القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِبْراهيم ناجِي الكل
المجموع : 25
كل الورى يدعون حبك
كل الورى يدعون حبك / أنا الوحيد الذي أحبك
صدرك فيه اضطراب شوق / يقرع قرع العباب جنبك
فكيف تخلي به مكاني / وتسكن الغادرين قلبك
لما اعتنقنا على اشتياق / لمست بالساعدين خطبك
تعال لا تعتذر لذنب / بقدر حبي غفرت ذنبك
طال على المتعب الطريق / بلا حبيب ولا صديق
قد بعد الشاطئ المرجى / والموج لا يرحم الغريق
في واضح النور جنح ليل / وفي الرحاب الفساح ضيق
يا أرجوان الغروب مهلا / ولتئد أيها العقيق
صبغت عمري فصرت أمشي / على دمائي التي أريق
يا مسرحاً والفصول تترى / عليه ما لي بك اغترار
فلا بخير ولا بشر / ولا طوال ولا قصار
ما خنت عهدي لمن تولى / كلا ولا خانني اصطبار
أين الليالي التي تسر / بلا لقاء ولا مزار
كم قلت ذا مشهد يمر / ولم أقل إنه ستار
إن كان للمشجيات رسمٌ / إني تمثالها المقام
بلا دموع ولا شكاةٍ / قد جمد الدمع والكلام
يا طالب الحزن في المآقي / لا تنشد الدمع في الرخام
وخذه من أخرس مرير / من شفه دمعها سجام
فهل فمٌ قد بكى بكائي / من ذا رأى دمعةَ ابتسام
يا رامي السهم يدري أين موضعه
يا رامي السهم يدري أين موضعه / مني ويعلم ما داريت من ألم
رميتَ في ساحة موسومة بدم / منقوشة بندوب الحب والندم
لا يخدعنَّك منها وهي صامتة / صمت القبور فراغ الموت والعدم
فكم شفاه جراحات إذا انطبقت / جرح الإباء عليها غير ملتئم
فيم انتقامك من قلب عصفت به / لم يبق من موضع فيه لمنتقم
وفيم لذعة سخطٍ من جوى برمٍ / ترمي بجمرته في جوف مضطرم
لا القوم راحوا بأخبار ولا جاءوا
لا القوم راحوا بأخبار ولا جاءوا / ولا لقلبك عن ليلاك أنباءُ
جفا الربيع ليالينا وغادرها / وأقفر الروض لا ظل ولا ماءُ
يا شافي الداء قد أودى بي الداء / أما لذا الظمأ القتال إرواءُ
ولا لطائر قلب أن يقر ولا / لمركب فزع في الشط إرساءُ
عندي سماء شتاء غير ممطرةٍ / سوداء في جنبات النفس جرداء
خرساء آونة هوجاء آونة / وليس تخدع ظني وهي خرساء
وكيف تخدعني البيداء غافية / وللسواقي على البيداء إغفاء
أأنت ناديتِ أم صوت يخيل لي / فلي إليك بإذن الوهم إصغاء
لبيك لو عند روحي ما تطير به / وكيف ينهض بالمجروح إعياء
تفرق الناس حول الشط واجتمعوا / لهم به صخب عالٍ وضوضاءُ
وآخرون كسالى في أماكنهم / كأنهم في رمال الشط أنضاء
هم الورى قبل إفساد الزمان لهم / وقبل أن تتحدى الحب بغضاء
ضاقت نفوسٌ بأحقاد ولو سلمت / فإنها كسماء البحر روحاء
تألقت شمس ذاك اليوم واضطرمت / كأنها شعلٌ في الأفق حمراء
طابت من الظل ظل القلب ناحية / لنا وقد صليت بالحر أنحاء
مالي بهم أنت لي الدنيا بأجمعها / وما وعت ولقلبي منك إغناءُ
لو أنه أبدٌ ما زاد عن سنة / ومدة الحلم بالجفنين إغفاء
أرنو إليك وبي خوف يساورني / وأنثني ولطرفي عنك إغضاء
إذا نطقت فما بالقول منتفع / وإن سكت فإن الصمت إفشاء
وأيما لفظة فالريح ناقلة / والشط حاكٍ لها والأفق أصداء
يا ليل من علم الأطيار قصتنا / وكيف تدري الصبا أنا أحِباء
لما أفقنا رأينا الشمس مائلة / إلى المغيب وما للبين إرجاءُ
شابت ذوائب وانحلت غدائرها / شهباء في ساعة التوديع صفراء
مشى لها شفق دامٍ فخضبها / كأنه في ذيول الشعرِ حِناء
يا من تنفس حر الوجد في عنقي / كما تنفس في الأقداح صهباء
ومن تنفستُ حر الوجد في فمه / فما ارتويت وهذا الري إظماء
ما أنت عن خاطري بالبعد مبتعد / ولن تواريك عن عينيّ ظلماء
بأي معجزة في الحب نتفق
بأي معجزة في الحب نتفق / يا قلب لا يتلاقى الفجر والغسقُ
يا قلب إنا لقينا اليوم معجزة / تكاد في ظلمات الليل تأتلقُ
ظللتُ أسأل نفسي كيف تعشقها / بقية من بقايا العمر تحترق
وافيتها وفلول النور دامية / تطفو وترسب أو تعلو فتعتلقُ
لم أدر حين تبدت لي إذا شفقي / أبصرته أو على المنصورة الشفق
يا من منحت الأماني البيض معذرة / إني بهذي الأماني البيض أختنقُ
أين الهدوء المرجى في جوانبها / إني رجعت وليلي كله أرق
أقبلت أنشد أمنا في هواك بها / فلم أنل وتولى قلبي الفرق
لا بالقلوب ولا الأرواح يا أملي / أنّا بشيء وراء الروح نعتنق
ويحي على كفك البيضاء إذ بسطت / عند السلام وويحي حين تنطبق
هل يسمع النيل إذ سرنا بجانبه / والموج مجتمع فيه ومفترق
صوتاً تماوج في روحي فجاوبه / من جانب القلب موج راح يصطفق
تظل تنهب أذني من أطايبه / كأنها من خفايا الغيب تسترق
يا جنة من جنان الله أعبدها / لن تبعدي ولدي السحر والعبق
غيث على القفر حيّانا وأحيانا
غيث على القفر حيّانا وأحيانا / يا شاعر الجيل كان الجيل ظمآنا
كنا نعيش من الدنيا على عدة / نبني من الأمل الموعود دنيانا
فالآن قد حققت ما كان منتظراً / منها وإن لمعت بالوعد أحيانا
جاءت بأروع من هز البيان ومن / أعاد مجد القوافي مثل ما كانا
ريحانة النيل هزت نفسها طرباً / وقدمت لأمير الشعر ريحانا
ماذا نقول ونبدي بعدما سبقت / لك الشهادة من تكريم مولانا
أقمت من عبقري الشعري برهانا / وقبلها كنت للأخلاق عنوانا
بآيتين وفاء للتي ذهبت / وأنت مَن حفظ الذكرى ومن صانا
إن التي نضَّرت عيشاً نعمت به / وصيرت بيتك المعمور بستانا
لو لحظة نحو ذياك الضريح رنت / عيناك تلق الهوى لم يختلف شانا
وآية من وفاء للألى سحبت / عليهم حادثات الدهر نسيانا
عهد الرشيد وعهد المجد في زمن / به توطد ملك العرب سلطانا
وعهد بغداد حيث العيش مؤتلقٌ / يهفو خمائل أو يهتز أفنانا
جلوته وهو فتاك بجعفره / والسيف يقطر بغضاءً وعدوانا
يا للطلاء الذي يكسو النفوس لكم / كسا النفوس من التزييف ألوانا
تلك الطبيعة لا شيء يغيرها / ينام فيها خيال الفتك وسنانا
الحرص يوقظه والمجد يوقظه / والويل إن وثب الوسنان يقظانا
جوزيت عن لغة الفصحى وأمتها / عمراً مديداً وتكريماً وإحسانا
إن السراة الأباظيين قد عظموا
إن السراة الأباظيين قد عظموا / عن طوق ند وعن تحليق أضداد
تخطف القدر الجاري أحاسنهم / بصيرفي المنايا أو بنقاد
كم صحت والعين تذري الدمع في أسف / على الجواهر في كف الردى العادي
ألا رقىً للأباظيين تحفظهم / على الحوادث من أنظار حساد
بأي لفظ يفيك شعري
بأي لفظ يفيك شعري / شرفت قدري وزنت داري
أما كفى برُك المواسي / فزدتني روعة المزار
أقسمت بالشمس في ضحاها / أقسمت بالبدر بالدراري
بفضلك الماحق الدياجي / كأنه واضح النهار
فيك من البحر كل معنى / فمن سمو إلى وقار
وأنت صدر العباب رحباً / وبسمة الشط والمنار
كأن هذا الجميل يترى / من طيب غادٍ ولطف ساري
موج من البر ذو اتصال / بلا هدوء ولا قرار
غمرتني بالجميل حتى / لجت قوافيَّ في العثار
أنقذني البحر غير أني / غريق فضل بلا قرار
كنت ندى في رياض عيشي / وكنت غيثاً على القفار
لقيت ضنكا من الليالي / فمن غمار إلى غمار
قد طال عتبي على الليالي / وطال للراحم انتظاري
صفحت عن كل ما أساءت / حق لها الليلة اعتذاري
طوى السنين وشق الغيب والظلما
طوى السنين وشق الغيب والظلما / برقٌ تألق في عينيك وابتسما
يا ساري البرق من نجمين يومض لي / ماذا تخبئ لي الأقدار خلفهما
أجئت بي عتبات الخلد أم شركا / نصبت لي من خداع الوهم أم حلما
كأنني ناظرٌ بحراً وعاصفة / وزورقاً بالغد المجهول مرتطما
حملتني لسماء قد سريت لها / بالروح والفكر لم أنقل لها قدما
شفّت سديماً ورقت في غلائلها / فكدت أبصر فيها اللوح والقلما
رأيت قلبين خط الغيب حبهما / وكاتبا ببيان النور قد رسما
وسحر عينيك إني مقسم بهما / لا تسألي القلب عن إخلاصه قسما
واهاً لعينيك كالنبع الجميل صفا / وسال مؤتلق الأمواج منسجما
ما أنتما أنتما كأسٌ وإن عذبت / فيها الحمام ولا عذر لمن سلما
لمَّا رمى الحب قلبينا إلى قدرٍ / له المشيئة لم نسأل لمن ولما
في لحظة تجمع الآباد حاضرها / وما يجيء وما قد مر منصرما
قد أودعت في فؤاد اثنين كل هوى / في الأرض سارت به أخبارها قدما
كلاهما ناظرٌ في عين صاحبه / موجاً من الحب والأشواق ملتطما
وساحة بتعلات الهوى احتربت / فيها صراع وفيها للعناق ظما
يا للغديرين في عينيك إذ لمعا / بالشوق يومض خلف الماء مضطرما
وللنقيضين في كأسين قد جمعا / فالراويان هما والظامئان هما
بأي قوسٍ وسهم صائب ويدٍ / هواك يا أيها الطاغي الجميل رمى
يرمي ويبرئ في آن وأعجبه / إن الذي في يديه البرء ما علما
وكيف يبرئني من لست أسأله / برءاً وأوثر فيه السهد والسقما
لو أن للموت أسباباً تقربني / إلى رضاك لهان الموت مقتحما
إن الليالي التي في العمر منك خلت / مرت يبابا وكانت كلها عقما
تلفت القلب مكروبا لها حسرا / وعض من أسف إبهامه ندما
نارٌ من الشوقِ إثرَ نار
نارٌ من الشوقِ إثرَ نار / فلا هدوءٌ ولا قرار
إنك لي مبدأ وَعَودٌ / منك إلى صدرِك الفِرار
يا مرفأَ الروحِ لا تَدَعنِي / بلا دليلٍ ولا مَنار
موجٌ وريحٌ وزحفُ ليلٍ / فمن دمارٍ إلى دمار
إن أنتِ أخلفتِ وَعدَ حبّي / لم تُؤوِني في الديارِ دار
وليسَ لي في الهَوى اصطِبار / وليس لي دونك اختيار
وليلةٍ بات من أهوى ينادمني
وليلةٍ بات من أهوى ينادمني / ما كان أجملَه عندي وأجمَلها
بتنا على آية من حسنه عَجَبٍ / كتابُه من خَفايا الخُلدِ أنزَلَها
إذا تساءلتُ عمَّا خَلفَ أسطرها / رَنَا إليَّ بعينيه فأَوَّلَها
مُصَوِّباً سَهمَه مُستشرفاً كبدي / مُستهدفاً ما يشاء الفتكُ مقتلها
يا للشَّهيدة لم تعلم بمصرعها / ما كان أظلَمَ عينيه وأجهلَها
حتى إذا لم يَدَع منها سوى رمقٍ / عَدَا على الرَّمقِ الباقي فجندلها
وصَدَّ عنها وخلاَّها وقد دَمِيَت / في قبضة الموت غَشَّاها وظلّلها
وحان من ليلة التوديع آخرُها / وكان ذاك التلاقي الحُلوُ أوَّلها
ضممتها لجراحاتي التي سَلَفَت / إِلى قديمِ خطايا قد غفرتُ لها
قلبٌ تقسَّم بين الوجد والألم
قلبٌ تقسَّم بين الوجد والألم / هل عند لبنانَ نجوى النيل والهرم
أشكو جواي إلى الرُّوح التي احتضنت / ناري وضمَّت إلى أسقامها سقمي
وقاسمتني الهوى حتى إذا رحلت / ألقت فؤادي بضنكٍ غير مقتسم
ميثاقنا أسطرٌ من مدمعٍ ودمٍ / يا طاهر النفحة اذكر طاهر القَسم
يا من أعاتب دهري إذ أودِّعه / وما عتابي على الأقدار والقِسم
إنّ النوى غرَّبته وهي عالمة / أني رجعت أُداري النار بالضرم
ورنَّحَت بعده خطوي وما عرفت / من عثرة الحظِّ أم من عثرة القدم
خَلَت وران عليها الصمت وانقلبت / كأنما لَفَّها ثوبٌ من العدم
بالله أيامَنا هل فيك منتَفعٌ / ونحن من سَأَمٍ نمشي إلى سَأم
وما أُرقِّع ثوباً فيك منخرقاً / لكن أرقِّع جُرحاً غير ملتئم
أفدي نهاراً طلعتِ فيه
أفدي نهاراً طلعتِ فيه / نجم جمالٍ ونجم سعد
إني لهذي العيون عبدٌ / والدهر إما رضيتِ عبدي
إن كان عيدٌ به ووردٌ / فأنت عيدي وأنت وردي
يا خير من مرَّ في وجودي / إنك كلُّ الوجود عندي
عندي خَفِيٌّ من الأماني / أضعافَ ما جئتُ فيهِ أُبدي
معذرةً في القليل إني / والله أعيا الكثيرُ جُهدي
يا فتنتي والهوى ديونٌ / حسبيَ أَني له أؤدّي
ما أنت من أنت هل مجيبٌ / على سُؤالٍ بغير رَدّ
لم يخلق الله من جمالٍ / يلفُّه في سَنِيِّ بُرد
حسنٌ قُصاراه من شفاهٍ / عطرُ ثناءٍ وطيبُ حمد
ويخلق الله معجزاتٍ / يجمعها كلَّها بفرد
كسحر عينيك كيد باغٍ / وسحر عينيك للتحدّي
أحببتُ ميَّة حبّاً لا يُعادله
أحببتُ ميَّة حبّاً لا يُعادله / حبٌّ وأفنيت فيها العمر أجمعَه
أُحبُّ عمري الذي في قرب ميَّ وما / قد مرَّ من دونها ما كان أضيعه
يا ميّ يا قلبي الثاني أعيش به / وإن يكن فوق ظنِّي أنّني معه
يا بضعة من كيان الصبّ نابضة / بكل حبٍّ به الرحمن أودعه
ما أضيع الصبر في جُرح أداريه
ما أضيع الصبر في جُرح أداريه / أريد أنسَى الذي لا شيء يُنسيه
وما مجانبتي من عاش في بصري / فأينما التفتت عيني تلاقيه
مكانيَ الهادئ البعيد
مكانيَ الهادئ البعيد / كُن لي مجيراً من الأنام
قد أمَّكَ الهارب الطريد / فآوِه أنتَ والظلام
يا حسنها ساعة انفصال / لا ضنك فيها ولا نكد
يا حقبة الوهم والخيال / هلا تمهلتِ للأبد
يا أيها العالم الأخير / ماذا ترى فيك من نصيب
أراحةٌ فيك للضمير / أم موعدٌ فيك من حبيب
كم يَعذُب الموت لو نراهُ / أو كان فيك اللقاءُ يُرجى
ينفض عن عينه كراهُ / ويقبل الراقد المسجَّى
لكن شكّاً بما تجن / خيّم فوق العقول جمعَا
عجبتُ للمرء كم يئن / ويستطيب الحياةَ مَرعَى
قد صار حبُّ الحياة منا / يقنع بالجيفة السباع
وعلم السمحَ أن يضنَّا / وثبّت الجبن في الطباع
طال بنا الصمت والجمود / لا البدر يوحي ولا الغدير
يا عالم الضيم والقيود / برَّحت بالطائر الأسير
هربتُ من عالمٍ أضرَّا / وجئت يا كعبتي أزور
هاتي خيالاً إذن وشعراً / أسكبه في فم الدهور
هرَبتُ من عالم الشقاء / وجئت عليَّ لديكِ أحيا
أشرب من روعة السماء / شعراً وأسقي الفؤادَ وحيا
مللتُ في هاته العوالم / مهزلةَ الموت والحياه
وصورة القيد في المعَاصم / ووصمةَ الذل في الجباه
هياكلٌ تعبر السنين / واحدة العيش والنظام
واحدة السخط والأنين / واحدة الحقد والخصام
وواحد ذلك الطلاء / يسترُ خزياً من الطباع
افنى البلى أوجه الرياء / ولم يذُب ذلك القناع
بعينها كذبة الدموع / بعينها ضحكة الخداع
ومُنحنَى هاته الضلوع / على صوادٍ بها جياع
كأن صدر الظلام ضاق / من كَثرةِ البثِّ كل حين
يا ويحه كيف قد أطاق / شكوى البرايا على السنين
كأنما ينفث الشهب / تخفيف كربٍ يئنّ منهُ
كالقلب إن ضاق واكتأب / تخفف الذكريات عنهُ
كم زفرة في الضلوع قرّت / يحوطها هيكلٌ مريض
مبيدة حيثما استقرت / فإن نبح سميت قريض
كم في الدجى آهة تطول / تسري إلى أذنه وشعر
لو يفهم النجم ما نقول / أو يفهم الليل ما نُسر
ما بالها أعين الفلك / منتثرات على الفضاء
تطل من قاتم الحلك / بغير فهمٍ ولا ذكاء
ألا وفيّ ألا معين / في مدلهم بلا صباح
وكلّما جَدَّ لي أنين / تسخر بي أنّة الرياح
هبنا شكونا بلا انقطاع / ما حظ شاكٍ بلا سميع
وحظ شعرٍ إذا أطاع / يا ليته عاش لا يطيع
يضيع في لجة الزمن / مبدداً في الورى صداه
ولن ترى في الوجود مَن / يدري عذاب الذي تلاه
يا أيها النهر بي حسد / لكل جارٍ عليك رف
أكُلُّ راجٍ كما يود / يروي ظماه ويرتشف
ومن حبيب إلى حبيب / ترنو حناناً وتبتسم
وكل غادٍ له نصيب / من مائك البارد الشبم
يا نهرُ روّيت كل ظامي / فراح ريّان إن يذُق
فكن رحيماً على أوامي / فلي فمٌ بات يحترق
يا نهر لي جذوة بجنبي / هادئة الجمر بالنهار
فإن دنا الليل برّحت بي / وساكن الليل كم أثار
وقفت حرّان في إزائك / فهل ترى منك مسعدُ
وددت ألقي بها لمائك / لعلها فيك تبردُ
عالج لظاها فإن سكن / فرحمةٌ منك لا تحد
وإن عصت نارها فكن / قبراً لها آخر الأبد
ترينيَ الهاجر الشتيت / وقربه ليس لي ببال
وكلّما خلتني نسيت / مَرَّ أمامي له خيال
تمر ذكرى وراء ذكرى / وكل ذكرى لها دموع
وتعبر المشجيات تترى / من كل ماضٍ بلا رجوع
ماضٍ وكم فيه من عثار / ومن عذابٍ قد انقضى
كم قلت لا يرفع الستار / ولا ادكارٌ لما مضى
يا من أرى الآن نصب عيني / خياله عطَّر النسم
بالله ما تبتغيه مني / ولم تدع لي سوى الألَم
في ذمة الله ما أضعتم / من مهجٍ أصبحت هباء
لم نجزكم بالذي صنعتم / إنَّا غفرنا لمن أساء
لا تحسبوا البرء قد ألَمّ / فلم يزل جرحنا جديدا
يخدعنا أنّه التأم / ولم يزل يخبأ الصديد
يا أيها الليل جئتُ أبكي / وجئتُ أسلو وجئت أنسى
طال عذابي وطال شكي / ومات قلبي وما تأسَّى
قل للبخيل إذا ما عزَّ مشرعهُ
قل للبخيل إذا ما عزَّ مشرعهُ / يا مانع الماء عني كيف تمنعُه
أغرَّ حسنك أن الخلد جدوله / وأنّه من غريب السحر منبعُه
يا أيها الكوكب المحبوس في فلكٍ / مبدد مجده فيه مضيّعُه
هيهات يخلد حسنٌ لا يؤلهه / شعرٌ من النسق الأعلى ويرفعُه
أنا شهيدك والقلب الضحوك إذا / أدميتَه والمغني إذ تقطّعُه
هل منك يوم رضىً ضنَّ الزمان به / أعيا خيالي وأضناني توقّعُه
كم بتُّ منتبهاً أصغي لخطوته / أراه في الوهم أحياناً وأسمعُه
وأنت في أفق الأوهام طيف صبا / سما ودقَّ على الأفهام موضعُه
كأنك النسم النشوان منطلقاً / أظل كالنفس الحيران أتبعُه
تعالَ وادنُ بيوم لا نحسّ به / أجسادنا في صفاء لا نضيعُه
لكن أحسك تجري في صميم دمي / أنت الحياة وأنت الكون أجمعُه
يا ليلةً سنحت في العمر وانصرمَت
يا ليلةً سنحت في العمر وانصرمَت / هَلا رجعتِ وهلا عادَ أحبابي
يا ليت شهدَك إذَ لم يبق لي أبداً / لَم يُبقِ في القلب تذكاراً من الصابِ
لَم أنس مُهديَتي جلبابَها وعلى / جسمي من السقم منها أيُّ جلبابِ
قميصُ يوسف ردَّ العينَ مبصرةً / ففاز بالنورِ ذاك المطرقُ الكابي
وأنت لو أنّ روحاً أزمعت سفراً / أعدتَها وخَيالُ الموت بالبابِ
فَذُد خيالَ المنايا اليومَ عن رجُلٍ / أنشبنَ في روحه أشباهَ أنيابِ
وإن عجزتَ فكن في الموت لي كفناً / أمت وألقى إلهي غيرَ هيَّابِ
يا أمتي كم دموع في مآقينا
يا أمتي كم دموع في مآقينا / نبكي شهيديك أم نبكي أمانينا
يا أمتي إن بكينا اليوم معذرةً / في الضعف بعض المآسي فوق أيدينا
واهاً على السرب مختالاً بموكبه / وللنسور على الأوكار غادينا
قالوا الضباب فلم يعبأ جبابرة / لا يدركون العلا إلا مضحينا
والمانش يعجب منهم حينما طلعوا / على غواربه الحيرى مطلّينا
فاستقبلتهم فرنسا في بشاشتها / تجزي البسالة ورداً أو رياحينا
قالوا النسور فهبَّ القوم وادَّكروا / نسرا لهم ملأ الدنيا ميادينا
وهلل السين إذ هلَّت طلائعنا / طلائع المجد من أبناء وادينا
حان الأمان ووافَى السربُ فافتقدوا / نسرين ظنوهما قد أبطآ حينا
لكنه كان إبطاء الردّى فهما / لمّا دعا المجد قد خَفَّا ملبينا
فليبك من شاء وليُشبع محاجره / ولينتحب ما يشاءُ الحزن باكينا
يبكي الحبيب وتبكي فقد واحدها / من لا ترى بعده دنيا ولا دينا
هُنيهة ثم يسلو الدمعَ ساكبُه / لا يدفع الدمعُ شيئاً من عوادينا
فكلما حلَّ رزءٌ صاحَ صائحنا / فداك يا مصر لا زلنا قرابينا
فداك يا مصر هذا النجم منطفئاً / والنسر محترقاً واللليث مطعونا
يا وحدتي جئت كي أنسَى وها أنذا
يا وحدتي جئت كي أنسَى وها أنذا / ما زلت أسمع أصداءً وأصواتا
مهما تصاممتُ عنها فهي هاتفةٌ / يا أيها الهاربُ المسكينُ هيهاتا
جرَّت عليَّ الأماني مِن مجاهلها / وجمَّعت ذِكراً قد كُنَّ أشتاتا
ما أسخف الوحدةَ الكبرى وأضيعها / إذا الهواتف قد أرجعن ما فاتا
بَعثن ما كان مطوياً بمرقدِه / ولم يزَلنَ إلى أن هبَّ ما ماتا
تلفَّت القلبُ مطعوناً لوحدته / وأين وحدته باتت كما باتا
حتى إذا لم يجد ريّاً ولا شبعاً / أفضى إلى الأمل المعطوب فاقتاتا
ليس البيانو الذي راحت تحركه
ليس البيانو الذي راحت تحركه / يداك أطوعَ من قلبي وأفكاري
لمستِهِ فتمشّى السحر بي فكما / تهتز أوتاره تهتز أوتاري

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025