القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عُمارة اليَمَنِيّ الكل
المجموع : 50
إذا قدرت على العلياء بالغلب
إذا قدرت على العلياء بالغلب / فلا تعرج على سعي ولا طلب
واخطب بألسنة الأغماد ا عجزت / عن نيله ألسن الأشعار والخطب
فما استوى الخط والخطي في رهج / ولا الكتائب يوم الروع كالكتب
دع الهوينى وإن أفضت إلى تعب / بك المساعي فإن العز في التعب
ولا ترقن لي إن كربة عرضت / فإن قلبي مخلوق من الكرب
واستخبر الهول كم آنست وحشته / وكم وهبت له روحي ولم أهب
ما أسهل الموت عند الناس لو وثقوا / بصدق معتقد أو حسن منقلب
ومدمن قرع باب اللهو قلت له / والترك للنصح أمر ليس يجمل بي
هزل الرجال هزال في مروءتها / والجد يخجل أحياناً من اللعب
فأقبل من الخلق ما ألوك من خلق / على النقيضين من صدق ومن كذب
ولا تكلف جباناً فوق طاقته / فأكثر الناس مجبول على الرهب
يقني طوال القنا العسال أشجعهم / علماً بأن اقتراب الموت في القرب
والطعن في الكر بعد الفر منقصة / والضرب يقتضب الأعمال بالقضب
ألقى الكفيل أبو الغارات كلكله / على الزمان فضاعت حيلة النوب
وداخلت أنفس الأيام هيبته / حتى استرابت نفوس الشك والريب
بث الندى والردى زجراً وتكرمة / فكل قلب رهين الرعب والرغب
فما لحامل سيف أو مثقفة / سوى التجمل بين الناس من أرب
لما تمرد بهرام وأسرته / جهلاً وراموا قراع النبع بالغرب
صدعت بالناصر المحيي زجاجتهم / وللزجاجة صدع غير منشعب
أسرى إليهم ولو أسرى إلى الفل / ك الأعلى لخافت قلوب الأنجم الشهب
في ليلة قدحت زرق النصال بها / ناراً تشب بأطراف القنا الأشب
ظنوا الشجاعة تنجيهم فقارعهم / أبو شجاع قريع المجد والحسب
سقوا بأسكر سُكرٍ لا انقضاء له / من قهوة الموت لا من قهوة العنب
وخانهم فأل حلوان فواقعهم / ضرب مواقعه أحلى من الضرب
حل الردى بينهم بالحي فانقرضوا / وما حلول الردى بالحي من عجب
لم يجهلوا قبح مسعاهم وخيبتهم / وأي عبد عصى المولى فلم يخب
وإنما سولت للقوم أنفسهم / أن يقطعوا سبب النعمى بلا سبب
فك النفاق عن النعماء أيديهم / من بعد ما نشبت في عروة النشب
ألم تر القوم لما أن طغوا وبغوا / واستحقبوا الذم ما عاشوا على الحقب
لم يقبل الجانب القبلي أوجههم / فرد أولهم بدءاً على العقب
وأنكروا من ظهور الخيل ما عرفوا / واستوثبوها فخانتهم ولم تثب
لولا الأسار ومن لا يمن به / ما عفَّ عنهم ذباب السيف ذو الشطب
تسنموا إبلاً تتلو قلائصهم / يا عزة السرج ذوقي ذلة القتب
كأنهم فوقها خُشب مسندة / إن النفاق لمنسوب إلى الخشب
لله عزمة محي الدين كم تركت / بتربة الحي من خد امرئ ترب
سما إليهم سمو البدر تصحبه / كواكب من سحاب النقع في حجب
في فتية من بني رزيك تحسبهم / عن جانبيه رحى دارت على قطب
قوم إذا الحرب قامت سوقها جلبوا / من النفوس إليها أنفس الجلب
المسرعون من المران أرشية / نابت قلوب أعاديها عن القلب
الطاعنون الأعادي كل مزبدة / كأنها كأس خمر جاش بالحبب
تروى الرماح الظوامي من مجاجتها / فتنثني وعليها نشوة الطرب
كأن أيمانهم سلت عزائمهم / من الجفون على الهامات واليلب
كأن لمع المواضي في أكفهم / صواعق في الوغى تنقض من سحب
فما تروح بها الأرواح في صعد / إلا وتغدو بها الأجسام في صبب
رقاهم رتبة العليا أخو همم / لم يأخذ الملك بالتدريج في الرتب
تلقب الصالح الهادي وليس به / مع صدق أفعاله فقر إلى اللقب
متوج من بني زريك تنسبه / بيض المساعي إلى جرثومة العرب
زاكي الأرومة إلا أن منصبه / في المجد أعظم أن يعزى إلى نسب
ما أليق التاج معصوباً بمفرقه / ورب معتصب بالتاج مغتصب
جذلان يخلف من بادي خواطره / ما شاء من فائض الإعطاء والعطب
يقري ذنوب الرعايا عفو مغتفر / لا يبلغ الكرب منه عقدة الكرب
أرضته عن هفوات الناس قدرته / فما يكدر صفو الحلم بالغضب
وصامت أعربت عنه زماجره / بناطق من صهيل الخيل مصطخب
كالسيل والليل لا ينجو طريدهما / من المنية في الإمعان بالهرب
يرميه أروع من غسان منذ رمى / بعزمه نوب الأيام لم تنب
أعز يضرب جوني القتام له / رواق عز أكيد غير مضطرب
بيت من المجد لم يمدد له عمد / سوى الوشيج ولم يشدد إلى طنب
أغر أبلح وضاح تخر له / صيد الملوك على الأذقان والركب
يظنه الطرف فوق الطرف طود علا / تسمو إليه عيون الجحفل اللجب
تجر بين يديه من سوابقه / قب ترقرق منها الحسن في أهب
من كل أجرد مسكي الأديم له / صبغ إذا شاب رأس الليل لم يشب
وأحمر شفقي اللون متقد / بحدة الشوط لا بالسوط ملتهب
قد أدبتها سجاياه وكثرة ما / رأت وماسمعت عنه من الأدب
مسومات عراب لم تزل أبداً / تكسى وتحلى بما بزت من السلب
ترى لكل هلال من مراكبها / خيط المجرة مجروراً على اللقب
تحمل الوشي منها كل ذي شة / يغني بها عن عقود الدر والذهب
هي العتاد لمن يرمي محاربه / في كل معترك بالويل والحرب
جرد إذا جردتها كف عزمته / للغزو هزت عذاب السوط في العذب
تثير نقع دخان تحته لهب / إن الدخان لنمام على اللهب
يحكي مجر عواليها إذا رحلت / عن منزل مسحب الحيات في الكثب
خيل ترى العمر مسلوباً إذا نهشت / صدر الأعادي بحيات القنا السلب
لا يثقل الروع إلا أن يخف بها / داعي النزال عن التقريب والخبب
لانت صفاة عدو أنت قارعها / فاصلب على ملة الأوثان والصلب
فعندك الضمر الجرد التي عرفوا / وفوقهن أسود الغاب لم تغب
تزورهم شزب منها إذا ظمئت / لم ترو إلا برقراق الدم السرب
وما تخط على دين الهدى أبداً / وأنت أشفق ن أم بهم وأب
فاسعد بأيامك الحسنى التي قسمت / بين الحميدين من ماض ومرتقب
إذا تهنت بك الأيام قاطبة / فما الهناء بمقصور على رجب
في مثل ذا الموقف المشهود تحتلب
في مثل ذا الموقف المشهود تحتلب / غر القوافي وتستنقى وتنتخب
هذا المقام الذي لولا كرامته / ما أشرفت في السماء السبعة الشهب
هذا المقام الذي لولا أوامره / لم يشرف البيت والأستار والحجب
نور البنوة في ذا الدست مؤتلق / بالناظرين ونار العزم تلتهب
تمسي وتصبح في إيوانه أبداً / بيض المنى والمنايا السود تصطخب
في صدره فائز بالنصر محتجب / بنوره وبتاج العز معتصب
مبارك الوجه ميمون نقيبته / تجلى بطلعة الأحداث والنوب
انظر إلى وجهه تنظر إمام هدى / خير الورى رضي الأملاك أم غضبوا
لا يستوي وملوك الأرض في شرف / إلا كما يتساوى الصفر والذهب
من معشر شابت الدنيا ومجدهم / غض وأثوابه فضفاضة قشب
لولا الصلاة عليكم ما استجيب لمن / يدعو ولا رفعت عن دعوة حجب
وأنتم العروة الوثقى فلا انفصمت / وحبكم في دخول الجنة السبب
وفي مدائحكم فخر لمادحكم / وفي ولائكم ذخر ومنقلب
مما كسا المدح فخراً وطيب ذكركم / والصدق يشرق مهما أظلم الكذب
مناقب كالنجوم الزهر قد ملئت / بحسن أوافها الأسماع والكتب
جاءت لها سور القرآن مادحة / فما عسى يتعاطى الشعر والخطب
لله في أهل هذا القصر سابقة / من الإرادة من أسرارها عجب
لما أراد ابن باديس إزالتهم / والناصرون لأنوار الهدى غيب
أبت عليهم يد آلية ويد / تعزى إلى آل رزيك وتنتسب
لولا الوزير أبو الغارات ما خفقت / للنصر في القصر رايات ولا عذب
ولا اعتزى لعلي عند نازلة / من القبيلين لا عجم ولا عرب
لما جلبت إليه الخيل مقربة / لم يحمه منك إلا الشحط والهرب
إضافة الملك لما جئت زائره / كرامة ما لها إلا الظبا سبب
ولى ويا بئس ما أولى مواليه / ولو تعاينتما لم ينجه الهرب
وأيد الله دين الحق منك بذي / يد لها في الوغى التأييد والغلب
أغنته أفعاله عن فخره بعلى / أست قواعدها آباؤه النجب
والمرء من هم فاستغنى بهمته / عما بناه له جد مضى وأب
حمى حريم المعالي عزمه فغدت / أكنافه كعرين الليث يجتنب
يصاحب الذئب فيها الشاة مؤتمناً / على المغيب وإن أودى به السغب
فما يرى الروح فيها وهو مختطف / ولا يرى المال منها وهو منتهب
وهل يراع لها سرب وقد ضمنت / بأمن من حل فيها البيض واليلب
وسطوة لو خلت من عفو مقتدر / على العصاة لكاد الجو يلتهب
ورحمة شكر الرحمن رأفتها / يطفي بها الحلم ناراً شبها الغضب
وراحة تهب الدنيا وما احتسب / بها صنيعاً وما اعتدت بما تهب
وسيرة سار عنه من حكايتها / ذكر جميل تمنت مثله السحب
أضاف من منة التشريف لي منناً / لا ينهض الشكر منها بالذي يجب
أجلها موقفي هذا بحيث أرى / نور الهدى رفعت عن وجهه الحجب
حسبي بخدمتكم بين الورى حسباً / إن ضل بي نسب أو قل بي حسب
فأنتم يا بني الزهراء لا انصرمت / أيامكم كالحيا ماض ومرتقب
يعلو على الناس أدناها بخدمتكم / وتستفاد بها العلياء والرتب
يا بن البني نداء ما لصاحبه / قلب إلى غير حسن الظن ينقلب
قد قابلتك القوافي وهي واثقة / أن لا يقول رجاها أعوز الطلب
كم موقف لك قد نادى نداك به / يا مادحين لكف المادح السلب
وأنت أكرم أن تدعى لمكرمة / تقضي عليك بها العلياء والحسب
يهني الأهلة إن قابلت وافدها / ومعقل الملك من سمر القنا أشب
ووجه دولتك الغراء مبتسم / وثغرها واضح عذب اللمى شنب
مضى جمادى وفي أحشائه حرق / من الفراق الذي ما ذاقه رجب
وربما حفزت شعبان داعية / من المحبة يحدو عيسها الطرب
فاسعد بأيام ماضيها ومقبلها / ما استحقبتها على أعجازها الحقب
ممتعاً ببقاء الصالح الملك ال / حاني إذا ما جفا ابنا أب حدب
فرض على الشعر أن يبدا بما يجب
فرض على الشعر أن يبدا بما يجب / من الهناء الذي وافى له رجب
وأن تنافسه الأيام منزلة / كل المواسم ترجوها وترتقب
فاسعد به ألف عام واقتبل عمراً / تملا حقائبهما من ذكره الحقب
فإنما الدين والدنيا وأهلهما / رحى وأنت إذا دارت لها القطب
بالعاضد اشتد عضد الحق وامتسكت / عرى الهدى وهو في إمساكها السبب
خليفة لو تراخى عقد بيعته / لسابقتنا إليها السبعة الشهب
تدارك الله شمل المؤمنين به / في حيث كادت عصا الإيمان تتشعب
وألف الله شتات القلوب على ولائه / فهي عنه ليس تنقلب
عمت رعايته أقصى رعيته / حتى استوى نازح فيها ومقترب
وأصبح الناس إخواناً بنعمته / كأن نعمته أم لهم وأب
قرت عيون الليالي من خلافته / بمن أقر حشاها وهي تضطرب
أغر تشهد لي أنوار غرته / بصدق ما أودعت من ذكره الكتب
إذا رأته عيون الأمة استبقت / إلى السجود له الأذقان والركب
لا تنظرن مجازاً حين ترمقه / فللحقيقة سر عنك محتجب
وكعبة الله لولا قدرها حجر / ومندل الهند لولا عرفه حطب
من دوحة المصطفى الهادي التي كرمت / فيها المنابت والأغصان والشعب
أحييتم ذكره فيها وسنته / ولم يمت سلف أنتم له عقب
يهدى بكم كل جيل تطلعون به / كأنكم في سماوات العلى الشهب
مازال منصبكم هذا يقوم به / من نسلكم قائم في الله محتسب
يا طالب الشرف الأقصى ولو عدمت / بنو أبي طالب ما أنجح الطلب
لا تخدعن فإن القوم اشرف من / يسمو به المجد أو تعلو به الرتب
ما الأجر والفخر إلا في محبتهم / فلا يتم عليك الزور والكذب
لولا اتباع قريش دين جدهم / طوعاً وكرهاً لما دانت لها العرب
وليت أن نفوس الناس إذ قعدت / عن القيام بنعماهم بما يجب
تجنبتهم بسجليها متاركة / فلا نصيب أنالتهم ولانصب
ولو تولت بنو رزيك نصرتهم / في سالف الدهر ما نابتهم النوب
المضمرون من الإخلاص ما عجزت / عن حل عقدته الأوهام والريب
خضارم تنزل الأرزاق إن نزلوا / أرضاً وتركبها الآجال إن ركبوا
صيد يقوم مقام الألف واحدهم / غلب إذا وقفوا في حيز غلبوا
أندى الملوك وجوهاً غير أنهم / ترضى المواضي بأيدهم إذا غضبوا
لا تنكر الدولة الغراء إذ كسرت / كسر الزجاج ما من كسرها شعبوا
هم قواعدها السفلى وذروتها ال / عليا وأوتادها المرساة والطنب
إن فاتهم حرب صفين فقد بلغوا / في مصر من نصركم أضعاف ما طلبوا
ثاروا لثأر أبي المنصور فانكشفت / بكاشف الغمة الأهوال والكرب
الصالح المبتغى من صهركم نسباً / بعصمة وهو في دين الهدى سبب
وكل حبل ولاء لا يناط إلى / ولائكم فهو عند الله منقضب
إنا إلى الله في الدنيا على مهج / لها مصير إلى الأخرى ومنقلب
شكت فراق أبي الغارات أربعة / الملك والنسك والمعروف والأدب
في مثل ذا اليوم إجلالاً وتهنئة / كانت تزف له الأشعار والخطب
فنافستا المنايا منه في ملك / لنفسه في سبيل الله يحتسب
مضى وأعقب من ذخر الأئمة من / يزهو به الأشرفان المجد والحسب
متوج ناب فينا بعد والده / نيابة البحر لما غابت السحب
فكل معتصب بالتاج غير أبي ال / شجاع فهو لهذا الحق مغتصب
وهل أحق بصدر الدست من ملك / له من الملك موروث ومكتسب
عالي المحلين من مجد ومن همم / أذياله فوق وجه السحب تنسحب
لا يستوي وملوك الأرض في شرف / إلا كما يتساوى الجد واللعب
يبدو تحجبه عنا مهابته / فوجهه الطلق باد وهو محتجب
ما أن تبسم عنه وجه مجلسه / فقام إلا وفي ثغر الندى شنب
ولا غزونا أياديه بمسألة / إلا سلبناه ما يقنى القنا السلب
تهل نعمته طوراً ونقمته / من راحة شأنها الإعطاء والعطب
في كل حبة قلب من محبته / عقيدة باعثاها الرعب والرغب
قد استرقت قلوب العالمين له / مهابة يتلافاها بما يهب
وراحة لم تزل تهمي ندى وردى / مثل الغمامة فيها الماء واللهب
لا يعدمنك أمير المؤمنين فما / في نفسه غير أن تبقى له أرب
لأنه مقلة الدنيا وناظرها / وأنت حاجبها والجفن والهدب
أوجبت في ذمة الأشعار والخطب
أوجبت في ذمة الأشعار والخطب / ديناً أبا حسن يبقى على الحقب
لم يبق مجدك في التشبيب لي أرباً / حسب المدائح ما شيدت من حسب
شغلتها باقتضاب المكرمات فما / يلقى علاك بمدح غير مقتضب
مناقب سجلت لي وهي صادقة / أمان صدق من التخريف و الكذب
أيامك البيض لا تحصى وأفضلها / يوم خصصت به في قاعة الذهب
وفيت للصالح الهادي وقد بعدت / عنه الصنائع من ناء ومقترب
فعلت فعل علي يا علي وقد / فدى نبي الهدى بل سيد العرب
لما أتتك بنات الموت سائلة / وهبت روحك مختاراً ولم تهب
أقدمت وحدك إقدام الليوث على / هول يمهد عذر الليث في الهرب
آثار سيفك أجلى من روايتنا / و السيف أصدق أنباء من الكتب
أرهفته بيمين غير طائشة / عند الضراب وعزم غير مضطرب
فهل بنانك أقوى أم جنانك إذ / شطبت بالسيف متن السيف ذي الشطب
أنت المقدم في بأس وفي كرم / إن كنت ترضى بهذا النعت واللقب
وإن كرهت فأنت المستغاث به / بعد المهيمن في الأحداث والنوب
لولا حفاظك يوم القصر لاضطربت / قواعد الملك واحتاجت إلى التعب
لولا ثباتك والألباب خافقة / لم ينج روح الهدى من راحة العطب
لولا بلائك في البلوى أبا حسن / مازال عنا غمام الغم والكرب
جادت ضريح أبي الغارات غادية / من رحمة الله لا من هاطل السحب
أقسمت والقسم المبرور مفترض / بالله والبيت ذي الأستار والحجب
لو عاش أثنى بما أوليت من حسن / ثناء معترف بالحق محتسب
وقد رأيت قبيحاً أن أكون له عبد / اصطناع وإني عنه لم أنب
وأين موقع أقوال وقيمتها / من قوله وهو سامي القول والرتب
مابين قدر كلامينا إذا عرضا / إلا كما بين قدر الصفر والذهب
لكن مدك دين ليس يمكنني / إلا القيام به عن ذمة الأدب
وما يقوم بنعماك التي سبغت / نظم ونثر ولو صيغا من الشهب
افخر فحسبك ما أوتيت من حسب
افخر فحسبك ما أوتيت من حسب / كفاك مجدك من إرث ومكتسب
لولا الحفاظ على الأنساب مكرمة / أغناك فضلك أن تعزى إلى نسب
وقد رأينا رسول الله أشرف من / نعده وهو منسوب إلى العرب
فليهن دولة مصر أنها نصرت / من آل سعد بخير ابن وخير أب
بشاور وشجاع عز نصرهما / عزت على طارق الأيام والنوب
غيثان إن وهبا ليثان إن وثبا / فاضا على الخلق بالإعطاء والعطب
هو الكفيل ولكن قد كفلت له / أبا الفوارس نجح السعي والطلب
لو لم تناصب عداه دون مطلبه / ما قر من دسته في أشرف الرتب
وما أتته من الأيام نازلة / إلا وسيفك فيها كاشف الكرب
مواطن لم يغب لما حضرت بها / والشبل إن يحم غاب الليث لم يغب
دارت عليك أمور الملك قاطبة / وهل تدور رحى إلا على قطب
أصبحت منه كنوز الشمس مشرقة / أو لا كمثل فرند السيف ذي الشطب
كم عقدة من خطوب الدهر مبرمة / قد حل سعدك منها عقدة الذنب
في كل يوم إلى الأعداء مرتحل / يشكو به الظهر جور السرج والقتب
وعسكر كأتي السيل مندفعاً / إما إلى صعد في الأرض أو صبب
كانت لواتة حياً لا يروعه / حي وشعباً صحيحاً غير منشعب
وطالما أمعنوا في البغي واحتقروا / جر الكتاب والتهديد بالكتب
وكم دعتها ملوك العصر قبلكم / إلى المجير فلم تسمع ولم تجب
حتى رماهم أبو الفتح الذي ضمنت / أسيافه فتح باب المعقل الأشب
بث الجيوش على التدريج فانبعثت / في غزوهم سرباً كالوابل السرب
وكنت آخر سهم في كنانته / وفارس الروع من يحمي حمى العقب
ولم يزل عندهم منع ومقدرة / وأمرهم مستمر غير مضطرب
حتى نهضت فلم تنهض قوائمهم / والرعب يخفق في الأحشاء والركب
وسار من ذكرك العالي مقدمة / كانت طليعة ذاك الذعر والرعب
وما على القوم من عار إذا اعصتموا / أبا الفوارس خوفاً منك بالهرب
ولو قدحت شهاب العزم معتزماً / حرب الكواكب خافت أنفس الشهب
وما لواتة بالمحقور جانبها / لكنك البحر مداً وهي كالقلب
ولو وصفتهم بالضعف ما نسبت / إليك مكرمة في القهر والغلب
كسر العمود هو الفتح الذي جبرت / بن ظباكم عماد الملك والطنب
يد لكم في رقاب الجند تشكركم / لأجلها ألسن الأيام والحقب
رد الإله بكم إقطاعهم ولقد / كانت على ما مضى نهبى المنتهى
وسوف تشكركم آثار نعمتكم / في جند مصر كشكر الروض للسحب
عممتم الناس بالحسنى فشكركم / دين على ذمة الأشعار والخطب
وزاد في خطر الآداب أنكم / أغليتم بعد رخص قيمة الأدب
وإن شاعركم المثني عليك بما / شادت مماليك يستغني عن الكذب
لما أرحت ضمير الملك من تعب / باتت لخدمتك الأشعار في تعب
ما كل سجع بمعدود من الخطب
ما كل سجع بمعدود من الخطب / فلا تغرنك دعوى الناس في الأدب
فاقبض على كلماتي كف منتقد / زيف الكلام فليس الصفر كالذهب
قصائدي لم تزل في كل جارحة / من حسنها نشوات الخمر والطرب
كانت مكرمة المثوى منزهة / في أرض مصر عن التصريح بالطلب
فأصبحت في جوار النيل ظامئة / تحوم حول لآل الماء والعشب
حتى كأن بني أيوب ما علموا / بأنني في زماني أفصح العرب
ضاقت علي لياليهم وقد رحبت / للوافدين إلى الساحات والرحب
حتى كأن أذى قلبي يطيب لهم / كالعود لولا حريق النار لم يطب
خافوا علي ولا رأيي بمنحرف / عن الوداد ولا قلبي بمنقلب
فإن أتى فرج من راحتي فرج / فليس ذاك بمعدود من العجب
الأبلج الطلق وجهاً والكريم يداً / إذا تجهم وجه الدهر والسحب
الأورع البر لا تخشى بوادره / إذا استخفت رجالاً سورة الغضب
لا بالحريص على الدنيا إذا انحرفت / ولا البخيل بما يحوي من النشب
لما عرفت سجاياه التي كرمت / عرفت منه شريف النفس والحسب
وقلت للمتعاطي شأو شيمته / ما أوضح الفرق بين الرأس والذنب
يحدث الصدق عن أفعال سؤدده / بسيرة أمنت من وصمة الكذب
لو كان في السلف الماضي لكان به / إما ولياً لعهد أو وصي نبي
أغيب عنه وألقاه ومنزلتي / محروسة فكأني عنه لم أغب
محبة سهلت وعر الكلام له / حتى كأني أستملي من الكتب
إن للقوافي إذا قلت كرامتها / زيادة بعد قتل النفس في السلب
كم مات قوم فأحيتهم مدائحهم / والشعر أشرف إحياء من النسب
أعطى نصيب بني مروان خالدة / تبقي عليهم بقاء السبعة الشهب
أولوه نزراً فأولاهم مجازفة / ما في الحقائب ما يبقى على الخطب
فلينظر المجد في إنجاز موعده / فشهر طوبة فيه الكسر للقضب
لو أمكنتني في مدحي لك الشهب
لو أمكنتني في مدحي لك الشهب / لم يرضني في علاك الشعر والخطب
ولو نظمت النجوم الزهر ممتدحاً / لم أقض من حقك المفروض مايجب
أحسنت يا بدر إحساناً ملكت به / ودي فصرت إلى نعماك أنتسب
وعرفتك أياديك التي كرمت / كيف السبيل إلى أن يملك العرب
وسعت ما ضاق من رزقي وزدت على / ما كنت أرجوه في نفسي وأحتسب
لعل حلمك وهو الحق ينصف من / قضية يشتكي من جورها الأدب
هذا ابن سبريه جاءته زيادته / عفواً وما عنده هم ولانصب
فكيف تأبى الليالي أن تنجز لي / زيادة أنت في إثباتها السبب
لولا شفاعتك الحسنى لقصر بي / عن البلوغ إليها السعي والطلب
أرويتني وأسود الغاب ظامئة / فكيف يعطش من تعنى به السحب
تيقنوا أن قلبي منهم يجب
تيقنوا أن قلبي منهم يجب / فاستعذبوا من عذابي فوق مايجب
وأعرضوا ووجوه الود مقبلة / وللمكارم قلب ليس ينقلب
ولو قدرت لأسلاني عقوقهم / وكم عقوق سلت أم به وأب
إن لم يكن ذلك الإعراض عن ملل / فسوف ترضيهم العتبى إذا عتبوا
وإن تكدر صاف من مودتهم / فالشمس تشرق أحياناً وتحتجب
لم ترض عيذاب أني مسني نسب / من أهلها وجرى لي منهم تعب
حتى لقيت بقوص لا سقت أبداً / أكناف قوص ولا من حلها السحب
عوارضاً كشف المريخ صفحته / لهن والمشتري عنهن محتجب
وكان إعراض سيف الدين أكبر ما / لقيت والبحر تنسى عنده القلب
أتيت من مأمني فيه وفاجأني / ما لم تكن أعين الآمال ترتقب
وأرجف الناس حتى قال قائلهم / يا رائد الحي لا ماء ولا عشب
فقلت هل أفقر الوادي أم افتقر النادي / أم انحل ذاك الكرب والكرب
فقيل بل جملة الأحوال حالية / ومعقل العز معمور القنا أشب
وإنما المجلس السيفي منحرف / فإن تعذر مأمول فلا عجب
وكيف لا تعرض الدنيا متابعة / لرأيه وهو في إقبالها السبب
لولا شفاعته الحسنى نائله الأسنى / لما أنجح المسعى ولا الطلب
يا جامع العز والتقوى وبينهما / بون بعيد المرامي ليس يقترب
قد بان لي منك أمر كنت أجهله / وغامض العلم بالتدريج يكتسب
بأنك المرء في أهل وفي وطن / لكنه بالسجايا البيض مغترب
صافي المروءة لولا فضل نخوته / ودينه أدرك الواشون ما طلبوا
وكيف ينفق زور عند مجلسه / والغالبان عليه الدين والحسب
يا كاشف الضر إذ ناداه أيوب
يا كاشف الضر إذ ناداه أيوب / وجامع الشمل إذ ناجاه يعقوب
وعالم السر والنجوى إذا خفيت / ضمائر سرها بالغيب محجوب
لعل معروفك المعروف ينقذني / من لوعة جمرها بالثكل مشبوب
هب لي أمانك من خوف يبيت به / للهم في القلب تصعيد وتصويب
وقد فزعت بآمالي إليك وفي / رحاب جودك للعافين ترحيب
يا من بليغ المعاني من عبارته
يا من بليغ المعاني من عبارته / ومن صريح المعاني من إشارته
ومن تروح المنايا في إمارته / جنداً وتغدو الأماني في أمارته
ومن إذا جد في يومي ندى وردى / فالليث والغيث نزر في غزارته
هل أنت مصغ إلى شكواي حر جوى / لو شئت بردت ما بي من حرارته
إعراض مثلك عن مثلي بصفحته / شر تذوب الرواسي من شرارته
ولو صددت عن الأيام ما عرفت / فيها حلاوة عيش من مرارته
ما بال من شيدت أفعاله شرفاً / لعامر يتعامى عن عمارته
فليت شعري أبا الماضي يزيد على ال / ماضي فواغبن حظي من خسارته
وأنت أول من دل الرجال على / فضلي وأسفر حظي من سفارته
نادى نداك على شعري ليرفعه / سوماً وأربح شعري في تجارته
وكنت مثل أتي السيل مغترباً / لولاك ما قر سيلي في قرارته
إن أكثر الناس في قول مدحت به / فبان نزح شوط من مهابته
فقد تجمع في بيت مدحت به / علاك ماكثروه من نزارته
بيت ترى كل سمع حين أنشده / يقضي فريضة حج في زيارته
لله درك عز الدين من ملك / أضحت ممالك مصر في خفارته
يا رب إني أرى مصراً قد انتبهت
يا رب إني أرى مصراً قد انتبهت / لها عيون الأعادي بعد رقدتها
فاجعل بها ملة الإسلام باقية / واحرس عقود الهدى من حل عقدتها
وهب لنا منك عوناً نستجير به / من فتنة يتلظى جمر وقدتها
لما رأيت عراص القصر خالية
لما رأيت عراص القصر خالية / عن الأنيس وما في الربع سادات
أيقنت أنهم عن ربعهم رحلوا / وخلفوني وفي قلبي حزازات
ساءلت أبله قلبي في السلو وقد / يقال للبله في الدنيا إصابات
فقال رأي ضعيف لا يطاوعني / كيف السلو وأهل الفضل قد ماتوا
يا رب إن كان لي في قربهم طمع / عجل بذاك فللتسويف آفات
أصبت في خير أعضائي وأعضادي
أصبت في خير أعضائي وأعضادي / وخير أهلي إذا عدوا وأولادي
بأبلج الوجه من سعد العشيرة لم / يعرف بغير الندى والبشر في النادي
إن أظلم الجو في عيني فقد فجعت / بكوكب في سماء المجد أوقد
كالمشرفي ولكن غير منثلم / والسمهري ولكن غير منآد
ناش على شيمتي مجد ومكرمة / ماش على سنتي هدي وإرشادي
قد كان يسند عني ثم ساد إلى / أن صار من فضله نقلي وإسنادي
من آل أحمد بل زيدان في نسب / مقابل بين أمجاد وأنجاد
قوم يسرك في يوم الكريهة أن / تلقى ألوف الورى منهم بآحاد
تعلو الوهاد على الأطواد إن دفنوا / فيها وتسمو سمو المشرف البادي
ومن نباهتهم والأرض خاملة / أزرت نابهة أوهاد بأطواد
بكل أرض ثوى قبر يضم على / فراج معضلة طلاع أنجاد
قبر تسجى بأكناف العداية لم / تؤنسه أجداث آباء وأجداد
وفي الحصيب لعبد الله مدرجة / بالعرق تسقى بصوب الرائح الغادي
وفي القرافة ثاو لا تزال له / نار على قدر إطفائي وإيقادي
غدا محمد محموداً وخلفني / أذم هماً رثى لي منه حسادي
مررت بالربع والوادي فأوحشني / وقيل لي مات أنس الربع والوادي
وسار فوق جمال ما تعودها / وما جمال المنايا غير أعواد
تحدو به زفرات لا أقول لها / مهلاً ترفق بقلبي أيها الحادي
ترفق البر والتقوى وزودني / حزناً فشتان بين الزاد والزاد
يا من يذكرني صوت الأذان به / إذا جرى فيه ذكر المصطفى الهادي
أشكو إليك صدى قلبي وعلته / فهل تروي بوصل غلة الصادي
مالي أزورك مزوراً وتشهد لي / شواهد الحال مع قربي وإبعادي
جفوتني ولك الخلق الكريم فلم / عودتني منك خلقاً غير معتاد
من استنبت لتأنيبي إذا جمحت / خواطري عند إصداري وإيرادي
ومن أمنت على سري ليحفظه / فيما يعود بإصلاح وإفساد
بيني وبينك ميعاد تزورك بي / في بنات الردى من غير ميعاد
تضم روحك روحي عند مقدمها / وتلتقي فيه أجساد بأجساد
يا ليلة السبت كم غادرت في كبدي
يا ليلة السبت كم غادرت في كبدي / على عطية من جهد ومن كمد
أسفرت عن صبحة سوداء مظلمة / كان القتيل بها لما انجلت ولدي
كانت عروبة خيراً منك سابقة / وما سبقت بخير ليلة الأحد
ما عاقني عنك إلا هيضة عرضت
ما عاقني عنك إلا هيضة عرضت / فأضعفت كل شيء غير معتقدي
فلا خلت منك عين أنت ناظرها / فأنت عوني على الأيام بل سندي
وعلم حالك روحي إن كتبت به / فامنن بروحي ولا تحبسه عن جسدي
لاشكر للدهر عندي غير واحدة / إني وإياك مجموعان في بلد
أسليتني عن جميع الناس قاطبة / فقد غنيت ولم أحتج إلى أحد
بان العزا وفؤادي ماله جلد
بان العزا وفؤادي ماله جلد / والنار في القلب والأحشاء تتقد
وخيم الهم في قلبي لم يك لي / إلا التحرق والأحزان والنكد
مذ غاب عن ناظري شبل فجعت به / قد كنت أرجوه عوناً للذي أجد
عدمت صفو حياتي بعد فرقته / فنازلات همومي مالها أمد
قد كنت أحذر من وقع الخطوب فقد / حل الذي كنت أخشاه وأجتهد
كيف السبيل إلى لقياك يا ولدي / أم كيف أسلو وأنت الروح والجسد
ما كنت أحسب أن الدهر يغدرني / والموت يسلبه مني فيبتعد
ولا تيقنت أن البين يصدعني / ولا وقوع المنايا كنت أعتقد
وكنت أحسبه يبقى لنائبة / وأرتجيه لخطب أنه سند
حتى رأيت دياري منه قد قفرت / وأصبحت عرصاتي ما بها أحد
الحلم أنذرني أني سأفقده / رأيت ذاك مراراً مالها عدد
وأنه راحل يأوي إلى حدث / وفي المنامات رؤيا ما بها رشد
يا رب صبر فؤادي بعد فرقته / أنت الإله وأنت الواحد الصمد
يا رب هيئ لنا من أمرنا رشداً
يا رب هيئ لنا من أمرنا رشداً / واجعل معونتك الحسنى لنا مددا
ولاتكلنا إلى تدبير أنفسنا / فالنفس تعجز عن إصلاح ما فسدا
أنت الكريم وقد جهزت يا أملي / إلى أياديك وجهاً سائلاً ويدا
وللرجاء ثواب أنت تعلمه / فاجعل ثوابي دوام الستر لي أبدا
هذي مناجاة عبد رق حاسده
هذي مناجاة عبد رق حاسده / من البلاء الذي أمسى يكابده
لا يطرق النوم أجفاناً لمقلته / ومقلة الموت من قرب تراصده
لا يقرع الباب إلا قلت قارعه / وزارع العمر مهما شاء حاصده
ليلي من الهم ليل لا صباح له / كأنني فيه أعمى ضل قائده
أردد الظن في يأس وفي طمع / قد ضج هابطه مني وصاعده
فخوفه منك إشفاقاً يباعده / وظنه منك بالإحسان واعده
أما الرجاء فقد جهزت مركبه / وفداً إلى ملك ما خاب وافده
الكامل بن أبي الفتح الذي اعتصمت / به الخلافة لما غاب والده
حاشا كمالك من نقص تقدمه / والبدر يعرف بعد النقص زائده
فتش تجد لي نصيراً في الذين هفوا / وما نظيرك ممن أنت واجده
وما أقيم لنفسي حسن معذرة / أنا المسيء الذي ضلت مقاصده
بعدت عنكم وكانت زلة خطأ / فاغفر وذلك ذنب لا أعاوده
إني شقيت فهل من فضل عاطفة / علي تسعد جدي أو تساعده
لست الجليد على ما قد بليت به / فارحم فلو كنت صخراً ذاب جامده
أنا ابن سبعين قد أشفى على طرف / من المنية واختلت قواعده
أنا الفقير فهل من رحمة ورضى / يجود بالنفس باديه وعائده
مولاي أبق على روحي فربتما / أرضاك طارف إخلاصي وتالده
هذا الرديني لا يهتز عامله / حتى يقوم بالتثقيف مائده
إن خلصتني من البلوى عواطفه / فتلك في كل ملهوف عوائده
لو قصر الحمد بي عن شكر نعمته / فالله شاكره عني وحامده
في مثل مدحك شرح القول مختصر
في مثل مدحك شرح القول مختصر / وفي طوال القوافي عنده قصر
حسنت ذكر القوافي إذ مدحت بها / وما على كل جيد تحسن الدور
وما مدحك لكني مدحت بك ال / شعر الذي بك يستعلي ويفتخر
سما بك الدست لما نلت منزلة / أجل مجدك فيها القدر والقدر
وبوأتك المواضي والقنا رتبا / أضعافها من ضمان الغيب منتظر
أنت الذي يعقد الإسلام خنصره / علية إن حل خطب أوطرا وطر
ما زال وجه المعالي الغر ملتفتا / شوقا إليك وعين المجد تنتظر
تجملت بك أيام ذخرت لها / إن النفيس من الأشياء يدخر
كان الزمان بهيم اللون فاتضحت / له بأيامك الأوضاح والغرر
مراتب الملك أجسام أبوك لها ال / روح اللطيف وأنت السمع والبصر
إن كان ليث الشرى العادي فإنك يا / ذخر الأئمة منه الناب والظفر
أو كان دوحة مجد طاب منبتها ال / زاكي فأنت لها الأوراق والثمر
أعلمتنا حين لم تخلل بسيرته / أن الأصول عليها تنبت الشجر
لما ترفع قدرا واستطال على / عن أن يباشره للهيبة البشر
ألقى إليك مقاليد العلى ثقة / بنهضة أحكمت من أمرها المرر
وفوض الأمر ترفيها لهمته / إلى خبير بما يأتي وما يذر
غض الشبيبة كهل الرأي مقتبل ال / أيام لا صغر يزري ولا كبر
كأن أخلاقه من حسن خلقته / صيغت فقد راقت الأفعال والصور
قامت بعزمة محيي الدين مملكة / صفا بوالده فيها له كدر
متوج تشرق الدنيا بطلعته / وتخجل الشمس مهما لاح والقمر
إذا أقامت على ثغر صوارمه / فللنوائب عن سكانها سفر
أغاث أعمال بلبيس وأمنها / من بعد ما عالها الإشفاق والحذر
وليس يعلو لمن رام العلى خطر / إن لم يهن عنده التغرير والخطر
أغرت قبل أبي الغارات مقتحماً / للهول تستصغر الجلى وتحتقر
فكان شمساً وكنت الفجر تقدمها / والفجر في الجو قبل الشمس ينتشر
بعزمة الناصر بن الصالح انكشف / الأعداء عن حوزة الإسلام وانذعروا
لجت به الغارة الشعواء خلفهم / والنصر يقسم لا فاتوه والظفر
فأمعنوا هرباً منه ومنذ علموا / بأنه نافر في إثرهم نفروا
وحين أبليت عذراً في اللحاق بهم / وصح منك السرى في الليل والسهر
وقال عزمك لما أن ألح ولم / تلح له منهم عين ولا أثر
إن تنج منها أبا عمرو فعن قدر / نجاؤكم قدرة قد عاقها القدر
وعدت نحو مقر العز في عصب / يفنى بها الأكثران الرمل والمطر
وللصوارم في أجفانها أسف / تكاد من حره الأجفان تستعر
جيش إذا انضم قطراه رأيت على / أرجائه شجرات الخط تشتجر
شاموا حياً ومحيا منك بينهما / سحائب البشر والإنعام تنهمر
أرضيت عسكر مصر بالنوال ولم / يزل رضى الناس باب قرعه عسر
فاشكر يداً أصبحوا شكراً لمنتها / على ولائك إن غابوا وإن حضروا
وسعتهم بالندى والحلم قاطبة / فالرزق متسع والذنب مغتفر
والجود إن تكشف الأيام صفحتها / سترته باذل الإحسان يستتر
تنزه الخلق المجدي عن عجل / يقضي به المزعجان الطيش والضجر
وصان مقداره العالي وقدرته / من أن يضاف إليه الشر والأشر
وأصبحت عنده الأيام نازلة / في رحب صدر إليه الورد والصدر
تفيض رحمته تغيض نقمته / والبحر تطفأ في تياره الشرر
ملك إذا رسمت مرآه نائله / تهلل البدر وانهلت له البدر
ما إن سموت على جرد مسومة / إلا وظن أناس أنها سرر
ولا حملت نجاد السيد في رهج / إلا بدا ذكر يسطو به ذكر
ولا اعتقلت وشيج الخط يوم وغى / إلا تمنت ثغور أنها ثغر
ولا علت يدك العليا على قلم / إلا جرى الرزق منه أو دم هدر
ولا سطرت على طرس مكاتبة / إلا بدت غرر من فوقها طرر
ولا نطقت ونادي الجمع منتظم / إلا وظلت عقود الدر تنتثر
أيقنت منذ أرحت المجد من تعب / أن سوف تتعب من أوصافك الفكر
فاجعل قبولك ما أهديت من خدم / أسنى ثوابٍ له الآمال تنتظر
وليس ذا لغنى بي عن ندى ملك / أغنى الملوك إلى نعماه مفتقر
ولكن لساني وإن طالت بلاغته / مقصر عن أداء الفضل بل حصر
في شكر نعمتك الأولى التي سلفت / شغل فكيف إذا انضافت لها أخر
إن رمت مدحاً على مقدار ما بلغت / بك المعالي فإني لست أقتدر
إني وإن قصر الساعون عن أمدي / إليك من خجل التقصير أعتذر
فاصفح وسامح وعد واعطف ولن وأقل / واسمح فأنت على ما شئت مقتدر
لو اطلعت على سري وإضماري
لو اطلعت على سري وإضماري / لم تؤثري غير ما يجري بإيثاري
لكن قلبك لم تضرم شرارته / من نار قلبي ولا من زندي الواري
أهم بالهجر أحيانا ً فيمنعني / عواطف لك في قلبي وأفكاري
وصورة وحديث منك مابرحا / مذ كنت نزهة أسماع وأبصار
يا هذه ودواعي الشوق تحملني / على الوفاء لرث العهد غدار
ما بال ألحاظك اللاتي رميت بها / أوردني ثم لم يحسن إصداري
وما لثغرك لم تبسم بوارقه / في ليل فرعك حتى يهتدي الساري
وما لأيام دهري قد غدوت بها / حيران أضرب أخماسي بأعشاري
قصرن ما طال من باعي وأعجبها / أن أصبحت أذرعي فيها كأشباري
أقسمت بالبيت معموراً جوانبه / بالوفد مابين حجاج وعمار
لقد نهضت بأمر لا يقوم به / أبا الفوارس لا باد ولا قار
أنت الذي يعقد الإسلام خنصره / عليه في كل إيراد وإصدار
كم موقف لك من باس ومن كرم / صفى بك الملك فيه بعد إكدار
لم ترض فيه مشيراً تستشير به / غير النصيحين من سيف ودينار
ما غاب شاور عن دست حللت به / والشبل يحمي عرين الضيغم الضاري
منعت كيد رجال أن يتم على / ما أضمروا فيه من مكر وإضرار
قلدتهم طوق إحسان فحين بغوا / قلدتهم حد ماضي الغرب بتار
يا قرب ما استسلفوا منكم بما غرموا / في الحال من غير إمهال وإنظار
في مدة الحمل أدركتم جنايتهم / على علاكم بأخذ الملك والثار
إن الوزارة لو خليتها رجعت / إليك طائعة من غير إجبار
لكن رأيناك في أولى وثانية / لم تأخذ الملك إلا أخذ قهار
إذا تمسك أقوام بعصمتها / طلقتها من حليل غير مختار
فما يمد إليها الخاطبون يداً / إلا كسرت عليها زند جبار
وما علمنا وزيراً قبل دولتكم / ردت له وجه عرف بعد إنكار
وسوف تعتذر الأيام نحوكم / إذا تكشف هذا العارض الطاري
أبا الفوارس ما حبي لدولتكم / خاف فيحتاج إيضاحي وإظهاري
أحب شاور إخلاصاً وعترته / وهل عمارة فيكم غير عمار
أثني عليكم إذ لم يستطع أحد / يقول من خوف تقصير وإقصار
فكيف أشكو الليالي وهي جارية / بما تريدون من نفع وإضرار
لم يقنع الدهر أن الشعر لي سمة / أعدها من سمات النقص والعار
حتى أغار على وفري فصيره / ممزقاً بين أيدي الغز والنار
واستأصل النهب والإحراق ما تركت / لي الحوادث من مال ومن دار
أدفع الهم عن قلبي فيغلبني / ما شئت من فقد أوطان وأوطار
مولاي دعوة عبد لم يزل أبداً / يهدي لك المدح من عون وأبكار
صن ماء وجهي عمن لا يناسبني / فليس للحر إلا عون أحرار
واستوص يا بان كفيل الملك بي أبداً / خيراً فلي حرمات الضيف والجار
وانظر لكثرة أشعار مدحت بها / فليس يرضيك منها غير أشعاري
قصائد لو مدحت النائبات بها / لم تجر إلا على قصدي وإيثاري
لا تخذلوها فهذا وقت حاجتها / للنصر يا خير أعوان وأنصار
فاجعل نداك غريباً لا شبيه له / من الندى في غريب الفضل والدار
وما أكلف نعماك التي سبقت / أبا الفوارس إلا القوت والجاري
وأي عذر وقد أصبحت ذا قلم / يجري بطاعته صرف القضاء الجاري

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025