القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : فَهد العَسْكَر الكل
المجموع : 8
صَهَرتُ في قدحِ الصهباءِ أحزاني
صَهَرتُ في قدحِ الصهباءِ أحزاني / وصُغتُ من ذَوبها شِعري وألحاني
وبتُّ في غَلَسِ الظلماءِ أُرسِلُها / من غورِ روحي ومن أعماقِ وجداني
يا ليلُ ضاقت بشكوايَ الصدورُ وما / ضاقَت بغلٍّ وأحقادٍ وأضغان
فجئتُ أشكو إليكَ المرجفينَ وهم / لا درَّ درُّهُمُ أسبابُ خذلاني
يا ليلُ والروح عَطشى وهيَ هائِمةٌ / هَل في المجرّةِ من ريٍّ لعطشانِ
يا ليلُ والنفسُ غَرثى وهيَ حائرةٌ / فهَل بنَجمِكَ من زادٍ لغَرثانِ
يا ليلُ والعينُ سهرى وهيَ دامعةٌ / فهَل بجُنحِكَ من راثٍ لسَهرانِ
يا ليلُ حَسبي وصدري ملؤهُ ضرمٌ / تلكَ البقيَّةُ فافتَح صَدركَ الحاني
فكَم بهِ لمَسَت روحي العزاءَ وقد / أودَعَتهُ سرّ آلامي وأشجاني
يا ليلُ أينَ الكرى بل أينَ طيفهُم / فكَم بوادي الكرى يا ليلُ واساني
وكم هَفَت وَصَبَت نفسي إلى حُلُمٍ / مُجنّحٍ راقصٍ في النورِ نَشوانِ
حُلمٌ يرفُّ على لالاءِ مَبسِمها / ليلاً ويَصدرُ صُبحاً غيرَ صَديانِ
يا ساقيَ الخمرِ لا شُلَّت يداكَ أدِر / بنتَ النخيلِ فإنّ الصحوَ أضناني
وانضَح بها كبداً نَهبَ الجوى واثر / باللَه غافيَ إحساسي وإيماني
فكم على ضوئِها الفضيّ من صُوَرٍ / شتّى تجلّت لعيني ذات ألوان
وَرُحتُ استَعرضُ الماضي فاطرَبني / بها ومن ثمّ أشجاني وأبكاني
حتّى سَكَبت على ذِكراهُ أغنيةً / من وَحيِ بُؤسي ومن إلهامِ خِرماني
يا ساقيَ الخَمرِ زِدني فالرؤى هَتَفَت / بي وهيَ سكرى وما اغمَضتُ أجفاني
تراقصَ الحَبَبُ المِمراحُ في قدَحي / فأينَ أينَ الكرى من جفنِ سكرانِ
يا جيرةَ البانِ حيّا الغَيثُ رَوضَكمُ / وجادَ واديكمُ يا جيرةَ البان
واللَهِ ما هبَطَت ليلايَ دارَكمُ / إلّا وحلّت بها ما بينَ إخواني
فمَن بأحضانِ ذاكَ الروضِ شاهَدها / مُواسياً غيرُ أقراني وخلّاني
ومَن على وردهِ المعطارِ نادمَها / على الطّلا غيرُ سُمّاري ونُدماني
باللَهِ هل فُسِّرَت أحلامُ روضِكُم / وهنّا لانسامِ آذارٍ ونيسانِ
وهل شجا قلبَها نوحُ الحمامِ بهِ / فاستَعبَرَت وَرَثَت لي بعدَ فقداني
وَهَل أنينُ سواقيهِ وأدمُعُها / في الروضِ ذكّرَها بالوامقِ العاني
وهَل فراشاتهُ طافَت بوجنَتِها / وغازلَت وهيَ نشوى وردَها القاني
يا أهلَ ليلايَ مُذ شطّ المزارُ بكم / لا الحيُّ حيّي ولا الجيرانُ جيراني
كلّا ولا الروح روحي مُذ هفَت وصَبَت / لساكني الحيّ من غيدٍ ومُردان
نَزَحتُمُ وضبابُ الشكّ خيّمَ في / آفاقِ نَفسي وكم بالكُفرِ أغراني
لولا بقيَّةُ إيمانٍ ترُفُّ منى / قلبي على ضوئها في ليل أحزاني
يا ساكِني القَصرِ دام السعدُ مُبتَسِماً / لكُم ودُمتُم ودامَ النحسُ للشاني
إن يجحَدِ القومُ والأوطانُ فَضلَكُمُ / لا القومُ قومي ولا الأوطانُ أوطاني
لي بينَ غزلانِكم ظبيٌ كَلِفتُ به / ظبيٌ تَرَعرَعَ في جنّاتِ رضوانِ
واللَهُ أبدعَ في تصويرهِ وكفى / أُعيدهُ بكمُ من كلِّ شَيطانِ
ما أن وَقَفتُ عليها مُهجتي ودَمي / حتّى قَصَرتُ أناشيدي وأوزاني
فيا إله الهوى رفقاً بعابِدِها / فالقلب ما نال من معبوده الثاني
والفكرُ يا أهلَ ليلايَ استقَلَّ بها / والروحُ يا مذبحَ العُشّاقِ قُرباني
حُبٌّ برىءٌ نما في خافِقي وَسَما / وهَل يُعَمَّرُ حُبٌّ غيرُ روحاني
إعزف على العود يا معبودي الثاني
إعزف على العود يا معبودي الثاني / وغنّ يا حب أنت الهادم الباني
إعزف على العود إن الشك ساورني / يا سلوة القلب وابعث ميت أشجاني
وهاتها يا غذاء الروح أغنية / تحيي الرجاء بقلب البائس العاني
يا ساجي اللحظ والأحلام شاردة / اسرع بربك وأملا كأسي الثاني
واترع لنفسكَ أخرى يا حبيبي من / خمر العراق ودع صهباء إيران
ما كان أطيبها صرفاً وأعذبها / ممزوجةً فاسقنيها وأجلُ أحزاني
إنّي لأشتمُ عطر الرافدين بها / نشر الخزامى وعبق الآس والبان
وكم رأيتُ ظباء الكرخ سارحة / بالسكر ما بين أورادٍ وغدران
قُم واسكُب الروح أنغاماً على مهل / فما لديّ سواها فهيَ قرباني
ولنصطبح بحميا زحلةٍ وإذا / فرغت عن اسلمي يا أرض لبنان
إعزف على العود ولنسكر ولا حرج / ولنحي ميت الأماني بابنة الحان
هنا الهوى وأغانيه العذاب هنا / عرائس الوحي ألقاها وتلقاني
هنا الرمال هنا الأمواج راقصة / وههنا صغتُ أشعاري وأوزاني
هنا الرحيق المصفّى والرؤى وهنا / ملهى اللآلىء من حور وولدان
هنا كؤوس الحميا كم وكم خطرت / تختال ما بين سماري وندماني
يا مهبط الوحي يا ملهى طفولتنا / أوّاهُ ليت الذي أهواهُ يهواني
علّلتُ نفسي فلا الآمال صادقة / وضقتُ ذرعاً وفرط الشوق أضناني
فالطرف جفّ وسال الروح من شجنٍ / دمعا وفاضت به ويلاهُ عينان
يا مرتع الروح والأشجان ثائرة / إني على العهد ما كرّ الجديدان
جاء الشتاء وولّى الصيف واأسفا / أما سمعت بجنح الليل ألحاني
قد جئتُ وهنا وآمالي محطمةٌ / لكي أبثّك أشواني وأشجاني
فلا شويطئك الرمليّ اطرَبني / كلا ولا موجه الفضي وأساني
ولا الأصائل والأسحار باسمةٌ / ولا نسيمك لما مرّ عزّاني
فالحبّ داء عضال لا دواء له / فلا يغرّنك ما يبدي الحبيبان
يا طائرَ الفجرِ من بالراح أغرانا
يا طائرَ الفجرِ من بالراح أغرانا / إلاك حين تناغي الروض سكرانا
قم واصطبح فكؤوس الورد مترعة / من خمرة الفجر إن الفجر قد بانا
وارقص وصفق وطر واهتف وغن به / وحيه واسكب الأشواق ألحانا
كم نغمة صغت من إلهام روعته / ووحي طلعته فاصدح بها الانا
وسائل الروض عن أحلام غفوته / واستخبر الآس والنوار والبانا
وابعث بأنفسنا ميت العزاء فقد / أودى بها اليأسُ واسمع بعد شكوانا
يا جيرة الروض من منكم يخبرنا / فالدهر أدناكم منه وأقصانا
كيف الأحبّة جاد الغيث ربعهم / إنا على عهدهم رغم الذي كانا
سلوا بربكم ليلاكم فلكم / باتت تشاكي بجنح الليل ليلانا
كم كاشفتها بما ضمت جوانحها / فتذرف الدمع إشفاقا وتحنانا
يا جيرة الروض والأحلام شاردة / ما كان أسعدكم فيه وأشقانا
في ذمة اللَه ما ضينا وحاضرنا / بؤس ويأس ألا سحقا لمن خانا
ليلى تعالى وردي بعض ما أخذت / منا ليالي النوى عطفا وإحسانا
ليلى تعالي فصرف الدهر أعلنها / حربا وحطمنا ظلما وطغيانا
ليلى تعالي لنشكو ما نكابده / في الحي مذ أصبح الأحرار عبدانا
ليلى تعالي فإن الشك خامرنا / وكفكفي دمعنا فالوضع أبكانا
ليلى تعالي أديريها مشعشعة / لعل بالراح يا ليلاي سلوانا
إنا منادوك يا ليلى فلا عجب / فأنت والله دنيانا وأخرانا
ولهان ذو خافق رقّت حواشيه
ولهان ذو خافق رقّت حواشيه / يصبو فتنشره الذكرى وتطويه
كأنّه وهو فوق الغصن مضطرب / قلب المشوق وقد جدّ الهوى فيه
رأى الربيع وقد أودى الخريف به / بين الطيور كميت بين أهليه
فراح يرسلها أنّات محتضر / إلى السماء ويشكو ما يعانيه
لا الروض زاه ولا الاكمام باسمة / ولا عرائسه سكرى فتلهيه
يجيل ناظره فيه ويطرق في / صمت فيجيه مرآه ويبكيه
ماذا رأى غير أعوادٍ مبعثرة / على هشيم به وأرى أمانيه
فللخريف صراخ فيه يذعره / والريح تزفر في شتى نواحيه
حيران ما انفك مذهولا كمتهم / لم يجن ذنبا ولم ينجح محاميه
تطل من كوّة الماضي عليه وقد / أشجاه حاضره أطياف ماضيه
يرنو إليها كما يرنو المريض وما / أبلّ بعد إلى عيني مداويه
فيستمرّ نواحاً كالفطيم رأى / نديا فصاح وأين الثدي من فيه
وإن غفا راحت الأحلام عابثة / به فتدنيه أحيانا وتقصيه
وكم تراءت له من خلفها صور / يختال فيها الربيع البكر في تبه
فيستفيق فلا الأغصان مورقة / كلا ولا السامر الشادي يناجيه
فيسكب اللحن أنّاتٍ بغصّ بها / ويح الشتاء فما أقسى لياليه
ولّى الشتاء فوافى الدوح بلبله / وجاء آذار بالبثرى يهنيه
وأقبلت سحرا نشوى نسائمه / تهفو وتلثمه شوقا فتشفيه
واستقبل الروض بالأطياب شاعره / وهبّت الطير أسراباً تحبيه
فأين داوود من أثغام مطربه / وأين معبد من ألحان شاديه
جذلان يظفر من غصن إلى غصن / وبسمة الصبح بالإنشاد تغريه
فيورد الشعر آيات يرتلها / من وحي نيسان والأوتار ترويه
الروح تهفو لموسيقاه في مرح / والقلب يرشف أحلاما معانيه
تكاد تسمع فيه حين يرسله / دقات خافقه والوجد يكويه
وتلمح الفنّ في دنيا ترنمه / وتشرب السحر خمرا في تغنيّه
سكران يرقص فوق الدوح مبتهجا / والورق راد الضحى ولهى تصابيه
الفجر خماره يبدو فيصبحه / والروض معشوقه والأيك ناديه
رفّت على الورد والريحان شادية / أحلامه وبها خفّت أغانيه
حنا الربيع عليه وهو في جذل / كالطفل حين يناغيه مربيه
ذر الطبيعة يا هذا تدلله / ذره بأحضانها يشدو وتسقيه
ذرة وأفراخه في العش مغتبطا / بقربها ناعما دعها تناغيه
يا عيد عدت فأين الروض والعود
يا عيد عدت فأين الروض والعود / والهف نفسي وأين الراح والغيد
بل أين أحباب قلبي والمواعيد / عيد بأيّة حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيك تجديد /
قلبي أسيرٌ وربّ البيت عندهم / قد حيل واحسرتا بيني وبينهم
أين المؤاسون فاض الكاس أين هم / أمّا الأحبّة فالبيداء دونهُم
فليت دونك بيداً دونها بيد /
أوّاه ضاعف أحزاني شرابكما / شتّان شتّان ما بيني وبينكما
فخبّراني بحقّ اللَه ربّكما / يا ساقييّ أخمرٌ في كؤؤسكما
أم في كؤوسكما همّ وتسهيد /
يا للتّعاسة لا الأوتار تطربني / بشدوها لا ولا الأنغام تؤنسني
فيا ندامى أمنكم من يخبّرني / أخصرةٌ أنا مالي لا تحرّكني
هذي المدام ولا تلك الأغاريد /
بالأمس كانت قطوف الوصل دانيةً / واليوم أضحت لتعس الحظّ قاصية
وضاع عمري وما حقّقت أمنيةً / إذا أردت كميت الخمر صافية
وجدتها وحبيب النفس مفقود /
يومي كأمسي وأمسي أوسد وغدي / يا دهر خفّف كفى ما ذقت لا تزد
ويا رفاقي اعذروني إن نفضت يدي / لم يترك الدهر من قلبي ومن كبدي
شيئا تتيّمه عين ولا جيد /
فكم شكوت ولكن لم أجد أحدا / يصغي فأبكي وهل تروي الدموع صدى
وعشت لا أرتجي مالاً ولا ولدا / وكنت أروح مثر خازنا ويدا
أنا الغنيّ وأموالي المواعيد /
وعشت بين أناس لا وعودهم / تشفي غليلا ولا تغني عهودهم
عميٌ وأطماعهم أمسَت تقودهم / جود الرجال من الأيدي وجودهم
من اللسان فلا كانوا ولا الجود /
طاف السقاة بها ما كان أشهاها
طاف السقاة بها ما كان أشهاها / فيا ندامى أراح أم حمياها
فقد تضوّع في الكاسات ريّاها / سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها
واستخبروا الراح هل مسّت ثناياها /
هيهات أنسى وما ليلى بناسيةٍ / سويعة جمعتنا فوق رابية
حتى إذا سمعت ترجيع شادية / باتت على الروض تسقيني بصافية
لا للسلاف ولا للورد رياها /
وكاشفتني ولم تملك عواطفها / بحبها فنفت نفسي مخاوفها
والكأس من غلة لم تغن راشفها / ما ضرّ لو جعلت كأسي مراشفها
ولو سقَتني بصاف من حميّاها /
فيا للوعة قلبي من تبرّمها / ويا لحرقة روحي من تجنّبها
فهل لها مأرب من لي بمأربها / هيفاء كالبان يلتفّ النسيم بها
ويلفت الطير تحت الوشي عطفاها /
تغزو القلوب ولا خوف ولا ندم / وكم هناك جرى دمع وسال دم
حوراء عذراء ما زلّت بها قدم / حديثها السحر إلا أنّه نغم
جرت على فم داود فغنّاها /
وذات طوق شكت والقلب طارحها / وقطّعت كبدي اللَه سامحها
يا ليل قل لي فصعب أن أفاتحها / حمامة الأيك من بالشجو طارحها
ومن وراء الدجى بالشوق ناجاها /
بكت لها اللَه واستبكت وما كتمت / ووقدةُ الوجد في أعماقها اضطرمت
واستعرضت صور الماضي ومذ وجمت / مدّت إلى الليل جيدا نافرا ورمت
إليه أذنا فحارت فيه عيناها /
يا ليل رفقا بها رفقا فما نكثت / عهدا لأحبابها كلا ولا حنثت
فكم بجنحك عن أحلامها بحثت / وعادها الشوق للأحباب فانبعثت
تبكي وتهتف أحيانا بشكواها /
يا ساقي الراح أحشائي قد التهبت / يا ضارب العود أفكاري قد اضطربت
إني لفي مأتم والساعة اقتربت / يا زهرة الأيك أيّام الهوى ذهبت
كالحلم واها لأيّام الهوى واها /
لا الأنس أنس ولا الأفراح أفراح
لا الأنس أنس ولا الأفراح أفراح / كلا ولا الراح راح بعدما انزاحوا
مضوا وما بحت عن سرّ الهوى لهم / وما أبانوا لي الشكوى وما باحوا
يا صاح لا كفكفت كفّاي بعدهم / دمعي على أن دمع العين فضّاح
منحتهم كل ما شاء الغرام ولا / غرابة فصريع الكأس منّاح
يا قوم نفسي سالت لوعة وأسى / هلا عذرتم أهيل العشق إذ ناحوا
باللَه معذرة فالدهر جرّعني / صاب القنوط ومن يسقاه نوّاح
شقيت بالحبّ لا عاش السعيد به / إنّ الشقا بالهوى للغيب مفتاح
يا صاح لست بمرتاح فاشربها / صرفا وأشدوا متى يا صاح أرتاح
كل الأخلاء في لهو وفي طرب / وحسبهم منك عيدان وأقداح
وحسب قلبي آلامٌ مبرّحة / خرس وللوجد زند فيه قدّاح
لي من دموعي صهباءٌ أبلّ بها / غليل قلبي ودمعي المنهمي راح
يا خلّ والروح بالآفاق هائمة / ترجو العزاء وكم في الجوّ أرواح
سل الأصائل والأسمار ملتمسا / عسى تجيبك أمساء وأصباح
كم أغمض الجفنُ والأحلامُ شاردة / عنه وتدنو خيالات وأشباح
أوّاه لا بهجة الأيام في نظري / حسن وليس بها زهو وأفراح
كفّوا الملام فآمالي محطّمة / شيّعتها بالبُكا فالطرف سحّاحُ
وهكذا الحبّ شوقٌ ملحفٌ وأسى / مضنٍ ودمع وهمٌّ فيه ملحاح
جدّ الهوى بعدما شطّ المزارٌ وقد / ظننتُ من قبل إنّ الحبَّ مزّاح
يا روضة الوصل لا الأطيار ساجعة / ولا عبيرك بالأجواء فوّاح
ولا النديم طروب بعدما سكتت / ولا السمير رعاك اللَه ممراح
ولا ابنة الكرم بالكاسات ضاحكة / كلا ولا العود بالأسحار صدّاح
فهل يطيل ربيع الوصل غيبته / أم لا فتحتضن العشّاقَ أرواح
إغفاءةٌ الدهر لو طالت لما عبثت / بنا الصروف وصرف الدهر يجتاح
يا مرتع الروح يا ملهى طفولتنا / إني إليك وربّ البيت جنّاح
وكيف لا يا ملاذ العاشقين ولي / قلبٌ لأفقك خفّاقٌ وسبّاح
متى على رملك الفضيّ تجمعنا / على المحبّة والإخلاص أفراح
مع إخوةٍ في ضفاف النهر قد نزلوا / فمن لروحي وقلبي بعدما راحوا
يا من شغفتُ به لا حسن صورته / أغرت فؤادي فإنّ الحسن ينزاح
رحماك طال السرى والليل معتكر / فاسفر فوجهك وضّاح ولمّاح
حام الفؤاد كما حام الفراش ولم / يزل وطلعتك الغراء مصباح
مولاي زورق حبّي كيف تغرقه / فأنت ربّانهُ والقلب ملّاحُ
لا الروض روضٌ ولا الصهباء صهباء
لا الروض روضٌ ولا الصهباء صهباء / ولا الندامى ميامينٌ أحبّاءُ
شطّ المزارُ فلا طيفٌ ولا أملٌ / أينَ الأخلّاء لا عاش الأخلّاء
حوّاءُ أوّاه من داء تأصّل في / قلبي فعزّ الدوا واستفحل الداءُ
ومن لواعج شوق قطّعت كبدي / حتّى رثى لي أعداءٌ الداءُ
من للكئيب وقد شقّت مرارتهُ / من للحزينِ وقد مسّته ضرّاء
فلا الطعام مساغٌ حين يطعَمهُ / ولا يبلُّ صداه ويحهُ الماءُ
يعيشُ في هذه الدنيا بلا أملٍ / نصيبه نوبٌ منها وأرزاء
يا مشعل الروح كم قال العواذلُ لي / لا أنتِ ولا حوّاءُ حوّاء
هجرتِ والروح لا تنفكّ حائرةً / وجُرتِ والأذنِ عن شكوايَ صمّاء
وفي جحيمِ الجوى نفسٌ معذّبةٌ / وما لطَرفيَ مذ فارقت إغفاءُ
سلي الصبا أنّني أودَعتهُ نبا / وطالما هيّجتني منه أنباءُ
حوّاء تذكارُ ذاك العهد برّح بي / وما أنا يا حياة الروح نسّاءُ
هذا هو الكاس في كفّي سأشربها / فهيَ الدواء وقد كلّ الأطبّاء
فلستُ أوّل مشتاقٍ تجرّعها / ومغرمٍ أودعَتهُ القبر حسناء
وها هيَ الروح قرباناً أقدّمها / يا مذبح الحبّ لا عاش الأشحّاء

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025