُ سُوءٍ مِنَ الأَعرابِ هِمَّتُهُ / ما أَسخَطَ اللَهَ مِن قَولٍ وَمِن عَمَلِ
يا هاجِرَ الدارِ مِن خَوفٍ هَلُمَّ فَقَد / نادى بِكَ الأَمنُ أَن أَقدِم عَلى عَجَلِ
وَلا تَخَف فَالَّذي قَد كُنتَ تَعهَدُهُ / أَزالَهُ سَيِّدُ الأَملاكِ مُنذُ وَلي
أَبُو سِنانٍ حَليفُ المَكرُماتِ وَمَن / أَنافَ سُؤدُدُهُ السامي عَلى زُحَلِ
مُحيي البِلادِ وَقَد أَشفَت عَلى جُرُفٍ / هارٍ وَمانِعُها بِالبيضِ وَالأَسَلِ
وَباعِثُ العَدلِ حَيّاً بَعدَما صَرَخَت / وَأَعلَنَت أُمُّهُ بِالوَيلِ وَالثَكَلِ
لَو عادَ وَالِدُهُ حَيّاً وَخاصَمَهُ / مُستَضعَفٌ لَم يَحِف جَوراً وَلَم يَمِلِ
كَم رَدَّ مَظلَمَةً قَد ماتَ ظالِمُها / وَلَم يُناقِش ذَوي الدَعوى وَلَم يَسَلِ
وَكَم يَدٍ في الأَذى وَالظُلمِ قَد بَسَطَت / كَفّاً فَبَدَّلَها مِن بَعدُ بِالشَلَلِ
هَذا وَكَم عَبدِ سُوءٍ كانَ هِمَّتُهُ / حَملَ النَمائِمِ وَالبُهتانِ وَالنَغَلِ
أَراحَ مِنهُ قُلوبَ المُسلِمينَ وَلَم / يَصحَب وَبَدَّلَهُ نِكلاً مِن النَكَلِ
وَكَم نَدِيِّ ضَلالٍ كانَ ذا لجَبٍ / سَطا فَأَخرَسَهُ عَن قَولِ لا وَهَلِ
أَحمى مِنَ المَرءِ جَسّاسِ بنِ مُرَّة إِذ / أَردى كُلَيباً بِعَزمٍ غَيرِ ذي فَشَلِ
لَم يَقبلِ العارَ في ضَيمِ النَزيلِ وَلَم / يَقنَع بِنَقصٍ وَلا يَحتَجُّ بِالعِلَلِ
أَحنى وَأَعدَلُ مِن كِسرى غَداةَ رَمى / بِالسَهمِ قَلبَ اِبنِهِ في الحَقِّ لَم يُبَلِ
وَلَيسَ يَعدِلُهُ الطائيُّ في كَرَمٍ / يَوماً وَكَيفَ يُقاسُ البَحرُ بِالوَشَلِ
وَأَينَ مِنهُ كُلَيبٌ في النِزالِ إِذا / عَضَّت حُدودُ السُرَيجِيّاتِ بِالقُلَلِ
سَل عَنهُ يَومَ أَغارَت في كَتائِبِها / خَيلُ القَطيفِ مِنَ القَرحا إِلى الجَبَلِ
يَحُثُّها مِن عُقَيلٍ كُلُّ ذي أَشَرٍ / مَولى فَوارِسَ لا ميلٍ وَلا عُزَلِ
أَعطى أَسِنَّتَهُم نَحرَ الجَوادِ وَلَم / يَسمَح لَهُم في مَجالِ الطَعنِ بِالكَفَلِ
حَتّى حَمى خَيلَهُ غَصباً وَساعَدَهُ / قَلبٌ جَرِيءٌ وَرَأيٌ غَيرُ ذي خَطَلِ
ثُمَّ اِنثَنى راجِعاً وَالنَصرُ صاحِبُهُ / يَمشي بِهِ المُهرُ مُختالاً عَلى مَهلِ
كَم مِن أَخي كُربَةٍ أَحيا بِصارِمِهِ / وَكَم أَماتَ بِهِ مِن ثائِرٍ بَطَلِ
وَكَم ظَلامِ وَغَىً جَلّى غَياهِبَهُ / مِن بَعدِ أَن صارَ وَقتُ الظُهرِ كَالطَفَلِ
يا طِيبَ أَيّامِهِ يا حُسنَ دَولَتِهِ / لَقَد أَبَرَّت عَلى الأَيّامِ وَالدُوَلِ
فَلَيتَ أَنّهُما داما وَدامَ وَلَم / يَكُن لَهُم أَبَدَ الأَيّامِ مِن دُولِ
لَولا الرَجاءُ الَّذي كُنّا نُؤَمِّلُهُ / فيها لَمُتنا بِغِلِّ النَفسِ عَن كملِ
لَكِن تحاتي حُشاشاتُ النُفوسِ إِذا / كادَت تَقضّى بِقَولٍ فيهِ مُتَّصِلِ
بِأَنَّهُ الثائِرُ المَنصُورُ يسنِدُهُ / عَن الرُواةِ عَن الأَبدالِ وَالرُسُلِ
بِهِ أَنارَت قُرى البَحرَينِ وَاِبتَهَجَت / بِقاعُها وَتَسَمَّت قُرَّةَ المُقَلِ
وَأَصبَحَت بَعدَ ثَوبِ الذُلِّ قَد لَبِسَت / ثَوباً مِنَ العِزِّ ذا وَشيٍ وَذا خَمَلِ
وَراحَ من حَلّها في رَأسِ شاهِقَةٍ / لَو رامَهَا الأَسوَدُ النَعّابُ لَم يَصِلِ
لَو حَلَّها آدَمٌ مِن بَعدِ جَنَّتِهِ / لَم يَبغ عَنها إِلى الفِردَوسِ مِن حِوَلِ
يا اِبنَ المُلوكِ الأُلى شادُوا مَمالِكَهُم / بِالمَشرَفِيّاتِ لا بِالمَكرِ وَالحِيَلِ
نَماكَ مِن آلِ إِبراهِيمَ كُلُّ فَتىً / مُنَزَّهِ العِرضِ مِن غِشٍّ وَمِن دَغَلِ
قَومٌ هُمُ القَومُ في بَأسٍ وَفي كَرَمٍ / وَفي وَفاءٍ وَفي حِلٍّ وَمُرتَحَلِ
يُمضُونَ في الناسِ ما قَالُوا وَغَيرُهُم / إِن أَنكَرُوا مِنهُ بَعضَ القَولِ لَم يَقُلِ
في كُلِّ حَيٍّ تَرى إِلّا أَقَلَّهُم / بَيتاً وَمَفخَرُ ذاكَ البَيتِ في رَجُلِ
وَأَنتُمُ مَعشَرٌ لَو رامَ طِفلُكُمُ / نَيلَ السَماءِ لَصَكَّ الحوتَ بِالحَملِ
مَن ذا يُعَدُّ كَعَبدِ اللَهِ جَدِّكُمُ / جَدّاً وَيَدعُو فَتىً كَالفَضلِ أَو كَعلي
وَمَن يُسامي أَبا المَنصُورِ وَالِدَكُم / فَخراً وَأَينَ الثَرى مِن مَعقَلِ الوَعلِ
وَمَن كَمِثلِ بَنيهِ يَومَ عادِيَةٍ / يَمشي الكُماةُ إِلَيها مِشيَةَ الوَجَلِ
وَفي أَبي مِسعَرٍ فَخرٌ تُقِرُّ بِهِ / كُلُّ القَبائِلِ مِن حافٍ وَمُنتَعِلِ
وَأَينَ مِثلُ بَني الفَضلِ الَّذينَ إِذا / سُئِلُوا أَنالُوا بِلا مَطلٍ وَلا مَذلِ
وَلَو ذَكَرتُ مُلوكاً مِن أُبُوَّتِكُم / مَضَوا تَرَكتُ مُلوكَ الأَرضِ في خَجَلِ
لَكِن رَأَيتُ اِمتِداحيكُم بِسالفِكُم / في الجاهِلِيَّةِ نَفسُ العيِّ وَالخَطَلِ
لِأَنَّ مَن قَد رَأَينا مِن أَماجِدِكُم / بِبَعضِهِم يَكتَفي السامي عَلى الأُوَلِ
وَأَنتَ يابا سِنانٍ مِنهُمُ خَلَفٌ / وَذَلِكَ النُبلُ مِن آبائِكَ النّبلِ
جُزتَ المَدى وَتَحاماكَ الرَدى وَغَدَت / أُمُّ العِدى بِكَ أُمّ الوَيلِ وَالهَبَلِ
وَعاشَ أَبناؤُكَ الغُرُّ الَّذينَ هُمُ / في الجُودِ وَالبَأسِ فينا غايَةُ الأَمَلِ
فَفي حَياتِكُمُ صَفوُ الحَياةِ لَنا / بِغَيرِ شَكٍّ وَطيبُ اللَهوِ وَالجَذَلِ
وَماتَ غَيظاً عَلى الأَيامِ حاسِدُكُم / وَإِن يَعِش فَبِذُلٍّ غَيرِ مُنتَقِلِ
أَبا الفَضائِلِ يا مَن في مُفاضَتِهِ
أَبا الفَضائِلِ يا مَن في مُفاضَتِهِ / بَدرٌ وَبَحرٌ وَثُعبانٌ وَرئبالُ
لا تَحلِفَنَّ بِقَولِ المُرجِفينَ وَما / قَد زَخرَفُوا فَعَلى ذا الوَضعِ ما زالُوا
فَقَد عَهِدتُكَ طَوداً ما تُزَعزِعُهُ / نَكباءُ عادٍ فكَيفَ القِيلُ وَالقالُ
مَن ذا يَهُمُّ بِغابٍ أَنتَ ضيغمُهُ / وَحَولَكَ الأُسدُ في الماذِيِّ تَختالُ
قَد كُنتَ وَحدَكَ لا جُندٌ وَلا عَدَدٌ / وَقَد أَتَوكَ فَقُل لي ما الَّذي نالُوا
هَل غَيرُ إحراقِ غَلّاتٍ وَقَد شَقِيَت / بِهِم عَجائِزُ هِمّاتٌ وَأَطفالُ
وَكُلُّ ذا لَيسَ يُشفى غَيظَ ذي حَنَقٍ / وَكَيفَ يَشفي غَليلَ الحائِمِ الآلُ
وَأَنتَ لَو شِئتَ أَضحَت كُلُّ ناحِيَةٍ / مِن أَرضِهِم وَبِها نَوحٌ وَإِعوالُ
لَكِن أَبى لَكَ حِلمٌ راسِخٌ وَتُقىً / ما لا تَوَهَّمهُ غَوغاءُ جُهّالُ
وَأَنتَ تَعلَمُ لازِلتَ المَنيعَ حِمىً / أَنَّ الشَدائِدَ لِلساداتِ غِربالُ
قَد أَحسَنَ المُتَنَبّي إِذ يَقولُ وَما / زالَت لَهُ حِكَمٌ تُروى وَأَمثالُ
لا يُدرِكُ المَجدَ إِلّا سَيّدٌ فَطِنٌ / لِما يَشُقُّ عَلى الساداتِ فَعّالُ
وَأَنتَ ذاكَ الَّذي نَعني فَلا اِنقَطَعَت / إِلى القِيامَةِ لِلراجيكَ آمالُ
وَسُرَّ وَاِسعَد بِذا الشَهرِ الأَصَمِّ فَقَد / وَافاكَ يَصحَبُهُ نَصرٌ وَإِقبالُ
وَاِسلَم وَدُم في نَعيمٍ شامِلٍ وَعُلاً / ما دامَ لِلعَيشِ بِالوَعساءِ إِرقالُ
حُطُّوا الرِحالَ فَقَد أَودى بِها الرَحلُ
حُطُّوا الرِحالَ فَقَد أَودى بِها الرَحلُ / ما كُلِّفَت سَيرَها خَيلٌ وَلا إِبلُ
بَلَغتُمُ الغايَةَ القُصوى فَحَسبُكُمُ / هَذا الَّذي بِعُلاهُ يُضرَبُ المَثَلُ
هَذا هُوَ المَلكُ بَدرُ الدِينِ خَيرُ فَتىً / بِهِ تَعَلَّقَ لِلرّاجي الغِنى أَمَلُ
هَذا الَّذي لَو يُباري فَيضَ راحَتِهِ / فَيضُ البِحارِ لما أَضحى لَها بَلَلُ
هَذا الَّذي لَو لِلَيثِ الغابِ نَجدَتُهُ / ما حَلَّ إِلّا بِحَيثُ الشِيحُ وَالنَفَلُ
هَذا الَّذي بِالنَدى وَالبَأسِ يَعرِفُهُ / وَبِالتُقى كُلُّ مَن يَحفى وَيَنتَعِلُ
هَذا الهُمامُ الَّذي أَقصى مَطالِبِهِ / ما لا يُحدُّ وَأَدنى هَمِّهِ زُحَلُ
الناسُ كُلُّهُمُ هَذا وَلا عَجَبٌ / الخَلقُ أَفضَلُ مِنهُم كُلِّهِم رَجُلُ
اللَهُ أَكبَرُ جاءَ الدَهرُ مُعتَذِراً / إِلَيَّ يَسأَلُني العُتبى وَيَبتَهِلُ
وَقَبلُ كَم سامَني خَسفاً وَألزَمَني / ما لَيسَ لِي ناقَةٌ فيه وَلا جَمَلُ
فَآهِ يا دَهرُ هَلّا كانَ عُذرُكَ ذا / وَلَم يَغِب عَن عَياني الجشُّ وَالجَبَلُ
الشُكرُ في ذا لِمولىً أَنتَ لا كَذِباً / عَبدٌ لَهُ كُلُّ مَن يَهواهُ يَمتَثِلُ
وَكُلُّ مَن فَوقَ ظَهرِ الأَرضِ مِن مَلِكٍ / وَسَوقَةٍ فَلِسامي مَجدِهِ خَوَلُ
أَبو الفَضائِلِ أَولى الناسِ كُلِّهِمُ / بِما يُكَنّى بِهِ فَليُترَكِ الجَدَلُ
الخَيلُ تَعرِفُ يَومَ الرَوعِ صَولَتَهُ / بِحَيثُ في مُلتَقاها يَبطُلُ البَطَلُ
كَم فارِسٍ تَحتَ ظِلِّ النَقعِ غادَرَهُ / بِضَربَةٍ لَم يَشِن أُخدُودَها فَشَلُ
تَخالُهُ أَحوالاً مِمّا بِهامَتِهِ / وَقَبلُ لا حَولٌ فيهِ وَلا قَبَلُ
يَقُولُ حينَ يَشُقُّ السَيفُ هامَتَهُ / لِزَوجَتي وَلأُمّي الوَيلُ وَالهَبَلُ
وَيَستَديرُ وَيَهذي في اِستِدارَتِهِ / حَتّى يُخالُ بِهِ مِن قَبلِها تُؤَلُ
وَالنَسرُ في الجَوِّ ما يَألُو يَقُولُ لَهُ / لِكُلِّ نَفسٍ وَإِن طالَ المَدى أَجَلُ
وَكَم لَهُ ضربَةٍ يَقضي المُصابُ بِها / وَالنَصلُ يَعمَلُ فيهِ قَبلَ يَنفَصِلُ
مَحضُ الضَريبَةِ مَيمُونُ النَقِيبَةِ طَع / عان الكَتيبَةِ لا غَمرٌ وَلا وَكِلُ
كَهلُ الشَبيبَةِ نَهّابُ الحَريبَةِ وَه / هاب الرَغيبَةِ هَشٌّ بِالنَدى عَجِلُ
ماضي العَزيمَةِ عَيّافُ الغَنيمَةِ تَر / راكَ الجَريمَةِ نِكلٌ لِلعِدى نَكِلُ
أَرسى قَواعِدَ مُلكٍ لَو يُدَبِّرُهُ / كِسرى وَإِسكَندَرٌ أَعيَتهُمُ الحِيَلُ
مِن بَعدِ أَن قِيلَ ضاعَ المُلكُ وَاِنفَصَمَت / مِنهُ العُرى وَاِستوى الرِئبالُ وَالوَرلُ
وَقالَ قَومٌ تَوَلّى المُلكَ مُنصَرِفاً / عَن أَهلِهِ وَكَذا الدُولاتُ تَنتَقِلُ
تَبّاً لِحَدسٍ سَما كُلَّ التَبابِ وَلا / زالَت عُقولُهُمُ يَعتادُها الخَبَلُ
أَما دَرَوا أَنَّ بَدرَ الدِّينِ لَو رُدِيَت / بِهِ الشَواهِقُ لَم يَعقِل بِها وَعَلُ
وَكَيفَ يُخشى عَلى مَلكٍ وَقَد ضُرِبَت / لِمَجدِهِ في ذُراهُ الخيمُ وَالكِلَلُ
مَلكٌ تَحَمَّلَ ما لا يَستَطيعُ لَهُ / حَملاً ثَبيرٌ وَثَهلانٌ فَيَحتَملُ
جَوادُهُ بارِقٌ وَالعَزمُ صاعِقَةٌ / وَسَيفُهُ قَدرٌ في لَحظِهِ أَجَلُ
غَدا بِهِ المُلكُ بِالجَوزاءِ مَنتَطِقاً / وَراحَ وَهوَ بِظَهرِ الحُوتِ مُنتَعِلُ
إِذا شُمُوسُ مَواضيهِ طَلَعنَ فَما / لَهُنَّ إِلّا بِهاماتِ العِدى أَفَلُ
وَإِن نُجومُ عَوالِيهِ لَمَعنَ فَما / يَغِبنَ إِلّا بِحَيثُ الغِشُّ وَالدَغَلُ
مِقدامُ مَعرَكَةٍ كَشّافُ تَهلُكَةٍ / طَلّابُ مَملَكَةٍ تَسمُو بِها الدُوَلُ
وَيَوم نَحسٍ يُواري الشَمسَ عِثيَرُهُ / حَتّى يُخالُ الضُحى قَد غالَهُ الأُصُلُ
كَأَنَّما البِيضُ راحَت وَهيَ مُصلَتَةٌ / فِيهِ بَوارِقُ غَيثٍ رَعدُهُ زَجَلُ
وَالسُمرُ قَد جَعَلَت تَحكي أَسِنَّتَها / كَواكِبَ القَذفِ وَالفُرسانُ تَنتَصِلُ
وَالنَبلُ في الجَوِّ تَحكي لِلمُشَبِّهِهِ ال / كبرِيتَ في رُوسِهِ النِيرانُ تَشتَعِلُ
سَما لَهُ مِشيَةَ الرِئبالِ لا خَوَرٌ / يَشِينُهُ في تَهادِيهِ وَلا كَسَلُ
بِصارِمٍ لَو عَلا ضَرباً بِهِ حَضناً / لَقِيلَ كانَ قَديماً ها هُنا جَبَلُ
إِذا بَدا ضاحِكاً في يَومِ مَعرَكَةٍ / بِكَفِّهِ بَكَتِ الأَعناقُ وَالقُلَلُ
فَصَكَّ هامَ العِدى صَكّاً بِهِ مُقَلٌ / قَرَّت لِأَن سَخِنَت مِن وَقعِهِ مُقَلُ
طَودٌ إِذا لَم يَكُن في الحِلمِ مَفسَدَةٌ / وَإِن يُهَج فَالسَبنتى ظَلَّ يَأتَكِلُ
بَحرٌ يُواري الرُبى وَالقُورَ مُزبدُهُ / وَإِنَّما البَحرُ تَشبيهاً بِهِ وَشَلُ
إِن عُدَّ جُودٌ فَمَن كَعبٌ وَمَن هَرِمٌ / أَو عُدَّ مَجدٌ فَمَن حصنٌ وَمَن حَمَلُ
يا عاذِلاً لامَهُ في البَذلِ دَعهُ وَسِر / مَن يَعشَقِ الجُودَ لَم يَعلَق بِهِ العَذَلُ
وَلا تُفَنِّد كَريماً عَن سَجِيَّتِهِ / حُسنُ السَجِيّاتِ مِن رَبِّ العُلى نِحَلُ
طابَت بِهِ المَوصِلُ الحَدباءُ وَاِتَّسَعَت / لِساكِنِيها بِها الأَرزاقُ وَالسُبُلُ
وَأَصبَحَت جَنَّةً لا يَبتَغي حِوَلا / قُطّانُها لَو إِلى دارِ البَقا نُقِلُوا
وَحَسبُهُ مَفخَراً أَنَّ الإِمامَ بِهِ / بَرٌّ وَأَنَّ لَدَيهِ شَأنَهُ جَلَلُ
إِمامُنا الناصِرُ الهادي فَما اِختَلَفَت / فِيهِ العِبادُ وَما جاءَت بِهِ الرُسُلُ
خَليفَةٌ قَسَماً لَولا مَحَبَّتُهُ / لَما تُقُبِّلَ مِن ذي طاعَةٍ عَمَلُ
هُوَ الَّذي اِفتَرَضَ الرَحمَنُ طاعَتُهُ / وَمن سِواهُ فَلا فَرضٌ وَلا نَفَلُ
فَعاشَ ما شاءَ لا ما شاءَ حاسِدُهُ / في دَولَةٍ نَجمُها بِالسَعدِ مُتَّصِلُ
يا أَيُّها المَلِكُ المُغني بِنائِلِهِ / إِذا المُلوكُ بِأَدنى نائِلٍ بَخِلُوا
إِلَيكَ مِن بَلَدِ البَحرَينِ أَنهَضَني / هَمٌّ لَهُ أَنفُسُ الأَشرافِ تُبتَذَلُ
كَم جُبتُ دُونكَ مِن مَجهُولَةٍ قَذَفٍ / تِيهٍ قَليلٌ بِها حلٌّ وَمُرتَحَلُ
وَمُزبِدٍ لا يَلَذُّ النَومُ راكِبَهُ / لَهُ إِذا اِضطَرَبَت أَمواجُهُ زَجَلُ
وَحُسنُ ظَنّي وَما يُثنى عَلَيكَ بِهِ / أَجاءَني وَالزَمانُ المُفسِدُ الخَبِلُ
شَهرٌ وَشَهرٌ وَشَهرٌ بَعدَ أَربَعَةٍ / لِلمَوجِ وَاليَعمُلاتِ القُودِ بِي عَمَلُ
أَقَلُّها راحَةٌ في غَيرِ مَنفَعَةٍ / وَراحَةٌ لا يُرَجّي نَفعها شُغلُ
وَكَم تَخطَّأتُ في قَصدِيكَ مِن مَلِكٍ / لِي عِندَه لَو أَرَدتُ النَهلُ وَالعَلَلُ
أَفنَيتُ زادي وَمَركوبي وَشيَّبَني / عَلى عُتُوِّ جَناني الخَوفُ وَالوَجَلُ
وَقَد بَلَغتُ الجَنابَ الرَحبَ بَعدَ وَجَىً / وَلَيسَ إِلّا عَلى عَلياكَ مُتَّكَلٌ
بَقيتَ في عِزَّةٍ قَعساءَ نائِيَةٍ / عَن الحَوادِثِ مَقرُوناً بِها الجَذَلُ
وَعاشَ حاسِدُكَ الأَشقى أَخا مَضضِ / وَماتَ في الجِلدِ مِنهُ ذَلِكَ النَغَلُ
أَيدي الحَوادِثِ في الأَيّامِ وَالأُمَمِ
أَيدي الحَوادِثِ في الأَيّامِ وَالأُمَمِ / أَمضى مِنَ الذَكَرِ الصَمصامَةِ الخَذِمِ
فَلا يَظُنَّنَّ مَن طالَت سَلامَتُهُ / أَنَّ المَقادِيرَ أَعطَتهُ عُرى السَلمِ
كُلٌّ بِما تُحدِثُ الأَيّامُ مُرتَهَنٌ / وَكُلُّ غايَةِ مَوجُودٍ إِلى عَدَمِ
مَن سَرَّهُ الدَهرُ صِرفاً سَوفَ تَمزُجُهُ / لَهُ تَصارِيفُهُ مِن صَفوَةِ النِقَمِ
فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُنيا وَزِينَتُها / وَلَو حَبَتكَ بِحُمرِ الخَيلِ وَالنَعَمِ
فَما اللَذاذَةُ في عَيشٍ وَغايَتُهُ / مَوتٌ يُؤَدِّيكَ مِن قَصرٍ إِلى رُجَمِ
يا غافِلاً لَعِبَ الظَنُّ الكَذُوبُ بِهِ / خَفِ العَواقِبَ وَاِحذَر زَلَّةَ القَدَمِ
وَاِنظُر إِلى حَسَنٍ في حُسنِ صُورَتِهِ / جاءَت إِلَيهِ صُروفُ الدَهرِ مِن أُمَمِ
لَم يَحمِهِ صارِمٌ قَد كانَ يَخضِبُهُ / يَومَ النِزالِ مِنَ الأَعناقِ وَالقِمَمِ
وَلا جَوادٌ أَقَبُّ الظَهرِ مُنجَرِدٌ / يَهوي بِهِ كَهُوِيِّ الأَجدَلِ القَطِمِ
وَلا الغَطارِفُ مِن بَكرٍ وَإِخوَتِها / مِن تَغلِب الغُلبِ أَهلِ البَأسِ وَالكَرَمِ
كانُوا يُفَدُّونَهُ بِالخَيلِ مُسرَجَةً / وَالمالِ وَالآلِ وَالأَولادِ وَالحَشَمِ
إِيهاً بَني وائِلٍ قَد ماتَ لَيثُكُمُ / فَاِبكُوا عَلَيهِ بِدَمعٍ وَاكِفٍ وَدَمِ
قَد كانَ إِن نَزَلَت دَهياءُ مُظلِمَةٌ / وَخامَ عَنها حُماةُ القَومِ لَم يَخِمِ
وَإِن نَبا زَمَنٌ أَو عَضَّ ناجِذُهُ / أَعطي العُفاةَ بِلا مَنٍّ وَلا سَأَمِ
مَضى وَلَم يَدرِ ما سُكرُ الشَبابِ وَلا / أَمالَهُ الغَيُّ عَن رُشدٍ إِلى أَثَمِ
وَلا تَخَطّى بُيُوتَ الحَيِّ مُبتَجِحاً / جَذلانَ يَخطُرُ مُختالاً عَلى قَدَمِ
وَلَم يَكُن هَمُّهُ شُربَ المُدامِ وَلا / شَدُوَ المَزاهيرِ بِالأَوتارِ وَالنَغَمِ
لَكِنَّ هِمَّتَهُ مالٌ يُقَسِّمُهُ / عَلى العُفاةِ وَإِقدامٌ عَلى البُهُمِ
وَلَم يَزَل صائِماً طَوعاً لِخالِقِهِ / وَبِالدُجى قائِماً في حِندِسِ الظُلَمِ
فَيا أَبا جَعفَرٍ لا زِلتَ في دَعَةٍ / لا تَجزَعَن فَقَضاهُ غَيرُ مُتَّهَمِ
وَيا أَبا حَسَنٍ صَبراً فَكُلُّ فَتىً / مُفارِقٌ وَحَياةُ المَرءِ كَالحلُمِ
وَالمَوتُ كُلُّ اِمرِئٍ لا بُدَّ ذائِقُهُ / تَقاصَرَ العُمرُ أَو أَدّى إِلى الهرَمِ
أَينَ المُلوكُ وَأردافُ المُلوكِ وَمَن / سادَ القبائِلَ مِن عادٍ وَمِن إرَمِ
وَأَينَ طَسمٌ وَأَولادُ التَبابِعِ مِن / أَولادِ حِميَرَ وَالساداتُ مِن عَمَمِ
وَأَينَ آلُ مُضاضٍ في قَبائِلِها / مِن جُرهُمٍ ساكِني بَحبوحَةِ الحَرمِ
أَفناهُمُ وَأَدارَ الكَأسَ مُترَعَةً / في وائِلٍ فَسَقاها غَيرَ مُحتَشِمِ
أَردى اِبنَ مُرَّةَ هَمّاماً وَكانَ لَهُ / عَقدُ الرِئاسَةِ عَن آبائِهِ القِدَمِ
وَمانِعَ الجارِ جَسّاساً أُتيحَ لَهُ / سَهمُ المَنونِ عَلى عَمدٍ فَلَم يَرُمِ
وَالحَوفَزانَ الَّذي كانَت تَنُوءُ بِهِ / بَكرٌ سَقاهُ بِكاساتٍ مِنَ النِقَمِ
وَفارِسَ العَرَبِ العَرباءِ إِن ذُكِرَت / بسطامَ مَدَّ إِلَيهِ كَفَّ مُختَرِمِ
فَاِبتَزَّهُ مُلكَهُ غَصباً وَأَنزَلَهُ / فَوقَ التُرابِ عَفيرَ الخَدِّ والقَسِمِ
وَعافرَ الفِيلِ يَومَ القادِسِيَّةِ قَد / سَقاهُ كاسَ الرَدى صِرفاً بِغَيرِ فَمِ
وَقَد أَذاقَ شَبيباً في شَبيبَتِهِ / كَأسَ الحُتُوفِ بِلا سَيفٍ وَلا سَقَمِ
والمَزيَدِيِّينَ غالَتهُم غَوائِلُهُ / وَاِجتَاحَهُم مُزبِدٌ مِن سَيلِهِ العَرِمِ
وَلَم تَدع هانِئاً وَهوَ الَّذي اِنتَصَفَت / بِهِ الأَعارِيبُ وَاِستَولَت عَلى العَجَمِ
وَالحارِثَ بنَ عُبادٍ غالَهُ وَسَطا / بِجَحدَرٍ فارِسِ التَحلاقِ لِلَّمَمِ
وَالحارِثَ بنَ سَدُوسٍ لَم يَهَب عَدَداً / فِيهِم بَنُوهُ وَلَمّا يَكتَرِث بِهِمِ
وَالجعدَ مَسلَمَةً لَم يَحمِهِ فَدَنٌ / بَناهُ والِدُهُ إذ كانَ ذا هِمَمِ
وَهَوذَةَ بنَ عَلِيٍّ حَطَّ مُنتَزِعاً / عَن رَأسِهِ التاجَ عَمداً غَيرَ مُحتَشِمِ
وَشيخَ عِجلٍ أَبا مَعدانَ عاجَلَهُ / مِنهُ الحِمامُ فَلَم يُطلَب لَهُ بِدَمِ
وَفارِسَ العَرَبِ العَربا وَسَيِّدَها / أَعني كُلَيباً قَريعَ العُربِ وَالعَجَمِ
لَم يَحمِهِ عَدَدٌ مَجرٌ وَلا دَفَعَت / عَنهُ المَنِيَّةَ إِذ جاءَت بنُو جُشَمِ
وَلَم يَكُن لِعَدِيٍّ بَعدَهُ عِصَمٌ / مِنهُ وَكانَ عَدِيٌّ أَيَّ مُعتَصِمِ
وَآلَ كُلثُومَ ساداتِ الأَراقِمِ لَم / يَترُك لَهُم مِن حِمى حامٍ ولا حَرَمِ
أُولَئِكَ الغُرُّ مِن ساداتِ قَومِكُما / أَهلُ النُهى وَاللُهى وَالعَهدِ وَالذِّمَمِ
وَهَذِهِ شِيَمُ الدُنيا وَعادَتُها / فِيمَن مَضى أَو بَقى مِن سائِرِ الأُمَمِ
قالُوا الدُبَيثِيُّ ذُو قُوافٍ
قالُوا الدُبَيثِيُّ ذُو قُوافٍ / مُحكَمَةُ النَظمِ مُستَقِيمَه
فَقُلتُ بُعداً لَكُم وَسُحقاً / فَكُلُّ أَفهامِكُم سَقِيمَه
شِعرُ الدُبَيثِيِّ لَو عَقلتُم / أَبرَدُ مِن أُمِّهِ اللَئِيمَه
هُوَ الَّذي تَعلَمُونَ كَلبٌ / فَهَل لِنَبحِ الكِلابِ قِيمَه
إِنّا إِلى اللَهِ مِن طَغامٍ / تَعتَقِدُ الفَضلَ في بَهِيمَه
وَاللُؤمُ وَالشُؤمُ مِنهُ جُزءٌ / وَالغَدرُ وَالإِفكُ وَالنَميمَه
وَيُنسَبُ العارُ وَالدَنايا / طُرّاً إِلى أُمِّهِ القَديمَه
مَتى يَمُت تَصرُخُ المَخازِي / يا أَبَتا واشَقا اليَتِيمَه
بَعدكَ حَلَّت بِنا أُمُورٌ / مُقعِدَةٌ لِلعُوا مُقِيمَه
راحَت جُيُوشُ الضَلالِ فَوضى / قَد هُزِمَت أَسوَأَ الهَزيمَه
وَأَدرَكَ الحَقُّ بَعدَ ذُلٍّ / مِنّا بِآثارِهِ المُنِيمَه
مِن أَينَ لِلظُلمِ باطِنِيٌّ / مثلُكَ يَستَصغِرُ العَظِيمَه
يَومُكَ أَبقى أَخاكَ ديناً / إِبليسَ مُستَهلَكَ العَزيمَه
قَد كُنتَ رِدءاً لَهُ تُساوي / كُلَّ شَياطِينِهِ الرَجيمَه
مَن كُنتَ أَوصَيتَ بِالمَعاصي / مِن هَذِهِ العُصبَةِ الأَثِيمَه
مَن لأَذى ماجِدٍ كَريمٍ / خَلَّفتَ أَو حرَّةٍ كَريمَه
بَعدَكَ ما فُتِّشَت حَصانٌ / وَلا اِشتَكي مُوهَنٌ هَضِيمَه
وَأَطلَقُوا الحُضرَ وَالبَوادي / وَالعُزلَ وَالبيضَ عَن صَريمَه
يُظَنُّ أَنَّ الإِلَهَ أَهدى / لِذا الوَرى نَظرَةً رَحيمَه
يا فَرحَةَ النارِ يَومَ تَأتي / إِلى دِيارِ البَلا وَذِيمَه
كَم يَتَلَقّاكَ مِن زَبانٍ / قَساوَةُ الطَبعِ فيهِ شِيمَه
مِثلَ تَلَقّيكَ سُفنَ ماءٍ / تَحمِلُ مِن بابلٍ لَطِيمَه
إِنَّ بَغِيّاً غَذَتكَ طِفلاً / فَيما أَتَتهُ لَمُستَلِيمَه
لِأَنَّها قَد رَأَت عِياناً / شُؤمَكَ مُذ أَنتَ في المَشيمَه
كَم عِثتَ في بَظرِها بِعَضٍّ / أَورَثَها الشَهوَةَ الذَميمَه
تَطلُبُ مِنها المَنِيَّ قُوتاً / وَلَيسَ بِالصُورَةِ الوَسيمَه
فَهيَ تُنادي الزُناةَ هُبّوا / إِلى حِرٍ يُشبِهُ الأَطِيمَه
وَلَيسَ يَرويكَ غَيرُ ماءٍ / يَنصَبُّ فيها اِنصِبابَ دِيمَه
وَساعَةَ الوَضعِ جِئتَ بَثناً / غادَرتَ وَجعاءَها كَلِيمَه
وَحينَ أَكمَلتَهُنَّ سَبعاً / ملتَ إِلى الصَنعَةِ الذَميمَه
كَسَّدتَ سُوقَ العُلوقِ حَتّى / تَرَكتَ أَبوابَها رَديمَه
حَتّى لَقَد راحَ كُلُّ عِلقٍ / عَلَيكَ في قَلبِهِ سَخِيمَه
كَم مارِدٍ في صِباكَ عاتٍ / صِدتَ بِنَغماتِكَ الرَخيمَه
وَكَم لَعَمري مِن أَلفِ صادٍ / سَطَت بِها مِنكَ فردَ مِيمَه
حَتّى إِذا نَشَت بَعدَ حينٍ / وَطالَتِ اللِّحيَةُ اللَئيمَه
أَصبَحتَ عَشّارَ أَرض سُوءٍ / ما بَرِحَت أَرضُها مَضيمَه
أَسَّسَها شَرُّ آدَمِيٍّ / بِذاكَ كُلُّ الوَرى عَليمَه
قَومُهُ بَعضُهُم بِبَعضٍ / وَأَنتَ مِنهُم أَقَلُّ قِيمَه
قاتَلَكَ اللَهُ كَم تَعامى / وَتَعكِسُ السُنَّةَ القَويمَه
تُلزِمُ زادَ الغَريبِ مَكساً / وَثَوبَهُ يا لَها عَظيمَه
مَهلاً فَلِلظّالِمينَ حَتماً / مَصارِعٌ كُلُّها وَخِيمَه
أَبَت لَكَ العِزَّةُ القَعساءُ وَالكَرَمُ
أَبَت لَكَ العِزَّةُ القَعساءُ وَالكَرَمُ / أَن تَقبَلَ الضَيمَ أَو تَرضى بِما يَصِمُ
وَطالَبَتكَ العُلى إِنجازَ ما وَعَدَت / فِيكَ المَخائِلُ طِفلاً قَبلَ تَحتَلِمُ
وَأَقبَلَت نَحوَكَ الأَيّامُ مُذعِنَةً / طَوعاً لِأَمرِكَ وَاِنقادَت لَكَ الأُمَمُ
فَاِنهَض وَسِر وَاِفتَحِ الدنيا فَقَد ضَمِنَت / لَكَ المَهابَةُ ما تَهوى وَتَحتَكِمُ
فَالبِيضُ ماضِيَةٌ وَالسُمرُ قاضِيَةٌ / وَالخَيلُ خاضِبَةٌ أَطرافها زَلَمُ
خَيلٌ مَتى صَبَّحتَ حَيّاً بِيَومِ وَغىً / فَما لِمُستَعصِمٍ مِن بَأسِها عِصَمُ
قَد عُوِّدَت كُلَّ يَومٍ خَوضَ مَعرَكَةٍ / ضيوفُ أَبطالِها العِقبانُ وَالرَخَمُ
وَوَسَّمَتها العَوالي في مَناخِرِها / طَعناً كَما وَسَّمَت آنافَها الحَكَمُ
يَحمي فَوارِسَها يَومَ الوَغى مَلِكٌ / حامي الذِمارِ لَهُ في الغايَةِ القدَمُ
رَحبُ الذِراعِ إِذا ما هَمَّ أَنجَدَهُ / عَزمٌ بِهِ جَوهَرُ العَلياءِ مَنتَظِمُ
كَأَنَّهُ مِن تَمامِ الخَلقِ جاءَ بِهِ / عادٌ أَبُو السَلَفِ الماضِينَ أَو إِرَمُ
عَفُّ السَريرَةِ حَمّالُ الجَريرَةِ وَل / لاجُ الظَهيرَةِ وَالمَعزاءُ تَضطَرِمُ
أَرسى قَواعِدَ مُلكٍ كانَ أَسَّسَها / قِدماً أَبُوهُ وَبَحرُ المَوتِ يَلتَطِمُ
مِن قَبلِ أَن قِيلَ رَثَّ المَجدُ وَاِنفَصَمَت / عُرى المَعالي وَماتَ العَهدُ وَالذِّمَمُ
وَقالَ قَومٌ تَوَلّى المُلكَ مُنصَرِفاً / عَن آلِ فَضلٍ لَقَد ضَلّوا وَقَد وَهِمُوا
وما دَرَوا أَنَّ فَضلَ الجُودِ يُكذِبُهُم / عَمّا قَليلٍ بِما في زَعمِهِم زَعَمُوا
وَيَجلِبُ الخَيلَ كَالعِقبانِ يَقدُمُها / عَلَيهِمُ القُورُ وَالغِيطانُ وَالأَكَمُ
سَواهِماً لَم تَزَل تَدمى شَكائِمُها / مِمّا تَصَلصَلُ في أَشدَاقِها اللُجُمُ
يا آلَ فَضلٍ أَماتَ اللَهُ حاسِدَكُم / غَيظاً ثِبُوا في ذُرى العَلياءِ وَاِعتَزِمُوا
فَفيكُمُ البَيتُ مِن عَدنانَ تَعرِفُهُ / إِذا اِلتَقت لِلفخارِ العربُ والعَجَمُ
بَيتٌ سَما فَرعُهُ فَوقَ السَما وَرَسى / في التُربِ حَتّى اِنتَأَت عَن أَصلِهِ التُخُمُ
بَناهُ صادِقُ بَأسٍ في الوَغى وَنَدىً / غَمرٌ فَلَيسَ عَلى الأَيّامِ يَنهَدِمُ
عِمادُهُ الفَضلُ وَاِبناهُ وَمَركَزُهُ / مُحمَّدٌ خَيرُ مَن نِيطَت بِهِ الأُدُمُ
جَرّارُ كُلِّ كَثيفِ النَقعِ ذِي لَجَبٍ / كَأَنَّما السُمرُ في حافاتِهِ أَجَمُ
تَساقَطَ الطَيرُ رَزحى في جَوانِبِهِ / وَالوَحشُ تَخطِفُها الأَيدي فَلا تَرِمُ
خابَت ظُنون رِجالٍ بايَعُوا وَسَعوا / في قَتلِهِ وَهَفَت أَحلامُهُم وَعَمُوا
بِئسَ الأَمانِيُّ مَنَّتهُم نُفُوسُهُمُ / جَهلاً وَيا قُربَ ما فاجاهُمُ النَدَمُ
مُنُوا بِأَروع تَتلُوهُ خَضارِمَةٌ / أَماجِدٌ مارَسُوا الهَيجا وَما اِحتَلَمُوا
مُستَرعِفٍ بِلِواءِ النَصرِ يَحمِلُهُ / نَهدُ المَراكِلِ مَمسُودُ القَرى زَهِمُ
مِمّا حَباهُ أَميرُ المُؤمِنينَ بِهِ / لما أَتَتهُ بِهِ الوَخّادَةُ الرَسَمُ
مُستَعصِماً وَاثِقاً بِالنَصرِ مِنهُ وَهَل / يَخيبُ مَن بِالإِمامِ البَرِّ يَعتَصِمُ
أَجابَهُ حينَ ناداهُ وَقَرَّبَهُ / أَشَمُّ في راحَتَيهِ لِلنَدى دِيَمُ
أَغَرُّ أَبلَجُ مِن آلِ النَبِيِّ بِهِ / يُستَدفَعُ البُؤسُ وَالضَرّاءُ وَالنِّقَمُ
فَلَو يَشاءُ لَزَجّاها مُلَملَمَةً / لا مَعقلٌ عاصِمٌ مِنها وَلا أُطُمُ
تَحوي مِنَ التُركِ وَالأَعرابِ كُلَّ فَتىً / كَأَنَّهُ أَجدَلٌ مُستَلحِمٌ قَطِمُ
لَكِنَّهُ اِختارَ إِبقاءً وَعارِفَةً / وَهَكَذا تَفعَلُ الأَخلاقُ وَالشِيَمُ
فَنالَ ما كانَ يَرجُوهُ وَأَيَّدَهُ / بِالنَصرِ عَدلٌ قَضاهُ لَيسَ يُتَّهَمُ
فَاِسلم وَعِش لِلعُلا ما ناحَ ذُو شَجَنٍ / وَما تَعاقَبَتِ الأَنوارُ وَالظُلَمُ
وَليَهنك المُلكُ يا تاجَ المُلوكِ وَلا / زالَت تُباكِرُك السَرّاءُ وَالنِعَمُ
فَأَنتَ حِصنٌ لَنا عالٍ نَلُوذُ بِهِ / إِن عَضَّنا الدَهرُ أَو زَلَّت بِنا القَدَمُ
وَهَذِهِ دَولَةٌ لَولا الرَجاءُ لَها / لَما اِنجَلَت كُربَةٌ عَنّا وَلا غُمَمُ
عِشنا بآمالِها دَهراً وَبَلَّغَنا / إِدراكَها وَاحِدٌ فَردٌ لَهُ القِدَمُ
فَالحَمدُ وَالشُكرُ مِنّا وَاجِبانِ لَهُ / لا يَنفَدانِ جَميعاً ما جَرى القَلَمُ
قُمُ فَاِشدُدِ العِيسَ لِلتِرحالِ مُعتَزِماً
قُمُ فَاِشدُدِ العِيسَ لِلتِرحالِ مُعتَزِماً / وَاِرمِ الفِجاجَ بِها فَالخَطبُ قَد فَقِما
وَلا تَلَفَّت إِلى أَهلٍ وَلا وَطَنٍ / فَالحرُّ يَرحَلُ عَن دارِ الأَذى كَرَما
كَم رِحلَةٍ وَهَبَت عِزّاً تَدينُ لَهُ / شُوسُ الرِجالِ وَكَم قَد أَورَثَت نِعَما
وَكَم إِقامَةِ مَغرُورٍ لَهُ جَلَبَت / حَتفاً وَساقَت إِلى ساحاتِهِ النِقَما
وَاِسمَع وَلا تُلغِ ما أَنشَأتُ مِن حِكَمٍ / فَذُو الحِجا لَم يَزَل يَستَنبِطُ الحِكَما
لَم يَبكِ مَن رَمِدَت عَيناهُ أَو سُبِلَت / جفناهُ إِلّا لِخَوفٍ مِن حُدوثِ عَمى
إِنَّ المَنِيَّةَ فَاِعلَم عِندَ ذِي حَسَبٍ / وَلا الدَنِيَّةَ هانَ الأَمرُ أَو عَظُما
مَن سالَمَ الناسَ لَم تَسلَم مَقاتِلُهُ / مِنهُم وَمَن عاثَ فيهِم بِالأَذى سَلِما
لا يَقبَلُ الضَيمَ إلّا عاجِزٌ ضَرِعٌ / إِذا رَأى الشَرَّ تَغلي قِدرُهُ وَجَما
وَذُو النَباهَةِ لا يَرضى بِمَنقَصَةٍ / لَو لَم يَجِد غَيرَ أَطرافِ القَنا عِصَما
وَذُو الدَناءَةِ لَو مَزَّقتَ جِلدَتَهُ / بِشَفرَةِ الضَيمِ لَم يَحسِس لَها أَلَما
وَمَن رَأَى الضَيمَ عاراً لَم تَمُرَّ بِهِ / شَرارَةٌ مِنهُ إلّا خالَها أُطُما
وَكُلُّ مَجدٍ إِذا لَم يُبن مَحتِدُهُ / بِاليَأسِ نَقَّرَهُ الأَعداءُ فَاِنهَدَما
لا يَضبطُ الأَمرَ مَن في عُودِهِ خَوَرٌ / لَيسَ البُغاثُ يُساوي أَجدَلاً قَطِما
وَلِلبُيوتِ سِطاعاتٌ تَقُومُ بِها / لا خِروَعاً جُعِلَت يَوماً وَلا عَنَما
ما كُلُّ ساعٍ إِلى العَلياءِ يُدرِكُها / مَن حَكّمَ السَيفَ في أَعدائِهِ حَكَما
مَن أَرعَفَ السَيفَ مِن هامِ العِدى غَضَباً / لِلمَجدِ حُقَّ لَهُ أَن يُرعِفَ القَلَما
لا تَطلُبِ الرَأيَ إِلّا مِن أَخي ثِقَةٍ / لا يُصدِرُ القَومَ مَن لا يُورِدُ العَلَما
وَلا يُعَدُّ كَريماً مَن مَواهِبُهُ / تُمسي وَتُصبِحُ في أَعدائِهِ دِيما
وَالبُخلُ خَيرٌ مِنَ الإِحسانِ في نَفَرٍ / أَبَرُّهُم بِكَ مَن أَغرى وَمَن شَتَما
وَواضِعُ الجُودِ في أَعداءِ نِعمَتِهِ / كَمُودِعِ الذِئبِ في بَرِّيَّةٍ غَنَما
مَنِ اِستَخَفَّ بِأَربابِ العُلى سَفَهاً / وَسامَها الخَسفَ أَدمى كَفَّهُ نَدَما
أَلا فَسَل عَن كُلَيبٍ كَيفَ جَدَّلَهُ / جَسّاسُ هَل كانَ إِلّا أَن حَمى فَرَمى
وَلا يعزُّ الفَتى إِلّا بِأُسرَتِهِ / لَو كانَ في البَأسِ عَمراً وَالنَدى هَرِما
لا تَرضَ بِالهُونِ في خِلٍّ تُعاشِرُهُ / فَلَن تَرى غَيرَ جارِ الذُلِّ مُهتَضَما
وَأَخسَرُ الناسِ سَعياً رَبُّ مَملَكَةٍ / أَطاعَ في أَمرِهِ النِسوانَ وَالخَدَما
وَقائِلٍ قالَ لي إِذ راقَهُ أَدَبي / وَالمَرءُ قَد رُبَّما أَخطَا وَما عَلِما
وَذاكَ بَعدَ سُؤالٍ مِنهُ عَن خَبَري / وَالصِدقُ مِن شيمتي لَو أَورَثَ البَكَما
هَلّا اِمتَدَحتَ رِجالاً بِالعِراقِ لَهُم / مالٌ رُكامٌ وَجُودٌ يَطرُدُ العَدَما
فَجاشَتِ النَفسُ غَبناً بَعدَ أَن شَرِقَت / عَينايَ بِالدَمعِ حَتّى فاضَ وَاِنسَجَما
فَقُلتُ كَلّا وَهَل مِثلي يَليقُ بِهِ / مَدحُ الرِجالِ فَكَم جُرحٍ قَدِ اِلتَأَما
إِنّي عَلى حادِثاتِ الدَهرِ ذُو جَلَدٍ / تَجلُو الحَوادِثُ مِنّي صارِماً خَذِما
وَلَستُ أَوَّلَ ذِي مَجدٍ لَهُ ظَلَمَت / صُرُوفُ أَيّامِهِ العَوصاءُ فَاِنظَلَما
يَأبي لِيَ الشَرَفُ العاليُّ مَنصِبهُ / أَن أَورِدَ النَفسَ حِرصاً مَورِداً وَخِما
أَنا اِبنُ أَركانِ بَيتِ المَجدِ لا كَذِباً / وَالنازِلينَ ذُرى العَلياءِ وَالقِمَما
قَومي هُمُ القَومُ في بَأسٍ وَفي كَرَمٍ / إِنِ اِدَّعى غَيرُهُم ما فيهِمُ وَهِما
في الجاهِلِيَّةِ سُدنا كُلَّ ذي شَرَفٍ / بِالمَأثُراتِ وَسُدنا العُربَ وَالعَجَما
وَصارَ كُلُّ مَعَدّيٍّ لَنا تَبَعاً / يَرعى بِأَسيافِنا الوَسمِيَّ حِيثُ هَمى
حُطنا نِزاراً وَذُدنا عَن مَحارِمِها / وَلَم نَدَع لِمُناوي عزِّها حَرَما
حَتّى أَتى اللَهُ بِالإِسلامِ وَاِفتَتَحَت / كُلَّ البِلادِ وَأَضحَت لِلأَنامِ سَما
وَفَضلُ آخِرنا عَن فَضلِ أَوَّلِنا / يُغني ولَكِنَّ بَحراً هاجَ فاِلتَطَما
شِدنا مِن المَجدِ بَيتاً لا تُقاسُ بِهِ / ذاتُ العِمادِ وَلَكِن لَم نَكُن إِرَما
سَلِ القَرامِطَ مَن شَظّى جَماجِمَهُم / فَلقاً وَغادَرَهُم بَعدَ العُلا خَدَما
مِن بَعدِ أَن جَلَّ بِالبَحرَينِ شَأنُهُمُ / وَأَرجَفُوا الشامَ بِالغاراتِ وَالحَرَما
وَلَم تَزَل خَيلُهُم تَغشى سَنابِكُها / أَرضَ العِراقِ وَتَغشى تارَةً أَدَما
وَحَرَّقُوا عَبدَ قَيسٍ في مَنازِلها / وَصَيَّروا الغُرَّ مِن ساداتِها حُمَما
وَأَبطَلوا الصَلواتِ الخَمس وَاِنتَهَكُوا / شَهرَ الصِيامِ وَنَصُّوا مِنهُمُ صَنَما
وَما بَنَوا مَسجِداً لِلّهِ نَعرِفُهُ / بَل كُلُّ ما أَدرَكُوهُ قائِماً هُدِما
حَتّى حَمَينا عَلى الإِسلامِ وَاِنتَدَبَت / مِنّا فَوارِسُ تَجلُو الكربَ وَالظُلما
وَطالَبَتنا بَنُو الأَعمامِ عادَتَنا / فَلَم تَجِد بَكَماً فينا وَلا صَمَما
وَقَلَّدُوا الأَمرَ مِنّا ماجِداً نَجداً / يَشفي وَيَكفي إِذا ما حادِثٌ دَهَما
ماضي العَزيمَةِ مَيمُونٌ نَقيبَتُهُ / أَعلا نِزارٍ إِلى غاياتِها هِمَما
فَصارَ يَتبَعُهُ غُرٌّ غَطارِفَةٌ / لَو زاحَمَت سَدَّ ذي القَرنَينِ لاِنثَلَما
إِذا اِدَّعَوا يالَ إِبراهيمَ ظَلَّ لَهُم / يَومٌ يُشَيِّبُ مِن هامِ العِدى اللِّمَما
حَتّى أَناخَ بِبابِ الحِصنِ يَصحَبُهُ / عَزمٌ يَهُدُّ الجِبالَ الشُمَّ وَالأَكَما
فَشَنَّها غارَةً شَعواءَ ناشِئَةً / كَسى بِها العُمَّ مِن حيطانِها قَتَما
فأَقبَلَت وَرِجالُ الأَزدِ تَقدُمُها / كَالأُسدِ قَد جَعَلَت سُمرَ القَنا أَجَما
فَصادَفَت كُلَّ لَيثٍ لَو يُحِسُّ بِهِ / لَيثٌ بِعَثَّرَ أَو خَفّانَ ما زَحَما
فَكَم صَرِيعٍ هَوى عَفصاً بِشِكَّتِهِ / مِنهُم وَآخَرَ وَلّى الدُبرَ مُنهَزِما
وَنَثرَةٍ أَخفَرَ الهِندِيُّ ذِمَّتَها / إِنَّ السُيُوفَ المَواضي تَخفِرُ الذِمما
فَاِستَنجَدَت عامِراً مِن بَأسِها فَأَتَت / مُغِذَّةً لا تَرى في سَيرِها يَتَما
ذُكُورُ خَيلِهِمُ أَلفٌ مُصَتَّمَةٌ / وَرَجلُهُم يُفعِمُ الوَادِيَّ إِذ زَحَما
وَجَمعُنا في مِئينٍ أَربَعٍ حَضَرَت / عَدّاً وَلَكِنَّها أَعلا الوَرى قَدَما
وَلَم نَزَل نَرِدُ الهَيجاءَ يَقدُمُنا / ماضٍ على الهَولِ وَرّادٌ إِذا عَزَما
أَبُو عَلِيٍّ وَفَضلُ ذُو النَدى وَأَبُو / مُسَيَّبٍ وَهُما تَحتَ العَجاجِ هُما
وَمِسعَرُ الحَربِ مَسعُودٌ إِذا خَمَدَت / وَماجِدٌ وَاِبنُ فَضلٍ خَيرُها شِيما
هُمُ بَنُوهُ فَلا ميلٌ وَلا عُزُلٌ / وَلا تَرى فيهمُ وَهناً وَلا سَأَما
كُلٌّ يُعَدُّ بِأَلفٍ لا يَضيقُ بِها / ذَرعاً وَيُوسِعُها طَعناً إِذا أَضِما
وَمالِكٌ حينَ تَدعُوهُ وَأَيُّ فَتى / حَربٍ إِذا ما اِلتَقى الزَحفانِ فَاِصطَدَما
وَمِن بَني الشَيخِ عَبدِ اللَهِ كُلُّ فَتىً / يُخالُ في الرَوعِ فَحلَ الشَولِ مُغتَلِما
يُنمى لِفَضلٍ وَصبّارٍ وَإِخوَتِهِ / بَني عَلِيٍّ كِعامِ الخَطبِ إِذ هَجَما
وَلَم تَكُن وُلدُ غَسّانٍ إِذا حَمِيَت / لَوافِحُ الحَربِ أَنكاساً وَلا قُرُما
تِلكُم بَناتُ العُلا لا قَولُ مُنتَحِلٍ / كُنّا وَكانَ وَلا باعاً وَلا قَدَما
سَقَوا صُدُورَ القَنا عَلّا وَقد نَهِلَت / وَأَكرَهُوا المازِنَ الخَطِّيَّ فَاِنحَطَما
وَفَلَّلَ البِيضَ في الهاماتِ ضَربُهُمُ / مِن بَعدِ أَن أَنهَلُوها في المَكَرِّ دَما
بَزُّوا ثَمانينَ دِرعاً مِن سُراتِهِمُ / في حَملَةٍ تَرَكَت هاماتِهِم رِمَما
وَكَم لَنا مِثلُها لَم تُبقِ باقِيَةً / إِلّا الزَعانِفَ وَالأَطفالَ وَالحَرَما
فَسَلَّمَ الأَمرَ أَهلُ الأَمرِ وَاِنتَزَحُوا / عَن سَورَةِ المُلكِ لا زُهداً وَلا كَرَما
وَأَصبَحَت آلُ عَبدِ القَيسِ قَد ثَلَجَت / صُدُورُها فَتَرى المَوتُورَ مُبتَسِما
ثُمَّ اِنتَحَينا لِعَوفٍ بَعدَما وَرِمَت / أُنُوفُها فَفَشَشنا ذَلِكَ الوَرَما
دُسناهُمُ دَوسَةً مِرِّيَّةً جَمَعَت / أَشلاهُمُ وَضِباعَ الجَوِّ وَالرَخَما
لَم يَنجُ غَيرُ رَئيسِ القَومِ تَحمِلُهُ / خَيفانَةٌ كَظَليمٍ رِيعَ تَحتَ سَما
ثُمَّ اِنثَنَينا بِجُردِ الخَيلِ نَجنِبُها / نَقائِذاً وَأَفَأنا السَبيَ وَالنَعَما
وَسَل بِقارُونَ هَل فازَت كَتائِبُهُ / لَمّا أَتَتنا وَهَل كُنّا لَهُم غُنَما
وَالشَرسَكِيَّة إِذ جاءَت تُطالِبُنا / دَمَ النُفوسِ وَفينا تقسِمُ القِسَما
بَيتانِ عِندَهُما كانَت رَعِيَّتُنا / عَوناً عَلَينا ضَلالاً مِنهُمُ وَعَمى
فَفَرَّجَ اللَهُ وَالبِيضُ الحِدادُ لَنا / وَعِزَّةٌ لَم تَكُن يَوماً لِمَن غَشَما
وَأَصبَحَت حاسِدُونا في قَبائِلِنا / لَحماً أَقامَ لَهُ جَزّارُهُ وَضَما
لَكِن عَفَونا وَكانَ العَفوُ عادَتَنا / وَلَم نُؤاخِذ أَخا جُرمٍ بِما اِجتَرَما
وَلَم يُنَجِّ اِبنَ عَيّاشٍ بِمُهجَتِهِ / يَمٌّ إِذا ما يَراهُ الناظِرُ اِرتَسَما
أَتى مُغِيراً فَوافَى جَوَّ ناظِرَةٍ / فَعايَنَ المَوتَ مِنّا دُونَ ما زَعَما
فَراحَ يَطرُدُ طَردَ الوَحشِ لَيسَ يَرى / حَبلَ السَلامَةِ إِلّا السَوطَ وَالقَدَما
فَاِنصاعَ نَحوَ أَوالٍ يَبتَغي عِصَماً / إِذ لَم يَجِد في نَواحي الخَطِّ مَعتَصما
فَأَقحَمَ البَحرَ مِنّا خَلفَهُ مَلِكٌ / مازالَ مُذ كانَ لِلأَهوالِ مُقتَحما
فَحازَ مُلكَ أَوالٍ بَعدَ ما تَرَكَ ال / عَكرُوتَ بِالسَيفِ لِلبَوغاءِ مُلتَزِما
فَصارَ مُلكُ اِبنِ عَيّاشٍ وَمُلكُ أَبي ال / بَهلُولِ مَع مُلكِنا عِقداً لَنا نُظِما
مَن ذا يُقاسُ بِعَبدِ اللَهِ يَومَ وَغىً / في بَأسِهِ أَو يُباري جُودهُ كَرَما
مِنّا الَّذي جادَ بِالنَفسِ الخَطيرَةِ في / عِزِّ العَشيرَةِ حَتّى اِستَرحَلَ العَجَما
مِنّا الَّذي قامَ سُلطانُ العِراقِ لَهُ / جَلالَةً وَالمَدى وَالبُعدُ بَينَهُما
مِنّا الَّذي حازَ مِن ثاجٍ إِلى قَطَرٍ / وَصَيَّرَ الرَملَ مِن مالِ العَدُوِّ حِمى
مِنّا الَّذي حينَ عَدَّ الأَلفَ خازِنُهُ / لِضَيفِهِ قالَ ضاعِفها أَرى أَمَما
مِنّا الَّذي مِن نَداهُ ماتَ عامِلُهُ / غَمّاً وَأَصبَحَ في الأَمواتِ مُختَرَما
مِنّا الَّذي جادَ إِيثاراً بِما مَلَكَت / كَفّاهُ لا يَدَ يَجزِيها وَلا رَحِما
مِنّا الَّذي أَنهَبَ اِصطَبلاتِهِ كَرَماً / وَهيَ الجِيادُ اللَواتي فاتَتِ القِيَما
وَكانَ إِن سارَ فَالعِقيانُ تَتبَعُهُ / لِسائِلٍ رُدَّ أَو مُستَرفِدٍ حُرِما
مِنّا الَّذي فَضَّ أَموالَ الخَزائِنِ في / غَوثِ الرَعِيَّةِ لا قَرضاً وَلا سَلَما
وَأَهمَلَ الدَخلَ ذاكَ العامَ فَاِنتَعَشَت / بِهِ الرَعِيَّة حَتّى جازَتِ القُحَما
مِنّا الَّذي جَعَلَ الأَقطاعَ مِن كَرَمٍ / إِرثاً تَوَزَّعُهُ الوُرّاثُ مُقتَسَما
وَجادَ في بَعضِ يَومٍ وَهوَ مُرتَفِقٌ / بِأَربَعينَ جَواداً تَعلُكَ اللُجُما
وَمُطعِم الطَيرِ عامَ المَحلِ فَاِسمُ بِهِ / مِنّا إِذا صَرَّ خِلفُ الغَيثِ فَاِنصَرَما
مِنّا الَّذي أَنفَقَ الأَموالَ عَن عَرضٍ / حَتّى رَأَى شِعبَ شَملِ العِزِّ مُلتَئِما
مِلءَ المُسُوكِ قَناطيراً مُقَنطَرَةً / ما خافَ في جَمعِها حُوباً وَلا أَثَما
مِنّا المُسَوَّرُ تَعظيماً وَوالِدُهُ / كَذاكَ كانَ فَنَحنُ السادَةُ العُظَما
مِنّا الَّذي كُلَّ يَومٍ فَوقَ دارَتِهِ / داعٍ يُنادي إِلَيهِ الجائِعَ الضَرِما
مِنّا الَّذي لَم يَدَع ناراً بِساحَتِهِ / تذكى سِوى نارِهِ لِلضّيفِ إِن قَدِما
وَصاحِبُ البَيتِ مِنّا حِينَ تَنسِبُهُ / لَو لَم نَجِد غَيرَهُ سُدنا بِهِ الأمَما
مِنّا الَّذي عامَ حَربِ النائِليِّ حَلا / يَومَ السُبَيعِ وَيَومَ الخائِسِ الغُمَما
مِنّا الَّذي مَنَعَ الأَعداءَ هَيبَتهُ / حَربَ البِلادِ فَما شَدّوا لَهُ حُزُما
وَماتَ يَطلُبُ يَوماً يَستَلِذُّ بِهِ / يُطَبِّقُ الأَرضَ نَقعاً وَالحَضيضَ دَما
مِنّا الَّذي ضُرِبَت حُمرُ القِبابِ لَهُ / بِالمَشهَدَينِ وَأَعطى الأَمنَ وَاِنتَقَما
لَولا عِياذُ بَني الجَرّاحِ مِنهُ بِهِ / لَصاحَبَت دَهمَشاً أَو أُلحِقَت دَرِما
مِنّا الَّذي أصحَبَ المُجتازَ مِن حَلَبٍ / إِلى العِراقِ إِلى نَجدٍ إِلى أَدَما
مِنّا الَّذي كُلَّ عامٍ بِالعِراقِ لَهُ / رَسمٌ سَنِيٌّ إِلى أَن ضُمِّنَ الرُجَما
مِنّا الَّذي رَكَزَ الرُمحَينِ ضاحِيَةً / وَجَوّزَ العَرَبَ العَرباءَ بَينَهُما
حَتّى اِحتَوى ما اِصطَفاهُ مِن عَقائِلَها / غَصباً وَهانَ عَلَيهِ رَغمُ مَن رَغِما
وَيَومَ سُترَةَ منّا كانَ صاحِبُهُ / لاقَت بِهِ شامَةٌ وَالحاشِكُ الرَقِما
أَلفَينِ غادَرَ مِنهُم مَع ثَمانِ مئىٍ / صَرعى فَكَم مُرضَعٍ مِن بَعدها يَتُما
مِنّا أَبُو يُوسُفٍ وَالمُرتَجى حَسَنٌ / وَاِبنُ الإِمارَةِ وَالبَيتِ المُنيفِ هُما
وَيُوسُفٌ وَأَبُو شُكرٍ وَإِخوَتُهُ / حَليُ العُلا وَكِعامُ الدَهرِ إِن عَزَما
مِنّا الَّذي أَبطَلَ الماشُوشَ فَاِنقَطَعَت / آثارُهُ وَاِنمَحى في الناسِ وَاِنطَسَما
مِنّا الأَميرُ أَبو فَضلٍ مَتى اِختَصَمَت / بَنُو الوَغى كانَ في أَرواحِها الحَكَما
ما قابَلَ الأَلفَ إِلَّا وَاِنثَنَت هَرَباً / كَأَنَّها الوَحشُ لاقَت ضَيغَماً قَرِما
منّا الأَميرُ حَوارِيٌّ وَوالِدُهُ / فَاِذكُرهُما فَلَقد طابا وَقَد كَرُما
وَفي سُليمٍ لَنا عِزٌّ وَمُفتخَرٌ / وَمُفلِحٌ وَهُما لِلّهِ دَرُّهُما
وَفي أَمِيرٍ وَسُلطانٍ لَنا شَرَفٌ / نَسمو بِهِ وَاِبنُ بَدرِ اللَيثُ بَعدَهُما
مِنّا أَبو فاضِلٍ وَاللَوذَعيُّ أَبُو / مَذكُورٍ القرمُ فَلنَفخَر بِمثلِهِما
وَما حُسَينٌ وَبَدرٌ إِن ذَكَرتُهُما / إِلّا هُمامانِ فاقَ الناسَ مَجدُهُما
مِنّا الَّذي حَطَّ زُهداً عَن رَعِيَّتهِ / كُلَّ المُكُوسِ فَأَضحى الجَورُ مُنحَسِما
وَكَم لَنا مِن بَني البَيعِيِّ مِن بَطَلٍ / إِذا رَأى مِن عَدُوٍّ هامَةً صَدَما
مِنّا الثَلاثَةُ وَالفردُ الَّذينَ لَقُوا / كَتائِباً كَأبي السَيّالِ حِينَ طَما
تَدعُو عَجِيبَةَ أَحياناً وَآوِنَةً / أُمُّ العَجرَّشِ وَالحَجّافِ بَينَهُما
يَومَ الجُرَيعاءِ ما خامُوا وَما جَبُنوا / بَل كُلُّهُم يَصطَلي نِيرانَها قَدَما
مِنّا الرِجالُ الثَمانُونَ الَّذينَ هُمُ / يَومَ القَطيعَةِ أَوفى مَعشَرٍ ذِمَما
لاقُوا ثَلاثَةَ آلافٍ وَما جَبُنُوا / عَنهُم وَلا اِستَشعَرُوا خَوفاً وَلا بَرَما
فَطاعَنُوهُم إِلى أَن عافَ طَعنَهُمُ / مَن كانَ يَحسِبُهُم غُنماً إِذا قَدما
أَفعالُ آبائِهِم يَومَ الرُكَينِ وَمَن / يُشبِه أَبَاهُ فَلا وَاللَهِ ما ظَلَما
إِذ طَيَّرَ التَلَّ يَومَ القَصرِ كَرُّهُمُ / عَلى الأَعاجِمِ حَتّى بادَ بَينَهُما
نَحنُ الثِمالُ فَمَن يَكفُر بِنِعمَتِنا / كُنّا المُثَمَّلَ يُدني الحَتفَ وَالسَقَما
أَبياتُنا لِذَوي الآمالِ مُنتَجَعٌ / إِذا الزَمانُ يُرى كَالعِيرِ أَو عَرَما
وَما عَدَدتُ عَشيراً مِن مَناقِبِنا / وَمَن يَعُدُّ ثرَى يَبرِينَ مُرتَكِما
أَنِخ فَهَذِي قِبابُ العِزِّ وَالكَرَمِ
أَنِخ فَهَذِي قِبابُ العِزِّ وَالكَرَمِ / وَقِل فَكُلُّ العُلا في هَذِهِ الخِيَمِ
وَاِعفِ النَجائِبَ مِن نَصٍّ وَمِن عَنقٍ / فَقَد بَلَغتَ مُلُوكَ العُربِ وَالعَجَمِ
فَما وَراءَ بَني فَضلٍ فَتَطلُبَهُ / غِنىً لِراجٍ وَلا عِزٌّ لِمُهتَضَمِ
هُمُ المُلوكُ وَساداتُ المُلوكِ هُمُ / وَما رَبى المُلكُ إِلّا في بُيوتِهِمُ
وَقَد نَزَلتَ بِأسراهُم وَأَنبَلِهِم / عَلى سَراواتِهِم فِينا وَنُبلِهِمُ
فَاِنظُر بِعَينِكَ هَذا فَهوَ سَيِّدُهُم / طُرّاً وَسَيِّدُ عَدنانٍ وَغَيرِهِمُ
هَذا الهُمامُ عِمادُ الدِّينِ أَكرَمُ مَن / يُدعى وَيُرجى وَخَيرُ الناسِ كُلِّهِمُ
هَذا هُوَ المَلِكُ المَيمونُ طائِرُهُ / هَذا المُؤَمَّلُ هَذا كاشِفُ الغُمَمِ
هَذا هُوَ المُخجِلُ الأَنواءَ نائِلُهُ / فَما يُشائِمُهُ فَقرٌ إِلى الدِّيَمِ
هَذا هُوَ السالِبُ الجَبّارَ مُهجَتَهُ / غَصباً وَتارِكُهُ لَحماً عَلى وَضَمِ
هَذا الَّذي لَو رَأى قُسٌّ فَصاحَتَهُ / لَقالَ هَذا لَعَمري مَعدِنُ الحِكَمِ
هَذا الَّذي لَو رَآهُ في جَلالَتِهِ / كِسرى لَفَدّاهُ مِن مَوتٍ وَمِن أَلَمِ
هَذا الَّذي لَو زُهَيرُ الشِعرِ أَدرَكَهُ / يَوماً لَعَدّى إِلَيهِ القَولَ عَن هَرِمِ
فَحَيِّهِ بَعدَ تَقبيلِ الصَعيدِ وَقُل / أَهلاً وَسَهلاً بِمُحيي البَأسِ وَالكَرَمِ
أَهلاً بِسَيِّدِ أَهلِ الأَرضِ قاطِبَةً / وَخَيرِ أَملاكِ أَهلِ الحِلِّ وَالحَرَمِ
أَهلاً وَسَهلاً بِمَن في نُورِ غُرَّتِهِ / غِنىً عَنِ البَدرِ لِلسارِينَ في الظُلمِ
أَهلاً بِهِ وَبِهَذا اليَومِ إِنَّهُما / إِن فُوضِلا أَفضَلُ الأَيّامِ وَالأُمَمِ
وَكَبِّرِ اللَهَ وَاِشكُرهُ لِذاكَ وَقُل / اللَهُ أَكبَرُ وَاِسجُد غَيرَ مُحتَشَمِ
لِلّهِ دَرُّ عِمادِ الدِّينِ مِن مَلِكٍ / ما فِيهِ مِن كَرَمِ الأَخلاقِ وَالشِّيَمِ
سَكِينَةٌ لَو سَرَت في البَحرِ ما اِضطَرَبَت / بِرِيحِ عادٍ أَواذِيهِ وَلا إِرَمِ
وَهَيبَةٌ لَو سُلَيمانُ النَبيُّ أَتى / بِها الشَياطِينَ أَهلَ المَسِّ وَاللَمَمِ
لَأَوغَلُوا في البِناءِ المُقرَنينَ لَهُ / وَالغَوصِ أَو تُبعَثُ المَوتى مِنَ الرِّمَمِ
وَنَجدَةٌ لَو لِلَيثِ الغابِ أَيسَرُها / عَلا البِقاعَ وَلم يَستَذرِ بِالأُجُمِ
مَلِكٌ حَمى جَنَباتِ المُلكِ مُعتَزِماً / بِالسَيفِ لا بِيَراعٍ غُطَّ في جَمَمِ
وَشَكلَةُ السَيفِ أَمضى في العَدُوِّ وَإِن / فُلَّت مَضارِبُهُ مِن شَكلَةِ القَلَمِ
مِن بَأسِهِ تَذهَبُ الفُرسانُ شارِدَةً / شُرُودَ سِربِ القَطا مِن أَجدَلٍ قَطِمِ
كَم سَيِّدٍ في ظَلامِ النَقعِ غادَرَهُ / شِلواً بِأَبيضَ أَو زَرقاءَ كَالضَرَمِ
في وَقعَةٍ صاحَ فيها مَن نَجا هَرَباً / يا خِصبَ عامِكَ لا هُنِّيتَ مِن رَخَمِ
فَالخَيلُ تَعرِفُ في الهَيجاءِ صَولَتهُ / بِحَيثُ يَأخُذُ سامي النَقعِ بِالكَظَمِ
فَما أَحَسَّت بِهِ إِلّا اِنثَنَت هَزَماً / وَنَكهَةُ الذِئبِ لا تَخفى عَلى الغَنَمِ
كَم صَكَّ بِالسَيفِ وَالأَبطالُ جائِلَةٌ / مِن مُعلَمٍ في نَدِيِّ الحَيِّ كَالعَلَمِ
لَم يَشكُلِ الخَيلَ مُذ جالَت بِشَكلَتِهِ / إِلّا بِشَعرِ لِحى الأَبطالِ وَاللِّمَمِ
لَقَد زَهَت خُطَطُ البَحرَينِ وَاِفتَخَرَت / بِهِ عَلى مَأرِبٍ في الأَعصُرِ القِدَمِ
بعَدلِهِ وَالدَمِ المُهراقِ حَصَّنَها / وَلا يَقِرُّ دَمٌ إِلّا بِسَفكِ دَمِ
لِلّهِ حَدسُ أَبِيهِ إِذ تَأَمَّلَهُ / في المَهدِ لَمّا يُبن عَن لا وَلا نَعَمِ
قَد قالَ وَهوَ يُناغِيهِ لِأُسرَتِهِ / ثِقُوا بِأَبلَجَ عالي الذِكرِ وَالهِمَمِ
أَعطى اللَهى وَعَلَت في المَجدِ هِمَّتُهُ / قَبلَ اِختِطاطِ عِذارٍ وَاِثِّغارِ فَمِ
وَقادَها لِتَمامِ العَشرِ تَحسِبُها / آذِيَّ بَحرٍ زَفَتهُ الرِيحُ مُلتَطِمِ
فَداسَ كُلَّ بِلادٍ لِلعَدُوِّ بِها / دَوسَ اليَمانِيِّ ما يَخلى مِن الأَدَمِ
وَما أَلَمَّ إِلى أَن لَم يَدَع مَلِكاً / لَهُ بِها مِن حِمى حامٍ وَلا حَرَمِ
أَعطَتهُ مَملَكَةَ الأَحساءِ هِمَّتهُ / وَعَزمُ مُستَبصِرٍ بِالرَأيِ غَيرُ عَمِ
فَإِن يَقُولُوا اِختِياراً كانَ ذاكَ فَهَل / يُختارُ لِلضَربِ غَيرُ الصارِمِ الخَذِمِ
فَغَيرُ لايٍ وَزَجّاها مُلَملَمَةً / تَدافُعَ السَيلِ سَيلَ اليَأمَنِ العَرِمِ
فَما أَناخَت إِلى أَن غالَ عِثيَرُها / ما شيدَ بِالخَطِّ مِن حِصنٍ وَمِن أُطُمِ
وَما نَضا الدِّرعَ حَتّى حازَ حَوزَتَها / قَهراً وَآخى بِها الأًحساءَ مِن أَمَمِ
وَلَم يَمُدَّ إِلى هَرمُوزَ مِنهُ يَداً / وَحاركٌ لَم يَمُدُّوا كَفَّ مُعتَصِمِ
يا آلَ فَضلٍ أَماتَ اللَهُ حاسِدَكُم / بِغَيظِهِ وَكَفاكُم زَلَّةَ القَدَمِ
كَم يَمضُغُ الدَهرُ فِيما بَينَ أَظهُرِكُم / لَحمي وَيَشرَبُ شُربَ الهيمِ فَضلَ دَمي
أَفي المُروءَةِ أَن أَظمى وَحوضُكُمُ / لِلكَلبِ وَالذِئبِ وَالجِرذانِ وَالبُهَمِ
وَيُصطَفى مَن أَبُوهُ كانَ عَبدَ أَبي / دُوني وَيُقطَعُ فِيما بَينَكُم رَحِمي
حاشا اِبنَ مَسعُودٍ المَلكَ المُعَظَّمَ أَن / أُجفى وَيُقفى بَنُو الداياتِ وَالخَدَمِ
فَتىً نَماهُ إِلى العَلياءِ كُلُّ فَتىً / حامي الذِّمارِ وَفِيِّ العَهدِ وَالذِّمَمِ
مَن مِثلُ مَسعُودٍ القَرمِ الهُمامِ وَمَن / كَأَحمَدَ المُرتَجى في البَأسِ وَالكَرَمِ
وَمَن يُباري اِبنَ فَضلٍ في مَكارِمِهِ / أَبا سِنانٍ غِياثَ الناسِ في القُحَمِ
وَخَيرُ قَيسِ بنِ عَيلانٍ خُؤُولَتُهُ / فَمَن بَغى الفَخرَ فَليَفخَر بِمثلِهِمُ
قَومٌ أَبُوهُم سِنانٌ خَيرُ ما حَمَلَت / أُنثى وَمَن قادَها تَختالُ في اللُجُمِ
يابا عَلِيٍّ أَجِب مِن غَيرِ نَأنَأَةٍ / صَوتَ اِمرِئٍ في عُلاكُم غَير مُتَّهَمِ
إِلَيكَ شَدّاً مِنَ الأَحساءِ أَنهَضي / عَزمُ المُلوكِ وَحَظٌّ غَيرُ ذِي كَشَمِ
وَقَد تَحَقَّقتُ أَنَّ الرُشدَ يَصحَبُني / فَما أُحاذِرُ قَرعَ السِنِّ مِن نَدَمِ
كَم جُبتُ دُونكَ مِن تيهٍ يَتِيهُ بِها / قَلبُ الدَليلِ مِنَ الإِشفاقِ وَالسَأَمِ
وَمُزبِدٍ يَتَراءى المَوتُ راكِبَهُ / يَرمي بِمُقلَولبِ الأَمواجِ مُرتَطِمِ
قَد قُلتُ لِلنَفسِ فيهِ وَهيَ مُجهِشَةٌ / وَالمَوجُ مِن هازِمٍ فيهِ وَمُنهَزِمِ
قِرّي فَلَو شاءَ أَمراً فَهوَ بالِغُهُ / وَالمَوتُ آتٍ وَما تَلقَينَ كَالحُلُمِ
وَمَن تَكُن صُحبَةُ الأَملاكِ هِمَّتُهُ / مَضى على الهَولِ مَمضى البازِلِ السَدِمِ
وَغَيرُ مُستَنكَرٍ لَو زُرتُ حَضرَتَهُ / سَعياً عَلى الرَأسِ لا سَعياً عَلى القَدَمِ
وَقَد بَلَغتُ وَما في المالِ مِن ضَعَفٍ / وَقَد دَعَوتُ وَما في السَمعِ مِن صَمَمِ
وَها أَنا اليَومَ يا خَيرَ المُلوكِ أَنا / وَأَنتَ أَنتَ وَشَيءٌ قَطُّ لَم يَدُمِ
وَلَيسَ إِلّاكَ نَدعُوهُ وَنَندُبُهُ / لِما يُقابِلُنا مِن دَهرِنا الحُطَمِ
فَلا خَلَت مِنكَ آفاقُ البِلادِ وَلا / خَلَوتَ مِن نِعَمٍ تَأتي عَلى نِعَمِ
ما أَنصَفَ الطَلَلُ العافي بِماوانا
ما أَنصَفَ الطَلَلُ العافي بِماوانا / لَم نُشجِهِ يَومَ سَلَّمنا وَأَشجانا
عُجنا نُحَيّيهِ إِجلالاً وَتَكرِمَةً / مِنّا فَلَم نُبكِهِ شَوقاً وَأَبكانا
وَكُنتُ أَحسبُهُ وَالدَهرُ ذُو غِيَرٍ / لَو لَم نُحَيِّ مَغانِيهِ لَحَيّانا
فَلَستُ أَدري لِإِنكارٍ تَخَوَّنَهُ / أَم بِالعُقوقِ عَلى عَمدٍ تَوَخّانا
فَإِن يَكُن ذاكَ إِنكاراً فَلا عَجَبٌ / فَالشَيءُ يُنكِرُهُ ذُو اللُبِّ أَحيانا
رَأى عَلى شُعَبِ الأَكوارِ أَزفِلَةً / شِيباً وَيَعهَدُنا بِالأَمسِ شُبّانا
كُلٌّ مِنَ الضَعفِ قَد أَشفى عَلى هَرَمٍ / وَعِندَهُ أَنَّ حينَ الشَيبِ ما حانا
أَقُولُ وَالدَمعُ قَد بَلَّت بَوادِرُهُ / مِنّا خُدُوداً وَأَذقاناً وَأَردانا
وَقَد مُلِئتُ بِما عاينتُهُ عَجَبَاً / ما ضَرَّ سَهمَ الرَزايا لَو تَخَطَّانا
ما الذَنبُ لِلرَبعِ في هَذا فَنُلزِمُهُ / عَتباً وَلَكِنَّ هَذا الدَهرَ لا كانا
لَو لَم تَحُلَّ بِنادينا زَلازِلُهُ / لَكانَ ذَلِكُمُ الإِنكارُ عِرفانا
إِيهاً خَلِيلَيَّ مِن ذُهلِ بنِ ثَعلَبَةٍ / مَن لَم يُهِن نَفسَهُ في حَقِّها هانا
قُوما فَفي الأَرضِ عَن ذِي إِحنَةٍ سَعَةٌ / وَالحُرُّ يَختارُ أَخداناً وَأَوطانا
وَإِنَّني وَاجِدٌ في كُلِّ ناحِيَةٍ / بِالدارِ داراً وَبِالجيرانِ جِيرانا
كَم ذا المُقامُ عَلى ذُلٍّ وَمَنقَصَةٍ / وَكَم أُجَرَّعُ كَأسَ الضَيمِ مَلآنا
يَسُومني الخَسفَ أَقوامٌ أُبوّتهُم / عَبِيدُ آبايَ إِقراراً وَإِذعانا
أَرضى وَأَقنَعُ بِالحَظِّ الخَسيسِ وَلَو / أُنصِفتُ كُنتُ لَها بَدءاً وُثنيانا
وَيَعتَرِيني الأَذى مِن كُلِّ نازِلَةٍ / أَلقى أَوائِلَهُ في الناسِ خمّانا
يَعُدُّ إِن قالَ صِدقاً مِن مَفاخِرِهِ / كَرّاً وَمرّاً وَمِسحاةً وَفدّانا
يا دَهرُ إِن كُنتَ يَقظاناً فَقُم عَجِلاً / أَو ما تَزالُ إِذا نُوديتَ وَسنانا
فَاِنظُر أُمُوراً وَأَحوالاً مُنَكَّسَةً / ما كُنتُ نائِلَها لَو كُنت يَقظانا
جَدعاً وَعَقراً وَعَثراً يا زَمانُ وَلا / لَعاً لَقَد سُمتَنا جَوراً وَعُدوانا
ذَهَبتَ بِالعِزِّ وَاِستَبقَيتَ لِي غِرَراً / صُمّاً عَن الخَيرِ وَالمَعرُوفِ عُميانا
يَرى الغَنيمَةَ مَن يَرجُو نَوالَهُمُ / أَن لا يَعُودَ إِلى نادِيهِ عُريانا
وَجالِبُ المَدحِ يَستَمري أَكُفَّهُمُ / كَحالِبِ التَيسِ يَرجُو مِنهُ أَلبانا
يَعُدُّ مَمدُوحُهُم إِصغاءَ مَسمَعِهِ / إِلى مُمَدِّحِهِ فَضلاً وَإِحسانا
لِعِلمِهِ أَنَّهُ قَد جاءَ مُبتَدِعاً / وَقالَ في حَقِّهِ زُوراً وَبُهتانا
الحَمدُ لِلّهِ لَم أُنزِل بِهِم أَمَلاً / يَوماً فَأَرجِعُ كابي الزَّندِ خَزيانا
وَلا رَأَيتُهُمُ أَهلاً لِمَكرُمَةٍ / فَأَجتَدي مِنهُمُ مَقتاً وَحِرمانا
وَكَيفَ أُنزِلُ آمالي بِمُقرِفَةٍ / مَصّوا أَفاوِيقَ ثَديِ اللُؤمِ وِلدانا
يَرى جَوادُهُم العافي فَتَحسِبُهُ / رَأى هِزَبراً هَريتَ الشَدقِ طيّانا
يُخالُ سائِلهُم مِن صَرِّ أَوجُهِهم / بِالمِلحِ يَعرِكُ آنافاً وَآذانا
كَأَنَّما نَغمَةُ المُمتاحِ سَيبُهُمُ / سَهمٌ أَحَنَّ بِهِ كَبداءَ مِرنانا
جُودُ الكَريمِ لمن أَصفي مَوَدَّتَهُ / بَدءاً وَعَوداً وَإِسراراً وَإِعلانا
وَجُودُ كُلِّ لَئيمِ الطَبعِ يُمطِرُهُ / أَهلَ العَداوَةِ أَو مَن كانَ عَجّانا
يا أَيُّها الراكِبُ المُزجي لِطيَّتِهِ / وَجناءَ مَوّارَةِ الضَبعَينِ مِذعانا
أَبلِغ عَلى النَأيِ قَومي حَيثُ ما نَزَلُوا / بَرّاً وَبَحراً وَأَجبالاً وَغِيضانا
وَقُل لَهُم عَن لِساني غَيرَ مُتَّئِبٍ / قَولاً تُبَيِّنُهُ لِلقَومِ تِبيانا
كَم ذا التَغافُلُ عَمّا قَد مُنِيتُ بِهِ / وَكَم أَهُزُّكُمُ مَثنى وَوُحدانا
أَتَقنَعُونَ بِأَن أَطوي رَجاءَكُمُ / يَأساً وَأَن أَتَرَجّى الحَيَّ قَحطانا
وَأَن أُفارِقَكُم حَرّانَ قَد بَرَدَت / بِيَ المُعادُونَ أَحقاداً وَأَضغانا
لا وَفَّقَ اللَهُ في بَدوٍ وَلا حَضَرٍ / أَعَقَّنا لِمَواليهِ وَأَجفانا
وَلا رَعى في رَعاياهُ الَّتي حُفِظَت / أَبَرَّنا بِمُعادِيهِ وَأَحفانا
يا لَيتَ شِعرِيَ إِن زُمَّت رَكائِبُنا / وَقُطِّعَت مِن قُرى البَحرَينِ أَقوَانا
وَأَصبَحَت قَد أَناخَت في ذُرى مَلِكٍ / مِن حِميَرٍ أَو بَقايا الحَيِّ كَهلانا
وَجاءَتِ القَومُ أَفواجاً لِتَسأَلَني / فَصادَفُوا مَنطِقي لِلفَضلِ عُنوانا
فَإِن أُجَمجِم وَأُخفي عَنهُمُ خَبري / حَمِيَّةً جَلَبَت هَوناً وَنُقصانا
وَإِن أَقُل كُنتُ ذا مالٍ فَمَزَّقَهُ / صَرفٌ مِنَ الدَهرِ ما يَنفَكُّ يَلحانا
يُقالُ لي كُلُّ تَفريقٍ لَهُ سَبَبٌ / يَجري فَأورِد عَلَينا الأَمرَ وَالشانا
فَإِن أَقُل سَيِّدا قَومي هُما سَبَبٌ / لِذاكَ لَم أَرَ هَذا القَولَ إِحسانا
هَذا لَعَمري أَطاعَ الكاشِحينَ وَلَم / يَعطِف وَأَصغى إِلى الواشينَ إِذعانا
وَمَنَّ بَعدَ ذَهابِ المالِ عَن عَرَضٍ / يفَتِّرُ النَفسَ كَي نَدعُوهُ مَنّانا
وَجِئتُ هَذا أُرَجّي عِندَهُ أَمَلاً / نَزراً فَصادَفتُ إِعراضاً وَحِرمانا
وَفي مَوَدَّتِهِ لاقَيتُ كُلَّ أَذىً / وَاِجتيحَ وَفرِيَ بُغضاً لِي وَشَنآنا
وَكُلُّ ذِي غُصَّةٍ بِالماءِ يَدفَعُها / فَكَيفَ يَصنَعُ مَن بِالماءِ غَصّانا
وَما عَلى مَن يَقُولُ الصِدقَ مِن حَرَجٍ / وَلَيسَ تَلزَمُهُ ذَنباً وَلا ذانا
لا عَزَّ قَومٌ يَعيشُ الكَلبُ ذا بغَرٍ / ما بِينَهُم وَيَمُوتُ اللَيثُ عَطشانا
وَقائِلٍ عَدِّ عَن نَظمِ القَريضِ فَقَد / أَسمَعتَ مِن قَبلُ لَو نَبَّهتَ يَقظانا
المَجدُ أَمسى دَفيناً بِالعذارِ فَقُم / كَيما تُقيمَ لَهُ نَوحاً وَإِرنانا
فَلَيسَ بَعدَ عِمادِ الدِينِ مِن مَلِكٍ / تَخُطُّ فيهِ رُواةُ الشِعرِ دِيوانا
يا ثُكلَ أُمِّ العِدى وَالمَكرُماتِ أَما / لَو يَنطِقُ الدَهرُ عَزّاها وَعَزّانا
فَقُلتُ لَم نَرَ فيهِ مِن خِلالِ عُلاً / إِلّا وَنَحنُ نَراها في اِبنِهِ الآنا
حَزمٌ وَعَزمٌ وَبَأسٌ صادِقٌ وَنَدىً / غَمرٌ وَحِلمٌ وَعَقلٌ فاقَ لُقمانا
يا فَضلُ دَعوةَ ذِي قُربى دَعاكَ وَقَد / أَحَسَّ لِلضَيمِ في أَحشاهُ نِيرانا
أَنتَ الَّذي تَرَكَ الأَعداءَ هَيبَتُهُ / كُلٌّ يُجَمجِمُ ما يَلقاهُ حَيرانا
يَأبى لَكَ المَجدُ وَالطَبعُ الكَريمُ بِأَن / تُدعى عَلى المالِ لِلأَحداثِ خَزّانا
يا مَن يَرى بَذلَهُ الأَموال فائدةً / تَبقى لَهُ وَيَرى الإِمساكَ خُسرانا
وَأَنتَ للدَوحَةُ اللّاتي أَرُومَتُها / طابَت فَمَدَّت عَلى الأَغصانِ أَغصانا
وَفِي يَدَيكَ سَحابُ الجُودِ تُمطِرُها / عَلى الخَلائِقِ أَوراقاً وَعِقيانا
أُعِيذُ مَجدَكَ أَن أَشقى وَتَعرِفُني / نُيُوبُ دَهرٍ تَرُدُّ القَرمَ حُلّانا
نَماكَ لِلمَجدِ آباءٌ بِهِم شَرُفَت / رَبِيعَةُ الغُرُّ عَدناناً وَقَحطانا
قَومٌ هُمُ ثَأَرُوا حُجراً وَهُم أَسَرُوا / عَمراً وَهُم قَهَرُوا ذا التاج صُهبانا
وَهُم أَباحُوا حِمى كِسرى وَهُم قَتَلُوا / هامُرزَ وَاِستَنزَلُوا الأُسوارَ مَهرانا
كانُوا جِبالاً لِنَجدٍ تَستَقِرُّ بِها / عَن الزَلازِلِ إِن ماجَت وَأَركانا
حَتّى إِذا اِرتَحَلُوا عَن جَوِّها اِضطَرَبَت / وَبُدِّلَت مِنهُمُ خَسفاً وَخِذلانا
وَأَصبَحَت بِقُرى البَحرَينِ خَيلُهُمُ / تَجُرُّ لِلعِزِّ أَشطاناً وَأَرسانا
لَولا نُزولهُمُ في جَوِّها لَرَأَت / رَبِيعَةٌ هَرَباً كَيشاً وَمَكرانا
لَكِنَّهُم أَثبَتُوا آساسَها وَنَفَوا / عَنها حَمِيَّ بنَ عَيمانٍ وَحَدّانا
كَما نَفَت قَبلَ ذا قَسراً أَوائِلُهُم / عَنها إِياداً وَحُلواناً وَجِيلانا
فَهاكَها يا عِمادَ الدِينِ حاوِيَةً / دُرّاً وَمِسكاً وَياقُوتاً وَمَرجانا
بَعضُ الَّذي نالَنا يا دَهرُ يَكفِينا
بَعضُ الَّذي نالَنا يا دَهرُ يَكفِينا / فَاِمنُن بِبُقيا وَأَودِعها يَداً فِينا
إِن كانَ شَأنُكَ إِرضاءَ العَدُوِّ بِنا / فَدُونَ هَذا بِهِ يَرضى مُعادينا
فَالحَمدُ لِلّهِ حَمداً لا نفادَ لَهُ / إِذ لَم يَكُن ضَعفُنا إِلّا بِأَيدِينا
خافَت بَنُو عَمِّنا أَمراً يُعاجِلُنا / مِن قَبلِ إِلحاقِ تالينا بِماضينا
وَاِستَيقَنَت أَنَّ كُلَّ المُلكِ مُنتَزَعٌ / وَلَو تَمَكَّثَ في أَربابِهِ حِينا
وَحاذَرت دَولَةً في عَقبِ دَولَتِها / تَأتي سَريعاً فَتُلقِي سُمَّها فِينا
فَلَم تَدَع لِمُرجٍّ سَلبَ نِعمَتِها / أَرضاً قَراحاً بِأَيدِينا وَلا لِينا
وَلَم تَزَل هَذِهِ فِينا عِنايَتُها / حَتّى تَساوى اِبنُ سِتٍّ وَاِبنُ سِتِّينا
هَذا هُوَ الحَزمُ وَالرَأيُ السَديدُ فَلا / تَظُنّهُ القَومُ زَهداً في مَغانينا
لِأَنَّ مَن يَتَوَلّى الأَمرَ بَعدَهُمُ / لَيسُوا بِمَأمُونِ شَرٍّ في نَواحينا
وَالفَقرُ في أَرضِنا خَيرٌ لِصاحِبِهِ / مِنَ الغِنى وَالقَليلُ النَزرُ يُرضِينا
لِما يُعانيهِ رَبُّ المالِ مِن تَعَسٍ / في أَرضِنا لا لِأَنَّ المالَ يُطغِينا
وَكَم غِنىً عِندَنا قَد جَرَّ داهِيَةً / دَهياءَ تَترُكُ فَحلَ القَومِ عِنِّينا
فَاِنظُر أَخا العَقلِ وَالتَدبيرِ إِنَّ لَهُ / شَأناً عَظيماً وَدَوِّنهُ الدَواوِينا
لَم يَهتَدِ المَرءُ كِسرى أَن يُدَبِّرَهُ / وَكانَ أَرجَحَها عَقلاً وَتَمكِينا
وَصاحِبٍ قالَ لي وَالعَينُ تَحرُسُهُ / حِيناً وَيَنطِقُ بِالشَكوى أَحايينا
أَما تَرى قَومَنا فِينا وَما صَنَعُوا / لَم يَترُكُوا أَمَلاً فِينا لِراجِينا
مالُوا عَلَينا مَعَ الأَيّامِ وَاِستَمَعُوا / فِينا أَقاوِيلَ شانِينا وَقالِينا
مِن غَيرِ شَيءٍ سِوى قَصرٍ بِأَلسُنِنا / عَمّا يُعابُ وَطُولٍ في عَوالينا
وَأَنَّنا نَرِدُ الهَيجاءَ تَحسَبُنا / مِن زَأرِنا في الوَغى جِنّاً مَجانينا
وَلا نُبالي شَقَقنا في عَجاجَتِها / هَوادِيَ القَومِ أَو شَقَّت هَوادِينا
وَيُكرِهُ الصَعدَةَ السَمراءَ أَصغَرُنا / سِنّاً وَيُفحِمُ كَهلَ القَومِ ناشِينا
نَحنُ المُلوكُ وَأَردافُ المُلوكِ وَفي / بَحبُوحَةِ العِزِّ شادَ العِزَّ بانينا
نَحمي عَلى الجارِ وَالمَولى وَيَأمَنُنا / عَلى اِختِلافِ اللَيالي مَن يُصافِينا
آباؤُنا خَيرُ آباءٍ إِذا ذُكِرُوا / كانُوا المَشاوِذَ وَالناسُ التَساخِينا
أَيّامُنا لَم تَزَل غُرّاً مُحَجَّلَةً / وَلا تُباعُ بِأَيّامٍ لَيالينا
تَرَعرَعَ المُلكُ في أَبياتِنا وَنَشا / حَتّى اِستَوى وَمُرَبِّيهِ مُرَبِّينا
يا لَيتَ شِعري أَيُّ الذَنبِ كانَ لَنا / حَتّى بِهِ اِجتيحَ دانينا وَقاصِينا
أَضحَت بَساتِينُنا نَفدي بِأَحسَنِها / شِقصاً لِأَدنى خَسيسٍ مِن مَوالينا
بِجُلَّةِ التَمرِ وَالشاةِ الرَعُومِ غَدَت / أَملاكُنا وَاِحتَمَت أَملاكُ عادينا
إِنّا إِلى اللَهِ لا أَرحامُنا نَفَعَت / وَلا طِعانُ حُماةِ القَومِ يَحمينا
هَذا الجَزاءُ لِما سَنَّت أَسِنَّتُنا / يا لَلرِجالِ وَما أَمضَت مَواضينا
يَومَ العَطيفَةِ إِذ جاءَت مُغَلِّسَةً / كَتائِبٌ نَحوَنا بِالمَوتِ تُردِينا
تُوفي ثَلاثَةَ آلافٍ مُضَمَّنَةً / وَلا تجاوِزُ في عَدٍّ ثَلاثينا
رِماحُهُم وَظَلامُ النَقعِ يَستُرُنا / وَكَرُّنا وَضِياءُ البيضِ يُبدِينا
طَعناً بِهِ كانَ إِبراهيمُ وَالِدنا / مِن قَبلِ أَن يَنزِلَ البَحرَينِ يُوصِينا
حَتّى تَوَلَّوا وَقَد جاشَت نُفُوسُهُمُ / غَيظاً لِما عايَنُوهُ مِن تَحامِينا
وَقَبلُ رَدَّت رُبُوعَ القَومِ أَربَعَةٌ / مِنّا فَمَن ذا إِلى مَجدٍ يُسامِينا
يَومَ الشَباناتِ لا نَثني أَعِنَّتَها / كَأُسدِ خَفّانَ هِيجَت أَو عِفرِّينا
تَتلُوهُمُ آلُ حَجّافِ وَما وَلَدَت / أُمُّ العَجَرَّشِ مِثلَ الجُربِ طُلِّينا
لَم يَترُكُوا فَضلَ رُمحٍ في أَكُفِّهِمُ / وَنَحنُ نَقصدُها قَرعاً فَتُخَطِينا
هَل غَيرُنا كانَ يَلقاهُم بِعُدَّتِنا / لا وَالَّذي بَيَّنَ الفُرقانَ تَبيينا
وَكَم لَنا مِن مَقامٍ لا نُعابُ بِهِ / وَلا نُذَمُّ بِهِ دُنيا وَلا دِينا
يا ضَيعَةَ العُمرِ يا خُسرانَ صَفقَتِنا / يا شُؤمَ حاضِرِنا الأَشقى وَبادِينا
كُنّا نَخافُ اِنتِقالَ المُلكِ في مُضَرٍ / فَمَرحَباً بِكَ يا مُلكَ اليَمانينا
فَإِن تَوَلَّت مُلُوكُ الرُومِ ما بَلَغَت / مِعشارَ ما صَنَعَت إِخوانُنا فِينا
كُنّا نَضِجُّ مِنَ الحِرمانِ عِندَهُمُ / وَنَطلُبُ الجاهَ فيهِم وَالبَساتِينا
فَاليَومَ نَفرحُ أَن يُبقُوا لِمُوسِرِنا / مِن إِرثِ جَدَّيهِ سَهماً مِن ثمانينا
أَفدي الَّذي قال وَالأَشعارُ سائِرَةٌ / قَبلي يُدَوِّنُها الرَاوُونَ تَدوِينا
يا طالِبَ الثّأرِ قُم لا تَخشَ صَولَتنا / فَما نُراعي بِها مَن لا يُراعِينا
فَسَوفَ يُسقى بِكاساتِ العُقوقِ عَلى / حَرِّ الظَما مَن بِكَأسِ الغَبنِ يَسقِينا
فَما المُعادي لَنا أَولى بِبَغضَتِنا / مِن اِبنِ عَمٍّ مَدى الأَيّامِ يُؤذينا
أَعزِز عَلى اِبنِ عَلِيٍّ وَالأَكارِمِ مِن / آبائِنا أَن يُسيمَ الضَيمُ وادِينا
نالَ المُعانِدُ مِنّا ما يُحاوِلُهُ / سِرّاً وَجَهراً وَتَعرِيضاً وَتَعيينا
رامَت ذَوُو أَمرِنا إِطفاءَ جَمرَتِنا / فَبَعدَها أَلحِقِ الأَحساءَ يَبرِينا
يا قُبحَ آرائِهِم فينا فَلو عَرَفُوا / حَقَّ السَوابِقِ ما اِختارُوا البَراذِينا
فَقُل لَهُم لا أَقالَ اللَهُ صَرعَتَهُم / وَزادَ أَمرَهُمُ ضَعفاً وَتَوهِينا
هَل يَنقِمُونَ عَلَينا غَيرَ أَنَّ بِنا / صارُوا مُلوكاً مَطاعِيماً مَطاعِينا
عَزَّت أَوائِلُهُم قِدماً بِأَوَّلِنا / لِذاكُمُ عَزَّ تاليهِم بِتالينا
كَم قَد كَفَيناهُمُ مِن يَومِ مُعضِلَةٍ / لَوَ اِنَّهُم مَن عَلى الحُسنى يُكافِينا
نَحمي وَنَضرِبُ رَبَّ التاجِ دُونَهُمُ / ضَرباً يُطيرُ فِراخُ الهامِ سِجّينا
فَسَوفَ يَدرُونَ أَنَّ الأَخسَرينَ هُمُ / إِذا اِستَغاثُوا وَنادُوا يالمُحامِينا