القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : حسن الطّويراني الكل
المجموع : 201
كُل العَوالم مَهما سر أَو ساءَ
كُل العَوالم مَهما سر أَو ساءَ / فَلَيسَ إِلاك يَقضى كُلَّ ما شاءَ
نَرى الحَوادث بُرهاناً عَليك فَما / تَنفكُّ تشكر من جَدواك آلاءَ
شَيَّأتَ ما شئته من منشأ عدمٍ / جعلته لشموس الحَق أَفياء
لِذاك أَصبحت الأَكوان شاهِدَةً / بالحق للخلق في المَعنى أَدلّاء
أَخفيت جَوهر كَونٍ ذاتُه عَرضٌ / إلا على كُنهِ كُنهٍ عَزَّ إخَفاء
فَمَن هديتَ اِهتَدى أَو لا فَلا عَجَبٌ / أن لَيسَ يَدري بسر الذات أَسماء
قَد يَهتدي بِنُجوم اللَيل ذُو بَصَرٍ / وَقَد يَضل ضياء الشَمس عَمياء
تُدني وَتُقصي بِأَقدارٍ مقدّرة / كَتبتها أَنتَ إِبداعاً وَإِنشاء
جَعلتَني بَشَراً لا النفس طائِعتي / وَلَستُ أَعصي لَها في الغَي أَهواء
جِسمي وَرُوحي غَيري مَن أَنا فَأَنا / أَبغي سِوى العَجز إطراباً وَإِطراء
يا مالكَ الرُوح يُشقيها وَيُسعدها / وَحافظ الجسم إفناء وَإبقاء
أَوجَدت مِن عَدمٍ رُوحي وَكُنت لَها / أَوقاتَ لَم أَدر فيها الطين وَالماء
مَتَّعتني في صَفاء القُدس مُنفَرِداً / مطهَّراً لَم أَخَف رجساً وَبأساء
يا طيب ذا العَهد أذ روحٌ مجردة / لَم تَحتبس بِحَواسٍ صرنَ أَعداء
إِذ جانبُ القُربِ بِالإِيناس يُطربنا / لَم نَدر آدم إِذ يستجلي حَواء
كانَت مَواطنَ صَفو لا يكدرها / هَمُّ السوى وَيَروق الكل أَجزاء
كُن لي إلهى كَما قَد كُنت لي قِدَماً / وَأَهدني سبلاً للرُشد فَيحاء
خَرَجت مِنها وَلا ذَنبٌ أَحاذره / وَها أَعود لَها حُمِّلت أَسواء
فاقبل عَلى مُقبلٍ بِالذلِّ معترفٍ / بِالعَجز ملتمسٍ بِالبُؤس نعماء
وَاغفر ذنوباً إِذا لَم تُغتَفَر فَضحت / فَسوّدت مِن جَمال الستر بَيضاء
وَارحم فَتىً طالَما لذَّ الهيامُ لَهُ / فَذلَّ عَن بابك العالي وَقَد جاء
لا تجعلنّي إلهي عِندَما اِكتسبت / نَفسي فَقَد كسبت كَفّاي ما ساء
وَكُن لعقبى عُبَيد أَنت كُنت لَهُ / مِن قَبل أَن تَجعَل الأَشياء أَشياء
وَاجعل شفاعة خَير الخَلق ناصرَه / لديك إن أَعوز العز الأَذلاء
وَصلِّ رَبي عَلَيهِ كلما ابتسمت / ثُغور زَهرٍ فَهاج النوحُ وَرقاء
ما العلم ما الفضل ما الأَذواق ما الأَدبُ
ما العلم ما الفضل ما الأَذواق ما الأَدبُ / ما الحلم ما الرُشد ما الأَوراق ما الكُتبُ
ما الكَون ما العالم الأَقصى لعالمه / ما الستر ما السر ما الإِخفاء ما الحجب
ما الكل إلا شهود قال قائلها / اللَه لا غيره إِذ غَيرُه كَذب
تكفّل الرزق بَعد الخَلق مِن عَدمٍ / فَما الرُكونُ لِغَير اللَه وَالتَعب
أَحيى أَماتَ بآجال مقدرة / وَإِن تَكُن بينها عِندَ الخفا نَسَب
أَغنى وَأَقنى فَلا ذو الجد يَنفعه / جدٌّ وَلَيسَ يَردُّ الواقعَ السَبب
طوبى لعبد رَأى عَين اليقين فَلا / يُقصيه عَن حسنها لَهوٌ وَلا لعب
رعياً لعين رَأَت ما شاقَها حكماً / دَلّت عَلَيهِ فَأَمسَت وَهي تَرتقب
سَقياً لِنفس درت مَعنى حقيقتها / فَأَخلصت حثَّها المسعى كَما يَجب
بُشرى لهَينٍ يَرى أنَّ الهَوان هَوى / فَبات تَدنو أَمانيه وَيَقترب
يا رَب كَم ليَ مِن ذَنب وَسَيئة / ملّ الكِرام وَملَّت حملَها الكُتب
نَفسي عَليّ جنت كَفي التي اِكتسبت / فَمن أَلوم وَبي مني ليَ الحَرب
جَواهر العُمر زالَت في رَجا عَرضٍ / فَما لَهُ عوضٌ يرجى فَيُكتَسب
فَما جَوابيَ إِن قيل السؤال غَدا / وَكَيفَ أَرجو الرضا إِن هالَني الغَضب
إِن المَسَرّة في الأَيام محزنة / وَفي السَلامة إِن فات التُقى عَطب
فَيا مجيباً لِمَن ناداه ملتجئاً / وَيا قريباً لِمَن أَودَت بِهِ الكرب
وَيا رَحيماً بِمَن يخشى عقوبتَه / وَيا رؤوفاً بِمَن يَبكي وَيَنتحب
أَقل عثاريَ واقبَل توبَتي فَعَسى / يَطيب عَيش غَدا بالعُمر يُنتَهب
فَما اتخذت سِواك الدَهر معتمداً / وَما دَهَت عفّتي الأَتراك وَالعرب
وَلا رَجَوت سِوى المُختار مِن مضر / لَديك يَشفَع لي إِن غالَت النوب
فاجعله رَب شَفيعي يَوم تسألني / عَما مَضى وَجحيمُ النار يَضطرب
وَصل رَبي عليه ما تلت عُصُرٌ / وَما تَعاقبت الآباد وَالحقب
كَم للمهيمن في الخطوب وِقاية
كَم للمهيمن في الخطوب وِقاية / مِن حَيث لَم يَتحفّظ المتحفظُ
وَلَكَم لَهُ من نعمة في نقمة / مِن دُونها يَتغيَّظ المتغيظُ
حكم يُقرُّ لَها الجحودُ حَقيقةً / لَو أَنَّهُ يَتيقظ المتيقظ
وَالقَول مَعنى في القُلوب وَإِنَّما / عَن بَعضِهِ يَتلفَّظُ المتلفظ
يا رَب أَنتِ الَّذي من شَأنه الكَرَمُ
يا رَب أَنتِ الَّذي من شَأنه الكَرَمُ / عَودّتَنا الخَير نَرجوه وَنغتنمُ
يا رَب كَم لَكِ إِحسانٌ وَكَم لك في / هَذا الوُجود شُؤونٌ كُلُّها حِكَم
يا رَب نَجّيتَ نوحاً في سَفينته / مِن حَيث لا عاصم يَرجوه معتصم
يا رَب نَجيت هوداً بَعدما اِنقطعت / أَسبابه وَجَفاه الرهط والأُمم
يا رَب نَجيت فَضلاً صالحاً فنجا / بصيحةٍ أَفزَعَت للظلم من ظلموا
يا رَب نَجيت إِبراهيم مجتبياً / وَالدَهر مُضطَرب وَالنار تَضطرم
يا رَب نَجيت إِسماعيل حين رَأى / أن لا فداء وَلا ركناً فَيَلتزم
يا رَب نَجيت لُوطاً مِن جَبابرة / خابوا بِما اِجترحوا ذلوا لما اجترموا
يا مَن رددت عَلى يَعقوب أَعينَه / مِن بَعد ما فَنّد اللوّامُ وَاتّهموا
يا مَن رَفعت لِمُوسى البحرَ معجزةً / وَاليمُّ ملتطم وَالقَوم قَد دَهموا
يا مَن عَلى آل داود أَفاضَ عُلاً / رفعتَهم فاغتدوا بِالملك قَد عظُموا
يا مَن أَعدت سليمانَ النبيَّ إِلى ال / ملك العليّ وَقد أَردت بِهِ النِقَم
يا مَن تَقبَّل من ذي النُون جاجته / لما دعاك وَقَد سارَت بِهِ الظلم
يا كاشفَ الضرعن أَيوب حينَ نَأى / أَحبابُه وَجَفاه الخصم وَالحكم
يا مَن جعلت لعيسى في السَّما نُزُلاً / وَالقَوم قَد دمدموا والحزب يَزدحم
يا حافظ المصطفى في الغار مكرمةً / وَقد أَحاطَ العِدا وَاِرتاحت الهِمَم
يا مَن إِذا قُلت يا غفارُ مغفرةً / عزّ الجَناب وَلو زلّت بي القَدَم
يا مَن يرجَّى عَلى يَأس وَفي لَهفٍ / وَمِن يُلاذُ به وَالجاه منعدم
يا مَن يرد عَلى اللهفان لهفتَه / يا مَن يَجود نَدىً إِن ضنّت الديم
يا مَن يَقوم بنصر العاجزين وَقَد / ساءَت ظُنونٌ وَخاب السَيف وَالقَلَم
يا مَن يُقابل بالإِحسان سيئتي / وَمَن عليّ له الإِفضال وَالنعم
يا مَن يقرّبني مِن بابه أَملي / إِن عزَّ ما أَرتجي وَانحلّت الذمم
يا مَن إِذا قُلتُ يا مَولاي خالصة / أَجاب لبيك عِندي الجُود وَالكَرَم
يا مَن إِذا قُلتُ في الظَلماء يا صَمدٌ / فرّج كروبي فَما ركني بِهِ ثلم
يا مَن أَصول عَلى الدُنيا بعزته / فرّجْ فلي أَمل فَرِّحْ فبي أَلَم
بِجاه سيدنا المختار أَحمد مَن / أَدنيتَه مِنك فاعتزت بِهِ الأُمم
ثُمَ الصَلاة عَليه دائِماً أَبداً / لا يَنبغي بَعدَها غايٌ وَمختتم
وآله وَصحابٍ طاب مجدُهمُ / بدينه عملوا مقدار ما علموا
وَاغفر لعبدك وَارحم ذله كَرماً / يا رَب أَنتَ الَّذي مِن شَأنِهِ الكَرم
هوىً إِذا ما تَناهى دَورُه اِبتَدأَ
هوىً إِذا ما تَناهى دَورُه اِبتَدأَ / أَفنى الحَياة وَأَضناني وَما فَتِئا
وَالنَفس إِن جبنت بالغي همّتُها / عَن كَبح زلتها شَيطانها جرأ
عَمّا تَساءل ياذا اللَوم عَن نَبأٍ / وَلَست أَذكر بلقيساً وَلا سَبأَ
فَهَل أَتاكَ بِأَني عَنك في شغلٍ / بِمَن دَنا فَأَصابَ القَلب ثُمَّ نَأى
فَاعذر إِذا حَنَ قَلبي أَو بكى بصري / فَذا هَوى ودَّه الصافي وَذاك رَأى
وَدَع مَلام فَتى كانَت محبته / جبلَّةً وَهوَ في مَهد الهَوى نَشأ
صبٌّ صبا للهوى إِذ كانَ جَوهرُه / مجرداً لَم يَحلّ الكَم وَالحمأَ
أَوقاتَ لا الفلكُ الدوّارُ يَحصرُنا / وَلا الحِجابُ عَلى أَرواحنا طرأ
يا حَبَّذا النشأة الأُولى وَنضرتها / أَيامَ كُنا عَلى أنس الخَفا ملأ
ني لأذكرها يَوماً فيَحزُنُني / قَيدُ المَظاهر أَو تذكار ما اختبأ
كانَت مَواطن قدسٍ لا يدنسها / غيٌّ وَصيقلُ لَوحِ الرُوحِ ما صَدأ
آهاً لها إِذ تَبدّلْنا بِها وَطناً / داراً عليلُ هَواها قلّ ما برأ
أَصبَحت فيها سجينَ الجسم مرتهناً / بِما الحَواس بِهِ تقضيه لي خطأ
يا ويلتا مِن وُجودٍ كلُّه كدرٌ / مَن سار فيهِ عَلى غَرب الظُبى وطئا
كَأَنني فيهِ إِذ أَمّلتُ راحتَه / أَعمى يحاول في دوّ الفَضا رَشأ
لَكن يؤمّن خَوفي أَنني بحمى / خَيرِ البَرية قَد أَصبَحتُ ملتجئا
فَهوَ الذي جاءَ بِالحَق المبين لَنا / وَجدد العَهد وَالمِيثاق وَالنَبأ
وَكَم أَقام مهيضاً في اليقين وَكم / أَنار مصباح قلب طالما طُفئا
وَكَم جسومٍ تلافى مِن تَلاف ضنىً / أَرواحها إِذ هداها روعها هدأ
وَكَم قُلوبٍ وَقاها في تقلبها / وَكَم عَظائمِ أَمرٍ إذ دَرى دَرأ
أَتى بِآيات مَولاه الكَريمِ فيا / وَيلَ الألى اتخذوا آياته هزؤا
وَهوَ الَّذي تَرتجي الدُنيا شفاعته / إِذ يحشر اللَه يَوم الحشر ما ذَرأ
لَو أَبصرت حسنَ مَعناه زليخا نُهىً / لَم تَتَّخذ في هَوى الصديق متّكأ
وَإِن قَلباً خلا عما سِواه غَدا / مَعززاً ببَها الإِيمان ممتلأ
تَرى الحَقيقة تَبدو في صحيفته / مَسطورة إِنَّما هَيهات مَن قَرأ
فَاقصد بِهِ العروة الوثقى إِذا انفصمت / عرى الأَنام وَفاجئ إِن عَناً فجأ
عَلَيهِ أَزكى صَلاة اللَه دائِمَة / ما تمّ دورٌ مِن الدُنيا وَما اِبتَدأ
باعد هواك وَنائي الغيّ وَاجتنبِ
باعد هواك وَنائي الغيّ وَاجتنبِ / داني الهُدى وتوخّ الرشدَ واقتربِ
ودع غرور شباب زال غيهبُه / فطالما طابَ وهوَ اليَوم لَم يَطب
وَدع زَمانك إِن العُمر منصرف / حَتّى مَتى شابَت الدُنيا وَلم تشب
وَاترك مُعانقة الآمال باسمةً / وَذر بواعث غيّ اللَهو وَاللعب
وَاهجر مواصلة الأَهواء إِن لَها / مصارعَ الحَتف إِثر الأنس وَالطَرب
وَلا تَكُن كامرئٍ تابت غوايته / طوع النذير وَأَهوى بعد لم يتب
وَنُح عَلى غرَّة للعمر سالفة / غابت وَحسرتها في القَلب لَم تَغب
وَلا تَطع طمعاً في عيشةٍ رَغدٍ / فَغاية العيش موت أَو إلى حَرَب
هَل تَبتغي سَبباً في الدَهر متصلاً / إِلى البَقاء وَحتمٌ منتهى السَبب
إِلَيك فالكون خافيه وَظاهرُه / محجب الكُنه بين الستر وَالحُجُب
فلا تَهِن همّةٌ إِن عُزِّزَت عَظُمت / وَلا تَرى الفَخر بِالسُلطان وَالرتب
يَكفيك عَنها قراحُ الماء في كدرٍ / إِذا اكتفيت وَنُزْلُ البائدِ الخرب
فَلستَ بِالجاه وَالأَموال معتَبراً / وَإِنما أَنتَ بِالآداب وَالحسب
فعش إِذا عشت عفَّ الذيل طاهرَه / ومت إِذا متَّ دُون الجَد وَالطَلَب
وَاجعل رجاءك بالرحمن متصلاً / لا تَغترر بغرور الجاه وَالنَسَب
فَإِنَّما أَنتَ من طين وَمن حمأٍ / فَلا تَقل ذاكَ جدّي أَو فلان أَبي
وَلذ بأعتاب خَير الخَلق سيدنا / محمدٍ سيد الأَعجام وَالعرب
قف في حماه وَسل جَدواه وَارج بِهِ / فَإِن مَن يَرتجي مَولاه لَم يَخب
عَفّر جبينك في ذاك الرحاب وَقُل / يا نَفس طيبي بِهَذا المندَل الرَطِب
وَدَع هُمومك تَتَرى في تقلبها / إِذا بلغت بهذا خَير منقلب
وَاكشف عن العَين أستاراً تُحَجِّبُها / وَانظر لَهُ بفؤاد غَير محتجب
وَاسكب دُموعك حُمراً في مواطنه / فَطالَما صين عَنها غَيرَ منسكب
وَقُل عُيوني رَأَت حبّاً فَأفرحها / حسنُ اللقا فانجلت في زي مختضب
وَسل بِهِ تَوبةً سوّفتها سَفَهاً / وَأُبْ إِليه بِنَفسٍ خَلْت لَم تؤب
فَذاك مَوطن أَرواح مطهرةٍ / فَلا تعش عيش مطرودٍ وَمغترب
هذا الرَسول الَّذي أَرجو شفاعتَه / إِذا بَدَت سيئاتٌ سوّدت كتبي
هَذا النبي الَّذي لَولاه ما رُحِمت / نَفسٌ وَلا ظَل قَلبٌ غَيرَ مضطرب
هدى إِلى النُور أَهدى الخَير حَيث أَتى / بِالبينات وَعلمِ الدين وَالأَدب
فَما أَخسَّ حَياةً لَيسَ نصرفُها / في حبه حيث يدعونا فَلم نُجب
وَما أَضلَّ عُقولاً لَيسَ يَنفعُها / رشد الرشيد وَيُغويها غرورُ غبي
لبئس مَن قلبُه صنوُ الجماد وإن / نَصحتَه كان ما قد قلتَ في رجب
يا وَيح نفسيَ كَم تهوي إِلى تلفى / وَتتقيه وَهَذا غاية العَجب
هَيهات ما هي في ودّي بصادقة / ما لم تجرّد هواها عن عناً كَذِب
مالي وَللغير أَفنيت الحَياة وَقَد / أَصبحت كهلاً وهذا في الهَوى وَصَبي
فَيا نبيّ الهُدى عفواً ومرحمةً / أَقل عثاري وَكن عَوني عَلى النُوَب
عَليك أَزكى صَلاة اللَه دائِمةً / دومَ الوُجود عَلى الآباء وَالحقب
أَضاعني ساكنو الجرعاء كالعرجي
أَضاعني ساكنو الجرعاء كالعرجي / فَهل سَبيل إِلى مَغنى وَمنعرجِ
هم استباحوا دماً إذ حرّموا صلةً / وَحللوا الدَمع بَعدَ الهجر من مهج
وَكَم أَهاجوا لَظىً في مهجة بجوىً / وَكَم أَفاضوا شؤون العين كَاللجج
قضيت أَيام عمري في محبتهم / وَذقت كأس هواهم غيرَ ممتزج
لِلّه عهدٌ بذاك الحيّ ما برحت / بالقلب لوعته تدعو إِلى وَهج
واليَوم يسفر وضاحَ الجبين لَنا / وَالليل يذهلنا بالناظر الدعج
وَللربيع عَلى تلك الربوع يدٌ / قد زينتها بوشيٍ زاهرٍ بهج
تجري النُهور عَلى لبّاتها دررٌ / وَالظلّ يمزج صفوَ الدرِّ بالسبج
وَللأزاهر أَقمار مبرّجةٌ / تبدو عَلى حبك للأيك منتسج
أَوقاتَ لا العين فيها قرحُ ذي سهرٍ / وَلا القُلوب تردّت حالَ منزعج
وَللصبا وَصبابات الهَوى طربٌ / يلهو على نغمة العشّاق والهَزَج
كلٌّ تولّى فولّى العيشُ أَطيبه / وَعُدتُ أَنهجُ حُزناً غَير منتهج
فَما لعينيّ لا تنفكُّ جاريةً / وَما لقلبي عَنهُ إن أَتُب يَهج
ما آن أَن أَسلو ما باليأس أدّبني / عَلى أَقى ما بقي مِنهُ عَلى حرج
ضاق الوجود فدعني أَبتغي فرجاً / بِمَدح طَه ففيه غايةُ الفَرَج
عَلِّي أُدارِكُ روحاً بالردى فَنيت / أَو أَن أَقوّم نفساً مِن يَد العوج
فَإِن نفساً رجته صين جانبُها / وَإن عبداً تولى شأنه لنجي
شمس اليقين التي أَخفت أَشعَّتُها / جونَ الظَلام فَأغنتنا عن السُرُج
أَقام بِالسَيف وَالصمصام دعوتَه / مؤيد الحَق بالبرهان ذي البلج
بالحكم والحكمة القصوى دعى وَهدى / فشق ليل ظلام الكفر بالبلج
فلا حياة لمن لم يَحيَ فيه وَلا / موت لمن مات عنه وَهوَ غَير شجي
فَيا أَخا المِدَحِ المجهود في تعب / وَصاحب القول في وصف الرشا الغَنِج
خبّر سواك بِأَني في غِنىً أَبَداً / بِمدح مَولاي راقي العرش بالدرج
فهوَ الذخيرة لي يوم الزحام إِذا / نادى المنادي وجيء الناس بالحجج
حسبي شفاعته العظمى أَنالُ بها / خلدَ النعيم المقيم الطيّب البهج
وَفي حياتي حسبي أَن تَكُون له / قَصائدي تنفج الأَرجاء بالأرج
عليه صلى إلهي كلما طلعت / شمسٌ وَأَسفر بدرٌ في ظَلام دجي
من بارقٍ بارقٌ هاج الهَوى وَمَضى
من بارقٍ بارقٌ هاج الهَوى وَمَضى / فَأَرسل السُحْبَ مِن عَينيَّ إِذ وَمَضا
أَطار نَومي بتذكار الأَحبة مِن / وَادي الغَضا وَقَضى في مُهجَتي بغضا
لِلّه مَنزلنا حَيث الصِّبا نَضِرٌ / وَحيث عَهد الوَفا وَالحُب ما نُقِضا
أَيامَ صَفوُ شَبابي لَم يَشُبْه نَوىً / وَجَوهرُ الحُسن فِينا لَم يَكُن عَرَضا
هَل يَذكرنّ صَحابي بَينَهُم وَلهي / أَوقاتَ سَهم التَصابي بالغٌ غَرَضا
وَهَل رَعوا ودّنا الصافي وَسالفَه / أَم ضاعَ فَاتخذوا مِن بَعدنا عِوَضا
وَهَل رَضوا ما جَرى مِن جور هَجرِهمُ / وَنَحنُ لَم نَلقَ أَيام النَوى بَرَضا
لِلّه قَلبٌ وَجسم ذا بِهِمْ كَلِفٌ / شَتّى الهُمومِ وَذا أَضحى لَهُم حَرَضا
دَعهم وَإِن نَقضوا في الحُب ما عَهدوا / فَأيّ عَهد مَع الأَيام ما اِنتقَضا
لا خَير في الناس إِلّا أَنهم صور / أَو عارضٌ زائل يَوماً كَما عَرضا
فَدَع أَذاهم وَلا تَحزَن بذكرهمُ / لا تَستَجر بِسَعير مِن لَظىً رَمضا
وَلُذ بِأَعتاب خَير الخَلق تَلقَ بِهِ / عَن كُل شَيء سِوى رَب السَما عِوَضا
خَير البَرية وَالبرّ الرَؤف بِها / وَمَن إِذا ما دَجى لَيل الهُموم أَضا
مَن شيّد الدين وَالأَركانُ خاويةٌ / وَهدّم الكُفرَ إِذ بنيانُه نَهضا
هدى إِلى النُور وَالأَفكارُ مُظلمةٌ / مِن الضَلال وَبِالحَق المبين قَضى
أَحيى الحَقائق وَالأَلبابُ مَيتةٌ / وَأَوضح المنهج الناجي وَقَد غمضا
عز اليَقين لِما والاه فَارتفعت / أَعلامه وَأَذل الكُفر فانخفضا
كَم معجزات لَهُ آياتُها ظهرت / بحكمة أَعجزت إِنكارَ مِن بغضا
نُطقُ الجمادات وَالحَيْوان أَعجَبُ أَم / جُندُ المَلائك في بَدر يَغصُّ فَضا
حَسبي بِأَعتابه رُكناً أَلوذ بِهِ / فَغابة اللَيث تَحمي كُلّ مَن ربضا
يا حجةَ اللَه إِني جئت ملتجئاً / عَسى يَصحُّ فُؤاد بِالهَوى مرضا
يا رَحمة اللَه سَعْني إِنَّني رَجل / أَفرطت في بَسط فَرط الغيّ فَانقبضا
كَم أَتعبت راحَتي نَفسي بِحَمل هَوىً / حَيث اِنقَضى أَعقبت لذاتُه مَضضا
كَم بتُّ معتنقاً زورَ الخَيال وَكَم / أَصبَحت بَين عَوادي الزَهو مُعترضا
وَكَم جَهلت نُهىً لَما عَرفتُ هَوىً / وَكَم عَثرت وَفكري إِذ غَوى رَكضا
أَضنَى الفُؤاد وَأَنضى الجسم زخرفُه / حَتّى إِذا ما ضَفَى ثَوب الغُرور نَضا
ظَنَنت أَن نذيرَ المَرء شَيبتَه / وَفي الشَباب نَذيرٌ طالما محضا
وَكَيفَ يَنتظر المَرء المشيب وَكَم / رَأى الجَنين دَفينا قَبل ما نبضا
وَأَغفلتني شُؤونُ الغَير عَن طَلَبي / نَفسي فَأَخّرت مَسنوناً وَمفترضا
وَاليَوم بِاليَأس عَنهُم قادَني أَملي / إِلَيك فَاصفح عن الماضي فَذاك مَضى
هَذي المَنازل يا وادي الأَراك فَما
هَذي المَنازل يا وادي الأَراك فَما / وادٍ به نَزلوا ساداتك القُدَما
عَهدي بِهم وَعوادي الدَهر غافية / عَنها بدوراً وَعَهدي بِالديار سَما
أَيامَ لا الدَهر مَرهوبٌ بواردِهِ / وَلا المباح مِن الأَوقات قَد حرما
أَيام زَهر الصبا غَضٌّ وَمائده / رطبٌ وَمنهله عَذبٌ يبلُّ ظَما
أَيام لا العُمر قَد مرّت حَلاوته / وَلا الحَياة وَجود يشبه العدما
أَيام لا الجَمع مَفروق أَحبته / وَلا العَواديَ تُبكي مِنهُ ما اِبتَسَما
أَيام لا البين ما بَين الجَميع وَلا / أَيديه قَد نَثرت لِلشَمل منتظما
فَيا أَراك أَراك اليَوم تُحزنني / وَكُنت تُفرحُ بِالترحاب من قَدِما
ما للمناهل قَد جفت هَوامرُها / ما للمنازل أَقوت لم تبن علما
دار الشَباب عَزيز أن أَراكَ عَلى / غَير الشَباب وَهَل في الأَرض ما هَرما
خَبّر عن الجيرة الغادين ما صَنعوا / بِعَهد صبٍّ رَعى عَهداً فنِي تيما
إِن العُيون الَّتي لَم يُبكها خَطرٌ / دَمعاً غَدَت بَعد ما بانوا تَجود دَما
فَاذكر لَنا عَهدك الماضي تعللنا / فَالذكر أَصبح يرضينا وَإِن عظما
اللَه أَكبر كَيفَ الدَهر غادرنا / وَكَيفَ فرّقنا صرفُ النَوى أمما
أَلم نَكُن فيكَ بِالأَمس الجموع صفت / أَيامُها أَو رَأَت مِما قَضت حلما
أَلم نَبت فيكَ ليلَ الآنسين أَلَم / نصبح صَباح الهَنا يُبدي المُنى خَدَما
أَصائلٌ وَبكورٌ كُلُّها غررٌ / لِلعَيش يا طيبَه لَو لَم يَعد أَلَما
بانوا وَبنّا فَلا وَاللَه ما سليت / تِلكَ الوُجوه وَلا أَنسى لَها ذمما
إِني أُجدد وَجدي كُلَّما قَدمت / تِلكَ العُصور وَأَزكى في الحَشا ضرما
فَالبُعد وَالقُرب أَيام مقدّرة / والفَصل وَالوَصل فيما قَد رَأى قسما
وَأَيّ جَمع مع الأَدهار ما افترقت / أَربابُه قَبلَنا أَو دام وَهوَ كَما
إِن اللقاء سَبيل للفراق فَما / غَنمتَ مِنهُ ستُعطي ضعفَه غرما
وَتِلكَ عادة هَذا الدَهر باديةً / لِمَن دراها وَلَكن قلّ من علما
فَطالَما أَنذرتنا حكمة وَلَكَم / أَبدى لِمَن قَبلَنا مِن مثلها الحكما
يا قَلب قَد خاننا الدَهر الوفي وَها / تِلكَ الغوايات أَبقى زَهوُها نَدَما
فَخلِّنا عَن هَوى الفاني الغرور فَمن / لَم يُعمل الرَأي فيهِ قلّ ما سلما
كَفى إِضاعة أَوقات الحَياة فَقم / نؤمَّ ساحة خَير الخَلق فَهوَ حِمى
يا سَيد الخَلق أَنتَ المستجار إِذا / عم المصاب وَماد الجاه فَانهدما
يا سَيد الخَلق أَنتَ المُستَعان بِهِ / إِذا دَهى الخَطبِ أَو بَأسُ العِناد هما
يا سَيد الخَلق أَنتَ العز نَطلبه / عِندَ المذلة وَالطود الَّذي عصما
يا سَيد الخَلق أَنتَ النُور نقصده / إِن أَظلم الرُشد للراجين وَانبهما
يا سَيد الخَلق أَنتَ الفَوز نأمله / إِذا سَطا البَأس وَالآمال فَانهزما
يا سَيد الخَلق أَنتَ المُستَجاب لِمَن / يَرجو نداك وَقَد ضَنَّ السَحابُ بِما
يا سَيد الخَلق إني مِنكَ في كنفٍ / اللَه حافظُ من أَدخلته كَرَما
يا سَيد الخَلق ذلَّ الخَلق كُلُّهُمُ / إِلا الَّذي حَلّ من عز الحِمى حَرَما
يا سَيد الخَلق إِني وافدٌ وَلِهٌ / أَشكو إِلَيكَ زَماناً طالَما اِجتَرَما
يا سَيد الخَلق إِني لائذٌ وَلَهُ / حَقُّ الرَجاء وَإِن أَكدى وَإِن أَثِما
يا سَيد الخَلق ما أَغنى سِواك وَلَم / أَقصد سِواك وَإِن أَسرفتها همما
يا سَيد الخَلق إِني مِن يعدُّ بها / ذل الخضوع إِلى عَلياك مغتنما
أَسرفت في مَدد أَسلفتها بِعَنا / زَيدٍ وَعَمروٍ وَكَم أَصبَحت متَّهما
نَفسي ظلمت وَأَعدائي أَطَعت وَفي / غَيي سَلَكت فَما أَجدى كَما ظلما
أَضعت عُمري وَكانَ الحفظ أَجدرَ بي / أَهملت زاد التُقى أَخرت ما لزما
أَتعبت بالي وَأَشغلت الفَراغ بِما / أَبقى الشَقاء وَلا وَاللَه ما نعما
جَهلت ما لو علمت الحَق أَرشدني / فَلم أَضَع قَبل تَقدير الخطا قَدَما
وَكَم تَرَكت الَّذي لَو بت أَطلبه / أَصبتُ نجحاً وَلكنّ الهَوى حكما
وَكَم أَصَبت هَوى كانَت إِصابته / في الحَزم أَنكى وَإِن دُلِّهْتُ بَينَهما
أَشكو إِلَيك هَوى نَفسي وَجهلتها / وَجور دَهر عَلى غَير الهَوى نَقما
أَشكو إِلَيك رَسول اللَه معترفاً / بِما مَضى آملا بِالخَير مختتما
أَرجوك يا رَحمة الرَحمَن مرحمةً / فَكُن ظَهيري عَلى نَفس أَبَت حكما
فَأَنتَ مظهر أَسرار الرَحيم وَمِش / كاةُ الهُدى نِعْمَ مَن يهدي وَمَن رحما
أَنتَ الَّذي أَحيت الأَلبابَ حكمتُه / وَأَبصر النُورَ مِنهُ كُلُّ ذات عَما
أَنتَ الَّذي سادَت الدُنيا بِطلعته / وَمنهج البدء وَالعُقبى بِهِ علما
أَنتَ الَّذي مَن رَجاه جاره أَبَداً / رَب السَماء وَمَن نال الجوار سَما
وَقَد جَعلت يَقيني صنوه أَملي / فَلَست أَرجع عَن ورد الرضا بظما
فرّجِ عن القَلب بَعضَ الكرب وَالأَلمِ
فرّجِ عن القَلب بَعضَ الكرب وَالأَلمِ / وَلُذ بباب غِنى الوَهاب وَاعتصمِ
وَكُن بربك فيما ناب ذا ثقةٍ / وَارضَ الَّذي قدّر الرَحمن في القدم
وَلا يَهولنْك خطبٌ جلّ من زمن / وَلا يروعَنْكَ كربٌ جال بالنقم
وَنَزه النَفس عَن ذلٍ وَمطمعةٍ / وَاستعمل الفكر بين الرشد وَالحكم
وَعزِّزِ النَفس عن أَثقالِ مكرمةٍ / تُقَلِّدُ الحرَّ طوقَ الرقِّ وَالسدم
إِني أَرى المَوتَ دُون الشَهمِ يَرحمني / فَكَيفَ إِن جاد لي المَجهولُ بالنِعَم
يَأبى الحَياءُ وَتَأبى الكبرياءُ كَذا / وَالمَوتُ بَين الحَيا للحرِّ وَالعظَم
دَع ما يَقولُ عذولي في غوايته / كَكاتب فَوق وَجه الماء بِالقَلَم
فَما اِمتداحي مُلوك الدَهر عَن أَرَبٍ / وَقَد غَنيت بِمَوجود عَن العَدَم
إِن كانَ لا بُدَّ بَعد اللَه أَسألُه / فَالمُصطَفى سَيدُ الأَعراب وَالعَجَم
فَكَم بأعتابه مثلي أَخو أَمَلٍ / ما خابَ مِنها وَهين غَير مهتضم
وَكَم بآلائه استغنى العُفاةُ وَلا / ضَير فَما تَجدبُ الخرسا لَدى الديم
وَكَم بِإِحسانه ذو السيئات نجا / إذ حَلَّ مِن جاهه في عاصم حرم
فَما أَرجّي سِواه حينَ يخذلني / خلي الرَحيم وَيَسعى بي إلى رجمي
وَما أُؤمّل مِن دنياي إِن قطعت / أَسباب وَصلي وَناآنى ذوو رَحِمي
وَما يفيد بَنو الأَيام حينَ أَرى / نَشر الصَحائف في برّ وَمجترم
هَل أَبتغي سَبباً أَو نافعي نَسبٌ / أَو مانعي مانح من سائر الأُمم
كَلا فَما غَيرَه أَرجو لَنائبةٍ / وَلا شَفيعاً إِذا ما أَوبقت وَصمي
إِنّ الحَياة التي يَسعى سِواي لَها / ظِلٌّ يَزول وَطَيفٌ جالَ في حُلُم
وَسَوفَ تَمضي فَلا ذو الجد يَنفعه / جدٌّ وَلا معدم يَبقى عَلى سدم
وَإِنَّما الدار دار لا فناء بِها / نَعيمها وَشقاها غَيرُ منصرم
وَلَيسَ إِلا رَسول اللَه شافعنا / لَدى الإِله مفيضِ الجُود وَالكَرَم
عَلَيهِ أَزكى صَلاة اللَه ما سفرت / شَمسُ الضُحى وَتجلّى البَدر في الظلم
أَراك باك صَريع البين وَالبانِ
أَراك باك صَريع البين وَالبانِ / فَمن بكاك ترى مِن جيرة البانِ
إِن المَدامعَ مِن عَينيك تنذرُنا / إِن النواح عَلى قَوم بنعمان
أَذكرتني مِن زَمان القُرب ما سلفت / أَوقاتُه بَين أَوطار وَأَوطان
وَالطَيف واصل جفني في مفاصلة / ما كان أَقربني مِنه وَأَنآني
إِن الزَمان وَأَيام الزَمان كَذا / قَد أَضحكتني بِتغرير فَأَبكاني
وَكَم نَصيحة صرف في خلال هَوى / قَد أَغضبتني إِذ صحت وَأَرضاني
وَكَم شَدائد شدّت وَانقضت وَرخا / فَحذّرتني فَما أَغنَت وَأَغراني
وَكَم تَفرّق أَحباب وَأُنسُ لقا / هَذا نَهاني وَلَكن ذاكَ أَلهاني
وَالقُرب وَالبُعد في فَرح وَفي حَزَنٍ / كُل أَراني رشاداً ثُمَ أَغواني
وَفي المَحبة أَو عَهد القِلى عَجبٌ / إِذ دَلَّهاني في ربح وَخسران
وَكَم تواصل خلان وَفصل جَفا / نَعمتُ بالاً بذا أَو ذاكَ أَشقاني
وَالنَفس تَعبث بي يَوماً فَتأمرني / بِغيِّها وَتَرى يَوماً فَتنهاني
تَهوى وَتُهدَى فَتغريني وَتنذرني / طَبعاً تحوّل وَفق الأين وَالآن
بِاليَأس وَالأَمل المغتال أَبصرها / تَحتَ الثَرى ثُم تَعلو فَرق كِيوان
فَتارة نملة في بَيت مسكنة / وَتارة تَرتقي عَليا سليمان
جُنونُها اعتقل العَقل المبين عن ال / حَق اليَقين وَأسهته فَأَسهاني
لا تَستقرّ عَلى صَفو وَلا كَدر / مَجهودة بَين غَرّير وَخوّان
مشت مَع الدَهر فَاعتلت بعلته / فَلم تَفي لي كإخوان وَأخدان
وَحالفَته عَلى ضعفي مخالِفةً / للحزم فاغتالها حمقٌ فَأَفناني
وَالرشد في الأَمر وَالغَيّ المبيد أَسى / ما كانَ أَضعفني عَنهُ وَأَقواني
ما كانَ أَجرأني فيها عَلى تلفي / وَفي سَبيل العنا ما كانَ أَجراني
أَضعت صَفو حَياتي في عَنا كَدرٍ / ما كانَ أَبعدني عَنهُ وَأَغناني
أَفنيت حسن فَراغ البال في شغلٍ / أَفنى المزيّةَ من عمري وَأَبقاني
قَعدت في السير حَتّى من معي سَبقوا / وَخلّفوني وَمَن خَلفي تَخطّاني
أَسرَفت في صَرف أَيامي بلا ثَمَنٍ / وَكانَ غبناً لَو ابتعيت بِأَثمان
ما كانَ أَحوَجني فيها لمعرفتي / ما قَد جهَلت من الدُنيا فعاداني
ما كانَ يَخفى الهُدى لَو كُنتُ ذا بصر / أَو أَسمَع النصح وَالإنذار آذاني
لَكنني بذنوبي قَد لجأت إِلى / حمّى النبيّ وَهذا مَوقف الجاني
لعل من عمّت الدُنيا مَكارمه / يَمحو إساءةَ أَفعالي بإِحسان
لَقَد لَجأتُ وَما عِندي سِوى أَملٍ / وَحسن ظَني وَإِسلامي وَإِيماني
وَجئتُ أَعتابَه العليا أُقبِّلُها / شَأن الذَليل إِلى أَعتابه العاني
وافيتُها باسطاً وَجهَ الخُضوع عَلى / عزِّ الرُبوع وَيَطوي الأَرض وَجداني
حللت بالروح في مَغناه وَابتعدت / عَن الحُضور إِلى الأَبواب جُثماني
وَقلت يا نَفس بشرانا فَقَد بلغت / حاجاتنا أَكرم الناس ابنَ عدنان
هذا حمى الدين وَالدُنيا وَأَهلهما / وَحجة اللَه بَين الإنس وَالجان
هَذا النَبيّ الَّذي كانَت حَقيقته / سرّ الوُجود وَوافاه كَعنوان
عَبد وَلكنه خَير الخَليقة خَي / ر المرسلين بتشريع وَأَديان
به استقام اِعوجاج الكُون فانتظمت / بِهِ النثار بقسطاس وَميزان
فَهوَ العياذ لِمَن يَأتمّ ساحته / وَهو الدَليل إِلى المَولى ببرهان
أَقام بِالحَق وَالصمصام دَعوته / بِالمعجزات وَفرقان وَتبيان
هدى بدعوته الكبرى دعا لهدى / وَاستنقذ الخَلق من كفر وَطغيان
وَفي خَصائصه العُظمى عموم عُلا / لِمَن دَعاه فَلبّاه بإِيقان
هوَ الوَسيلة للرحمن فاسع له / يا طالب الصفح عن ذَنب بغفران
فَما تضيق بكَ الساحات وارجُ تجد / فَإِنَّها قَبلُ ما ضاقَت بِإِنسان
وَكَيفَ يَأسٌ مَع الإِيمان مِن كَرَمٍ / هَيهات فَاليَأس وَالإِيمان ضدّان
لا يحجبنك أَستار الذُنوب عَن ال / نور المبين وَلا تَلبث بخذلان
كل ابن رابش أَمرٌ إن دعوت له / خير البَرية أَضحى جد بوران
إِن المَواليد قَد بثت شكايتها / إِلَيهِ مِن قَبل بَين القاص وَالدان
فَيا نبيّ الهُدى أَولي الجُدَى فَلَقد / جار الرَدى وَعَلى الأَعتاب أَلقاني
عَلمي بجاهك وَالإِيمان قَدّمني / إِلى مَعاليك وَالإِيقان هنّاني
وَقَد سَأَلت وَإِني مخبر أمماً / فَما جَوابي لِأَحبابي وَإخوان
فَهَلأ تردُّ يدي صَفرَا بِما اكتسبت / أَو تاركي أَنتَ فيما شئن أَزماني
فَإِن جَعَلت جَزائي ما جنته يَدي / فَقل سلاماً عَلى ذلي وَحرماني
عَليك أَزكى صَلاة اللَه دائمة / مَع السَلام عَلى آل وَصحبان
غَنيتُ بالحكمة القُصوى مِن الرتبِ
غَنيتُ بالحكمة القُصوى مِن الرتبِ / وَسدتُ بالنسبة العليا مِن الأَدبِ
وَصانَني شَرفٌ مِن همتي وَعُلا / نَفسي فَما ليَ غَير الجَد من أَرَب
ضممتُ عزةَ مَجدِ الترك في شَممٍ / إِلى فَصاحة حسن المَنطق العربي
وَصُنتُ نَفساً كَنصل السَيف رائِعةً / في غمد حلمٍ وَجاشٍ غَيرِ مضطرب
فَما تلوّنتُ في صَفو وَلا كدر / وَلا تبذّلتُ بَين الجَد وَاللَعب
وَلا ترفعت عَن خِلٍّ وَذي ثقة / وَلا انحططت لذي جاه وَلا حَسَب
أَعيش حرّاً عَفيف الذيل ساحبه / مَع الفَخار وَعَبد الأُخوة النجب
وَأَتقي شمم المَولى فَأحذر أَن / أَدنو فَيبصر عِندي ذلة الطَلَب
أَخشى إِذا راقَني مِنهُ الرضا زَمناً / أن لست دافعه في ثَورة الغَضَب
وَقَد عَلمت بِأَن العز ممتنعٌ / إِلا بذلٍّ يرد الحرّ في حَرب
أَقنَعتُ نَفسي بِحال لَيس تَنزل بي / أسّ الحَضيض وَلا تَعلو إِلى الشُهب
وَما يضرك أَن تحيي عَلى شَرَف / وَلَستَ كَلّاً عَلى جاهٍ وَلا نَسَب
لا تُذهلنَّك حاجاتُ الحياة عَن ال / جدِّ الأبيّ وَمجد غَير مكتسب
فَما الحَياة سِوى شَيء ستتركه / لتاركٍ أَو لصرفٍ غَير مرتقب
أَبيتُ أَطمَح في فرح بلا حزن / أَو راحة تتجلَّى لي بلا تعب
فَما أَبيت أَهاب الدَهر مرتجفاً / أَخشى العَوادي وَأَبكي سوء منقلب
وَلا أَخاف يَداً للخطب عابسةً / إِن السَلامة باب الروع وَالعطب
فَيا زَمانيَ إِني عَنكَ في شغلٍ / وَأَنتَ مشتغل عَني بكل غَبي
هَيهات أَهجر صمصاماً وَضابحة / وَلا أَملّ من الآداب وَالكتب
وَما ثنانيَ عَن سُمرِ الطوال وَلا / سود القصار كمال العارف الدَرِب
وَما صَبَوت لذي دلٍّ وَلا سلبت / لبي ملاحات ربات البَها العُرُبِ
وَلا افتتنت عن العَليا بغانية / وَلا ذللت لساقي ابنة العنب
وَإِنَّما حببي درّ الكَلام وفي / حان المَفاخر من ضرب الثَنا طربي
وَما تَعوّدت إلا حكمة وَنُهى / إِذا صبا الغَير ردّتني عَن الوَصب
حسبي من الدَهر أن أَصبو فتحمد لي / فكاهة وَجناني إِذ يَجور أَبي
وَما عليّ إِذا لَم يَشكُني بطلٌ / حرّ السَجايا وَيَخشاني أَخو حَرب
هذبت نَفسي فَلم تحذر مصادقتي / وَلا يَخاف عدوّي إِن يَغب كذبي
قَد تبت عَن كُل ذَنب في الزَمان سِوى / عرفان نَفسي فَإِني عَنهُ لَم أَتُب
فَيا أَخا الرَأي دَعني عَن منى وَجوى / فَأَيّ عَيش إِذا ما اخترت لَم يَطب
فَادفع عَن الحَزم دَهراً غَير مكترث / وَاترك عَواديه رهواً غَير مكترب
وَلا تبت لَيلة في فكرة لغد / إِن الحَقائق دون الستر في حجب
وَلا ترجّ سِوى الديان وَارضَ بِهِ / رباً تَغيب الخَوافي وَهوَ لَم يَغب
وَاشرف بِنفسك وَاترك ما سِواك تَرى / وَجه الفَراغ انجلى بالمنظر العجب
وَكِلْ أُمورَك للمقدور وامش بِهِ / مَشي البذيخ الَّذي يَمشي عَلى صبب
وَلا تعالج معالي الدَهر إِن عقدت / كفُّ الزَمان رؤس الناس بِالذَنب
إِني أَجبتك لَو تَدعو لصالحة / إِلا المحرّم إِني عَنهُ في رَجَب
نَفسي فِداء صَديقي حينَ يُنكره / غَير وَأَعرفه في نَوبة النوب
فَما أَضعت صَديقاً ظَلَّ يَحفظني / وَلا ضحكت لَدى وَلهان مكتئب
وَلا اتخذت خَديني بَيت مطمعة / وَلم أَدان عَلى دَخل وَأَقترب
وَلا جَعَلت خَليلي طعمة لظُبَى / ختلٍ فَأَقتلَه حرصاً عَلى السَلب
وَما نَظرت إِلى العرض المَصون وَفي / قَلبي إِلَيهِ طموحُ الفاجر الرَغب
وَما نظمت قَوافي الشعر أَجعلها / وَسيلة النَفس أَو جرثومة النَسب
فَابلغ أُخَيّ بني الدُنيا وَساكنها / وَكُلَّ ذي وَطَن مِنها وَمغترب
وَاكتب عَلى الدَهر آثاراً محاسنُها / تَبقى فَتُتلى عَن الإِعصار وَالحقب
إِلَيكَ عني فَإِن المَجد أَصبَح لي
إِلَيكَ عني فَإِن المَجد أَصبَح لي / شُغلاً يمانع عَن كأس وَمَحبوبِ
فَلَست أَهوى كُميتاً غَير ضابحة / وَلَست أَلمس نهداً غَير سرحوب
مَن هام بِالمَجد لَم يَقصر عَن الطَلبِ
مَن هام بِالمَجد لَم يَقصر عَن الطَلبِ / وَمَن يَرى الجد لا يَلتذ بِاللعبِ
وَإِن مَن نام وَالأَيام ساهِرةٌ / لا رَيب يوقظه الداعي مِن العجب
وَذو المَطالب مَهما خانَهُ سَببٌ / مِن الدُهور اِنبَرى يَسعى إِلى سَبب
وَإِنما رَجل الدُنيا الَّذي لعُلىً / يَسعى لسمو عَلى ناء وَمقترب
لا خاملاً يرتجي مِن غَيره أَملا / وَلَيسَ كَلّاً عَلى مال وَلا نَسَب
فَلا يَروِّعُه بُعد الدِيار وَلا / نائي المَزار وَطُول الكد وَالتَعَب
يَهوّن العَزمُ مِنهُ كُلَّ نازِلَة / يَأَبى الخمول لقاها وَهوَ في حَرب
يَخشى التفرّق مِن أَهل وَمِن وَطَن / وَيَرتضي الذل إِذ نيل الفَخار أَبي
وَيَتقي المَوت أَو تَزهى الحَياةُ لَهُ / عَلى مضاضة عَيش ثَمّ لَم يَطب
وَهَل صَفا العَيش إِلّا بعد تكدرة / وَهَل ذكا الجَمر إِلا إثر ملتهب
وَإِن أَكبر ما يَهوى الرِجال عُلاً / وَتِلكَ بِالجد أَو بِالعلم وَالأَدَب
يا مَن يَرى أنَّ مَجدي غاله وَهنٌ
يا مَن يَرى أنَّ مَجدي غاله وَهنٌ / وَأن هذي الليالي بالنُهى فعلت
كَذِّب ظنونَك وَابصر بِالنُهى لترى / تَراني الشَمسَ في أُفق السَما طلعت
وَالشَمس تُبصَرُ في خَفضٍ وَمرتَفعٍ / وَالشَمسُ ما انخفضت يَوماً وَلا ارتفعت
لا يَركب المركب المَرهوب غَير فتى
لا يَركب المركب المَرهوب غَير فتى / لَهُ مِن الصَخر قَلب غَير مكترثِ
فَاِنهض بفكر لَهُ بِالغَيب معرفةٌ / وَاطلب بعزم كنصل السَيف منبعث
وَلا تَكُن خافضاً بالذل أَجنحة / وَلا تقل لصديق أَوفِ أَو أَغِثِ
الناس في الدَهر أَنباءٌ وَأَخبارُ
الناس في الدَهر أَنباءٌ وَأَخبارُ / وَالكَون كَونان أَعيان وَآثارُ
فَاعمل لما شئت أَن تَحيى عَليه بِهِ / وَكُن حَكيماً إِذا ما كُنت تَختار
لا خَير في العَيش إِن لَم يصطحب شَرَفاً / وَلا اقتحام الردى دُون العُلا عار
فَلا تَكُن تُزدرَى وَاحفظ وَقارَك إن / جار الزَمان وَخان العز وَالجار
وَاعمل مع الصَبر ما يَرضى الكَمالُ بِهِ / وَاكتُم مَصابك إِن الدَهر دوّار
لا يرغم الدَهر إِلا من يطيش بِهِ / فَاعتز بالنفس إِن خانتك أَنصار
أَنا وَدَهري كِلانا باهتٌ وَجلٌ
أَنا وَدَهري كِلانا باهتٌ وَجلٌ / مِن أَمر صاحبه في زيّ مندهشِ
الدَهر أَعجَب مِنهُ كَيفَ يَرزأني / وَالدَهر يَعجب مني كَيفَ لَم أَطش
رَمى فَأصمى فَلم يَظفر بِفاحشة / مني وَعادى فَلم أَدهش وَلم أَجش
خلقت للسيف وَالقرطاس وَالقلمِ
خلقت للسيف وَالقرطاس وَالقلمِ / فَالدَهر عَبدي وَأَهل الدَهر من خَدمي
لا تنثني هممي عَن نيل محمدة / وَلا تردّ عَلى رغم العدا كَلِمي
تنزَّهت شيمي عن كُل شائِبةٍ / وَبذّخت فَاِعتلت هامَ العلا قدمى
حفظت ماء المحيّا إِذ ضننتُ به / وَقلت هنئت يا يوم الفَخار دمي
لَو أنَّ عقد الثريا كان لؤلؤه / نثارَ حظي لما هشت له هممي
أَو أن بدرَ السما يَسعى بشمس ضحى / لما استمال فؤادي أَو سبى حكمي
دَعني أَخا الشَوقِ لا تذكرْ لديّ هوىً / ما أَبعد العَهد بي من جيرة العلَم
إِن كُنت محتقراً حالي وَتجهلها
إِن كُنت محتقراً حالي وَتجهلها / سل عارِفاً بيَ عَن شَأني فَتعرفُني
أَنا الَّذي ما سعت بي للخنا قَدمٌ / وَلا شَكى همتي مَن كانَ يصحبني
لي جانب لحبيبي هين أَبداً / وَجانب لعدوّي ثَمَّ لَم يَلن
وَلي لِسانٌ أَرى تَبقى بضاعته / وَلي فُؤاد بحب الباقيات فَني

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025