المجموع : 18
من ذروة الأرز حتى رمل شاطئهِ
من ذروة الأرز حتى رمل شاطئهِ / وما تنسّم عنهُ السهل والجبلُ
أزاهر في حنايا السفح وادعةٌ / من الحياءٍ على أهدابِها بلَلُ
مسحتُ عن جفنِها الأسيانِ دمعتهُ / حتى ترقرق فيه الأنسُ والجزَلُ
عرائس من عيون الشعر سافرةٌ / حدا بها الرجز أو غنى بها الرمل
وصفتها بسمات من مناهلهِ / عذراءَ يرشحُ منها الطهرُ والخجَلُ
يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحا
يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحا / كعاشقٍ خطَّ سطراً في الهوى ومحا
من بسمة النجم همس في قصائده / ومن مخالسة الضّبي الذي سنحا
قلبٌ تمرس باللذات وهو فتى / كبرعم لمسته الريح فانفتحا
ما للأقاحية السمراء قد صرفت / عنّا هواها؟أرق الحسن ما سمحا
لو كنت تدرين ما ألقاه من شجن / لكنت أرفق من آسى ومن صفحا
غداةَ لوَّحْتِ بالآمال باسمةً / لان الذي ثار وانقاد الذي جمحا
ما همني ولسانُ الحب يهتف بي / إذا تبسم وجه الدهر أو كلح
فالروضُ مهما زهتْ قفرٌ اذا حرمت / من جانحٍ رفَّ أو من صادحٍ صدحا
تعَجَّبَ اللَّيْلُ مِنْها عِنْدَما بَرَزَتْ
تعَجَّبَ اللَّيْلُ مِنْها عِنْدَما بَرَزَتْ / تُسَلْسِلُ النُّورَ في عَيْنَيْهِ عَيْناها
فَظَنَّها وَهي عِنْدَ المَاءِ قائِمَةٌ / مَنَارَةً ضَمَّهَا الشَّاطي وَفَدَّاها
وَتَمْتَمَتْ نَجْمَةٌ في أذْنِ جارَتِها / لمَّا رَأَتْها وَجُنَّتْ عِنْدَ مَرآها
أُنْظُرنَ يا إِخْوَتا هَذِي شَقيقَتُنا / فَمَنْ تُرَاهُ عَلى الغَبْراءِ أَلْقَاها؟
أَتِلْكَ مَنْ حَدَّثَتْ عَنْها عَجَائِزُنا / وَقُلْنَ إِنَّ مَليكَ الجِنِّ يَهْواها
فَأَطْلَقَ المارِدُ الجَبَّارَ عاصِفَةً / تَغْرو النُّجُومَ فَكانتْ مِنْ سَباياها؟
قَصَّتْ نُجَيْمَتُنا الحسناءُ بِدْعَتَها / عَنْ نَجْمَةِ الشَّطِّ وَالآذانُ تَرْعاهَا
وَكانَ بِالقُرْبِ مِنْها كَوْكَبٌ غَزِلٌ / يُصْغِي فَلَما رَآها، سَبَّحَ الله
وَرَاحَ يُقْسِمُ أَنْ لا باتَ لَيْلَتَهُ / إِلاَّ عَلى شَفَتَيْها لاثِماً فاها
يا مَلْعَبَ الشَّطِّ مِنْ (أَنْفا) أَتَعْلَمُ منْ / داسَتْ عَلى صَدْرِكَ البازِيِّ رِجْلاها
وَيا نَواتِئَ مِنْ مَوجٍ وَمنْ زَبَدٍ / أَثْنى عَلَيْكَ وَحَسْبُ الفَخْرِ نَهْداها
وَ الشَّطُّ في الصَّيْفِ جَنَّاتٌ مُفَوَّفَةٌ / كَمْ فاخَرَ الجَبَلَ العالي وَكَمْ باهى
إِذا أَرَتْكَ الجِبالُ الغِيدَ كاسِيَةً / فالشَّطُّ أَذْوَقُ مِنْها حينَ عَرَّاها
وافَتْ سُلَيْمى وَما أَدْري أَدَمْعَتُها / تِلْكَ الَّتي لَمَعَتْ لي أَمْ ثَنَاياها
وَذَلِكَ الأَبْيَضُ المَنْشورُ في يَدِها / مِنْديلُها أَمْ سُطورُ الحُبِّ تَقْراها
كَأَنَّما البَدْرُ قِدْماً كانَ خَادِمَها / فَمُذْ أَرادَتْهُ نادَتْهُ فَلَبَّاها
وما أَصابَ الهَوى نَفْساً وَأَشْقاها / إِلاَّ وَأَلْقَتْ بِإُذْنِ البَدْرِ شَكْواها
كَأَنَّهُ حَكَمُ العُشَّاقِ كَمْ وَسِعَتْ / بَيْضاءُ جُبَّتِهِ شَتَّى قَضاياها
أَوْ كاهِنُ الأَزَلِ الحالي بِشَيْبَتِهِ / قَبَّالُ تَوْبَتِها ماحِي خَطاياها
أَمَّا سُلَيْمى فَما زاغَتْ وَلا عَثَرَتْ / فَالْحُبُّ وَالطُّهْرُ يُمْنَاها وَيُسْراها
مَنْ كانَتْ الكُورَةُ الخَضْراءُ مَنْبِتَهُ / فَلَيْسَ يُنْبِتُ إِلاَّ المَجْدَ وَالجاها
تَعَلَّقَتْهُ طَرِيراً ، كالهِلال على / غُصْنٍ منَ البانِ مَاضِي العَزْمِ، تَيَّاها
نَمَتْهُ لِلْشَّرَفِ الأَسْمَى عُمُومَتُها / وَنَشَّأَتْهُ على ما كانَ جَدَّاها
أَحَبَّها وأَحَبَّتهُ وَعاهَدَها / أنْ لا يُظلِّلَهُ في الحُبِّ إِلاَّها
فَيَبْنِيا في ظلاِلِ الأرزِ وَكْرَهُما / وَيجْرَعا من كؤُوس الحُبِّ أَشْهاها
وَرَاحَ يَقْرَعُ بابَ الرِّزْقِ مُشْتَمِلاً / بِعَزْمَةٍ سَنَّها عِلْمٌ وَأمْضَاها
حتَّى انْثَنى وَعلى أَجْفانِهِ بَلَلٌ / وَدَّ الإِباءُ له لَوْ كانَ أَعْماها
بَكى فؤادٌ لِسلمى والبِلادِ معاً / وأَنْفُسٍ رَضِيَتْ في الذُّلِّ مَثْواها
فَحَمَّلَ المَوجَ منْ أشجانِهِ حُمَماً / وشَدَّ يَضْرِبُ أُولاها بأُخْراها
وقال واليأْسُ يمْشي في جَوارِحِهِ / دِيارُ سُلْمَى عَلى رُغْمٍ هَجَرْناها
خمسٌ مِنَ السَّنَواتِ السُّودِ لا رجِعَتْ / صَبَّتْ عَلى رأسِ لُبْنانٍ بَلاياها
وَحُبُّ سُلْمَى ورِيقٌ مِثْلُ أوّلِهِ / سَقَتْهُ منْ ذِكْرياتِ الأَمْسِ أَنْداها
تَمْضي لِواجبِها حتى إِذا انْصَرَفَتْ / فَلَيْسَ يَشْغَلُها إِلاَّ فُؤَاداها
سَلْمَى أَرَى الشَّمْسَ في خَدَّيْكِ ضاحِكَةً / وكُنْتِ كالغَيْمَةِ المَقْطُوبِ جَفْناها
أَنَفْحَةٌ من فُؤَادٍ؟ كِدْتُ أَقرَأُها / فَفي عُيُونِكِ مَبْنَاها وَمَعْنَاها
أَمْ سَوْرَةٌ مِنْ عِتَابٍ؟ أَيُّ فاجِئَةٍ / في لَحْظَةٍ صَبَغَ الخَدَّيْنِ لَونَاها
قُولي فَلَيسَ سِوى الخُلْجَانِ تَسْمَعُنا / وَرَقْرِقيها سُلافاً فَوقَ حَصْبَاها
قُلْ لِلْحَبيبِ إذا طَابَ البِعادُ لَهُ / وَنَقَّلَ النَّفْسَ مِنْ سُلْمَى لِلَيْلاها
وَاسْتأْسَرَتْهُ وَإخْوَاناً له سَبَقوا / مَظَاهِرٌ مِنْ رَخاءٍ ما عَرَفْنَاها
إِنَّا إِذَا ضَيَّعَ الأوْطَانَ فِتْيَتُها / واسْتَوثَقُوا بِسِوَاها ما أَضَعْنَاها
حَسْبُ البُنُوَّةِ إِنْ ضَاق الرِّجالُ بِها / أَنَّ الَّتي أَرْضَعَتْها المَجْدَ أُنْثَاها
لُبْنَانُ ما لِفِراخِ النَّسْرِ جائِعَةً / وَالأَرْضُ أَرْضُكَ أَعْلاها وَأَدْناها
أَلِلْغَرِيبِ اخْتِيالٌ في مَسَارِحِها / وَلِلْقَريبِ انْزِواءُ في زَواياها؟
مَنْ ظَنَّ أَنَّ الرَّياحينَ الَّتي سُقِيَتْ / دُمُوعَنا الحُمْرَ قَدْ ضَنَّتْ برَيَّاها
كأَنَّ ما غَرَسَ الآباءُ مِنْ ثَمَرٍ / لِغَيْرِ أبنائِهمْ قَدْ طابَ مَجْنَاها
ومَا بَنَوْهُ على الأَحقابِ منْ أُطُمٍ / لِغَيْرِ أَبْنائِهم قَدْ حَلَّ سُكْناها؟
لا ، لَمْ أَجِدْ لَكَ في البُلْدانِ من شَبَهٍ / ولا لِناسِكَ بَيْنَ النَّاسِ أشْباها
لوْ مَسَّ غَيْرَكَ هَذا الذُّلُّ من أسَدٍ / لَعَضَّ جِبْهَتَهُ سَيْفٌ وحَنَّاها
يا نهرَ طوسٍ ويا أظلالَ واديها
يا نهرَ طوسٍ ويا أظلالَ واديها / رسالةُ الشعرِ عني من يؤديها
سل جارةَ السَّدِّ هل في السد من أثَرٍ / لصبّه أم محا الآثارَ ماحيها
مثلتُهُ ديمةً في أفق مرحمةٍ / قصيدة أدمع الباري قوافيها
هل للأزاهر عن أماتها خبرٌ / عن شاعر سكبَ الأطيابَ في فيها
وألبستها صباغَ اخلدِ ريشتهُ / فافتر عن ألف لون في ذراريها
زهر الطبيعةِ يبقى في أماكنهِ / وزهرهُ في فمِ الدنيا وأيديها
في جنبِ إيوانِ كسرى من مواهبهِ / إيوانُ شعرٍ به كسرى زها تيها
كأن في كل بيت من قصائدهِ / روحا تغلغلُ في الموتى فتحييها
ردّ الأكاسرة الغرّانَ فانتشروا / تحت الدرفس نجوما في لياليها
والخيل تلهث في الميدان كالحةً / حمر الحمالق تطويه ويطويها
ورُستمٌ هِرقُلُ الفرسِ الفحولِ إذا / ما انقضّ قلتَ عقابُ الحربِ مُذكيها
وأدهشَ الأرضَ منه عندما نظرت / إليه .. كيف مشت إحدى رواسيها؟
ما عابَهُ أن سيف الله جندلهُ / بل شرّفَ الفرسَ لمّا جاء يهديها
مشى إليها كتاب الله يخطبُها / فأمهَرَتهُ الغوالي من نواصيها
غزا الهدى الكفر لا فرسٌ ولا عرب / يا وقعة هزت الدنياتهانيها
إسلامُ فارس أعراس تميس لها / حور الجنان على توقيع شاديها
لم يرتد المجد إلا من مطارفها / ولا انتشى النصرُ إلا من أغانيها
أشرق أبا قاسم كالشمس مرتجلا / أنشودةَ النور إن الله موحيها
واسكب لنا خمرةَ الفردوس تعصرها / مراشف الحور واشرب في أوانيها
لقد رويتَ فهل من فضلةٍ بقيَت / في الكأس أفعلها في النفس باقيها
لو شام هومير لمحا من أشعّتِها / للألأت عينُهُ وانجابَ داجيها
أو ساف نكهتها عن ألفِ مرحلَةِ / أبو نواسٍ لفدّاها نُواسيها
حنّت لعرسِكَ عرسِ الشعر فاندفقَت / وهجاً وطوّفَ بالأرواحِ ساقيها
من مطلع الشمس حتى قابِ مغربها / عبدٌ كسا الشرقَ تعظيماً وتنويها
ما ألفُ عامٍ وإن طال الزمان بها / من ساعة عشتها إلا ثوانيها
كأن روحك في الادهار عاصفةٌ / هبّت تمزّق أجيالاً وتذريها
حتى سفرت على أشلائها قمراً / ونور وجهك يطفو في نواحيها
عُد بي إلى الأرض حدث عن صغائرها / أيام تصلى بها من زند واليها
نادى لميراثِ كسرى كل قافية / إن مات قائلها ما مات راويها
صبرتَ حتى استكنّت كلُّ جائشَة / وأسلمت زمر الدعوى دعاويها
فرحتَ تبعثها من عبقرٍ شَرَراً / موصولةً بأوالها تواليها
قوسٌ من النور ماجت تحتَهُ أمَمٌ / وغابَةٌ من ظبي غنّى الردى فيها
وفي نَجِيّ القوافي هل وفيتَ له / ربّ الأريكة إذ وافى يُناجيها
أم رحتَ تبرمُ فيه رأيَ حاسدِه / راياً كسا حسنات الملكِ تشويها
أدهى النصيحة ما يأتيك مرتديا / ثوب الصداقة تضليلاً وتمويها
ضَنَنتَ بالذهَبِ ابن التربِ تمنَعهُ / عنه وجاءك بالأفلاك يهديها
إن الملوك على العلاتِ إن وعدَت / فليسَ غير زوالِ الملك يثنيها
الله أكبر نفس الشاعر انفجَرت / حُمرَ القذائفِ لم تخطىء مراميها
رمى بها العرضَ فاصطكّت قواعدهُ / وطوّقَت جيد محمود أهاجيها
يا للعقوقِ أيبني مجدَ أمّتهِ / ويجعَلُ الدهر مولى من مواليها
ويسكُبُ السحر يستهوي النفوس به / في ثغرِ زهرتِها أو حلقِ شاديها
وينشُرُ الوشي لم تنبِتهُ قِمّتُها / ويفجُرُ النهرَ لم ينبَعهُواديها
أشِعّةٌ واهتزازاتٌ وأخيلَةٌ / تكسو الحقائق ألوانً أفاويها
لولا الخيال لما كانت سوى لغةٍ / جردت عنها كناها والتّشابيها
يا للعقوقِ أيبنى مجد أمّتِهِ / حتى إذا ساورت نفسا أمانيها
حتى إذا مدّ للآلاء راحَتَهُ / نحو الأريكةِ عضّتهُ أفاعيها
فارتَدّ يلمُسُ جنبيهِ أأنصلُها / أهوَت عليهِ أم انقضّت ضواريها
جنى لها ثمرَ الأقلام يانِعَةً / وراح يجني الرزايا من مجانيها
أإن وفَت أمّةٌ يوما لشاعرِهاه / رماهُ سافلُها عن قوسِ واشيها
إذا أساءت إلى الآدابِ مملَكةٌ / فاصبِر علها فقد قامت نواعيها
إبشر أبا قاسمٍ إنّ العلى لَثَمَت / ثغرَ القوافي وجاءتها تواسيها
في قبةٍ من جلالٍ أنت رافعُها / ورَيوَةٍ من جمالٍ أنتَ كاسيها
قف في ربى الخلد واهتف باسم شاعره
قف في ربى الخلد واهتف باسم شاعره / فسدرة المنتهى أدنى منابره
وامسح جبينك بالركن الذي انبلجت / أشعة الوحي شعراً من منائره
إلهة الشعر قامت عن ميامنه / وربة النثر قامت عن مياسره
والحور قصت شذوذاً من غدائرها / وأرسلتها بديلاً من ستائره
أتراب مريم تلهو في خمائله / ورهط جبريل يحبو في مقاصره
والملهمون بنو هومير ما تركوا / لما أهل لهم سجعاً لطائره
قال الملائك : من هذا ؟ فقيل لهم : / هذا هوى الشرق هذا ضوء ناظره
هذا الذي نظم الأرواح فانتظمت / عقداً من الحب سلك من خواطره
هذا الذي رفع الأهرام من أدب / وكان في تاجها أغلى جواهره
هذا الذي لمس الآلام فابتسمت / جروحها ثم ذابت في محاجره
كم في ثغور العذارى من بوارقه / وفي جفون اليتامى من مواطره
سل جنة الخلد كم ودت أزهارها / لو استحالت عبيراً في مجامره
وصادح الطير لو سالت حناجرها / مع الصباح نشيداً في مزاهره
والزهر لو كن أزراراً مفضضة / على الذيول الضوافي من مآزره
ما بلدة سعدت بالنهر يغمرها / بكل أزهر حالي العود ناضره
بالبلبل المتغني في ملاعبه / والسنبل المتثني في غدائره
بالحقل ترعى به القطعان هانئة / والنحل يرضع من ثديي أزاهره
يستقبل الفجر أهلوها بغرته / ويغرقون الليالي في سرائره
ناموا على سرر الأعراس وانتبهوا / على صباح بكي الطرف غائره
على مآتم من طير ومن شجر / خرساء كالقبر غرقى في دياجره
يا للرزية غال النهر غائله / وغار في لهوات من هواجره
فلا الصباح ضحوك في شواطئه / ولا المساء لعوب في جزائره
وأسلم الزهر أجياداً منضرة / للشوك جفت على دامي أظافره
والناس في غمرة عمياء لا وتر / لناشديه ، ولا نجم لسامره
ما الخطب بالنهر مجرى الروح في بلد / فرد رقيق حواشي الذكر دائره
كالخطب يدوي له كون بجملته / إذا أصاب الردى شعباً بشاعره
ما للملاعب في لبنان مقفرة / وللمناهل عطلاً من حرائره
وللمآذن في الفيحاء كاسفة / كخاشع السرو في داجي مقابره
وللأصائل والأسحار أثخنها / عات من الريح إرهاقاً بحافره
وللجداول أنات مجرحة / كأنها حمل في كف ناحره
وللندى في الثرى جهش ووسوسة / كأنها همسات في ضمائره
أودى القريض فللأحزان ما لبست / على سليل الدراري من عباقره
شوقي أتذكر إذ عاليه موعدنا / نمنا وما نام دهر عن مقادره
وأنت تحت يدي الآسي ورأفته / وبين كل ضعيف القلب خائره
ولابتسامتك الصفراء رجفتها / كالنجم خلف رقيق من ستائره
ونحن حولك عكاف على صنم / في الجاهلية ماضي البطش قاهره
سألتنيه رثاء خذه من كبدي / لا يؤخذ الشيء إلا من مصادره
تغرب الحسن والإحسان فالتمسا / وجهاً من الأرض هشاشاً لزائره
لا يستوي المجد إلا في مفارقه / ولا يصفق إلا في ضفائره
ما غادرا بلداً إلا إلى بلد / والحر يلهب من خدي مسافره
حتى أطلا على مصر فراعهما / ما زخرَفَ النيلُ من إبداع ساحره
فألقيا بعصا الترحال واعتصما / بضفتيه وهاما في حواضره
فأطعم الجود من كفي قساوره / وأشرب الحسن من عيني جآذره
يا مصر ما انفتحت عين على حسن / إلا وأطلعتِ ألفاً من نظائره
ولا تفتقت الأفكار عن أدب / إلا وأنبَتِّ روضاً من بواكره
لبنان يا مصر مصر في مطامحه / كما علمت ومصر في مفاخره
هل كان قلبك إلا في جوانحه / أو كان دمعك إلا في محاجره
أو كان منبت مصر غير منبته / أو كان شاعر مصر غير شاعره
قيثارة النيل كم غنيت قافية / في مسمع الدهر مسراها وخاطره
لو عاد فرعون كانت من ذخائره / أو ختم الخلد كانت في خناصره
عُذرٌ لمن مات لا عرقٌ لمن سلما
عُذرٌ لمن مات لا عرقٌ لمن سلما / إذا تهدّم مجدٌ واستبيحَ حمى
شفاك داؤُكَ أشفى الداء أقتُلُه / للحرّ إن صدمَ الأحداث فانصدما
لبنان هل لي إلى أذنيك صاعقةٌ / يزيل تهدارها من أذنك الصمما
قضى على الأسد دهرٌ لا ذمامَ له / أن تركبَ الموتَ حتى تنقِذَ الأجما
هذا شبابكَ يشقى في ضراعتِهِ / وهو البراكينُ لكن يجهلُ الحُمَما
زجوا بكلّ أبي قعرَ موحِشَةٍ / وحكموا البومَةَ الشوهاءَ والقَزِما
يقول غاضر ماضيه لحاضرهِ / حملُ فيك الهوى والعذلَ والتهما
أكُلّما اكتسحَ الأوطان مكتسحٌ / طاطأت حتى يساوي رأسُكَ القدما
رب النشيد عزاء النفس في وطن / ما أنصف الحي حتى ينصف الرمما
لله قلبك ما أحنى كأن به / لكل ذي رقّة من عطفهِ رحِما
ترعى الهموم به حتى إذا عرضَت / لك الوجوهُ عرضتَ الوجهَ مبتسِما
كدوحة وسط الصحراء قائمةِ –صبّ الهجيرُ على أغصانها الضرما /
لكنها ترسل الأظلال وارفةً / على القوافلِ في الصحراءِ والنَسَما
يا ناشر الراية الخضراء ما خفقت / إلا وماج ربيعٌ تحتها ونما
تلك العشيات من وشي مطارفها / وذلك الرفرفُ الفينانُ من رسما
وهذه القبل السكرى التي التهمت / جيد الأزاهر من أوحى لها النهما
طوائف من تهاويل وأخيلة / أعملتَ سحركَ فيها فانبرت كلما
فتى الشوارد من خمر ومن زهر / عقد فريد على سلك يسيل دما
يسقي الهناء ولا يسقى فيا ألما / ما أن تحت الدجى إلا شفى ألما
سيان عند ابتناء المجد في وطن / من يحمل السيف أو من يحمل القلما
أيفرضونَ على مثلي ملابِسَهم
أيفرضونَ على مثلي ملابِسَهم / ويسالون ثيابي عن نياشينِ
كأنّني لم أكن عنوانض فخرِهِم / يوم انطلاق القوافي الميادين
إني لمن معشرٍ لولا براعتُهُم / ما كان لبنان غير الماء والطين
يا مجدُ يا فنّ يا جنون
يا مجدُ يا فنّ يا جنون / لم تُبقِ منّي الليالي سوى خيال خيالي
لا النحل يرشُفُ شهدي ولا الفراش / وكان جيدي وخدّي لها فراش
أبعد ما كان نهدي يروي العطاش / أصبحت أصبحت وحدي
يا مجدُ يا فنُّ يا جنون / أين الهوى والفتون والعصبةُ المعجون
ما للشفاه الكسالى لا تزودنا
ما للشفاه الكسالى لا تزودنا / فقد حملنا على أفواهنا القربا
بمهجتي شفة منهن باخلة / جاران ، تحسبنا إن تلقنا ، غربا
أهم بالنظرة العجلى وأمسكها / إذا قرأت على ألحاظها الغضبا
أفدي الشفاه التي شاع الرحيق بها / وهم بالكأس ساقيها وما سكبا
أأمنع الشفة الدنيا ، ولو طمحت / نفسي إلى شفة الفردوس ما انحجبا
وبمطر الضيم في أرضي وأشربه / وكنت لا أرتضي أن أشرب السحبا
ذر الليالي تمعن في غوايتها / فقد حشدت لها الأخلاق والعربا
خذ الطريق الذي يرضى الفؤاد به / ولا تخف ، فقديماً ماتت الرقبا
واسكب على راحتيها روح عاشقها / ومص من شفتيها الشعر والعنبا
قالوا دهت مصر دهياء فقلت لهم
قالوا دهت مصر دهياء فقلت لهم / هل غيض النيل أم زلزل الهرم
قالوا أشد وأدهى قلت ويحكم / إذن لقد مات سعد وانطوى العلم
لم لا تقولون إن العرب قاطبة / تيتموا كان زغلول أباً لهم
لم لاتقولون أن الغرب مضطرب / لم لاتقولون أن الشرق مضطرم
عذرتكم كان ملء الكون صاحبكم / فكيف تمل أذن السامع الكلمُ
للصمت أبلغُ منها وهو منسحقٌ / والدمع أفعل منها وهو منسجم
جاء النبيون من قبل فما لأموا / وجاء سعد فشمل الشرق ملتئم
ألقاتل الحق لا تثنى أعِنّتهُ / والواحد الفرد في أثوابهِ أُمَمُ
لطف المسيح مذاب في حناجره وعزم أحمد في جنبيه يحتدم /
صلى عليه النصارى في كنائسهم والمسلمون سعوا للقبر واستلموا /
ألمؤمنون بسعد أين أبصرهم / والمعجبون بسعد أين أين هم
أفري الطياليس عنهم لا أشاهدهم / أبري القلانسَ عنهم لا أحسهم
وأسأل الحفل عنهم لا يجاوبني / كأنما الحفل في آذانه صممُ
بلى شهدتهم والنقع معتكر / والحق مطلب والثغر مبتسم
وراية الوطن الغالي تظلهم / كأنما حضنت أفراخها الرخم
روح تسيل على القرطاس إن خطبوا / وقد تسيل على القرضاب إن فحموا
مصر وليس سوى مصر لهم أرب / إن تشق يشقوا وإن تنعم فقد نعموا
رجال مصر شفيعي إن عتبتكم / أن المحب لديكم ليس يتهم
إني أخاف عليكم في تحزبكم / أن تنصروا الخصم وهو الخصم والحكمُ
تخاصمون على ضعف وخصمكمُ / وهو القوي عليكم ليس يختصم
توحدوا باسم مصر في تجهمها / وطالعوا ثغرَ مصر كيف يتبسم
سعد أرادكم حلفا فلا قُسمَت / أجزاؤكم حب مصر ليس ينقسِمُ
سيروا لكل أخي دنيا لبانتهُ / حتى إذا ما ربحتم مصر فاقستموا
تاريخ مصر ولودٌ ما انتمى شممٌ / إلا إليه وحابى نفسه الشمم
أم الحضارة بل مجلى أشعتها / يوم الحضارة لم تعلق بها رحم
تقهقرت دونها الأيام واجفةً / فهي الشباب وتلك الشيب والهرمُ
من مبلغ مصر عنا ما نكابده / إن العروبة فيما بيننا ذمم
ركنان للضاد لم تفصم عرى لهما / هم نحن إن رزئت يوما ونحنُ همُ
إن الدساتيرَ لا تعطي أعِنّتها
إن الدساتيرَ لا تعطي أعِنّتها / إلا الأعاصير من جنّ ومن بشَر
من هابط كقضاء الله مكتسحٍ / أو صاعدِ كفَمِ البركان منفجرِ
تشرينُ مهرُ المعالي ما نثرتَ على
تشرينُ مهرُ المعالي ما نثرتَ على / حدّ الظُّبى ومثارُ النقعِ قد لفَحا
منحتها مهج الأحرارِ داميةً / كذلك فليَمنحِ الأوطان من منحا
من كل ريحانةٍ يندى الحياءُ بها / فإن تثرها أثرت الفاتكَ الوقحا
نشوانُ يهزَأُ بالجلى فإن عبست / له المنايا أراها العابث المرحا
يكاد يغتالهُ فرطُ النحول فلا / تدري أشخصاً رأت عيناك أم شبحا
حتى إذا انقضّ قلتَ السيف منجرِداً / والليثُ محتدما والسيل مكتسحا
يُخضّب الشوك من كفي ومن كبدي / دم عليه جنيّ الورد قد نفحا
ألبستُ تشرين منهُ يوم مولده / ألا تراه بلونش الورد متشِحا
عرسٌ أهازيجهُ حمرٌ وأكؤسهُ / يرويك مغتبقا منها ومصطبحا
أرزيّةٌ يعربياتٌ شمائلها / لو قبلت أبكماً في ثغره فصحا
لكنه وطنٌ فديتُ مهجته / بمهجتي نبذَ الأحرار واطّرحا
سقيت ريحانهُ من مدمعي ودمي / هذا إذا انهلَ أو هذا إذا انسفحا
شطران قلبيَ شطرٌ للمقيمِ بهِد / على الوفاء وشطرٌ للذي نزَحا
تشرين قل للتشارين التي سلفَت / لنا عتابٌ ولا نرضاه إن جرحا
اسمى وأكرمُ عفو أنت مانحهُ / عفو الذبيح عن السيف الذي ذبحا
إن كان لا بد من مدحٍ تُنَمّقهُ
إن كان لا بد من مدحٍ تُنَمّقهُ / فامدح لنا الورد أو فامدح لنا القدحا
من يسرقُ الخُبزَ إنقاذا لصبيبتهِ / أحق بالعذر ممن يسرق المِدَحا
حيّتك عني وجوهُ لو هي احتجبت
حيّتك عني وجوهُ لو هي احتجبت / دل الشذا أنها بعض الرياحين
لم يرتكوا زهرةً تغفو على غصنٍ / عرّوا البساتين من زهر البساتين
آفاق نورٍ تهادى في مسابحها / نفح الرياض وتطريق الحساسين
تحية من قديمِ الحبّ طيبةٌ / تبقى على الدهر في صدر الدواوين
صُغِ القوافي كما تهوى أو اعتذِر
صُغِ القوافي كما تهوى أو اعتذِر / لو كان يرضى الهوى عُذرا لمُعتذر
كأنّ قلبَ المَنّى في أنامِله / إن نام وكَلَهُ بالوجد والسهَر
أدر كؤوسكَ أدركني بواحدَة / وهل يطيبُ بكاس غيرها سكري
غنّيت حبّك أبكار القصيد فمَن / غنّاك بعدي فقد غنّى على أثَري
تناولَت ألسنُ العشاق ما نفحَت / بكَ القصائدُ من زهرٍ ومن ثمَر
واستمتعوا فيك تغريداً ورفرفةً / أما رأيت ولوع الطيرِ بالشجَرِ
صُغتُ الأكاليل من نور ومن أرجٍ / للعيد للسّحرِ للأقداح للوَتَرِ
شعرٌ كعيدكَ في الأعياد مبتَكَرٌ / تدَفّقَت فيه أمواجٌ من الصُوَرِ
أعيادك البيضُ أحلامٌ مُجَنّحَةٌ / كأنما هيَ أطفالٌ على سرُرِ
بيضُ البشائر تندى من جوانحها / ريحانةُ السفح أو أغنيّة النهَرِ
النور والعطر رقرقان في أفقٍ / من المسابمٍ مدّ الظنِ والنظَرِ
تجاذباكَ هوى بوركتَ من فلكٍ / مقَسّم الوجه بين الشمس والقمَرِ
خذ عن طريق الندى فيعاً و قلحاتا
خذ عن طريق الندى فيعاً و قلحاتا / ما بات يشكو الظما من فيهما باتا
كم رقرق السحر من ظرف ومن أدب / وكم بنى الشعر للأخلاق أبياتا
في فتية تطعم الأوطان مهجتها / وتنبت الأدب الريان إنباتا
نسيت لون الليالي إذ نزلت بهم / لا نترك الكأس إلا والدجى فاتا
وليلة في بطرام أخذت بها / وقد جعلنا بزوغ الفجر ميقاتا
في مجلس مالكي لو منحت به / جنان عدن لقال القلب: هيهاتا
شاقت كواكبه في الأفق إخوتها / لو استطاعت من الأفلاك إفلاتا
ودمية عندما صافحت صانعها / أكبرته عبقري الفن نحاتا
رمى بها في عباب الحب لؤلؤة / وناطها في جبين الحسن مشكاتا
سوانح من صفاء لا تلوح لنا / في حالكات الشقا إلا أويقانا
نلقي على راحتيها أنفساً نهكت / فعل الغريق رأى في القرب مرساتا
لبنان يا جنة الأرواح ما فعلت / بك الليالي فعاد العرس مأساتا
قد كبروك لأمر صغروك به / قد فخموا الإسم لكن حفروا الذاتا
في كل طرفة عين أنظم جدد / من سوء حظك قد ظنوا ملهاتا
كأنما كنت لوحاً في مكاتبهم / تمضي الأكف به محواً وإثباتا
فتيان لبنان هبوا من رقادكم / سيان من نام عن حق ومن ماتا
لمن ْ أزاهر هذا العيد باسمة؟
لمن ْ أزاهر هذا العيد باسمة؟ / و ليس في الروض تسجيعٌ و تغريدُ
بئسَ الشفاهُ التي تغتر باسمةً / و في الضلوع مصاريعٌ مكاميدُ
لنا الكروم.. فهل في القول من حرجٍ / إذا سألناهمُ أين العناقيدُ؟
و لا سلاحَ ... سوى الوعد الذي قطعوا: / تفنى الحياة و لا تفنى المواعيد
يا صارف الكأس عنا، لا تًضِنَّ بها،
يا صارف الكأس عنا، لا تًضِنَّ بها، / ويا أخا الوتر المكسال، لا تنم
أدِرْ علينا من الصَّهباءِ أفْتكها، / وخَدِّرِ العصب المحموم، بالنَّغم
قد يشرب الخمر، من تغلو الهمومُ به، / وقد يُغنّي الفتى، من شدَّةِ الألم