المجموع : 35
أَعِد حَديثَكَ عِندي أَيُّها الرَجُلُ
أَعِد حَديثَكَ عِندي أَيُّها الرَجُلُ / وَقُل كَما قالَتِ الأَنباءُ وَالرُسُلُ
قَد هاجَ ما نَقَلَ الراوُنَ بي طَرَباً / ما أَجمَلَ الرُسلَ في عَيني وَما نَقَلوا
فَاِجمَع رِواياتِهِم وَاِملَء بِها أُذُني / حَتّى تَراني كَأَنّي شارِبٌ ثَمِلُ
دَع زُخرُفَ القَولِ فيما أَنتَ ناقِلُهُ / إِنَّ المَليحَةَ لا يُزري بِها العَطَلُ
فَكُلُّ سَمعِ إِذا قُلتَ السُلافُ فَمٌ / وَكُلُّ قَولٍ إِلَيهِم يَنتَهي عَسَلُ
لا تَسقِني الراحَ إِلّا عِندَ ذِكرِهِمُ / أَو ذِكرِ قائِدِهِم أَو ذِكرِ ما فَعَلوا
هُمُ المَساميحُ يُحيِ الأَرضَ جودُهُمُ / إِذا تَنَكَّبَ عَنها العارِضُ الهَطِلُ
هُمُ المَصابيحُ تَستَهدي العُيونُ بِها / إِذا اِكفَهَرَّ الدُجى وَاِحتارَتِ المُقَلُ
هُمُ الغُزاةُ بَنو الصَيدِ الغُزاةِ بِهِم / وَبَطشِهِم بِالأَعادي يُضرَبُ المَثَلُ
قَومٌ يَبيتُ الضَعيفُ المُستَجيرُ بِهِم / مِن حَولِهِ الجُندُ وَالعَسّالَةُ الذُبُلُ
فَما يُلِمُّ بِمَن صافاهُمُ أَلَمٌ / وَلا يَدومُ لِمَن عاداهُمُ أَمَلُ
تَدري العُلوجُ إِذا هَزّوا صَوارِمَهُم / أَيُّ الدِماءِ بِها في الأَرضِ تَنهَمِلُ
وَلِلغَرَندَقِ رَأيٌ مِثلُ صارِمِهِ / يَزُلُّ عَن صَفحَتَيهِ الحادِثُ الجَلَلِ
المُقبِلُ الصَدرِ وَالأَبطالُ ناكِصَةٌ / تَحتَ العَجاجَةِ لا يَبدو لَها قُبُلُ
وَالباسِمُ الثَغرِ وَالأَشلاءُ طائِرَةٌ / عَن جانِبَيهِ وَحَرُّ الطَعنِ مُتَّصِلُ
سَعدُ السُعودِ عَلى السُؤالِ طالِعُهُ / لَكِنَّهُ في مَيادينِ الوَغى زُحَلُ
في كُلِّ سَيفٍ سِوى بَتّارِهِ فَلَلٌ / وَكُلُّ رَأيٍ سِوى آرائِهِ زَلَلُ
يا اِبنُ المُلوكِ الأُلى قَد شادَ واحِدُهُم / ما لَم تُشَيِّدُهُ أَملاكٌ وَلا دُوَلُ
وَقائِدُ الجَيشِ ما لِلريحِ مُنفَرَجٌ / فيهِ وَلَكِن لَها مِن حَولِها زَجَلُ
تَوَهَّمَ التُركُ لَمّا حانَ حينُهُمُ / أَنَّ الأُلى وَتَروا آبائُهُم غَفَلوا
حَتّى طَلَعتَ مِنَ القوقاسِ في لَجِبٍ / تَضيقُ عَنهُ فِجاجُ الأَرضِ وَالسُبُلُ
فَأَدرَكوا أَنَّهُم ناموا عَلى غَرَرٍ / وَأَنَّكَ البَدرُ في الأَفلاكِ تَنتَقِلُ
يا يَومَ صَبَّحتَهُم وَالنَقعُ مُعتَكِرٌ / كَأَنَّهُ اللَيلُ فَوقَ الأَرضِ مُنسَدِلُ
لَيلٌ يَسيرُ عَلى ضَوءِ السُيوفِ بِهِ / وَيَهتَدي بِالصَليلِ الفارِسُ البَطَلُ
بِكُلِّ أَروَعَ ما في قَلبِهِ خَوَرٌ / عِندَ الصِدامِ وَلا في زِندِهِ شَلَلُ
وَكُلِّ مُنجَرِدٍ في سَرجِهِ أَسَدٌ / في كَفِّهِ خِذمٌ في حَدِّهِ الأَجَلُ
وَكُلِّ راعِفَةٍ بِالمَوتِ هادِرَةٍ / كَأَنَّها الشاعِرُ المَطبوعُ يَرتَجِلُ
سَوداءَ تَقذِفُ مِن فوهاتِها حِمَماً / هِيَ الصَواعِقُ إِلّا أَنَّها شُعَلُ
لا تَحفَظَ الدِرعُ مِنها جِسمَ لابِسِها / وَلا يُنَجّي الحُصونَ الصَخرُ وَالرَملُ
فَالبيضُ تَأخُذُ مِنهُم كَيفَما اِنفَتَلَت / وَالذُعرُ يُمعِنُ فيهِم كَيفَما اِنفَتَلوا
وَكُلَّما وَصَلوا ما اِنبَتَّ باغَتَهُم / لَيثٌ يُقَطِّعُ بِالفَصّالِ ما وَصَلوا
فَأَسلَموا أَرضَروماً لا طَواعِيَةً / لَو كانَ في وُسعِهِم إِمساكَها بَخِلوا
كَم حَوَّطوها وَكَم شادوا الحُصونَ بِها / حَتّى طَلَعتَ فَلا حِصنٌ وَلا رُجلُ
وَفَرَّ قائِدُهُم لَما عَرَضتَ لَهُ / كَما يَفِرُّ أَمامَ القَشعَمِ الحَجَلُ
وَمَن يَشُكُّ بِأَنَّ الوَعلَ مُنهَزِمٌ / إِذا اِلتَقى الأَسَدُ الضِرغامُ وَالوَعِلُ
لَم يَقصُرِ الرُمحُ عَن إِدراكِ مُهجَتِهِ / لَكِن حِمى صَدرَهُ وَقعَ الظُبى الكَفَلُ
تَعَلَّمَ الرَكضَ حَتّى لَيسَ تَلحَقُهُ / هوجُ الرِياحِ وَلا خَيلٌ وَلا إِبِلُ
يَخالُ مِن رُعبِهِ الأَطوادَ راكِضَةً / مَعهُ وَما رَكَضَت قُدّامُهُ القُلَلُ
وَيَحسَبُ الأَرضَ قَد مادَت مَناكِبُها / كَذاكَ يَمسَخُ عَينَ الخائِفِ الوَجَلُ
وَباتَ أَنوَرَ في يَلديزَ مُختَبِئً / لِأُمِّهِ وَأَبيهِ الثُكُلُ وَالهَبَلُ
يَطيرُ إِن صَرَّتِ الأَبوابُ طائِرُهُ / وَيَصرَخُ الغَوثَ إِمّا وَسوَسَ القُفُلُ
في جَفنِهِ أَرَقٌ في نَفسِهِ فَرَقٌ / في جِسمِهِ سَقَمٌ في عَقلِهِ دَخَلُ
في وَجهِهِ صُفرَةٌ حارَ الطَبيبُ بِها / ما يَصنَعُ الطُبُّ فيمَن دائُهُ الخَبَلُ
لَم يَبقَ فيهِ دَمٌ كَيما يُجَمِّعَهُ / في وَجهِهِ عِندَ ذِكرِ الخَيبَةِ الخَجَلُ
يَطوفُ في القَصرَ لا يَلوي عَلى أَحَدٍ / كَأَنَهُ ناسِكٌ في القَفرِ مُعتَزِلُ
لا بَهجَةُ المُلكِ تُنسيهِ هَواجِسَهُ / وَلا تُرَوِّحُ عَنهُ الأَعيُنُ النُجُلُ
يَزيدُ وَحشَتَهُ إِعراضُ عُوَّدِهِ / وَيَنكَءُ الجُرحَ في أَحشائِهِ العَذَلُ
إِذا تَمَثَّلَ جَيشَ التُركِ مُندَحِراً / ضاقَت بِهِ مِثلَما ضاقَت بِذا الحِيَلُ
يا كاشِفَ الضُرِّ عَمَّن طالَ صَبرُهُمُ / عَلى النَوائِبِ لا مَرَّت بِكَ العِلَلُ
أَطلَقتَهُم مِن قُيودِ الظُلمِ فَاِنطَلَقوا / وَكُلُّهُم أَلسُنٌ تَدعو وَتَبتَهِلُ
لَو كانَ يَنشُرُ مَيتاً غَيرُ بارِإِهِ / نَشَرتَ بَعدَ الرَدى أَرواحَ مَن قُتِلوا
بَغى عَلَيهِم عُلوجُ التُركِ بَغيَهُمُ / لَم يَشحَذوا لِلوَغى سَيفاً وَلا صَقَلوا
خانُحُمُ وَأَذاعوا أَنَّهُم نَفَرٌ / خانوا البِلادَ بِما قالوا وَما عَمِلوا
يا لِلطَغامِ وَيا بُهتانَ ما زَعَموا / مَتى أَساءَ إِلى ذي المِخلَبِ الحَمَلُ
هَبوا الرِجالَ لِأَمرٍ أَحَدَثوا حَدَثاً / فَما الَّذي جَنَتِ العَذراءُ الطِفلُ
أَجَدُّكُم كُلَّما جَوٌّ خَلا أَسَدٌ / وَجَدُّكُم كُلَّما شَبَّت وَغى ثُعَلُ
قَد جاءَ مَن يَمنَعُ الضَعفى وَيُرغِمُكُم / إِن تَحمِلوا عَنهُمُ النيرَ الَّذي حَمَلوا
أَمَّنتَ أَرمينيا مِمّا تُحاذِرُهُ / فَلَن تَعيثَ بِها الأَوغادُ وَالسَفَلُ
ظَنّوكَ في شُغُلٍ حَتّى دَهِمتَهُمُ / فَأَصبَحوا وَلَهُم عَن ظَنِّهِم شُغُلُ
مَزَّقتَ جَمعَهُمُ تَمزيقَ مُقتَدِرٍ / عَلى المُهَنَّدِ بَعدَ اللَهِ يَتَّكِلُ
فَهُم شَراذِمُ حَيرى لا نِظامَ لَها / كَأَنَّهُم نَوَرُ الآفاقِ أَو هَمَلُ
أَلبَستَهُم ثَوبَ عارٍ لا تُطَهِّرُهُ / نارُ الجَحيمِ وَلَو في حَرِّها اِغتَسَلوا
جاويدُ فَوقَ فِراشِ الذُلِّ مُضطَجِعٌ / وَتَلعَتٌ بِرِداءِ الخَوفِ مُشتَمِلُ
أَتَستَقِرُّ جُنوبٌ في مَضاجِعِها / وَفي مَضاجِعِها الأَرزاءُ وَالغِيَلُ
وَتَعرِفُ الأَمنَ أَرواحٌ تُرَوِّعُها / ثَلاثَةٌ أَنتَ وَالنيرانُ وَالأَسَلُ
لَو لَم تُقاتِلُهُم بِالجَيشِ قاتَلَهُم / جَيشٌ بِغَيرِ سِلاحٍ إِسمُهُ الوَهَلُ
أَجرَيتَ خَوفَ المَنايا في عُروقِهُمُ / فَلَن يَعيشَ لَهُم نَسلٌ إِذا نَسَلوا
قَد ماتَ اهلُهُمُ مِن قَبلَ ميتَتِهِ / وَشاخَ ناشِءُهُم مِن قَبلِ يَكتَهِلُ
وَقَد ظَفِرتَ بِهِم وَالرَأسُ مُشتَعِلٌ / كَما ظَفِرتَ بِهِم وَالعُمرُ مُقتَبِلُ
فَتحٌ تَهَلَّلَتِ الدُنيا بِهِ فَرَحاً / فَكُلُّ رَبعِ خَلا أَستانَةَ جَذِلُ
الشَعبُ مُبتَهِجٌ وَالعَرشُ مُغتَبِطٌ / وَروحُ جَدِّكَ في الفِردَوسِ تَحتَفِلُ
لَو كانَ لي غَيرُ قَلبي عِندَ مَرآكِ
لَو كانَ لي غَيرُ قَلبي عِندَ مَرآكِ / لَما أَضافَ إِلى بَلواهُ بَلواكِ
فيمَ اِرتِجاجُكِ هَل في الجَوِّ زَلزَلَةٌ / أَم أَنتِ هارِبَةٌ مِن وَجهِ فَتّاكِ
وَكَم تَدورينَ حَولَ البَيتِ حائِرَةً / بِنتَ الرُبى لَيسَ مَأوى الناسِ مَأواكِ
قالوا فَراشَةُ حَقلٍ لا غَناءَ بِها / ما أَفقَرَ الناسَ في عَيني وَأَغناكِ
سَيماءُ غاوِيَةٍ أَطوارُ شاعِرَةٍ / عَلى زَهادَةِ عُبّادٍ وَنُسّاكِ
طُغَراءُ مَملَكَةٍ وَشّى حَواشيها / مَن ذَوَّبَ الشَمسَ أَلواناً وَوَشّاكِ
رَأَيتُ أَحلامَ أَهلِ الحُبِّ كُلِّهِمِ / لَمّا مَثَلتِ أَمامني عِندَ شُبّاكي
مِن نائِمينَ عَلى ذُلٍّ وَمَترَبَةٍ / وَمِن تِجارٍ وَأَشرافٍ وَأَملاكِ
وَقَصَّ شَكواكَ قَلبي قِصَّةً عَجَباً / مِن قَبلُ أَن سَمِعَت أُذنايَ شَكواكِ
أَلَيسَ فيكِ مِنَ العُشّاقِ حيرَتُهُم / فَكَيفَ لا يَفهَمُ العُشّاقُ نَجواكِ
حَلِمتُ أَنَّ زَمانَ الصَيفِ مُنصَرِمٌ / وَيلاهُ حَقَّقَتِ الأَيّامُ رُؤياكِ
فَقَد نَعاهُ إِلَيكِ الفَجرُ مُرتَعِشاً / وَلَيسَ مَنعاهُ إِلّا بَعضَ مَنعاكِ
فَالزَهرُ في الحَقلِ أَشلاءٌ مُبَعثَرَةٌ / وَالطَيرُ لا طائِرٌ إِلّا جَناحاكِ
مَدَّ النَهارُ إِلَيهِ كَفَّ مُختَلِسٍ / وَفَتَّحَ اللَيلُ فيهِ عَينَ سَفّاكِ
شاءَ القَضاءُ بِأَن يَشقى فَجَرَّدَهُ / مِنَ الحَلِيِّ وَأَن تَشقي فَأَبقاكِ
لَم يَبقَ غَيرُكِ شَيءٌ مِن مَحاسِبِهِ / وَلا مِنَ العابِدينَ الحُسنَ إِلّاكِ
تَزَوَّدَ الناسُ مِنهُ الأُنسَ وَاِنصَرَفوا / وَما تَزَوَّدَ اليَأسُ جَفناكِ
يا رَوضَةً في سَماءِ الرَوضِ طائِرَةً / وَطائِراً كَالأَقاحي ذا شَذى ذاكِ
مَضى مَعَ الصَيفِ عَهدٌ كُنتُ لاهِيَةً / عَلى بِساطٍ مِنَ الأَحلامِ
تُمسينَ عِندَ مَجاري الماءِ نائِمَةً / وَلِلأَزاهِرِ وَالأَعشابِ مَغداكِ
فَكُلَّما سَمِعَت أُذناكِ ساقِيَةً / حَثَثتِ لِلسَفحِ مِن شَوقٍ مَطاياكِ
وَكُلَّما نَوَّرَت في السَفحِ زَنبَقَةٌ / صَفَّقتِ مِن طَرَبٍ وَاِهتَزَّ عَطفاكِ
فَما رَشَفتِ سِوى عِطرٍ وَلا اِنفَتَحَت / إِلّا عَلى الحَسنِ المَحبوبِ عَيناكِ
وَكَم لَثَمتِ شِفاهَ الوَردِ هائِمَةً / وَكَم مَسَحتِ دُموعَ النَرجِسِ الباكي
وَكَم تَرَجَّحتِ في مَهدِ الضِياءِ عَلى / تَوقيعِ لَحنِ الصِبا أَو رَجعِهِ الحاكي
وَكَم رَكَضتِ فَأَغرَيتِ الصِغارَ ضُحىً / بِالرَكضِ في الحَقلِ مَلهاهُم وَمَلهاكِ
مَنّوا بِأَسرِهِمِ إِيّاكِ أَنفُسَهُم / فَأَصبَحوا بِتَمَنّيهِم أَساراكِ
جَروا قُصاراهُم حَتّى إِذا تَعِبوا / وَقَفتِ ساخِرَةً مِنهُم قُصاراكِ
لَولا جَناحاكِ لَم تَسلَم طَريدَتُهُم / قَد نَجَيّاكِ وَلَكِن أَينَ مَنجاكِ
ها أَنتِ كَالحَقلِ في نَزعٍ وَحَشرَجَةٍ / وَهَت قُواكِ كَما اِستَرخى جَناحاكِ
أَصبَحتِ لِلبُؤسِ في مَغناكِ تائِهَةً / كَأَنَّهُ لَم يَكُن بِالأَمسِ مَغناكِ
فَراشَةَ الحَقلِ في روحي كَآبَتُهُ / مِمّا عَراهُ وَمِمّا قَد تَوَلّاكِ
أَحبَبتُهُ وَهوَ دارٌ تَلعَبينَ بِها / وَسَوفَ تَهواهُ نَفسي وَهوَ مَثواكِ
قَد باتَ قَلبِيَ في دُنيا مُشَوَّشَةٍ / مُنذُ اِلتَفَتُّ إِلى آثارِ دُنياكِ
لا يَستَقِرُّ بِها إِلّا عَلى وَجَلٍ / كَالطَيرِ بَينَ أَحابيلٍ وَأَشراكِ
خَلَت أَرائِكُ كانَت أَمسِ آهِلَةً / غَنّاءَ فَاليَومُ لا شادٍ وَلا شادِ
أَرضٌ خَلاءٌ وَجَوٌّ غَيرُ ذي أَلَقٍ / بَلى هُناكَ ضَبابٌ فَوقَ أَشواكِ
فَيا رِياحَ الخَريفِ العاتِياتِ كَفى / عَصفاً فَقَد كَثُرَت في الأَرضِ قَتلاكِ
كَيفَ اِعتِذارُكِ إِن قالَ الإِلَهُ غَداً / هَلِ الفَراشَةُ كانَت مِن ضَحاياكِ
يا نَغمَةً تَتَلاشى كُلَّما بَعُدَت / إِن غِبتِ عَن مَسمَعي ما غابَ مَعناكِ
ما أَقدَرَ اللَهَ أَن يُحَيِّكِ ثانِيَةً / مَعَ الرَبيعِ كَما مِن قَبلُ سِوّاكِ
فَيَرجِعُ الحَقلُ يَزهو في غَلائِلِهِ / وَتَرجِعينَ وَأَغشاهُ فَأَلقاكِ
رَسمٌ تَعَلَّمَ مِنهُ ناظِري الوَلَعا
رَسمٌ تَعَلَّمَ مِنهُ ناظِري الوَلَعا / كَأَنَّ طَرفِيَ قَلبي فيهِ قَد وُضِعا
يَمثِلُ البيضَ حَولَ الصين قَد وَقَفوا / وَذَلِكَ الدُبُّ في مَنشوريا رَتَعا
مَشى بِهِ نَحوَها في نَفسِهِ أَمَلٌ / وَراحَ يَمشي إِلى ما بَعدَها جَشَعا
كَالنارِ تَأكُلُ أَكلاً ما يُصادِفُها / وَالسَيلُ يَجرُفُ ما يَلقاهُ مِندَفِعا
فَقامَ بِالصُفرِ داعٍ مِن حَليفَتِهِم / مَليكَةِ الهِندِ أَن هُبّوا فَقَد طَمِعا
قالَت أُحَذِّرُكُم مَن يُخادِعُكُم / فَطالَما خُدِعَ الإِنسانُ فَاِنخَدَعا
مَحَضتُكُمُ نُصحَ الصَديقِ عَسى / خَيراً يُفيدُكُمُ فَالنُصحُ كَم نَفَعا
وَغَيرُ مُنتَفِعٍ غَيرُ فَتىً / إِذا تَحَدَّثَ ذو عَقلٍ صَغى وَوَعى
سارَت إِلَيهِم فَتاةٌ وَاِنثَنَت / رَجُلاً وَما رَأى أَحَدٌ هَذا وَلا سَمِعا
حَتّى إِذا ما رَأَت مَشوريا اِختَنَقَت / بِالقَومِ وَخِرقُ الشَرِّ مُتَّسِعا
كادَت تَطيرُ سُروراً بَِلنَجاحِ وَقَد / كادَت عَلى الهِندِ تَقضي قَبلَ ذا جَزَعا
نُبِّثتُ أَنَّ الوَغى في الصينِ دائِرَةٌ / فَما لَها صادَفتُ في النيلِ مُرتَبَعا
ما كانَ أَحوَجَ سورِيّا إِلى بَطَلٍ
ما كانَ أَحوَجَ سورِيّا إِلى بَطَلٍ / يَرُدُّ بِالسَيفِ عَنها كُلَّ مُفتَرِسِ
وَلا يَزالُ بِها وَالسَيفُ في يَدِهِ / حَتّى يُطَهِّرُها مِن كُلِّ ذي دَنِسِ
وَيَجعَلُ الحُبَّ دينَ القانِطينَ بِها / دينٌ يُقَرِّبُ بَينَ البَيتِ وَالقُدُسِ
حَتّى أَرى ضارِبَ الناقوسِ يُطرِبُهُ / صَوتُ الأُذَينِ وَهَذا رَنَّةُ الجَرَسِ
ما كانَ أَحوَجَني يَوماً إِلى أُذُنٍ
ما كانَ أَحوَجَني يَوماً إِلى أُذُنٍ / صَمّاءَ إِلّا عَنِ المَحبوبِ ذي الأُنسِ
كَي لا يُصَدِّعُ رَأسي صَوتُ نائِحَةٍ / وَلا تُقَطِّعَ قَلبي أَنَّةُ التَعِسِ
وَلا يُمَرِّرَ نَفسي الأَدعِياءُ وَلا / ذَمُّ الأَفاضِلِ مِن ذي خِسَّةٍ شَرِسِ
أَقولُ هَذا عَسى حُرٌّ يَقولُ مَعي / ماكانَ أَحوَجَ بَعضَ الناسِ لِلخَرَسِ
مِنَ الفَرنسيسِ قَيدَ العَينِ صورَتَها
مِنَ الفَرنسيسِ قَيدَ العَينِ صورَتَها / عَذراءَ قَد مُلِأَت أَجفانُها حَوَرا
كَأَنَّما وَهَبَتها الشَمسُ صَفحَتَها / وَجها وَحاكَت لَها أَسلاكَها شَعَرا
يَدُ المَنِيَّةِ طاحَت غِبَّ مَولِدِها / بِأُمِّها وَأَبوها ماتَ مُنتَحِرا
في قَريَةٍ مِن قُرى باريسَ ما صَغُرَت / عَنِ الفَتاة وَلَكِن هَمُّها كَبُرا
وَالنَفسُ تَعشَقُ في الأَهلينَ مَوطِنَها / وَلَيسَ تَعشَقُهُ يَحويهُمُ حُفَرا
وَتَعظُمُ الأَرضُ في عَينَيكَ مُحتَرَماً / وَلَيسَ تَعظُمُ في عَينَيكَ مُحتَقَرا
فَغادَرَتها وَما في نَفسِها أَثَرٌ / مِنها وَلا تَرَكَت في أَهلِها أَثَرا
إِلى الَّتي تَفتِنُ الدُنيا مَحاسِنُها / وَحُسنُ مَن سَكَنوها يَفتِنُ البَشَرا
إِلى الَّتي تَجمَعُ الأَضدادَ دارَتُها / وَيَحرُسُ الأَمنُ في أَرجائِها الخَطَرا
إِذا رَآها تَقِيٌّ ظَنَّها عَدَناً / وَإِن رَآها شَقِيٌّ ظَنَّها سَقَرا
تَوَدُّ شَمسُ الضُحى لَو أَنَّها فَلَكٌ / وَالأُفقُ لَو طَلَعَت في أَوجِهِ قَمَرا
وَالغَربُ لَو كانَ عوداً في مَنابِرِها / وَالشَرقُ لَو كانَ في جُدرانِها حَجَرا
في كُلِّ قَلبٍ هَوىً مِنها كَأَنَّ لَهُ / في أَهلِها صاحِباً في أَرضِها وَطَرا
باريسُ أُعجوبَةُ الدُنيا وَجَنَّتُها / وَرَبَّةُ الحُسنِ مَطروقا وَمُبتَكَرا
حَلَّت عَلَيها فَلَم تُنكِر زَخارِفَها / فَطالَما أَبصَرَت أَشباهَها صُوَرا
وَلا خَلائِقَ أَهليها وَزَيَّهُمُ / فَطالَما قَرَأتَ أَخلاقُهُم سِيَرا
وَإِنَّما أَنكَرَت في الأَرضِ وِحدَتَها / كَذَلِكَ الطَيرُ إِما فارَقَ الوَكرا
يَتيمَةٌ ما لَها أُمٌّ تَلوذُ بِها / وَلا أَبٌ إِن دَعَتهُ نَحوَها حَضَرا
غَريبَةٌ يَقتَفيها البُؤسُ كَيفَ مَشَت / ما عَزَّ في أَرضِ باريسٍ مَنِ اِفتَقَرا
مَرَّت عَلَيها لَيال وَهيَ في شُغُلٍ / عَن سالِفِ الهَمِّ بِالهَمِّ الَّذي ظَهَرا
حَتّى إِذا عَضَّها نابُ الطَوى نَفَرَت / تَستَنزِلُ الرِزقَ فيها الفَرد وَالنَفَرا
تَجني اللُجَين وَيَجني الباذِلوهُ لَها / مِن كَفِّها الوَردَ مَنظوما وَمُنتَثِرا
لا تَتَّقي اللَهَ فيه وَهوَ في يَدِها / وَتَتَّقي فيهِ فَوقَ الوَجنَةِ النَظَرا
تَغارُ حَتّى مِنَ الأَرواحِ سارِيَةً / فَلَو تَمُرُّ قَبولٌ أَطرَقَت خَفَرا
أَذالَتِ الوَردَ قانيه وَأَصفَرَهُ / كَيما تَصونَ الَّذي في خَدِّها نَضَرا
حَمتهُ عَن كُلِّ طَرفٍ فاسِقٍ غَزِلٍ / لَو اِستَطاعَت حَمتهُ الوَهم وَالفِكرا
تُضاحِكُ الخَلقَ لا زَهوا وَلا لَعِباً / وَتَجحَدُ الفَقرَ لا كِبرا وَلا أَشَرا
فَإِن خَلَت هاجَتِ الذِكرى لَواعِجَها / فَاِستَنفَدَت طَرفَها الدَمعَ الَّذي اِذَّخَرا
تَعَلَّقتُهُ فَتىً كَالغُصنِ قامَتُهُ / حُلوَ اللِسانِ أَغَرَّ الوَجهِ مُزدَهِرا
وَهامَ فيها تُريهِ الشَمسَ غُرَّتُها / وَالفَجرَ مُرتَصِفاً في ثَغرِها دُرَرا
إِذا دَنا رَغِبَت أَن لا يُفارِقَها / وَإِن نَأى أَصبَحَت تَشتاقُ لَو ذُكِرا
تُغالِبُ الوَجدَ فيه وَهوَ مُقتَرِبٌ / وَتَهجُرُ الغَمضَ فيهِ كُلَّما هَجَرا
كانَت تَوَقّى الهَوى إِذ لا يُخامِرُها / فَأَصبَحَت تَتوَقّى في الهَوى الحَذَرا
قَد عَرَّضَت نَفسَها لِلحُبِّ واهِيَةً / فَنالَ مِنها الهَوى الجَبّارُ مُقتَدِرا
وَالحُبُّ كَاللِصِّ لا يُدريكَ مَوعِدَهُ / لَكِنَّهُ قَلَّما كَالسارِقِ اِستَتَرا
وَلَيلَةٍ مِن لَيَلي الصَيفِ مُقمِرَةٍ / لا تَسأَمُ العَينُ فيها الأَنجُمَ الزُهرا
تَلاقَيا فَشَكاها الوَجدَ فَاِضطَرَبَت / ثُمَّ اِستَمرَّ فَباتَت كَالَّذي سُحِرا
شَكا فَحَرَّكَ بِالشَكوى عَواطِفَها / كَما تُحَرِّكُ كَفُّ العازِفِ الوَتَرا
وَزادَ حَتّى تَمَنَّت كُلُّ جارِحَةٍ / لَو أَصبَحَت مَسمَعاً أَو أَصبَحَت بَصَرا
رانَ الهَيامُ عَلى الصَبَّينِ فَاِعتَنَقا / لا يَملِكانِ النُهى وِردا وَلا صَدِرا
وَكانَ ما كانَ مِمّا لَستُ أَذكُرُهُ / تَكفي الإِشارَةُ أَهلَ الفِطنَةِ الخُبَرا
هامَت بِه وَهيَ لا تَدري لِشَوقَتِها / بِأَنَّها قَد أَحَبَّت أَرقَماً ذَكَرا
رَأَتهُ خَشفاً فَأَدنَتهُ فَراءَ بِها / شاةً فَأَنشَبَ فيها نابَهُ نَمِرا
ما زالَ يُؤمِنُ فيها غَيرَ مُكتَرِثٍ / بِالعاذِلينَ فَلَمّا آمَنَت كَفَرا
جَنى عَلَيها الَّذي تَخشى وَقاطَعَها / كَأَنَّما قَد جَنَت ما لَيسَ مُغتَفَرا
كانَت وَكانَ يَرى في خَدِّها صَعَراً / عَنهُ فَباتَت تَرى في خَدِّهِ صَعَرا
فَكُلَّما اِستَعطَفَتهُ اِزوَرَّ مُحتَدِماً / وَكُلَّما اِبتَسَمَت في وَجهِهِ كَشَرا
قالَ النِفار وَفِرجيني عَلى مَضَضٍ / تَجَرَّعُ الأَنقَعَينِ الصاب وَالصَبرا
قالَت وَقَد زارَها يَوماً مُعَرَّضَةً / مَتى لَعَمرُكَ يَجني الغارِسُ الثَمَرا
كَم ذا الصُدود وَلا ذَنبٌ جَنَتهُ يَدي / أَرِو بِكَ الصَفوَ لا أَرجو بِكَ الكَدَرا
تَرَكَتني لا أَذوقُ الماءَ مِن وَلَهي / كَما تَرَكتَ جُفوني لا تَذوقُ كَرى
أَشفِق عَلَي وَلا تَنسَ وُعودَكَ لي / فَإِنَّ ما بِيَ لَو بِلصَخرِ لَاِنفَطَرا
أَطالَتِ العَتبَ تَرجو أَن يَرِقَّ لَها / فُؤادُهُ فَأَطالَ الصَمتَ مُختَصِرا
وَأَحرَجَتهُ لِأَنَّ الهَمَّ أَحرَجَها / وَكُلَّما أَحرَجَتهُ راغَ مُعتَذِرا
وَضاقَ ذَرعاً بِما يُخفي فَقالَ لَها / إِلى ما أُلزِمُ فيكِ العَي وَالحَصَرا
أَهواكِ صاحِبَةً أَمّا اِقتِرانُكِ بي / فَلَيسَ يَخطُرُ في بالي وَلا خَطَرا
أَهوى رِضاك وَلَكِن إِن سَعَيتُ لَهُ / أَغضَبتُ نَفسِي وَالدَيّان وَالبَشَرا
عَنَيتُ مالِيَ مِن قَلبَينِ في جَسَدي / وَلَيسَ قَلبي إِلى قِسمَينِ مُشَطِرا
تُطالِبيني فُؤادي وَهوَ مُرتَهَنٌ / في كَفِّ غَيرِكِ رُمتِ المَطلَبَ العَسِرا
يَكَفيكِ أَنّي فيكِ خُنتُ إِمرَأَتي / وَلَم يَخُن قَلبَها عَهدي وَلا خَفَرا
قَد كانَ طَيشاً هِيامي فيكِ بَل نَزَقاً / وَكانَ حُبُّكِ ضَعفاً مِنكِ بَل خَوَرا
قالَت مَتى صِرتَ بَعلاً قالَ مِن أَمَدٍ / لا أَحسَبُ العُمرَ إِلّاه وَإِن قَصُرا
يا هَولَ ما أَبصَرَت يا هَولَ ما سَمِعَت / كادَت تُكَذِّبُ فيهِ السَمع وَالبَصَرا
لَولا بَقِيَّةُ صَبرٍ في جَوانِبِها / طارَت لَهُ نَفسُها مِن وَقعِهِ شَذَرا
يا لِلخِيانَةِ صاحَت وَهيَ هائِجَةٌ / كَما تَهَيَّجَ لَيثٌ بِاِبنِهِ وُتِرا
الآنَ أَيقَنتُ أَنّي كُنتُ واهِمَةً / وَأَنَّ ما كُلِّ بَرقٍ يَصحَبُ المَطَرا
وَهَبتَ قَلبَكَ غَيري وَهوَ مِلكُ يَدي / ما خِفتِ شَرعا وَلا بالَيتَ مُزدَجَرا
لَيسَت شَرائِعُ هَذي الأَرضِ عادِلَةً / كانَ الضَعيف وَلا يَنفَكُّ مُحتَقَرا
قَد كُنتُ أَخشى يَدَ الأَقدارِ تَصدَعُنا / كانَ أَجدَرَ أَن أَخشاكَ لا القَدَرا
وَصَلَتني مِثلَ شَمسِ الأُفقِ ناصِعَةً / وَعِفتَني مِثلَ جُنحِ اللَيلِ مُعتَكِرا
كَما تَعافُ السَراةُ الثَوبَ قَد بَلِيَت / خُيوطُه وَالرُواةُ المَورِدَ القَذِرا
خِفتَ الأَقاويلَ بي قَد نامَ قائِلُها / هَلّا خَشيتَ اِنتِقامي وَهوَ قَد سَهَرا
يا سالِبي عِفَّتي مِن قَبلِ تَهجُرَني / أُردُد عَلَيَّ عَفافي وَاِردُدِ الطهرا
هَيهاتَ هَيهاتَ ما مِن عِفَّتي عِوَضٌ / لاحَ الرَشاد وَبانَ الغَي وَاِنحَسَرا
وَأَقبَلَت نَحَُهُ تَغلي مَراجِلُها / كَأَنَّها بُركانٌ ثار وَاِنفَجَرا
في صَدرِها النارُ نارُ الحِقدِ مُضرَمَةً / لَكِنَّما مُقلَتاها تَقذِفُ الشَرَرا
وَأَبصَرَ النَصلَ تُخفيهِ أَنامِلُها / فَراحَ يَركُضُ نَحوَ البابِ مُنذَعِرا
لَكِنّها عاجَلَتهُ غَيرَ وانِيَةٍ / بِطَعنَةٍ فَجَّرَت في صَدرِهِ نَهرا
فَخَرَّ في الأَرضِ جِسماً لا حَراكَ بِهِ / لَكِنَّ فَرجينَ ماتَت قَبلَما اِحتَضَرا
جُنَّت مِنَ الرُعب وَالأَحزانِ فَاِنتَحَرَت / ما حَبَّتِ المَوتَ لَكِن خافَتِ الوَضَرا
كانَت قُبَيلَ الرَدى مَنسِيَّةً فَغَدَت / بَعدَ الحِمامِ حَديثَ القَوم وَالسَمَرا
تَتلو الفَتاةُ عِظاتٍ في حِكايَتِها / كَما يُطالِعُ فيها الناشِئُ العِبَرا
أَيّارُ يا شاعِرَ الشُهورِ
أَيّارُ يا شاعِرَ الشُهورِ / وَبَسمَةَ الحُبِّ في الدُهورِ
وَخالِقَ الزَهرِ في الرَوابي / وَخالِقَ العِطرِ في الزُهورِ
وَباعِثَ الماءِ ذا خَريرٍ / وَموجِدَ السِحرِ في الخَريرِ
وَغاسِلَ الأُفق وَالدَراري / وَالأَرضِ بَِلنور وَالعَبيرِ
لَقَد كَسَوتَ الثَرى لِباساً / أَجمَلَ عِندي مِنَ الحَريرِ
ما فيكَ قَر وَلا هَجيرٌ / ذَهَبتَ بِالقَر وَالهَجيرِ
فَلا ثُلوجٌ عَلى الرَوابي / وَلا غَمامٌ عَلى البُدورِ
أَتَيتَ فَالكَونُ مِهرَجانٌ / مِنَ اللَذاذات وَالحُبورِ
أَيقَظتَ في الأَنفُسِ الأَماني / وَالاِبتِساماتِ في الثُغورِ
وَكُدتَ تُحيِ المَوتى البَوالي / وَتُنبِتُ العُشبَ في الصُخورِ
وَتَجعَلُ الشَوكَ ذا أَريجٍ / وَتَجعَلُ الصَخرَ ذا شُعورِ
فَأَينَما سِرتُ صَوتُ بُشرى / وَكَيفَما مِلُ طَيفُ نورِ
تَشكو إِلَيكَ الشِتاءَ نَفسي / وَما جَناهُ مِنَ الشُرورِ
كَم لَذَّعَ الزَمهَريرُ جِلدي / وَدَبَّ حَتّى إِلى ضَميري
فَلُذتُ بِالصوفِ أَتَّقيهِ / فَاِختَرَقَ الصوفُ كَالحَريزِ
وَكَم لَيالٍ جَلَستُ وَحدي / مِنقَبِضَ الصَدرِ كَالأَسيرِ
يَهتَزُّ مَعَ أَنمُلي كِتابي / وَيَرجُفُ الحِبرُ في السُطورِ
تُعوِلُ فيها الرِياحُ حَولي / كَنائِحاتٍ عَلى أَميرِ
وَالغَيثُ يَهمي بِلا اِنقِطعٍ / وَالرَعدُ مُستَتبِعُ الزَئيرِ
وَاللَيلُ مُحلَولِكُ الحَواشي / وَصامِتُ البَدء وَالأَخيرِ
وَالشُهبُ مُرتاعَةٌ كَطَيرٍ / مُختَبِئاتٍ مِنَ الصُقورِ
في غُرفَتي مَوقِدٌ صَغيرٌ / لِلَّهِ مِن مَوقِدي الصَغيرِ
يَكادُ يَنقَدُّ جانِباهُ / مِن شِدَّةِ الغَيظِ لا السَعيرِ
لَولا لَظاهُ رَقَصتُ فيها / بِغَيرِ دُفٍّ عَلى سَريرِ
وَساعَةٍ وَجهُها صَفيقو / كَأَنَّهُ وَجهُ مُستَعيرِ
أَبطَأَ في السَيرِ عَقرَباها / فَأَبطَأَ الوَقتُ في المَسيرِ
حَتّى كَأَنَّ الزَمانَ أَعمى / يَمشي عَلى الشَوكِ في الوُعورِ
كُنّا طَوَينا المُنى وَقُلنا / ما لِلأَماني مِنها عَلى قُبورِ
فَلَو يَزورُ الصُدورَ حُلمٌ / عَرَّجَ مِنها عَلى قُبورِ
لَقَد تَوَلّى الشِتاءُ عَنّا / فَصَفِّقي يا مُنى وَطيري
وَتينَةٍ غَضَّةِ الأَفنانِ باسِقَةٍ
وَتينَةٍ غَضَّةِ الأَفنانِ باسِقَةٍ / قالَت لِأَترابِها وَالصَيفُ يَحتَضِرُ
بِئسَ القَضاءُ الَّذي في الأَرضِ أَوجَدَني / عِندي الجَمال وَغَيري عِندَهُ النَظَرُ
لَأَحبِسَنَّ عَلى نَفسي عَوارِفَها / فَلا يَبينُ لَها في غَيرِها أَثَرُ
كَم ذا أُكَلِّفُ نَفسي فَوقَ طاقَتِها / وَلَيسَ لي بَل لِغَيري الفَيء وَالثَمَرُ
لِذي الجَناح وَذي الأَظفارِ بي وَطَرٌ / وَلَيسَ في العَيشِ لي فيما أَرى وَطَرُ
إِنّي مُفَصِلَةٌ ظِلّي عَلى جَسَدي / فَلا يَكونُ بِهِ طول وَلا قِصَرُ
وَلَستُ مُثمِرَةً إِلّا عَلى ثِقَةٍ / أَن لَيسَ يَطرُقُني طَيرٌ وَلا بَشَرُ
عادَ الرَبيعُ إِلى الدُنيا بِمَوكِبِهِ / فَاِزَّينَت وَاِكتَسَت بِالسُندُس وَالشَجَرُ
وَظَلَّتِ التينَةُ الحَمقاءُ عارِيَةً / كَأَنَّها وَتَدٌ في الأَرضِ أَو حَجَرُ
وَلَم يُطِق صاحِبُ البُستانِ رُؤيَتَها / فَاِجتَثَّها فَهَوَت في النارِ تَستَعِرُ
مَن لَيسَ يَسخو بِما تَسخو الحَياةُ بِهِ / فَإِنَّهُ أَحمَقٌ بِالحِرصِ يَنتَحِرُ
إِن كانَ ذَنبي دِفاعي عَن حُقوقِكُم
إِن كانَ ذَنبي دِفاعي عَن حُقوقِكُم / فَلَستُ أَدري وَرَبّي كَيفَ أَعتَذِرُ
أُعيذُكُم أَن يَقولَ الناسُ قَد مَدَحوا / فَما أَثابوا عَلى قَول وَلا شَكَروا
عَدِمتُ قَلبي إِذا لَم يَعدَمِ الجَلَدا
عَدِمتُ قَلبي إِذا لَم يَعدَمِ الجَلَدا / وَنالَ نَفسي الرَدى إِن لَم تَذُب كَمَدا
آها وَلَو نَفِعَت آهٌ أَخا شَجَنٍ / لَم يَبتَغِ غَيرُها عِندَ الأَسى عُضُدا
آها وَلَو لَم يَكُن خَطبٌ أَلَمَّ بِنا / ما سَطَّرَتها يَدي في كاغِدٍ أَبَدا
المَرءُ مُجتَهِد وَالمَوتُ مُجتَهِدٌ / أَن لَيسَ يَترُكُ فَوقَ الأَرضِ مُجتَهِدا
ساوى الرَضيعَ بِهِ مَن شابَ مَفرِقُهُ / وَالعَبدُ سَيِّدَه وَالثَعلَبُ الأَسَدا
قَد غادَرَ الفَضلَ بِالأَحزانِ مُنفَرِداً / مَن كانَ بِالفَضلِ دونَ الناسِ مُنفَرِدا
ماتَ البَيانُ بِمَوتِ اليازَجِيِّ فَمَن / لَم يَبكِ هَذا بَكى هَذا الَّذي فَقَدا
وَاللَهِ ما وَلَدَت حَوّاءُ أَطهَرَ مِن / هَذا الفَقيدِ فُؤاداً لا وَلَن تَلِدا
أَينَ الضِياءُ الَّذي زانَ البِلادَ كَما / يَزينُ البَدرُ في جُنحِ الدُجى الجَلَدا
أَينَ اليَراعُ الَّذي قَد كانَ يُطرِبُنا / صَريرُهُ في أَديمِ الطِرسِ مُنتَقِدا
وَأَينَ أَينَ سَجاياهُ الَّتي حُسِدَت / مِن أَجلِه وَكَذا مِن أَجلِها حُسِدا
حَقٌّ عَلى العِلمِ أَن يَبكي عَلَيهِ كَما / يَبكي الشَقيقُ أَخا وَالوالِدُ الوَلَدا
أَقسَمتُ ما اِهتَزَّ فَوقَ الطَرسِ لي قَلَمٌ / إِلّا جَعَلتُ لَهُ دَمعي البَتيتُ مَدَدا
وَلَاِتَّخَذتُ أَخاً في الدَهرِ يُؤنِسُني / بَعدَ الجَليلِ سِوى الحُزنِ الَّذي وَجَدا
يا شاعِرَ الحُسنِ هَذي رَوعَةُ العيدِ
يا شاعِرَ الحُسنِ هَذي رَوعَةُ العيدِ / فَاِستَنجِدِ الوَحي وَاِهتُف بِالأَناشيدِ
هَذا النَعيمُ الَّذي قد كُنتَ تَنشدُهُ / لا تَلْهُ عَنهُ بِشَئي غَيرِ مَوجودِ
مَحاسِنُ الصَيفِ في سَهل وَفي جَبَلٍ / وَنَشوَةُ الصَيفِ حَتّى في الجَلاميدِ
وَلَستَ تُبصِرُ وَجهاً غَيرَ مُؤتَلِقٍ / وَلَستَ تَسمَعُ إِلّا صَوتَ غِرّيدِ
قُم حَدِّثِ الناسَ عَن لُبنانَ كَيفَ نَجا / مِنَ الطُغاةِ العُتاةِ البيض وَالسودِ
وَكَيفَ حَشَّت دِمَشقُ بَعدَ مِحنَتِها / وَاِستَرجَعَت كُلَّ مَسلوب وَمَفقودِ
فَاليَومَ لا أَجنَبِيٌّ يَسَتَبِدُّ بِنا / وَيَستَخِفُ بِنا اِستِخفافَ عِربيدِ
يا أَرزُ صَفِّق وَيا أَبنائُهُ اِبتَهِجوا / قَد أَصبَحَ السِربُ في أَمنٍ مِنَ السَيِّدِ
ما بُلبُلٌ كانَ مَسجوناً فَأَطلَقَهُ / سَحّانُهُ بَعدَ تعذيب وَتَنكيدِ
فَراحَ يَطوي الفَضاءَ الرَحبَ مُنطَلِقاً / إِلى الرُبى وَالسَواقي وَالأَماليدِ
إِلى المُروجِ يُصلي في مَسارِحِها / إِلى الكُرومِ يُغني لِلعَناقيدِ
مِنّي بِأَسعَدَ نَفساً قَد نَزِلَت عَلى / قَومي الصَناديدِ أَبناءَ الصَناديدِ
سَماءُ لُبنانَ بِشرٌ في مَلامِحِم / وَفَجرُهُ في ثُغورِ الخُرَّدِ الغيدِ
إِن تَسكُنوا الطَودَ صارَ الطَودُ قُبلَتَنا / أَو تَهبِطوا البيدَ لَم نَعشَق سِوى البيدِ
رَوضٌ إِذا زُرتَهُ كَئيبا
رَوضٌ إِذا زُرتَهُ كَئيبا / نَفَّسَ عَن قَلبِكَ الكُروبا
يُعيدُ قَلبَ الخَلِيِّ مُغراً / وَيُنسِيَ العاشِقُ الحَبيبا
إِذا بَكاهُ الغَمامُ شَقَّت / مِنَ الأَسى زَهرُهُ الجُيوبا
تَلقى لَدَيهِ الصَفا ضُروباً / وَلَستَ تَلقى لَهُ ضَريبا
وَشاهَ قَطرُ النَدى فَأَضحى / رِدائُهُ مَعلَماً قَشيبا
فَمِن غُصونٍ تَميسُ تيهاً / وَمِن زُهورٍ تَضَوَّعُ طيبا
وَمِن طُيورٍ إِذا تَغَنَّت / عادَ المُعَنّى بِها طَروبا
وَنَرجِسٍ كَالرَقيبِ يَرنو / وَلَيسَ ما يَقتَضي رَقيبا
وَأُقحُوانٍ يُريكَ دُرّاً / وَجُلَّنارٍ حَكى اللَهيبا
وَجَدوَلٍ لا يَزالُ يَجري / كَأَنَّهُ يَقتَفي مُريبا
تَسمَعُ طَوراً لَهُ خَريراً / وَتارَةً في الزَرى دَبيبا
إِذا تَرامى عَلى جَديبٍ / أَمسى بِهِ مَربَعاً خَصيبا
أَو يَتَجنّى عَلى خَصيبٍ / أَعادَهُ قاحِلاً جَديبا
صَحَّ فَلَو جائَهُ عَليلٌ / لَم يَأتِ مِن بَعدِهِ طَبيبا
وَكُلُّ مَعنى بِهِ جَميلٌ / يُعَلِّمُ الشاعِرَ النَسيبا
أَرضٌ إِذا زارَها غَريبٌ / أَصبَحَ عَن أَرضِهِ غَريبا
يا رُبَّ قائِلَة وَالقَولُ أَجمَلُهُ
يا رُبَّ قائِلَة وَالقَولُ أَجمَلُهُ / ما كانَ مِن غادَةٍ حَتّى وَلَو كَذَبا
إِلى ما تَحتَقِرُ الغاداتُ بَينَكُمُ / وَهُنَّ في الكَونِ أَرقى مِنكُم رُتَبا
كُنَّ لَكَم سَبَباً في كُلِّ مَكرُمَةٍ / وَكُنتُم في شَقاءِ المَرأَةِ السَبَبا
زَعَمتُم أَنَّهُنَّ خامِلاتِ نُهىً / وَلَو أَرَدنَ لَصَيَّرنَ الثَرى ذَهَبا
فَقُلتُ لَو لَم يَكُن ذا رَأيُ غانِيَةٍ / لَهاجَ عِندَ الرِجالِ السُخط وَالصَخَبا
لَم تُنصِفينا وَقَد كُنّا نُؤَمِّلُ أَن / لا تُنصِفينا لِهَذا لا نَرى عَجَبا
هَيهاتِ تَعدِلُ حَسناءَ إِذا حَكَمَت / فَالظُلمُ طَبعٌ عَلى الغاداتِ قَد غَلَبا
يُحارِبُ الرَجُلُ الدُنيا فَيُخضِعَها / وَيَفزَعُ الدَهرُ مَذعوراً إِذا غَضِبا
يَرنو فَتَضطَرِبُ الآسادُ خائِفَةً / فَإِن رَنَت ذاتُ حُسنٍ ظَلَّ مُضطَرِبا
فَإِن تَشَء أَودَعتُ أَحشائُهُ بَرَداً / وَإِن تَشَء أَودَعتُ أَحشائَهُ لَهَبا
تَفنى اللَيالي في هَم وَفي تَعَبٍ / حَذارَ أَن تَشتَكي مِن دَهرِها تَعَبا
وَلَو دَرى أَنَّ هَذي الشُهبُ تُزعِجُها / أَمسى يَروعُ في أَفلاكِها الشُهُبا
يَشقى لِتُصبِحَ ذاتُ الحَليِ ناعِمَةً / وَيَحمِلُ الهَمَّ عَنها راضِياً طَرِبا
فَما الَّذي نَفَحَتهُ الغانِياتُ بِهِ / سِوى العَذابِ الَّذي في عَينَيهِ عَذُبا
هَذا هُوَ المَرءُ يا ذاتَ العَفافِ فَمَن / يُنصِفهُ لا شَكَّ فيهِ يُنصِفُ الأَدَبا
عَنَّفتِه وَهوَ لا ذَنبَ جَناهُ سِوى / أَن لَيسَ يَرضى بِأَن يَغدو لَها ذَنَبا
عادَت رِياضُ القَوافي وَهيَ حالِيَةٌ
عادَت رِياضُ القَوافي وَهيَ حالِيَةٌ / وَكانَ صَوَّحَ فيها الزَهرُ وَالعُشُبُ
وَاِستَرجَعَت دَولَةُ الأَقلامِ نَخوَتَها / وَكانَ أَدرَكَها الإِعياءُ وَالتَعَبُ
بِشاعِرٍ عَبقَرِيٍّ في قَصائِدِهِ / عِطرٌ وَخَمرٌ وَسِحرٌ رائِقٌ عَجَبُ
فَاِشرَب بِروحِكَ خَمراً كُلُّها أَرَجٌ / وَاِنشُق بِروحِكَ عِطراً كُلُّهُ طَرَبُ
وَاِمرَح بِدُنيا جَمالٍ مِن تَصَوُّرِهِ / فَإِنَّها السِحرُ إِلّا أَنَّهُ أَدَبُ
وَاِلبِس مَطارِفَ حاكَتها يَراعَتُهُ / تَبقى عَلَيكَ وَيَبلى الخَزُّ وَالقَصَبُ
كَم دُرَّةٍ يَتَمَنّى البَحرُ لَو نُسِبَت / إِلَيهِ باتَت إِلى مَسعودَ تَنتَسِبُ
لَو أَنَّها فيهِ لَم تَهتَج غَوارِبُهُ / لَكِنَّها لِسِواهُ فَهوَ يَصطَخِبُ
فَلا جَناحٌ إِذا ما قالَ شاعِرُنا / لِلبَحرِ يا بَحرُ أَغلى الدُرِّ ما أَهَبُ
يا شاعِرَ اَلدَيرِ كَم هَلهَلتَ قافِيَةً / غَنّى الرُواةُ بِها وَاِختالَتِ الكُتُبُ
طَلاقَةُ الفَجرِ فيها وَهوَ مُنبَثِقٌ / وَرِقَّةُ الماءِ فيها وَهوَ مُنسَكِبُ
مَرَّت عَلى هَضَباتِ الدَيرِ هائِمَةً / فَكادَ يورِقُ فيها الصَخرُ وَالحَطَبُ
إِذا تَساقى النُدامى الراحَ صافِيَةً / كانَت قَوافيكَ في الراحِ الَّتي شَرِبوا
فَأَنتَ في أَلسُنِ الأَشياخِ إِن نَطَقوا / وَأَنتَ في هِمَمِ الشُبّانِ إِن وَثَبوا
مَسعودُ عيدُكَ وَالشَهرُ الجَميلُ مَعاً / قَد أَقبَلا وَأَنا في الأَرضِ أَضطَرِبُ
يَحُزُّ نَفسِيَ أَنّي اليَومَ مُبتَعِدٌ / وَأَنتَ مِن حَولِكَ الأَنصارُ وَالصُحُبُ
البيدُ وَالناسُ ما بَيني وَبَينَكُمُ / لَيتَ المَهامِهَ تُطوى لي فَأَقتَرِبُ
ما كانَ أَسعَدَني لَو كُنتُ بَينَكُمُ / كَيما يُؤَدّي لِساني بَعضَ ما يَجِبُ
لِصاحِبٍ أَنا تَيّاهٌ بِصُحبَتِهِ / وَشاعِرٍ طالَما تاهَت بِهِ العَرَبُ
رَآنِيَ اللَهُ ذاتَ يَومٍ
رَآنِيَ اللَهُ ذاتَ يَومٍ / في الأَرضِ أَبكي مِنَ الشَقاء
فَرَقَّ وَاللَهُ ذو حَنانٍ / عَلى ذَوي الضُرِّ وَالعَناء
وَقالَ لَيسَ التُرابُ داراً / لِلشِعرِ فَاِرجَع إِلى السَماء
وَشادَ فَوقَ السِماكِ بَيتي / وَمَدَّ مُلكي عَلى الفَضاء
فَاِلتَفَّتِ الشُهبُ حَولَ عَرشي / وَسارَ في طاعَتي الضِياء
وَصِرتُ لا يَنطَوي صَباحٌ / إِلّا بِأَمري وَلا مَساء
وَلا تَسوقُ الغُيومَ ريحٌ / إِلّا وَلي فَوقَها لِواء
فَالأَمرُ بَينَ النُجومِ أَمري / لي الحُكمُ فيها وَلي القَضاء
لَكِنَّني لَم أَزَل حَزيناً / مُكتَئِبَ الروحِ في العَلاء
فَاِستَغرَبَ اللَهُ كَيفَ أَشقى / في عالَمِ الوَحيِ وَالسَناء
وَقالَ مازالَ آدَمِيّاً / يَصبو إِلى الغيدِ وَالطِلاء
وَمَسَّ روحي وَاِستَلَّ مِنها / شَوقي إِلى الخَمرِ وَالنِساء
وَظَنَّ أَنّي اِنتَهى بَلائي / فَلَم يَزِدني سِوى بَلاء
وَاِشتَدَّ نَوحي وَصارَ جَهراً / وَكانَ مِن قَبلُ في الخَفاء
وَصارَ دَمعي سُيولَ نارٍ / وَكانَ قَبلاً سُيولَ ماء
يا أَيُّها الشاعِرُ المُعَنّى / حَيَّرَني داؤُكَ العَياء
هَل تَشتَهي أَن تَكونَ طَيراً / فَقُلتُ كَلّا وَلا غَناء
هَل تَشتَهي أَن تَكونَ نَجماً / أَجَبتُ كَلّا وَلا بَهاء
هَل تَبتَغي المالَ قُلتُ كَلّا / ما كانَ مِن مَطلَبي الثَراء
وَلا قُصوراً وَلا رِياضاً / وَلا جُنوداً وَلا إِماء
وَلَيسَ ما بي يا رَبُّ داءٌ / وَلا اِحتِياجي إِلى دَواء
وَلا حَنيني إِلى القَناني / وَ لا اِشتِياقي إِلى الظِباء
وَلا أُريدُ الَّذي لِغَيري / ذا حِكمَةٍ كانَ أَم مَضاء
لَكِنَّ أُمنِيَّةً بِنَفسي / يَستُرُها الخَوفُ وَالحَياء
فَقالَ يا شاعِراً عَجيباً / قُل لي إِذَن ما الَّذي تَشاء
فَقُلتُ يا رَبِّ فَصلَ صَيفٍ / في أَرضِ لُبنانَ أَو شِتاء
فَإِنَّني هَهُنا غَريبٌ / وَلَيسَ في غُربَةٍ هَناء
فَاِستَضحَكَ اللَهُ مِن كَلامي / وَقالَ هَذا هُوَ الغَباء
لُبنانُ أَرضٌ كَكُلِّ أَرضٍ / وَناسُهُ وَالوَرى سَواء
وَفيهِ بُؤسي وَفيهِ نُعمى / وَأَردِياءٌ وَأَتقِياء
فَأَيُّ شَيءٍ تَشتاقُ فيهِ / فَقُلتُ ما سَرَّني وَساء
تَحِنُّ نَفسي إِلى السَواقي / إِلى الأَقاحي إِلى الشَذاء
إِلى الرَوابي تَعرى وَتَكسى / إِلى العَصافيرِ وَالغِناء
إِلى العَناقيدِ وَالدَوالي / وَالماءِ وَالنورِ وَالهَواء
فَأَشرَفَ اللَهُ مِن عُلاهُ / يَشهَدُ لُبنانَ في المَساء
فَقالَ ما أَنتَ ذو جُنونٍ / وَإِنَّما أَنتَ ذو وَفاء
فَإِنَّ لُبنانَ لَيسَ طَوداً / وَلا بِلاداً لَكِن سَماء
عش للجمال تراه العين مؤتلقا
عش للجمال تراه العين مؤتلقا / في أنجم الليل أو زهر البساتين
وفي الرّبى نصبت كفّ الأصيل بها / سرادقا من نضار للرياحين
وفي الجبال إذا طاف المساء بها / ولفّها بسرابيل الرّهابين
وفي السواقي لها كالطفل ثرثرة / وفي البروق لهاضحك المجانين
وفيابتسامات ((أيار)) وروعتها / فإن تولّى في أجفان(( تشرين))
لا حين للحسن لا حدّ يقاس به / وإنّما نحن أهل الحدّ والحين
فكم تماوج في سربال غانية / وكم تألق في أسمال مسكين
وكم أحسّ به أعمى فجنّ له / وحوله ألف راء غير مفتون
عش للجمال تراه ههنا وهنا / وعش له سرّ جدّ مكنون
خير وأفضل ممن لا حنين لهم / إلى الجمال تماثيل من الطين
قالت لجارتها يوما تسائلها
قالت لجارتها يوما تسائلها / عنّي و في طرفها الوسنان أشجان
ما بال هذا الفتى في الدّار معتزلا / كما توحّد نسّاك و رهبان
يأتي المساء عليه و هو مكتئب / و يرجع اللّيل عنه و هو حيران
يمرّ بالقرب منّا لا يكلّمنا / و للحديث مجال و هو ملسان
و إن نكلّمه لا يفقه مقالتنا / إلاّ كما يفقه التّسبيح سكران
إذا تبسّم لا تبدو نواجده / و إن بكى فله نزع و إرنان
فلا ابتسام ذوات الغنج يطربه / و لا ابنة الحان تصيبه و لا الحان
أماله أمل حلو يلذّ به / كما تلذّ بمرأى النّور أجفان
أماله جيرة في الأرض يألفهم / يا جارتي كان لي أهل و جيران
فبتّت الحرب ما بيني و بينهم / كما تقطّع أمراس و خيطان
فاليوم كلّ الذي في مهجتي ألم / و كلّ ما حولهم بؤس و أحزان
و كان لي أمل إذ كان لي وطن / فيه لنفسي لبانات و خلّان
فجرّدته اللّيالي من محاسنه / كما يعرّى من الأشجار بستان
فلا المغاني التي أشتاق رؤيتها / تلك المغاني و لا السّكان سكّان
لو المروءة تدري أيّ فاجعة / بالشام ناح عليها الإنس و الجان
و لو يبثّ بنو لبنان لوعتهم / لاهتزّت الأرض لمّا اهتزّ لبنان
قالت : شكوت الذي بالخلق كلّهم / و ما كذبتك إنّ الحرب طوفان
تساوت الناس في البلوى فقلت لها / هيهات ما هان قوم مثلما هانوا
أمن يموت و لا ستر يظلّله / كمن عليه أكاليل و تيجان ؟
قالت و يا ويح نفسي من مقالتها / كفكف دموعك بعض الحزن أهوان
لو كان قومك أهلا للحياة لما / ماتوا و في أرضهم ترك و ألمان
و كلّ من لا يرى في الذّلّ منقصة / لا يستحقّ بأن يبكيه إنسان
كفّي ملامك يا حسناء و اتّئدي / فإنّ مدح ذوي العدوان عدوان
و أنت من أمّة تأبى خلائقها / أن يقتل الطّير في الأقفاص سجّان
و إنّ قومي طيور غير كاسرة / سطت عليها شواهين و عقبان
لا تحسبي أنّني أبكي لمصرعهم / فكلّنا للرّدى شيب و شبّان
لكن بكيت من الباغي يعذّبهم / و هم شيوخ و أطفال و نسوان
ورحت أشكو إليها و هي ساهية / لكنّما قلبها الخفّاق يقظان
حتّى انتهيت فصاحت و هي مجهشة / يا ليت ما قلته زور و بهتان
بل ليتني لم أسائل جارتنا / بل ليت قلبي إذ ساءلت صوّان
ياليت شعري و هذي الحرب قائمة / هل تنجلي و لنا في الشّام إخوان
؟و هل تعود إلى لبنان بهجته / و هل أعود و في لبنان نيسان ؟
فأسمع الطير تشدو في خمائله / و أبصر الحقل فيه الشّيخ و البان ؟
بني بلادي و لا أدعو بخيلكم / غير البخيل له قلب ووجدان
بني بلادي و لا أدعو جبانكم / ما للجبان و لا لي فيه إيمان
بني بلادي و كم أدعو ...! أليس لكم / كسائر الخلق أكباد و آذان ؟
لا تضحكوا و بأرض الشّام نائحة / و لا تناموا و في لبنان سهران !
خذ ما استطعت من الدنيا و أهليها
خذ ما استطعت من الدنيا و أهليها / لكن تعلّم قليلا كيف تعطيها
كم وردة طيبها حتّى لسارقها / لا دمنه خبثها حتّى لساقيها
أكان في الكون نور تستضيء به / لو السماء طوت عنّا دراريها
أو كان في الأرض أزهار لها أرج / لو كانت الأرض لا تبدي أقاحيها ؟
إن الطيور الدمى سيّان في نظري / و الورق إن حبست هذي أغانيها
إن كانت النفس لا تبدو محاسنها / في اليسر صار غناها من مخازيها
يا عابد المال قل لي هل وجدت به / روحا تؤانسك أو روحا تؤاسيها
حتامَ يا صاحِ تخفيه و تضمره / كأنّما هو سوءات تواريها ؟
و تحرم النفس لذات لها خلقت / و لم تصاحبك يا هذا لتؤذيها
أنظر إلى الماء إنّ البذل شيمته / يأتي الحقول فيرويها و يحميها
فما تعكّر إلاّ و هوم منحبس / و النفس كالماء تحكيه و يحكيها
ألسجن للماء يؤذيه و يفسده / و السجن للنفس يؤذيها و يضنيها
و انظر إلى النار إنّ الفتك عادتها / لكنّ عادتها الشنعاء ترديها
تفني القرى و المغاني ضاحكة / لجهلها أنّ ما تفنيه يفنيها
أرسلت قولي تمثيلا و تشبيها / لعلّ في القول تذكيرا و تنبيها
لا شيء يدرك في الدنيا بلا تعب / من اشتهى الخمر فليزرع دواليهال
صبرا على هجرنا إن كان يرضيها
صبرا على هجرنا إن كان يرضيها / غير المليحة مملول تجنّيها
فالوصل أجمله ما كان بعد نوى / و الشمس بعد الدّجى أشهى لرائيها
أسلمت للسّهد طرفي و الضّنى بدني / إنّ الصبابة لا يرجى تلاقيها
إنّ النساء إذا أمرضن نفس فتى / فليس غير تدانيهنّ يشفيها
فاحذر من الحبّ إنّ الريح خفيت / لولا غرام عظيم مختف فيهعا
يمضي الصفاء و يبقى بعده أثر / في النفس يؤلمها طورا و يشجيها
مرّت ليال بنا كان أجملها / تمّت فما شانها إلاّ تلاشيها
تلك اللّيالي أرجو تذكّرها / خوف العناء و لا أخشى تناسيها
أصبو إليها و أصبو كلّما ذكرن / عندي اشتياقا إلى مصر و أهليها
أرض سماء سواها دونها شرفا / فلا سماء و لا أرض تحاكيها
رقّت حواشيها و اخضرّ جانبها / و أجمل الأرض ما رقت حواشيها
كأنّ أهرامها الأطواد باذخة / هذي إلى جنبها الأخرى تساميها
و نيلها العذب ما أحلى مناظره / و الشّمس تكسوه تبرا في تواريها
كأنّها كعبة حجّ الأنام لها / لولا التقى قلت فيها جلّ بانيها
و ما أحيلى الجواري الماخرات به / تقلّ من أإرضه أحلى جواريها
من كلّ الوجه يغرينا تبسّمها / إن نجتديها و يثنينا تثنيها
و ناهد حجبت عن كلّ ذي بصر / حشاشتي خدرها و القلب ناديها
فقي كلّ جارحة منّي لها أثر / " و الدار صاحبها أدرى بما فيها "
و في الكواكب جزء من محاسنها / و في الجآذر جزء من معانيها
يمّميتها و نجوم الأفق تلحظني / في السير شذرا كأنّي من أعاديها
كادت تساقط غيظا عندما علمت / أنّي أؤم التي بالنفس أفديها
أسرى إليها و جنح اللّيل مضطرب / كأنّه مشفق أن لا ألاقيها
و الشوق يدفعني و الخوف يدفعني / هذا إليها و هذا عن مغانيها
أطوي الدّياجي و تطويني على جزع / تخشى افتضاحي و أخشى الصّبح يطويهعا
فما بلغت مغاني من شغف بها / إلاّ وقد بلغت نفسي تراقيها
هناك ألقيت رحلي و انتحيت إلى / خود يرى الدّمية الحسناء رائيها
بيض ترائبها سود ذوابيها / زجّ حواجبها كحل مآقيها
نهودها من ثنايا الثوب بارزة / كأنّها تشتكي ممّا بولريها
و الثوب قد ضاق عن إخفائها فنبا / عنها فيا ليتني برد لأحميها
و تحت ذلك خصر يستقلّ به / دعص ترجرج حتّى كاد يلفيها
قامت تصافحني و الرّدف يمنعها / و الوجد يدفعها و القدّ يثنيها
دهشت حتّى كأنّي قطّ لم أرها / و كدت و الله أنسى أن أحيّيها
باتت تكلّمني منها لواحظها / بما تكنّ و أجفاني تناجيها
حتّى بدا الفجر و اعتلّت نسائمه / و كاد ينشر أسراري و يفشيها
بكت دموعا و أبكتني الدموع دما / ورحت أكتم أشياء و تبديها
كأنّها شعرت في بعدنال أبدا / فأكثرت من وداعي عند واديها
فما تعزّت بأن الدّهر يجمعنا / يوما و لا فرحت أنّي أمنيها
تقول و الدمع مثل الطلّ منتثر / على خدود خشيت الدّمع يدميها
و الهف نفسي على أنس بلا كدر / ترى تنال من الدنيا أمانيها ؟
فقلت صبرا على كيد الزمان لنا / فكلّ حافر بئر واقع فيها
إنّي عرفت من الإنسان ما كانا
إنّي عرفت من الإنسان ما كانا / فلست أحمد بعد اليوم إنسانا
بلوته و هو مشتدّ القوى أسدا / صعب المراس و عند الضّعف ثعبانا
تعود الشّرّ حتّى لو نبت يده / عنه إلى الخير سهوا بات حسرانا
خفه قديرا و خفه لا اقتدار له / فالظّلم و الغدر إمّا عزّ أو هانا
ألقتيل ذنب شنيع غير مغتفر / و القتل يغفره الإنسان أحيانا
أحلّ قتل نفوس السائمات له / و الطيّر و القتل قتل حيثما كانا
أذاق ذئب الفلا من غدره طرفا / فلا يزال مدى الأيام يقظانا
و نفّر الطير حتّى ما تلمّ به / إلاّ كما اعتادت الأحلام و سنانا
سروره في بكاء الأكثرين له / و حزنه أن ترى عيناه جذلانا
كأنّما المجد ربّ ليس يعطفه / إلاّ إذا قدّم الأرواح قربانا
هو الذي سلب الدّنيا بشاشتها / وراح يملأها همّا و أحزانا
لا تصطفيه و إن أثقلته منّنا / يعدو عليك و إن أولاك شكرانا
قالوا ترّقى سليل الطّين قلت لهم / ألآن تمّ شقاء العالم الآنا
إنّ الحديد إذا ما لان صار مدى / فكن على حذر منه إذا لانا
و المرء وحش و لكن حسن صورته / أنسى بلاياه من سمّاه إنسانا
قد حارب الدّين خوفا من زواجره / كأنّ بين الورى و الدّين عدوانا
ورام يهدم ما الرحمن شيّده / و ليس ما شيّد الرّحمن بنيانا
إنّي ليأخذني من أمره عجب / أكلّما زاد علما زاد كفرانا ؟
و كلّما انقادت الدّنيا و صار له / زمامها انقاد للآثام طغيانا ؟
يرجو الكمال من الدّنيا و كيف له / نيل الكمال من الدّنيا و ما دانا ؟
إذا ارتدى المرء ما في الأرض من برد / و عاف للدّين بردا عاد عريانا
هو الحياة التي ما غادرت جسدا / إلاّ اغتدى الميت أحيامنه وجدانا
و هو الضّياء الذي يمحو الظّلام فمن / لا يهتدي بسناه ظلّ حيرانا
و المنهل الرائق العذب الورود فمن / لا يسقي منه دام الدّهر عطشانا
ليس المبذّر من يقلي دراهمه / إنّ المبذّر من للدّين ما صانا
ليس الكفيف الذي أمسى بلا بصر / إنّي أرى من ذوي الأبصار عميانا