القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : بَدَوِيّ الجَبَل الكل
المجموع : 15
يحبّ قلبي خباياه و يعبدها
يحبّ قلبي خباياه و يعبدها / إذا تبرّأ قلب من خباياه
طفولة الروح أغلى ما أدلّ به / و الحبّ أعنفه عندي وأوفاه
قلبي الذي لوّن الدنيا بجذوته / أحلى من النور نعماه وبؤساه
غرّ و أرفع ما فيه غرارته / و أنذل الحبّ – جلّ الحبّ – أدهاه
ما الحسن إلاّ لبينات منمّقة / لكن يؤلهه أناّ عشقناه
لم يرده ألف جرح من فواجعه / حتّى أصيب بسهم منك أرداه
آمنت باللّهب القدسيّ مضرمه / أذكى الألوهة فينا حين أذكاه
نزيّن الروح قربانا لفتنته / و قد يضنّ فتستجدى مناياه
و لو أقام الضحايا من مصارعها / لآثرت موتها فيه ضحاياه
ألعبقرّيات وهج من لوافحه / و الشمس مجلوّة إحدى هداياه
و تلئهين بهدي من عقولهم / لو يمّموا اللّهب القدسيّ ما تاهوا
ما راعنا الدهر بالبلوى و غمرتها / لكنّنا بالإباء المرّ رعناه
إن نحمل الحزن لا شكوى و لا ملل / غدر الأحبّة حزن ما احتملناه
و ما رعانا على عصف الخطوب بنا / هوى حبيب رعيناه و نرعاه
ليت الذين و هبناهم سرائرنا / في زحمة الخطب أغلوا ما وهبناه
و لا وفاء لقلب حين نؤثره / حتى تكون رزايانا رزاياه
أشامت عند جلاّنا و ما نزلت / إلاّ على الحبّ و الإيثار جلاّه
هان و محنتي العصماء دامية / راو و من لوعتي الشمّاء سقياه
ما ضجّ في قلبه جرح فكابده / و لا ألمّ به وجد فعاناه
تضنّ باللّهفة الحرّى جوانحه / و القلب أخضبه بالنور أسخاه
فما ترشّفت إيمانا بمعبده / و لا شممت طيوبا في مصلاّه
ناء عن النّار لو طاف اللّهيب به / لوهّجت هذه الدّنيا شظاياه
قد هان حتّى سمت عنه ضغينتنا / فما حقدنا عليه بل رحمناه
يرضيه أن يتشفّى من مدامعنا / لم نبك منه و لكنّا بكيناه
حسب الأحبّة ذلاّ عار غدرهم / و حسبنا عزّة أنّا غفرناه
يهنيك أنّك في نعمى لمحنته / و أنّ غدرك قبل الدهر أشقاه
جاه خلقناه من ألوان قدرتنا / فكيف بكفر فينا من خلقناه
لو رفّ حبك في بيداء لاهبة / على الظماء رحيقا ما وردناه
حلوت طيفك عن عيني فأسلمه / إلى الدجى و إلى الإعصار مأواه
فيا لكنز شكت منه جواهره / و ضاع عن نفسه لمّا أضعناه
صحا الفؤاد الذي قطّعته مزقا / حرّى الجراح و لملمنا بقاياه
هواجسي فيك إيمان و غالية
هواجسي فيك إيمان و غالية / و أنجم و فراش تعبد اللّهبا
و سالفات رؤى حين اشتهيت لنا / في البيد خيمتها السمراء و الكثبا
هواجس أنت دنياها و معدنها / فكيف تبدع إلاّ النّور و الطربا
النازلات على قلبي و نعمته / حورا من الأفق القدسيّ لا ريبا
المترفات و أحلاها و أملحها / طيف مع الفجر من أهدابك انسربا
روى لنا عنك ما ندّى سرائرنا / من المنى السمر إن صدقا و إن كذبا
تصوّف القلب تدليلا لساكنه / فما شكى عنت البلوى و لا عتبا
و كيف يوحش قلبي من سلافته / و قد أدرت عليه الحبّ و الأدبا
يا عذبة الثغر .. لو طاف الخيال به / قرأت في وجهك الإشفاق و الغضبا
إذا تمنّاك قلب لا نجوم به / تململ الفلك الغيران و اضطربا
يردّ حسنك أهواء النفوس تقى / و يسكب الخير و الأطياب و الشهبا
كأنّه الكعبة الزهراء ما اجترحت / منى الحجيج بها إثما و لا لعبا
غيب لحبّك من نعمى اليقين به / كأنّني كاشف عن سرّه الحجبا
بيني و بينك أنساب موثّقة / هذا اللهيب بقلبي خيرها سببا
فلو بخلت بنعماء العذاب لما / نشدت عندك إلاّ جمره أربا
لم يشهد الله قلب لا لهيب به / و يشرق الله في القلب الذي التهبا
أعيذ مؤنس روحي بعد وحشتها / أن يستردّ من النعماء ما وهبا
يا ضيعة النغم الأسمى و لوعته / إذا محى الخالق الفنّان ما كتبا
شفّعت عندك حبّي في مواجعه / و ما تمزّق من قلبي و ما سلبا
أخفيت ظلمك عن نفسي لأرحمها / ثمّ ابتدعت له الأعذار و السببا
شاد على الأيك غنّانا فأشجانا
شاد على الأيك غنّانا فأشجانا / تبارك الشعر أطيابا و ألحانا
ترنّح البان و اخضّلت شمائله / فهل سقى الشعر من صهبائه البانا
هل كنت أملك لولا عطر نعمته / قلبا على الوهج القدسيّ نديانا
أيطمع الشعر بالإحسان يغمره / و الشعر يغمر الدّنيا الله إحسانا
لو شاء عطّر هذا اللّيل غالية / و نضّر الرمل أشواقا و ريحانا
لو شاء نمنم هذا النجم قافية / و نغّم الفجر أحلاما و أوزانا
لو شاء أنزل بدر التمّ فاحتقلت / به الندامى سرجا في زوايانا
و لو سقى الشمس من أحزانه نديت / على هجير الضّحى حبّا و تحنانا
تضيع في نفسي الجلّى و قد نزلت / من كبريائي آفاقا و أكوانا
و ما رضيت بغير الله معتصما / و لا رأيت لغير الله سلطانا
و لا عكفت بقرباني على صنم / أكرمت شعري لنور الله قربانا
تبرّجت للشذى الأعلى مجامرنا / و زيّنت للهوى الأغلى خفايانا
نبع من النّور عرّانا لموجته / فكحّل النّور أجفانا و وجدانا
تفجّر الحسن في دنيا سرائرنا / هل عند ربّك من دنيا كدنيانا
حضارة الدّهر طيب من خلاعتنا / و جنّة الله عطر من خطايانا
من الغواية سلسنا هدايتنا / فكان أرشدنا للنور أغوانا
يا وحشة الكون لولا لحن سامرنا / على النديّ المصفّى من حميّانا
نشارك الله _ جلّ الله _ قدرته / و لا نضيق بها خلقا و اتقانا
و أين إنسانه المصنوع من حمأ / ممّن خلقناه أطيابا و ألحانا
و لولا جلا حسنه إنسان قدرتنا / لودّ جبريل لو صغناه إنسانا
و لو غمزنا نجوم الليل مغفية / أفاق أترفها حسنا و غنّانا
ناجى على الطّور موسى والنداء لنا / فكيف أغفل موسى حين ناجانا
إن آنس النّار بالوادي فقد شهدت / عيني من اللّهب القدسيّ نيرانا
نطلّ من أفق الدّنيا على غدها / فنجتلي الرّاسيات الشمّ كثبانا
و ما دهتنا من الجبّار عادية / إلاّ جزينا على الطّغيان طغيانا
أديم حصبائنا درّ وغالية / ما أفقر النّاس للنعمى و أغنانا
و أيّ نعمى نرجّيها لدى بشر / والله قرّبنا منه وأدنانا
تبكي السّماء و تبكي حورها جزعا / للحسن و الشعر في الدّنيا إذا هانا
يا خالق القلب : أبدعنا صبابته / يا خالق الحسن : أبدعناه ألوانا
القلب قصرك زيّنا عواريه / بالحسن حينا و بالإحسان أحيانا
العاطلات من الأبهاء قد كسيت / شتّى اللّبانات أصناما و أوثانا
قلب شكا للخيال السمح وحشته / فراح يغمره نعمى و أشجانا
يا سيّد القصر لولانا لما عرفت / أفياؤه الخضر سمّارا و ندمانا
يمنى السراب على الصحراء حانية / تضاحك الرّكب واحات و غدرانا
قاع البحار أضاءته عرائسنا / و ندّت العدم القاسي عذارانا
ننضّر البؤس عند البائسين مُنىً / و العقل عاطفة و الثكل إيمانا
و كلّ ذنب سوى الطغيان ننزله / على جوانحنا حبّا و غفرانا
و همّ كلّ عفاة الأرض نحمله / كأنّنا أهله همّا وحرمانا
نشارك النّاس بلواهم و إن بعدوا / و لا نشارك أدناهم ببلوانا
ضمّت محبّتنا الأشتات و اتّسعت / تحنو على الكون أجناسا و أديانا
سبحان من أبدع الدّنيا فكان لنا / أشهى القوارير من أطياب سبحانا
ستنطوي الجنّة النشوى فلا ملكا / و لا نعيما و لا حورا وولدانا
يفنى الجميع و يبقى الله منفردا / فلا أنيس لنور الله لولانا
لنا كلينا بقاء لا انتهاء له / و سوف يشكو الخلود المرّ أبقانا
تأنّق الشعر للأعياد حالية / وقطّف الورد من عدن وحيّانا
سمح فبالريقة العذراء نادمنا / نهلا و بالشفة اللمياء عاطانا
صاغ الهلال لتاج الملك لؤلؤة / و أنجم اللّيل ياقوتا و مرجانا
يا صاحب التّاج لا تاج العراق على / كريم أمجاده بل تاج عدنانا
جبريل حوّطه بالله فانسكبت / عطور جبريل أورادا وقرآنا
لك الكنوز فتوحات منضّرة / فاغمر من الفتح يمنانا و يسرانا
سُدْتَ الغطاريف فتيانا وسادهم / أبوك في جنّة الفردوس فتيانا
تبارك الله ما أسمى شمائلكم / لكم زعامة دنيانا و أخرانا
فتحت عيني على حبّ صفا و زكا / فصنته لضياء العين إنسانا
و في ظلال أبي غازي منضّرة / مرّ الشّباب مرور الطيف عجلانا
نعمى لصقر قريش طوّقت عنقي / فكيف أوسع نعمى الله نكرانا
و حين شرّدنا الطاغي و أرخصنا / حنَّ العراق فآوانا و أغلانا
و من تقيّأ نعماء العراق رأى / بالأهل أهلا و بالجيران جيرانا
إذا العواصف جنّت فيه هدهدها / عبد الإله و أرسى الملك أركانا
نعمى الوصيّ كنعمى جدّه حليت / على ضحى النّور أفياء و أفنانا
يا صاحب التّاج دنيا الله ما عرفت / إلاّ عمائمكم في الشرق تيجانا
لم يقبل الله إلاّ في محبّتكم / يا آل فاطم إسلاما و أيمانا
غنّيت جدّك أشعاري و نحت بها / في مصرع الشمس إعوالا و إرنانا
أصفيت آل رسول الله عاطفتي / و كنت شاعركم نعمى و أحزانا
و ما رضيت جزاء عن مودّتكم / لا يعدم الحرّ أقواتا و أكفانا
أيكرم العيد شكوانا وقد نزلت / عليك يا ابن رسول الله شكوانا
ندّى شمائلنا بالذكريات كما / ندّى الخيال بنعمى الماء ظمآنا
يروعني العيد ديّانا لأمّته / من أغضب العيد حتّى صار ديّانا
تغرّب العيد في قومي وأنكرهم / على الميادين أحرارا و عبدانا
مالي أرى الشمّ في لبنان مغضية / تطامنت للرزايا شمّ لبنانا
لا صيد غسّان و الهيجاء ضارية / على السروج و لا أقيال مروانا
و أكرم العيد عن عتب هممت به / لو شئت أوسعته جهرا و تبيانا
قد استردّ السبايا كلّ منهزم / لم تبق في رقّها إلاّ سبايانا
دم بتونس لم يثأر له و دم / بالقدس هان على الأيّام لا هانا
و ما لمحت سياط الظلم دامية / إلاّ عرفت عليها لحم أسرانا
و لا نموت على حدّ الظبى أنفا / حتّى لقد خجلت منّا منايانا
لو يعلم البدر في شعبان محنتنا / لما أطلّ حياء بدر شعبانا
لو كان يعلم قتلانا بكت مزق / على الصحاصح من أشلاء قتلانا
تهلهلت أمتّي حتّى غدت أمما / وزوّر الوطن المسلوب أوطانا
و قد عرفت الرزايا و هي منجبة / فكيف لم تلد الجلّى رزايانا
كفرت بالحسب السّامي إلى مضر / أستغفر المجد إنكارا و كفرانا
تطوى القبور على الموتى فتسترهم / وفي القصور وفي السلطان موتانا
دعوا الجراح لوهج النّار سافرة / فالجرح يقتل إنكارا وكتمانا
ذلّ الدّهاء أكاذيبا مزوّقة / فكان أكذبنا بالقول أدهانا
ثارات يعرب ظمأى في مصارعها / تجاوزتها سقاة الحيّ نسيانا
يا وحشة الثأر لم ينهد له أحد / فاستنجد الثأر أجداثا و أكفانا
أفدي شمائل قومي ثورة ولظى / و عاصفا زحم الدّنيا و بركانا
من أطفأ الجذوة الكبرى بأنفسنا / أدهرنا حال أم حالت سجايانا
هي الكؤوس ولكن أين نشوتنا / و هي الحروف و لكن أين معنانا
ما للرمال الصوادي لا نبات بها / و تنبت المجد هنديّا و مرّانا
عبدت فيها إله الشمس منتقما / معذبا و إله اللّيل رحمانا
اللّيل يخلق فيها الحور مترفة / و تخلق الشمس جنّانا و غيلانا
على الرّمال طيوف من كتائبنا / نشوى الفتوح و نفح من سرايانا
لابن الوليد على كثبانها عبق / سقى الهجير من الذكرى فندّانا
و في النسيم على الصحراء نرشفه / طيب المثنّى على رايات شيبانا
يا فيصلا في يمين الله تحسده / بيض الظبى هاشميّ الفتح ريّانا
يا فيصلا في يمين الله منسكبا / كجدّه المرتضى يمنا و إيمانا
يا فيصلا و حنت في الخلد فاطمة / تودّ لو قبّلت خدّا و أجفانا
يا فيصلا و انتخت كبرا صوارمنا / و زغردت باسمك الحالي صبايانا
يا فيصلا و رنا نجم لصاحبه / يقول : فيصل أحلانا و أسمانا
كتائب الله من فهر و إخوته / فعطّر المجد ميدانا فميدانا
لواء عدنان أنت اليوم صاحبه / فاقحم به الشرق : هذا الشرق دنيانا
ما في االعراق و لا في الشام موعدنا / على الثنيّة من حطّين لقيانا
حنا السراب على قلبي يخادعه
حنا السراب على قلبي يخادعه / بالوهم من نشوة السقيا و يغريه
فكيف رحت و لي علم ببطاله / أهوى السراب و أرجوه و أغليه
ويح السراب على الصحراء تسلمه / رمالها السمر من تيه إلى تيه
يزوّر الماء للسقيا و لهفته / حرّى إلى منهل يحنو فيسقيه
جلا النمير و ما ابتلّت جوانحه / من النمير و لا ابتّلت مآقيه
أيّامه خدع الركب ضاحكة / سخرا و للعدم القاسي لياليه
صرعاه لو عرفوا الأسرار ما جزعوا / ممّا يعانون بل ممّا يعانيه
ألا يملّ السراب الغمر وحدته / ألا يحنّ إلى نعمى تندّيه
هيمان لهفان لا مأوى لوحشته / قلبي الذي وسع الأكوان يؤويه
أبكي لبلواه تحنانا و مغفرة / روح الألوهة روحي حين أبكيه
إذا خدعت فقد جازيت خدعته / بالعذر أبسطه و الذنب أطويه
ادعو السراب إلى روحي فقد حليت / بها اللبانات ترضيه و تغويه
لهفي عليه أسيرا في يدي قدر / يميته كلّ يوم ثمّ يحييه
يغيض قبل رفيف الجفن زاخرة / أقلبه جفّ أم جفّت سواقيه
ماء و لا ريّ يندي في شمائله / كأنّه القول فاتته معانيه
يزوّق الحسن ألوانا و ما عصفت / بروحه سورة للحسن تصيبه
هذي مراعيه عطل من بشاشتها / حنّت لشبّابة الراعي مراعيه
لو صعّد القصب الولهان زفرته / لنوّرت بيده و اخضلّ واديه
ما للسّراب دنا حتّى إذا اكتحلت / بسحر دنياه عيني شطّ دانيه
أنت السراب و لكني على ظمأي / بأنهر الخمر في الفردوس أفديه
محوت من قلبي الدنيا فما سلمت / إلاّ طيوف هوانا وحدها فيه
أتسألين عن الخمسين ما فعلت
أتسألين عن الخمسين ما فعلت / يبلى الشباب و لا تبلى سجاياه
في القلب كنز شباب لا نفاد له / يعطي و يزداد ما ازدادت عطاياه
فما انطوى واحد من زهو صبوته / إلاّ تفجّر ألف في حناياه
هل في زواياه من راح الصبا عبق / كلّ الرحيق المندّى في زواياه
يبقى الشباب نديّا في شمائله / فلم يشب قلبه إن شاب فوداه
تزيّن الورد ألوانا ليفتننا / أيحلف الورد أنّا ما فتنّاه
صادي الجوانح في مطلول أيكته / فما ارتوى بالندى حتّى قطفناه
هذا السلاف أدام الله سكرته / من الشفاه البخيلات اعتصرناه
جلّ الذي خلق الدنيا و زيّنها / يالشعر أصفى المصفّى من مزاياه
نحن الذين اصطفانا من أحبّته / فلو تدار الطلى كنّا نداماه
و شرّف الشعر لما صاغه ترفا / فكنت نعمته النشوى و معناه
و راح ينشدنا عصماء شفّة / و مقلة و جننّا فاستعدناه
روحي فدى و ثن ما كان أفقرنا / إليه في عزّة النعمى و أغناه
إن كان يذكر أو ينسى فلا سلمت / عيني و لا كبدي إن كنت أنساه
يا من سقانا كؤوس الهجر مترعة / بكى بساط الهوى لما طويناه
تأنّق الدوح يرضر بلبلا غردا
تأنّق الدوح يرضر بلبلا غردا / من جنّة الله قلبانا جناحاه
يطير ما انسجما حتّى إذا اختلفا / هوى و لم تغن عن يسراه يمناه
ألخافقان معا فالنجم أيكهما / و سدرة المنتهى و الحبّ : أشباه
أسمى العبادة ربّ لي يعذّبني / بلا رجاء و أرضاه و أهواه
و أين من ذلّة الشكوى و نشوتها / عند المحبّين عزّ الملك و الجاه
تقسّم الناس دنياهم و فتنتها / و قد نفرّد من يهوى بدنياه
ما فارق الريّ قلبا أنت جذوته / و لا النعيم محبّا أنت بلواه
غمرت قلبي بأسرار معطّرة / و الحبّ أملكه للروح أخفاه
و ما امتحنت خفاياه لأجلوها / و لا تمنّيت أن تجلى خفاياه
الخافقان _ و فوق العقل سرّهما / كلاهما للغيوب : الحبّ و الله
كلاهما انسكبت فيه سرائرنا / و ما شهدناه لكنّا عبدناه
أرخصت للدمع جفني ثم باكره / في هدأة الفجر طيف منك أغلاه
و أسكرتني دموعي بعد زورته / أطيف ثغرك ساقاها حميّاه
طيف لشقراء كاس من متارفه / لو لم أصنه طغى وجدي فعرّاه
حمنا مع العطر ورّادا على شفة / فلم نغر منه لكنّا أغرناه
تهدّلت بالجنى المعسول و اكتنزت / و الثغر أملؤه للثغر أشهاه
نعبّ منه بلا رفق و يظمؤنا / فنحن أصدى إليه ما ارتشفناه
في مقلتيك سماوات يهدهدها / من أشقر النور أصفاه و أحلاه
و رنوة لك راح النجم يرشفها / حتّى ترنّح سكر في محيّاه
أطلّ خلف الجفون الوطف موطنه / بعد الفراق فحيّاه و فدّاه
يضيع عنّي وسيم من كواكبها / فحين أرنو إلى عينيك ألقاه
قلبي و للشقرة المغناج – لهفته / ليت الحنين الذي أضناه أفناه
تضفّر الحور غارا من مواجعه / و تستعير روءاها من خطاياه
أغفين فيه لماما ثمّ عدن إلى / جنّاتهنّ و قد لملمن ريّاه
يسألن باللهفة الغيرى على خجل / : من فجّر العطر منه حين أدماه ؟
لم تعرف الحور أشهى من سلافتنا / رفّ الهجير ندى لما سقيناه
مدلّه فيك ما فجر و نجمته / ! مولّه فيك ما قيس و ليلاه !
من كان يسكب عينيه و نورهما / لتستحمّ روءاك الشقر لولاه
سما بحسنك عن شكواه تكرمة / و راح يسمو عن الدنيا بشكواه
يريد بدعا من الأحزان مؤتلقا / و من شقاء الهوى يختار أقساه
سكبت قلبك في وجدانه فرأت / يا عزّ ما شئت لا ما شاء عيناه
أنت السراب عذاب و قده و ردى / و تؤنس العين أفياء و أمواه
لا الحقد خمرة أحزاني و لا الحسد
لا الحقد خمرة أحزاني و لا الحسد / من جوهر الله صيغ الشاعر الغرد
سقيت أحزان قلبي من غقيدته / فأسكر الحزن ما أغلي و أعتقد
و الهمّ يعرف كيف اختاره كبدي / و كيف تكرم جمر اللوعة الكبد
نعم العطاء و حسبي أنّها انغمست / تمزّق العطر من جرحي يد و يد
يا من ألحّ على قلبي يقطّعه / ألحّ منه عليك الخمر و الشهد
دام و يعبق صهباء و غالية / سجيّة في الأراك العطر و الملد
عندي الوسيم من الغفران أسكبه / عطرا على كلّ من آذوا و من حقدوا
أكبرت عن أدمعي من كان مضطهدا / و رحت أبكي لمن يطغى و يضطهد
الحاصدون من الدنيا شماتتها / لولا الذي زرعوا بالأمس ما حصدوا
ظمئت و الشمس من كبر و من أنف / و رحت و الشمس لا نعنو و لا نرد
أعلّها من فؤادي بعض لوعته / فرنّح الشمس ما أشكو و ما أجد
للشعر و الشمس هذا الكون لا عدد / يطغى على النّور في الدنيا و لا عدد
لقد حلفنا على الجلّى و زحمتها / أن لا يفارقنا عزّ و لا صيد
قرى الخطوب إذا ضجّت زعازعها / صبر الكريم على البأساء و الجلد
و ضاق قوم بأشعاري و موكبها / في موكب الشمس يخزى الحقد و الرمد
يؤنّق الظلم من أعذاره نفرا / كأنّهم من هوان الذلّ ما وجدوا
الشّاتمين من الأعراض ما مدحوا / و الثالبين من الطغيان ما حمدوا
البائعين لدى الجلّى و ليّهم / و الرائجين و لولا ذلّهم كسدوا
إذا المغانم لاحت و هي آمنة / هبّوا فإن حميت نار الوغى همدوا
إذا تبلّج فجر النّصر بعد دجى / و قرّ بعض الضراب الصارم الفرد
طوى الشجاع على صمت بطولته / و جرجرت ناقة و استأسدت نقد
سكبت في الكأس أشجاني فتلك يدي / من عبء ما حملته الكأس ترتعد
أين الذوائب من قومي و ما اقتحموا / من الفتوح و ما حلّوا و ما عقدوا
أفدي القبور الني طاف الرجاء بها / يا للقبور غدت ترجى و تفتقد
و لي قبور على الصحراء موحشة / فلا تزار و لا يدري بها أحد
لم أعرف الحقد إلاّ في مصارعهم / و لم أجز قبلها أعذار من حقدوا
تلك القبور و قلبي لا يضيق بها / ضاقت بزحمتها الأغوار و النجد
مصارع الصيد من قومي فكلّ ثرى / بدر و كلّ أديم موحش أحد
لو كان يعلم سعد الله ما ابتدعت / بي الخطوب تنزّى الفارس النجد
و لو درى هاشم حزني لدلّلني / و ردّ عني العوادي الصيغم الحرد
أحبّتي الصيد شلّ الموت سرحهم / و قد حننت إلى الورد الذي وردوا
السّالكون من العلياء أخشنها / و القاحمون و غير الشمس قصدوا
أكذّب الموت فيهم حرمة و هوى / و للأماني طريق هيّن جدد
لعلّهم من عناء الفتح قد نزلوا / عن الصّوافن فوق الرّمل و اتّسدوا
لعلّها غفوة الواني فإن رويت / جفونهم من لبانات الكرى نهدوا
ترفّقي يا خطوب الدّهر و اتّئدي / لا تجفلي النّوم في أجفان من سهدوا
و حاذري أن تثيري من مواجدهم / لم يصرعوا بالرّدى لكنّهم رقدوا
يصونهم من حتوف النّاس مجدهم / كأنّهم من جلال المجد ما فقدوا
طال انتظار المذاكي في مرابطها / ألا يرقّ لها فرسانها النجد
يا شاعرا زحم الدنيا بمنكبه / كالسيل يهدأ حينا ثمّ يطّرد
تراقصت في لهيب من فريحته / ثلوج لبنان و الأمواج و الزبد
حلو الشمائل لم يجهد بشاشتها / عبئ السنين و لا أزرى بها الكمد
عرار نجد شميم من سلافته / و الحور و الدعج المخمور و الغيد
و للهوى ألف قصر في جوانحه / و كلّ قصر له من عبقر رصد
و في العقيق على الوادي و ضفّته / حنت و حنّت قواف كالضحى شرد
فمن نسيب كما ناحت مطوّقة / و الفجر يسرع و الظلماء تتّئد
ألمسكر القدّ حتّى كلّه هبف / و المسكر الريق حتّى كلّه برد
على نهود العذارى من فرائده / عطر و في الجيد من أغزاله جيد
و من حماس إذا ريعت عرينته / كما زمجر دون الغابة الأسد
من كلّ مبرقة بالحقّ مرعدة / كالموج في العاصف المجنون يحتشد
يجلجل الهول فيها فالظبى مزق / من الحديد المدمّى و القناقصد
و الصّافنات و قد ضجّت سناكبها / و ضجّ فوق الجياد الضمّر الزرد
أبا الكوكب من شعر و من ولد / تقاسم النّور منك الشعر و الولد
فمن قواف على أنغامها عبق / و من قواف على غرّاتها رأد
بيني و بينك عهد الأوفياء فهل / أدّى المحبّون للأحباب ما وعدوا
عهد على إهدن الخضراء .. نبعتها / و الشعر و البدر حفّاظ لما شهدوا
بتنا صفّيين لم نسلف قديم هوى / بشاشة النور تغري كلّ من يرد
أبا الكواكب عهدي أنت تعرفه / لا ينطوي العهد حتّى ينطوي الأبد
من شاعر رنّح الدنيا فما ازدحمت / إلاّ به و له الأخبار و البرد
غضون وجه .. سطور خطفها قلم / لاه فيسرف أحيانا و يقتصد
و قامة تحمل التسعين لا وهن / فيها على الرحلة الكبرى و لا أود
و للعيون بريق كاد يحسده / زهو الشباب و أبراد الصبا الجدد
و العبقريّ شباب عمره و هوى / و جذوة في زوايا قلبه ودد
تلك الطيوف كنوز من رؤى و منى / ألروح مثرية و المملق الجسد
لبنان يا حلم الفردوس أبدعه / على غرار ذراك الواحد الصمد
و زاهدين بحسن أنت غرّته / لو آمنوا بجمال الله ما زهدوا
حسن أتمّ على لبنان نعمته / محسّد و تمام النعمة الحسد
يا جنّة الفكر يسمو كبف شاء و لا / أفق يحدّ و لا شأو و لا أحد
يا مكرم النجم في معسول غربته / لكلّ نجم ذراك الأهل و البلد
كأنّما الشمّ من لبنان في سفر / البدر يقرب و الغبراء تبتعد
أرائك لنجيمات مدلّلة / ينازع النوم في أجفانها السهد
كأنّها من ملوك الجنّ قد سحروا / و هم قيام فما همّوا و لا قعدوا
كأنّها هجّد طال الوقوف بهم / حتّى انجلى للقلوب الواحد الأحد
كأنّهم من جلال الله قد شدهوا / عند اللقاء فما خرّوا و لا سجدوا
ألحسن منسجم فيه ز مختلف / و الحسن مجتمع فيه و منفرد
جرى سنى البدر ماء في خمائله / فرحت بالموجة الزهراء أبترد
صانت مسوحكم الفصحى و كان لها / منكم بمحنتها الأركان و العمد
قرّت بأديرة الرّهبان يغمرها / شوق البنين و حبّ مترف رغد
الزاحمون بها الدنيا إذا انتهبوا / و الزاحمون بها الأخرى إذا هجدوا
ألمنزلوها على أندى سرائرهم / كأنّها عطر ما صلّوا و ما عبدوا
لم يخذلوا لغة القرآن أمّهم / و كيف يخذل قربى كفّه العضد
و للأذان و للنّاقوس من قدم / عهد على الحبّ و الغفران ينعقد
تعانقت مريم فيه و آمنة / و حنّ للرشد الإيمان و الرشد
أبا الكواكب في الخلد مكرمة / أو نعمة كنت ترجوها و تفتقد
تنحّت الحوار إجلالا لشاعرها / و استقبلتك عذارى شعرك الخرد
من كلّ سمراء معسول مراشفها / و لا تلوّح بالسقيا و لا تعد
لا تخطئ العين أنّ الأرز منبتها / و أنّ والدها قحطان أو أدد
و نسمة من صبا لبنان أوفدها / لك الأحبّة و الأنباء و الحفد
هل في ربى الخلد ما ينسيك أرزته / و النور و الحسن في أفيائها بدد
أحقّ بالشوق للأوطان من نزحوا / و بالحنين لريّاها من ابتعدوا
يزيدها ألف حسن بعد فرقتها / قلب و يفتنّ في تلوينها خلد
هل جنّة الله عن لبنان مغنية / أستغفر الله لا كفر و لا فند
حملت من بردى للأرز مرقصة / فيها الصّبابة و الأشواق تحتشد
عروبة الشام يا لبنان صافية / سمحاء كالنّور لا مكر و لا عقد
تنزّه الحبّ عن منّ و عن نكد / و قد ينغّص حسن النعمة النكد
نحن المحبّين نهواكم و نؤثركم / هل كان من دلّلوا بالقربى كمن و أدوا
نحن الظماء و نسقي الحبّ أرزكم / ألحبّ في الشام لا نزر و لا ثمد
حلفت بالشام هذا القلب ما همدا
حلفت بالشام هذا القلب ما همدا / عندي بقايا من الجمر الذي اتّقدا
لثمت فيها الأديم السمح فالتهبت / مراشف الحور من حصبائها حسدا
قد ضمّ هذا الثرى من صيدها مزقا / إرث الفتوح و من مرّانها قصدا
ألملم الجمرات الخضر من كبدي / و أستردّ الصّبا و الحبّ و الكبدا
و أرشف الكأس من عطر و من غيد / فأسكر المترفين العطر و الغيدا
فديت سمراء و من لبنان ساقية / حنانها ما اختفى من غربتي و بدا
تحنو على اليأس في قلبي فتغمره / نورا و تبدع فيه الصّبر و الجلدا
حوريّة طاف جبريل بجنّته / يريد ندّا لريّاها فما وجدا
فديت جفنين من سكب الدّجى اكتحلا / إذا سهدت على جمر الغضا سهدا
سقيت خمرة أشعاري لمى شفة / بخيلة فسقتني الشّهد و البردا
و إن كبرت فلي كنزا هوى و صبا / نهدان من نغمات الله قد نهدا
أودعت عندهما بعض الشّباب فما / خانا وديعة أيّامي و لا جحدا
قد ادّخرت لقلبي عند كبرته / ما صانه كادح للشّيب و اجتهدا
كنزا يضمّ لباناتي منوّرة / و ما اطمأنّ من النّعمى و ما شردا
أمدّ كفّي إلى كنزي فيغمرها / بما أحبّ شبابا جامحا وددا
عاد الغريب و لم تظمأ سريرته / فقد حملت بها في غربتي بردى
من روع البلبل الهاني و أجفله / عن أبكيه و سقاه الحتف لو وردا
جلاني الظّلم أشلاء ممزّقة / و احتزّ أكرمهنّ : القلب و الولدا
تصغي النّجوم إلى نوحي فيسكرها / يبكي الهزّاز و يبقى مسكرا غردا
ألحانيين على قلبي و لوعته / يبدّدان من الأحزان ما احتشدا
قلبي الذي نضّر الدّنيا بنعمته / رأى من الحقد أقساه و ما حقدا
فيا لقلب غنيّ النور مزّقه / على النوى حقد أحباب و حقد عدى
إنّي لأرحم خصمي حين يشتمني / و كنت أكبره لو عفّ منتقدا
عانيت جهد محبّ في الوفاء له / و الغدر بي كلّ ما عانى و ما جهدا
قرّت عيون العدى و الأصفياء معا / فلست أملك إلاّ العطر و الشّهدا
دعوا كرامتي العصماء نازلة / على الشموس تذيع الحسن و الرأدا
كرامتي الحجر الصوّان ما ازدردت / إلاّ لتهشم أنياب الذي ازدردا
كغابة اللّيث إن مرّ العدوّ بها / رأى الزّماجر و الأظفار و اللّبدا
و كيف أعنو لجبّار و قد ملكت / يميني القمرين : الشّعر و الصيدا
إذا دجا النّور في غمر الضحى ائتلقا / و إن سطا الظّلم مخمور الظّبى صمدا
عروبتي فوق فرق الشمس ساخرة / من لؤم ما زوّر الواشي و ما سردا
تفرّد الله بالأرواح لا ملأ / جلاله سرّها الأعلى و لا بلدا
و ميّز الشام بالنعمى و دلّلها / فمن ثرى الشام صاغ الرّوح و الجسدا
أولى المدائن أخت الشمس قد شهدت / روما و غار الضّحى منها فما شهدا
ثراك و الدّر ما هانا و إن ظلما / و أنت و النّور ما ضاعا و إن جحدا
يسومنا الصّنم الطّاغي عبادته / لن تعبد الشام إلاّ الواحد الأحدا
وجه الشام الذي رفّت بشاشته / من النّعيم لغير الله ما سجدا
تفنّن الصّنم الطّاغي فألف أذى / و ألف لون من البلوى و ألف ردى
أنحى على الشّام أريافا و حاضرة / فلم يدع سبدا فيها و لا لبدا
جهد العفاة من العمّال جزيته / و كلّ ما قطف الفلاّح أو حصدا
هذا المدلّ على الدّنيا بصولته / ما صال إلاّ على قومي و لا حشدا
و مرعد مبرق ضجّت صواعقه / حتّى إذا قامت الجلّى له قعدا
الظامئ القلب من خير و مرحمة / فإنّ ألحّ سقاه الحقد و الحسدا
لو استطاع محا أمجادنا بطرا / لم يبق لا بدرا و لا أحدا
دع الشام فجيش الله حارسها / من يقحم الغاب يلق الضيغم الحردا
عزّت على كلّ فرعون عرينتها / ما روّضت و يروض القانص الأسدا
إذا العدوّ تحدّاها بصولته / نهدت أرخص روحي كلّما نهدا
تقحّمت كبريائي بوم محنتها / ما سامع االمحنة الكبرى كمن شهدا
أهوال ما أوعد الطاغي ليصرفني / عن الشام و نعمى كلّ ما و عدا
ماذا يريد الألى أصفوه ودّهم / و سخّروا لهواه المال و العددا
يكاد تمثالهم يحمرّ من خجل / و قد غدا للطغاة العون و المددا
يا مشعل النور كم حرّية ذبحت / على يديك و نور مات بل وئدا
قد أنكر المشعل الهادي رسالته / فإنّ يماجد خصيما بعدها مجدا
يبكي لحرّية الدنيا و يذبحها / على هواه و لا ثأرا و لا قودا
و من حمى ظلم فرعون لأمّته / فقد تفرعن طغيانا و معتقدا
تحمّلوا وزر هذا الشرق مزّقه / جنون طاغ فأضحى شمله بددا
لا أكذب الله قد أضحت كنوزكم / لصرح طغيانه الأركان و العمدا
لا أكذب الله من أموالكم صقلت / خناجر طعنت حريّتي و مدى
يا راقد الثأر لم يأرق لجمرته / جيش الشام عن الثارات ما رقدا
جيشي و فوق ذرى حطّين رايته / غدا و يملي على الدنيا الفتوح غدا
ألمطمئن و جمر الثأر في دمه / خابت رياحك هذا الجمر ما همدا
ألحامل الغار أمجادا منضّرة / و المدرك الثأر لا زورا و لا فندا
تبرّجت في السّماء الشمس حالية / لتشهد العدّة الشهباء و العددا
جيشي و إيمانه بالحكم مجتمعا / شورى و قد داس حكم الفرد منفردا
لبّى الشام و قد ريعت كرامتها / و ثار للشعب منهوبا و مضطهدا
إنّ الكرامة و الحرّية احتلفا / و لن يفارق حلف حلفه أبدا
من هديه صاغها الإسلام فانسكبت / توزّع النّور و النعماء و الرشدا
هذي الحنيفيّة السمحاء قاهرة / لا اللات عزّت و لا فرعونها عبدا
تألّه الفرد حينا ثمّ عاصفة / هدّارة فكأنّ الفرد ما وجدا
كنز الحنيفة من حبّ و مرحمة / كالنور قد غمر الدّنيا و ما نفدا
نبع من الحبّ لو مرّ الجحيم به / لقطّف الظلّ من ريّاه و ابتردا
لا الفقر حقد و لا النّعماء غاشمة / كلاهما انسجما بالحبّ و اتّحدا
كلاهما أملت السمحاء حرمته / على أخيه فما ابتزّا و لا حقدا
تبنى الشعوب على فربى و مرحمة / و ما بنى الحقد لا شعبا و لا رغدا
آمنت بالفرد حرّا في عقيدته / و كلّ فرد و ما والى و ما اعتقدا
أفدي الشام لنعماها و عزّتها / من أربعين أقاسي الهول و النّكدا
ضمّ الثرى من أحبائي ليوث شرى / و غاب تحت منهم شموس هدى
لداتي الصيد شلّ الموت سرحهم / ليت النّجوم و روحي للّدات فدى
الرّاقدون و جفني من طيوفهم / في سامر ضجّ في جفني فما رقدا
قبور أهلي و إخواني و غافية / من الطيوف و أسرار و رجع صدى
و الليل و الصمت و الذكرى و كنز رؤى / لمحت مارد جنّ حوله رصدا
و وحشة لفّت الدّنيا برهبتها / و لفّت الغيب و الأحلام و الأبدا
ألحانيات على تلك القبور معي / و نبّه الفجر طيرا غافيا فشدا
حتّى بكيت فذابت كلّ واحدة / منهنّ في أدمع النائي الذي وفدا
هشّت إلىّ قبور أدمعي عبق / على الرّياحين في أفيائها و ندى
ضمّتني الشام بهد النأي حانية / كالأمّ تحضن بعد الفرقة الولدا
ردّت إليّ شبابي في متارفه / و هيّأت للصيال الفارس النجدا
أنا الوفيّ و تأبى الغرّ من شيمي / كفران نعمة من أسدلا إليّ يدا
منازل الخلد لا أرباع لبنان
منازل الخلد لا أرباع لبنان / و فتنة السحر لا آيات فنّان
جنان لبنان حسبي منك وارفة / فيها النديّان من روح و ريحان
شبّ النبيّون في أفيائها و حبت / فيها خيالات إنجيل و قرآن
بليلة بدموع الله ما و شنت / إلاّ و بين خوافيها حبيبان
يغفو بها الفجر في أحضان مورقة / مديدة الظلّ أحلام سكران
و دغدغته فللأغصان هيمنة / كأنّها بثّ غيران لغيران
و ما تنبّه حتى راعه وهج / و الشمس حلي ربى خضر و وديان
صحبت فيك شبابي و الهوى و منى / لعس الشفاه و ظلا غير ضحيان
فأسبغي نعمة النسيان تغمرني / عسى يخفّف من بلواي نسياني
أمسيت لا ريقها المعسول أسعدني / و لا الجنون : جنون الحبّ واتاني
ألحّ بي السقم حتّى لا يفارقني / و راح ينسج قبل الشيب أكفاني
عفّى على نزوات النفس جامحة / إلاّ اهتزاز خليع الحسن نشوان
و صبوة للعيون النجل هانئة / من الشباب بظلّ العاطف الحاني
يثير بي كلّ حسن فتنة و هوى / فما أمرّ بماء غير صديان
و يا ربى الحسن في لبنان هل عريت / مخضلّة الدوح من ظلّ و أغصان
و من لبناتي السكرى مصرّعة / من الونى بين أفياء و أفنان
و يا ربى الحسن هل من نفحة / حملت شذى النّهود لصادي القلب حرّان
و هل صباك نموم العطر ناقلة / بعدي أحاديث أذيال و أردان
و يا ربى الحسن في لبنان هل ثملت / بعدي الرّياحين من صهباء نيسان
و يا ربى الحسن في لبنان لا انبسطت / يمنى الهجير على أفياء لبنان
مدّي ظلالك ينعم في غلائلها / صرعى الردى من أحبّائي و أخداني
النّائمين بظلّ الأرز ينشدهم / رواية الدّهر في نعمى سليمان
أمّا البلابل فلتؤنس قبورهم / من كلّ ساجعة في الدّوح مرنان
أعيذ بالحبّ و الذكرى هوى نفر / بيض الوجوه من النّعماء غرّان
قد صوّر الوحي ألوان النّعيم على / مثال ما فيك من حسن و ألوان
و زاد فيها خلودا ما عنيت به / أشهى اللبانات في حكم النّهى الفاني
لا يعذّب الوصل إلاّ أن يخامره / خوف المحبّين من نأي و هجران
و لا هناء بنعمى لا تخاف لها / فقدا و لا تبتلى منها بحرمان
لو يعلمون مناحي النّفس ما خلعوا / ثوب الخلود على نعمى و أحزان
فأصبح الكون لغوا لا حياة به / من رغبة في مجاليه و غنيان
ما للخلود و ما للحسن يزعمه / هيهات عرّي من حسن و إتقان
يضفي الجمال على الأيام مقتدر / من (التحوّل) ذو غزّ و سلطان
عنا له الكون مأخوذا بفتنته / من أنجم و مكانات و أزمان
و عاطفات و أرواح و أخيلة / تغزو الوجود و آراء و أديان
و ربّما فقهت من أمره عجبا / قبل الهداة عصا موسى بن عمران
ليؤمن النّاس ما شاؤا بربّهم / فبالتحوّل بعد الله إيماني
تسمو إلى أفقه القدسيّ طاهرة / طهر الدّموع تسابيحي و ألحاني
كفرت بالرّوح بعد الرّيب آونة / و كان زلفى إلى نجواه كفراني
و قرّب النّاس ما شاؤا لمذبحه / فما تقبّل منهم غير قرباني
أعلنت حين أسرّوا أمرهم فرقا / يا بعد ما بين أسرار و إعلان
إنّ الخلود و ما تروي مزاعمهم / عن السعادة في الأخرى نقيضان
لا يخدع الله قوما يؤمنون به / فتلك خدعة إنسان لإنسان
جنان ربّك في سرّ الخلود غدت / و كلّ آو إليها رازح وان
ملّ المقيمون فيها من هناءتهم / كم يملّ السقام المدنف العاني
تمضي العصور عليهم و هي واحدة / اليوم كالأمس فيها ضاحك هاني
تزجي السآمة تفكيرا و عاطفة / إلى عقول و أهواء و وجدان
لا يرقبون جديدا في خلودهم / لرثّ من قدم العهد الجديدان
و لا يحبّون لكن تلك طائفة / من ماجنات خليعات و مجّان
و لا يناجون في أحلامهم أملا / محبّبّا بين إنكار و إيقان
و لا يحسّون لا حزنا و لا جذلا / فالقوم ما بين مشدوه و سهوان
يا شقوة النفس تخلو بعد أن عمرت / من حسرة و لبانات و أضغان
و ضيعة القلب لا تأوي إليه منى / كالنحل تأخذ من روض و بستان
من كلّ من أبلت الأدهار جدّته / فما يحرّكه تدليل رضوان
ينادم الحور لكن غير مغتبط / و يشرب الراح لكن غير ظمآن
لودّ في كلّ مل يجريه من عسل / و من خمور و من درّ و عقيان
هنيهة من شقاء يطمئنّ بها / إلى مناجاة آلام و أشجان
إذا تذكرّ دنياه هفا ولعا / إلى حبيب و صهباء و ندمان
و راح يبحث في المجهول عن أمل / و عن شقاء و عن أهل و خلاّن
لعلّ بين زوايا النفس قد تركت / ثمالة من صبابات و تحنان
أماّ الغواني فصخر لا يحرّكها / نجوى محبّ و لا تدليل ولهان
لا تعرف الحبّ إلاّ محض تلبية / لعابرين من الأبرار فتيان
و لا تحنّ إلى روح و عاطفة / فالحبّ في ملكوت الله جثماني
من كلّ مرتجّة الأرداف حالية / بالحسن أخّاذة بالسحر مفتان
خبا لهيب المنى في روحها فغدت / و حسنها في حلاه حسن أوثان
جنى الخلود عليها فهي شاكية / إلى الأنوثة ذاك الخائن الجاني
و للخلود على أهل الجحيم يد / تجزي مع الدّهر إحسانا بإحسان
الكافرون لطول العهد قد ألفوا / بقاعها نضج أرواح و أبدان
و قد تزفّ بها و الحفل محتشد / سجينة من ضحاياها لسجّان
فأصبحت و هي من ماء و من مدر / شيطانة تتصبّى كلّ شيطان
و ربّما صحبوا فيها زبانية / بعد القلى إلف إخوان لإخوان
لا يألمون و لا تشكو جسومهم / من اللظى فهي نيران بنيران
مليحة الدلّ من غسّان لا بليت / شمائل الصيد من أقيال غسّان
أتأذنين بإنشاد فما جليت / إلاّ لحسنك أشعاري و أوزاني
طوّفت في هذه الدنيا على مهل / طواف أشعث ماضي العزم يقظان
تظلّلني مصر أحيانا و آونة / أعاقر الخمر في جنّات بغدان
و قد صحبت شعوب الأرض من عرب / شمّ الأنوف إلى روم و كلدان
مفتّشا عن عزاء النفس لا لعبي / أدّى إليه و لا حلمي و عرفاني
مسائلا عنه حتّى قد عييت به / إرث الفلاسف من هند و يونان
فما رأيت له عينا و لا أثرا / و لا فاد طوافي غير خذلاني
إذا ندبت جهودي و هي ضائعة / أطلّ من حرم الرؤيا . فعزّاني
ثمّ انثنيت و ركبي جدّ متّئد / من الونى و رفيقي جدّ حيران
و البيد أوسع من صدر الحليم مدى / و للسّراب بها آلاف غدران
ظمأى حيارى و خلف الركب طائفة / حمر اللواحظ من أسد و ذؤبان
فأيقن القوم بالجلىّ و قد صمتوا / لهيبة الموت و هو المقبل الدّاني
حتّى إذا اليأس لم تترك مرارته / إلاّ بقيّة صبر غير خزيان
لاحت إذا اليأس لم تترك مرارته / إلاّ بقيّة صبر غير خزيان
لاحت خيامك بالصحراء مونقة / أبهى و أزين من عرش و إيوان
فكبّر الرّكب مرتاحا إلى أمل / عذب المجاجة حالي الوشي ريّان
مبادرا للظلال الخضر قد كسيت / نثير ورد و نمام و سوسان
فما فتحت جفوني و هي دامية / من الرّمال أعان الله أجفاني
حتّى لمحتك خلف الستر ضاحكة / إلى جوار و حجّاب و غلمان
فقرّت النفس لا شكوى و لا تعب / و لا لجاجة إيمان و كفران
و ابصرت بعد طول البحث غايتها / فاذعنت لهواها أيّ إذعان
رأت بعينيك يا ليلى و قد يئست / عزاءها لا بإنجيل و فرقان
فقبّلت شفة حمراء دامية / و اهتزّ من نشوات اللثم نهدان
سرّ السعادة في الدّنيا و إن خفيت / تجلوه منك على الأكوان عينان
آمنت بالحبّ ما شاءت عذوبته / آمنت بالحبّ فهو الهادم الباني
ما للمنيّة أدعوها و تبتعد
ما للمنيّة أدعوها و تبتعد / أمرّ من كل حتف بعض ما أجد
ظمآن أشهد ورد الموت عن كثب / و الواردون أحبّائي و لا أرد
علّلت بالصبر أحزاني فيا لأسى / بالجمر من نفحات الجمر يبترد
دعوت خدنيّ من دمع و من جلد / فأسعف الدمع لكن خانني الجلد
أصبحت أعزل و الهيجاء دائرة / لا السيف ردّ الأذى عنّي و لا الزرد
أردّ رشق الظبى عن مهجتي بيد / و تمسح الدمع من نزف الجراح يد
أبا جميل سلام الله لا كتب / إليك تحمل أشواقي و لا برد
لقيت في الحق ما لاقى به نفر / من الهداة و ما عانوا و ما جهدوا
و العبقريّ غريب في مواطنه / يدور حيث يدور الحقد و الحسد
و حاملين رسالات مقدّسة / توحّدوا بالجهاد السمح و انفردوا
مشتّتين بعصف الرّيح و لا وطن / يلمّ أشتات بلواهم و لا بلد
معارك الحقّ من أجسادهم مزق / على ثراها و من مرّانهم قصد
و ربّ شاك فساد العصر يظلمه / لم يفسد العصر لكن أهله فسدوا
أذاكر لي على صيداء هانئة / من الزّمان عليها نعمة ودد
يمشي بك المجد في أفياء وارفة / من الأمانيّ لا تلوي بما تعد
فيها صباك عطور عبقريّة / و لي شباب طريف العمر متّئد
و نحن بين الدّروب الحاليات / يد تضمّها في ظلال البرتقال يد
و أستعيدك شعري حين تنشده / حتّى يقوّم في إنشاده الأود
حبّ أبوك تولاّه و دلّله / و راح يكرم الإرث الوالد الولد
يا مبدع السحر إلاّ أنّه كلم / و ساقي الرأي إلاّ أنّه شهد
يا ناقدا حبّه يملي فرائده / حتّى ليندى حنانا حين ينتقد
يا مانح النّور من تاهت دروبهم / و مانح الحبّ و الغفران من حقدوا
يفنى المزوّر من مجد و من خدعت / به الشعوب و تبقى أنت و الأبد
لن يعدم القبر لا ريّا و لا عبقا / فلي جفون نديّات و لي كبد
أحنو على دمك المطلول ألثمه / أزكى من الورد ما جادت به الورد
دماء قلبك إيمان و غالية / فليس ينكرها بدر و لا أحد
دماء قلبك ما من قطرة نزفت / إلاّ تمنّت سناها نجمة تقد
يا من نحبّ و لولا الحبّ لا لعس / و لا لمى عبق السقيا و لا غيد
سهرت في زحمة الجلّى و مزّقني / أنّي شهدتهم أغفوا و ما سهدوا
و في ضناي و في أحزاني ازدلفوا / يحرّضون عليّ الدّهر و اتحدوا
حتى بكت محنتي من ظلمهم و غدت / بالدّمع تنهش من قلبي و تزدرد
أمّاه دمعك تبكي من مواجعه / شمّ البواذخ و الأفلاك ترتعد
أمّاه لم يبق لي روح فأغدقه / على أساك و لا دمع و لا كبد
تطوف عينك في الزوار سائلة / عن الحبيب الذي ولّى و تفتقد
و طاف ثكلك في عدن فهل سألت / مساحب النّور أين النّور و الرّغد
ثكل الأمومة في التسعين حين بكى / عند الملائك في جنّانهم سجدوا
ثكل الأمومة عند الله حرمته / كحرمة الحقّ لا ستر و لا بعد
ثكل الأمومة عند الله فاتحة / من الكتاب و إيمان و معتقد
ثكل الأمومة حفّ الأنبياء به / يهدهدون من الآلام و احتشدوا
يدعو فتفتح أبوا ب السماء له / و يمسح الدمعتين الواحد الأحد
و أنت أمّ جميل أيّ نازلة / لم تبق رفدا لحزن جاء يرتفد
ما قبل يومك يوم رحت أشهده / له لواء على الأحزان منعقد
لبنان أين ربيع كنت أيكته / يبكي الرّبيع إذا جافى و يفتقد
لا الشمّ كالعهد فيه لهفة / و قرى على النسور و لا الأمواج و الزبد
لا الأرز بعد نوانا مائس عطر / و لا الغصون عليها الطائر الغرد
جيرانك الأنجم الزهراء عاتبة / و كلّ نجم حزين ثاكل حرد
لبنان فيك قبور للسّيوف حمى / هان ففي كلّ قبر صارم فرد
تألّقوا في سماء المجد ما خمدت / رغم العواصف ذكراهم و ما خمدوا
حتّى إذا ضفرت غارا لمفرقهم / أنامل الخلد زان الخلد من خلدوا
أبا جميل .. و قربى بيننا اتّصلت / إلى الجنان .. فدان و هو مبتعد
عدنان عندك في النعمى و لي كبد / عليه بالجمر و الأحزان يتّقد
أحبابنا في جنان الله قد نعموا / لقد شقينا بهم لكنّهم سعدوا
هشّوا إلى ابن أخيهم و هو بينهم / بحاليات صباه كوكب يقد
يا للنجوم قديمات السنى نزلت / على قراها نجوم طلّع جدد
حمّلت عدنان أطياب الحنين فهل / أدّى أمانة ما أشكو و ما أجد
لم أرثه و هو روحي فارقت جسدي / و كيف يبكي و يرثي روحه الجسد
ألمّ بالقبر أغليه و ألثمه / و حولي الساخران : الغيب و الأبد
أحبّتي كلّما غامت طيوفهم / هتفت : لا تبتعدوا عنّي و قد بعدوا
روح الشهيد كنور الله ما همدت / لبث قليلا الظلاّم قد همدوا
حرب على الكفر و الطغيان يضرمها / رأي على الحجّة الزّهراء يعتمد
رموك غدرا و لو صالوا مجابهة / لمزّق الصائدين الضيغم الحرد
سلاحك النّور و الإسلام وحدهما / و منهما العون عند الفتح و المدد
رسالة من أبي الزهراء خالدة / عديدك الفاتح المنصور و العدد
حتّى إذا انهزمت شتّى فلولهم / و مرّغ الجبن زهو الحقّ و الصيد
أشرفت و الدم شمس – راح يحجبها / بكفّه و يواري وجهها الرّمد
لا يخدعنّك زهو الظالمين و إن / تاهت على الفلك الأبراج و العمد
ثلاثة لهوان الدّهر قد خلقوا / ألظالمون و عير الحيّ و الوتد
تكبّر الحقّ أن تلقاه مضطهدا / ألظلم في عنفوان الظلم مضطهد
شمائل الصّيد من قومي معطّرة / بمترف الحق لا غالوا و لا جحدوا
سمحاء لم تدر تهريجا و لا عقدا / فكيف شوّهها التهريج و العقد
تنكرّوا لقديم المجد و هو ضحى / يؤذي العيون و لا يؤذي الضحى الرمد
خطوبهم لا خطوب الدّهر ضاربة / على العروبة إن حلّوا و إن عقدوا
ألهانئون بسلم لا حماة / له فداء من زحموا الجلّى و من نهدوا
القدس سيناء لحد هبّ منتفضا / به الكمأة و خيل الحقّ تطّرد
و رمل سيناء لحد هبّ منتفضا / بكلّ من سقطوا غدرا و ما لحدوا
يصيح ألف صدى في الرّمل منتظرا / أن يستثير الصحارى فارس نجد
أرى الأذلاّء و الهيجاء ساخرة / توعّدوا بالوغى لكنّهم وعدوا
ردّ الأباة على الطغيان غارته / و لم يسلّموا ظبى لكنّهم حقدوا
و كيف أرضى بقوم ألّهوا صنما / و كفّروه و ذمّوا بعد أن حمدوا
حتى إذا راع قصف الرّعد من سمعوا / و راع برق الدّجى أحلام من شهدوا
تكشّف النقع عن أشلاء طاغية / و راح يخطر في غاباته الأسد
أبا جميل أناجي فيك حالية / من الشمائل أغليها و أفتقد
تحوّلت أفقا غير الذي عرفوا / و أنجما في الدّجى غير التي رصدوا
فسلّم الفلك الأسمى على فلك / فيه الكواكب و الأسحار و الرأد
هذي السماء كتاب من شتيت رؤى / فكلّ نجم بها رأى و معتقد
لي عالم يغمر الدنيا و تغمره / و عالم عطر الأسرار منفرد
تخفّ روحي لحاقا في حتوفكم / و يحكم القدر العاتي فتتّئد
ألعيش بعدكم لغو فلا طرب / فيه و لا أمل هان و لا كمد
فيا شقاء فتى آماله رجعت / لأمسه و انطوى يوم و مات غد
إنّي أكرّم شعري في متارفه
إنّي أكرّم شعري في متارفه / كما تكرّم عند المؤمن السور
هديّة الله فيها عطر جنّته / و الخمر و اللّعس النشوان و الحور
و قد أحنّ إلى حسن يدلّلني / كما يحنّ إلى أندائه الزّهر
و بلبل الدّوح ترضيه بأيكته / نعمى الجمال و يرضي غيره الثمر
أريد حبّا كنار الحقّ ماتهبا / كمزبد الموج من شمّاء ينحدر
نزر الهوى ليس يرضي جائعا شرها / إلى الصّبابة لا يبقي و لا يذر
و العبقريّ و إن جلّت موهبه / طفل السّريرة لا حقد و لا حذر
طفل فإن نال ضيم من كرامته / ما البحر يزأر . ما البركان ينفجر
ذنوبه خفرات من براءته / أحلى الغواية ما يندى به الخفر
و ما تمنّى خيالي أنّني ملك / فوق الملائك زهوا أنّني بشر
أقيم ما شئت في عدن و أتركها / و أخلع الجسم أحيانا و أتّزر
أطلّ و الشعر من عصماء باذخة / و في السّفوح غرور الحكم و البطر
نحن النّسور و من نعمى جوانحنا / أنّا رأينا صغارا كلّ من كبروا
و ربّ هجر سولء في مواجعه / أكباد من هجروا ظلما و من هجروا
أدعو قبور أحبّائي لتسمعني / و هل تجيب دعاء الثاكل الحفر
قبر بضاحية الشهباء طاف به / فلملم الطيب من حصبائه السحر
و استودعت حمص قبرا لو مررت به / لهشّ لي منه حبّ مترف عطر
و لي قبور على الفيحاء غافية / زوّارها الطير و الأشواق و القمر
ظمأى و يندى ثراها لوعة و هوى / إذا ألمّ بها من غربتي خبر
تلك المصارع ردّ الموت نجدتها / عنّي فكاد الأديم السمح يعتذر
طاح الزمان بإخواني و أوردهم / على الحتوف فلا عين و لا أثر
أصبحت بعدهم حيران منفردا / و الريح معولة و اللّيل معتكر
أحنو على كلّ قبر من قبورهم / أبكيه .. حتّى بكى من لوعتي الحجر
قد عقّني الصحب حتّى لا أضيق به / إن عقّني الأقربان السمع و البصر
ألوّن الخطب أضواء و غالية / و أبدع الفقر عزّا حين أفتقر
و ما وفى لي ممّن كنت أوثرهم / إلاّ القبور و إلاّ الأيك و النّهر
لي موطن في ربى لبنان ممتنع
لي موطن في ربى لبنان ممتنع / و لي بنو العمّ من أبنائه النجب
إن فاتهم معقل يوم الوغى أشب / بنوا من السمر صرح المعقل الأشب
و لو مشى الموت في شهباء معلمة / مشوا إلى الموت في الهنديّة القضب
لبنان و الغوطة الخضراء ضمّهما / ما شئت من أدب عال و من نسب
ما في اتّحادهما تالله من عجب / هذا الفراق لعمري منتهى العجب
للخلف في الناس أنواع و أغربها / خلف الشقيقين من قومي بلا سبب
كلّ الربوع ربوع العرب لي وطن / ما بين مبتعد منها و مقترب
للضّاد ترجع أنساب مفرّقة / فالضاد بحلق غريب الدار مغتصب
من مبلغ فتية الحيّين مألكة / كالسهم ريش فإن سدّدته يصب
فيم التخاذل لا فلّت جموعكم / و الدهر يزحف بالأرزاء و النوب
مالي و للناس جدّ الناس كلّهم / و ضاع قومي بين الجدّ و اللعب
هل لابن دجلة حقّ غير مغتصب / أم لابن جلّق إرث غير منتهب
أين الشباب و فتيان غطارفة / كالأسد في الغيل ما واثبها تثب
اليعربيّون لا حقد و لا غضب / قد يسلب الحقّ بين الحقد و الغضب
غنّيت قومي بالأشعار أطربهم / لو يسمع القوم شدو الشاعر الطرب
و أحزن الشعر بيت راح ينشده / دمع تحدّر من أجفان مكتئب
خير القصائد ما أوحته عاطفة / فسار في كلّ دنيا غير مغترب
و للطبيعة شعر راح يسكرني / فهل جرت في قوافيه ابنة العنب
قرأته في النجوم الزهر عن كثب / وفي صفاء العيون النجل عن كثب
قد كان لي أرب طاح الزمان به / فيا شقاء فتى يحيا بلا أرب
و كان لي مقول كالسيف منصلتا / فحطّم الظلم حدّ المقول الذّرب
لأرحلنّ فلي في الأرض متّسع / إن ضاق بي صدر هذا الموطن الرحب
يا سامر الحيّ هل تعنيك شكوانا
يا سامر الحيّ هل تعنيك شكوانا / رقّ الحديد وما رقّوا لبلوانا
خلّ العتاب دموعا لا غناء بها / وعاتب القوم أشلاء ونيرانا
آمنت بالحقد يذكي من عزائمنا / و أبعد الله إشفاقا و تحنانا
ويل الشعوب التي لم تسق من دمها / ثاراتها الحمر أحقادا و أضغانا
ترنّح السوط في يمنى معذّبها / ريّان من دمها المسفوح سكرانا
تغضي على الذلّ غفرانا لظالمها / تأنّق الذلّ حتّى صار غفرانا
ثارات يعرب ظمأى في مراقدها / تجاوزتها سقاة الحيّ نسيانا
ألا دم يتنزّى في سلافتها / أستغفر الثأر بل جفّت حميّانا
لا خالد الفتح يغزو الروم منتصرا / و لا المثنّى على رايات شيبانا
أمّا الشام فلم تبق الخطوب بها / روحا أحبّ من التعمى و ريحانا
ألمّ و اللّيل قد أرخى ذوائبه / طيف من الشام حيّانا فأحيانا
حنا علينا ظماء في مناهلها / فأترع الكأس بالذكرى و عاطانا
تنضّر الورد و الريحان أدمعنا / و تسكب العطر و الصهباء نجوانا
السامر الحلو قد مرّ الزّمان به / فمزّق الشمل سمّارا و ندمانا
قد هان من عهدها ما كنت أحسبه / هوى الأحبّة في بغداد لا هانا
فمن رأى بنت مروان انحنت تعبا / من السلاسل يرحم بنت مروانا
أحنو على جرحها الدامي و أمسحه / عطرا تطيب به الدّنيا و إيمانا
أزكى من الطيب ريحانا و غالية / ما سال من دم قتلانا و جرحانا
هل في الشام و هل في القدس والدة / لا تشتكي الثكل إعوالا و إرنانا
تلك القبور و لو أنّي ألمّ بها / لم تعد عيناي أحبابا و إخوانا
يعطي الشّهيد فلا و الله ما شهدت / عيني كإحسانه في القوم إحسانا
و غاية الجود أن يسقي الثرى دمه / عند الكفاح و يلقى الله ظمآنا
و الحقّ و السّيف من طبع و من نسب / كلاهما يتلقّى الخطب عريانا
و الحزن في النّفس نبع لا يمرّ به / صاد من النّفس إلاّ عاد ريّانا
و الخير في الكون لو عرّيت جوهره / رأيته أدمعا حرّى و أحزانا
سمعت باريس تشكو زهو فاتحها / هلاّ تذكّرت يا باريس شكوانا
و الخيل في المسجد المحزون جائلة / على المصلّين أشياخا و فتيانا
و الآمنين أفاقوا و القصور لظى / تهوي بها النّار بنيانا فبنيانا
رمى بها الظالم الطاغي مجلجلة / كالعارض الجون تهدارا و تهتانا
أفدي المخدّرة الحسناء روّعها / من الكرى قدر يشتدّ عجلانا
تدور في القصر عجلي و هي باكية / و تسحب الطيب أذيالا و أردانا
تجيل و النوم ظلّ في محاجرها / طرفا تهدهده الأحلام و سنانا
فلا ترى غير أنقاض مبعثرة / هوين فنا و تاريخا و أزمانا
تلك الفضائح قد سمّيتها ظفرا / هلاّ تكافأ يوم الرّوع سيفانا
نجابه الظلم سكران الظّبى أشرا / و لا سلاح لنا إلا سجايانا
إذا انفجرت من العدوان باكية / لطالما سمتنا بغيا و عدوانا
عشرين عاما شربنا الكأس مترعة / من الأذى فتملّي صرفها الآنا
ما للطواغيت في باريس قد مسخوا / على الأرائك خدّاما و أعوانا
الله أكبر هذا الكون أجمعه / لله لا لك تدبيرا و سلطانا
ضغينة تتنزّى في جوانحنا / ما كان أغناكم عنها و أغنانا
تفدى الشموس بضاح من مشارقها / هلال شعبان إذ حيّا بشعبانا
دوّت به الصرخة الزهراء فانتقضت / رمال مكّة أنجادا و كثبانا
و سال أبطحها بالخيل آبية / على الشكيم تريد الأفق ميدانا
و بالكتائب من فهر مقنّعة / تضاحك الشمس هنديّا و مرّانا
تململ الفاتحون الصيد و ازدلفوا / إلى السيوف زرافات و وحدانا
و للجياد صهيل في شكائمها / تكاد تشربه الصحراء ألحانا
السابقات و ما أرخوا أعنّتها / و الحاملات المنايا الحمر فرسانا
سفر من المجد راح الدهر يكتبه / و لا يضيق به جهرا و أمعانا
قرأت فيه الملوك الصيد حاشية / و الهاشميّين طغراء و عنوانا
شدّ الحسين على الطغيان مقتحما / فزلزل الله للطغيان بنيانا
نور النّبوة في ميمون غرّته / تكاد ترشفه الأجفان فرقانا
لاث العمامة للجلّى و لست أرى / إلاّ العمائم في الإسلام تيجانا
يا صاحب النّصر في الهيجاء كيف غدا / نصر المعارك عند السلم خذلانا
ترى السياسة لونا واحدا و يرى / لها حليفك أشكالا و ألوانا
لا تسأل القوم أيمانا مزوّقة / فقد عيينا بهم عهدا و أيمانا
أكرمت مجدك عن عتب هممت به / لو شئت أوسعته جهرا و تبيانا
ما للسّفينة لم ترفع مراسيها / ؟ ألم تهيئ لها الأقدار ربّانا ؟
شقّي العواصف و الظلماء جارية / باسم الجزيرة مجرانا و مرسانا
ضمّي الأعاريب من بدو و من حضر / إنّي لألمح خلف الغيم طوفانا
يا من يدلّ علينا في كتائبه / نظار تطلع على الدنيا سرايانا
ألفت حرّك لا شكوى و لا سهد
ألفت حرّك لا شكوى و لا سهد / يا جمرة في حنايا الصدر تتّقد
مرّي على كبدي حمراء دامية / يبقى الحنين إذا تسلم الكبد
و ما أضيق بهمّ حين يطرقني / لقد تقاسم حبّي البؤس و الرّغد
إنّي أدلّل آلامي و أمسحها / مسح الشفيق و أجلوها و أنتقد
حتّى تطلّ على الدنيا بزينتها / حسناء تبدو عليها نعمة ودد
بعض الخطوب ظلام لا صباح له / و بعضها الفجر فيه النّور و الرشد
تفجّر الخير منه روضة أنفا / تدعو إلى ظلّها وانين قد جهدوا
إذا هم جرعوا من مائها جرعا / توثّبت عزمات فيهم جدد
و مدلجين أضاء الحزن ليلهم / حتّى إذا انطفأت أحزانهم قعدوا
حادوا عن المحنة الكبرى و لو صحبوا / نيرانها الحمر ما ضلّوا و لا انفردوا
فيم التنكّر للآلام قاسية / إذا تباعد في ميدانها الأمد
ألطالعون على الدنيا بنصرهم / لولا الفواجع هل شدّوا و هل نهدوا
إذا ونوا راح يذكي من عزائمهم / حقد هو العدّة الشهباء و العدد
سقاهم خمرة الآلام فاضطرموا / يستلهمون من الآلام و احتشدوا
أمّا الشعوب و قد ضجّت عواصفها / فصلحب النّصر فيها الثاكل الحرد
لقد تلاقى على الغايات من ظفروا / بالملك في زحمة الدنيا و من حقدوا
إنّ الألى أنكر الأحزان سامرهم / لغو من الناس لا ذموّا و لا حمدوا
إذا تباكوا من البلوى فما عرفوا / حزن المحبّين في البلوى و لا وجدوا
الظامئون و ظنّوا أنّهم ثملوا / و الغائبون و ظنّوا أنّهم شهدوا
لا يبعد الله أحبابا فجعت بهم / و ما علالة قلبي بعدما بعدوا
الناشئون علة نعماء مترفة / تقيّلوا الرمل في الصحراء و اتّسدوا
تلك الجسوم التي حزّ الحرير بها / حريرها في العراء الموحش الزرد
صادين للموت إيمانا و موجدة / فكلّما لاح منه منهل وردوا
على الصحاصح هامات معطّرة / و في الرّمال بنان أفردت و يد
في كلّ منزلة قبر تلمّ به / هوج الرّياح و ينأى الأهل و الولد
مشتّتين فمن أجسادهم مزق / على الأديم و من مرّانهم قصد
مصارع بعطور الحقّ زاكية / كأنّما سكبوا فيها اعتقدوا
حنا السراب عليها و هي ظاكئة / حرّى الجوانح لا غمر و لا ثمد
بموحش من رمال البيد منبسط / يضلّ في شاظئيه الصّبر و الجلد
مسحت دمعي من ذكراهم بيد / و أمسكت كبدي ألاّ تذوب يد
يا خمرة الحزن هذي الكأس مترعة / للشاربين و هذا الشاعر الغرد
إنّ الندامى على عهد الحبيب بهم / لا جانبوا النّشوة الكبرى و لا زهدوا
لا أوحش الله قلبي من مواجعه / و لا تحوّل عن نعمائها الحسد
و لا شفى الله جرحا في سريرته / نديان ينطف منه الخمر و الشهد
فجّرت قلبي رثاء ما وفين به / حقّ الزعيم قواف كالضحى شرد
الناقلات إلى الأجيال ما ظلموا / من الأباة و ما راعوا و ما اضطهدوا
صلى الاله على قبر يطوف به / كبيت مكة من حجّوا و من قصدوا
أغفى أبو طارق بعد السّهاد به / و خلّف الهمّ و البلوى لمن سهدوا
ضاو من السقم ضجّت في شمائله / عواصف الحقّ و الأمواج و الزبد
إذا أثير نضا عنه مواجعه / كما تفلّت من أشراكه الأسد
يروع في مقلتيه بارق عجب / و عالم عبقريّ السحر منفرد
يغالب البشر أسقاما نزلن به / يأبى له الكبر أن يأسى لها أحد
داء ملح و نفس لا تذلّ له / حرب تكافأ فيها البأس و العدد
تلك البشاشة أبلى الدّاء نضرتها / فراح يلمح في نعمائها الكمد
كالغيم يحجب حسن الشمس طالعة / و ما تحوّل عنها الحسن و الرأد
نعمت منك بساعات معطّرة / كأنّها الحلم دان و هو مبتعد
و صحبة كقديم الرّاح لو جليت / لليائسين حميّا كأسها سعدوا
يا خدنة من قراع الدهر دامية / ألا يهدهد من آلامك الأبد
خيل الزعيم تنزّى في شكائمها / ما فاتها قنص في الحيّ أو طرد
عرينة الحقّ في الشهباء منجبة / يروع أنّى التفتّ الظفر و اللّبد
إذا الزعيم تولّى عن شبولتها / حمى الشبولة إخوان له نجد ...
أمّا الشباب فما خانوا رسالته / عند الكفاح و لا حادوا و لا جحدوا
إذا دجت ظلمات اليأس حالكة / شقّ الدجى كوكب من ذكره يقد
حول الزعامة فتيان غطارفة / لا ينقض الدّهر ما شدّوا و ما عقدوا
الساخرون من الأقزام يضحكهم / أن راح يلبس جلد الضيغم النقد
المؤمنون إذا ما بايعوا صدقوا / و الصابرون فإن جدّ الوغى صمدوا
سقتهم كفّ إبراهيم صافية / من خمرة الحقّ تروي كلّ من يرد
ففي الدّماء سعير من سلافتها / عجلان يهدأ أحيانا و يتّئد
بين الجوانح إلاّ أنّه أنف / و في الشمائل إلاّ أنّه صيد
أذكى أبو طارق في الشرق جمرتها / حمراء تلتهم الجلّى و تزدرد
إذا ونت و هتفنا باسمه جمحت / تعيد سيرتها الأولى و تطّرد
فذكره الأمل الهادي إذا انتبهوا / و طيفه الحلم الهاني إذا رقدوا
زعامة الحقّ لا شوهاء يرفعها / على الرّمال الهوى و الزور و الفند
مالي أرى الفرس الشقراء عارية / على المرابط لا تطغى فتنجرد
آب المغيرون جنّت خيلهم مرحا / و آن أن يستريح الفارس النجد
من نعمياتك لي ألف منوّعة
من نعمياتك لي ألف منوّعة / و كلّ واحدة دنيا من النور
رفعتني بجناحي قدرة و هوى / لعالم من رؤى عينيك مسحور
تعبّ من حسنه عيني فإن سكرت / أغفت على سندسيّ من أساطير
أخادع النّوم إشفاقا على حلم / حان على الشفة اللمياء مخمور
وزار طيفك أجفاني فعطّرها / يا للطيوف الغريرات المعاطير
طيوبها في زيارات الرؤى نزلت / من مقلتيّ على أصفى القوارير
كأنّ همسك في ريّاه وشوشة / دار النسيم بها بين الأزاهير
تندى البراءة فيه فهو منسكب / من لغو طفل و من تغريد عصفور
رشفت صوتك في قلبي معتّقة / لم تعتصر و ضياء غير منظور
لو كنت في جنّة الفردوس واحدة / من حورها لتجلىّ الله للحور
خلقتني من صبابات مدلهة / ظمأى الحنين إلى دلّ و تغرير
فكيف أغفلت قلبي من تجلّده / لمّا تولّيت إبداعي و تصويري
و كيف تشكين من حبّي غوايته / و أنت كوّنت تفكيري و تعبيري
و هل تريدين روحي هدأة و ونى / فكيف أنشأت روحي من أعاصير
ألفت نفسي على ما صغت جوهرها / يا غربتي عند تحويري و تغييري
كبّرت للطلعة النشوى أسبّحها / أكان لله أم للحسن تكبيري
يا طفلة الروح حبّات القلوب فدى / ذنب لحسنك عند الله مغفور
آثامك الخفرات البيض لو جليت / لطور موسى لندّت ذروة الطور
كأنّها أقحوانات منضّرة / بمخضب عبق الريحان ممطرة
يا نجمة تختفي حينا و تشرق لي / حينا أفانين تعريف و تنكير
لقد هجرت أخاك الفجر و انتبهت / شمس الصباح على أنّات مهجور
من موطن النّور هذا الحسن أعرفه / حلو الشمائل قدسيّ الأسارير
ففي السماء على مطلول زرقتها / أرى مساحب ذيل منك مجرور
لا تجزعي من مقادير مخبّأة / حنا يدلّلنا ظلم المقادير
عندي كنوز حنان لا نفاد لها / أنهبتها كلّ مظلوم و مقهور
أعطي بذلّة محروم فوا لهفي / لسائل يغدق النعماء منهور
جواهري في العبير السكب مغفية / من الونى بعد تغليس و تهجير
تاهت عن العنق الهاني فأرشدها / إلى سناه حنين النور للنور

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025