المجموع : 31
شممت تربك لا زلفى ولا ملقا
شممت تربك لا زلفى ولا ملقا / وسرت قصدك لا خبّاً و لا مَذَقا
وما وجدت إلى لقياك منعطفا / إلا إليك ولا ألفيت مفتَرَقاً
كنت الطريق إلى هاوٍ تنازعه / نفس تسدّ عليه دونَها الطُّرُقا
و كان قلبي إلى رؤياك باصرتي / حتى اتهمت عليك العينَ والحدقا
شممت تربك أستاف الصبا مرحا / والشمل مؤتلفاً والعقد مؤتلقا
وسرت قصدك لا كالمشتهي بلدا / لكن كمن يتشهّى وجه من عَشِقا
قالوا دمشق وبغداد فقلت هما / فجر على الغد من أمسيهما انبثقا
ما تعجبون أمِن مهدين قد جمعا / أم توأمين على عهديهما اتفقا
أم صامدين يرُبّان المصير معا / حبّاً ويقتسمان الأمن والفَرَقا
يهدهدان لساناً واحداً ودماً / صنواً ومعتقداً حراً ومنطلقا
أقسمت بالأمة استوصى بها قدر / خيراً ولاءم منها الخَلْقَ والخُلُقا
من قال أن ليس من معنى للفظتها / بلا دمشق وبغداد فقد صدقا
فلا رَعى الله يوماً دسّ بينهما / وقيعةً ورعى يوميهما ووقى
يا جِلَّقَ الشام والأعوامُ تجمع لي / سبعاً وسبعين ما التاما ولا افترقا
ما كان لي منهما يومان عشتهما / إلا وبالسؤر من كأسيهما شَرَقا
يعاودان نفاراً كلما اصطحبا / وينسيان هوى كانا قد اغتبقا
ورحت أطفو على موجيهما قلقاً / أكاد أحسد مرءاً فيهما غرقا
يا للشباب يغار الحلم من شِرَةٍ / به وتحسد فيه الحِنكَةُ النَّزَقا
وللبساطة ما أغلى كنائزَها / قارونُ يُرخِصُ فيها التبرَ والورِقا
تلم كأسي ومن أهوى وخاطرتي / وما تجيش وبيتَ الشعر والوَرَقا
أيام نعكف بالحسنى على سمر / نساقط اللغو فيه كيفما اتفقا
إذ مسكة الربوات الخضر توسعنا / بما تفتق من أنسامها عَبَقا
إذ تسقط الهامةُ الإصباح يرقصنا / وقاسِيونُ علينا ينشر الشفقا
نرعى الأصيل لداجي الليل يسلمنا / ومن كوى خَفِراتٍ نرقُبُ الغسقا
ومن كوى خفرات تستجد رؤى / نشوانة عن رؤى مملولة نسقا
آهٍ على الحُلْوِ في مرٍّ نغَصُّ به / تفطَّرا عَسلًا في السم واصطفقا
يا جلق الشام إنا خلقة عجب / لم يدر ما سرها إلا الذي خلقا
معذبون وجنات النعيم بنا / وعاطشون ونَمْري الجَوْنةَ الغَدَقا
وزاحفون بأجسام نوابضها / تستام ذَروةَ عِلِّيينَ مرتَفَقا
إنا لنخنق في الأعناق غربتنا / حتى تمورَ على أحداقِنا حُرُقا
نغني الحياة ونستغني كأن لنا / رأد الضحى غلة والصبح والفلقا
يا جلق الشام كم من مطمح خلس / للمرء في غفلة من دهره سرقا
وآخر سلّ من أنياب ذي لبد / وآخرٍ تحت أقدام له سحقا
دامٍ صراع أخي شجوٍ وما خلقا / من الهموم تعنّيه وما اختلقا
يسعى إلى مطمح حانت ولادته / في حين يحمل شلواً مطمحاً شنقا
حران حيران أقوى في مصامدة / على السكوت وخير منه إن نطقا
كذاك كل الذين استودعوا مثُلاً / كذاك كل الذين استرهنوا غلقا
كذاك كان وما ينفك ذو كلف / بمن تعبد في الدنيا أو انعتقا
دمشق عشتك ريعاناً وخافقة / ولمّة والعيون السود والأرقا
وها أنا ويدي جلدٌ وسالفتي / ثلج ووجهي عظم كاد أو عرقا
وأنت لم تبرحي في النفس عالقة / دمي ولحمي والأنفاس والرمقا
تموّجين ظلال الذكريات هوى / وتسعدين الأسى والهمّ والقلقا
فخراً دمشق تقاسمنا مراهقة / واليوم نقتسم الآلام والرهقا
دمشق صبراً على البلوى فكم صهرت / سبائك الذهب الغالي فما احترقا
على المدى والعروق الطهر يرفدنا / نسغ الحياة بديلاً عن دم هرقا
وعند أعوادك الخضراءِ بهجتُها / كالسِّنديانة مهما اسَّاقطتْ ورقا
يا حافظ العهد يا طلاع ألوية / تناهبت حلبات العز مستبقا
تزلزلت تحته أرض فما صعقا / وازخرفت حوله دنيا فما انزلقا
ألقى بزقومها الموبي لمرتخصٍ / وعاف للمتهاوي وردها الطَّرَقا
ياحاضن الفكر خلاقاً كأن به / من نسج زهر الربا موشيَّةً أَنَقا
لك القوافي وما وشَّت مطارِفُها / تُهدى وما استن مهديها وما اعتلقا
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أَجِدُ
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أَجِدُ / أهذهِ صَخرةٌ أم هذهِ كَبِدُ
قدْ يقتلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا / عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا
تَجري على رَسْلِها الدنيا ويَتْبَعُها / رأْيٌ بتعليلِ مَجْراها ومُعْتَقَدُ
أَعْيَا الفلاسفةَ الأحرارَ جَهْلُهمُ / ماذا يُخَبِّي لهم في دَفَّتَيْهِ غَدُ
طالَ التَّمَحُّلُ واعتاصتْ حُلولُهمُ / ولا تَزالُ على ما كانتِ العُقَدُ
ليتَ الحياةَ وليتَ الموتَ مَرْحَمَة ٌ / فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لَبدُ
ولا الفتاةُ بريعانِ الصِّبا قُصِفَتْ / ولا العجوزُ على الكَفَّيْنِ تَعْتَمِدُ
وليتَ أنَّ النسورَ اسْتُنْزِفَتْ نَصَفَاً / أعمارُهُنَّ ولم يُخْصَصْ بها أحدُ
حُيِّيتِ (أمَّ فُرَاتٍ) إنَّ والدةًً / بمثلِ ما انجبتْ تُكْنى بما تَلِدُ
تحيَّةً لم أجِدْ من بثِّ لاعِجِهَا / بُدَّاً وإنْ قامَ سَدّاً بيننا اللَّحدُ
بالرُوحِ رُدَّي عليها إنّها صِلَةٌ / بينَ المحِبينَ ماذا ينفعُ الجَسدُ
عَزَّتْ دموعيَ لو لمْ تبعثي شَجناً / رَجعتُ منهُ لحرَّ الدمعِ أَبْتَرِدُ
خلعتُ ثوبَ اصطبارٍ كانَ يستُرُني / وبانَ كَذِبُ ادَّعائي أنني جَلِدُ
بَكَيْتُ حتى بكا مَنْ ليسَ يعرفُني / ونُحْتُ حتىَّ حكاني طائرٌ غَرِدُ
كما تَفجَّر عيناً ثرةًً حَجَرُ / قاسٍ تفجَّرَ دمعاً قلبيَ الصَّلِدُ
إنَّا إلى اللهِ! قولٌ يَستريحُ بهِ / ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحَدُوا
مُدي إليَّ يَداً تُمْدَدْ إليكِ يَدُ / لا بُدَّ في العيشِ أو في الموتِ نَتَّحِدُ
كُنَّا كشِقَّيْنِ وافى واحِدا ً قَدَرٌ / وأمرُ ثانيهما مِن أمرهِ صَدَدُ
ناجيتُ قَبْرَكِ أستوحي غياهِبَهُ / عنْ حالِ ضَيْفٍ عليه مُعْجَلاً يَفِدُ
وردَّدَتْ قَفْرَة ٌ في القلب ِ قاحِلة ٌ / صَدى الذي يَبتغي وِرْدَاً فلا يَجِدُ
ولفَّني شَبَحٌ ما كانَ أشبهَهُ / بِجَعْدِ شَعْرِكِ حولَ الوجهِ يَنْعَقِدُ
ألقيتُ رأسيَ في طَّياتِهِ فَزِعَاً / نَظِير صُنْعيَ إذ آسى وأُفْتَأدُ
أيّامَ إنْ ضاقَ صدري أستريحُ إلى / صَدْرٍ هو الدهرُ ما وفّى وما يَعِدُ
لا يُوحِشُ اللهُ رَبْعَاً تَنْزِلينَ بهِ / أظُنُّ قبرَكِ رَوْضَاً نورُهُ يَقِدُ
وأنَّ رَوْحَكِ رُوحٌ تأنَسِينَ بها / إذا تململَ مَيْتٌ رُوحُهُ نَكَدُ
كُنَّا كنَبْتَةِ رَيْحَانٍ تَخَطَّمَها / صِرٌّ فأوراقُها مَنْزُوعَة ٌ بَدَدُ
غَطَّى جناحاكِ أطفالي فكُنْتِ لَهُمْ / ثَغْرَاً إذا استيقظوا عَيْنَاً إذا رَقَدوا
شَتَّى حقوقٍ لها ضاقَ الوفاءُ بها / فهل يكونُ وفاءً أنّني كَمِدُ
لم يَلْقَ في قلبِها غِلٌّ ولا دَنَسٌ / لهُ مَحلاً ولا خُبْثٌ ولا حَسَدُ
ولم تَكُنْ ضرَّةً غَيْرَى لجارتِها / تُلوى لخيرٍ يُواتيها وتُضْطَهَدُ
ولا تَذِلُّ لِخَطْبٍ حُمَّ نازِلُهُ / ولا يُصَعِّرُ منها المالُ والوَلَدُ
قالوا أتى البرقُ عَجلاناً فقلتُ لهمْ / واللهِ لو كانَ خيرٌ أبْطَأَتْ بُرُدُ
ضاقتْ مرابِعُ لُبنان بما رَحُبَتْ / عليَّ والتفَّتِ الآكامُ والنُجُدُ
تلكَ التي رَقَصَتْ للعينِ بَهْجَتُها / أيامَ كُنّا وكانتْ عِيشَةٌ رَغَدُ
سوداءُ تَنْفُخُ عن ذكرى تُحَرِّقُني / حتَّى كأنّي على رَيْعَانِهَا حَرِدُ
واللهِ لم يَحْلُ لي مَغْدَىً ومُنْتَقَلٌ / لما نُعِيتِ ولا شخصٌ ولا بَلَدُ
أين المَفَرُّ وما فيها يُطَارِدُني / والذكرياتُ طَرِيَّاً عُودُها جُدُدُ
أألظلالُ التي كانَتْ تُفَيِّئُنَا / أمِ الهِضَابُ أمِ الماءُ الذي نَرِدُ
أمْ أنتِ ماثِلَة ٌ؟ مِن ثَمَّ مُطَّرَحٌ / لنا ومِنْ ثَمَّ مُرْتَاحٌ ومُتَّسَدُ
سُرْعَانَ ما حالَتِ الرؤيا وما اختلفتْ / رُؤَىً ولا طالَ- إلا ساعة ً- أَمَدُ
مَرَرْتُ بالحَوْر ِ والأعراسُ تملأهُ / وعُدْتُ وهو كمَثْوَى الجانِّ ِ يَرْتَعِدُ
مُنَىً - وأتْعِسْ بها- أن لا يكونَ على / توديعِهَا وهي في تابوتِها رَصَدُ
لعلنِي قَارِئٌ في حُرِّ صَفْحَتِهَا / أيَّ العواطِفِ والأهواءِ تَحْتَشِدُ
وسَامِعٌ لَفْظَةً منها تُقَرِّظُني / أمْ أنَّهَا - ومعاذَ اللهِ - تَنْتَقِدُ
ولاقِطٌ نَظْرَةً عَجْلَى يكونُ بها / لي في الحَيَاةِ وما أَلْقَى بِهَا سَنَدُ
حَيّيتُ سفحَكِ عن بُعْدٍ فحَيِّيني
حَيّيتُ سفحَكِ عن بُعْدٍ فحَيِّيني / يا دجلةَ الخيرِ يا أُمَّ البساتينِ
حييتُ سفحَك ظمآناً ألوذُ به / لوذَ الحمائمِ بين الماءِ والطين
يا دجلةَ الخيرِ يا نبعاً أفارقُهُ / على الكراهةِ بين الحِينِ والحين
إنِّي وردتُ عُيونَ الماءِ صافيةَ / نَبْعاً فنبعاً فما كانت لتَرْويني
وأنتَ يا قارَباً تَلْوي الرياحُ بهِ / لَيَّ النسائمِ أطرافَ الأفانين
ودِدتُ ذاك الشِراعَ الرخص لو كفني / يُحاكُ منه غَداةَ البَين يَطويني
يا دجلةَ الخيرِ: قد هانت مطامحُنا / حتى لأدنى طِماحِ غيرُ مضمون
أتَضمنينَ مَقيلاً لي سَواسِيةً / بين الحشائشِ أو بين الرياحين؟
خِلْواً مِن الهمِّ إلاّ همَّ خافقةٍ / بينَ الجوانحِ أعنيها وتَعنيني
تَهُزُّني فأُجاريها فتدفعُني / كالريح تُعجِل في دفع الطواحين
يا دجلةَ الخيرِ: يا أطيافَ ساحرةٍ / يا خمرَ خابيةٍ في ظلِّ عُرْجون
يا سكتةَ الموتِ يا إعصارَ زوبعةٍ / يا خنجرَ الغدرِ يا أغصانَ زيتون
يا أُم بغدادَ من ظَرفٍ ومن غَنَجٍ / مشى التبغددُ حتى في الدهاقين
يا أمَّ تلك التي من «ألفِ ليلتِها» / للآنَ يعبِق عِطرٌ في التلاحين
يا مُستَجمَ «النُّوُاسيِّ» الذي لبِستْ / به الحضارةُ ثوباً وشيَ «هارون»
الغاسلِ الهمَّ في ثغرٍ وفي حَبَبٍ / والمُلبسِ العقلَ أزياءَ المجانين
والساحبِ يأباه الزِّقَّ ويُكرِهُه / والمُنْفِقِ اليومَ يُفدى بالثلاثين
والراهنِ السابِريَّ الخزَّفي قدحٍ / والملهِمِ الفنَّ من لهوٍ أفانين
والمُسْمعِ الدهرَ والدنيا وساكنَها / قرْعَ النواقيسِ في عيدِ الشعانين
يا دجلة الخير: ما يُغليكِ من حنَقٍ / يُغلي فؤادي وما يُشجيكِ يشجيني
ما إن تزالَ سِياطُ البغي ناقعةً / في مائِك الطُهْرِ بين الحِين والحين
ووالغاتٌ خيولُ البغي مُصْبِحةَ / على القُرى آمناتٍ والدهاقين
يا دجلة الخير: أدري بالذي طفحت / به مجاريك من فوقٍ إلى دوُن
أدري على أيِّ قيثارٍ قد انفجرت / أنغامُكِ السُمر عن أنَّات محزون
أدري بأنكِ من ألفٍ مضتْ هَدَراً / للآن تَهْزَين من حكم السلاطين
تَهزين أنْ لم تزلْ في الشرق شاردةً / من النواويس أرواحُ الفراعين
تهزينَ من خِصْبِ جنَّات منشَّرةٍ / على الضفاف ومن بؤس الملايين
تهزين من عُتقاءٍ يوم مَلحمةٍ / أضفوا دروعَ مَطاعيمٍ مَطاعين
الضارعين لأقْدارٍ تحِلُّ بهم / كما تلوَّى ببطن الحُوتِ ذُو النون
يرون سُودَ الرزايا في حقيقتها / ويفزعون إلى حَدْسٍ وتخمين
والخائفينَ اجتداعَ الفقرِ ما لَهُم / والمُفضلِينَ عليه جَدْعَ عِرنين
واللائِذينَ بدعوى الصبر مَجْبَنةً / مُستَعصِمينَ بحبلٍ منه مَوهون
والصبرُ ما انفكَّ مَرداةً لمُحترِبٍ / ومستميتٍ ومنجاةً لمِسكين
يا دجلةَ الخير: والدنيا مُفارَقةٌ / وأيُّ شرٍّ بخيرٍ غيرُ مقرون
وأيُ خيرٍ بلا شرٍّ يُلَقِّحه / طهرُ الملائك منْ رجس الشياطين
يا دجلة الخير: كم مِنْ كنز موهِبةٍ / لديك في «القُمقُم» المسحورِ مخزون
لعلَّ تلك العفاريتَ التي احْتُجِزتْ / مُحَمَّلاتٌ على أكتاف «دُلفين»
لعلَّ يوماً عصوفاً جارفاً عَرِماً / آتٍ فتُرضيك عقباه وترضيني
يا دجلة الخيرِ: إن الشِعْرَ هدْهدةٌ / للسمع ما بين ترخيمٍ وتنوين
عفواً يُردّد في رَفْهٍ وفي عَلَلٍ.. / لحن الحياة رخيِّاً غيرَ مَلحون
يا دجلةَ الخير: كان الشعرُ مُذْ رَسمتْ / كفُ الطبيعةِ لوحاً «سِفْرَ تكوين»
«مزمارُ داودَ» أقوى من نبوّتهِ / فحوًى وأبلغُ منها في التضامين
يا دجلةَ الخير: لم نَصحب لمسكنةٍ / لكن لنلمِسُ أوجاعَ المساكين
هذي الخلائقُ أسفارٌ مجسَدةٌ / المُلهمون عليها كالعناوين
إذا دجا الخطبُ شعَّت في ضمائرهم / أضواء حرفٍ بليل البؤس مرهون
دَينٌ لِزامٌ ومحسودٌ بنعمته / من راح منهم خَليصاً غيرَ مديون
يا دجلة الخير: ما أبقيتُ جازِيةً / لم أقضِ عنديَ منها دَيْنَ مديون
ما كنتُ في مَشْهدٍ يَعنيك مُتَّهماً / خَبَاً وما كنتُ في غيبٍ بظِنِّين
وكان جُرحُكِ إلهامي مُشاركَةً / وكان يأخذُ من جُرحي ويُعطيني
وكان ساحُكِ من ساحي إذا نزلت / به الشدائد أقريه ويَقريني
حتى الضفادعُ في سفحيكِ سَارِيةَ / عاطيتُها فاتناتٍ حُبَّ مفتون
غازلتُهنَّ خليعاتٍ وإن لبست / من الطحالب مزهوَّ الفساتين
يا دجلة الخير: هلاَّ بعضُ عارفَةٍ / تُسدَى إليَّ على بُعدٍ فتَجزينني
يا دجلة الخير: مَنِّيني بعاطفة / وألْهِمينيَ سُلواناً يُسَلِّيني
يا دجلة الخير: من كل الأُلى خَبَروا / بلوايَ لم ألفِ حتى من يواسيني
يا دجلةَ الخيرِ: خلِّي الموجَ مُرتفقاً / طيفاً يمرُّ وإن بعضَ الأحايين
وحمِّليه بحيثُ الثلجُ يغمرني / دفءَ «الكوانين» أو عطر «التشارين»
يا دجلةَ الخير: يا من ظلَّ طائفُها / عن كل ما جَلَتِ الأحلام يُلهيني
لو تعلمين بأطيافي ووحشتِها / ودِدتِ مثلي لَوَ أنَّ النومَ يجفوني
أجسُ يقظانَ أطرافي أعالجها / مما تحرَّقت في نومي بأتُون
وأستريح إلى كوبٍ يُطّمئنُني / أن ليس ما فيه مِن ماءٍ بغِسلين
وألمِسُ الجُدُرَ الدَكناءَ تخبرني / أنْ لستُ في مَهْمَهٍ بالغِيل مسكون
يا دجلةَ الخير: خلِّيني وما قَسَمَتْ / لي المقاديرُ من لدغ الثعابين
الطالحاتُ فما يبعثْنَ صالحةً / ولا يُبعثرْنَ إلاّ كلَّ مأفون
والراهناتُ بجسمي يَنْتَبِشن به / نبشَ الهوامِ ضريحاً كلَّ مدفون
واهاً لنفسيَ من جمعِ النقيضِ بها / نقيضَه جمْعَ تحريكٍ وتسكين
جنباً إلى جنب آلامٍ أقُطِّفُها / قَطْفَ الجياع جَنى اللّذّات يزهوني
وأركبُ الهوْلَ في ريعانِ مامَنةٍ / حبُّ الحياة بِحبِّ الموتِ يُغريني
ما إن أُبالي أصاباً درَّ أم عسلاً / مريٌ أراه على العلاّتِ يرضيني
غُولاً تسنَّمتُ لم أسألْ أكارعَه / إلى الهُوَى أمْ على الواحات ترميني
وما البُطولاتُ إعجازٌ وإنْ قنِعت / نفسُ الْجبانِ عن العلياء بالهُون
وإنَّما هي صفوٌ منْ مُمارَسَةٍ / للطارئات وإمعَانٍ وتمرين
لا يُولَدُ المَرءُ لاهِرَّاً ولا سَبُعاً / لكن عصارةَ تجريبٍ وتلقين
يا دجلة الخير: كم معنًى مزجتُ له / دمي بلحمي في أحلى المواعين
ألفيته فَرْطَ ما ألوى اللواةُ به / يشكو الأمرَّينِ من عَسْفٍ ومن هُون
أجرَّه الشوكَ ألفاظٌ مُرَصَّفةٌ / أجرَّها الشوكَ سجعٌ شِبهٌ موزون
سَهِرتُ ليلَ «أخي ذبيان» أحضُنه / حَضْنَ الرواضعِ بين العتِّ واللين
أعِيدُ من خَلقه نحتاً وخَضْخضةً / والنجمُ يَعْجَب من تلك التمارين
حتَّى إذا آضَ ريَّان الصِبا غَضِراً / مهوى قلوبِ الحسانِ الخرَّدِ العِين
أتاح لي سُمَّ حيَاتٍ مُرقَّطةٍ / تَدبُّ في حمَأ بالحقد مَسْنون
فهل بحسبِ الليالي من صدى ألمي / أني مَضِيغَةُ أنيابِ السراحين
الآكلين بلحمي سُمَّ أغرِبَةٍ / وغُصَّةً في حلاقين الشواهين
والساترينَ بشتمي عُرْيَ سوأتِهم / كخَصْفِ حوّاءَ دوحَ التُوتِ والتين
والعائشينَ على الأهواء مُنزلةً / على بيانٍ بلا هَديٍ وتبيين
والميِّتينَ وقد هيضت ضمائرهُم / بواخزٍ معهم في القبر مدفون
صنّاجةَ الأدبِ الغالي وكم حِقَبٍ / بها المواهبُ سيمَت سَوْمَ مغبون
ومُنْزِلَ السِوَرِ البتراءِ لاعِنَةً / مَنْ لم يكن قبلها يوماً بملعون
جوزيتَ عنها بما أنت الصليُّ به / هذا لَعمري عطاءٌ غيرُ ممنون!!
ماذا سوى مثلِ ما لاقيتَ تأمُلُهُ / شمُ العرانين من جُدْع العرانين
حامي الظعائن لا حمدٌ ولا مِقةٌ / وقد يكون عزاءً حمدُ مظعون
لمن؟ وفيمَ؟ وعمَّن أنت محتملٌ / ثِقْلَ الدَّيات من الأبكار والعُون؟
ويا زعيماً بأن لم يأته خبرٌ / عمّا يُنشَّرُ من تلك الدواوين
لك العمى ومتى احتجَّتْ بأن قَعَدتْ / عن الموازينِ أربابُ الموازين
بل قد مَشَتْ لكَ كالأصباحِ عابقةً / وأنت تحذرها حذرَ الطواعين
كفرتُ بالعلم صِفْرَ القلب تحمله / للبيع في السوق أشباه البراذين
كانت عباقرةُ الدنيا وقادتُها / تأتي المورِّقَ في أقصى الدكاكين
تلمُ ما قد عسى أن فات شارِدُهُ / عنها ولو كان في غُيَّابة الصين
لهفي على أمَّةٍ غاض الضميرُ بها / من مدّعي العلمِ والآداب والدين
موتى الضمائرِ تُعطي المَيْتَ دمعتَها / وتستعينُ على حيٍّ بسكِّين
لا بُدَّ معجِلةٌ كفُّ الخَراب به / بيتٌ يقوم على هذي الأساطين
جُبْ أُربُعَ النقد واسألْ عن ملاحمها / فهل ترى من نبيغٍ غيرِ مطعون
وقِفْ بحيثُ ذوو النَّزْعِ الأخير بها / وزُرْ قُبورَ الضحايا والقرابين
ترَ الفطاحلَ في قتلٍ على عَمَدٍ / همُ الفطاحلُ في صوغ التآبين
مِن ناكرٍ عَلَماً تُهدى الغواة به / حتى كأن لم يكن في الكاف والنون
أو قارنٍ بأسمه خُبثاً وملأمةً / مَن ليس يوماً بضْبِعَيْهِ بمقرون
تشفّياً: إنَّ لمحَ الفكر منطلقاً / قذًى بعين دعيِّ الفكر مأفون
عادى المعاجمَ وغْدٌ يستهين بها / يُحصي بها «أبجدياتٍ» ويعدوني
شلَّت يداك وخاست ريشةٌ غفلت / عن البلابل في رسم السعادين
يا دجلةَ الخير: ردّتني صنيعتَها / خوالجٌ هُنَّ من صنعي وتكويني
إن المصائب طوعاً أو كراهيةً / أعَدْنَ نَحْتِي كما أبدَعْنَ تلويني
أرَينني أنّ عندي من شوافِعِها / إذا تباهى زكيٌ ما يزكّيني
وجَبَّ شتَى مقاييسٍ أخذتُ بها / مقياسُ صبرٍ على ضُرٍّ وتوطين
وراح فضلُ الذي يبغي مباهلتي / نعمى تعنِّيه من بؤسي تعنيني
يا دجلةَ الخير: شكوى أمْرُها عجبٌ / إنّ الذي جئت أشكو منه يشكوني
ماذا صنعتُ بنفسي قد أحَقْتُ بها / ما لم يُحقْهُ ب«روما» عسفُ «نيرون»
ألزمتها الجِدَّ حيثُ الناسُ هازلةٌ / والهزلَ في موقفٍ بالجدِّ مقرون
وسُمْتُها الخسفَ أعدى ما تكون له / وأمنعُ الخسفَ حتى من يعاديني
ورحتُ أظمي وأسَقي من دمي زُمراً / راحت تُسقي أخا لؤمٍ وتُظميني
وقلتُ بالزهدِ أدري أنَّه عَنَتٌ / لا الزهدُ دأبي ولا الإمساك من ديني
خَرطَ القتاد أمنّيها وقد خِلِقتْ / كيما تنامَ على وردٍ ونِسرين
حراجةٌ لو يُرى حمدٌ يرافقها / هانتْ وقد يُدَّرى خطبٌ بتهوين
لكنْ رأيتُ سِماتِ الخيرِ ضائعةً / في الشرِّ كاللثغِ بين السينِ والشين
ما أضيعَ الماسَ مصنوعاً ومتطَبِعاً / حتى لدى أهلِ تمييزٍ وتثمين
يا دجلةَ الخير: هل أبصرتِ بارقةً / ألقت بلمحٍ على شطَّيكِ مظنون؟
تلكمْ هي العمرُ ومضٌ من سنى عَدمٍ / ينصَّبُ في عَدَمٍ في الغيبِ مكنون
يا دجلة الخير: هل في الشكِّ منجلياً / حقيقةٌ دون تلميحٍ وتخمين؟
أم خولطت فيه أوهامٌ وأخيلةٌ / كما تخالطت الألوانُ في الجُون
أكاد أخرج من جلدي إذا اضطربت / هواجسٌ بين إيقانٍ وتظنين
أقول لو كنزُ قارونٍ وقد عَلِمَتْ / كفَّايَ أن ليس يُجدي كنزُ قارون
أقول: ما كنزُ قارون فيدمَغُني / أنَّ الخَصاصةَ من بعض السراطين
أقول: ليت كفافاً والكفافُ به / رُحبُ الحياةِ وأقواتُ المساجين
أقولُهنَّ وعندي علمُ ذي ثِقةٍ / أنْ ليس يُؤخَذَ علمٌ بالأظانين
وإنَّما هي نفسٌ همُّ صاحبها / أنْ لا تُصدِّقَ مدحوضَ البراهين
لم يوهب الفكرُ قانوناً يُحصِّنه / من الظنونِ ومن سُخف القوانين
يا نازحَ الدارِ ناغِ العُودَ ثانيةً / وجُسَّ أوتارُه بالرِفْقِ واللين
لعلَ نجوى تُداوي حرَّ أفئدة / فيها الحزازاتُ تَغلي كالبراكين
وعلَّ عقبى مناغاةٍ مُخفِّقةً / حمّى عناتر «صفينِ» و«حطين»
ويا صدى ذكرياتٍ يستثرن دمي / بهِزّةٍ جمَةِ الألوان تعروني
أشكو المرارةَ من إعناتِ جامحةٍ / منها إلى سمحةٍ برٍّ فتُشكيني
مثلَ الضرائرِ هذي لا تطاوعني / فأستريحُ إلى هذي فتُؤويني
ويا مَقيلاً على غربيِّها أبداً / ذكراهُ تَعطِفُ من عودي وتَلويني
عُشُّ الأهازيجِ من سَجعي يُردِّدها / سجعُ الحَمامِ وترجيعُ الطواحين
وسِدْرةٌ نبعُها خضْدٌ وساقيةٌ / وباسقُ النخلِ معقوفُ العراجين
ومُسْتَدقُّ صخورٍ من مآبرها / رؤًى تَظَلُّ على الحالينِ تُشجيني
من أنمل الغِيد في حسنٍ تُتمِّمه / فإنْ تعرَّتْ قمن أنياب تنِّين
يا مجمعَ الشملِ من صحبٍ فُجعتُ به / وآخرٍ رُحْتُ أبلوه ويبلوني
ويا نسائمَ إصباحٍ تصفِّقُ لي / ندى الغصون بليلاتٍ وتَسقيني
ويا رؤى أُصُلٍ نشوى تراوحني / ويا سنا شفقٍ حلوٍ يُغاديني
ويا مَداحةَ رملٍ في مَخاضتها / راحت أُصيبيةٌ تلهو فتُلهيني
وضجَّةٌ من عصافيرٍ بها فَزعُ / على أكِنَّتِها بين الأفانين
ومنطقٌ ليس بالفصحى فتفهمُه / يوماً وما هو من حسٍ بملحون
وأنت يا دجلة الخيرات سِعْليةٌ / قرعاء نافجةُ الحضنينِ تعلوني
لا ضيرَ كلُّ أخي عُشٍّ مفارقُه / وأيُّ عُشٍّ من البازي بمأمون!
ويا ضجِيعَي كرًى أعمى يلفُّهما / لفَّ الحبيبين في مطمورةٍ دُون
حسبي وحسبُكما من فرقةٍ وجوًى / بلاعجٍ ضَرِمٍ كالْجمرِ يَكويني
لم أعْدُ أبوابَ ستينٍ وأحسبني / هِمَّاً وقفتُ على أبواب تسعين
يا صاحبيَّ إذا أبصرت طيفَكما / يمشي إليِّ على مَهلٍ يحييني
أطبقتُ جَفناً على جَفنٍ لأبصُرَه / حتى كأنَّ بريقَ الموتِ يُعشيني
إنِّي شَمِمُتُ ثرًى عفناً يضمُّكما / وفي لُهاثيَ منه عِطرُ «دارين»
بنوةً وإخاءً حلفَ ذي ولَعٍ / بتربةٍ في الغد الداني تغطيني
لقد وَدِدْتُ وأسرابُ المنى خُدعُّ / لو تَسلمان وأنِّ الموت يطويني
قد مِتُّ سبعينَ موتاً بعد يومِكما / يا ذلَّ من يشتري موتاً بسبعين
لم أقوَ صبراً على شجوٍ يرمِّضُني / حرَّانَ في قفصِ الأضلاعِ مسجون
تصعدتْ آهِ من تلقاء فطرتها / وأردفت آهةٌ أُخرى بآمين
ودبَّ في القلبِ من تأمورِه ضرمٌ / ما انفكَّ يُثلج صدري حين يُصليني
يا أُمّ عوفٍ عجيباتٌ ليالينا
يا أُمّ عوفٍ عجيباتٌ ليالينا / يُدنين أهواءَنا القُصوى ويُقصينا
في كلِّ يومٍ بلا وعيٍ ولا سببٍ / يُنزلنَ ناساً على حُكمٍ ويُعلينا
يَدِفْنَّ شَهْدَ ابتسامٍ في مراشفنا / عَذْباً بعلقم دمعٍ في مآقينا
ويقترِحْنَ علينا أنْ نُجرَّعَهُ / كالسمِّ يجرعُه سُقراطُ تَوْطينا
يا أُمَّ عوفٍ وما يُدريكِ ما خَبَأتْ / لنا المقاديرُ من عُقبى ويُدرينا
أنَّى وكيف سيُرخي من أعنَّتنا / تَطوافُنا ومتى تُلقى مَراسينا
أزرى بأبيات أشعارٍ تقاذَفُنا / بيتٌ من الشَعَرِ المفتول يَؤوينا
عِشنا لها حِقَباً جُلَّى ندلِّلُها / فتجتوينا ونُعليها فتُدنينا
تقتاتُ من لحمنا غضًّا وتُسغِبنا / وتستقي دَمنا محضاً وتُظمينا
يا أُمَّ عوفٍ حُرمنا كلَّ جارحةٍ / فينا لِنُسرِجَ هاتيكَ الدواوينا
لم يدرِ أنَّا دُفِنَّا تحتَ جاحِمها / مطالعٌ يتملاها بَراكينا
يا أُمَّ عوفٍ بِلَوْح الغيب موعدُنا / هنا وعندك أضيافاً تَلاقِينا
لم يبرحِ العامُ تِلوَ العامِ يَقذِفُنا / في كلِّ يومٍ بمَوماةِ ويرمينا
زواحفاً نرتمي آناً وآونةً / مصعِّدين بأجواءٍ شواهينا
مُزعزَعينَ كأنَّ الجنَّ تُسلمنا / للرّيحِ تَنشُرنا حيناً وتَطوينا
حتى نزلنا بساحٍ منكِ مُحتضِنٍ / رأد الضُحى والنَّدى والرملَ والطّينا
مفييءٍ بالجواء الطلقِ مُنصلِتٍ / للشمس تجدعُ منه الريحُ عِرنينا
خِلْتُ السماءَ بها تهوي لتلثَمَهُ / والنجمَ يسمحُ من أعطافه لِينا
فيه عطفنا لميدانِ الصِّبا رسَناً / كادَ التصرُّمُ يَلويه ويَلوينا
يا أُمَّ عوفٍ وما آهٌ بنافعةٍ / آهٍ على عابثٍ رَخْصٍ لماضينا
على خضيلٍ أعارته طلاقَتها / شمسُ الربيع وأهدته الرياحينا
سالتْ لِطافاً به أصباحُنا ومشتْ / بالمنِّ تنطِفُ والسلوى ليالنا
سمحٍ نجرُّ به أذيالَنا مرَحاً / حِيناً ونعثُر في أذياله حينا
آهٍ على حائرٍ ساهٍ ويَرشُدنا / وجائرِ القصد ضِلِّيلٍ ويَهدينا
آهٍ على ملعبٍ أن نستبدَّ به / ويستبدَّ بنا أقصى أمانينا
مثلَ الطيورِ وما رِيشَتْ قوادمُنا / نطيرَ رهواً بما استطاعت خَوافينا
من ضحكة السَّحَرِ المشبوب ضحكتُنا / ومن رفيفِ الصِّبا فيه أغانينا
يا أُمَّ عوفٍ وكاد الحِلمُ يَسلُبنا / خيرَ الطِباع وكاد العقل يُردينا
خمسونَ زُنَتْ مليئاتٍ حقائبُها / من التجاريب بِعناها بعشرينا
إذ نحنُ مِن هذه الدنيا ضراوتُها / وإذ مغاني الصِّبا فيها مغانينا
يا أُمَّ عوفٍ بريئاتٌ جرائرُنا / كانت وآمِنةُ العقبى مَهاوبنا
نستلهِمُ الأمرَ عفواً لا نخرِّجُهُ / من الفحاوي ولا نَدري المضامينا
ولا نُعاني طوِّياتٍ معقَّدةً / كما يَحُلُّ تلاميذٌ تمارينا
نأتي المآتيَ من تلقاءِ أنفُسِنا / فيما تصرِّفنا منها وتُثنينا
إنْ نندفعْ فبعفوٍ من نوازعنا / أو نرتدعْ فبمحضٍ من نواهينا
ما إنْ يَرينُ علينا خوفُ منقلَبٍ / ولا نراقب ما تَجزي جوازينا
لا الأرض كانت مُغوَّاةً تَلقَّفُنا / غدراً ولا خاتلٌ فيها يُداجينا
إذا ارتكسنا إغاثتنا مَغاوينا / أوِ ارتكضنا أقلَّتنا مَذاكينا
أوِ انصببنا على غايٍ نُحاولها / عُدنا غُزاةً وإن طاشت مرامينا
كانت محاسنُنا شتَّى وأعظمُها / أنَّا نخافُ عليها مِن مَساوينا
واليومَ لم تألُ تَستشري مطامِحُنا / وتقتفيها على قدْرٍ مَعاصينا
فما نعالجُ خرقاً من مهازلنا / إلا بأوسعَ منه في مآسينا
يا أُمَّ عوفٍ أدالَ الدهرُ دولتَنا / وعاد غَمْزاً بنا ما كان يزهونا
خبا من العمر نوءٌ كان يَرزُمنا / وغابَ نجمُ شبابٍ كان يَهدينا
وغاضَ نبعُ صفا كنَّا نلوذ به / في الهاجرات فيّروينا ويُصفينا
يا أُمَّ عوفٍ وقد طال العناءُ بنا / آهٍ على حِقبةٍ كانت تعانينا
آهٍ على أيمنٍ من ربعِ صبوتنا / كنَّا نجولُ به غرًّا ميامينا
كانت تُجِدُّ لنا الأحلامُ حاشيةً / مذهوبةً كلَّما قُصَّت حواشينا
كنَّا نقول إذا ما فاتنا سَحَرٌ: / لا بُدَّ مِن سَحَرٍ ثانٍ يُواتينا
لا بُدَّ مِن مطلعٍ للشمس يُفرِحنا / ومن أصيلٍ على مهلٍ يُحيّينا
واليومَ نَرقُبُ في أسحارنا أجَلا / تقومُ من بَعدهِ عَجلى نواعينا
يا أُمَّ عوفٍ كوادٍ أنت نازلةٌ / دَمْثاً فَسيحاً ندّياً كان وادينا
في مثلِ رملتكِ الحمراءِ زاهيةً / كانت تخُبُّ عفاريتاً مَهارينا
ومثل خيمتكِ الدكناءِ فارهةً / كانت ترِفُّ على رملٍ صَوارينا
يا أُم عوف وما كنَّا صيارفةً / فيما نُحبُّ ولا كنا مُرابينا
لم نَدْرِ سُوقَ تِجارٍ في عواطفهم / ومُشترينَ مودّاتِ وشارينا
لا نعرِف الوِّد إلا أنَّه دنَفٌ / من الصبابةِ يعتاد المُحبينا
فما نُصابح إلا مَن يُماسينا / ولا نُراوح إلا مَن يُغادينا
يا أُمَّ عوف ولا تغرُرْكِ بارقةٌ / منَّا ولا زائفٌ من قولِ مُطرينا
غُفلا أتيناكِ لم تعلَقْ بنا غُرَرٌ / ولا حُجولٌ وإنْ رفَّتْ هوادينا
إنا أتيناكِ من أرضٍ ملائكُها / بالعُهِر تُرجم أو تُرضي الشياطينا
إنْ لم يَلُحْ شبحٌ للخوف يُفرعنا / فيها يَلُحْ شبحٌ للذل يُصمينا
يا أُمَّ عوف أأوهامٌ مضلِّلةٌ / أمِ الأساطيرُ يُبدعنَ الأساطينا
مِنْ عهد آدمَ والأقوامُ مزجيةٌ / خوفَ الشرورِ الضّحايا والقرابينا
أكُلَّما ابتدعَ الإنسانُ آلهةً / للخيرِ صيَّرها شرٌّ ثعابينا!؟
يا أُمَّ عوف سِئمنا عيشَ حاضرةٍ / تَرُبُّ سِقْطَينِ شِرِّيراً ومِسكينا
وحشٌ وإنْ روَّضَ الإِنسيُّ جامحَها / قفرٌ وإنْ مُلئتْ ورداً ونِسرينا
ضحَّاكةُ الثَّغرِ بُهتاناً وحاملةٌ / في الصدرِ للشرِّ أو للبؤس تنِّينا
وخانقاً من قراميدِ يحوّطنا / حوطَ السجون مناكيداً مساجينا
رانَ الخمولُ عليه واستبدَّ به / جذبُ الجواذب من هَنّا ومن هِينا
ولُقمةٍ ردَّها ما نسترقُّ به / وما نكافحُ زَقّوماً وغِسلينا
يا أُمَّ عوف وقد شِبْنا بمعتركٍ / نرعى المقاييسَ منه والموازينا
عُمياً نَدور على مرمى حوافره / معقودةٌ بتواليه نَواصينا
ما انفكَّ فُحْشُ تَظنِّيهِ يُلاحقنا / حتى عُدينا بفُحشٍ في تظنِّينا
فما نصدِّقُ أفواهاً بألسنةٍ / ما لم يُقمْنَ عليهنَّ البراهينا
ولا بأفئدةٍ حتى تُعاهدَنا / بأنَّ أنياطها ليست ثعابينا
وقد يشِمْنا بِمُودٍ من مراتعنا / يُغثي النفوس ومُوبٍ من مَراعينا
لا يلمسُ الروحَ فينا مَن يُصاحبنا / ولا تحدُّ حدودٌ مَن يُعادينا
ولا ينمُّ بسٍّ مَن يُضاحِكنا / ولا يَرفُّ بجَفنٍ مَن يُباكينا
ولا تسيلُ على اللَبَّات أنفسُنا / إلا ذِماً ثمّ تغشاها غواشينا
وآنِسٌ أنْ بَئِسنا فهو مادِحُنا / أغَمَّهُ أن نَعَمنا فهو هاجينا
يُضوي لئامتَه شرٌّ يَحيقُ بنا / حِقداً ويُسمنها خيرٌ يواتينا
لم يَدْرِ أنَّا على الحالين يُرمضنا / مِن بؤس خَلْقٍ سوانا يعنِّينا
وأنَّنا حين يُروي الناسَ نبعُهمُ / نُروى بنبعِ هُمومٍ فُجّرتْ فينا
وأنَّنا نحسبُ الخالينَ من ألمٍ / غَرثى عفاةً وإن كانوا قوارينا
لم يَدْرِ أنَّ النفوسَ العامراتُ بُنًى / تبقى على نكَدِ الدُّنيا عناوينا
يا رملةَ اللَّهِ رُدِّي عن تحيَّتِنا / بخيرِ ما فيكِ من لُطفٍ وحيّينا
وسامرينا فقد ألوى بنا سمرٌ / وطارِحينا فقد عَيَّت قوافينا
رُدِّي بما وَهِبَته الشاءُ من وتَرٍ / إذا ثَغا ردَّدته الروحُ تلحينا
ونبحةٍ من كُليبٍ خِلْتُ نبرتَها / من زُخرفِ القول تَحريكاً وتسكينا
وخُطبة تُسمع الرهطينِ مُلْفيةً / في الذئب والحمَلِ المرعوبِ مُصغينا
عَوَى هزيعاً فردَّتْ عنه ثاغيةٌ / كانت تقول له آمين آمينا
وحولَه الشاءُ والمِعزى مهوِّمةً / تُزجي الأكارع أو تُرخي العثانينا
تهَشَّ للمرج فَيناناً وتُرعدها / رؤيا تمثلُّ جزّاراً وسكينا
أغفى ونَصَّبَ خيشوماً يُحِسُّ به / خُطى اللصوص ويستاف السراحينا
ولفَّهُ وهجُ الأصواف يُوقِدها / عن صرِّ كانون تَنّوراً وكانونا
ويا بساطاً منَ الخضراءِ طرَّزهُ / صوبُ الغمام أفانيناً أفانينا
أوصِ المروجَ بنا خيراً لعَّل بها / من ضَنكةِ الروح فينا ما يُداوينا
جِئنا مغانيكِ نُسَّاكاً يُبرِّحهمْ / لُقيا حبيبٍ أقاموا حُبَّه دينا
ولاءَمتنا شِعابٌ منكِ طاهرةٌ / كما تضمُّ المحاريبُ المصلّينا
لم أُلفِ أحفلَ منها وهي مُوحشةٌ / بالمؤنسات ولا أزهى ميادينا
ولا أدقَّ بياناً مِن مجاهلها / ولا أرقَّ لما توحيه تبيينا
حتى كأنَّ الفِجاجَ الغُبرَ تَفهمُنا / والمبهماتِ من الوادي تُناغينا
تجاوبتْ بصدى الدُّنيا مفاوزُها / واستعرضت منَ بني الدنيا الملايينا
وانساب حشدُ الرمال السافياتِ بها / يُحصى الأناسيَّ منها والأحايينا
كم لَمَّتِ الشمسُ أوراساً وكم قطفتْ / من الأهلَّةِ عُرجوناً فعرجونا
وكم حوتْ من ربيع الدهر أخيلةً / فطِرْنَ رعباً وأفراساً فعُرِّينا
أحالها النور شيئاً غيرَ عالمها / حتى كأنَّا بوادٍ غيرِ وادينا
حتى كأنَّا وضوءُ البدر يَفرشها / نمشي على غيمةٍ منه تماشينا
يا نسمة الريح مِن بين الرياحينِ
يا نسمة الريح مِن بين الرياحينِ / حيي الرُصافة عني ثم حَيّيني
إن لم تمري على أرجاءِ شاطِئها / فلَيتَ لم تحملي نشراً لدارين
لا تَعبَقي أبداً إلاّ مُعطّرةً / ريانةً بشَذَى وردٍ ونِسرين
أهديت لي ذكرَ عَصرٍ قد حَييت به / من عَلَّم الريحَ أن الذكرَ يُحييني
حيثُ الزمانُ وَريقُ العودِ رَيّقه / والدهرُ دَهرُ صباباتٍ تواتيني
معي من الصحب يسعى كلُّ مُقتَبِلٍ / نَضْرِ الشباب طليقِ الوجهِ ميمون
خالٍ من الهَمّ لو لامَسْتَ غُرَّته / أعداكَ واضحُ تَهليلٍ وتَحسين
ولي الى الكرخِ من غربيِّها طَرَب / يكادُ ُمن هِزَّةٍ للكرخِ يرميني
حيث الضفافُ عليها النخلُ متِّسقٌ / تنظيمَ أبيات شعرٍ جدِّ موزون
وللنسيم استراقٌ في مرابعها / للخطو مَشْيٌ ثقيلُ القيد موهون
يا ربةَ الحسن لا يُحصَى لنَحصِره / وصفٌ فكلُ معانينا كتخمين
والله لو لا ربوعٌ قد ألِفتُ بها / عيشَ الأليفينِ أرجوها وترجوني
وان لي من هوى أبنائها نَسَباً / دونَ العشيرة للأصحاب يَنميني
لاخترتُها منزلاً لي أستظلُّ به / عن الجنان وما فيهن يُغنيني
لخبَّرت كيفَ شوقُ الهائمين بها / وكيفَ صَفْقُ عذولي كفَ معبون
اخوانُنا حيث راقَ الجَسرُ وانتظَمَتْ / الى مغانيكم أنفاسُ مَحزون
فالشمس كل بروج الافق تصحبها / سيراً وتسري الى برج بتعيين
سقاكُمُ ريِّقٌ من صَوب غاديةٍ / ينهلُّ عن عارض بالبشرِ مقرون
لا تحسبوا أن بُد الدارِ يُذهلني / عنكم ولا قِصرَ الأيامِ يُنسيني
ضِقتُمْ قلوباً لما ضمَّتْ جوانحُنا / لو كانَ يسمَحُ في نشر الدواوين
ذاوي النبات هشيماً لستُ آمنَ من / ريح الصَّبا أنها جاءت لتذروني
خلِّ الملامةَ في بغدادَ عاذلنتي / علامَ في شم رَوح الخُلد تَلحيني
هل غيرُ نَفسٍ هَفَت شوقاً لمالئها / شوقاً يصعِّد بين الحين والحين
أما النسيمُ فقد حَملتهُ خَبَراً / غيرُ النسيم عليه غيرُ مأمون
ما سرَّني وفنونُ العلم ذاويةٌ / أنَّ الأفانينَ لُفَّتْ بالأفانين
ولا الربوع وان رقَّ النسيم بها / إن كان من خَلفها أنفاسُ تِنّين
هيهاتَ بعد رشيدٍ ما رأت رَشداً / كلا ولا أمِنَت من بعد مَأمون
أما اللسانُ فقد أعيا الضِرابُ به / وكان جِدَّ رهيفِ الحدِّ مَسنون
ذوى شبابيَ لم يَنْعَم بسرّاءِ
ذوى شبابيَ لم يَنْعَم بسرّاءِ / كما ذوى الغصنُ ممنوعاً عن الماءِ
سَدَّتْ عليَّ مجاري العيشِ صافيةً / كفُّ الليالي وأجرتها بأقذاء
فمِنْ عناءِ بَلَّياتٍ نُهكتُ بها / إلى عناء . ومن داءٍ إلى داء
ستٌ وعشرونَ ما كانت خُلاصتُها / - وهي الشبابُ طريّاً – غيرَ غمَّاء
وما الحياةُ سوى حسناءَ فارِكةٍ / مخطوبةٍ من أحبَّاء وأعداء
قد تمنعُ النفسَ أكفاءً ذوي شغفٍ / ورّبما وهبتها غيرَ أكفاء
ولا يزالُ على الحالينِ صاحبُها / معذَّبَ النفسِ فيها بيِّنَ الداء
فإنْ عجِبتَ لشكوى شاعرٍ طرِبٍ / طولَ الليالي يُرى في زِيِّ بّكاء
فلستُ أجهلُ ما في العيش من نِعمٍ / انا الخبيرُ بأشياءٍ وأشياء
ولا أحبُّ ظلامَ القبر يغمُرني / أنا الخبيرُ بأشياءٍ وأشياء
وإنَّما أنا والدُّنيا ومحنتُها / كطالبِ الماء لمَّا غَصَّ بالماء
أُريدُها لمسرّاتٍ فتعكِسُها / وللهناءِ فَتثنيهِ لايذاء
وقد تتبَّعتُ أسلافي فما وقعتْ / عيني على غير مشغوفِ بدُنياء
فانْ أتتكَ أحاديثٌ مُزخرَفةٌ / عن الذينَ رَوَوْها أو عن الللائي
يُشوِّهونَ بها إبداعَ غانيةٍ / فتَّانهٍ لم تكنْ يوماً بشوهاء
طوراً تُصوّرُ حِرباء وآونةً / كالأفعوان . وأُخرى كالرُّتَيْلاء
فلا تصدّقْ فما في العيشِ منقصةٌ / لولا أضاليلُ غوغاءٍ ... ودهماء
ذَمَّ الحياةَ أُناسٌ لم تُواتِهُمُ / ولا دَروا غيرَ دَرَّ الإبْل والشاء
وقلَّدَتْهُمْ على العمياء جَمهرةٌ / تمشي على غير قصدٍ خبطَ عشواء
ولو بدَتْ لهمُ الدُّنيا بزيِنتها / لقابلوها بتبجيلٍ وإطراء
لم تكفِني نكباتٌ قد أُخذتُ بها / حَتى نُكبتُ بأفكاري وآرائي
لي في الحياة أمانٍ لو جَهَرتُ بها / قُوبلتُ من سَفْسطيَّاتٍ بضوضاء
ولو أتاني بِبُرهانٍ يجادلُني / لقلتُ : أهلاً على العينين ِ مولائي
شِيدتْ قصورٌ على الأجراف جاهزةٌ / بكلِّ ما تشتهيهِ أعينُ الرائي
فيهنَّ من شهواتِ النفس أفظعُها / فيها غرائبُ أخبارٍ وأنباء
فيها اللَّذاذاتُ والأفراحُ عاصفةٌ / بنفسِ ذاكَ المُرائي عَصفَ نكباء
حتى إذا قلتَ قولاً تستبينُ به / لُطفَ الحياةِ بتصريحٍ وإيماء
هاجوا عليكَ بإقذاعٍ ومفحشةٍ / وآذنوكَ بحربٍ جِدِّ شعواء
حُرِّيةُ الفكر ما زالتْ مهدَّدةً / في " الرَّافدين " بهمَّازٍ ومشَّاء
وبالنواميسِ ما كانتْ مُفسَّرةً / إلا لِصالحِ هيئاتٍ وأسماء
ليتَ الذي بكَ في وَقْع النوائبِ بِي
ليتَ الذي بكَ في وَقْع النوائبِ بِي / ولا أُشاهد ثُكْلَ الفَضْلِ والأدبِ
صابتْ حشاك وأخْطَتْني نوافذُها / ليت النوائبَ لمْ تُخطئْ ولم تُصب
هلاّ تعّدى الردى منه ببطشته / لغيره أو تعدى النبعَ للغَربِ
هيهاتَ كفُّ الردى نقادةٌ أبداً / للأكرمينَ تُفدي الرأس للذنب
يا غائبا لم يَؤُبْ بل غائِبَينِ معاً / عن العلى معه غابت ولم تؤب
لِيَهْنِكَ الخلدُ في الأخرى وجنتُه / يا خير منقلبٍ في خير منقَلب
نعم الشفيعانِ ما قدَّمتَ من عملٍ / ببه سراً وما فرَّجتَ عن كَرَب
وما رأيتُ كمعروفٍ يُجاد به / بين الرجال وبين الله من سبب
قدمتَ لله أعمالاً تَخِذتَ لها / من التقى مسرحاً في مرتع خصِب
قالوا الزيارةُ فاتته فقلتُ لهم / ما فاته أن يزورَ اللهَ في رجب
كأن نعشَك والاجواءُ غائمةٌ / تُقِلُّه الناس للسُّقيا من السُّحب
لو كان في جند " طالوت " لما طلبوا / " سكينة وسْط تابوتٍ " من الخشب
كم ذا يصعّرُ أقوام خدودَهم / كفاهم عِبرةٌ في خدك التَّرِب
كم يَعْجَبُ المرءُ من أمرٍ يفاجئه / وما درى أن فيه أعجبَ العجب
بَيْنا يُرى وهو بينَ الناس محتشمٌ / إذا به وهو منبوذٌ على التُرُب
لا يُعجِبَنَّ ملوكَ الارض همتُهم / فان أعظم منها همةُ النُّوَب
لا شملَ يبقى على الأيام مجتمعاً / يبددُ الموتُ حتى دارةَ الشهب
أودى الذي كان تِيْهُ المكرُمات به / على سواهن تِيهَ الخُرَّدِ العُرُب
فقُم وعزِّ عُيونَ المجد في حَوَرٍ / فَقَدْنَهُ وثغورَ الفضل في شَنَبَ
صبراً محبيهِ إن الموت راحة مَنْ / قد كان في هذه الأيام في تعب
تسليمةُ المرءِ فيما خُطَّ من قَدَرٍ / أجدى له من داء الويل والحرَب
والموتُ إن لم يذدْهُ حزنُ مكتئبٍ / به فأحسنُ منه صبرُ محتسب
وغضبةُ المرء في حيثُ الرضا حَسَنٌ / قبيحةٌ كالرضا في موقع الغضب
ذابت عليك قلوب الشاعرينَ أسىً / فما اعتذارةُ شعرٍ فيك لم يذبُ
شيئانِ يُرْفَع قدرُ المرء ما ارتفعا / نظمٌ لدى الشعر أو مأثورة الخطب
ماذا يقول لسان الشعر في رجل / خير البنينَ بنوء وهو خيرُ أب
إن غاب عنا ففي أولاده عَقِبُ / يحييك ذكراً وذكر المرء في العقب
اودى بحسّاده غيظاً كأنّبه / " محمد " وبشانيه " أبالهب "
لا عيبَ فيه سوى إسرافِهِ كرماً / يومَ النَّوال ولولا ذاك لم يُعَب
وفي " الرضا " مسرح للقول منفسح / كلُّ القصائد فيه دَرَّةُ السحب
انسُ الجليس وإن نابته نائبةٌ / كأنه – وهو دامي القلب – في طرب
أخو الندى وأبو العليا اذا انتسبا / " كناية بهما عن اشراف النسب "
كلُ الخصال التي جمَّعتها حسُنَت / وقعاً وأحسنُ منها طبعك العربي
لا تَحْسَبنَّ تمادي العمر أدبَّه / كذاك كان على العلات وهو صبي
ان لم يؤدِّ بياني حَقَّكم فلقد / سعيتُ جَهْدي ولكن خانني أدبي
تلجلجتْ بدخيل القول " ألسنة " / للعرب كانت قديماً زِينةَ الكتب
ان أنكرتني أُناس ضاع بينهم / قدري فمن عَرَّف " الحجار" بالذهب
كم حاسدٍ لم يجرِّبْ مِقولي سَفَهاً / حتى دَسْستُ اليه السم في الرُّطب
طعنتُه بالقوافي فانثنى فَرَقاً / يشكو إلى الله وقع ِ المقْولِ الَّرب
فان جهلت فتى قد بذ مشيخةٍ / في الشعر فاستقص عنه " حلبة الادب "
كِلُوا إلى الغَيبِ ما يأتي به القَدَرُ
كِلُوا إلى الغَيبِ ما يأتي به القَدَرُ / واستَقبلوا يومَكُمْ بالعزمِ وابتدروا
وصَدِّقُوا مُخْبِراً عن حُسْنِ مُنْقلَبٍ / وآزِرُوه عسى أنْ يَصْدُقَ الخَبَرُ
لا تَتْرُكوا اليأسَ يَلقى في نُفوسكم / لَه مَدَبَّاً ولا يأخُذْكُمُ الخَوَر
إنَّ الوساوِسَ إنْ رامَتْ مَسارِبَها / سَدَّ الطريقَ عليها الحازِمُ الحَذِر
تَذكَّروا أمس واستوُحوا مَساوئهُ / فقدْ تكونُ لَكُمْ في طَيَّه عِبَر
مُدُّوا جَماجِمَكمْ جِسراً إلى أملٍ / تُحاوِلونَ وشُقُوا الدربَ واخْتَصِروا
وأجمِعوا امرَكُم يَنْهَضْ بسعيِكُمُ / شَعبٌ إلى هِمَمِ الساعينَ مُفْتَقِر
إنَّ الشبابَ سِنادُ المُلْكِ يَعضُدُهُ / أيّامَ تُوحِدُهُ الأرزَاءُ والغِيَر
أتتْكُمُ زُمرةٌ تحدو عزائِمَها / ما خَلَّفت قَبلها من سيّيءٍ زُمَر
ألفتْ على كلِّ شبرٍ من مَسالكها / يلوحُ مما جَنى أسلافُها أثر
مُهمةٌ عظُمت عن انْ يقوم بِها / فردٌ وأن يتحدَّى امرَها نفر
ما إن لكُم غيرَهُ يومٌ فلا تَهنوا / وقد أتتكم بما تخشونه نُذُر
طالتْ عَمايةُ ليلٍ ران كَلْكَلُه / على البلادِ وإنَّ الصُبْحَ يُنتظر
وإنما الصُبحُ بالأعمال زاهيةً / لا الوعدُ يُغري ولا الأقوالُ تنتَشِر
وأنتَ يا بن " سليمانَ" الذي لَهِجتْ / بما جَسرتَ عليه البدوُ والحضر
الكابتُ النفسَ أزماناً على حنَقٍ / حتى طغى فرأينا كيفَ ينفجر
والضاربُ الضربةَ لصَدمتِها / لحمُ العُلوج على الأقدام ينتثر
هل ادَّخرتَ لهذا اليوم إهبَته / أم أنت بالأجل الممتَّدِ مُعتذر
أقدَمتَ إقدامَ من لا الخوفُ يمنَعُهُ / ولا يُنَهنِهُ مِن تَصميمهِ الخطر
وحَسْبُ امرِك توفيقاً وتوطئةً / أنَّ الطُغاةَ على الأعقابِ تَندحر
دبَّرتَ أعظمَ تدبيرٍ وأحسنَه / تُتلى مآثِرُهُ عُمراً وتُدَّكر
فهل تُحاوِل ان تُلقي نتائِجه / يأتي القضاءُ بها أو يَذْهب القَدَر
وهل يَسُرُك قولُ المُصطلين به / والمُستغِلين أنَّ الأمرَ مبتَسَر
وأنَّ كُلَّ الذي قد كانَ عِندَهم / على التبدل في الأسماءِ مُقْتَصر
وهل يَسُرُك أن تخفي الحُجُولُ به / ما دامَ قد لاحتِ الأوضاحُ والغُرَر
أُعيذُ تلك الخُطى جَبَّارةً صُعِقَت / لها الطواغيتُ وارتجَّت لها السُرُر
أنْ يَعتري وقْعَها من رَبكةٍ زَللٌ / أو أن يثبِّط من إقدامها الحَذَر
ماذا تُريد وسيفٌ صارِمٌ ذَكرٌ / يحمي الثغورَ و أنتَ الحيَّة الذَكر
والجيشُ خلفَك يُمضي مِن عزيمتهِ / فَرطُ الحماسِ ويُذكيها فتَستعِر
أقدِمْ فأنتَ على الإقدامِ مُنطَبِعٌ / وأبطُشْ فأنت على التنكيل مُقتدر
وثِقْ بأن البلادَ اليومَ أجمعَها / لما تُرجيِّه مِن مسعاك تَنتظِر
لا تُبقِ دابِرَ أقوامٍ وتَرْتَهم / فَهم إذا وَجدوها فُرصَةً ثأروا
هُناك تنتظِرُ الأحرارَ مَجزرةٌ / شنعاءُ سوداءُ لا تُبقي ولا تَذَر
وثَمَّ شِرذِمةٌ الفَتْ لها حُجُباً / من طُولِ صَفحٍ وعَفوٍ فهي تَستَتر
إنّي أُصارِحك التعبيرَ مُجترئاً / وما الصريحُ بذي ذَنبٍ فَيعتذر
إن السماءَ التي ابديتَ رَونَقها / يومَ الخميس بدا في وَجهها كَدَر
تَهامَسَ النفَرُ الباكون عَهدَهُم / أن سوفَ يرجِعُ ماضيهم فَيزدِهر
تَجري الأحاديثُ نكراءً كعادتِها / ولم يُرَعْ سامرٌ مِنهُم ولا سمر
فحاسبِ القومَ عن كلِّ الذي اجترحوا / عما أراقوا وما اغتلوا وما احْتَكروا
للآن لمْ يُلغَ شبرٌ من مَزارعِهم / ولا تَزحزح مّمِا شيَّدوا حَجر
ولم يزل لهمُ في كلِّ زاويةٍ / مُنوِّهٌ بمخازيهم ومُفَتخر
وتلكَ لِلحرَّ مأساةٌ مُهيَّجةٌ / يَدمى ويدمعُ منها القلبُ والبصَر
فضيِّقِ الحبلَ واشدُدْ مِن خناقِهُمُ / فَربَّما كانَ في إرخائه ضَرر
ولا تَقُلْ تِرَةٌ تبقى حَزازتُها / فَهُمْ على أيِّ حالٍ كُنتَ قد وُتِروا
تَصوَّرِ الأمرَ معكوساً وخُذْ مَثَلاً / مما يَجرُّونه لو أنهم نُصِروا
أكانَ للرِفِقِ ذِكرٌ في مَعاجِمهمْ / أم كانَ عن " حِكمةٍ " أو صحبِهَ خَبَر
واللهِ لاقتِيدَ "زيدٌ " باسم " زائدةٍ" / ولأصطلى " عامرٌ " والمبتغى " عُمَر"
ولا نمحى كلُ رَسمٍ من مَعالمكُم / ولاشتَفَتْ بِكُم الأمثالُ والسِيَر
ولا تزالُ لهم في ذاكَ مأرُبَةٌ / ولا يزالُ لهم في أخذِكُم وطَر
أصبحتُ أحذرُ قولَ الناسِ عن أسفٍ / من أن يروا تِلكمُ الآمالَ تَندَثِر
تَحرَّكَ الَلحدُ وانشقَّت مُجدَّدةً / أكفانُ قَومٍ ظنَّنا أنَّهم قُبِروا
قِفْ بالمعَرَّةِ وامسَحْ خَدَّها التَّرِبا
قِفْ بالمعَرَّةِ وامسَحْ خَدَّها التَّرِبا / واستَوحِ مَنْ طَوَّقَ الدُّنيا بما وَهَبا
واستَوحِ مَنْ طبَّب الدُّنيا بحكْمَتَهِ / ومَنْ على جُرحها مِن روُحه سَكَبا
وسائلِ الحُفْرةَ المرموقَ جانِبُها / هل تبتَغي مَطْمَعاً أو ترتجي طلَبا
يا بُرجَ مفْخَرةِ الأجداث لا تهِني / أنْ لم تكُوني لأبراج السَّما قُطُبا
فكلُّ نجمٍ تمنَّى في قَرارته / لو أنَّه بشُعاعٍ منكِ قد جُذبا
والمُلْهَمَ الحائرَ الجبَّارَ هل وصَلَتْ / كَفُّ الرَّدى بحياةٍ بَعْدَه سَبَبا؟
وهل تَبدَّلْتَ رُوحاً غيرَ لاغبةٍ / أم ما تزال كأمسٍ تشتكي اللَّغَبا
وهل تخبَّرْتَ أنْ لم يألُ مُنْطَلِقٌ / منُ حرّ رأيكَ يَطْوي بعْدكَ الحقَبا
أم أنتَ لا حِقَبلً تدري ولا مِقَةً / ولا اجتواءً ولا بُرءاً ولا وصَبا
وهل تصَحَّحَ في عُقْباكَ مُقْتَرحٌ / ممَّا تفَكرتَ أو حَدَّثْتَ أو كُتِبا ؟
نَوِّر لَنا إنَّنا في أيّ مُدَّلج ٍ / ممَّا تَشكَّكْتَ إنْ صِدقاً وإنْ كذبا
أبا العلاءِ وحتى اليومِ ما بَرِحتْ / صَنَّاجهُ الشَعر تُهدي المترفَ الطَّربا
يَستنزلُ الفكرَ من عَليا مَنازلهِ / رأسٌ ليمسحَ من ذي نعمةٍ ذنَبا
وزُمرةُ الأدبِ الكابي بزُمرتهِ / تفرَّقَتْ في ضَلالاتِ الهوى عُصَبا
تَصَّيدُ الجاهَ والألقابَ ناسيةً / بأنَّ في فكرةٍ قُدسيَّةٍ لقبا
وأنَّ للعبقريّ الفذِّ واحدةً / إمَّا الخُلودَ وإمَّا المالَ والنَّشبا
من قبلِ ألفٍ لَو انَّا نبتغي عِظةً / وعَظْتَنا أنْ نصونَ العلمَ والأدبا
على الحصيرِ وكوزُ الماء يَرفدهُ / وذِهنُه ورفوفٌ تحمِلُ الكتبا
أقامَ بالضَّجَّةِ الدُّنيا وأقعدَها / شيخٌ أطلَّ عليها مُشفقاً حَدِبا
بَكى لأوجاعِ ماضيها وحاضرِها / وشامَ مُستقْبَلاً منها ومرتقبَا
وللكآبةِ ألوانٌ وأفجعُها / أنْ تُبصرَ الفيلسوفَ الحُرَّ مكتئِبا
تناولَ الرثَّ من طبعٍ ومُصطَلحٍ / بالنقدِ لا يتأبَّى أيَّةً شجبا
وألهمَ الناسَ كي يَرضَوا مغبَّتهم / أن يُوسعوا العقلَ ميداناً ومضطَربا
وأنْ يَمدُّوا به في كلِّ مُطَّرحٍ / وإنْ سُقوا مِن جَناه الويلَ والحرَبا
لِثورةِ الفكرِ تأريخٌ يحدّثُنا / بأنَّ ألفَ مسيحٍ دونَها صُلِبا
إنَّ الذي ألهبَ الأفلاكَ مِقولُه / والدَّهرَ لا رَغَباً يرجو ولا رهَبا
لم ينسَ أنْ تشمَلَ الأنعامَ رحمتُهُ / ولا الطيورَ ولا أفراخَها الزُغُبا
حَنا على كلّ مغضوبٍ فضمَّده / وشجَّ منْ كان أيّاً كان مغتصِبا
سَلِ المقاديرَ هل لازلتِ سادرةً / أمْ أنتِ خجلى لِما أرهقتهِ نصبا؟
وهل تعمَّدتِ أنْ أعطيتِ سائبةَ / هذا الذي من عظيمٍ مثْلِه سُلبا
هذا الضياءَ الذي يَهدي لمكمنّه / لِصّاً ويُرشدُ أفعى تَنفُثُ العَطَبا
فانْ نَخَرتِ بما عوَّضتِ من هبةٍ / فقد جنيتِ بما حمَّلتهِ العصبا
تلمَّسَ الحُسنَ لم يمدُدْ بمُبصرةٍ / ولا امتَرى دَرَّةً منها ولا حلبا
ولا تناولَ من ألوانها صُوراً / يَصُدُّ مبتعِدٌ منهنَّ مُقتربا
لكنْ بأوسعَ من آفاقها أمداً / رَحْباً وأرهفَ منها جانباً وشَبا
بعاطفٍ يتبنَّى كلَّ معتلِجٍ / خفَّاقه ويُزكّيهِ إذا انتسبا
وحاضنٍ فُزَّعَ الأطيافِ أنزلها / شعافَه وحباها معقِلاً أشِبا
رأسٌ من العَصَبِ السامي على قفص / من العظام إلى مهزولةٍ عُصِبا
أهوى على كُوَّةٍ في وجههِ قدَرٌ / فسَدَّ بالظلْمةِ الثُقْبينِ فاحتجبا
وقال للعاطفات ِ العاصفاتِ بهِ / ألآنََ فالتمسي مِن حُكْمهِ هربا
ألآنَ يشربُ ما عتَّقتِ لا طفَحاً / يُخشى على خاطرٍ منه ولا حبَبا
ألآنَ قولي إذا استوحشتِ خافقَه / هذا البصيرُ يُرينا آيةً عَجبا
هذا البصيرُ يُرينا بين مندرِسٍ / رثِّ المعالم هذا المرتَعَ الخصِبا
زنجيَّةُ اليلِ تروي كيف قلَّدها / في عُرسها غُرَرَ الأشعار لا الشهبا
لعلَّ بين َ العمى في ليلِ غُربته / وبين فحمتَهِا من أُلفَةٍ نسبا
وساهرُ البرق والسُمَّارُ يُوقِظهم / بالجزع يخفق من ذكراه مضطرِبا
والفجرُ لو لم يلُذْ بالصبح يَشربه / من المطايا ظِماءً شُرَّعاً شُربا
والصبحُ ما زال مُصفرّاً لمقرّنَهِ / في الحُسْن بالليل يُزجي نحوه العتبا
يا عارياً من نَتاجِ الحُبِّ تكرمةً / وناسجاً عَفَّةً أبرادَهُ القشُبا
نعوا عليكَ – وأنت النور – فلسفةً / سوداءَ لا لذَّةً تبغي ولا طرَبا
وحمَّلوكَ – وأنت النارُ لاهبةً - / وِزرَ الذي لا يُحسُّ الحُبَّ ملتهبا
لا موجةُ الصَّدرِ بالنهدينِ تدفعه / ولا يَشقُّ طريقاً في الهوى سَربا
ولا تُدغدِغُ منه لذَّةٌ حُلُماً / بل لا يُطيقُ حديثَ اللذَّةِ العذِبا
حاشاك إنَّكَ أذكى في الهوى نفسَاً / سََمْحاً وأسلسُ منهمْ جانباً رطِبا
لا أكذبنَّكَ إنَّ الحُبَّ متَّهمٌ / بالجَور يأخذ مِنَّا فوقَ ما وَهبا
كم شيَّعَ الأدبُ المفجوعُ مُختضَراً / لدى العيونِ وعندَ الصدر مُحتَسَبا
صَرعى نَشاوى بأنَّ الخَودَ لُعبتُهم / حتى إذا استَيقظوا كانوا هُمُ اللُعَبا
أرتهُمُ خيرَ ما في السّحْرِ من بُدءٍ / وأضمرتْ شَرَّ ما قد أضمرتْ عُقبا
عانَى لَظَى الحُبِّ " بشَّارٌ " وعُصبتُه / فهل سوى أنَّهم كانوا له حَطبا
وهل سوى أنهم راحوا وقد نذروا / للحبِّ ما لم يجب منهم وما وَجبا
هل كنتَ تخلدُ إذ ذابوا وإذ غَبرُوا / لو لم ترُضْ منِ جِماحِ النفس ما صَعُبا
تأبى انحلالاً رسالاتٌ مقدَّسةٌ / جاءت تقوِمُ هذا العالَمً الخَربا
يا حاقِرَ النبعِ مزهُوّاً بقوَّتهِ / وناصراً في مجالي ضعفهِ الغَرَبا
وشاجبَ الموت من هذا بأسهمهِ / ومُستمِنّاً لهذا ظِلَّهُ الرَّحبِا
ومحرِجَ المُوسِرِ الطاغي بنعمتهِ / أنْ يُشرِكَ المُعْسِرَ الخاوي بما نهبا
والتَّاجُ إذ تتحدَّى رأسَ حاملهِ / بأيِّ حقٍّ وإجماعٍ به اعتصبا
وهؤلاءِ الدُّعاةُ العاكفونَ على / أوهامهم صنماً يُهدون القُرَبا
الحابطونَ حياةَ الناس قد مَسخوا / ما سنَّ شَرْعٌ وما بالفطرة اكتُسِبا
والفاتلونَ عثانيناً مُهرّأةً / ساءتْ لمحتطِبٍ مَرعى ومحتطَبا
والمُلصِقونَ بعرش اللهِ ما نسجت / أطماعُهم : بِدعَ الأهواءِ والرِيّبا
والحاكمونَ بما تُوحي مطامعُهم / مؤِّولينَ عليها الجدَّ واللَّعبا
على الجلود من التدليس مَدرعةٌ / وفي العيون بريقٌ يخطَف الذهبا
ما كان أيُّ ضلالٍ جالباً أبداً / هذا الشقاء الذي باسم الهُدى جُلبا!
أوسَعْتَهم قارصاتِ النقدِ لاذعةً / وقلتَ فيهم مَقالاً صادقاً عجبا
" صاحَ الغرابُ وصاحَ الشيخُ فالتبستْ / مسالِكُ الأمر: أيٌّ منهما نعبا "
أجللتُ فيك من الميزات خالدةً / حُرَّيةَ الفكرِ والحرمانَ والغضبا
مجموعةً قد وجدناهُنَّ مُفرَدةً / لدى سواكَ فما أغنيننا أربا
فربَّ ثاقبِ رأيٍ حطَّ فكرتَه / غُنمٌ فسَفَّ وغطَّى نورَها فخبا
وأثقلَتْ مُتَعُ الدُّنيا قوادِمَهُ / فما ارتقى صُعُداً حتَّى ادَّنى صَبيا
بَدا له الحقُّ عُرياناً فلم يَرهُ / ولاحَ مقتلُ ذي بغيٍ فما ضَربا
وإنْ صدقتُ فما في الناس مُرتكِباً / مثلُ الأديب أعان الجورَ فارتكبا
هذا اليراعُ شواظُ الحقّ أرهفه / سيفاً . وخانعُ رأيٍ ردَّه خشبا
ورُبَّ راضٍ من الحرمان قِسَمته / فبرَّر الصبرَ والحرمانَ والسغبا
أرضى وإنْ لم يشأ أطماحَ طاغيةٍ / وحالَ دونَ سوادِ الشعب أن يثبا
وعوَّضَ الناسَ عن ذُلٍّس ومَتربَةٍ / مَنَ القناعةِ كنزاً مائجاً ذهبا
جيشٌ من المُثُلِ الدُّنيا يَمُدُّ به / ذوو المواهبِ جيشَ القوَّةِ اللَّجبا
آمنت بالله والنورِ الذي رسمَتْ / به الشرائعُ غُرّاً منهجاً لَحِبا
وصُنتُ كَّل دُعاةِ الحقِّ عن زَيغٍ / والمُصلحينَ الهداةَ العُجْمَ والعَرَبا
وقد حَمِدتُ شفيعاً لي على رَشَدي / أُمّاً وجدتُ على الإسلامِ لي وأبا
لكنَّ بي جنَفَاً عنِ وعي فلسفةٍ / تقضي بأنَّ البرايا صُنِّفتْ رُتَبا
وأنَّ مِن حِكمةٍ أنْ يجتني الرُّطَبا / فردٌ بجَهد ألوفٍ تعلكُ الكَرَبا
حيِّ الصفوفَ لرأبِ الصدعِ تجتمعُ
حيِّ الصفوفَ لرأبِ الصدعِ تجتمعُ / وحيِّ صرخةَ أيقاظٍ بمن هجعوا
إنَّ الشبابَ جنودَ اللهِ ألَّفهمْ / في " الشامِ " داعٍ من الأوطانِ مُتَّبع
مَشوا على خَطوهِ تنحطُّ أرجلُهمْ / كما اشتهى " المثلُ الأعلى " وتَرتفع
" دِمَشقُ " لم يُبق منكِ الدهرُ باقيةً / إلاّ الذي في توَقي غيرِه ضَرَع
ولو أردتُ بكِ التقريع عن مِقَةٍ / لقلتُ : أنفُكِ رغمَ العزِّ مُجتدع
فما انتظارُكِ مَيْتاً لا ضميرَ لهُ / حزماً فلا الخوفُ ذو شأنٍ ولا الطمع
نُبِّئتُ في " الغُوطةِ " الغنّاءِ عاصفةٌ / تكادُ تجتثُّ ما فيها وتَقتلع
مرَّتْ على " بردى " فالتاثَ مَوردهُ / وبالغياضِ فلا حُسنٌ ولا مَرَع
فقلتُ : لاضيرَ إنْ كانت عجاجتُها / عن غضبةِ البلدِ المسلوبِ تنقشع
وهل سوى مُتَعٍ زالتْ ستخلِفُها / مُخَّلداتٍ . حِساناً . خُرَّداً . مُتَع
أمَّ البلادِ التي ما ضيِم نازِلُها / يوماً . ولم يَدْنُ منها العارُ والهَلع
محميَّةً بالأصمِّ الفردِ تحرُسُه / غُلْبُ الرِّجالِ على الآجالِ تقترع
مثلَ " النسورِ " إذا ما حلَّقوا رهبوا / والموتُ ملءُ خوافيهم إذا وقعوا
الحاسِرونَ كنبعِ السروةِ احتفَلوا / بالنازلاتِ فلا التاثوا . ولا ادَّرعوا
والرابضونَ كآسادِ الشرى فاذا / هِيجوا رأيتَ المنايا كيف تندفع
لا ينطقونَ الخّنا حتى إذا اقتَتلوا / فمنطِقُ الفتكِ منهم منطقٌ قَذَع
دِمَشقُ يا " أمُّ " إنَّ الرأيَ مُحتَفلٌ / والعزمَ مُحتتشَدٌ . والوقتَ مُتسِع
قولي يُجبْ شاحِنُ الأضلاعِ مرتقِبٌ / واستصرخي ينتفضْ غَيرانُ مُستمع
وأجمعي الأمرَ نُجمِعْ لا يُفرِّقنا / أأنتِ أمْ نحنُ فيما ينبغي تَبع
وطوعَ أمركِ أجنادٌ مجنَّدةٌ / إلى " العُروبِة " بعد اللهِ تنقطع
يُغنيكِ عن وصف ما يَلقونَ أنهمُ / خوفاً عليكِ ولمَّا تُفجعي فُجعوا
وقد يكونُ قريباً أنْ ترى " حلبٌ " / خيلَ العراقِ قُبيلَ النجعِ تنتجع
"قُبّاً " شوازبُ لا تُلوى شكائمُها / ولا يرينُ على " تقريبه " الضلَع
ثقي " دِمَشقُ " فلا حدٌّ ولا سِمةٌ / ولا خطوطٌ – كلعبِ الطفلِ – تُبتدع
تُقصيكِ عن أرضِ بغدادٍ ودجلتها / أمَّا الفراتُ فنبعٌ بيننا شَرع
إذا " الجزيرةُ " روَّت منه غُلَّتها / روَّى الغليلَ الفراتيونَ وانتقعوا
جرى على الكأسِ والأنباءُ مُفجِعةٌ / دمعٌ هو القلبُ نحوَ العينِ يَندفع
وارتاحَ للبثِّ " خِدنٌ " كادَ يَخنقه / ذكرى " دمشقَ " وما تلقى وما يَقع
فقلتُ : ليتَ " فرنسا " ها هُنا لترى / كيف القلوبُ على الأرزاءِ تَجتَمع
هذي مباهجُ " بغدادٍ " ونشوتُها / وجداً عليكِ . فكيف الحزنُ والهلع
دارتْ دمشقُ بما اسطاعتْ فما قدرت / على سياسةِ خبّ داؤها الجشَع
كانت " أناةٌ " فلم تَنجع ولا جنَفٌ / وكانَ ريثٌ فلم ينفعْ ولا سرَع
بعدَ الثلاثينَ عاماً وهي رازحةٌ / حسرى تطلَّعُ للماضي وترتجع
كانت محافِلُ " باريسٍ " لها سنَداً / واليومَ منها يحين الحَينُ والفزع
" اليومَ " ضاقتْ بشكواها وآهتِها / و " أمسِ "كانت على " عثمانَ " تتسع
حتى كأنْ لم يكنْ للعُربِ مطَّلبٌ / ولا استقلَّ بحملِ القومِ مضطلِع
ولا مشتْ " بُرُدٌ " والموتُ يحملها / ولا سعتْ " رُسلٌ " والموتُ يتَّبع
ولا المشانقُ في أعوادِها ثمرٌ / غضٌّ منَ الوطنِ المفجوعِ يُقْتطع
لئن تكن خُدَعٌ ساءتْ عواقبها / فكم أنارتْ طريقاً مُظلِماً خُدَع
كانتْ دُروساً لسوريا وجيرتِها / من فرطِ ما طبَّقوها فيهمُ برعوا
يا ثورةً قرَّبَ الظلمُ اللِّقاحَ بها / سيلمسُ المتجِّني شرَّ ما تضع
قالوا : السياسةُ شرعٌ ما به نصفٌ / فهل تكونُ جنوناً ما به وَرَع ؟
وهل يُريدونَ بعدَ اليومِ تجربةً / وفي تذكُّرِ ما قد فاتَ مُرتَدَع
قلبَ العُروبةِ هل بُشرى نُسرُّ بها / أنَّ " السُّويداءَ " بُرْءٌ ما به وجع
و " اللاذقيةُ " هل " ربٌّ " يقوم بها / أم ربُّها العَلمُ المحبوبُ يرتفع
وفي " الجزيرةِ " هل زالت وساوسُها / وهل توَّحدتِ الآراءُ والشِّيَع
يا " جنَّةَ الخُلدِ " لو لم يؤذِ نازلها / ضيفٌ ثقيلٌ عليها وجهُه بَشع
بادي المخالبِ " وحشٌ " لم يلدهُ أبٌ / لكنَّه في ديارِ الغربِ مُختَرَع
" دمَشقُ " إنَّ معي قلباً أضيقُ به / يكادُ من خلجاتِ الشوقِ ينخلع
جمَّ النزيِّ إلى مغناكِ مُتَّجهٌ / كأنه من رُباكِ الخُضْرِ مُنتزَع
ناغي خيالُكِ " أطفالي " فيقظتُهم / ذكرى وطيفُكِ مغناهم إذا هجعوا
" فراتُ " أشبهُ كلِّ الناسِ بي ولعاً / فيما أُحِبُّ تبنَّاهُ بكِ الوَلع
نَعوا إلى الشِعرِ حُراً كان يرعاهُ
نَعوا إلى الشِعرِ حُراً كان يرعاهُ / ومَنْ يَشُقُّ على الأحرارِ مَنعاهُ
أخنى الزَّمانُ على نادٍ " زها " زَمناً / بحافِظٍ واكتسى بالحُزنِ مغناه
واستُدْرجَ الكوكَبُ الوضاءُ عن أُفُقٍ / عالي السَّنا يُحْسِرُ الأبصارَ مَرقاه
أعْززْ بأنَّا افتقَدناهُ فأعوزنا / وجهٌ طليقٌ وطَبعٌ خفَّ مجراه
وأنَّ ذاكَ الخفيفَ الروحِ يُوحشُه / بيتٌ ثقيلٌ على الأحياءِ مَثواه
ضيفٌ على رِمَمٍ شتَّى طبائعُها / ما كانَ يجمعُها حالٌ وإياه
أنَّ الذي هزَّ كلَّ الناس مَحضَرُهُ / لم يبقَ في الناس منه غيرُ ذكراه
نأت رعايَتُنا عنه وفارقَنا / فِراقَ مُحتَشمٍ فلْيَرْعَهُ الله
حوى التُرابُ لِساناً كُلُّهُ مُلَحٌ / ما كلُّ مُحتَرِفٍ للشِّرِ يُعطاه
للأريحيَّةِ مَنْشاهُ ومَصْدرُهُ / وللشَّجاوةِ والإيناسِ حَدّاه
جمُّ البَدائهِ سَهْل القولِ ريِّضُه / وطالما أعوزَ المِنطيقَ إبداه
جَلا القِراعُ الشبا منهُ ولطفَّهُ / طولُ التَّجارِبِ في الدُّنيا ونقَّاه
تخيَّر الكَلِمَ العالي فَسلَّطهُ / على القوافي فحَّلاها وحلاّه
ومَدَّها ببنَتِ الفِكرِ مُرسَلةً / تَرَسُّلَ السَّيلِ أدناهُ كأقصاه
من كلِّ مَعنىً لطيفٍ زاد رونَقَهُ / إبداعُ " حافِظَ " فيهِ فهو تيَّاه
فلو يُطيق القريضُ النُطقَ قابلةُ / بالشكرِ عن حُسن ما أسدى فأطراه
عرائسٌ من بنات الفكر حاملةٌ / مِن حافظٍ أثَراً حُلواً كسِيماه
وما الشُعورُ خيالُ المرءِ يَنْظِمهُ / لكنَّهُ قِطِعِاتٌ مِن سجاياه
أخو الحماسِ رقيقاً في مقاطعهِ / تكادُ تُلْمسُ نِيرانٌ وأمواه
وذو القوافي لِطافاً في تَسَلسُلها / ما شانَها عنَتٌ يوماً وإكراه
وابنُ السِنينَ نَقيَّاتٍ صحائفُها / أُولاه فائضةٌ حُسناً وأُخراه
فانْ يكُنْ خُضِدت بالموتِ شوكتُهُ / أو نالَ وقعُ البِلى منهُ فعرّاه
فما تزالُ مَدى الأيامِ تُؤنسُنا / نظائرٌ مِن قوافيهِ وأشباه
شِعرٌ تُحِسُّ كأنَّ النفسَ تَعشَقُهُ / أو أنَّها اجتُذِبَتْ بالسِحر جرّاه
زانَتْ مواقِفَهُ جُنديَّةٌ كُسيَت / من الرزانهِ ما لمْ تُكْس لولاه
مشى بمصرَ فلم يَعثُر بها ورمى / مُحتلَّ مِصرَ فلم يُخطِئْهُ مَرماه
رِيعَ القريضُ بفذٍّ كانَ يملؤهُ / مِن الجميلينِ مَبناهُ ومَعناه
يُعطي لكلِّ مَقامٍ حقَّهُ ويَرى / حقّاً لسامعهِ لابُدَّ يَرعاه
قد يُوسِعُ الأمرَ تفصيلاً يُحتَّمُه / حالٌ وقد يَكتفي عنهُ بفَحواه
وقد يجيئُ بما لم يَجْرِ في خَلَدٍ / وقد يقولُ الذي لم تهوَ إلاّه
فمٌ من الذهب الابريزِ مَنطِقُهُ / جاءتْ تُعزّي به الأشعارَ أفواه
اليومَ يبكيهِ دامي القلبِ طارَحَهُ / بِدامياتِ قوافيهِ فواساه
وضيِّقُ الصدرِ بالأيام غالطَهُ / عنِ الحياةِ وما فيها فعزّاه
حَسْبُ الزمانِ وحِسبُ الناسِ مَنقصةً / أن طالَ من حافظٍ في الشِعر شكْواه
ما للزمانِ ونفسٍ ريعَ طائُرها / ألمْ تكنْ في غِنىً عنها رزاياه
ضَحيَّةَ الموتِ هل تهوى مَعاودَةً / لِعالمٍ كنتَ قَبلاً مِن ضَحاياه
يا ابنَ الكِنانهِ والأيامُ جائزةٌ / والدهرُ مُغْرَمةٌ بالحُرِّ بَلواه
لُقِّيتَ مِن نَكَدِ الدُّنيا ومحنتها / ما كنتَ لولا إباءٌ فيكَ تُكفاه
ما لذَّةُ العيشِ جَهلُ العَيشِ مَبدؤهُ / والهمُّ واسِطهُ والموتُ عُقباه
يا ابنَ الكِنانهِ ماذا أنتَ مُشتَمِلٌ / عليه ممَّا سَطا مَوتٌ فغَطَّاه
سِتّونِ عاماً أرتْكَ الناسَ كُنهَهَمُ / والدهرَ جوهرَهُ والعُمْرَ مَغزاه
وبَصَّرتكَ بأطباع يَضيقُ بها / صدرُ الحليم وتأباه مَزاياه
بَدا على نَفثَاتٍ منكَ خالدةٍ / عيشُ الأباة ونُعماهُ وغُمَّاه
وخَبَّرتنا القوافي عن أخي جَلَدٍ / صُلبِ الإرادةِ يُعْيي الدهرَ مأتاه
خاضَ الزمانَ وأبلاهُ مُمارسةً / لم يَخْفَ عنه خبيٌّ مِن ثناياه
وعَنْ مصارَعةِ الدُّنيا على نَشَبٍ / الحَالُ تُوجبهُ والنفسُ تأباه
وعن مواقفَ تُدمي القلبَ غُصَّتُها / لا المالُ يَدفعُ ذِكراها ولا الجاه
وعن أذايا يّهدُّ النفسَ مَحمِلُها / ويَستثَيرُك جانيها ومَرآه
إنَّا فَقدناهُ فقْدَ العيَنِ مُقلتها / أو فقْدَ ساعٍ إلى الهيجاءِ يُمناه
ما انفَكَّ ذِكرُ الرَّدى يجري على فمه / وما أمرَّ الرَّدى بل ما أُحيلاه
ومَنْ تُبَرِّحْ تَكاليفُ الحياةِ به / ويَلْمِسُ الرَّوْحَ في مَوتٍ تمنَّاه
إنّي تعشَّقتُ مِن قَبلِ المُصابِ به / بيتاً له جاء قبلَ الموتِ يَنعاه:
ودَّعتُهُ ودُموعُ العينِ فائضةٌ / والنَّفسُّ جياشةٌ والقَلب أواه
أغْرَى صِحابي بتقريعي وتأنيبي
أغْرَى صِحابي بتقريعي وتأنيبي / طولُ اصطِباري على همٍّ وتَعذيبِ
أيسْتُ من كلِّ مطلوبٍ أُؤمِّلُهُ / وأصبحَ الموتُ من أغلى مطاليبي
إذا اشتهيتُ فزادي غيرُ مُحْتَمَلٍ / وان ظَمِئْتُ فوِرْدي غيرُ مشروب
جارتْ عليَّ الليالي في تقلُّبِها / وأوهَنَتْ جَلَدي من فَرْطِ تقليبي
عَوْداً وَبَدْءاً على شرٍّ تُعاوِدُهُ / كأنَّني كرةٌ لِلّعْبِ تلهو بي
يا مُضغْةً بين جنبيَّ ابتُليِتُ بها / لا كنتِ من هدفٍ للشرِّ منصوب
ومن مثارِ همومٍ لا انتهاءَ له / ومن مَصَبِّ عناءٍ غيرِ منضوب
وقد رددتُ رزايا الدهرِ أجْمَعَها / إلى سِجِلَّيْنِ محفوظٍ ومكتوب
ما بين مُكْتَشَفٍ بالشعرِ مُفْتَضَحٍ / وبين مُخْتَزَنٍ في القلب محجوب
إني على الرّغْمِ مما قد نُكِبْتُ به / فقد يحزّ فؤادي لفظُ منكوب
شكت إلىّ القوافي فرطَ ما انتبذَتْ / مني وكنتُ أراها خيرَ مصحوب
وعاتَبَتْني على الهجرانِ قائلةً / أكنتُ عِنْدَكَ من بعض الألاعيب!
تلهو بها وإذا ما شئتَ تَطْرَحُها / موقوفةً بين تَبعيدٍ وتقريب
كم ساعدتْك على الجُلِّى وكم دَفَعَتْ / هواجساً عن فؤادٍ منكَ " متعوب "
سَجَّلْتُها آهةً حرَّى وكم دَفَعَتْ / طيَّ الرياحِ سُدىً آهاتُ مكروب
فقلتُ حسبي الذي ألهبتكُنّ به / من لاعجٍ في حنايا الصدرِ مشبوب
ومن قوافٍ بذَوْبِ الدَّمْع نشأتُها / ومن قصيدٍ لفرطِ الحُزْنِ منسوب
لو اكتسى الشعرُ لوناً لاقتصرتُ على / شعرٍ بِقاني نجيعِ القلبِ مخضوب
وما اشتكائي إلى الأشعارِ من مُضَضٍ / إلا شكيَّةَ محروبٍ لمحروب
إنّ الأديبَ وإنَّ الشعرَ قَدْرُهُما / مطرَّحٌ بين منبوذٍ ومسبوب
لم يبقَ منْ يستثيرُ الشِعْرُ نَخوَتَهُ / ومن يُحرِّكُهُ لُطْفُ التراكيب
أعلى مِنَ الشّعرِ عندَ القومِ منزلةً / نَفْخُ البطونِ وتَطْريزُ الجلابيب
ورُبَّ قافيةٍ غرّاءَ قد ضَمِنَتْ / أرقَّ معنىً تَرَدَّى خَيْرَ أُسْلُوب
من اللواتي تُغَذِّيهنَّ عاطفةٌ / جياشةٌ بين تصعيدٍ وتصويب
هززتُ فيها نياطَ القلبِ فانتثرت / بها شظايا فؤادٍ جدِّ مشعوب
رهنتُها عند فجِّ الطَّبْعِ محتقنٍ / بغيرِ صُمِّ العوالي غيرِ مجذوب
ظننتُني صادقاً فيما ادَّعَيْتُ بها / حتى انبرى لؤمُ جانيها لتكذيبي
أرخَصْتُها وهي علقٌ لا كِفاءَ لَهُ / ورُحْتُ أصْفِقُ فيها كَفَّ مغلوب
تشكو اغتراباً لَدَى من ليسَ يَعْرفُها / كما شكَتْ طبعَ راميها بتغريب
عفواً فلولا اضطرارُ الحالِ يُلجئني / لكنتُ أنفَسَ مذخورٍ ومكسوب
قالوا استفدتَ من الأيامِ تَجرِيةً / والموتُ أرْوَحُ من بعضِ التّجاريب
تُعْفي الشدائدُ أقْواماً بلا أدَبٍ / وتبتلي غيرَ مُحتاجٍ لتأديب
ما كان مِن قبلِها عُودي بذي خَوَرٍ / للعاجمينَ ولا قلبي بمرعوب
ولا ذُعِرْتُ لشرٍّ غيرِ مُنْتَظَرٍ / ولا نزقتُ لخيرٍ غيرِ محسوب
يا خيرَ موهبةٍ تزكو النفوسُ بها / بعداً فانك عندي شرُّ موهوب
يُرضِي الفتى عَيْشُهُ ما دامَ يَغمُرُهُ / بالطيباتِ ويُغْريهِ بتحبيب
حتى اذا رَمَتِ الويلاتُ نِعَمَتَهُ / ونَغَّصّتْها بتقويضٍ وتخريب
سمَّى مُعاكسةَ الأيامِ تَجْربَةً / وراح يَخْدَعُ نَفْساً بالأكاذيب
والعيشُ بالجهلِ أو بالحِلمِ إن خَبُثَتْ / مِنْهُ الحواشي فشيءٌ غيرُ محبوب
يومٌ من العُمْرِ في واديكِ مَعدودُ
يومٌ من العُمْرِ في واديكِ مَعدودُ / مُستوحِشاتٌ به أيَّاميَ السُودُ
نزلتُ ساحتَكِ الغنَّاءَ فانبعثَتْ / بالذكرياتِ الشَّجيَّاتِ الأناشيد
واجتَزتُ رغمَ الليالي بابَ ساحرةٍ / مرَّ الشبابُ عليه وهو مسدود
قامَتْ قِيامتُه بالحُسْنِ وانتشرتْ / فيه الأهازيجُ والأضواءُ والغيد
ما وحدَهُ غرَّدَ الشادي لِيرْقِصَهُ / الماءُ والشجرُ المهتزُّ غِرِّيد
واد هو الجَّنةُ المحسودُ داخلُها / أو أنَّه من جِنان الخُلدِ محسود
ثقي " زحيْلةُ " أنَّ الحسْنَ أجمَعَهُ / في الكونِ عن حُسنكِ المطبوعِ تقليد
أنتِ الحياةُ وعمرٌ في سواكِ مضى / فإنما هو تبذيرٌ وتبديد
أقسمتُ أُعطي شبابي حقَّ قيمتهِ / لو أنَّ ما فاتَ منه اليومَ مردود
وكيفَ بي ونصيبُ المرء مُرْتَهَنٌ / به ومَغْنَمُهُ في العُمْرِ محدود
لم يأتِ للجَبَلْينِ العاطفَيْنِ على / واديكِ أبهى وأنقى منهُ مولود
زَفَّتْ له مُتَعُ الدُّنيا بشائرَها / واستقبلَتْهُ مِن الطيرِ الأغاريد
أوفى عليه يَقيهِ حَرَّ هاجرةٍ / سُرادِقٌ من لطيفِ الظلِّ ممدود
بالحََوْرِ قامَ على الجنبينِ يحْرُسُهُ / مُعَوَّذٌ من عُيونِ الناسِ مرصود
تناولَ الأفْقَ معتزّاً بقامتهِ / لا ينثني فَنَنٌ منه ولا عود
يقولُ للعاصفاتِ النازلاتِ بهِ / إليكِ عنيّ فغيرُ " الحَوْرِ " رِعديد
صُنْعُ الطبيعةِ بالأشجارِ وارفةً / لَهُ وبالنَّهَرِ الرّقراقِ تحديد
خَصَّتْهُ باللُطفِ منها فهو مُنْبَعِثٌ / ورُبَّ وادٍ جَفتْهُ فهو موءود
طافَ الخيالُ على شَتَّى مظاهرهِ / واستوقَفَتْني بهِ حتَّى الجْلاميد
تَفَجَّرَ الحجرُ القاسي بهِ وبدا / في وَجْنَةِ الصَّخرةِ الصَّماءِ توريد
تجري المياهُ أعاليهِ مُبعَثرَةً / لها هُنالكَ تصويبٌ وتصعيد
حتى إذا انحدَرَتْ تبغي قَرارتَهُ / تَضيقُ ذرعاً بمجراها الأخاديد
استقبلَتْها المجاري يَسْتَحِمُّ بها / زاهي الحصى فَلهُ فيهنَّ تمهيد
فهُنَّ في السفحَِّْ عَتْبٌ رقَّ جانبُهُ / وهن يزفُرْنَ فوقَ الصخرِ تهديد
ما بينَ عَيْنٍ وأُخرى فاضَ رَيِّقُها / أنْ تُلْفَتَ العينُ أو أنْ يُعطَفَ الجْيد
هذي " المسيحيَّةُ " الحسناءُ تكَّ على / شرعِ " المسيحِ " لها بالماءِ تعميد
كأنَّها وعُيونُ الماءِ تَغْمُرُها / مُستْنزَفُ الدَّم مِن عِرْقَيْهِ مفصود
بُشرى بأيلول شَهرٍ الخْمرةِ اجتَمَعَتْ / على العرائشِ تَلْتَمُّ العناقيد
للهِ درُّ العَشِيَّاتِ الحِسانِ بها / يُسْرِجْنَ ظُلمتَها الغِيدُ الأماليد
لُطْفُ الطبيعةِ محشودٌ يتّمِمُهُ / جمعٌ لطيفٌ من الجنسَيْنِ محشود
في كلِّ مُقهىً عشيقاتٌ نزلنَ على / " وادي الغرامِ " وعُشَّاقٌ معاميد
تدورُ بينهُمُ الأقداحُ لا كَدَرٌ / يعلو الحديثَ ولا في العيشِ تنكيد
الرَّشْفَةُ النزرُ من فرط ارتياحِهِمِ / كأسٌ مُفايَضَةٌ والكأسُ راقود
خَوْدَ البِقاعِ لقد ضُيّعْتِ في بَلدٍ / تنَاثَرتْ فوقهُ أمثالُكِ الخُود
أُسلوبُ حُسْنكِ مُمتازٌ فلا عَنتٌ / في الروح منهُ ولا في السَبْكِ تعقيد
نهداكِ والصدرُ " ثالوثٌ أُقدّسُه / لو كانَ يُجمَعُ تثليثٌ وتوحيد
الخَمْرُ ممزوجةً بالرِّيقِ راقصةٌ / والكأسُ مرَّتْ بثغرٍ منكِ عِربيد
لو يُستجاب رجائي ما رجوتُ سوى / أنّي وشاحٌ على كَشْحيكِ مردود
جارَ النِطاقُ عليها في حكومتهِ / فالرِّدفُ مُنتعِشٌ والخَصْرُ مجهود
وأْعلَنَتْ خيرَ ما فيها مَلابسُها / مُنَمَّقاتٌ عليهنَّ التجاعيد
وكشَّفَتْ جَهْدَ ما اسطاعَتْ محاسنَها / ولم تدَعْ خافياً لو لا التقاليد
ما خَصرُها وهو عُريانٌ تتيهُ بهِ / أرقُّ منه إذِ الزُّنَّارُ مشدود
أمَّا البديعانِ من عالٍ ومُنْخَفِضٍ / فِداهما كلُّ حُسْنٍ أُعطىَ الغيد
فقد تجسَّمَ هذا غيرَ محتَشِمٍ / من فرطِ ما ضَيَّقتهُ فهو مشهود
ونطَّ ذيّاك مرتجّاً تقولُ : بهِ / رِيِشُ النعامِ على الوِرْكَيْنِ منضود
إيَّاكَ والفتنةَ الكبرى فنظرتُها / مسحورةٌ كلّها همٌّ وتسهيد
إذا رَمَتْكَ بعينَيْها فَلبِّهِما / واعلَمْ بأنَّكَ مأخوذٌ فمصفود
وإنَّما الحبُّ زَحليٌّ فلا صِلةٌ / ولا صدودٌ ولا بُخْلٌ ولا جود
يا موطِنَ السِحرَ إنَّ الشِعر يُنعْشُه / فيضٌ من الحُسْنِ في واديكَ معهود
خيالُهُ من خيالٍ فيكَ مأخذهُ / ولطفُ معناه من معناكَ توليد
اهتاجني موعدٌ لي فيك يجمعُني / كأنَّني بالشَّباب الطَّلْقِ موعود
وريعَ قلبيَ من ذكرى مُفارَقَةٍ / كأنَّني من جِنانِ الخُلْدِ مطرود
لا أبعدَ اللهُ طيفاً منك يؤنسني / إذا احتوتنيَ في أحضانها البيد
أكْبَرْتُ ميسورَ حالٍ أستشِفُّ بها
أكْبَرْتُ ميسورَ حالٍ أستشِفُّ بها / إذ لم يكن ما أُرجّيهِ بميسورِ
وقد رَضِيت بكِنٍّ أستكِنُّ به / ناءٍ عن العالَمِ المنحطِّ مهجور
ورُحْتُ رغَم جحودٍ عامدٍ أشرٍ / للحظِّ أُرجِعُ حالي والمقادير
تعلةً لم يكنْ لي من تَخَيُّلِها / بُدٌّ وكم خودِعَت نفسٌ بتبرير
ما زالتِ المدُنُ النكراءُ تُوحِشُني / حتى اتُّهِمْتُ بإحساسي وتفكيري
ذَمَمْتُ منها محيطاً لا يلائمني / صعْبَ التقاليدِ مذمومَ الأساطير
حتى نزلتُ على غنّاءَ وارفةٍ / بكل مرتجف الأطيافِ مسحور
أهدَى ليَ الريفُ من ألطاف جنّتِه / عرائشاً أزعجتها وحشةُ الدور
طافت عليَّ فلم تنكِرْ مسامرتي / ولم أرُعْها بإيحاشٍ وتنفير
كأنني والمروجُ الخضرُ تنفَحُني / بالموحيات " ابنُ عمرانٍ " على الطور
تُلقي الهجيرَ بأنفاسي تُرقِّقُه / لطفاً وتكسِرُ من عُنف الأعاصير
وتستبيك بحشدٍ من روائعها / موفٍ على كلِّ منظومٍ ومنثور
وحيٌ يَجِلّ عن الألفاظ ما نشرت / طلائعُ الفجرِ فيها من تباشير
كم في الطبيعة من معنى يُضيّعُه / على القراطيس نقصٌ في التعابير
هنا الطبيعة ناجتني معبِّرةً / عن حسنها بأغاريد العصافير
وبالحفيف من الأشجار منطلقاً / عَبْر النسيم وفي نفحِ الأزاهير
ومنزلي عُشُّ صيداحٍ أقيِمَ على / خضراءَ غارقةٍ في الظل والنور
هنا الخيالُ كصافي الجوِّ منطلقٌ / صافي المُلاءَةِ ضحّاكُ الأسارير
وقد تفجَّر يُنبوعُ الجمالِ بها / عن كل معنىً بديعِ القصدِ مأثور
حتى كأنّ عيونَ الشعر يُعوِزُها / وصفُ الدقائقِ من هذي التصاوير
فما تُلِمُّ بها إلاّ مقاربةً / ولا تحيطُ بها إلاّ بتقدير
وجدت ألْطَفَ ما كانت مخالطةً / نقَّ الضفادع في لحن الشحارير
وقد بدا الحقلُ في أبهى مظاهره / بساطَ نورٍ على الأرجاء منشور
وأرسل البدرُ طيفاً من أشعّتِه / كان الضمينَ بإنياس الدياجير
واستضحك الشط من لئلاء طلعته / كأنه قِطِعِاتٌ من قوارير
واسترقص القمرُ الروضَ الذي ضحكت / ثغورُه عن أقاحٍ فيه ممطور
يا عَذبَةَ الرُوح يا فتّانَة الجَسدِ
يا عَذبَةَ الرُوح يا فتّانَة الجَسدِ / يا بنتَ " بيروتَ " يا أنشودةَ البَلدِ
يا غيمةَ الشَعرِ مُلتاثاً على قَمر / يا بَسمةَ الثغر مفترَّاً عن النَضَد
يا رَوعةَ البحرِ في العينينِ صافيةً / يا نشوةَ الجبَلِ الملتّفِ في العضُد
يا قَطرةً من نِطاف الفجر ساقطها / من " أرز " لبنانَ خفَّاقُ الظلالِ ندى
يا نَبتة الله في عَليا مَظاهرِه / آمنتُ بالله لم لم يُولَد ولم يَلِد
يا تلعةَ الجيدِ نصَّته فما وقَعَت / عَينٌ على مِثله يَزدانُ بالجَيَد
يُطِلُّ منها بوجهٍ أيِّ مُحْتَملٍ / ويَستريحُ بصدرٍ أيِّ مقتعَد
يا جَوهرَ اللُطفِ يا معنىً يضيقُ به / لَفظ فيقذِفُهُ الشِدقانِ كالزَبَد
أعِيذُ وجهَكِ أن أشْقى بِرقَّتِه / وفَيْضَ حُسنِك إن يَعيا برِيِّ صدى
ولا يليقُ بأجفانٍ أنشِّرُها / على جمالكِ أن تُطوى على السُهد
يَدٌ مَسحتُ بها عَيني لأغمِضَها / على الهوى ويدي الأخرى على كَبِدي
وَرَدتُ عن ظمأٍ ماءً غَصِصتُ به / فليتَ أنَّيَ لم أظَمأْ ولم أرِد
قالَ الرِفاقُ ونارُ الحُبِّ آكلةٌ / مِن وَجنْنتَّي أهذا وجهُ مُبَترِد
لمْ أدرِ أذكُرُ " بيروتاً " بأيِّكما / أأنتِ . أم لَوعتي ياليلةَ الأحد
عَجّ الرصيفُ بأسرابِ المها وهَفا / قلبي بزفرةِ قَنَّصٍ ولم يسِد
فمِن مُوافيةٍ وعداً وراقبةٍ / وعداً وأين التي وَّفت ولم تَعِد؟
فُويقَ صدرِكِ من رفق الشبابِ به / أشهى وأعنفُ ما يُعطى لمنتهد
كنزانِ مِن مُتَع الدُنيا يُقِلُّهُما / جمُّ الندى سَرِفٌ في زيِّ مُقتَصِد
قالوا تَشاغَلَ عن أهلٍ وعن ولَدٍ / فقال نهداك : لم يَشغَلهْ من أحد
سوى رَضيِعي لبانٍ توأمٍ حُبِسا / رهنَ الغِلالة إشفاقاً مِن الحَسَد
راجَعتُ نَفسي بما أبقى الشبابُ لها / وما تخلَّف من أسئاره بِيدي
فما أمرَّ وأقسى ما خرجتُ به / لولا بَقيةُ قلبٍ فيَّ مُتَّقِد
أمسى مَضى بلُبانات الهوى . وأتى / يَومي يُمهِّد بادي بَدءةٍ لِغَدي
لو استطعتُ نشرتُ الحزنَ والألما
لو استطعتُ نشرتُ الحزنَ والألما / على فِلسْطينَ مسودّاً لها علما
ساءت نهاريَ يقظاناً فجائعُها / وسئن ليليَ إذ صُوِّرْنَ لي حلما
رمتُ السكوتَ حداداً يوم مَصْرَعِها / فلو تُرِكتُ وشاني ما فتحت فما
أكلما عصفت بالشعب عاصفةٌ / هوجاءُ نستصرخُ القرطاسَ والقلما
هل أنقَذ الشام كُتابٌ بما كتبوا / أو شاعرٌ صانَ بغداداً بما نظما
فما لقلبيَ جياشاً بعاطفةٍ / لو كان يصدقُ فيها لاستفاضَ دما
حسب العواطف تعبيراً ومنقصةً / أنْ ليس تضمنُ لا بُرءاً ولا سقما
ما سرني ومَضاءُ السيفِ يُعوزوني / أني ملكتُ لساناً نافثاً ضَرما
دم يفور على الأعقاب فائرُهُ / مهانةٌ ارتضي كفواً له الكلما
فاضت جروحُ فِلَسْطينٍ مذكرةً / جرحاً بأنْدَلُسٍ للآن ما التأما
وما يقصِّر عن حزن به جدة / حزن تجدده الذكرى إذا قَدُما
يا أُمةً غرها الإِقبالُ ناسيةً / أن الزمانَ طوى من قبلها أمما
ماشت عواطفَها في الحكم فارتطمت / مثلَ الزجاجِ بحد الصخرة ارتطما
وأسرعت في خطاها فوق طاقتها / فأصبحت وهي تشكو الأيْنَ والسأما
وغرَّها رونقٌ الزهراء مكبرة / أن الليالي عليها تخلع الظُّلَما
كانت كحالمةٍ حتى اذا انتبهتْ / عضّتْ نواجذَها من حرقةٍ ندما
سيُلحقون فلسطيناً بأندلسٍ / ويَعْطفون عليها البيتَ والحرما
ويسلبونَك بغداداً وجلقةً / ويتركونِك لا لحماً ولا وضما
جزاء ما اصطنعت كفاك من نعمٍ / بيضاء عند أناسٍ تجحد النعما
يا أمةً لخصوم ضدها احتكمت / كيف ارتضيتِ خصيماً ظالماً حكما
بالمِدفع استشهدي إن كنت ناطقةً / أو رُمْتِ أن تسمعي من يشتكي الصمما
وبالمظالمِ رُدي عنك مظلمةً / أولا فأحقر ما في الكون مَنْ ظُلِما
سلي الحوادثَ والتأريخَ هل عرفا / حقا ورأياً بغير القوةِ احتُرما
لا تطلُبي من يد الجبار مرحمةً / ضعي على هامةٍ جبارةٍ قدما
باسم النظامات لاقت حتفَها أممٌ / للفوضوية تشكو تلْكم النظما
لا تجمع العدلَ والتسليحَ أنظمةٌ / الا كما جمعوا الجزارَ والغنما
من حيث دارتْ قلوبُ الثائرين رأتْ / من السياسةِ قلباً بارداً شبما
أقسمتُ بالقوة المعتزِّ جانبُها / ولست أعظمَ منها واجداً قسماً
إن التسامح في الاسلام ما حصدت / منه العروبة الا الشوكَ والألما
حلتْ لها نجدة الأغيار فاندفعت / لهم تزجي حقوقاً جمةً ودما
في حين لم تعرف الأقوامُ قاطبةً / عند التزاحم الا الصارمَ الخذما
أعطت يداً لغريبٍ بات يقطعُها / وكان يلثَمُها لو أنه لُطِما
أفنيتِ نفسَكِ فيما ازددتِ مِن كرم / ألا تكفّين عن أعدائك الكرما
لابَّد من شيمٍ غُرٍّ فان جلبت / هلكاً فلابد أن تستأصلي الشيما
فيا فِلَسْطينُ إن نَعْدمْكِ زاهرةً / فلستِ أولَّ حقٍ غيلةً هُضِما
سُورٌ من الوَحْدةِ العصماءِ راعَهُمُ / فاستحدثوا ثُغْرَةً جوفاءَ فانثلما
هزّت رزاياكِ أوتاراً لناهضةٍ / في الشرق فاهتَجْنَ منها الشجوَ لا النغما
ثار الشبابُ ومن مثلُ الشباب اذا / ريعَ الحمى وشُواظُ الغَيْرَةِ احتدما
يأبى دمٌ عربيٌ في عروقِهِمُ / أنْ يُصبِحَ العربيُّ الحرُّ مهتضما
في كل ضاحيةٍ منهم مظاهرةٌ / موحدين بها الأعلامَ والكلما
أفدي الذينَ إذا ما أزمةٌ أزَمَتْ / في الشرق حُزناً عليها قصَّروا اللِمَما
ووحدَّتْ منهُمُ الأديانَ فارقةً / والأمرَ مختلفاً والرأيَ مُقتَسمَا
لا يأبهون بارهابٍ إذا احتدَموا / ولا بِمَصْرَعِهِمْ إن شعبُهم سَلِما
هي الحياة بإحلاءٍ وإمراءٍ
هي الحياة بإحلاءٍ وإمراءٍ / تمضي شعاعاً كزَند القادح الواري
سجيَةُ الدهر والبلوى سجيتُه / تَقَلُّبٌ بين إقبال وإدبار
لم يدر من أحسنوا صُنْعاً لغيرِهُمْ / بأنَّ عقباهُمُ عُقْبىَ سِنِمّار
ود الأباة وقد سيموا مناقصةً / في الرُوح لو أبدلوهم نقصَ أعمار
مَن ضامِنٌ لك والايامُ غادرةٌ / أن ليس ينشُب فيك السَهم يا باري
ما للتمدُّن لا ينفكُّ ذا بِدَعٍ / في الكون يأنَفُ منها وحشهُ الضاري
كم ذا يُسمُّون أحراراً وقد شَهِدَت / فِعالهم أنها من غير أحرار
ما للجزيرة لم تأنسْ مرابعُها / بعدَ " الحُسينِ " ولم تحفِلْ بسُمّار
مُغبرَّةً خلَّفَ الليل السوادُ بها / أو جلَّلتْها سماءُ الهمِّ بالقار
لِمْ لا تشَبُّبها نرٌ أكلُّهم / ألهاهُمُ الحزنُ حتى موقدو النار
يا مهبطَ الوحي للتاريخ معجزةٌ / سَلي تحدِّثْكِ عنها فُوهةُ الغار
لله عندَكَ بيت سوف يكلؤهُ / من أن يُباح لأشرار وكُفّار
تلك السُنونَ بآثارٍ مضت واتت / هذي السنونَ تُبَغْي محوَ آثار
دارٌ بدَّيارها من طارق حُفِظَت / وطالما حُفِظَت دار بدّيار
شيخ الجزيرة أنت اليوم مُرتَهَنٌ / بحسنِ فِعلك من صِدقٍ وإيثار
لتحمدَنَّ من الدنيا عواقبَها / فقد أرَينَكَ عُقبى هذه الدار
خُودعت عنها وليستْ لو علمتَ سِوى / مراسحٍ همُّها تمثيلُ أدوار
تغشىَ العيونَ بتدليس محاسنُها / وتستكنُّ المساوي خلف أستار
يا حاملين على الأمواج عزمتَه / قابلتُمُ البحرَ تيّاراً بتيّار
هل بلَّغتْ قبرصٌ عن ضَيف بُقعتِها / بأنَّه أيُّ نَفّاعٍ وَضرّار
كمثل ثائرٍ ذاك الموج ثورتَه / يوم استشاط وهاجَتْ سورة الثار
يامن يُجِلُّ شعارَ الدين مستمعاً / لله آياتُ إجلالٍ وإكبار
حتى على البحر للتكبير ماذنةٌ / تقامُ كلَّ عشيات وأبكار
ألله أكبر ردَّدها فان بها / خواطراً ورموزاً ذات أسرار
مما يعيد إلى التاريخ روعتَه / تخليدهُ ملكاً في زيّ أحبار
من سِّيئاتِ ليالٍ جلَّ ما صنَعَت / سوءاً بليةُ وفّاء بغدّار
يا ناهضاً بأباةِ الضيم منتفضاً / عن أن يَمُدَّ يداً للذُل والعار
في ذمة الله والتاريخ ما تَرَكَت / ايامُك الغُرُّ من محسود آثار
إن لم يقيموا لك الذكرى مخلدَّةً / فحسنُ فعلك فينا خيرُ تَذكار
لو تبتغي بغنى عن عزةٍ بدلا / لكنتَ ذا نَشَبٍ جَمٍ وإكثار
نهضاً بني العَرَب العَرْباء أنكُمُ / فرأئسٌ بين أنياب وأظفار
أرقدةً وهوانا أن بعضَهما / مما يَفُتُّ بأصفادٍ وأحجار
رُدُّوا إلى اليأسِ ما لم يَتَّسع طَمَعا
رُدُّوا إلى اليأسِ ما لم يَتَّسع طَمَعا / شَرٌّ من الشرِّ خوفٌ منه ان يقَعا
شَرٌّ من الأمَلِ المكذوبِ بارقُه / ان تحمِلَ الهمَّ والتأميلَ والهَلَعَا
قالوا " غدٌ " فَوَجَدتُ اليَومَ يفضُلُه / و " الصبر " قالوا : وكان الشَهمُ من جَزعاً
ولم اجدْ كمَجالِ الصَبرِ من وَطَنٍ / يَرتادُه الجُبْنُ مصطافاً ومُرتْبَعَا
وأنَّ من حَسَناتِ اليأس أنَّ له / حَدّاً اذا كَلَّ حَدُّ غيرهُ قطَعَا
وأنَّه مُصحِرُ الارجاءِ لا كَنَفاً / لمن يَلَصُّ ولا ظِلاً لمنْ رَتعا
وَجَدْتُ أقتَلَ ما عانَت مصايُرنا / وما التَوَى الشَيبُ منه والشَبابُ معا
أنَّا رَكِبِنا إلى غاياتِنا أمَلاً / رَخواً إذا ما شدَدْنا حَبلهُ انقطعا
نسومُه الخَسْف ان يَطوي مراحلَنا / وإن تشَكَّى الحَفَا والأينَ والضلعا
هذا هو الأمَلُ المزعومُ فاقتَرِعُوا / واليأسُ أجدَرُ لو انصَفْتَ مُقتَرعا
اليأسُ أطعَمَ بالأشْلاءِ مِقصَلةً / عَدْلاً وطوَّحَ " بالبستيل " فاقتَلَعا
وطارقٌ منه اعطَى النصرَ كوكَبُه / نَزْراً وعَدَّى إلى الاسبانِ فانَدفَعَا
يا نادِبينَ " فِلَسطينا "وعِندَهُمُ / عِلْمٌ بانَّ القضاءَ الحتمَ قد وَقعا
كم ذا تُلحُّون ان تَستَوقِدوا قَبَساً / من الرَمادِ ومِمَّن ماتَ مُرتَجَعا
كَفَى بما فاتَ مما سميت " املا " / من " الحُلول " التي كيلتْ لكُم خُدعا
جيلٌ تَصَرَّمَ مذ أبْدَى نَواجذَه / وعدٌّ لبلفورَ في تهويدِها قَطعا
نَمَا وشَيبَّ بأيدي القَوم مُحتَضنَاً / ومن ثُدِيِّ النتاج المَحضِ مُرتَضعا
والساهرونَ عليه كلُّ " منتخَبٍ " / يبني ويهدِمُ إن اعطى وان مَنعا
تهوِي " العروشُ " على أقدامهم ضَرَعا / وتحتمي ساسةُ الدنيا بهم فَزَعا
وعندَنا ساسةٌ سؤنا لَهُم تَبَعاً / ذُلاً وساؤوا لنا في الهدي مُتَّبعا
من كل مُرتَخَصٍ إن عبَّسَت كُرَبٌ / او كشَّرَ الخطبُ عن شدقيهِ فاتَّسَعا
ردَّ المصيبةَ بالمنديلِ مفتخراً / مثلَ الصبايا – بانَّ الجفن قد دَمعا
او عابث ٍ من فِلَسطينٍ ومحنتِها / ألفى مَعيناً فالقى الدَلوَ وانتزَعا
او سارقٍ لا لقَعر السِجنِ مَرجِعهُ / لكنْ إلى الجاهِ وَثّاباً ومُرْتفِعا
شَدُّوا بذيل غُرابٍ امَّةً ظُلِمَت / تطيرُ ان طارَ او تَهوي إذا وقَعَا
وَخوَّفوها ب " دُبٍ " سوف ياكلُها / في حين " تسعون عاما " تألفُ السَبُعا
وضيَّقوا أفقَ الدنيا باعينِها / مما استجدُّوه مِن بغيٍ . وما ابتُدعا
و اودَعوا لغلاظٍ من " زَبانيةٍ " / حَمْقى حراسة قِرطاسٍ لهم وُضِعا
وذاك معناهُ أنْ بيعوا كرامَتكُم / بيعَ العبيد بتشريعٍ لكم شُرِعا
يا نادبينَ فلسطيناً صدعتُكُمُ / بالقول لا مُنكَراً فَضْلاً لكم صَدعا
ولا جَحوداً بان الليلَ يُعقبه / فَجرٌ تفجَّّرُ كمه الشمس مُطَّلَعا
ولست أنكِرُ أن قد قارَبَتْ فُرَصٌ / واوشكت مثقلاتُ الدَهر ان تَضَعا
لكن وَجْدتُ القوافي تَشْتَكي عَنتاً / والمنبرَ الحُرَّ يشكو فَرطَ ما افترعا
إن تحمَدوا او تذُمُّوا أنَّ شافعتي / أنّي رأيتُ وما راءٍ كمَن سَمِعا
مررت بالقوم " شُذّاذاً " فما وقعت / عيني على مُستمنٍّ غيره ضَرعا
ولا بمُلْقىً واهليه بقارعةٍ / ولا بحاملة في الكُور مَن رضَعا
ولا بمن يحرِس " الناطورُ " ارجلَهُم " / مهروءة سَهَّلت للكلب منتزَعا
وعندنا " سِلعةٌ " تُصفي البنينَ لنا / نُغلي – ونُرخصها – في الأزمة السِلعا
وجدتُها عندَهم زهواً منورةً / البيتَ والبحرَ والاسواقَ والبِيَعا
بينا تُراقص بالانغام صاحبَها / اذا بها تُوسِع ( الالغامَ ) مُزدَرَعا
ونحن ما نحن قطعانٌ بمَذْأبَةٍ / تساقَطت في يدَي رُعيانِها قِطَعا
في كل يومٍ " زعيمٌ " لم نجدْ خَبَراً / عنه ولم ندر كيف اختيرَ واختُرِعا
اعطاهموا ربُّهم فيما اعدَّ لهُم / من الولائم صَفّوا فوقَها المُتَعا
كأسَينِ كاساً لهم بالشُهد منزعةً / وللجماهير كأساً سَمُّها نَقَعا
قتالةً خوف ان لا تُستَساغَ لهم / اوصاهُمُ ان يُسَّقَوهم بها جُرَعا
وان يَصُبّوا عليها من وُعودِهُمُ / كالشِعر مكتمِلا – سهلاً ومُمتنِعا
من ذا يرُدُّ لنا التاريخَ ممتلِئاً / عِزاً وإن لم نُرِدْ ردّاً ومرتَجَعا
كانوا يذمُّون ( ربّاً ) بالعصا قُرِعا / ويغضَبون لأنفٍ منهم جُدِعا
ويبعثَون قِتالاً أنَّ " قُبَّرةً " / ضيمَت وأن " بَسوساً " ذيلُها قُطِعا
وكانَ من فتْحِ عمّوريةٍ مَنَعت / حُماتَها حَوَّمَ العقبان أنْ تَقَعا
نداءُ صارخةٍ بالرومِ " معتصِماً " / لم يألُ ان ادركَتْها ( بُلْقُه ) سَرعَا
حميَّةٌ لو اخذناها ملطَّفةً / بالعلم طابَت لنا رِدءاً ومُدَّرَعا
زانَ العروبةَ هذا المُفرَدُ العَلَمُ
زانَ العروبةَ هذا المُفرَدُ العَلَمُ / وقد تُخلَّدُ في أفرادِها الأُمَمُ
وقد تَسيلُ دماء جَمَّة هَدَراً / وقد يُقَدَّرُ من دون الدماءِ دَم
حَظٌّ من الموتِ محسودٌ خُصِصتَ به / والموتُ كالعيش مابين الورى قَسَم
لولا سموُّ مفاداةٍ لما احتَفَلتْ / هذي المحافلُ فياضاً بها الألم
لو كانَ غُنْمٌ لها ما هكذا ازدَحَمتْ / هذي الجموعُ التي للغُرْمِ تَزدَحِم
إن تَنْتَفِضْ لا تجد كفٌّ لها سَعَةٌ / أو تَنقلْ لا تجِدْ أرضاً لها قَدَم
يا أيُّها السادةُ الأحرارُ كلُّكم / للشَعب ان أعوزَتْه خِدمةٌ خَدَم
هذي الضحيةُ في تبجيلها عِظَةٌ / ان الذي خَدَمَ الأوطانَ محتشِم
ان البلادَ بمرصاد ومن سَفهٍ / ان تحسبوا الناسَ طراً لعبةً لكُم
إن تنصُروها فان الشَعبَ منتصرٌ / أو تخذلِوها فان الشعبَ منتقم
أو تُحتَقَرْ " وسيوف الهند مُغمَدةٌ / فقد نَظَرتُم إليها والسيوفُ دَم"
حسبُ الظنينِ بوجدانٍ محاكمةٌ / بها تُزيَّفُ أو تُستَوضحُ التُهم
حسب الفتى بيد التاريخِ مُحصيةً / ماقد جَنَتهُ يدٌ أو ما ادعاه فَم
فاستغنِموا اللذَّةَ العُظمى مُخلَّدةً / في السعي فاللذةُ الدنيا هي الألَم
تبقى من الشهوة العمياء سوأتُها / للمشتهينَ ويفنَى الحرصُ والنَهَم
هل ابنُ سَعدونَ يُعفيني ويَعذِرُني / وهو الكريم نَماه مَعشَرٌ كَرُموا
لم تأتِني من بليغِ القولِ قافيةٌ / إلا وأبلغُ منها عندَه شِيمَ
من كل مرهوبةٍ صَعْبٌ تَقَحمَّها / كأنها البَحْرُ هَوْلاً حين يَقتَحم
عبءٌ على الشعر ان تحصى بساحتِه / على الرجالِ مَساعيهم إذا عَظُموا
وفي المفُاداةِ للأوطان مُعجِزةٌ / بها البَيانُ وان جوَّدتُ يصطدم
عسى مُعَلَّقةٌ غرّاءُ ثامنةٌ / تُحصي مآثَركَ الغَرّا وتَنتظِم
يا منظراً يَشتهِي فيه العَمى بَصَرٌ / ويانَعِيّاً عليه ُ يُحمَدُ الصَمَم
بات العراقُ عليه وهو مُرتجفٌ / بأسره لأمانٍ وهي تنهدِم
في ذمة الله حزنُ الشعب حينَ رأى / وديعةَ الله عند الشعب تُستَلم
مألومةٌ غيرُ مشكورٍ لها سَهرٌ / على الحقوقِ ولا مَرعيّةٌ ذِمَم
هل رايةُ الوطنِ المفجوعِ عالمةٌ / على مَن اشتملتْ والمِدفَع الضَخِم
ان الذي فيكَ شعبٌّ هدَّ جانبَه / وأمةٌ قد أُضيعَتْ أيُّها العَلَم
ان الذي فيك مرهوبٌ إذا احترَبوا / يومَ الخصامِ ومرضيُّ اذا احتكَمُوا
أن الذي فيكَ حتى خصمهُ شغِفٌ / به وحتى من الأعداء مُحترم
غُرُّ الفِعال إلى العَلْيا دلائلُه / حتى المماتِ عليه دلهُ الكَرَم
مُستَأثِر بخِيار الخَصلتينِ إذا / خَيَّرتَه بين ما يُردى وما يَصيم
زَها الوجودُ بذاك الوجهِ مفتخراً / واليوم يفخَر إذ يحظَى به العَدَم
يا نبعةً عولجتْ دهراً فما انحطَمَتْ / ما كنتَ لولا يدُ الاقدار تَنحطِم
ما ناشَ كفَّك من تياره بللٌ / لّما تحدّاك موجُ الموت يلتَطِم
أبقيتَها حُرَّةً تمشي أناملها / يَمدُّهنَّ النُهى والنُبْلُ والهِمَم
حتى اذا ما انتهت من حَشدِها جُمَلاً / أخفُّ من وقعهنَّ الصارمُ الخذِم
فيهنَّ يشكو إلى الأملاكِ طاهرةً / روحٌ من البَشَر الأدنَينَ مُهتضَم
رميتَ نفسَك في احضانِه فَرحاً / وجلَّلَ الشعبَ يومٌ حزنُه عَمَم
براءةٌ لكَ عندَ الموسِعِيك أذىً / تُبينُ مالك من حقٍّ وما لَهُم
نَمْ هادئاً غيرَ مأسوفٍ على زَمنٍ / يشقى بريءٌ ويَهنَا فيه متَّهَم
قد أخجلَ الظالمينَ الناسَ مُحتشِمٌ / من نفسِه في سبيلِ الناسِ ينتقم
أبا عليٍ سلامٌ كيف أنتَ؟ وهلْ / علِمتَ من بعدِك الأقوامُ كيفَ هم ؟
تَولَّتِ الأربعونَ السودُ تاركةً / جَفناً قريحاً وقلباً شفَّه الوَرَم
ولو تقضَّتْ عليهم مثلها عَدَدا / من السنين لما مَلّوُا وما سَئِموا
يُسلي التقادمُ عن ثُكْلٍ وعندهُمُ / ثُكْل عليه يُعينُ الجِدَّةَ القِدَم
جُرْحٌ تَذُرُّ عليه غيرَ راحمةٍ / كفُّ السياسةِ مِلْحاً كيفَ يلتئم
تأبَى ليومِكَ ان تنسَى ظَلامتَه / مظالِمٌ خَصمُنا فيها هو الحَكَم
يُغري بتهييجه نقضٌ يجدُّ إذا / ما كاد حبلٌ من الآمال ينبرِم
باسم ابنِ سَعدونَ فَاضتْ حرقةٌ طُويَتْ / دَهْراً وأعلَنَ شجوٌ كانَ يكتَتِم
بالحزنِ يَفتتحُ الأقوالَ قائلُها / وبالسياسةِ والأجحافِ يَختَتم
للثُكلِ ثُمَّ لأسبابٍ له اجتَمَعتْ / ملءَ النواظر دمعٌ والقلوبُ دَم
وحسبُ ابناءِ هذا الشَعبِ موجدةٌ / أن يَستَغِلّوا به البَلوْى ويَغتَنِموا
ماذا أقولُ فؤادي ملؤُه ضَرَمٌ / وهل تُوفِّي شُعوري حفَّه الكَلِم
حراجةٌ بالأديبِ الحرِّ موقفُه / حيثُ الصراحةُ بالارهابِ تَصطدم
بين الشعورِ وخَنقٌ مُسكِتٌ رَحِمٌ / في الرافدين فلا كُنّا ولا الرَحِم
هذي المناصبُ ان كانتْ بها نِعَمٌ / للناس فهْيَ على آدابِنا نِقَم
للشاعرينَ قُلوبٌ في تململها / هي البَراكينُ إذ تَهتاجُها الحِمَم
لواعجٌ هي إنْ أبديتَها شَرَرٌ / يُصلي اللسانَ وانْ اخفيتَها سَقَم
رسائلٌ لي مع الآهاتِ أبعثها / إذ لا اللسانُ يؤدّيها ولا القَلَم
فليشهَدِ الناسُ طراً إنني خَجِلٌ / وليشهَدِ الناسُ طراً إنني بَرِم
وليسمعِ الناسُ شكوىَ من له اجتمعتْ / غضاضةُ العيشِ والأرهاقُ والبِكَم
ولَّى شبابٌ فهلْ يعودُ
ولَّى شبابٌ فهلْ يعودُ / ولاحَ شَيْبٌ فما يُريدُ ؟
يُريد أنْ يُنقِصَ الليالي / مِنّيَ ظُلماً بما يَزيد
يا أبيضَ الريشِ طرْنَ منه / غِدفانُ رِيش الجَناحِ سُود
يا هُولةً تَفزَعُ المرايا / مِنه ويستصرخُ الوليد!
يا حاملاً شارةِ الرَّزايا / يا ساعيَ الموتِ يا بَريدَ !
يا ناغِزَ الجُرحِ لا يُداوي / إلاَّ بأنْ يُقطعَ الوريد
برغمِ أنفِ الصِّبا وأنفي / يَخضِبُ فَودي منكَ الصديد
وأنَّ رأسي يمشي عليهِ / تِيهاً عَدُوٌّ لهُ لَدود!
كمْ ليلةٍ خوفَ أنْ تُواتي / أُترِعَ كأسٌ ورنَّ عُود
وكمْ وكمْ والشَّباب يَدري / رُوَِّعَ ظبيٌ فَنُصَّ جيد
أعائدٌ للشَّبابِ عيدُ ؟ / أمْ راجعٌ عهدهُ السَّعيد؟
أيَّامَ شرخُ الصِّبا وريقٌ / وظِلّهُ سجسجٌ مَديد
ونحنُ مِثْلَ الجُمانِ زهواً / ينظِمُنا عِقدُهُ الفريد
أمْ لا تلاقٍ فلا خطوطٌ / تُدني بعيداً ولا حُدود؟!
مَنْ مُبلِغُ المُشتفينَ أنَّا / صِرنا لمِا يَطمحُ الحسودُ ؟
أنَّا استعَضْنا ثوباً بثوبٍ / وطالما استُبْدلَتْ بُرود
فراحَ ذاكَ العتيقُ غَضّاً / ولاحَ – رَثّاً – هذا الجديد
ألوى بنا عاطفٌ حبيبٌ / ومَلَّنا الواصِلُ الودود
قد كان يُشجي أهلَ التَّصابي / أنَّا على هامهِم ْ قُعود
لم ندرِ ما نَسْتزيدُ منهُ / لو قيلَ : هلْ عندَهُم مَزيد؟
نهارُنا مُترَفٌ بَليدُ / وليلُنا جامِحٌ عَنيد
فاليومَ إنْ تُعتصَرْ شِفاهٌ / أو تعتصَرْ – لَدْنَةً – قُدود
أو يطََّرِدْ قانِصٌ قَنيصاً / أو تُعْجبِ الأغيدِينَ غِيد
نقنعُ مِن لذَّةٍ ولهوٍ / أنَّا على عُرْسِهمْ شُهود
عُدنا وَقوداً ! وكُلُّ حيٍّ / للذَّة تُشتهى وَقود!