المجموع : 8
ميلوا إلى الوصل يا أهل الوفا ميلوا
ميلوا إلى الوصل يا أهل الوفا ميلوا / فالقطع منكم بدا والحبل موصول
لا تخجلوا من تجافيكم فقد عرقت / جباهكم إن أيدينا مناديل
فطالما مسحت صدراً به درن / فعاد وهو بكف الصفح مصقول
لا والذي شاء أن يبقي غريمكم / مستعطفاً يتقاضى وهو ممطول
إنا على عهدنا الماضي فليس لنا / عنه وإن حالت الأيام تحويل
خلتم خلا القلب منكم يا أحبته / وفيكم ربعه المعمور مأهول
قومو النظر واهل تراءى في سجنجله / لغيركم يا مثال الصدق تمثيل
زنوا ليبذر حب الحب صبكم / في ربوة القلب أو في صاعكم كيلوا
يا مصدري غرر الأحكام سافرة / إن الخيال الذي خلتم لتخييل
تدلل صار منكم وهو برهنة / كما تشاء مغازيكم وتدليل
تقولوا أو فقوَّلوا ما بدا لكم / حسبي من الذكر هاتيك الأقاويل
يا من يرّد علي الباب أطرقه / عليه ردك محبوب ومقبول
وناقد القول ملفوظاً لمهزلة / ما هكذا توسم النيب المهازيل
ومرسل السحر يعييني مطالعة / موضوعه وهو في أذني محمول
حللت معدنه نقداً ولا عجب / فالنقد للذهب الابريز تحليل
وللعروض الذي قطعته سبب / من المهازل مصنوع ومجعول
قوضته فتراءى ماله وتد / ترثي له فاعلات أو مفاعيل
أهل الفرات أهل يرضى سديركم ال / عافي الرسوم به أن يقرن النيل
تحير الفكر هل كانت زرواقه / أجرى وأثبت أم تلك الأساطيل
وفي الضفاف بيوت قيل ساكنها / الركب حطوا إلى التعريس أو قيلوا
عرب لهم في عشايا الجدب ضيقة / بالضيف ترحيب ملهوف وتأهيل
كم ضل مضطر ما أخر والقرى / خوف المدى الحمر مرسون ومعقول
في كل يوم لهم عيد وعادتهم / أن تنحر الخيل والكوم المراسيل
آه على القصر شرقياً حييت به / والوقت في هجمات الأنس مقتول
وللكروم وراء القصر مثمرة / عقص الجعود وللأعشاب ترجيل
والورق تهدل في الأغصان ساجعة / وللعناقيد في الأوراق تهديل
لم يجل فيه قذى عينيَّ من سهري / إلا أغن غضيض الطرف مكحول
وفتية كسيوف الهند جوهرها / على المضا قبل طبع القين مجبول
لا تمسك المال أيديهم لجودهم / إلا كما تمسك الماء الغرابيل
الحاصلون على علم وحظهم / من ضيعة الفضل مبسوط ومحصول
كم نثرة من نسيج الفكر محكمة / منهم بها لاح تصدير وتذييل
ان فاكهوا فرزين الحلم تحمله / أخلاقهم وهو باللذات مشمول
أصولهم مثبتات أن دوحهم / له من المجد تفريع وتأصيل
صافيتهم ويمين الدهر تمسط لي / وساعدي بنشاط العمر مفتول
غذاء روحي غدوا والنفس ليس لها / إلا الفكاهة مشروب ومأكول
مباني الجسر ناجيني على بعد / فالقلب عندك رهن الحب متبول
هل السواقي على عهدي مناصلها / فبعضها مغمد والبعض موصول
وهل عرايس ذاك النحل مرسلة / على ترائبها تلك العثاكيل
أحبابنا بالحمى إن ضن وابله / عليكم فركام الدمع مبذول
لجيرة النجف الأعلى بجانحتي / مغنىً كما يتمنى القلب منزول
آراؤهم لا السيوف البيض قام بها / لِلّه في الأرض تكبير وتهليل
أعلت منار الهدى في كل مملكة / هذي العمائم لا تلك الأكاليل
تطاول السمر صهب في أناملهم / نصيبها الطول إذ حظ الظبا الطول
يستعرض العقل روضاً من مهارقها / عليه ينبت معقول ومنقول
بيوت علم عليها أينما ضربت / ستر من العفة البيضاء مسدول
إن حاججوك فشمس الصحو حجتهم / أو جاولوك فلا نكس ولا ميل
لو طال طول المدى تفصيل ناعتهم / لم تبلغ الزند هاتيك التفاصيل
إذا رأى الخصم محجوجاً أدلتهم / صريحة ما بها لبس وتأويل
يظل من تحتها يرنو فتوهمه / بزاتهم تلك أم طير أبابيل
فخراً أدلاء من تاهت بصيرته / فأنتم في دياجيها قناديل
براكم اللَه أرواحاً مقدسة / من معدن اللطف والباقي تماثيل
دافعتم عن سنا القرآن فالتجأت / نوراتهم لسناه والأناجيل
سمعاً خليط شبابي ما لعاطفتي / مهما تغيرت تغير وتبديل
كم عللتني بك الأيام تجمعني / وعلتي أصلها هذي التعاليل
وواعدتني أن تصفو مواردها / وما مواعيدها إلا الأباطيل
قل للألى نفروا بالجهل صيدهم / أين الشباك استقلت والأحاييل
لم يغن عنكم فتيلا طول مكركم / مات الخداع وفي النزع الأضاليل
لا فجر كم صادق حتى تقوم له / من رقدة الليل أحرار بهاليل
ولا ضحاكم له نور فنعرفه / لكنه غشوة فيها الأباطيل
ديباج خدك من بالحسن نمقه
ديباج خدك من بالحسن نمقه / وعاج نهدك من بالصدر حققه
وسيف طرفك من بالكحل أرهفه / ولدن عطفك من بالدل أورقه
يا مجتلي الخد مواجا برونقه / ماء الصبا لا عدمناه ورونقه
ماء الشباب عليه انساب جدوله / فما سقى زهره إلا وأغرقه
عم العوارض طوفان النعيم بها / لذاك أجرى عليها الخال زورقه
والصدع أومأ في كف الغريق إلى / نوتيه فدنا منه وأوثقه
حفت بحيرته في شعلتي قبس / لو يقبس البدر منه النور أحرقه
بي ناعس الطرف أغفى عن مواصلتي / وهدب طرفي بالجوزاء علقه
مغضي الجفون على غمض الخلي ولي / جفن ولوع الشجي الصب أرقه
ليس النطاق الذي أهوى موشحه / وانما هو قلبي قد تمنطقه
وليس ماء الصبا الجاري بوجنته / وانما هو دمعي حين رقرقه
ظبي ببارق أهلوه وملعبه / قلبي بحيث عليه الشوق أطبقه
تفدي نزول العذيب الطلق بارقه / عذيب مبسمه الصافي وابرقه
ان دنس الخمر راووق بتصفية / فريقه بلئالي الثغر روقه
شم مغرب الكوب من فيه فكوكبه / يبدي لعينيك من كفيه مشرقه
وشم عمود جبين الحسن منفلقاً / ففالق الصبح أعطى الحسن مفلقه
لو أنصف الأفق الأعلى لقرطه / جوزاءه وبنصف البدر طوقه
شقيق نعمان خديه غدا شققاً / بوجنتيه غداة اللثم شققه
مليك حسن فما أحلى مواكبه / إن ساق من زمر الغزلان فيلقه
إليك يا كبدي عن سهم مقلته / فقد براه لتعذيبي وفوقه
بي منه خوط لجين صيغ من ترف / فجل من في نضار الدل رققه
قارون ردفيه لم يسمح بثروته / لخصره فينيل اليسر مملقه
معبق الريط في ردع الخلوق شذاً / كأن نشر سليم العرض عبقه
بعرسه بارق الاقبال مؤتلق / فقل به اليوم ما أجلى تألقه
وكل ركب حباه المصطفى منناً / حداً بتهذيب رجع البشر أنيقه
الرافع البيت معموراً فوافده / يلقى النجاح به أني تطرقه
بيت على هضبات العز مرتفع / فاللَه شيده والمجد سردقه
للجود قد فتحت أبوابه كرماً / ورب باب فتى باللؤم أغلقه
رحب الندي ونادي غير منته / كمفحص الطير وقع الذل ضيقه
ان قيد العام ضرع الغيث في محل / فخصب جدواه بالمعروف أطلقه
أو جمع المال أقوام فهمته / إذا تجمع يوماً أن يفرقه
لو كان يملك ما في الأرض من ذهب / وقيل يا مصطفى غوثا لأنفقه
متوج باكليل مرصعة / تخيرت من مقر الفضل مفرقه
من ذا يباريه حر الفضل بارعه / أمسى الزمان له رقا فاعتقه
هذي حمياك أم هذا محياكا
هذي حمياك أم هذا محياكا / وذا الحباب طفا أم ذي ثناياكا
قم عاطني الكأس بل فانفذ زجاجتها / فإن لي عوضا عن جامها فاكا
يا غازي القلب في خطار معطفه / عطفاً علي فبي قد جار عطفاكا
فما السيوف المواضي في فاعلة / كمثل ما فعلت في القلب عيناكا
سلاسل الجعد قد سلسلت فاحمها / دقصا تقاد به طوعا اساراكا
قلل فديتك بري السهم تنفذه / للعاشقين فقد اكثرت قتلاكا
أفنيتهم سافكا هدراً دماءهم / في مقلتيك وما سموك سفاكا
تحلو المنايا لهم أما مررت بهم / فما أمرك بل ياما أحيلاكا
صرعتهم فانطووا لكن نشرتهم / لما نفحتهم في نشر رياكا
سماك رهط سرب العين ريم فلا / يا أخطأ الرشد من بالريم سماكا
من أين للريم ثغر فيه قد نظمت / يد الشباب فريد الدر أسلاكا
ذا جيده عطلاً حلاه صانعه / وبالهلال برغم الريم حلاكا
ووجنة لك كالدينار سكته / مطبوعة للبرايا باسم معناكا
قد سكه الحسن مذ صفى سبيكته / فمن رأي الحسن سكاكا وسباكا
وصائغ الثغر فيلنقذه ان به / فقراً له أي ومن بالحسن أغناكا
يا ورد وجنته المحمي يانعه / لو عقرب الصدغ لم تلذع قطفناكا
ويا غدير الصبا لولا عوارضه / حفتك ألوية منها شربناكا
أجريت زورق خال في بحيرته / وقلت يا خال بسم اللَه مجراكا
في أمة الحب قد ارسلت مبتعثا / فكل قلب غريم قد تولاكا
قرنت ضحوة شمس في دجى شعر / شروق ذي لم يعارضه دجى ذاكا
دعوت لا للهدى قلبي فلباكا / وللضلال عن الرشد اتبعناكا
مليك حسن براك اللَه مقتدراً / على القلوب التي أضحت رعاياكا
بزي دمية محراب برزت فما / أبقى جمالك عباداً ونساكا
يا فعل قاصر ذاك الطرف في كبدي / من كان لي بسهام الهدب عداكا
أبحت يا قاتلي مني حرام دمي / فجراً فاني على الحالين أهواكا
لا أكثر اللَه من قومي ولا عددي
لا أكثر اللَه من قومي ولا عددي / إن لم يكونوا لدى دفع الخطوب يدي
لي قاتل فوق خديه دمي وله / حكم يخوله إن القتيل يدي
وخادع جاء فتانا بنغمته / حتى استقرت فكانت زأرة الأسد
مصفدي بقيود لا فكاك لها / واضيعة النفس بين القيد والصفد
حسا البحار وفي أحشائه طبع / إلى امتصاص بقايا النزر والثمد
واستوعب الماء لا من غلة وظما / وصاحب الماء ظمآن الفؤاد صدي
إلبس لخصمك إن لاقاك مفترساً / مطروقة الصبر لا منسوجة الزرد
فها هي النثرة الحصداء تخرقها / يد القوي التي تعيي عن الجلد
وقل لشعبك يجمع شمله لعلا / فلا تنال العلى في شملة البدد
ولينتفض من غبار الموت متحداً / فالموت أولى شعب غير متحد
سر التقدم إن القوم سعيهم / لغاية وحدوها سعي منفرد
إجعل لنفسك من معقولها عدداً / فعدة العقل كم تأتي على العدد
قد ضعف الحق من تطوي طويته / على البغيضين سوء الخلق والحسد
ركن مقرك تأمن كل قارعة / إن العواصف لا تقوى على أحد
وذم كل فرار من مبارزة / إلا فرارك من غي إلى رشد
لا تقرب الحشد مرفوعاً به زجل / إن لم يمكن لصلاح الشعب والبلد
أحلى الحديث حديث قال سامعه / لمجتليه اسقني مشمولة وزد
شتان بين خطيبي امة خطبا / سار على القصد أو ناء عن الصدد
هذا يجيئ بزبد القوم ممتخضاً / وذاك يجمعه من ذاهب الزبد
يا من يسود قبيلا وهو سؤدده / اسدد طريق العلى من هظمه أوسد
واختر رجال المساعي الغر مدخراً / منهم بيومك هذا معقلا لغد
وارصد بهم من كنوز السر أثمنها / فقد تباح إذا أمست بلا رصد
إن الرجال دنانير وأخلصها / من كذب السبك فيه قول منتقد
ولا يغرنك من تحت الردا جسداً / فالمرء قيمته بالروح لا الجسد
لا يكسب الطوق حسناً جيد لابسه / وانما حسنه الذاتي بالجيد
والناس كالبنت منه عرفج وكبا / والشعر كالناس منه جيد وردي
والشعر كالسحر في مهد الخيال معا / تجاذبا حلمة واستمسكا بثدي
لكنما السحر مطبوع على عقد / والشعر مطبوعه الخالي عن العقد
كان الضعيف إذا مد القوي يداً / لظلمه ردها مدفوعة بيد
واليوم ظل ضعيف القوم مضطهداً / وارحمتاه لمظلوم ومضطهد
كم شجة أوضحته وهو معتدل / كما تعاقب طراق على وتد
يبيت مضطرباً في موطن قلق / كأنه زئبق في كف مرتعد
يا ماطل الوعد ما هذي الأساطير
يا ماطل الوعد ما هذي الأساطير / زادت على السمع هاتيك المعاذير
العدل منك سمعناه ولم نره / والجور منك أمام العين منظور
إن قلت عصري عصر النور مفتخراً / فظلمة الظلم ما في فجرها نور
وهل يفيد جمال الوجه ناظره / والبرقع الدكن فيه الحسن مستور
أفراد قومك عاشوا عيشة رغدا / وما دروا أنها ماتت جماهير
بيوتهم من بيوت الشعب مدخلها / ومن عمايره تلك المقاصير
تمسي سواءً لو أن الحال أنصفها / لكنما هي مهدوم ومعمور
أقول للغرف اللاتي ستائرها / لها بمسح جبين الشمس تأثير
تواضعي واعر في قدر البناة فمن / صنايع الشعب رصتك المقادير
فاين ما ثبت البانون من اطم / واين ما شاده كسرى وسابور
هذا الخورنق مطموس بلا أثر / وذي المدائن لا بهو ولا سور
يا حارث الأرض والساقي وباذرها / قتر إذا نفع المحروم تقتير
إذا أتاك رجال الخرص فالقهم / بطلقة برقت منها الأسارير
إن باغتوك بنار شبها غضب / وسعرتها من العسف الأعاصير
فاحفظ بقايا حبوب منهم سقطت / فللبقايا ببغداد مناقير
طارت من الغرب والاطماع أجنحة / والغاية الشرق واللقط الدنانير
ألا نكير على أعلام حاضرة / قضت بتعريفهم تلك المناكير
كالعبد صبغته السوداء ثابتة / على المسمى بها والاسم كافور
تقدموا فانتظر يوماً تأخرهم / والدهر يومان تقديم وتأخير
لا تعجبن إذا راجت لهم صور / فالعصر رائجة فيه التصاوير
ولا تخل أنهم حراس مملكة / فطالما تسرق الكرم النواطير
من الغرائب ان الهر في وطني / ليث يدل وأن الليث سنور
جرياً على العكس كم وجه يكون قفا / وكم قفاً وله وجه وتصدير
يالانقلاب به العصفور صقر ربي / والصقر ذو المخلب المعوج عصفور
تبدل الناس والأرض الفضاء على / أديمها لاح تبديل وتغيير
يا من رأى الدير والخابور من قدم / لا الدير دير ولا الخابور خابور
خوفي على الوطن المحبوب ألجمني / فلم يذع لي منظوم ومنثور
كأنني مذ غدا حتماً على شفتي / ليث يكظ على أشداقه الزير
افحص فؤادي يا دهري تجد حجراً / صلداً ولكنه بالخطب منقور
يرمي البريء نزيه النفس طاهرها / بالموبقات وذنب اللص مغفور
مثل البغية يطوي العهر رايتها / وبندها فوق ذات الخدر منشور
فيا سيوفاً قيون الغدر تشهرها / ما هكذا تفعل البيض المشاهير
نحرتم وطعنتم قلب موطنكم / حتى يقال مطاعين مناحير
لا تستهينوا بضعف في جوارحنا / فكم دم قد أسالته الأظافير
كبرتم الأنفس اللآتي مشاعرها / لها وإن طال فيها العمر تقصير
زجاجة الخط ان أمست تكبرها / فالذر ليس له في العين تكبير
مطاول الفلك الأعلى قصرت يداً / فالآن أيسر ما حاولت ميسور
ما في يديك خسوف البدر مكتملاً / وليس فيها لقرص الشمس تكوير
انظر إلى القبة الزرقاء عالية / وسقفها بنجوم الزهر مسمور
واستغرق الفكر في مجرى مجرتها / فذاك بحر بفيض اللطف مسجور
موج من النور عال لا يسكنه / إلا الذي من سناه ذلك النور
كأنه والنجوم الزهر طالعة / سجنجل نبتت فيها الأزاهير
يا طائرين على بيض مجنحة / حطوا على الوكنات الجو أو طيرا
ما هذه الأرض تبقى وكر طيركم / ولا الوقوف لها في الجو مقدور
لقد أمنتم على خفاقها خطراً / وكم تجيئ من الأمن المخاطير
هوى من الجهة العليا لهوتها / والصور منحطم والظهر مكسور
رحى تدور لهذا القطر طاحنة / ومن مطاعمها الديار والدير
الشرق يبكي وسن الغرب ضاحكة / لصوتها أهو رعد أم مزامير
يا ربة الخدر عن نظارك احتجبي / ان الحجاب لمنصوص ومأثور
وطهر النفس بالأخلاق فاضلة / فإنها لك تنزيه وتطهير
شدي أزارك ممدوداً فكم نظري / على الخيانة أضحى وهو مقصور
قمرية الدوح يا ذات الترانيم
قمرية الدوح يا ذات الترانيم / مع النسور على ورد الردى حومي
سيري مع الجحفل الجرار خافقة / وسابقي فوقه سرب القشاعيم
وناوحي الأمة الثكلى فقد رزئت / بلادها بالمطاعين المطاعيم
وذكريها عهود البيض ماضية / فإن عهد المواضي غير مذموم
خلت بلادك من قوم فرائسهم / ملء البسيطة من فرس ومن روم
قمرية الدوح ما في الدوح من ثمر / إلا تعاليل محزون لمهموم
طيري إلى الأفق الأعلى فليس على / وجه الثرى وكر طير غير محطوم
وباعدي الأرض إن الجور ارهقها / ووحد الضعف في هذي الأقاليم
ما في العواصم من ضيق ومن نوب / أضعافه في الفيافي والدياميم
فناشدي العرب كم دانت لهم دول / وكم جبوها بتحبير المراسيم
وأبني أسر التيجان مذ نزلوا / عن العروش باذعان وتسليم
مخدمين بأمثال الدمى صوراً / وارحمتا للسلاطين المخاديم
أهل الأكاليل لا تأسوا فما عقدت / إلا إلى أجل في اللوح مرقوم
في ذمة المجد مطرودون عن سدد / كانت مواقف تمجيد وتعظيم
كم عاهل يستميح الدهر رحمته / أماته الدهر حيا غير مرحوم
رام الأمان أمان اللَه ملتحقا / بالباحثين علي جذ الجراثيم
وان شعب وحيد الدين انكره / وشعب غليوم لم يرفق بغليوم
أصاب أحمد رب التاج سالبه / منه بسهم من الآجال مسموم
مشى الزمان بأهليه كمضطرب / في المتن مندفع في الصدر ملكوم
فأبصر الخلف قداما لدهشته / وصار يخلط تأخيراً بتقديم
هذي الحوادث جلت ان تكافح في / سيف بمطرقة الأقدار مثلوم
لولا المقادير سالت دون دجلتنا / على الردى أنفس الصيد المقاديم
سلي الفرات ففي أريافه عرب / بيض الظبا والمساعي الغر والخيم
الراصدون على الأعداء مهربهم / والمالكون عليهم مورد الهيم
والسائلات بغدر من دموعهم / نفوسهم لقرارات اللهاميم
كم من عكاظ أقامته سيوفهم / وموسم برذاذ الهام موسوم
سوق من الحد قامت في معارضه / رماحهم وهي لم تعرض لتقويم
أبوا يسومونها إلا بمركزها / من مصرع القرن مطعون الغلاصيم
لو صادموا هضبة الفولاذ لانفلقت / أركانها بالمناجيد المصاديم
قمرية الدوح أضحت أرضه يبساً / ومزهر الغصن أضحى غير مرهوم
قد كان يمتص ضرع الغيث مندفقاً / فعاد يعطب في برحاء مفطوم
تبصري الأرض هل قامت مناكبها / على أساس قديم غير مهدوم
جاء الحديد فقلنا سوف يخلفه / حلاً بحل وتحريماً بتحريم
فأسفر العصر عصر النور عن زمن / بالعسف متقد بالظلم مضروم
سكان جلق ذات المرج جاد كم / بعارض من فتوق السحب مسجوم
ومبهت الزهر زهر الفضل في حلب / لازلت تنفح في شيح وقيصوم
ويا حواضر لبنان تجاور في / بحر بمثل هموم الشعب مفعوم
ويا نزولاً على الخرطوم زاحمكم / في مورد النيل عذباً ألف خرطوم
مدت من الغرب وامتصت موارده / فليت لا كرعت إلا بيحموم
ظما لها ما كفاها البحر ملتطماً / كأن أمواجه موقورة الكوم
حتى أتت لمجاري الشرق دامعة / عيونه بين سلسال وتسنيم
ألقت مبادءها درساً يعرفنا / سوء المبادئ منها والخواتيم
تظاهر الشرق بالحسنى مداجية / وحقدها كامن ملء الحيازيم
وتوضح الشك بالابهام تعمية / واحيرتا بين مشكوك وموهوم
كيف السبيل إلى التطبيق مذ برأت / هذي المصاديق من تلك المفاهيم
يا مصر قولي لوفد العز مذ لبسوا / تلك العواري من لوم ومن لوم
ليس الصعيد صعيدي يا فراعنتي / أما اختلفتم ولا الفيوم فيومي
كونوا من الذهب المسبوك سلسلة / ابريزها غير مفصوم وموصوم
نواصع الحجج اللاتي اذا اطردت / داست جناجن موضوح ومكلوم
نام الخليون حيث الليل يرفع في / سقف بأعمدة الظلماء مدعوم
وأنتم لا حشاياكم ممهدة / ولا جفونكم مالت لتهويم
لو فاض بحر الدجى وامتد زاخره / قلتم لافكاركم في قعره عومي
آراؤكم من حديد الحق ضربتها / تأتي عل كل مكذوب ومزعوم
صرختم ولهيب العزم يلفحكم / كالفحل يهدر من تحت المياسيم
قام الموحد منها وهو مرتعد / واهتز من حولها أهل الأقانيم
قمرية الدوح قومي فانظري أمما / مخنوقة الصوت في أوطانها قومي
ما في العراق إذا استقريت بقعته / إذن تصيخ لأبكار الأناغيم
يد علينا لذات الطوق نشكرها / بذكريات احتفالات وتكريم
إن عاد للعرب الأمحاض ملكهم / وحصنوا الأرض بالبيض المخاذيم
حقاً تناديك والتلقيب أو سمة / يا نغمة الورق بل يا بغمة الريم
إن ترجعيهم إلى أدوار ملكهم / فأنت أنت أصدحي لا أم كلثوم
أجيزك اللؤلؤ المنسوق من كلمي / وأحسن الدر منثوري ومنظومي
تغردين وذي الأقطار ما برحت / تبكي لتذكار توزيع وتقسيم
كم هيأ الظافر المنهوم دعوته / منها لكل عميق الشدق مقروم
تذوقوها ولم تبرد لها مزع / وباغتوها بتحصيص وتسهيم
واضيعة المال والاحلام من نفر / تقاطروا بين مجهول ومعلوم
كأنهم ودواعي اللهو تجذبهم / ركب يخف بمزموم ومخطوم
خالوا مزامير داود لهم خبئت / أنغامها بين أشداق وحلقوم
فصيروا قاعة الألحان جنتهم / فأينها وهي في لغو وتأثيم
فابن الثلاثين حي لا عصام له / وابن الثمانين ميت غير معصوم
سيان للهاجس المحزون في وطني / ترنيمة الورق أو تنعابة البوم
هذي البلاد فمعدوم بلا جدة / ان طفت فيها وموجود كمعدوم
وسافل يتعالى فوق موقفه / وظالم يتردى جلد مظلوم
قالوا الغناء غذاء الروح ينعشه / وان يكن غير مشروب ومطعوم
قلت افحصوا هذه الأرواح ان حييت / وأرشدونا لروح غير مألوم
متى يكون علاج للضنى بضنى / وشارب السم هل يشفى بمسموم
حان الطعان وصدر الرمح منحطم
حان الطعان وصدر الرمح منحطم / والضرب آن وحد السيف منثلم
وللجماهير آذان مفتحة / كي تسمع النصح لكن باغت الصمم
والنائمين وقد مرت لهم فرص / والنادمين ولم ينفعهم الندم
عافوا مواردهم تجري لشاربها / يا للرجال وفي آل الضحى اختصموا
توسطوا في التراخي عن حقوقهم / وما أفاقوا إلى أن ضاقت الأزم
كانوا إذا همّ قوم غيرهم عزموا / وها هم اليوم ما هموا ولا عزموا
أما رأوا هذه الدنيا وزينتها / لمن على الحزم منهم تقعد الحزم
والناس صنفان صنف للعلاء بنوا / معاقلاً بسماها تزهر الشيم
وآخرون بنوها غير دائمة / وان لها بالرخام الصلب قد دعموا
هذي البنايات في بغداد آخذة / دوراً يهدّ له الايوان والهرم
يروم رافعها لمس السماك أما / درى المصير الذي صارت له ارم
ليس البناء وان رصت قواعده / بثابت واساس العدل منهدم
يا جالبين من الآفاق زخرفها / الشعب يعبس منها وهي تبتسم
لو نتموها فأضحى من خلائقكم / سيان زخرفها المرصوف والكلم
من أي ميراث آباء لكم بلغوا / أمست تناطح أبراج السما الأطم
فهل لكم قد في فتح مملكة / أو موقف فيه منكم تثبت القدم
هذا النعيم الذي انصبت موارده / عليكم واستدارت حوله النعم
من دمعة العامل المحزون زهرتها / ورب نعمة قوم أصلها نقم
وجدتم بزمان كله نوب / ان الوجود الذي جئتم به عدم
سر لبنائكم في الأرض ما شهدت / تأثيره في المراعي قبله الأمم
يرتادها الشعب لكن خاب رائده / لا يظهر الشعب الا وهو منفطم
وما تراكم في الأجواء عارضه / إلا غدا برذاذ الترب ينسجم
جف الثرى وسحاب الموت منهمر / من فوقه والسيول الجارفات دم
همى الرباب حوالينا ومن فزع / كادت تلوذ بسفح الهضبة الاكم
علا وغشى محيا الأرض برقعه / فأصبحت دار أمن الخائف القمم
والجدب أخصب للأرواح من كلأ / تأتي وبيلا به الهتانة الديم
من يفزع الناس في الزورا برحمته / ان باغت الموحشان الظلم والظلم
عصر الرشيد استمع ان كنت ذا اذن / ان الأمين بهذا العصر متهم
احفظ حياتك فيها والحياء معاً / فما بها اليوم مأمون ومعتصم
ياباسطاً بديار العرب مأدبة / تحشى بسم ولكن فوقه الدسم
أكرهت طبعك فيها وهو ينكرها / واين منك يكون العطف والكرم
هذي الوليمة عمر الدهر ما نسيت / وكيف تنسى وفي أطباقها الألم
أريتهم من خيال السحر كاذبه / وعن حقيقة ما نسعى إليه عموا
ومذ نأى الشك منهم هاج شعبكم / وكان ما علموه غير ما علموا
يخلد المجد للأجيال آيته / شعب تضامن فيه الطفل والهرم
ولا تجهم يوماً وجه سيرته / ما دام ينشر فيه العلم والعلم
ماج العراق ببأس الناهضين به / فالخصم مضطرب والعزم مضطرم
وأقدموا فأقامت عرش عاصمة / إيمانهم وبحبل الوحدة اعتصموا
في ذمة العرب الآساد موطنهم / أضحى يصان وفيه تخفر الذمم
وفي الفرات مناجيد مواقفهم / مع العدى بجبين الدهر ترتسم
الباقيات مع الدنيا مخلدة / يخطها لهم في لوخها القلم
تدونت بعواليهم وقائعهم / ومن مراسمها الأشلاء والرمم
ما حصنوا الوطن المحبوب فارتكزت / حرابهم فيه سوراً والضبا الحذم
ومازجوه ثرى طابت منابته / حتى تعانقت الأطواد والهمم
عرب هموا عقدوا الأكليل مؤتلقاً / على مليك له البطحاء والحرم
وسائل وهو يدري حين يسألني / من رصع التاج بالأعمال قلت هم
لكن مع الأسف المبكي تقاطعهم / فثم لا رحمة فيهم ولا رحم
وأصبحوا شيعا للقابضين على / زمامها وبرغم الوحدة انقسموا
حي الفرات وحي النازلين على / ضفافه حيث يعلو العز والشيم
وبين ذي الكفل والفيحاء ملحمة / فيها تباشرت العقبان والرخم
جاء العداة لها عصراً بفيلقهم / فزايلوها فراراً بعدما اعتصموا
والعارضيات فيها عاد خصمهم / يؤمها ناكصاً لما به اصطدموا
أصاخ للمدفع الهدار جمعهم / كأنما الرعد في آذانهم نغم
فاسكتوه بزجر من بنادقهم / فيه شجا ليس يلتئم
والرعب ساق اساراهم وقد قدرت / عيونهم راعها في الهجعة الحلم
تسلسل الجيش مأسوراً وقادته / خافوا مقارنة الاصفاد فانهزموا
مذنبات العوالي في متونهم / فأينما انحرفوا عن شهبها رجموا
وللمئات أمام الغزو هرولة / كما تساق أمام السائق النعم
لا يحسبن العوالي ان دولتنا / فتية فلكم شابت بها لمم
فقل لمن سار عينا في شوارعها / قف بالديار التي لم يعفها القدم
لا ترتبي بالثوى فيها فكم كحلت / فيها عيون عدى كي يبصروا فعموا
أين العتاد الذي أضحى يسوره / شوك الحديد واين الظل والخيم
أما الجبال فسل عنها مساقطها / تجبك من حولها الارسان واللجم
ضراغم البأس في آجالها حكمت / والحكم لِلّه فانظر من بها احتكموا
تظلم العربي المحض عندهم / يبقى سدى أتظن القوم ما فهموا
خالوا فصاحته من بينهم وطنا / كأنما العرب في أوطانهم عجم
ونائب يملأ الكرسي قلت له / ماذا السكوت تكلم أيها الصنم
الحامل الراس لم تسمع له اذن / والصاقل الوجه ما في صفحتية فم
بم استحل من العمال راتبه / وفي السكوت انقضت أيامه الحرم
يا قابضين برغم الحق حامته / ومالكم صلة فيه ولا رحم
وهذه الأرض لم تنكر بنوته / ولم يكن راعه لولاكم اليتم
تطلع الحائر النائي باطيبه / وابن البلاد أمام العدل منفطم
خير البلاد التي أحرار بقعتها / بما يطيقون من أعلائها خدم
مذاب وجنته في الكاس ام ذهبُ
مذاب وجنته في الكاس ام ذهبُ / ولؤلؤ رصف الصهبآء ام حببُ
وهذه الراح ام شمسٌ تحفُّ بها / من السقاة بابراج الهوى شهب
يستلُّها من فم الابريق دوهيفٍ / تكاد تحكيه لكن فاتها الشنب
مليك حسن فما احلى مواكبه / ان ضمَّه في مضامير الصبا طرب
فرهطه في التهادي كل جازية / وجنده في التصابي الخرُّد العرب
شاكي السلاح ولكن سيف مقلته / في الروع يكفيه لا الهندية القضب
الهدب نبل قسيّ من حواجبه / لا النبع يمرق عن قوس ولا الغرب
والصعدة الغضة التثقيف قامته / ان هزها الدل لا الخطية السلب
لأعلونَّ اليه متن ذعلبة / ما حطها بعد تصعيد السرى صبب
تجري على مثل ظهر الترس مقفرةٍ / مآلف الوحش عن اجوازها الهضب
ما علل النفر الظمآن ركبهمُ / بدوّها المنعشان المآء والعشبُ
ان اغترب للهوى النجدي مطلباً / فان قبلي ابنآء الهوى اغتربوا
أن الفتى بالنوى تجلى سبيكته / والمندل الرطب في أوطانه حطب
الكوربيتي ومتن الليل راحلتي / وناصرٌ طلبي ان زّمني الطلب