القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو الفضل الوليد الكل
المجموع : 51
رأيتُ زَهر النّوى نضيرا
رأيتُ زَهر النّوى نضيرا / فهيّج الحزنَ لا السّرُورا
أهوى نَضيراً من زَهرِ أرضي / وفي النّوى أكرَهُ النضيرا
فطالما هاجَ ذكرُ ماضٍ / أنشقُ مِن عَهدِهِ العَبيرا
أزهارُ أرضيَ كان شَذاها / يَملأ قَلبي الفتى حُبورا
ولونُها كانَ لون نَفسي / أيّامَ كانَ النَّدى نَثيرا
والحزنُ والهمُّ أذبلاها / وكم أرَتها النّوى سُرورا
فأصبَحت لا تُحبُّ نَضراً / ولا ابتساماً لا ثُغورا
فذُو الضّنى يحسدُ المُعافى / وذو العَمى يحسدُ البَصيرا
لمّا ذَوى الزَّهرُ في فؤادي / كَرِهتُ في الرَّوضِ أن أسيرا
فقدتُ شِعْرِي وكادَ قَلبي / يَفقُدُ مِن يأسِهِ الشعورا
تَشتاقُ عَيني دَمعي وحزني / يُغري دُموعي بأن تغُورا
الطلُّ يُنمي غصناً رطيباً / والغَيثُ لا يُنضِرُ الكَسيرا
الحكمةُ اليومَ أدّبتني / فَصرتُ من ضربها كَبيرا
وسِرتُ في عالمِ البَلايا / وغُربَتي أقطعُ الشّهورا
حتّى رأيتُ الربيعَ يُهدي / إِلى الوَرَى زَهرَهُ الكثيرا
فبتُّ أشري في السّوقِ زَهراً / مثلي غَدا عُمرُهُ قصيرا
وكنتُ أهوَى أن أَجتَنيهِ / وما اجتِنائي لهُ يَسيرا
فقلتُ يا قَلبُ شمَّ هذا / لا بدَّ يوماً مِن أن تَطيرا
ما زلتَ بعدَ انحِجابِ عدنٍ / تَذكُرُ مِنها شذاً ونُورا
يا وَردَ جورِ الذي حيّا فأحيانا
يا وَردَ جورِ الذي حيّا فأحيانا / أشبَهتَ خَدّاً بماءِ الحُسن ريّانا
اذا رأيتكَ لاح الكونُ مُبتسِماً / كالثَّغر واخضرَّت الآمالُ أَغصانا
وإن جنيتُك أذكرْ غادةً حملَت / من الأزاهِر أشكالاً وألوانا
كم باقةٍ مِنكَ ضمّتها أنامِلُها / كأنها لؤلؤٌ قد ضمَّ مُرجانا
ومنكَ لونٌ وطِيبٌ في غلالِتها / وهي التي تَكتسي نوراً وريحانا
إليَّ أهدَتكَ مضموماً بأنملِها / حتى رأيتُ الهوى حُسناً وإحسانا
ولا أزالُ بزَهرٍ مِنكَ أَذكرُها / لأنني لم أزل بالطّيبِ نشوانا
وقد تجودُ بخَدٍّ لي فأحسبُه / مما جَنَتهُ ومن رياكَ ريانا
قلبي تعشَّقَ خدَّيها كما عشِقَت / فراشةُ الرّوضِ لوناً منكَ فتانا
يا وردَ جورٍ عليك الرّيحُ نافحةٌ / نهزُّ في الصّبحِ أزهاراً وأفنانا
وتحملُ الطّبَ مثلَ النفسِ حاملة / للحبِّ حتى يَصيرَ الكونُ أكوانا
أبكي على الصّيفِ كالباكي على الطَّللِ
أبكي على الصّيفِ كالباكي على الطَّللِ / وإنّه كالصِّبا يمضي على عجَلِ
جاءَ الشتاءُ فأذوى بردُه حبقاً / قد كان في الصيفِ ذا نضرٍ وذا ميل
كم كنتُ أقطفهُ أو كنتُ أنشقُه / والعطرُ والنضرُ مثلُ الحبّ والأمل
عندَ الغنيِّ تراهُ والفقيرِ فلا / تعجَب لباذلِ حسنٍ غيرِ مُبتذل
للكلّ نعمتُهُ تُرجى ورحمتُه / وعَرفُه ناعشٌ كالبرءِ في العِلل
وأبيضُ الزّهرِ مِنهُ كالنقوشِ على / بُردٍ وكالدّمعِ في سودٍ من المُقل
أما تراهُ على تقواه مُتّضِعاً / يهوى بياضَ الحلى في خِضرَةِ الحِلل
والرّيحُ شيّقةٌ ولْهَى تقبِّلُهُ / فليتَ لي ما له من أطيبِ القُبَل
حفظتُ في البردِ والأمطارِ واحدةً / منهُ وكنتُ أُداريها على وجل
حتى إذا ذبُلَت أصبَحتُ أنشدُها / يا رحمة اللهِ ما أولاكِ بالطّلَل
يا ربّ لا تخلينَّ القلبَ من أملٍ / والروضَ من زهَرٍ والأرضَ من بَلل
يا ربّة الحسن والإيناسِ والخَفَرِ
يا ربّة الحسن والإيناسِ والخَفَرِ / تعهّديني بطيبِ الذّكر والأثرِ
زوّدتِ عيني وقَلبي ما سأنظمُه / شعراً وشعري هو الرّ‍يا من الزّهَر
إليكِ أُهدي رياحيني التي نضَرَت / وأنت ريحانةٌ للسمعِ والبصَر
هذي الرياحينُ من روحي مقدَّمةٌ / إِلى التي روحُها من نفحةِ السَحَر
صافح من العربِ الأمجادِ أحبابا
صافح من العربِ الأمجادِ أحبابا / وانشُق من الغربِ أرواحاً وأطيابا
وأنشدِ الشِّعرَ في بدوٍ وفي حضرِ / حتى تحرِّكَ أطلالاً وأطنابا
وجرّرِ الذيلَ من فاسٍ إِلى عدنٍ / أيّانَ سرت رأيتَ القومَ أعرابا
هاتيكَ أرضُ هُدى الفرقانُ شرَّفَها / واللهُ أثبتَ إسلاماً وإعرابا
من عهدِ عادٍ وشدادٍ عروبتُها / فكم هنالِكَ آثاراً وأنصابا
إلى ابن حِميرَ أفريقيّةُ انتسبت / لما غزاها ومنها ظافراً آبا
قد كان أفريقُ بالجيشين فاتحَها / وبعدَهُ مالكٌ صحراءَها جابا
عرّج على كلِّ أرضٍ أهلُها عربٌ / وحيّهِم وافتقد في الغربِ أحبابا
وحذّر الرومَ من أهوالِ قارعةٍ / فيها نكبّ على الخدّينِ منكابا
وقل إذا أرضُ أفريقيةِ اضطربت / وزلزلت تتعاطى الموتَ أَكوابا
والخيلُ مصبوبةٌ في غارةٍ جمعت / من الصناديدِ فرساناً وركّابا
لم تعرفوا الحقَّ إِلا بين أسلحةٍ / مركومةٍ تسكبُ النيرانَ تسكابا
بمِثلها سنقاويكم مباسلة / لكي نرى بعد طولِ المكثِ إِشعابا
كما أرقنا على حقٍّ نريقُ دماً / والقتلُ فيه رضَى يشتاق إغضابا
إن كانتِ الحربُ ذوداً عن حمى شرفٍ / نقصد ولو بخرابِ الدارِ إحرابا
لا تحرجونا فكأسُ الغيظِ طافحةٌ / إنّا لنقطعُ بعدَ الصبرِ أسبابا
لا بدَّ من أَجلٍ يأتي على قدرٍ / ما دامتِ الأرضُ ميزاناً ودولابا
الأمسُ أسعدَنا واليومُ يُتعِسنا / فالقادسيةُ جرّت بعدها الزابا
غلبتمونا ولكن سوفَ نغلِبُكم / والدهرُ ما انفكَّ دوّاراً وقلَّابا
قبلَ التفاني على حقدٍ وموجدةٍ / شدُّوا الرحال إِلى البطريقِ والبابا
ماذا يريد علوجُ الرومِ من عربٍ / ولم يكونوا لهم أهلاً وأصحابا
إن يفقدوا ملكَهم لن يفقدوا شرفاً / ظلّوا به للعلى والملكِ طلّابا
قد غالبوا الدهرَ والأرزاءَ فانتصروا / والمجد إن سارَ عنهم زارَ إغبابا
الفرسُ والروم واليونان قد بسطوا / على البسيطةِ أحكاماً وآدابا
لكنها معهم بادت فلستَ ترى / منهم سوى أثرٍ تلقاهُ مرتابا
والعرب دائمة فيها صنائعهم / وإنَّ منها لتبشيراً وترحابا
بالدينِ والشرعِ ثم النطقِ ما برحوا / بعد الخلافةِ أسياداً وأربابا
ما استعجموا إنما المستعربون رأوا / على العروبة إحساناً وإنجابا
يا تونسيُّ ويا مرّاكشيُّ ويا / جزائريُّ ويا مصرىُّ ما نابا
ما ناب أوطانكم من غارةٍ نسخت / كتّابكم إذ غدا الإسلامُ أسلابا
كنتم أُسوداً وقد كانت عرائنكم / والرومُ منكم تخافُ الظفرَ والنابا
واليومَ في خيسكم عاثت ثعالبُهم / والعلجُ أصبحَ في الصحراءِ جوّابا
أليس يرهبُ قفراً لا حدودَ لهُ / ولا فوارسَ طاروا فيه أسرابا
ولا صهيلاً زئيرُ الأُسدِ جاوبَه / ولا هجيراً يُذيبُ الصخرَ إلهابا
ما أرحبَ القفر للأحرارِ إن طلبوا / ثأراً وقد شربوا في ذلهم صابا
وأتعسَ الروم فيهِ وهو مقبرةٌ / فيها يوارونَ أجناداً وأنشابا
هي الجزائرُ في أيامِ نكبتِها / على الفرنسيسِ كان الليثُ وثّابا
ردحاً طويلاً بعبدِ القادرِ امتنعت / إذ هبَّ يفتكُ بالأعداءِ محرابا
لكنّ أمتَه من بعدِهِ شَقِيَت / ونجمُها غابَ في البيداء مُذ غابا
فللفرنسيسِ دانت وهي صاغرةٌ / تشكو إلى الله إرهاقاً وإرهابا
يا إخوتي هل نسيتم أنكم عربٌ / حتى رأيتم مِنَ الأعرابِ إغرابا
ما للتواريخِ لا تُذكي حميتَكم / وقد غدا الذلُّ في ضرّائكم دابا
عودوا إليها تُعيدوا كلَّ مفخرةٍ / ففي الرسومِ يقينٌ للذي ارتابا
هل لابن خلدونَ صوتٌ في مساجدِكم / وفي مدارسَ تَلقى العلمَ ثوّابا
والمقَّريُّ بنفحِ الطيبِ يُنعشُكم / وقد نشقتُم عبيرَ المجدِ أحقابا
اين القبائلُ من قيسٍ ومن يمَنٍ / والملكُ يبعثُ مطعاناً ومضرابا
أين الأساطيلُ مرساةً ومطلقةً / تحمي ثغوراً أتاها العلجُ نهّابا
للمسلمينَ جرى في البحرِ أضخمها / فاربدّ تيارُهُ وارتدّ هيّابا
هل من خلاص لنا والرومُ قد ضغطوا / على القلوبِ فصارَ السلبُ إيجابا
شدُّوا علينا بقذّافٍ ودارعةٍ / فما وجدنا على التضييق إرحابا
إن التعدّي على الإسلام ديدنُهم / والظلمُ يمتدُّ إرعاباً وإرغابا
تقدّموا وتأخرنا ليقظَتِهم / ونومِنا فغدا الأنذالُ أندابا
سطوا لصوصاً ولم يُبقوا على بلدٍ / لما فتحنا لهم في جَهلِنا بابا
لقد هَدَمنا بأيدينا منازلَنا / فلنسمعنَّ من الغربان تنعابا
إن الصحابةَ والأنصارَ قد حفظوا / عهدَ النبيِّ وكانوا عنه نوّابا
فأينَ أمثالُهم في معشرٍ أخذوا / عَنِ الأعاجمِ أنواطاً وألقابا
يا مصرُ كوني لعربِ الغربِ هاديةً / وأوفدي من رجالِ العلمِ أقطابا
حتى تَرَي كلَّ أفريقيّةَ اجتمعت / على العروبة والإسلامِ أعصابا
الدينُ والعلمُ والآدابُ زاهرةٌ / في الجامعِ الأزهرِ الملآن طلابا
فيه قلوبُ بني الإسلامِ خافقةٌ / مذ كان قلباً لدينِ اللهِ وعّابا
فيكِ الذخيرةُ من دينٍ ومن لغةٍ / فوزّعي العلمَ تشريقاً وإغرابا
أنتِ الوصيةُ في شرعِ النبيِّ على / أبنائه فابلغي السنغالَ والكابا
لم يحفظوا ملكهم فليحفظوا لغةً / فصحى وديناً لصدعِ الملكِ رءّابا
حفاظهم منهُ تجديدٌ لدولتهم / وبالتطلّبِ يلقى الندسُ إطلابا
إن العروبةَ والإسلامَ في خطرٍ / فالبحرُ يمتدّ للأعلاجِ سردابا
يا أهلَ مصرَ مقامُ الحزنِ محترمٌ / فأسكتوا معبداً منكم وزريابا
أرى الغناءَ حراماً والسكوتَ بكم / أولى فزجراً وتحريماً وإضرابا
دعوا الملاهي وسيروا في جنازتكم / فالرومُ قد هيأوا للنعشِ أخشابا
النيلُ جيشُ بني التاميز رنَّقهُ / وهو المعربدُ سكيراً وعضّابا
واشتدَّ يصبغُ في المطلولِ من دمكم / تاجاً وعرشاً لمولاهُ وأثوابا
ويا طرابلسَ الغربِ التي نكدت / بحكمِ رومةَ إسغاباً وإلغابا
عليكِ سالت دماءُ العربِ طاهرةً / واستشهدَ البطلُ المغوارُ ذبَّابا
راعتكِ غارة أعلاجٍ على سفنٍ / ملَّاحُهم يمتطي للقَدرِ مرزابا
ثوري لثأرٍ فكم أردت مدافعهم / عُزلاً رأوا أشرفَ الميتاتِ آرابا
وأنت يا تونس الخضراء قد رحلت / عنكِ النضارةُ فاستُقبِحتِ إجدابا
متى أراكِ عَروباً حرةً وأرى / غيمَ الفرنجِ عن الآفاق منجابا
مرآةُ جوِّكِ من أنفاسِهِم كدرت / وماءُ روضِكِ لا يشتاقُ أعشابا
صبراً جميلاً فإنَّ الدهرَ غالبُهم / والأغلبيّونَ كانوا فيكِ غُلّابا
تذكَّري عهدَهم واسعَي لعودته / فمَن سعى في طلابِ المجدِ ما خابا
كانوا ملوكاً وكان الدهرُ يرهبُهم / إذا امتطوا وانتضوا جرداً وأعضابا
في بأسهم وطّدوا أركان مملكةٍ / والجيشُ يقذفُ تهويلاً وإرعابا
هذي صقليّةُ العجماءُ ما نطقت / إِلا بلسنٍ يضاهي الماءَ تشرابا
فيها وفي أرضِ سردينيّةَ انتشرت / حضارةٌ أشبهت في النخلِ إرطابا
كم لابن حمديسَ من شعرٍ ترجّعُهُ / جناتُها فيشوقُ الموجَ والغابا
تلك القصائدُ غنّاها وأنشدها / فأطربت أهلَ عليّينَ إطرابا
ويا جزائرُ في ذكراك أرّقني / وجدٌ عليه فؤادُ الصبِّ قد ذابا
هل ارتضيت نكاحَ الرومِ ساليةً / وهل تخذتِ بناتِ الرومِ أترابا
برُّ العروبِ غدا بين الورى مثلاً / فلا تكوني فروكاً شعرُها شابا
أرخي النقاب على الوجهِ الحيي ولا / تُعَرّضيه لعلجٍ عاب واغتابا
ماءُ الحياءِ سقاهُ في نضارتِهِ / لولا نقابٌ يقيه سالَ أو سابا
يا بنتَ قومي وقومي أهلُ أندلسٍ / هل تذكرين سماءً بدرُها غابا
في ظل قصرٍ وجنّات ربيتِ فلا / تنسي ذويكِ ولو أتربتِ إترابا
إن العروبةَ فخرٌ للألى شربوا / كأساً من الحلوِ تعطي المرّ إعذابا
خذي الشجاعةَ من دينٍ ومن أدبٍ / ومن تذكّرِ مجدٍ إن تفي ثابا
ولا يغرّنكِ تدليسٌ وبهرجةٌ / من معشرٍ ينشبونَ الظفرَ إنشابا
الداء منهم فإن جاؤوا بأدويةٍ / زادوكِ سقماً وآلاماً وأوصابا
هذا خَريفُكِ والأزهارُ ذابلةٌ / فأمِّلي بعدَه أيّارَ أو آبا
كم دولةٍ فيكِ يا مرّاكشُ انبسطت / والأرضُ تهتزُّ إرهاباً وإعجابا
هل من عبيديّةٍ أو من مرابطةٍ / أو من موحّدةٍ ترجينَ أطنابا
فاسٌ قد اختطها إدريسُ عاصمةً / واليومَ لا عاصمٌ من تاجرٍ رابى
ما للخلافةِ رسمٌ فيكِ أو سِمةٌ / فرجّعي للورى نَوحاً وتنحابا
وابكي عليها وتوبي بعد معصيةٍ / فاللهُ كانَ على التوّابِ توّابا
إن الحديثَ شجونٌ والهوى مرضٌ / ففي هوى أُمتي ألتذُّ أتعابا
كم خارجٍ من عهودِ العربِ يشتمني / ولم أكن قط شتّاماً وسبّابا
آدابُ قومي وآدابي أعوذُ بها / من أن أكونَ مع الأوغادِ ثلابا
الأريحيّةُ هزّتني فصنتُ بها / من الأكارمِ أعراضاً وأحسابا
وفي احتقاري لمن دوني أرى ظفراً / هذا افتخاري على من ذمَّ أو عابا
ما الشام أفضلُ عندي من طرابلسٍ / فهذه القوسُ يَلقى قابُها القابا
والتونسيُّ أو المصريُّ في نظري / مثل الشآميِّ إعزازاً وإحبابا
كلُّ البلادِ بلادُ العرب لي وطنٌ / فيه أجرُّ على الأهداب أهدابا
وأهلُها كلُّهم أهلي فهم عربٌ / إن ألقَهُم ألقَ إكراماً وإرتابا
من فاته نسبٌ ما فاته أدبٌ / فكلُّهم عربيٌّ أصلُهُ طابا
قربى المواطنِ والآدابِ أمتنُ مِن / قربى تُجَمِّع أرحاماً وأصلابا
في حب قومي أرى الآفاقَ واسعةً / والنفس تأملُ جنّاتٍ وأعنابا
فكل أرضٍ تردَّت ثوبَ نعمتهم / أشتاقُ مأذنةً فيها ومحرابا
ما زلتُ أضربُ قلبي في محبّتهم / حتى تفجّرَ مِنه الشعرُ وانسابا
قد كانتِ الدارُ دارُ الشعرِ مقفلةً / فجئتُ أفتحُ للإبداع أبوابا
وإذ رأيتُ عروسَ الشعرِ عاريةً / ألبستُها من شغافِ القلبِ جلبابا
نفختُ في البوقِ فانشقّت مضاجعهم / وبتُّ أَشهدُ أَبطالاً وكتّابا
سارت مواكبُهم تتلو كتائبَهم / حتى غدوتُ ليومِ العرضِ رقّابا
والأرضُ مائجةٌ منهم ومائدةٌ / كأنها تحتدي من هاجَ أو هابا
يا بنتَ يعربَ سيفُ الحق مندلقٌ / فأشرِبيه دمَ الكفّارِ إشرابا
وارعي بنيكِ وصوني إرثَهم أبداً / فالدهرُ قد أَكلبَ الإفرنج إكلابا
وقاومي فتحَ أسطولٍ بمدرسةٍ / فطالما غلبَ القرطاسُ قرضابا
تحيا الشعوبُ بآدابٍ وألسنةٍ / ولو غدا الحكمُ إعساراً وإصعابا
فبشّري بكتابِ الله ناشرةً / لسانَهُ واهدمي للرومِ أنقابا
عسى تعودُ إِلى الإسلامِ بهجتُه / وتأمنينَ كذا ما راح أو رابا
واتلي من المصحفِ الآيات قائلةً / يا مسلمين اذكروا ديناً وأنسابا
وبايعوا ابنَ رسولِ اللهِ سَيدَكم / كي لا تروا فتنةً فيكم وأَحزابا
إن الخلافةَ مدّت ظلّ سلطتِها / على بنيها ولاقى العتبُ إعتابا
في الشرقِ والغربِ لاذَ المؤمنونَ بها / واستجمعوا حولَها جنداً وحجّابا
يا حبذا دولةٌ زهراءُ قد رفعت / من عهدِ هارونَ والمأمونِ أَعتابا
حبي الخليفةَ مولانا ومولاكِ
حبي الخليفةَ مولانا ومولاكِ / إن سارَ في الجيشِ محفوفاً بأملاكِ
فأنشدت أممُ الإسلامِ قائلةً / يا بنتَ مكةَ إنّا من رعاياكِ
الحمد لِلَّهِ بالإسلامِ شرَّفنا / وما عَرفنا الهُدى حتَّى عرفناكِ
فللرسولِ وأهليهِ وأُمتهِ / فضلُ الهدايةِ مقروناً بنعماكِ
ومرجعُ الدينِ والدنيا إلى عربٍ / في بيتِهم أشرقت أنوارُ أفلاكِ
فالأفضليةُ في الدارينِ فزتِ بها / طوباكِ يا بنتَ إسماعيلَ طوباكِ
منكِ الجمالُ تحلّى بالجميلِ لنا / وإنّ حسنَكِ مشفوعٌ بحسناكِ
ما نَسلُ جَدِّكِ من عربٍ ومن عجمٍ / إِلا خلاصةُ وردٍ طيِّبٍ زاكِ
فهو القويُّ على ضعفٍ وأنتِ بهِ / قويةٌ فأسودُ الغابِ تخشاكِ
أنتِ التي طلعت عذراءَ طاهرةً / زهراءَ سافرةً ما بين أحلاك
صانت بمُرهَفِها آياتِ مصحفِها / حتى أذلّت ذوي كفرٍ وإشراك
أنتِ العظيمةُ فوقَ الرملِ نائمةً / أنتِ الكريمةُ في أيام بؤساك
أنتِ الرحيمةُ والأسيافُ مُصلتةٌ / أَنتِ الحليمةُ والأبطالُ أسراك
أنتِ العفيفةُ واللذاتُ سائحَةٌ / أنتِ الظريفةُ والزهراءُ مغناك
أنتِ الخفيفة والأعناقُ مثقلةٌ / أنتِ اللطيفةُ والأعلاجُ أعداك
من مثل جَدِّكِ أو مَن مثل قومِك من / شروى نَبيّكِ يا ليلى وشرواك
ألم تقل كلُّ أرضٍ قد حَللَتِ بها / أهلاً وسهلاً فبُشرى اللهِ بُشراك
السندُ والهندُ ثم الصينُ قد شهدت / راياتِ قومِكِ فافترّت لمرآك
حيي هنالِكَ أرواحاً تحن إلى / روحِ النبوَّة حيثُ الروحُ حيّاك
هي الحمائمُ فوقَ البيتِ حائمةٌ / ولم تحُم حولَ بيتِ اللهِ لولاك
فمهبطُ الوحي والتنزيلِ في بلدٍ / جبريلُ فيهِ بآي اللهِ ناجاك
عندَ الصلاةِ وعندَ الموتِ أعيننا / ترنو إليهِ وقد لاحت ثناياك
في حجّ كعبتهِ أو نحو قبلتِهِ / رضى الذي بجميع الناس أوصاك
المسلمونَ إِلى البطحاءِ مرجعُهم / وليسَ يجمعهم إِلا محيّاك
فجمِّعيهم وإلا جمّعي عرباً / تفرقوا بعدَ ما ناخَت مطاياك
لهم مُمالكُ شتى لا ملوكَ لها / والرومُ قد أضعفوا فيهم مزاياك
تلك الممالكُ بالإسلامِ قد زهرت / وكلٌّ خيرٍ نأى عَنها بمنآك
تمسَّكي بعرى الإيمانِ واثقةً / فإنَّ دِينَك موصولٌ بدنياك
وإنه عربيٌّ أنتِ مصدرُهُ / بهِ العليُّ أمورَ الخَلقِ ولاك
أثبتِ دينَ الهدى والحقَّ غالبةً / فما أعزّك في الدنيا وأعلاك
ظَللتِ عَرباءَ صانتها بداوتُها / فأحسنَ اللهُ عُقبانا وعُقباك
لا أعجميَّ سطا يوماً عليكِ ولا / دَخيلَ فاللهُ من تَقواكِ أعطاك
يا بنتَ يَعربَ في عينيكِ لائحةٌ / أسيافُ من فتحوا الدنيا لعُلياك
ثلّوا العروشَ وقد فلّوا الجيوشَ بها / أعظِم بما صَنعت للخير جَدواك
بَنَت ممالكَ أو سنّت شرائعَ أو / أبقت صنائعَ فاقَت كلَّ إدراك
لكِ الفضيلةُ والفضلُ العميمُ على / كلِّ الشعوبِ فتقوى اللهِ تقواك
أعطيتهم من كتابٍ آيُهُ عَجَبٌ / ديناً وشرعاً ولسناً عطَّرت فاك
فلا شرائعَ إلا عنكِ مأخذُها / وفي اللغاتِ كثيرٌ من عطاياك
واللهِ لم ننسَ عهداً أنتِ بهجتُهُ / ولا سَلَوناكِ حيناً أو نسيناك
لكنَّ للدهرِ أطواراً تقلِّبنا / وكلٌّ قلبٍ شريفٍ ظلّ مأواك
فَكم أرَقنا على العرشِ الرفيعِ دماً / وكم ذَرَفنا دموعاً مُذ فقدناك
وإن ذكرناكِ هزّتنا حمَيّتُنا / فمثلُ ماويةِ الأغصانِ ذكراك
هلا بعثتِ على البلوى بنافحةٍ / فالأرضُ طّيبةٌ من نفحِ ريّاك
عودي إلينا لتحيينا فقد فعلت / كالماءِ والنارِ في الأرواحِ عيناك
سمعاً وطوعاً وإجلالاً وتكرمة / هذي المنازلُ نهواها وتهواك
ما العيشُ بعدَكِ فيها طيّبٌ ولنا / عهدٌ قديمٌ عليه قد عهدناك
لئن تَعودي تُعيدي مانهيمُ بهِ / إياكِ نعبدُ بَعدَ اللهِ إياك
فعاهدينا نعاهد رَبَّنا أبداً / أن نستميت لزلفاهُ وزلفاك
حَتّامَ نصبرُ في ذلٍّ وفي جزعٍ / وكيفَ نحملُ بَلوانا وبلواك
فالأرضُ كادت بزلزالٍ تُزَحزِحُنا / عن ظهرِها يومَ جيشُ الرومِ وافاك
يا حسرتاه ويا ويلاه من زَمنٍ / أضرى الثعالبَ فانتاشت بقاياك
هل روحُ أحمدَ تُلظي قلبَ أمتهِ / لكي نؤجِّجَ ناراً دونَ ملجاك
هبّي إلى سيفهِ في كلِّ نائبةٍ / فطالما في اشتداد الخطبِ نجّاك
ذراعُ أرضكِ ميلٌ في نواظرهم / مذ شرّفَتها بحقِّ الفتحِ رجلاك
من الفرنجِ أرى الإسلامَ في خطرٍ / ولليهود انتهاكٌ بعد إنهاك
فلا تنامي على ضيمٍ ولا تقفي / حيرى فروحُ صلاحِ الدين ترعاك
ضَمّت دمشقُ عظاماً منه طاهرةً / وقد تباركَ مثواهُ ومَثواك
فكيفَ يدخُلها الروميُّ مغتصباً / ولا يخافُ الذي في الروعِ فدَّاك
ما لليهودِ وللإفرنجِ قد وثبوا / على فلسطينَ حيثُ القدسُ تلقاك
وحُرمةِ المسجدِ الأقصى لقد بطلت / دعوى الخليطِ وصحّت فيهِ دعواك
ما أختُ مكة إِلا القدسُ فاحترمي / شرعَ النبيِّ وصونيها لقرباك
كم زحفةٍ لعلوجِ الرومِ أوقفَها / سلاحُ جيشِكِ أو أشلاء قَتلاك
وكم عليها دماءُ المسلمين جَرَت / وكم تساقطَ فيها من سراياك
لأجلِها أهرقوا أزكى دمٍ فلهم / تبقى على رغمِ طمّاعٍ وأفّاك
يا قدسُ مكةُ قد آستكِ باكيةً / لما أتاها بنعي الدينِ مَنعاك
وافاكِ في ليلةِ المعراجِ سيِّدُنا / محمدٌ وكتابُ اللهِ سمّاك
فبالعروبةِ والإسلامِ أنتِ لنا / واللهُ يسمعُ شكوانا وشكواك
هل تستقرُّ جماهيرُ اليهودِ إذا / دعوتِ يوماً أبا حفصٍ فلبّاك
وذو الوشاح لهُ في الغمدِ صَلصَلةٌ / وفي الرقِّابِ صليلٌ منه سلواك
إذا بدا ظلُّهُ أو ظلُّ ناقتهِ / ولو برؤيا تهولُ الخصمَ رؤياك
إن السيوفَ على الأغمادِ حاقدةٌ / لأنها لم تجرَّد في رزاياك
ما كانَ أجمل إبسالاً وتفديةً / والشهمُ يقصد إنجاء بإهلاك
بالله أيتُها الأمُّ العروبُ خذي / بالثارِ شعباً لنصرِ البطل عاداك
وطهَّري القدسَ من رجسٍ ومن دَنسٍ / وأصلتي سيفَ سفّاكٍ لسفّاك
ماذا تُرجّينَ مِن قومٍ بلا شرفٍ / ولا عهودٍ ومنهم كلُّ فتّاك
إن الرزيئة كبرى لا عزاءَ لها / حتى اليهوديُّ أخزانا وأخزاك
على بنيكِ غدا في أرضِهم أسداً / ولم يكن في حماهم غيرَ هتّاك
فحرّضيهم على تقطيعِ سلسلةٍ / هم راسفون بها ما بين أشراك
وجمّعيهم كما جمّعتِهم قدماً / في دولةٍ نظمَ حبّاتٍ بأسلاك
النطقُ والدينُ والآدابُ تجمعهم / ولا تزالُ سجاياهم سجاياك
الأرضُ أرضُكِ لا مطلٌ ولا جدلٌ / ولا خداعٌ فصكي وَجهَ بشاك
قد أثبتَتها من الأجيالِ أربعةٌ / وعشرةٌ وهي منذُ الخلقِ مجراك
بالإرثِ والحرثِ والسكنى لنا حججٌ / واللهُ بالدمِ زكّاها وزكاك
وكلُّ شعبٍ له أرضٌ يُدبِّرها / فيمَ التصدي لمسعانا ومَسعاك
أحيثما عمرٌ صلّى وحيثُ بنى / بنو أميةَ للتقوى مُصلَّاك
يمشي الأجانبُ في غوغائهم مرحاً / ولا سكونٌ لمن شاقَتهُ سكناك
من إرثه يُحرَمُ الفادي له بدمٍ / ولليهودِ احتكامٌ بعدَ إملاك
من ذا يرقُّ لمفجوعٍ بموطنهِ / بين الأراذلِ أو من يسمعُ الشاكي
الإنكيزُ استبدوا واليهودُ بَغَوا / مستضحكينَ لدمعِ المسلمِ الباكي
صبراً جميلاً فما الشكوى بنافعةٍ / حيثُ المظالمُ زادت من شكاياك
في حالِ ضعفِكِ داريهم وإن تثقي / من قوةٍ ألصقي بالسيفِ يُمناك
بالرومِ ضحّي وضحّي باليهود معاً / فاللهُ تُرضيه في الأضحى ضحاياك
وذكّري العلجَ عهداً فيهِ عسكرُهُ / بعدَ الأمانيِّ لاقَتهُ مناياك
لما تعدَّى الصليبيون وائتمروا / وما مَكرتِ ولا أسرَرتِ نجواك
جرّدتِ سيفاً قد اعتادت مضارِبُهُ / هامَ العلوجِ فخرّوا منهُ صرعاك
يا أرض أندلسَ الخضراءَ حيّينا
يا أرض أندلسَ الخضراءَ حيّينا / لعلّ روحاً من الحمراءِ تُحيينا
فيكِ الذخائرُ والأعلاقُ باقيةٌ / من الملوكِ الطريدينَ الشّريدينا
منّا السلامُ على ما فيكِ من رممٍ / ومن قبورٍ وأطلالٍ تصابينا
لقد أضعناكِ في أيامِ شَقوَتِنا / ولا نَزالُ محبّيكِ المشوقينا
هذي ربوعُكِ بعدَ الأُنسِ مُوحِشةٌ / كأننا لم نكن فيها مقيمينا
من دَمعِنا قد سقيناها ومِن دَمِنا / ففي ثراها حشاشاتٌ تشاكينا
عادت إِلى أهلها تشتاقُ فتيتَها / فأسمعت من غناءِ الحبّ تلحينا
كانت لنا فعنَت تحت السيوفِ لهم / لكنّ حاضرَها رسمٌ لماضينا
في عزّنا حبلت منا فصُورتُنا / محفوظةٌ أبداً فيها تعزّينا
لا بدعَ إن نَشَقَتنا من أزاهرها / طيباً فإنّا ملأناها رَياحينا
وإن طربنا لألحانٍ تردِّدُها / فإنها أخذت عنّا أَغانينا
تاقت إلى اللغةِ الفصحى وقد حفظت / منها كلاماً بدت فيه معانينا
إنّا لنذكرُ نُعماها وتذكُرنا / فلم يضع بيننا عهدُ المحبّينا
في البرتغالِ وإسبانيّةَ ازدهرت / آدابُنا وسمت دهراً مبانينا
وفي صقلّية الآثارُ ما برحت / تبكي التمدُّنَ حيناً والعُلى حينا
كم من قصورٍ وجنّاتٍ مزخرفةٍ / فيها الفنونُ جمعناها أفانينا
وكم صروحٍ وأَبراجٍ ممرّدةٍ / زدنا بها الملكَ توطيداً وتأمينا
وكم مساجدَ أَعلَينا مآذنَها / فأطلَعت أَنجماً منها معالينا
وكم جسورٍ عَقَدنا من قَناطِرِها / أقواسَ نصرٍ على نهرٍ يرئّينا
تلك البلادُ استمدّت من حضارتنا / ما أَبدعَته وأولته أَيادينا
فيها النفائسُ جاءت من صناعَتِنا / ومن زراعتِنا صارت بساتينا
فأجدَبَت بعدَنا واستوحَشَت دمناً / تصبو إلينا وتبكي من تنائينا
أيامَ كانت قصورُ الملكِ عاليةً / كانَ الفرنجُ الى الغاباتِ آوينا
وحين كنا نجرُّ الخزَّ أَرديةَ / كانوا يسيرون في الأسواقِ عارينا
لقد لبسنا من الأبرادِ أفخرَها / لما جَرَرنا ذيولُ العصبِ تزيينا
وقد ضَفَرنا لإدلال ذوائبَنا / لما حمينا المغاني من غوانينا
وقد مَسَحنا صنوفَ الطيبِ في لممٍ / لما ادّرعنا وأَسرجنا مذاكينا
كل الجواهر في لبّاتِ نسوتنا / صارت عقوداً تزيدُ الدرَّ تثمينا
وأَكرمُ الخيلِ جالت في معاركنا / وإذ خلا الجو خالت في مراعينا
تردي وقد علمت أَنّا فوارسها / ولا تزالُ لنعلوها وتُعلينا
زدنا السيوفَ مضاءً من مضاربنا / ومن مطاعننا زدنا القنا لينا
من للكتائبِ أو من للمواكبِ أو / من للمنابرِ إِلا سادةٌ فينا
جاءت من الملأ الأعلى قصائدُنا / والرومُ قد أَخذوا عنا قوافينا
لم يعرفوا العلَم إِلا من مدارسِنا / ولا الفروسةَ إِلا من مجارينا
أَعلى الممالكِ داستها جحافِلُنا / وسرّحت خيلَنا فيها سراحينا
تلك الجيادُ بأبطالِ الوغى قطعت / جبالَ برناتَ وانقضّت شواهينا
في أرض إفرنسةَ القصوى لها أَثرٌ / قد زادَهُ الدهرُ إيضاحاً وتبيينا
داست حوافرُها ثلجاً كما وطئت / رَملاً وخاضت عباباً في مغازينا
الشمسُ ما أَشرقت من علوِ مطلعِها / إِلا رأَتنا الى الأوطارِ ساعينا
كسرى وقيصرُ قد فرَّت جيوشُهما / للمرزبانِ وللبطريقِ شاكينا
حيث العمامةُ بالتيجانِ مزريةٌ / من يومِ يرموكَ حتى يومِ حطّينا
وللعروشِ طوافٌ بالسرير إذا / قامَ الخليفةُ يعطي الناسَ تأمينا
بعدَ الخلافةِ ضاعت أرضُ أندلسٍ / وما وقى العرب الدنيا ولا الدينا
الملكُ أصبحَ دَعوى في طوائفهم / واستمسكوا بعرى اللّذاتِ غاوينا
وكلُّ طائفةٍ قد بايعت ملكاً / لم يُلفِ من غارة الأسبانِ تحصينا
وهكذا يفقدُ السلطانُ هيبتَهُ / إن أكثرَ القومُ بالفوضى السلاطينا
والرأيُ والبأسُ عندَ الناسِ ما ائتلفوا / لكن إذا اختلفوا صاروا مجانينا
تقلّصَ الظلُّ عن جناتِ أندلسٍ / وحطَّمَ السيفُ ملكَ المستنيمينا
فما المنازلُ بالباقينَ آهلةٌُ / ولا المساجدُ فيها للمصلّينا
لن ترجعنَّ لنا يا عهدَ قرطبةٍ / فكيفَ نبكي وقد جفّت مآقينا
ذبّلتَ زهراً ومن ريّاك نشوتُنا / وإِن ذكراك في البلوى تسلينا
ما كانَ أعظمَها للملكِ عاصمةً / وكان أكثرها للعلمِ تلقينا
لم يبقَ منها ومن ملكٍ ومن خولٍ / إِلا رسومٌ وأطيافٌ تباكينا
والدهرُ ما زالَ في آثارِ نعمتِها / يروي حديثاً لهُ تبكي أعادينا
أينَ الملوكُ بنو مروانَ ساستُها / يُضحونَ قاضينَ أو يُمسونَ غازينا
وأينَ أبناءُ عبّادٍ ورونَقُهم / وهم أواخرُ نورٍ في دياجينا
يا أيها المسجدُ العاني بقرطبةٍ / هلا تذكّرُكَ الأجراسُ تأذينا
كانَ الخليفةُ يمشي بينَ أعمدةٍ / كأنه الليثُ يمضي في عفرّينا
إن مالَ مالت به الغبراء واجفةً / أو قالَ قالت له العلياءُ آمينا
يا سائحاً أصبحت حجّاً قيافتُهُ / قِف بالطلول وسَلها عن ملاهينا
بعدَ النعيمِ قصورُ الملكِ دارسةٌ / وأهلُها أصبحوا عنها بعيدينا
فلا جمالٌ تروقُ العينَ بهجتُه / ولا عبيرٌ معَ الأرواحِ يأتينا
صارت طلولاً ولكنّ التي بَقِيَت / تزدادُ بالذكرِ بعدَ الحسنِ تحسينا
تلكَ القصورُ من الزهراءِ طامسةٌ / وبالتذكُّرِ نبنيها فتنبينا
على الممالك منها أشرفَت شرفاً / والملكُ يعشقُ تشييداً وتزيينا
وعبدُ رحمانِها يَلهو بزخرفِها / والفنُّ يعشقُ تشييداً وتزيينا
كانت حقيقةَ سلطانٍ ومقدرةٍ / فأصبحت في البلى وهماً وتخمينا
عمائمُ العربِ الأمجادِ ما برحت / على المطارفِ بالتمثيلِ تصبينا
وفي المحاريبِ أشباحٌ تلوحُ لنا / وفي المنابرِ أصواتٌ تنادينا
يا برقُ طالع قصوراً أهلُها رحلوا / وحيّ أجداثَ أبطالٍ مُنيخينا
أهكذا كانت الحمراءُ موحشةً / إذ كنتَ ترمقُ أفواجَ المغنينا
وللبرودِ حفيفٌ فوقَ مرمرِها / وقد تضوعَ منها مسكُ دارينا
ويا غمامَ افتقد جناتِ مرسيةٍ / وروِّ من زَهرِها ورداً ونسرينا
وأمطرِ النخلَ والزيتونَ غاديةً / والتوتَ والكرمَ والرمانَ والتينا
أوصيكَ خيراً بأشجارٍ مقدّسةٍ / لأنها كلُّها من غرسِ أيدينا
كنا الملوكَ وكان الكونُ مملكةً / فكيفَ صرنا المماليكَ المساكينا
وفي رقابِ العدى انفلّت صوارمُنا / واليومَ قد نزعوا منا السكاكينا
ليست بسالتُنا في الحربِ نافعةً / ومن براقيلِهم نلقى طواحينا
فلو فطنّا لقابلنا قذائفَهم / بمثلِها وامتنعنا في صياصينا
واشتدَّ عسكرُنا يحمي منازلنا / وارتدَّ أسطولُنا يحمي شواطينا
إذاً لكانوا على بأسٍ ملائكةً / وما أتونا على ضعفٍ شياطينا
فنحنُ في أرضِنا أسرى بلا أملٍ / والدارُ كالسجنِ والجلادُ والينا
شادوا القلاعَ وشدوا من مدافِعهِم / ما يملأ الأرضَ نيرانا ليفنينا
بعدَ اعتداءٍ وتدميرٍ ومجزرةٍ / قالوا أماناً فكونوا مستكينينا
وكم يقولون إنّا ناصبونَ لكم / ميزانَ عدلٍ ولم توفوا الموازينا
تحكَّموا مثلما شاءَت مطامعُهم / وصيّروا بِيننا التهويلَ تهوينا
فلا تغرنّ بالآمالِ أنفُسَنا / وللفرنسيسِ جوسٌ في نواحينا
هل يسمحون ولو صرنا ملائكةً / بأن نصيرَ لهم يوماً مبارينا
لا يعرفون التراضي في هوادتِنا / ولا سلاحٌ به يخشى تقاضينا
إن لم تكن حكمةٌ من علمِ حاضرِنا / أما لنا عبرةٌ من جهلِ ماضينا
إنَّا نعيش كما عاشت أوائلُنا / ولا نريدُ من الأعلاجِ تمدينا
إن قدّموا المنّ والسلوى على ضرعٍ / نختر على العزّ زقوماً وغسلينا
يا مغربيّةُ يا ذات الخفارةِ يا / ذات الحجابِ الذي فيه تُصانينا
صدّي عن العلجِ واستبقي أخا عربٍ / من وُلدِ عمِّكِ يهوى الحورَ والعينا
يا نعمَ أندلسياً كان جَدّكِ في / عهدِ النعيمِ وهذا العهدُ يشقينا
خذي دموعي وأعطيني دموع أسى / طالَ التأسّي وما أجدى تأسّينا
ذكرُ السعادةِ أبكانا وأرّقنا / ما كنتُ لولا الهوى أبكي وتبكينا
بكى ابن زيدونَ حيثُ النونُ أنّتُهُ / ولم يزل شعرُهُ يُبكي المصابينا
كم شاقني وتصبّاني وأطربني / إذ كنتِ ورقاءَ في روضٍ تنوحينا
ومن دموعكِ هاتيكَ السموطُ حكت / أبياتَ نونيّةٍ فيها شكاوينا
ولاّدةُ استنزفت أسمى عواطِفهِ / فخلّدَ الحبَّ إنشاداً وتدوينا
تلكَ الأميرةُ أعطَته ظرافَتَها / فأخرجَ الشعرَ تنغيماً وتحنينا
يا بنتَ عمي وفي القُربي لنا وطرٌ / صوني المحيا وإن زرناكِ حيينا
ليلُ الأسى طالَ حتى خلت أنجمَهُ / بقيّةَ الصبحِ تبدو من دياجينا
نشتاقُ فجراً من النُّعمَى وظالمُنا / يقولُ إنّ ضياءَ الفجرِ يؤذينا
فلنُطلعنَّ إذن صبحَ القلوبِ على / ليلِ الخطوبِ وهذا النورُ يكفينا
أما كفانا بفقدِ الملكِ نائبةً / حتى أتانا علوجٌ الرومِ عادينا
عدا علينا العدى في بَرِّ عَدوتنا / وقد رضيناهُ منفَى في عوادينا
فيه الفرنسيسُ ما انفكّت مدافعُهم / تمزّقُ العربَ العُزلَ المروعينا
فوسطَ مرّاكشِ الكبرى لقائِدهم / دستٌ وقد شرَّدوا عنها السلاطينا
وفي الجزائرِ ما يُبكي العيونَ دماً / على أماجدَ خرُّوا مستميتينا
وفي طرابلس الغرب استجدَّ لنا / وَجدٌ قديمٌ وقد ضاعت أمانينا
وهذه تونسُ الخضراءُ باكيةٌ / ترثي بنيها المطاعيمَ المطاعينا
من الفرنسيسِ بلوانا ونكبتُنا / فهل يظلّونَ فينا مستبدّينا
صهبُ العثانين مع زرقِ العيونِ بدت / شؤماً به حدثانُ الدهرِ يرمينا
فلا رأينا من الأحداقِ زرقَتها / لا شَهِدنا من الصهبِ العثانينا
وا طولَ لهفي على قومٍ منازلُهم / تأوي العلوجَ ثقالاً مستخفِّينا
قد كافحوا ما استطاعوا دونَ حرمتِها / ثم استكانوا على ضيمٍ مطيعينا
لا يملكونَ دفاعاً في خصاصَتِهم / وينصرونَ الفرنسيسَ الملاعينا
أعداؤهم قطعوا أوطانهم إرباً / فأصبحوا مثلَ أنعامٍ مسوقينا
هذا لعمري لسخطُ الله أو غضبٌ / من النبي على ساهينَ لاهينا
من ذا يصدّقُ أن التائهين ثبىً / كانوا جيوشاً ترى الدنيا ميادينا
مشوا على ناعمٍ أو ناضرٍ زمناً / واليومَ يمشون في الصحراءِ حافينا
لا طارقٌ يطرق الأعلاجَ من كثبٍ / وإن دعونا فلا موسى يلبينا
بالقهر قد أخذوا مسكاً وغاليةً / ومنهما عوّضونا الوحلَ والطينا
وأدركوا ثأرَهم في شَنّ غارتِهم / لما أتونا لصوصاً مُستبيحينا
في الأرضِ عاثوا فساداً بعد ما شربوا / خمرَ الحوانيتِ وامتصّوا المداخينا
فما لنا قوةٌ إِلا بسيّدنا / محمدٍ فهو يرعانا ويهدينا
قد اصطفى بين كل الناسِ أمته / كما غدا المصطفى بين النبيينا
يا أحمد المرتضى والمرتجى أبداً / ألستَ من سطواتِ الرومِ تحمينا
يا أرفعَ الناسِ عند الله منزلةً / متى نرى السيفَ مسلولاً ليشفينا
سَلِ الشواطئَ ما أبقَينَ من جَسَدي
سَلِ الشواطئَ ما أبقَينَ من جَسَدي / وما عليهنَّ من دَمعي ومن كمدي
ضيَّعنَ قَدري وأيامي ومَعرِفتي / في غربةٍ فَلذَت أحزانُها كَبدي
يخدَعنَ نفسي بآمال مُزَخرفةٍ / حتى أرى الحظَّ في أبوابهِ الجددِ
تلكَ الأمانيُّ أزهارٌ بلا ثمرٍ / قد عاجَلَتها الغيومُ السودُ بالبرَد
الدّهرُ لما طلبتُ المجدَ عاكَسني / فقالَ عني عدوّي غير مُجتهد
والحظُّ لما طلبتُ المالَ أرجعني / صفرَ اليدينِ إذا فَتّشتُ لم أجد
لمثلِ هذا بكى الأحرارُ وانفلقَت / قلوبُهم تحتَ ضربِ الهمّ والنَّكد
يا شامتينَ بنفسٍ لم تنل أرباً / حذارِ منها فهذي نومةُ الأسد
لي من مطامِعها بحرٌ يهدِّدُكم / بالرّيح والغيمِ والأمواجِ والزّبد
إني لأحملُها في الصَّدرِ صاعقةً / حتى إذا انفجرت طارت من الجسد
بالأمسِ قد كان لي قلبٌ يذوبُ جوىً / حتى يُلبّيه جفنٌ بالدموعِ ندي
في اليأسِ قلبي وجفني اليومَ قد يَبسا / فلستُ أبكي ولا أحنو على أحد
رفقاً بقلبٍ وجفنٍ قد أذَبتَهُما / هي الجواهرُ فاحفَظها إِلى أمد
لا تَبذلِ الدّمعَ إن الدمع في نظري / خلاصة النفس لم تنقص ولم تزد
إذا رأى الناس دمعاً صادقاً ضحكوا / وإن رأوا ضَحِكاً ماتوا من الحسد
فكن لخيركَ منهم ضاحكاً ولهم / وإن تشَهَّيتَ ذَرفَ الدّمعِ فانفرد
يا هازئاً بدموعي لا تغنِّ إذا / رأيَتَني باكياً بل عزّ وافتقد
للموتِ والحزنِ حقُّ الاحترامِ فلا / تجرح بصوتِكَ قلبَ التاعسِ الكمد
إني لتقتُلني الذكرى إذا خطرت / في ليلةِ العيدِ أو في ليلة الأحد
أرى المدينة سكرى في غِوايتِها / ولاَ صديقٌ يؤاسيني ببَسطِ يد
ما أكذب الناس في التقوى وأخبثهم / فهم مراؤون كالذؤبان والعُبُد
العيدُ بالسكر والفحشاء يُطمعهم / فحوّلِ الوجهَ عن سادومَ وابتعد
ودع لهم دينهم ألعوبة فإذا / حاسَنتَهم قابلوا الإحسانَ بالحرد
مِثلَ القرودِ تراهم في معابدِهم / فاسخَر بجمعٍ لدى الأوثانِ مُحتَشِد
وفي الحوانيتِ تجديفٌ وعربدةٌ / بعد الصلاة فحاذر هزَّةَ الوتد
إذا رأوا جائعاً داسوهُ وانصرفوا / وللبغايا عاطاياهم بلا عَدَد
فهم كلابٌ بهم من حرصهم كَلَبٌ / ولن يكونوا على حقٍّ ولا رشد
أما الشعوبُ فقد خالطتُ أكثرها / فكم تجولتُ في حيٍّ وفي بلد
الشَّرعُ في عرفها حبرٌ على ورقِ / والحقُّ للمالِ والأعوانِ والسند
لا ترفقنَّ بإنسانيّةٍ فَسدَت / لا خيرَ من فاسدٍ فيها ومنفسد
كم من شهيدٍ لها منا وتضحيةٍ / والرافقونَ بها قَتلى بلا قود
ليت الشعورَ الذي في القَلبِ فارقني / إلى الذين يرون الهمَّ في المعد
فيُبصرونَ شقاءَ العيشِ من كثبٍ / ويَصحبونَ خَيالاً غيرَ مبتعد
لقد سئمتُ جهاداً لا انتصارَ بهِ / وما أتى الدّهرُ أهلَ الفَضلِ بالمَدد
إني على الصّدقِ مذمومٌ ومتَّهَمٌ / والشرُّ يُحمَدُ حَيثُ الخيرُ لم يُفِد
رأيتُ من يطلبُ الإصلاحَ مضطهداً / فزعزعَ الشكُّ إيماني ومُعتقدي
إنّ السماء على المسكينِ ضيقةٌ / رحيبةٌ لِذَوي الأموالِ والعدد
إذا نظرتَ إليها خِلتَها انقلَبَت / إِلى نحاسٍ على النِّيرانِ متَّقد
إن كانَ ثم إلهٌ نحنُ صورتُه / فليرفقنَّ بأهلِ البؤس والجلدِ
للطيرِ حَبٌّ وأوكارٌ وأفرخةٌ / أليسَ للمرءِ ما للطائر الغرد
في ذمّةِ الحبّ أعلاقٌ مقدّسةٌ / وقّت فؤادي وقوّتني على الشدد
أرنو إليها فأسلو كلّما خَطَرت / ذكرى تلوحُ كنورِ الصّبح في خلدي
ما حالُ نسرٍ وَهى منهُ الجناحُ يَرى / كلَّ العصافيرِ ورّاداً ولم يَرد
ليتَ السفائنَ لم تبلغ شواطئنا / أو ليتَها أرجَعت صباً على جهد
يا أمّ والموجُ هدّارٌ يؤرقني / والريحُ زفّارةٌ خفّاقةُ البرد
وليلةُ الشوقِ تسري مثلَ أرملةٍ / محلولةِ الشّعرِ منواحٍ إِلى الأبد
ماذا تقولينَ أو ماذا أقولُ إذا / عادَ البنونَ إِلى المأوى ولم أعُد
لهفي على ولدٍ يَقضي الحياةَ بلا / أمٍّ ولهفي على أمٍّ بلا ولد
حتّام يِشفى الفَتى والدَّهرُ يَدفعُهُ
حتّام يِشفى الفَتى والدَّهرُ يَدفعُهُ / وليسَ من ظُلُماتِ الموتِ يُرجعُهُ
يَسعَى إِلى الشّاطئِ المجهُولِ منه ولا / يُلقي المراسي على موجٍ يُرَوِّعه
أيا بُحيرَةُ هل بعدَ الحبيبةِ لي / سَلوى وذاكَ الهوى باقٍ تفجُّعه
وفيكِ فلذَةُ قلبٍ ذائبٍ وَقعَت / بل واقعٌ فيكِ قلبُ الصبِّ أجمعه
أُحبُّ مَوجَكِ حباً للتي وقفَت / عليهِ يوماً وقد جاءت تُوَدِّعه
ما كادَ عامٌ يولّي بعد فرقَتِنا / حتى رجعتُ وقلبي الشَّوقُ يَدفعه
وجئتُ أجلسُ وحدي حيثُما جَلست / يا حبّذا حَجرٌ دَمعي يُرصِّعه
كذا على الصّخر كانَ الموجُ مُنمزِقاً / كما تمزَّقُ من مُضناكِ أضلُعه
كذا تَناثرَ في ليلِ الهوى زَبدٌ / فكانَ من قَدَمَيها اللّثمُ يُقنعه
هل تذكرينَ مساء فيه نُزهتُنا / مرّت سريعاً وأحلى العيشِ أسرَعه
إذ كانَ قارِبنا يَسري ولا نَفَسٌ / تحتَ السماءِ وفَوقَ الماءِ نَسمَعه
وللمجاديفِ وَقعٌ فيكِ يُطربنا / ولحنُها نغَمُ الأمواجِ يتبعه
إذا رنيمٌ شجيٌّ ليسَ من بشر / راعَ الضفافَ التي أمسَت ترجعه
والصّخرُ والموجُ والأغصانُ شاعرةٌ / والرّيحُ تخفضهُ طَوراً وترفَعه
فطارَ قلبي وقد أصبَحت من طَرَبي / كنائمٍ زخرفُ الأحلامِ يخدعه
لم أنس والله ماقالت وقد زفرت / ففاضَ من جَفنها الفتّانِ مَدمعه
يا دهرُ مهلاً ويا ساعات لذّتِنا / قِفي قَليلاً لوَصلٍ منكِ نَنزَعه
مِنَ الغرامِ دَعينا نَشتفي فَنفي / حقَّ الشبابِ الذي جئنا نشيِّعه
ما أكثرَ الهمَّ في الدنيا الغرورِ فكم / دَعا المنيَّةَ مَن بَلواهُ تَصرَعه
خُذي حياةَ ذوي البؤسى وشقوتَهُم / وانسي السعيدَ فإنَّ الحبَّ يُطمِعه
سألتُ دَهري وُقُوفاً في سعادَتِنا / ففَرَّ مني كأنَّ الصَّوت يُفزِعه
وقلتُ يا ليلُ طُل رِفقاً بعاشقةٍ / ففرَّقَ الصبحُ ما كنّا نُجَمِّعه
فلنَهوَ فلنَهوَ ولنَنعَم على عَجَلٍ / إذا ظَفِرنا بِعِلقٍ لا نُضيِّعه
ولنغتنم فرصةَ اللذّاتِ هاربةً / فالقلبُ تُهنِئه الذّكرى وتُوجعُه
والوقتُ كالمرءِ لم يبلغ شواطئَه / والحسنُ في الحزنِ روضٌ جفَّ ممرعه
يا دهرُ رِفقاً بأهلِ الحبِّ إنَّ لهم / في عَيشِهم وطراً ما زلتَ تمنعه
حتى على أقصرِ اللذّاتِ تحسدُنا / وقد غَصَصنا بما في الهمِّ نجرعه
على الهوى قد جرى دَمعي وسالَ دمي / وما الذي بعد طيب الوَصلِ أصنعه
تقلّص الظلُّ من رَوضي وها قَدحي / مُكَسَّرٌ بعد ما قد كنتُ أترعه
وَلّى نعيمي كبؤسي عاجلاً فذَوَى / عليهِ قلبي وأبكاني تمنُّعه
ألستُ أقدرُ أن أُبقي لهُ أثراً / في مُهجتي وعلى الأحشاءِ أطبعه
ما مرَّ فاتَ فلا دمعٌ ولا ندمٌ / يَشفي فؤادي وليسَ الصّبرُ ينفعه
يا ذاهبَ العمرِ كم ذكرٍ وكم ألمٍ / تَطوي وتخرقُ ما الإنسانُ يَرقَعه
قُل ما فعلتَ بأيامٍ تُدفِّنُها / والحسنُ والحبُّ ماءٌ غاضَ منبعه
ألا تُعيدُ لقلبي لذةً هَرَبت / ومن ليالي الهوَى حينا تمتِّعه
يا حبذا ما مَضى لو كان يرجعُ لي / وحبّذا المنزلُ المهجورُ مربعه
أيا بحيرةُ يا صخراً أصمَّ ويا / غاباً كثيفاً وكهفاً شاق بَلقعه
صانت محاسنك النُّعمى مجدّدةً / ثوباً من النضرِ تكسوهُ وتخلعه
ناشَدتُكِ الله أحيي ذكرَ ليلتِنا / لكلِّ قلبٍ يدُ البَلوى تُصَدِّعه
إن كنتِ هادئةً أو كنتِ هائجةً / بحيرةَ الحبّ فيكِ الذكرُ أُودعه
فليَحيَ في ضفَّةٍ خضراءَ مُزهِرةٍ / وفي خمائلِ وادٍ طابَ مَرتَعه
وفي الصّخور التي تحنو عليكِ وفي / صنوبرٍ زَادني وَجداً تَخَشُّعه
وفي هديرِ صَدى الضفّاتِ ردَّدَه / والغصنُ مُدَّت لضّم الغصنِ أذرعه
وفي نسيمٍ لهُ في الدَّوحِ هَينمةٌ / كأنها لحنُ تَطريبٍ نُوقِّعه
وفي ضياءٍ على ماءٍ يُفَضّضُ ما / شَجا من الكوكبِ الدريِّ مطلعه
فالرّيحُ إن زَفَرت في رَوضةٍ نضرت / ومالَ بالقصَبِ الشّاكي تلوُّعه
وإن سَرى أرَجٌ تحيا به مُهَجٌ / فأنعَشَ السّاهرَ العاني تَضوُّعه
ليسمعِ الناسُ صَوتاً هاتفاً أبداً / في ليلِ حبٍّ خليُّ البالِ يَهجَعه
لقد أحبَّا فما طالَ اجتماعُهُما / والحبُّ إن زالَ أبكى العينَ موضِعه
حريَّةُ الشعبِ بينَ السيفِ والعلمِ
حريَّةُ الشعبِ بينَ السيفِ والعلمِ / وقوةُ النفسِ بين الدَّمع والألمِ
وفي الشدائدِ والثوراتِ بان لنا / فضلُ الرجال ذوي الأفكارِ والهمم
إنَّ النوابغ أبناءُ التجاربِ في / كلِّ العصورِ التي انشَقَّت لضَربهم
يا حبَّذا أمةٌ تَشقى بثورَتِها / حتى تفوزَ بما ترجو من النعم
كما نرى الشَّمسَ بعد الغيمِ ساطعةً / والأرضَ خضراءَ بعد الثّلجِ والديم
في وَحشَةِ الليلِ تهدينا وتؤنِسُنا / أَشعَّةُ الكَوكبِ السيّارِ في الظُّلم
وفي الكَوارثِ آمالٌ مُزَخرَفةٌ / تُشدِّدُ العَزمَ عند اليأسِ والسأم
كأنها كلماتُ العدلِ مُنعِشَةً / للضّعفِ أو بسماتُ اللهِ للنَّدَم
مرُّ الشَّقاءِ الذي يهدي النفوسَ حَكى / مرَّ الدواءِ الذي يَشفي من السَّقم
إنَّ المرارةَ في الحالينِ نافعةٌ / للجسمِ والنفسِ فلنشرب ولا نلم
أحَبُّ شيءٍ إِلى نفسي التي انبَثقَت / من الشّذا والنّدى والرّعدِ والحِمم
تفتيحُ قلبٍ شقيٍّ للنَّعيمِ كما / تَفَتّحت زَهرةٌ للنُّورِ والنَّسَم
والنًّفخُ في قلبِ شعبٍ نام في كَفَنٍ / حتى يهبَّ إِلى العلياءِ والعظم
يا شعبَ لبنانَ يا شعباً أُمجِّدُه / يا منبعَ العَقلِ والإصلاحِ والكرم
يا شعبَ لبنان يا نسلَ الأُلى ضَرَبوا / بالمشرفيَّةِ هامَ الجَحفَلِ اللَّهمِ
يا شعبَ لبنانَ يا نسَلَ الأُلى غَضِبوا / فأطلعوا الشَّمسَ من أَغمادِ بِيضِهم
يا شعبَ لبنانَ يا نسلَ الألى امتَنَعوا / مثلَ الشَّواهينِ في أعلى جبالِهم
يا شعبَ لبنانَ يا نسلَ الألى عُرفوا / بالماردينَ وقد عَزُّوا ببأسهم
يا شعبَ لبنان يا نسلَ الألى سقَطوا / على أكاليلِ غارٍ في حروبهم
هلَّا اندَفعتَ إِلى العلياءِ مقتفياً / آثارَهم آخذا يوماً بثأرهم
هلَّا عَلمتَ وفي الأرزاءِ مَوعِظةٌ / أنَّ الضياغِمَ ترعى اليومَ كالغنم
الشعبُ كالفردِ في كلِّ الأمورِ لئن / يَقنع بأوهامِهِ يُسرع إِلى الهرَم
من حكَّم القلبَ يُدرِكهُ الشقاءُ ومن / يحكّمِ العَقلَ يحمد حِكمةَ الحِكم
إِلى السعادةِ تهدينا الحقيقةُ إذ / بالوَهم تَفنى حياةُ العاجزِ البرم
تقدَّمنّ وكن باللهِ ذا ثِقَةٍ / واسترجعنَّ سليبَ الأرضِ بالقدم
واستَعذبِنَّ المنايا وامشينَّ على / ميَّادةِ الأرضِ أو خفاقةِ النجم
ومزِّقنَّ العدى في هَولِ معركةٍ / والخيلُ صهّالةٌ قطّاعةُ اللُّجُم
وبدِّلنَّ مِنَ الحالاتِ أتعَسها / لأنّ عيشَتَنا نوعٌ من العدم
لو كنتَ تَعلمُ ما معنى الحياةِ وما / في طاقةِ الشَّعب لم تَقنَط ولم تنَم
الشَّعبُ ما الشَّعبُ إن ثارت خَواطِرُهُ / ومنهُ زَمجرةُ الآسادِ في الأجَم
روح العليِّ على الظلّام غاضبةٌ / تطهّر الأرض بالأهوال والنقم
الشعب ما الشّعبُ غيمٌ فيهِ صاعِقةٌ / تَنقَضُّ حاملةً للرّعدِ والضَّرَم
الشّعبُ ما الشَّعبُ بحرٌ كلّهُ زبدٌ / والموجُ ما بينَ هدَّارٍ ومُلتَطِم
يا هازئينَ بشعبٍ مُفعَمٍ أملاً / وضاحكينَ لدمعٍ منه مُنسَجِم
بعد الشكاوى التي أفنَت مدامِعَنا / سَتسمعونا وإن كنتم ذوي صَمَم
ما ذنبُنا عِندَكم إِلا هوى وطنٍ / يَشقى بكم فاحتَموا بالمكر والتِّهم
نَشكو ونطلُبُ إصلاحاً لأمَّتِنا / فتُشبِعونا مِنَ التّعليلِ والكَلم
من ضعفِنا قد أخَذتم كلَّ قوَّتِكم / وما أقمتم على عهدٍ ولا ذمم
فكم تُضَحُّونَ مِنّا حائمين على / تلكَ الضحيّاتِ كالغُربان والرّخم
واللهِ واللهِ لو كنّا ذوي أنفٍ / لما ترَكنا جداراً غيرَ مُنهدِم
ولا تركنا حِجاباً غيرَ مُنمزقٍ / ولا تركنا حُساما غيرَ مُنثَلم
لنا حُقوقٌ وثاراتٌ نُذكِّرُها / أَبناءنا ونُبَكِّيهم على الرّمم
والربُّ يشهد والأملاكُ ساخطةٌ / ترمي عداة الهدى بالرعبِ والبكم
سنطلبُ الحقَّ يوماً بالسُيوفِ فلا / نرتدُّ حتى نُروِّيها من اللمم
لبنانُ باللهِ يا لبنانُ كم وَلدٍ / في القربِ مُضطَهدٍ في البُعدِ متّهم
يَصبو إليكَ ويَشكو في النّوى ألماً / ورِزقُه عرضَةٌ للظالمِ النَّهم
النّفسُ حامت على لبنانَ واحِدةً / وأَيُّ نفسٍ على لبنانَ لم تحُم
والقلبُ هام بواديهِ وغابتهِ / إن الفراشَ بغيرِ الزهرِ لم يَهم
هناكَ رَنّاتُ أجراسٍ طَربتُ لها / هناكَ أهلي الألى أعتزُّ باسمهم
أهوى بلادي وأهوى أُمتي فأنا / أَرجو لتلكَ وهَذي بَطشَ مُنتقم
فهل أرى العَلَم المحبوبَ فوقَهما / لكي أَموتَ فدى ذيَّالِكَ العلم
روحي الفداءُ لأرضٍ كلُّ بهجتِها / في العينِ والقلبِ إن أرحل وإن أَقُم
روحي الفداءُ لقومٍ في محبَّتِهم / أرى المنيَّة عمراً غيرَ مُنصَرم
لقد تَقَسَّمَ قلبي من تقسُّمِهم / لكنّ والله حبّي غيرُ مُنقسم
يا ليتَ أبناءَهم كالأخوةِ اجتَمعوا / على وفاقٍ وعهدٍ غيرِ مُنفَصِم
فللبنينَ سلامٌ في منازِلهم / وللجدودِ سلامٌ في تُرابهم
إن كان من قَلمي في حبِّهم ألمي / يا حبّذا الألمُ الآتي من القلم
أو كان شِعري ونثري نافعَينِ لهم / ضحَّيتُ قلبي فنالوا منهُ بالقسم
هل الضحيةُ للأحبابِ نافعةٌ / وهم مضحُّون للدجّالِ والصّنم
نعمَ النصيبُ نصيبي فهو لي شرفٌ / إني لراضٍ شقائي في نعيمِهم
عليَّ إتمامُ أمرٍ قد خُلقتُ لهُ / لأنني خادمٌ من جملة الخدم
إني أُحِبّ بني أُمّي ولو ظلموا / فلذَّةُ الصَّفح تأتي من ذنوبهم
الحبُّ والبعدُ والبلوى تُقرِّبهم / إِلى فؤادي فكفِّي في أكفِّهم
أنا المُذيبُ اختياراً في محبَّتِهم / قلباً يطيرُ خَفيفاً عندَ ذكرهم
فيهِ العواطفُ والآمالُ مُزبدةٌ / كأنها الموجُ لطّاماً لرملهِم
تعَشَّقَ النورَ حتى بتُّ أحسَبُهُ / معلَّقاً بشُعاعٍ من نُجُومِهم
وجاور الوردَ حتى فاحَ منهُ شذاً / نشَقتُهُ في شبابي من جِنانِهم
وهزَّهُ الطربُ الأعلى فأسمعني / ألحانَ مجدٍ وحبٍّ من غنائهم
هذا الفؤادُ الكثيرُ الهمِّ يحمِلُهُ / فتى غريبٌ يرى النُّعمى بقُربهِم
جابَ البلادَ وخاض البحرَ مُبتسماً / وظلّ يخفي جُروحاً من شقائهم
أرواحَ أَجدادِنا الأبناءُ قد ضَعفوا / فصّيري الدّم ناراً في عُروقهم
أرواحَ أجدادِنا هل أنتِ سامِعةٌ / شكوى البنينَ على أطلالِ أرضِهم
قد خُضِّبت بدماءٍ منكِ طاهرةٍ / واليومَ تُسقى البقايا من دُمُوعهم
ففي اللّيالي عليها أنتِ نائحةٌ / ونحنُ مُنهزمٌ في إثر مُنهزم
يبكي على بعضِنا بعضٌ بلا أملٍ / وتلكَ قِسمتُنا من سالفِ القدم
فليسَ أُمتنا أُمّاً تجمِّعنا / وليسَ إخوتُنا فيها ذوي رَحم
إذا وقفنا وأسمَعنا بلا وَجلٍ / زئيرنا أسمعوا صَيحاتِ يأسِهم
قِفوا بني أمِّ نُسمِع ربَّنا قَسماً / على القبورِ لعلَّ الخيرَ في القَسم
لعلَّ ذكرى من الأجدادِ تُرشِدُنا / إنّ العظائمَ في بالي عِظامهِم
في ذِمّةِ الله أجداثٌ مقدَّسةٌ / فيها الجدودُ رقودٌ في دُروعهِم
ضمّت جوانحَهم تلكَ الدروعُ وقد / ضاقت عليها فضَاقَت عن قُلوبهم
فنحنُ نخطرُ في أثوابِ ذلَّتنا / وهم ينامونَ في أكفانِ مجدهِم
إنّ القصورَ التي بِتنا نشيِّدُها / حقيرةٌ عندَ قبرٍ من قُبورِهم
فليتَ أجداثَهم تنشَقُّ ساطِعةً / لكي تُرينا ضِياءً من ظلامِهم
يا يومَ سادسَ أيلولَ الذي عَذُبتَ / ذكراهُ هل أنتَ إلا ثغرُ مُبتَسم
خلّصتنا من قيودِ الظالمينَ وقد / ذقنا الرّدى والبلايا من سُيوفهم
ما كان أغلاكَ يا يومَ الخلاصِ ولم / نعرِف مقامَكَ دونَ الناسِ كلّهم
يا حبّذا لو دَرى الإخوان أو ذكروا / أنّ الخلاصَ أتاهم بعد ذبحِهم
حُيِّيتَ حُيِّيتَ من يومٍ لأمَّتنا / بأحرفِ النارِ في التّاريخِ مُرتَسِم
لأنتَ حلوٌ ومرٌّ في النفوسِ معاً / فربَّ أكلٍ شهيٍّ جاءَ بالتخم
فكم مَرَرتَ بنا والقومُ قد رَقدوا / كأنهم لن يُفيقوا من سُباتِهم
وكم دَعوتُ وكم ذكّرتُ إخوتَنا / فما أحبّوا شفاءً من جُروحِهم
ولم يرنَّ دعاءٌ منكَ في أُذُنِ / ولم يدُرِ لكَ ذكرٌ طيِّبٌ بفَم
طَرقتَ أبوابَهم تُلقي السلامَ فما / رَدّوا السلامَ ولا بشّوا لضَيفِهم
هل بعد هذا نرجِّي منكَ صالحةً / لهم ونرقُبُ نجماً في سمائهم
فكم نفَخنا وقال الشّامتونَ بنا / هَذي القلوبُ كثلجٍ غيرِ مُضطرم
للهِ كم فيكَ من ذكرى ومن عظةٍ / لأمةٍ حيّةٍ تمشي مع الأمم
وما أقلّكَ تذكيراً ومنفعةً / لأمةٍ بُليت بالعقمِ والوَرَم
لطالما في بلاياها رأت عِبراً / وقلبُها مُغلقٌ للوَعظِ والحِكم
يا بنتَ لبنانَ يا بنتَ الحرائر يا / بنتَ الكرامِ وأختَ الطاهري الشّيم
أنتِ المفدّاةُ إن راعتكِ نائبةٌ / من إخوةٍ كلُّهم أبطالُ مصطدم
والناسُ من شدَّةِ الإعجابِ هاتِفةٌ / هذي القدودُ رماحٌ من جُدودِهم
ويركَبونَ إِلى الجلَّى سَوابقَهم / تِلكَ السوابقُ لم تُربط لِغَيرِهم
ويشبهونَ وهم في صدرِ مجلِسِهم / حباتِ عقدٍ يُحَلّي جيدَ أُختِهم
أنتِ المفدّاةُ من فتيانِ أُمتنا / فتيانِ صدقٍ وعزمٍ في جهادهم
مُستبسِلينَ دِفاعاً عن مبادئهم / مُستَهزئين ببلواهم ومَوتهم
ومُضرمينَ لهيباً من عواطِفِهم / ومُطلعينَ ضياءً من ذكائهم
ومُرهِفينَ صِفاحاً من صَحائِفهم / ومُسمِعين قَصيفاً من صياحِهم
لئن يَعيشوا فرجِّي من عزائِمهم / أمراً يؤخِّرهُ تَفريقُ شملِهم
وإن يموتوا فقُولي ليتَهم خلدُوا / وابكي على زَهراتٍ من شبابهم
قِفي على الشاطئِ المسقيّ من دمِهم / ودمعِهم وارقبي أيامَ عودِهم
قفي هنالكَ فوقَ الرّملِ باكيةً / ونشّقيهم عَبيراً من حُقولهم
وذكِّريهم من الأيامِ أجمَلَها / لعلّ في الذّكر تشديداً لعَزمهم
نوحي كعصفورةٍ أفراخُها نزَحت / نَوحاً تقابلهُ الأملاكُ بالنّغَم
ورجّعيه لعلّ اللهَ يرحمُنا / فالجرحُ يا هندُ جرحٌ غيرُ مُلتئم
والخطبُ واللهِ خَطبٌ فوقَ طاقتِنا / ودَمعُنا فيهِ دمعٌ غيرُ مُنكتم
إذا رأيتِ نجومَ الليلِ طالعةً / على الدّساكِر والوديان والأكم
قولي هنالكَ أَحبابٌ يؤرّقُهم / تذكارُ أرضٍ نأوا عَنها لكبرهم
حيّا الغمامُ بلاداً أنتِ بَهجتُها / والقبحُ منها جمالٌ في عيونِهم
ألقوا عليها رداءً في شقاوتِها / فهل أرقُّ شعوراً من نفوسهم
ليت المقيمين مثلُ الحاضرينَ هنا / وليتَهم فعلوا شيئاً لخيرِهم
وليتَهم أسمعونا من هُناكَ صدى / لِكي نقوِّي هُنا آمالَنا بهم
صِيحي بهم صَيحةً في الأرضِ داويةً / عَساهُمُ أن يهبّوا من خمولهم
النّازحونَ أعزّ اللهُ غُربَتَهم / يُحيونَ بينَ الورى تذكارَ عِيدهم
فأسمِعيهم أغانيَّ الحِمى وخُذي / نهارَ سَعدِكِ من أنوارِ ليلهِم
تذكَّريهم وموج البحر ملتطمٌ / كأن فيه رنيناً من عويلهم
تذكّريهم وريحُ الشرقِ نافخةٌ / كأنها زفراتٌ من صُدورِهم
تذكّريهم وطيرُ الغَربِ راحلةٌ / وفي تغاريدِها ما في حَنينهم
تذكّريهم وشمسُ الصّيفِ طالعةٌ / وفي أشعَّتها من حرّ شوقِهم
تذكّريهم ودَمعُ الطلِّ منتثرٌ / وفيهِ بردٌ وأنسٌ من سَلامِهم
هُمُ الأحِبَّةُ إن غابوا وإن حَضرُوا / فابكي عليهم وذُوبي من فراقِهم
شَقوا وطالت بلا سلوى شَقاوتُهم / ورُبّما كفَروا يأساً بربِّهم
خيرُ القلوبِ قلوبٌ في جوانِحهم / وأَصدَقُ الدَّمعِ يجرِي من جُفونهم
فللملائكِ لطفٌ من شمائلهم / وللخمائل نضرٌ من سَخائِهم
حيِّي نساءً شريفاتٍ حَملنَ لنا / نورَ الرّجاء فجلَّى ظُلمةَ الغمم
هنَّ الكواكبُ في ليلِ البعادِ فلا / يضجرن في الخير والإحسان من نعم
فعانقي الأخواتِ الآمناتِ هنا / مثلَ الحمام الذي يأوي إلى الحرَم
حيِّي رجالاً بأهوالِ النّوى هزأُوا / مُستَعذِبينَ الرّدى من أجلِ أَهلِهم
طارُوا نُسوراً وحيُّوا الشمسَ طالعةً / وعزَّزوا وُكُناتٍ من فِراخِهم
تشُوقُهم أبداً تلكَ الربوعُ ولا / يرونَ فيها سوى أَقفاصِ أسرهم
خُذي دُموعي وأشعاري فكم ذِكرٍ / ما بينَ مُنتَثرٍ مِنها ومُنتَظِم
خُذي شُعوري خُذي قلبي خُذي مَعهُ / صدقَ الوَدادِ فغيرُ الصّدقِ لم يَدُم
خُذي رجائي خُذي شوقي خُذي ألمي / خُذي بُكائي على قومي وحالِهم
فيها هديرٌ من الوادي وهينَمةٌ / من النّسيمِ وعطرٌ من رَبيعهم
فيها ندى اللّيلِ فيها نوحةٌ عَذُبت / من الصّنوبرِ فيها نورُ شمسِهم
فيها هَواهم وذكراهم وبلوَتُهم / فيها رجاءٌ ومجدٌ من نُهوضهم
ورجِّعيها تحيّاتٍ مُقَسَّمةً / على البنينَ الألى برّوا بأمِّهم
فيمزجونَ إذا عاشوا على أَملٍ / دَمعاً بدَمعٍ وإن ماتوا دَماً بدَم
من غصنِ قلبكِ زهرُ الحبّ ينتثرُ
من غصنِ قلبكِ زهرُ الحبّ ينتثرُ / أليسَ لي بعدَهُ ظلٌّ ولا ثمرُ
لئن يكن ماؤه قد جفَّ أنضَرَهُ / دَمعي فوَجداً على الأغصان ينهمر
ولّى الشتاءُ وريحُ الغربِ راكدةٌ / هذا الربيعُ وهذا العشبُ والزهَر
ما كنتُ أبسمُ للدنيا وبهجَتِها / لولا محيّاً عليهِ يطلع القمر
فأطلعيهِ على كربي ليؤنِسَني / فالغيمُ تحتَ ضياءِ البدرِ ينتشر
وعلِّليني بآمالٍ مزخرفةٍ / وصافِحيني ليبقى في يَدي أثر
إن السرورَ قليلٌ فاغنَمي فرصاً / يلذُّ فيها الهوى والكأسُ والوتر
كثيرةٌ هي أحزانُ القلوبِ أما / رأيتِ كيفَ كؤوسُ الشّربِ تنكسر
اليومُ لي فتعالي نَقتسِم فرَحاً / فالدَّهرُ يا ميُّ لا يُبقي ولا يَذَر
الطيرُ يشدو إذا لاحَ الصباحُ لهُ / والزّهرُ ينمو إذا ما جاده المطر
فامشي على الزَّهرِ ما دامَ الربيعُ لنا / حيث النسيمُ عليلٌ طاهرٌ عَطِر
وارضي بما لجميعِ الناسِ فيه رِضاً / ولا تكوني مَلاكاً إننا بشر
العينُ تدمعُ من حزنٍ ومن ضحكٍ / دَعي الهمومَ فماذا ينفعُ الكدر
إني ذكرتكِ تحتَ الزّهرِ ساطعةً / كأنها عقدُكِ الدريِّ ينتثر
فكاد حبُّكِ يُبكيني وأرّقني / شوقي إليكِ فلذَّ الدمعُ والسهر
فهل تذكَّرتِ يا حسناءُ ليلَتَنا / حيثُ الصّبابةُ سحرٌ رقيُهُ السَحر
إلى الثريّا رَفعتِ الكفَّ قائلةً / اذكر فما العيشُ إلا الحبُّ والذكر
إذاً تعالي إلى اللذّاتِ ذاكرةً / ما مرَّ منها ففي الذكرى لنا عِبر
الكونُ أنتِ فكوني لي أعُد ملكاً / يقولُ بين يديّ الأرضُ تنحصِر
هيّجتِ من أبلغِ اللذّات أذكارا
هيّجتِ من أبلغِ اللذّات أذكارا / لما هَتَكتِ من الأسرارِ أستارا
يا وردةً أزهرت مَيلاءَ ناضرةً / تشتاقُ طَلّاً وهبّاتٍ وأنوارا
هذا القوامُ كغصنٍ رفَّ مُنتثراً / والحسنُ أصبَحَ في خدَّيكِ آثارا
لكنّ عينكِ لم تفقد حلاوتها / والقلبُ تحتَ رَمادٍ لم يزل نارا
لهيبُهُ لاحَ فيها فالتَظَت كبدي / لا بِدع إن أشكُ إحراقاً وإحرارا
أذبَلتِ حسنَك بالإهمال غافلةً / فبتُّ أُكسِبُهُ باللّمسِ إنضارا
حرارتي أرجَعَت ماضي حرارتِه / حتى أرَيتُكِ في أيلولَ أيارا
الحبُّ ماويةٌ للقلبِ تُنضِرهُ / فالقلبُ كالغصنِ إيراقاً وإزهارا
إني أُحبُّ من الأزهارِ أجمَلها / لأجلِ وجهٍ يُريني الحسنَ أطوارا
أحبب بحمرتِه مِن بعد صفرتِهِ / إذا التقينا فخفتِ الأهلَ والجارا
أو الرقيبَ الذي يمشي على مهلٍ / كي لا يُنفّرَ في التَّنقير أطيارا
سميةَ الجَوهرِ الأغلى التي انفردت / فقتِ النساءَ وهذا فاقَ أحجارا
تباركَ اللهُ في وجهٍ هُديتُ بهِ / كان الرضيَّ وقلبي كان مِهيارا
الخدُّ مزهرةٌ والثغرُ معطرةٌ / هل كان جدُّك عطّاراً وزَهّارا
لما تنفَّستِ عطّرتِ الصَّبا أُصُلاً / ولم تكوني بغيرِ الثّغرِ معطارا
جودي بما فيهِ من درٍّ ومن عَسلٍ / للجوهريِّ الذي وافاكِ مشتارا
سعَّرت بالنّبلِ قلباً غيرَ مدَّرعٍ / ولم أكن لأظنَّ الطَّرفَ أسوارا
أوتيتِ نصراً وهذا الحبُّ معركةٌ / لكِ الهناءُ فقد أخضعتِ جبّارا
أزَنبقٌ كفُّكِ البيضاءُ فالعبقُ
أزَنبقٌ كفُّكِ البيضاءُ فالعبقُ / يفوحُ منها على كفِّي فأنتَشِقُ
أم ياسمينٌ ووردٌ في الحديقة أم / في الكمِّ زهرةُ فلٍّ حولها الورق
كأنها مخملٌ زانتهُ نمنمةٌ / أو نورُ بدرٍ حلا في ليلهِ الأرق
أو باقةٌ تجمعُ الأزهارَ عقدتُها / كدملجٍ مثل قلبي عندَهُ قَلق
وفي أصابعها ماسٌ كدمعِ ندَى / على غصونٍ لمرِّ الريحِ تعتنق
تِلكَ الأصابعُ كالبلَّورِ صافيةٌ / يكادُ منها نميرُ الماءِ يَندفِق
وكاللآلئِ والمرجان أنمُلُها / فليسَ يحملُ عقداً مثلها العنق
بياضُ راحتكِ الريّا وحمرتُها / سماءُ صيفٍ عليها يحسنُ الشَّفَق
وضَعتِها فوقَ خصرٍ سالَ جدولُهُ / في بحرِ ردف عليه يختشى الغرق
فقلت ليت لكفي ما لكفك من / خصرٍ دقيقٍ عليهِ هزَّني الفرق
إذاً لكانَ لهُ في ضعفهِ سندٌ / فإنما العقدُ من زنّارِهِ مَلق
كأنَّ كفَّكِ بالأوتارِ عابثةً / جناحُ عصفورةٍ في الرَّوضِ تنطلق
لمّا سألتُكِ أن أحيا بقُبلتِها / أجَبتني من لظى الأنفاسِ تحترق
فقلتُ قطَّرتُ دَمعي كي يبرِّدَها / وإن يجفَّ عليها تقطرُ الحدق
الكونُ بالطّيبِ والأنوارِ حيّاكِ
الكونُ بالطّيبِ والأنوارِ حيّاكِ / لمّا تَبَلَّجَ من سجفٍ مُحيّاكِ
أيأخُذُ النورَ والأطيابَ منكِ لنا / أم مِنهُ نورُكِ يا ليلى وريّاك
يا طَلعةَ البدرِ يا طيفَ الملاكِ ويا / زهرَ الربيعِ ويا زهراءَ أفلاك
قلبي سماءٌ وجنَّاتٌ مُزَخرَفةٌ / إن تطلعي فوقَهُ من علو مَغناك
أوِ الوساد الذي بلقيسُ قد جَلسَت / عليهِ ما بينَ أجنادٍ وأملاك
لما طلعتِ على عرشِ الهوى سَحَراً / وخرَّ قلبي صَريعاً عندَ مرآك
وقبّلَ الأرضَ كي تحني عليَّ فمِي / وبلَّ ذيلك جفنٌ خاشعٌ باك
عبدتُ من دَهشتي في هَيكلٍ وثناً / وقد دَعتني إلى الإشراكِ عيناك
هل تذكرينَ من الأسمارِ أطيَبها / حيثُ الأزاهرُ شوقاً فاغمت فاكِ
وكنتُ أُنشِدُ شِعراً فيكِ أنظمُهُ / باللهِ قولي أذاكَ الشّعرُ أرضاك
إنشادُهُ كادَ يُبكيني على جَلدي / فهل تذكُّرُهُ في الخِدرِ أبكاك
تِلكَ العواطفُ والأزهارُ قد ذبلت / والقلبُ يحفظُ ريّاها وذكراك
قد كان مرآكِ لي أنساً وتَعزيةً / واليومَ تُؤنِسُني في النَّومِ رؤياك
صبراً على حورِ العَينين والدّعجِ
صبراً على حورِ العَينين والدّعجِ / لا بدَّ من فرجٍ يأتيكَ من فلج
هذي المليكةُ فاحذَر سيفَ نقمتِها / فأنتَ من حُبِّها في موقفٍ حَرج
دَعِ الشَّكاوى ولا تلجأ الى حججٍ / فللمليكةِ إعراضٌ عن الحجج
في مطلقِ الحكم لا دَعوى ولا جدلٌ / ولا دِفاعٌ فقل يا أزمَة انفَرجي
واطلب مراحِمَها تأمَن مظالمَها / وما عَليكَ إذا استَسلمتَ من حرج
صدقتَ فاسمع حَديثي عن مخدَّرةٍ / عَشِقتُها حينَ لاحت لي على الدَّرَج
بيضاءُ طلعتُها بيضاءُ حلَّتها / بيضاءُ كلَّتُها في منزلٍ بَهِج
كأنها البَدرُ فوقَ التلِّ مُرتفعاً / يَجلو الغمامَ وتَجلو الغمَّ عن مُهَج
وبين أنمُلِها غصنٌ حكى فنَناً / مِنَ الحمامةِ للتَّبشيرِ بالفَرَج
لما رَنوتُ إليها وابتسَمتُ لها / قالت أتسرُقُ من حُسني ومن أرجي
فقلتُ شيَّعتُ قلبي حينَ فارَقني / بمُقلتيَّ وما في العذرِ من عَوَج
قالت بدَمعِكَ طهِّر مُقلتيكَ ولا / تنظُر إليَّ فما الغدرانُ كاللّجج
الحبُّ علَّمني ما لذَّة الأرقِ
الحبُّ علَّمني ما لذَّة الأرقِ / تحتَ الغصونِ التي تلتفُّ بالوَرقِ
لا آلفَ النومُ أجفاناً على سمرٍ / سَل القلوبَ من الأفواهِ والحَدَق
يا حبَّذا ليلةٌ أرخَت ستائرها / على المنازلِ والجنَّاتِ والطُّرُق
كنَّا نبوحُ بأسرارٍ وتَكتُمُها / ونحنُ في الروضِ كالنجمينِ في الأُفق
وللنَّسيم على الأغصانِ هَينَمَةٌ / وهي التحيَّةُ بالأزهارِ والعبق
لَهت بشعري يَداها مدَّةً ويَدي / تلهو بخاتمها والعقدِ والحلق
حتى اعتَنَقنا فأغضَت طَرفها خَجَلاً / من النجومِ التي ترنو من الغَسَقِ
ظَلت معانِقَتي حتى إذا غمضت / أجفانها وسَناً أغفَت على عنُقي
فبتُّ أحبسُ أنفاسي وأنشقُ من / أنفاسِها مسكناً ما بي من القلق
ما كان أسعدَني في ضمِّها أبداً / بينَ الذراعينِ لولا طلعةُ الفلق
فقمت أسحبُ أذيالاً مبلَّلةً / من النّدى ومُوَشَّاةً مِنَ الشَّفَق
وقُلتُ يا أيُّها النوّامُ أرحَمُكم / هلا عَشِقتُم وذقتم لذَّةَ الأرق
هذا المُحيَّا عليهِ أشرَقَ النورُ
هذا المُحيَّا عليهِ أشرَقَ النورُ / فنوَّرَ الزَّهرُ فيهِ وهو ممطورُ
لكنَّهُ جنَّةٌ لا يُجتَنى زهرٌ / مِنها لأنَّ سياجَ الشَّعرِ مضفور
إن جئتُ أجنيه أو أسقيه روَّعني / سيفٌ من العينِ فيهِ النارُ والنور
ما زلتُ في حبِّها أرتدُّ مندحراً / وكيفَ أظفرُ والسفّاحُ منصور
في غصنِ قامتِها ما شئتُ من ثمرٍ / فليتَ قلبي على الأثمارِ عصفور
عيناكِ بلّلتا خَدَّيكِ فارتسمت / لي وردةٌ أزهرت والطلُّ منثور
فأمطري الوردَ في خدَّيكِ حاجَتَهُ / من مزنِ عينيكِ فالإحسانُ مشكور
يا ليلةَ الحبِّ أغري الغيمَ بالقمرِ
يا ليلةَ الحبِّ أغري الغيمَ بالقمرِ / وأسبلي فوقنا ستراً من الشَّجر
لسنا نهمُّ بما تأباهُ عفَّتُنا / لكنّنا نختشي ريباً من النظر
حبيبةَ القلبِ ما أحلاكِ ساهرةً / والأرضُ قد نوّرتها طلعةُ القمر
لا بل مُحيّاكِ إذ لولاهُ لا قمرٌ / يَحلو وما التَذَّتِ الأجفانُ بالسهر
لا تَجزَعي فحياةُ المرءِ ماضيةٌ / إمّا على فرحٍ في الحبِّ أو كدر
ضَعي على عُنُقي رأساً بهِ اجتَمَعَت / كلُّ المحاسنِ من نورٍ ومن زهر
يا جنَّةَ الحسن حرُّ الصيفِ أمحلَكِ
يا جنَّةَ الحسن حرُّ الصيفِ أمحلَكِ / وقامةَ الغصنِ ضمُّ الطيفِ أنحلكِ
الدهرُ قبلَ اشتِفاءِ النفسِ رَحَّلني / حتى إذا عدتُ أرجو الوصلَ رحَّلك
أكحّلتكِ التي ربّتكِ ناعمةً / أَم الغزالُ الذي رَبَّيتِ كحّلك
أرخي النقابَ فنعمايَ الحنينُ إلى / ذَيَّالِكَ الفلكِ البادي من الحَلك
الحبُّ ما كان إيثاراً وتفديةً / يهنئكِ إن شحَّ لي دَمعي وسَحَّ لك
من حمرةِ الوردِ أم من حمرةِ الخجلِ
من حمرةِ الوردِ أم من حمرةِ الخجلِ / هذا المقبّلُ بين الشوقِ والوجَل
قولي أخِفَّةُ هذا المشي في خفرٍ / من طفرةِ الظَّبي أم من دَرجةِ الحجل
لا تعجَبي إن غزلتُ اللطفَ من غَزَلي / إني لآخذُ أشعاري من الزَّجل
ما جئتُ ألمسُ كفّاً أو أُقَبِّلها / إلا رأيتُ عَليها زلةَ العجل
الحبُّ في الوصلِ لذاتٌ لها أجَلٌ / وفي التَّشوُّقِ لذاتٌ بلا أجَل

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025