المجموع : 8
صَهَرتُ في قدحِ الصهباءِ أحزاني
صَهَرتُ في قدحِ الصهباءِ أحزاني / وصُغتُ من ذَوبها شِعري وألحاني
وبتُّ في غَلَسِ الظلماءِ أُرسِلُها / من غورِ روحي ومن أعماقِ وجداني
يا ليلُ ضاقت بشكوايَ الصدورُ وما / ضاقَت بغلٍّ وأحقادٍ وأضغان
فجئتُ أشكو إليكَ المرجفينَ وهم / لا درَّ درُّهُمُ أسبابُ خذلاني
يا ليلُ والروح عَطشى وهيَ هائِمةٌ / هَل في المجرّةِ من ريٍّ لعطشانِ
يا ليلُ والنفسُ غَرثى وهيَ حائرةٌ / فهَل بنَجمِكَ من زادٍ لغَرثانِ
يا ليلُ والعينُ سهرى وهيَ دامعةٌ / فهَل بجُنحِكَ من راثٍ لسَهرانِ
يا ليلُ حَسبي وصدري ملؤهُ ضرمٌ / تلكَ البقيَّةُ فافتَح صَدركَ الحاني
فكَم بهِ لمَسَت روحي العزاءَ وقد / أودَعَتهُ سرّ آلامي وأشجاني
يا ليلُ أينَ الكرى بل أينَ طيفهُم / فكَم بوادي الكرى يا ليلُ واساني
وكم هَفَت وَصَبَت نفسي إلى حُلُمٍ / مُجنّحٍ راقصٍ في النورِ نَشوانِ
حُلمٌ يرفُّ على لالاءِ مَبسِمها / ليلاً ويَصدرُ صُبحاً غيرَ صَديانِ
يا ساقيَ الخمرِ لا شُلَّت يداكَ أدِر / بنتَ النخيلِ فإنّ الصحوَ أضناني
وانضَح بها كبداً نَهبَ الجوى واثر / باللَه غافيَ إحساسي وإيماني
فكم على ضوئِها الفضيّ من صُوَرٍ / شتّى تجلّت لعيني ذات ألوان
وَرُحتُ استَعرضُ الماضي فاطرَبني / بها ومن ثمّ أشجاني وأبكاني
حتّى سَكَبت على ذِكراهُ أغنيةً / من وَحيِ بُؤسي ومن إلهامِ خِرماني
يا ساقيَ الخَمرِ زِدني فالرؤى هَتَفَت / بي وهيَ سكرى وما اغمَضتُ أجفاني
تراقصَ الحَبَبُ المِمراحُ في قدَحي / فأينَ أينَ الكرى من جفنِ سكرانِ
يا جيرةَ البانِ حيّا الغَيثُ رَوضَكمُ / وجادَ واديكمُ يا جيرةَ البان
واللَهِ ما هبَطَت ليلايَ دارَكمُ / إلّا وحلّت بها ما بينَ إخواني
فمَن بأحضانِ ذاكَ الروضِ شاهَدها / مُواسياً غيرُ أقراني وخلّاني
ومَن على وردهِ المعطارِ نادمَها / على الطّلا غيرُ سُمّاري ونُدماني
باللَهِ هل فُسِّرَت أحلامُ روضِكُم / وهنّا لانسامِ آذارٍ ونيسانِ
وهل شجا قلبَها نوحُ الحمامِ بهِ / فاستَعبَرَت وَرَثَت لي بعدَ فقداني
وَهَل أنينُ سواقيهِ وأدمُعُها / في الروضِ ذكّرَها بالوامقِ العاني
وهَل فراشاتهُ طافَت بوجنَتِها / وغازلَت وهيَ نشوى وردَها القاني
يا أهلَ ليلايَ مُذ شطّ المزارُ بكم / لا الحيُّ حيّي ولا الجيرانُ جيراني
كلّا ولا الروح روحي مُذ هفَت وصَبَت / لساكني الحيّ من غيدٍ ومُردان
نَزَحتُمُ وضبابُ الشكّ خيّمَ في / آفاقِ نَفسي وكم بالكُفرِ أغراني
لولا بقيَّةُ إيمانٍ ترُفُّ منى / قلبي على ضوئها في ليل أحزاني
يا ساكِني القَصرِ دام السعدُ مُبتَسِماً / لكُم ودُمتُم ودامَ النحسُ للشاني
إن يجحَدِ القومُ والأوطانُ فَضلَكُمُ / لا القومُ قومي ولا الأوطانُ أوطاني
لي بينَ غزلانِكم ظبيٌ كَلِفتُ به / ظبيٌ تَرَعرَعَ في جنّاتِ رضوانِ
واللَهُ أبدعَ في تصويرهِ وكفى / أُعيدهُ بكمُ من كلِّ شَيطانِ
ما أن وَقَفتُ عليها مُهجتي ودَمي / حتّى قَصَرتُ أناشيدي وأوزاني
فيا إله الهوى رفقاً بعابِدِها / فالقلب ما نال من معبوده الثاني
والفكرُ يا أهلَ ليلايَ استقَلَّ بها / والروحُ يا مذبحَ العُشّاقِ قُرباني
حُبٌّ برىءٌ نما في خافِقي وَسَما / وهَل يُعَمَّرُ حُبٌّ غيرُ روحاني
إعزف على العود يا معبودي الثاني
إعزف على العود يا معبودي الثاني / وغنّ يا حب أنت الهادم الباني
إعزف على العود إن الشك ساورني / يا سلوة القلب وابعث ميت أشجاني
وهاتها يا غذاء الروح أغنية / تحيي الرجاء بقلب البائس العاني
يا ساجي اللحظ والأحلام شاردة / اسرع بربك وأملا كأسي الثاني
واترع لنفسكَ أخرى يا حبيبي من / خمر العراق ودع صهباء إيران
ما كان أطيبها صرفاً وأعذبها / ممزوجةً فاسقنيها وأجلُ أحزاني
إنّي لأشتمُ عطر الرافدين بها / نشر الخزامى وعبق الآس والبان
وكم رأيتُ ظباء الكرخ سارحة / بالسكر ما بين أورادٍ وغدران
قُم واسكُب الروح أنغاماً على مهل / فما لديّ سواها فهيَ قرباني
ولنصطبح بحميا زحلةٍ وإذا / فرغت عن اسلمي يا أرض لبنان
إعزف على العود ولنسكر ولا حرج / ولنحي ميت الأماني بابنة الحان
هنا الهوى وأغانيه العذاب هنا / عرائس الوحي ألقاها وتلقاني
هنا الرمال هنا الأمواج راقصة / وههنا صغتُ أشعاري وأوزاني
هنا الرحيق المصفّى والرؤى وهنا / ملهى اللآلىء من حور وولدان
هنا كؤوس الحميا كم وكم خطرت / تختال ما بين سماري وندماني
يا مهبط الوحي يا ملهى طفولتنا / أوّاهُ ليت الذي أهواهُ يهواني
علّلتُ نفسي فلا الآمال صادقة / وضقتُ ذرعاً وفرط الشوق أضناني
فالطرف جفّ وسال الروح من شجنٍ / دمعا وفاضت به ويلاهُ عينان
يا مرتع الروح والأشجان ثائرة / إني على العهد ما كرّ الجديدان
جاء الشتاء وولّى الصيف واأسفا / أما سمعت بجنح الليل ألحاني
قد جئتُ وهنا وآمالي محطمةٌ / لكي أبثّك أشواني وأشجاني
فلا شويطئك الرمليّ اطرَبني / كلا ولا موجه الفضي وأساني
ولا الأصائل والأسحار باسمةٌ / ولا نسيمك لما مرّ عزّاني
فالحبّ داء عضال لا دواء له / فلا يغرّنك ما يبدي الحبيبان
يا طائرَ الفجرِ من بالراح أغرانا
يا طائرَ الفجرِ من بالراح أغرانا / إلاك حين تناغي الروض سكرانا
قم واصطبح فكؤوس الورد مترعة / من خمرة الفجر إن الفجر قد بانا
وارقص وصفق وطر واهتف وغن به / وحيه واسكب الأشواق ألحانا
كم نغمة صغت من إلهام روعته / ووحي طلعته فاصدح بها الانا
وسائل الروض عن أحلام غفوته / واستخبر الآس والنوار والبانا
وابعث بأنفسنا ميت العزاء فقد / أودى بها اليأسُ واسمع بعد شكوانا
يا جيرة الروض من منكم يخبرنا / فالدهر أدناكم منه وأقصانا
كيف الأحبّة جاد الغيث ربعهم / إنا على عهدهم رغم الذي كانا
سلوا بربكم ليلاكم فلكم / باتت تشاكي بجنح الليل ليلانا
كم كاشفتها بما ضمت جوانحها / فتذرف الدمع إشفاقا وتحنانا
يا جيرة الروض والأحلام شاردة / ما كان أسعدكم فيه وأشقانا
في ذمة اللَه ما ضينا وحاضرنا / بؤس ويأس ألا سحقا لمن خانا
ليلى تعالى وردي بعض ما أخذت / منا ليالي النوى عطفا وإحسانا
ليلى تعالي فصرف الدهر أعلنها / حربا وحطمنا ظلما وطغيانا
ليلى تعالي لنشكو ما نكابده / في الحي مذ أصبح الأحرار عبدانا
ليلى تعالي فإن الشك خامرنا / وكفكفي دمعنا فالوضع أبكانا
ليلى تعالي أديريها مشعشعة / لعل بالراح يا ليلاي سلوانا
إنا منادوك يا ليلى فلا عجب / فأنت والله دنيانا وأخرانا
ولهان ذو خافق رقّت حواشيه
ولهان ذو خافق رقّت حواشيه / يصبو فتنشره الذكرى وتطويه
كأنّه وهو فوق الغصن مضطرب / قلب المشوق وقد جدّ الهوى فيه
رأى الربيع وقد أودى الخريف به / بين الطيور كميت بين أهليه
فراح يرسلها أنّات محتضر / إلى السماء ويشكو ما يعانيه
لا الروض زاه ولا الاكمام باسمة / ولا عرائسه سكرى فتلهيه
يجيل ناظره فيه ويطرق في / صمت فيجيه مرآه ويبكيه
ماذا رأى غير أعوادٍ مبعثرة / على هشيم به وأرى أمانيه
فللخريف صراخ فيه يذعره / والريح تزفر في شتى نواحيه
حيران ما انفك مذهولا كمتهم / لم يجن ذنبا ولم ينجح محاميه
تطل من كوّة الماضي عليه وقد / أشجاه حاضره أطياف ماضيه
يرنو إليها كما يرنو المريض وما / أبلّ بعد إلى عيني مداويه
فيستمرّ نواحاً كالفطيم رأى / نديا فصاح وأين الثدي من فيه
وإن غفا راحت الأحلام عابثة / به فتدنيه أحيانا وتقصيه
وكم تراءت له من خلفها صور / يختال فيها الربيع البكر في تبه
فيستفيق فلا الأغصان مورقة / كلا ولا السامر الشادي يناجيه
فيسكب اللحن أنّاتٍ بغصّ بها / ويح الشتاء فما أقسى لياليه
ولّى الشتاء فوافى الدوح بلبله / وجاء آذار بالبثرى يهنيه
وأقبلت سحرا نشوى نسائمه / تهفو وتلثمه شوقا فتشفيه
واستقبل الروض بالأطياب شاعره / وهبّت الطير أسراباً تحبيه
فأين داوود من أثغام مطربه / وأين معبد من ألحان شاديه
جذلان يظفر من غصن إلى غصن / وبسمة الصبح بالإنشاد تغريه
فيورد الشعر آيات يرتلها / من وحي نيسان والأوتار ترويه
الروح تهفو لموسيقاه في مرح / والقلب يرشف أحلاما معانيه
تكاد تسمع فيه حين يرسله / دقات خافقه والوجد يكويه
وتلمح الفنّ في دنيا ترنمه / وتشرب السحر خمرا في تغنيّه
سكران يرقص فوق الدوح مبتهجا / والورق راد الضحى ولهى تصابيه
الفجر خماره يبدو فيصبحه / والروض معشوقه والأيك ناديه
رفّت على الورد والريحان شادية / أحلامه وبها خفّت أغانيه
حنا الربيع عليه وهو في جذل / كالطفل حين يناغيه مربيه
ذر الطبيعة يا هذا تدلله / ذره بأحضانها يشدو وتسقيه
ذرة وأفراخه في العش مغتبطا / بقربها ناعما دعها تناغيه
يا عيد عدت فأين الروض والعود
يا عيد عدت فأين الروض والعود / والهف نفسي وأين الراح والغيد
بل أين أحباب قلبي والمواعيد / عيد بأيّة حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيك تجديد /
قلبي أسيرٌ وربّ البيت عندهم / قد حيل واحسرتا بيني وبينهم
أين المؤاسون فاض الكاس أين هم / أمّا الأحبّة فالبيداء دونهُم
فليت دونك بيداً دونها بيد /
أوّاه ضاعف أحزاني شرابكما / شتّان شتّان ما بيني وبينكما
فخبّراني بحقّ اللَه ربّكما / يا ساقييّ أخمرٌ في كؤؤسكما
أم في كؤوسكما همّ وتسهيد /
يا للتّعاسة لا الأوتار تطربني / بشدوها لا ولا الأنغام تؤنسني
فيا ندامى أمنكم من يخبّرني / أخصرةٌ أنا مالي لا تحرّكني
هذي المدام ولا تلك الأغاريد /
بالأمس كانت قطوف الوصل دانيةً / واليوم أضحت لتعس الحظّ قاصية
وضاع عمري وما حقّقت أمنيةً / إذا أردت كميت الخمر صافية
وجدتها وحبيب النفس مفقود /
يومي كأمسي وأمسي أوسد وغدي / يا دهر خفّف كفى ما ذقت لا تزد
ويا رفاقي اعذروني إن نفضت يدي / لم يترك الدهر من قلبي ومن كبدي
شيئا تتيّمه عين ولا جيد /
فكم شكوت ولكن لم أجد أحدا / يصغي فأبكي وهل تروي الدموع صدى
وعشت لا أرتجي مالاً ولا ولدا / وكنت أروح مثر خازنا ويدا
أنا الغنيّ وأموالي المواعيد /
وعشت بين أناس لا وعودهم / تشفي غليلا ولا تغني عهودهم
عميٌ وأطماعهم أمسَت تقودهم / جود الرجال من الأيدي وجودهم
من اللسان فلا كانوا ولا الجود /
طاف السقاة بها ما كان أشهاها
طاف السقاة بها ما كان أشهاها / فيا ندامى أراح أم حمياها
فقد تضوّع في الكاسات ريّاها / سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها
واستخبروا الراح هل مسّت ثناياها /
هيهات أنسى وما ليلى بناسيةٍ / سويعة جمعتنا فوق رابية
حتى إذا سمعت ترجيع شادية / باتت على الروض تسقيني بصافية
لا للسلاف ولا للورد رياها /
وكاشفتني ولم تملك عواطفها / بحبها فنفت نفسي مخاوفها
والكأس من غلة لم تغن راشفها / ما ضرّ لو جعلت كأسي مراشفها
ولو سقَتني بصاف من حميّاها /
فيا للوعة قلبي من تبرّمها / ويا لحرقة روحي من تجنّبها
فهل لها مأرب من لي بمأربها / هيفاء كالبان يلتفّ النسيم بها
ويلفت الطير تحت الوشي عطفاها /
تغزو القلوب ولا خوف ولا ندم / وكم هناك جرى دمع وسال دم
حوراء عذراء ما زلّت بها قدم / حديثها السحر إلا أنّه نغم
جرت على فم داود فغنّاها /
وذات طوق شكت والقلب طارحها / وقطّعت كبدي اللَه سامحها
يا ليل قل لي فصعب أن أفاتحها / حمامة الأيك من بالشجو طارحها
ومن وراء الدجى بالشوق ناجاها /
بكت لها اللَه واستبكت وما كتمت / ووقدةُ الوجد في أعماقها اضطرمت
واستعرضت صور الماضي ومذ وجمت / مدّت إلى الليل جيدا نافرا ورمت
إليه أذنا فحارت فيه عيناها /
يا ليل رفقا بها رفقا فما نكثت / عهدا لأحبابها كلا ولا حنثت
فكم بجنحك عن أحلامها بحثت / وعادها الشوق للأحباب فانبعثت
تبكي وتهتف أحيانا بشكواها /
يا ساقي الراح أحشائي قد التهبت / يا ضارب العود أفكاري قد اضطربت
إني لفي مأتم والساعة اقتربت / يا زهرة الأيك أيّام الهوى ذهبت
كالحلم واها لأيّام الهوى واها /
لا الأنس أنس ولا الأفراح أفراح
لا الأنس أنس ولا الأفراح أفراح / كلا ولا الراح راح بعدما انزاحوا
مضوا وما بحت عن سرّ الهوى لهم / وما أبانوا لي الشكوى وما باحوا
يا صاح لا كفكفت كفّاي بعدهم / دمعي على أن دمع العين فضّاح
منحتهم كل ما شاء الغرام ولا / غرابة فصريع الكأس منّاح
يا قوم نفسي سالت لوعة وأسى / هلا عذرتم أهيل العشق إذ ناحوا
باللَه معذرة فالدهر جرّعني / صاب القنوط ومن يسقاه نوّاح
شقيت بالحبّ لا عاش السعيد به / إنّ الشقا بالهوى للغيب مفتاح
يا صاح لست بمرتاح فاشربها / صرفا وأشدوا متى يا صاح أرتاح
كل الأخلاء في لهو وفي طرب / وحسبهم منك عيدان وأقداح
وحسب قلبي آلامٌ مبرّحة / خرس وللوجد زند فيه قدّاح
لي من دموعي صهباءٌ أبلّ بها / غليل قلبي ودمعي المنهمي راح
يا خلّ والروح بالآفاق هائمة / ترجو العزاء وكم في الجوّ أرواح
سل الأصائل والأسمار ملتمسا / عسى تجيبك أمساء وأصباح
كم أغمض الجفنُ والأحلامُ شاردة / عنه وتدنو خيالات وأشباح
أوّاه لا بهجة الأيام في نظري / حسن وليس بها زهو وأفراح
كفّوا الملام فآمالي محطّمة / شيّعتها بالبُكا فالطرف سحّاحُ
وهكذا الحبّ شوقٌ ملحفٌ وأسى / مضنٍ ودمع وهمٌّ فيه ملحاح
جدّ الهوى بعدما شطّ المزارٌ وقد / ظننتُ من قبل إنّ الحبَّ مزّاح
يا روضة الوصل لا الأطيار ساجعة / ولا عبيرك بالأجواء فوّاح
ولا النديم طروب بعدما سكتت / ولا السمير رعاك اللَه ممراح
ولا ابنة الكرم بالكاسات ضاحكة / كلا ولا العود بالأسحار صدّاح
فهل يطيل ربيع الوصل غيبته / أم لا فتحتضن العشّاقَ أرواح
إغفاءةٌ الدهر لو طالت لما عبثت / بنا الصروف وصرف الدهر يجتاح
يا مرتع الروح يا ملهى طفولتنا / إني إليك وربّ البيت جنّاح
وكيف لا يا ملاذ العاشقين ولي / قلبٌ لأفقك خفّاقٌ وسبّاح
متى على رملك الفضيّ تجمعنا / على المحبّة والإخلاص أفراح
مع إخوةٍ في ضفاف النهر قد نزلوا / فمن لروحي وقلبي بعدما راحوا
يا من شغفتُ به لا حسن صورته / أغرت فؤادي فإنّ الحسن ينزاح
رحماك طال السرى والليل معتكر / فاسفر فوجهك وضّاح ولمّاح
حام الفؤاد كما حام الفراش ولم / يزل وطلعتك الغراء مصباح
مولاي زورق حبّي كيف تغرقه / فأنت ربّانهُ والقلب ملّاحُ
لا الروض روضٌ ولا الصهباء صهباء
لا الروض روضٌ ولا الصهباء صهباء / ولا الندامى ميامينٌ أحبّاءُ
شطّ المزارُ فلا طيفٌ ولا أملٌ / أينَ الأخلّاء لا عاش الأخلّاء
حوّاءُ أوّاه من داء تأصّل في / قلبي فعزّ الدوا واستفحل الداءُ
ومن لواعج شوق قطّعت كبدي / حتّى رثى لي أعداءٌ الداءُ
من للكئيب وقد شقّت مرارتهُ / من للحزينِ وقد مسّته ضرّاء
فلا الطعام مساغٌ حين يطعَمهُ / ولا يبلُّ صداه ويحهُ الماءُ
يعيشُ في هذه الدنيا بلا أملٍ / نصيبه نوبٌ منها وأرزاء
يا مشعل الروح كم قال العواذلُ لي / لا أنتِ ولا حوّاءُ حوّاء
هجرتِ والروح لا تنفكّ حائرةً / وجُرتِ والأذنِ عن شكوايَ صمّاء
وفي جحيمِ الجوى نفسٌ معذّبةٌ / وما لطَرفيَ مذ فارقت إغفاءُ
سلي الصبا أنّني أودَعتهُ نبا / وطالما هيّجتني منه أنباءُ
حوّاء تذكارُ ذاك العهد برّح بي / وما أنا يا حياة الروح نسّاءُ
هذا هو الكاس في كفّي سأشربها / فهيَ الدواء وقد كلّ الأطبّاء
فلستُ أوّل مشتاقٍ تجرّعها / ومغرمٍ أودعَتهُ القبر حسناء
وها هيَ الروح قرباناً أقدّمها / يا مذبح الحبّ لا عاش الأشحّاء