المجموع : 54
وَسائِلٍ ليَ عَن أَشياءَ كَيفَ أَتَت
وَسائِلٍ ليَ عَن أَشياءَ كَيفَ أَتَت / مَمنوعةَ الصرف في القرآن أَشياءُ
وَكَيفَ لَم يَمنَعوا أَمثالَها زِنَةً / فَجاءَ بالصَرف أَسماءٌ وأَبناءُ
فَقُلتُ إِنّي كَفيلٌ بالجَوابِ لَها / فاِسمع فِللقَوم في أَشياء آراءُ
فَقائِلٌ إِنَّها في الأَصلِ شَيّاءُ / كمثل حَلفاء وَزناً فهيَ فَعلاءُ
لكنَّهم قَلبوا من لفظها فأَتَوا / باللّام أَوَّلها فالوَزنُ لَفعاءُ
فَلَم تَكُن جمعَ شَيءٍ فهيَ مُفرَدَةٌ / فَلَيسَ يُشبهُها في الوَزن أَسماءُ
وعلَّةُ المَنعِ فيها عنده أَلِفُ الت / تأنيثِ وهوَ جَوابٌ فيه إِرضاءُ
وَقائِلٍ أَنَّها جَمعٌ ومُفردُها / شيءٌ وَمثلُهما فيءٌ وأَفياءُ
لكنَّها أَشبَهت حَمراءَ فاِمتنعَت / صَرفاً كَما اِمتنعَت في النَحوِ حَمراءُ
وَوجهُ شِبهِهما إِيرادُ جَمعِهما / مِثلَينِ في الوَزنِ والأَلفاظِ أَسواءُ
وَقائِلٍ إِنَّها جَمعٌ وواحدُها / شيءٌ ولكنَّها في الوَزنِ أَفعاءُ
وأَصلُها أَفعلاءُ ثمّ حوَّلها / أَفعاءَ حَذفٌ له في الصَرف إِبداءُ
وعلَّةُ المَنعِ فيها أَنَّ آخرَها / مدٌّ كَما مُنِعت للمدِّ صَحراءُ
وَقيل جَمعُ شُييءٍ وَهو مُفردُها / عَلى فُعَيلٍ كَما قالوا أَخِلّاءُ
فَأَصلُها أَفِعلاءٌ ثمَّ أَنَّهم / أَتوا بِحَذفٍ إِلى أَن قيل أَفعاءُ
وَقيلَ بَل أَصلُ شيءٍ فَيعِلٌ زِنةً / كهيِّن وَلِهَذا الإسم أَسماءُ
وَخفَّفوه بِحَذفٍ مثل فِعلهمُ / في هَيِّن وَلهذا الحَذف أَنحاءُ
فَجَمعُه أَشيياءٌ عند قائلِهِ / كأهوِناء وبعد الحَذف أَشياءُ
وَقيلَ بَل هيَ أَفعالٌ وَقَد سُمعَت / ممنوعةً وهي للأَقوال إِيفاءُ
فَتِلكَ سِتَّةُ أَقوالٍ مُنضَّدةٍ / ما شانَ ناظمَها عيُّ وإِعياءُ
وَالقَولُ ما قال عَمرٌو وهو أَوَّلُها / وَكَم لأَقواله في النَحو إِمضاءُ
فَقُل لمن يدَّعي علماً أَعندك من / هذي المَذاهبِ في أَشياءَ أَنباءُ
فإِن أَجابَكَ أَو أَولاكَ مَعرفةً / فلِلأَفاضِل إِفضالٌ وإِيلاءُ
وإِن توقَّفَ جَهلاً بالجَوابِ فَقُل / حَفِظتَ شَيئاً وَغابَت عنك أَشياءُ
ثُمَّ الصَلاةُ عَلى أَعلى الوَرى شَرفاً / وآلهِ ما شَدَت في الأَيك وَرقاءُ
برقُ الحِمى لاحَ مُجتازاً على الكثُب
برقُ الحِمى لاحَ مُجتازاً على الكثُب / وَراحَ يَسحبُ أَذيالاً مِن السُحبِ
أَضاءَ وَاللَيلُ قد مُدَّت غياهبُه / فاِنجابَ عَن لهبٍ يَذكو وعن ذَهبِ
فَما تحدَّرَ دَمعُ المزنِ من فَرَقٍ / حتّى تبسَّم ثغرُ الرَوضِ من طربِ
وَغَنَّت الورقُ في الأَفنان مُطربةً / وَهَزَّت الريحُ أَعطافاً من القُضبِ
وَالصبحُ خيَّم في الآفاق عَسكرُهُ / وَاللَيلُ أَزمعَ من خَوفٍ على الهَربِ
فَقُلتُ للصَحب قوموا للصَبوح بنا / يا طيبَ مُصطَبح فيه وَمُصطَحَبِ
واِستَضحكوا الدَهر عَن لَهوٍ فقد ضحكت / كأَسُ المُدامة عَن ثَغرٍ من الحَبَبِ
فَقام يَسعى بها الساقي مُشَعشَعةً / كأَنَّها حَلَبُ العُتّاب لا العِنَبِ
حَمراءُ تسطعُ نوراً في زجاجَتها / كالشَمسِ في البَدر تَجلو ظُلمة الكُربِ
وَراحَ يثني قَواماً زانَه هَيَفٌ / بمعطفٍ من قضيب البانِ مُقتَضَبِ
في فتيةٍ يَتَجلّى بينهم مَرَحاً / كأَنَّه البَدرُ بين الأَنجم الشُهبِ
مُهفهفُ القدِّ مَعسولُ اللَمى ثَمِلٌ / يَتيهُ بالحُسنِ من عُجب ومن عَجَبِ
لا يَمزجُ الكأسَ الّا من مَراشفِه / فاِطرب لما شِئتَ من خمرٍ ومن ضَرَبِ
قَد أَمكنت فُرَصُ اللذّات فاِقضِ بها / ما فاتَ منك وَبادر نُهزَةَ الغَلَبِ
واِغنَم زمانَكَ ما صَافاكَ مُنتهِباً / أَيّامَ صَفوِكَ نَهباً من يَدِ النوَبِ
ولا تَشُب مَورِداً للأنس فزتَ به / بِذكرِ ما قَد قَضى في سالف الحُقبِ
أَنَّ الزَمانَ على الحالينِ مُنقلِبٌ / وَهَل رأَيتَ زَماناً غَيرَ مُنقلِبِ
وإنَّما المَرءُ مَن وفَّته همَّتُهُ / حظَّيهِ في الدَهرِ مِن جِدٍّ ومن لَعبِ
كَم قلَّبتني اللَيالي في تصرُّفها / فَكُنتُ قُرَّةَ عَينِ الفَضلِ والأَدبِ
تَزيدُني نوبُ الأَيّام مكرُمةً / كأَنَّني الذَهبُ الإبريز في اللَهبِ
لا أَستَريبُ بعينِ الحقِّ أَدفعُه / ولا أُرابُ بغَين الشَكِّ والريبِ
لَقَد طَلبتُ العُلى حتّى اِنتهيتُ إِلى / ما لا يُنالُ فَكانَت مُنتهى أَرَبي
حسبي من الشَرف العليا أَرومَتهُ / أَن أَنتَمي لِنظام الدين في حَسبي
هَذا أَبي حين يُعزى سيِّدٌ لأبٍ / هَيهات ما لِلوَرى يا دَهرُ مثل أَبي
قُطبٌ عليه رَحى العَلياء دائِرَةٌ / وَهَل تَدورُ الرَحى الّا عَلى القُطُبِ
كاللَيثِ والغَيثِ في عَزمٍ وفي كَرَمٍ / وَالزَهرِ والدَهرِ في بِشر وفي غَضَبِ
مُملَّكٌ تَهَبُ الآلافَ راحتُه / فَكَم أَغاثَت بجَدواها من التَعَبِ
أَضحَت به الهِندُ للأَلبابِ سالبةً / كأَنَّها هِندُ ذاتُ الدلِّ والشَنَبِ
مولىً إِذا حَلَّ مُحتاجٌ بساحتِه / أَغناهُ نائلهُ عَن وابِلٍ سَرِبِ
تَرى مَدى الدَهر من أفضاله عجباً / فَنَحنُ كُلَّ شهورِ الدَهر في رَجَبِ
رَقى مِن الذِروة العَلياءِ شامخَها / وحلَّ مِن هاشِمٍ في أَرفَع الرُتَبِ
حامي الحَقيقةِ مِن قَومٍ نوالهُمُ / يَسعى الى مُعتقيه سَعي مُكتسِبِ
الباسمُ الثَغرِ والأَبصارُ خاشعةٌ / والحَرب تُعولُ والفُرسانُ بالحَرَبِ
يَقومُ في حَومة الهَيجاءِ مُنفرداً / يَومَ الكِفاح مَقام العَسكر اللَجِبِ
لَو قابَلته أُسودُ الغاب مُشبلةً / لأَدبرَت نادِماتٍ كَيفَ لم تَغِبِ
يَفنى المَقالُ وَلا تَفنى مدائحهُ / نظماً ونثراً من الأَشعار والخُطَبِ
لا زالَ غَوثاً لِمَلهوفٍ ومُعتَصماً / لخائِفٍ وَنجاةَ الهالِكِ العَطِبِ
ما رَنَّحت نَسماتُ الريح غصنَ رُبىً / وأومضَ البَرقُ مُجتازاً على الكُثُبِ
ما بَينَ قَلبي وَبرقِ المُنحنى نَسبُ
ما بَينَ قَلبي وَبرقِ المُنحنى نَسبُ / كِلاهُما من سَعير الوَجد يَلتَهِبُ
قَلبي لِما فاته من وصل فاتِنِه / وَالبَرقُ إِذ فاتَه من ثغره الشَنَبُ
بَدرٌ أَغارَ بُدورَ التمِّ حين بَدا / لَيلاً تحفُّ به من عقده الشُهبُ
مُهفهفٌ إِن ثَنى عِطفاً على كَفَلٍ / أَثنَت عَلى قَدِّه الأَغصانُ والكثُبُ
قَضى هَواهُ على العُشّاق أَنَّ له / سَلبَ القُلوبِ الَّتي في حُبِّه تَجِبُ
راقَت لعينيَ إِذ رقَّت محاسنُهُ / وَراقَ لي في هَواهُ الوَجدُ والوصَبُ
فالجَفنُ بالسُهد أَمسى وهو مكتحلٌ / وَالدَمعُ أَصبحَ يَجري وهو مُختَضِبُ
ظَبيٌ من العُرب تَحميه محاسنُهُ / عمَّن يؤَمِّلُه وَالسمرُ والقُضبُ
لكنَّه ما رَعى في الحُبِّ لي ذِمماً / وَكَم رعت ذِمماً في حيِّها العربُ
لَو لَم يكن بالحمى الشرقيِّ منزلُهُ / ما هزَّني للحمى شَوقٌ ولا طَربُ
لا زالَ صَوبُ الحَيا يُحيي معاهدَه / وَتسحبُ الذيلَ في أَرجائها السُحُبُ
معاهدٌ نِلتُ فيها مُنتهى أَرَبي / وَلَيسَ لي في سِوى مَن حَلَّها أَربُ
أَيّامَ غصنُ شَبابي يانعٌ نَضِرٌ / وَالعمرُ غضٌّ وأَثوابُ الصبا قُشُبُ
أَصبو إِلى كُلِّ بَدرٍ طَوقُه أفقٌ / وَكُلِّ شَمسٍ لها من ضوئِها حُجُبُ
أَستودُع اللَه غزلاناً بذي سَلَم / بانَت بهنَّ دواعي البَينِ والنوَبُ
شَكَوتُ جورَ النَوى من بعدها وشكت / وَكُنتُ لم أَدرِ ما الشَكوى ولا العَتَبُ
يا راحِلاً بِفؤادي وهو قاطنُهُ / وَساكِناً بِضُلوعي وهيَ تَضطَرِبُ
قطعتَ حبلَ الوَفا من غير ما سَبَبٍ / فَهَل إِلى الوَصل من بعد الجَفا سَبَبُ
أَمّا النفوسُ فَقَد ذابَت عليك أَسىً / وهيَ الَّتي من مَجاري الدَمعِ تَنسَكِبُ
فإِن سلبتَ الَّذي أَبقيتَ من رَمَقٍ / أَحييتها ولك المَسلوبُ وَالسَلبُ
وإِن قضيتَ بأَن تَقضي على كمَدٍ / فإِنَّها في سَبيل اللَه تُحتَسبُ
لِلَّه من والهٍ عانٍ بأسرَتهِ
لِلَّه من والهٍ عانٍ بأسرَتهِ / ومن محبٍّ غدا يبكيه محبوبُ
كأَنَّه يُوسفٌ في السِجن مُضطَهداً / وكُلُّ ذي خِلَّة في الحيِّ يَعقوبُ
لا تَجزعنَّ إذا نابَتكَ نائبةٌ
لا تَجزعنَّ إذا نابَتكَ نائبةٌ / ولا تضيقنَّ في خَطبٍ إذا نابا
ما يُغلق اللَه باباً دونَ قارعةٍ / إلّا وَيَفتَحُ بالتَيسير أَبوابا
ورحلتي المُشتَهاةُ تُزري
ورحلتي المُشتَهاةُ تُزري / بالرَوضِ عند الفَتى الأَريبِ
فإن تغرَّبتَ فاِصطَحبها / فإنَّها سَلوةُ الغَريبِ
يا حاديَ الظعنِ إِن جُزتَ المواقيتا
يا حاديَ الظعنِ إِن جُزتَ المواقيتا / فحيّ مَن بِمنىً والخَيفِ حُيِّيتا
وَسَل بجمعٍ أَجمعُ الشَملِ مؤتَلِفٌ / أَم غالَه الدَهرُ تفريقاً وتَشتيتا
واِلثِم ثَرى ذَلِكَ الوادي وَحُطَّ بِهِ / عَن الرِحال تَنل يا سَعدُ ما شيتا
عَهدي به وَثَراهُ بالشذا عَبِقٌ / كالمِسكِ فتَّتهُ الداريُّ تَفتيتا
والدرُّ ما زالَ من حَصبائِهِ خجِلاً / كأَنَّ حصباءَه كانَت يواقيتا
يؤمُّه الوَفدُ من عُربٍ ومن عَجمٍ / وَيسبرونَ له البيدَ السَباريتا
يَطوونَ عَرضَ الفَيافي طولَ ليلهمُ / لا يَهتَدون بغيرِ النجم خرِّيتا
من كُلّش مُنخرقِ السِربال تحسَبُه / إذا تسربلَ بالظَلماءِ عِفريتا
لا يَطعَم الماءَ إلّا بلَّ غلَّتِه / ولا يَذوق سِوى سَدِّ الطَوى قوتا
يَفري جُيوبَ الفَلا في كُلِّ هاجِرَةٍ / يُماثِلُ الضَبُّ في رَمضائِها الحوتا
تَرى الحَصى جَمَراتٍ من تَلهُّبِها / كأَنَّما أوقِدَت في القَفر كبريتا
أَجابَ دَعوةَ داعٍ لا مَرَدَّ لَها / قَضى على الناس حَجَّ البَيت تَوقيتا
يَرجو النَجاةَ بِيَومٍ قد أَهابَ به / في مَوقِفٍ يَدَع المنطيقَ سِكِّيتا
فَسارَ وَالعَزمُ يَطويه وَينشرُهُ / يُنازِلُ البينَ تَصبيحاً وتَبييتا
حَتىّ أَناخَ عل أُمِّ القُرى سَحَراً / وَقَد نَضا الصُبحُ للظَلماءِ إِصليتا
فَقامَ يَقرَعُ بابَ العَفوِ مُبتَهِلاً / لَم يَخشَ غَيرَ عِتابِ اللَه تَبكيتا
وَطافَ بالبَيتِ سَبعاً واِنثَنى عَجِلاً / إِلى الصَفا حاذِراً لِلوَقتِ تَفويتا
وَراحَ مُلتَمِساً نيلَ المُنى بِمِنىً / وَلَم يَخَف حينَ حَلَّ الخَيفَ تَعنيتا
وَقامَ في عَرفاتٍ عارِفاً ودَعا / ربّاً عوارِفُهُ عمَّتهُ تَربيتا
وَعادَ منها مُفيضاً وَهو مُزدَلِفٌ / يَرجو من اللَهِ تَمكيناً وتَثبيتا
وَباتَ للجَمَراتِ الرُقش مُلتَقِطاً / كأَنَّه لاقِطٌ دُرّاً وَياقوتا
وَحين أَصبَحَ يَومَ النَحرِ قامَ ضُحىً / يوفي مناسِكَه رَمياً وتَسبيتا
وقرَّب الهَديَ تَهديهِ شَرائعُهُ / إِلى الهُدى ذاكِراً لِلَّه تَسميتا
وَملّأتهُ لَيالي الخَيفِ بَهجَتها / فحجَّ للدين والدُنيا مواقيتا
حَتّى إِذا كانَ يَومُ النَفر نفَّرَهُ / وَجدٌ ينكِّتُ في الأَحشاءِ تَنكيتا
ثُمَّ اِغتَدى قاضياً من حجِّه تَفَثاً / يَرجو لتزكيةِ الأَعمالِ تَزكيتا
وودَّع البيتَ يَرجو العَودَ ثانيَةً / وليتَه عنه طولَ الدَهرِ ما ليتا
وأَمَّ طيبةَ مَثوى الطَيِّبين وقد / ثَنى له الشَوقُ نَحو المُصطَفى ليتا
فَواصَلَ السَيرَ لا يَلوي على سَكَنٍ / أَزادَ حُبّاً له أَم زاد تَمقيتا
حتّى رأَى القبَّةَ الخَضراءَ حاكيةً / قَصراً من الفَلَك العُلويِّ مَنحوتا
فقبَّل الأَرضَ من أَعتابِ ساحَتِها / وَعفَّر الخدَّ تَعظيماً وتَشميتا
حيث النُبوَّةُ مَمدودٌ سُرادِقُها / وَالمَجدُ أَنبته الرَحمَنُ تَنبيتا
مَقامُ قُدسٍ يَحار الواصفونَ له / وَيَرجِعُ العقلُ عن عَلياه مَبهوتا
لَو فاخَرَته الطِباقُ السَبعُ لاِنتكسَت / وَعادَ كوكبُها الدُريُّ مَكبوتا
تَستَوقِفُ السَمعَ والأَبصارَ بهجَته / وَيَجمَعُ الفَضلَ مَشهوداً ومَنعوتا
يَقولُ زائرُهُ هاتِ الحَديثَ لنا / عن زَوره لا عَن الزوراء أَو هيتا
وصِف لنا نورَه لا نارَ عاديَةٍ / باتَت تُشبُّ على أَيدي مَصاليتا
مثوى أَجلِّ الوَرى قَدراً وأَرحَبِهم / صَدراً وأَرفعهم يَومَ الثَنا صيتا
نَبيُّ صِدقٍ هَدَت أَنوارُ غُرَّته / بَعد العَمى للهُدى من كانَ عِمِّيتا
وأَصبحت سُبُلُ الدين الحَنيفِ بِهِ / عَوامِراً بعدَ أَن كانَت أَماريتا
أَحيا به اللَه قَوماً قام سعدُهمُ / كَما أَماتَ به قَوماً طواغيتا
لَولاه ما خاطَبَ الرَحمنُ من بشرٍ / ولا أَبان لهم ديناً ولاهوتا
له يَدٌ لا نُرجّي غيرَ نائِلها / وَقاصدُ البحر لا يَرجو الهراميتا
فَلو حَوَت ما حوته السُحبُ مِن كَرَمٍ / لما سَمِعتَ بها للرعد تَصويتا
فَقُل لمن صَدَّه عنه غوايَتُه / لَو اِهتَدَيتَ إِلى سُبل الهُدى جيتا
ما رامَ حصرَ معانيه أَخو لسنٍ / إِلّا وأَصبح بادي العيّ صِمِّيتا
يا أَشرَفَ الرُسلِ والأَملاكِ قاطبةً / ومن به شَرَّف اللَهُ النواسيتا
سَمعاً لدعوة ناءٍ عنك مُكتئِبٍ / فَكَم أَغثتَ كئيباً حينَ نوديتا
يَرجوكَ في الدينِ والدُنيا لمقصدِهِ / حاشا لِراجيكَ من يأسٍ وحوشيتا
أَضحى أَسيراً بأَرضِ الهِند مُغتَرِباً / لَم يَرجُ مخلصَه إلّا إذا شيتا
فنَجِّني يا فدتكَ النَفسُ من بَلَدٍ / أَضحت لِقاحُ العُلى فيهِ مَقاليتا
وَقَد خَدَمتُك من شِعري بِقافيَةٍ / نَبَّتُّ فيها بديعَ القَولِ تَنبيتا
وزانَها الفِكرُ من سِحر البيان بما / أَعيا ببابلَ هاروتاً وماروتا
جلَّت بمدحِكَ عن مِثلٍ يُقاسُ بها / ومن يَقيسُ بنَشر المسكِ حِلتيتا
عَلَيكَ مِن صَلوات اللَه أَشرَفُها / وآلك الغُرِّ ما حُيّوا وحُيّيتا
مَعاطِفٌ أَم رماحٌ سمهريّات
مَعاطِفٌ أَم رماحٌ سمهريّات / وَأَعينٌ أَم مواضٍ مشرفيّاتُ
سَل عَن دَمي عندما تَلقاك مُسفرة / تُخبِركَ عنه الخدودَ العَندِميّاتُ
يا قاتلَ اللَه ألحاظاً سفكنَ دَمي / هَل كانَ عِندي لَها في الحُبِّ ثاراتُ
ما بَلبلَ القَلبَ من وَجدٍ ومن وَلَهٍ / هوايَ لَولا العيونُ البابليّاتُ
وَما أُبرّئُ نَفسي إِنَّها حَكمَت / بالحبِّ فاِحتكَمَت فيها الصَباباتُ
وَلَيسَ بِدعاً فكم بالعِشق قد بليت / قَبلي نفوسٌ عن البَلوى أَبيّاتُ
يا عاذِلي في الهوى أَسرَفتَ في عَذلي / وكانَ يَكفيكَ لو تُجدي إِشاراتُ
كَيفَ السلوُّ وأَشواقي مضاعفةٌ / وَبين حُبّي وَسُلواني مُنافاةُ
هَيهاتَ قَلبي عَصاني في محبَّتهم / لَمّا غَدا وَلَهُ في الحُبِّ طاعاتُ
وَما ربوعُ الهوى يَوماً بدراسَةٍ / وَقَد وَفَت لي الحسانُ العامريّاتُ
لي من سُعادَ سَعاداتٌ أَفوزُ بها / يوم اللِقاء ومن لُبنى لُباناتُ
وَفي غَراميَ سرٌّ لا أَبوحُ به / وَللمحبّينَ أَسرارٌ خَفيّاتُ
لا أنكرنَّ الهوى مِن بعدما تُليَت / عليَّ من سوَر الأَحباب آياتُ
فخذ صَحيحَ الهوى عَنّي ومُسنَدَهُ / فَكَم بإِسنادِه عنّي رِواياتُ
ومن يُناظِرُني فيه وقد نُشِرَت / عَلى مَفارقِ لَهوي منه راياتُ
واِستفرَغَتهُ صَباباتي فما بقيَت / بَعدي لأَهل الهوى إلّا صباباتُ
مَن عَمَّ طلعَتك الغَرّاءَ بالبلَج
مَن عَمَّ طلعَتك الغَرّاءَ بالبلَج / وخصَّ مَبسِمَك الدُريَّ بالفَلَجِ
وَموَّهَ السِحرَ في جَفنَيكَ فاِتَّفَقا / عَلى اِستلاب النُهى بالغُنج والدَعَجِ
وَضاعفَ الوَردَ في خَدَّيكَ حين بَدا / رَيحانُ عارِضكَ المِسكيِّ بالضَرَجِ
وأَكسبَ الوردَ من ريّاك طيبَ شذاً / حتّى روى مُسنداً عن نَشركَ الأَرجِ
وَكَم لحُسنكَ مَعنىً قد خُصِصتَ به / ما بين مُنفردٍ منه ومُزدَوجِ
ما كُلُّ ذي بَهجَة راقَت محاسنُهُ / يَحوي محاسنَ هَذا المنظَرِ البهجِ
من رامَ حُسنَك لم ينظر إِلى حَسَنٍ / وفي سَنى الشَمس ما يُغني عَن السُرُجِ
قَد كادَ يَحكيكَ لَولا الفرقُ لاحَ لنا / بدرُ التَمام وَشَمسُ الأفق في البَلَجِ
فَلَم يقَع منكَ ذو حُسنٍ على شَبهٍ / سِوى الهِلالِ على ما فيهِ من عِوَجِ
كَيفَ النَجاةُ لمن ولّاكَ مهجتَه / وَسَيفُ لحظِكَ لا يُبقي على المُهَجِ
خذ في التَجنّي وَدَع من ماتَ فيك يَقُل / أَنا القَتيلُ بلا إِثم ولا حَرَجِ
خَلعتُ فيكَ عِذاري غيرَ مُعتذرٍ / وَفي عذارِكَ عذري واضحُ الحُجَجِ
وَكَيفَ أَصحو غَراماً من هَواكَ وقد / سَقَيتَني الحبَّ صِرفاً غيرَ مُمتَزجِ
هامَ المحبُّونَ وجداً فيك فاِنزَعجوا / وهمتُ فيكَ بِقَلبٍ غير مُنزَعجِ
شتّانَ ما بين صَبٍّ راحَ مُكتَئِباً / وَبين صَبٍّ بجَور الحبِّ مُبتَهجِ
يا لاهِجاً بمَرامي في هوى رشأٍ / بسَلب أَلباب أَربابِ الهَوى لَهِجِ
إن لم يَلج حسنُه في ناطريكَ فَلي / سمعٌ وحقِّك فيه العَذلُ لم يَلجِ
حَلَت حلاه لِقَلبي إذُ شُغِفتُ به / وَالحبُّ أَعذَبُ لي من عَذلكَ السَمِجِ
لي من ذوائبه لَيلٌ دَجا فَسَجا / فيهِ يَطيبُ السُرى وَهناً لمدَّلجِ
ومن محيّاهُ صبحٌ إِن أَضاءَ لنا / جَلا الدُجى بصباحٍ منه مُنبَلجِ
لا غَروَ إِن فتنَت قَلبي نَواظره / كَم فِتنَةٍ دونَ ذاك الناظِر الغَنِجِ
ما كُنتُ أَوَّلَ من أَذكت بمهجتِه / نارُ الصَبابة وَجداً دائمَ الوَهَجِ
فَقَلبُه من سَعير الوَجدِ ذو حُرَقٍ / وَجَفنُه من بحار الدَمع في لُجَجِ
أَهفو إِلى الريح إِن مَرَّت على إِضمٍ / شَوقاً لمن قَلبُه بالشَوق لم يَهِجِ
يا حَبَّذا نسمَةٌ هَبَّت لنا سحراً / تَختالُ في الجَوِّ من طيبٍ ومن أَرَجِ
روت أَحاديثَ سُكّان الحِمى وَسَرت / تَهيجُ كلَّ فؤادٍ بالغَرام شَجِ
فَهَل دَرَت نَسَماتُ الحيِّ حين سَرت / ماذا أَسَرَّت لعاني الحبِّ من فَرَجِ
وافت مُبَشِّرَةً بالوَصل منشدةً / لكَ البِشارَةُ مُضنى الحُبِّ فاِبتَهِجِ
أَما تَرى الأَيكَ قَد غَنَّت صوادحُهُ
أَما تَرى الأَيكَ قَد غَنَّت صوادحُهُ / وَالرَوضَ نَمَّت بريّاه نَوافحُهُ
فاِنهض إلى وَردَةٍ حُفَّت بنرجسةٍ / حَبابُها زَهَرٌ طابَت روائحُهُ
حَمراءَ يسطعُ في الظَلماءِ ساطعها / كأَنَّها شَرَرٌ أَوراهُ قادحُهُ
إِذا اِحتَساها أخو سِرّ بجُنحِ دُجىً / يَكادُ يظهرُ ما تُخفي جوانحُهُ
مِن كَفِّ أَغيدَ ما لِلبَدر طلعتُه / ولا لِشَمسِ الضُحى منه مَلامحُهُ
مورَّدُ الخَدِّ لَدنُ القدِّ ذو هَيفٍ / خَفيفُ روحٍ ثَقيلُ الرِدفِ راجحُهُ
بَدرٌ ولكنَّما قَلبي مطالعُه / ظَبيٌ ولكنَّ أَحشائي مسارحُهُ
لَم تبدُ رقَّةُ كشحَيه لناظرِه / إلّا ورقَّ له بالرَغم كاشحُهُ
إذا تَجَلَّت بِشَمسِ الراح راحتهُ / ودَّت نُجومُ الدَياجي لو تُصافحُهُ
يفترُّ ثَغرُ حَبابِ الكأسِ في يَدِه / كأَنَّها حين يَجلوها تُمازِحُهُ
ما اِهتزَّ من طَرَبٍ إلّا شَدا طَرَباً / من الحُليِّ على عِطفيه صادِحُهُ
قاسوه بالبَدرِ في ظَلماء طُرَّته / وَالفَرقُ يَظهَرُ مِثلَ الصبح واضحهُ
ما كانَ أَغنى النَدامى عَن مُدامَتهِ / لَو أَنَّه سامحٌ بالثَغر مانِحُهُ
لا يَمنع الصبَّ وَعداً حين يسأَلُه / لكنَّه ربَّما عزَّت منائحُهُ
قد كانَ يُقنعُه طَيفٌ يُلِمُّ بِهِ / لو أَنَّه بالكرى لَيلاً يسامحُهُ
كَم رامَ يكتمُ ما يَلقاهُ من كَمَدٍ / في حبِّه غير أَنَّ الدَمعَ فاضِحُهُ
يا ناصحَ الصَبِّ فيه لا تقل سَفهاً / تاللَه ما برَّ فيما قالَ ناصحُهُ
ما زِلتُ أُحسِنُ شِعري في مَحاسِنهِ / وواصفُ الحُسن لا تَكبو قَرائحهُ
لا يَحسُنُ الشِعرُ إِلّا من تغزُّله / فيه وَفي المُصطَفى الهادي مدائحهُ
هُوَ الحَبيبُ الَّذي راقَت خلائقُه / ورَبُّه بعظيم الخُلق مادحُهُ
إِن ضَلَّ مَن أَمَّ لَيلاً سوحَ حضرته / هداه من نَشره الذاكي فوائحُهُ
هُوَ الكَريمُ الَّذي ما زالَ نائلُه / تَتلو غواديَه فينا روائحُهُ
محمَّدٌ خَيرُ محمودٍ وأَحمَدُ من / وافَت بأسعدِ إِقبالٍ سوانحُهُ
أَتى بِفُرقانِ حقٍّ في نبوَّتِه / ضاهَت خواتِمَهُ الحُسنى فواتحهُ
من اِقتفاهُ أَغاثَتهُ صحائفُه / وَمَن أَباهُ أَبادَته صفايحُهُ
وَلَيسَ بابُ هُدىً تُرجى النَجاةُ بِهِ / يوم القيامة إِلّا وهو فاتحُهُ
الموسعُ الجود إِن ضاقَت مذاهبُهُ / وَالفاتحُ الخير إِن أَعيَت مفاتحُهُ
ما زالَ مجتهداً في نُصح أمَّتهِ / حتّى هَدَتهم إلى الحُسنى نصائحُهُ
بصدقِه شهدَت أَنوارُ غرَّته / وَالحَقُّ أَبلجُ لا تَخفى لوائحُهُ
لَم يبرحِ العَدلُ بالعدوان ملتبساً / حتّى أَتى وهو بالفُرقان شارحُهُ
فأَصبحَ الحَقُّ قد دَرَّت غَزائرُهُ / وأَنتجَت بالهُدى فينا لواقحُهُ
وَأَصلحَ الدينَ والدُنيا بملَّتهِ / وأَقبلت في الوَرى تَترى مصالحُهُ
قَد فازَ منه مواليهِ بمُنيتِهِ / وطوَّحت بمُعاديه طوائحُهُ
ما مَسَّ مُجدِبَ وادٍ نعلُ أَخمصِه / إِلّا وسالَت بما تَهوى أَباطحُهُ
لَو فاخَرَ البَحرَ جَدوى راحَتيه غدا / قَفراً وغاضَت على غيظٍ طوافحُهُ
ولَو أمِدَّ غَمامٌ يَومَ نائله / من فيض كفَّيه ما كفَّت سوافحُهُ
وَكَم لَه من جَميلٍ دُرُّ مُجمَلِهِ / زانَت ترائبَ أَقوالي وشائحُهُ
لا يَبلغ الواصفُ المُطري مناقبهُ / وَكَيفَ يَبلغُ أَقصى البحر سابحُهُ
يا سيَّدَ الخَلقِ ما لِلعَبد غيركَ من / يَرجوهُ غوثاً إِذا ضاقَت منادِحُهُ
فأَنتَ أَنتَ المرجّى إِن عرَت نُوَبٌ / وَبَلبَلَ البالَ من دَهرٍ فوادحُهُ
فاِسمع لدَعوةِ مُضطرٍّ به ضَرَرٌ / يَدعوكَ وهو بَعيدُ الإِلفِ نازِحُهُ
قد غادرَته النوى رهنَ الخُطوب ولَم / يزل يُماسيه منها ما يُصابِحُهُ
أَضحى غَريباً بأَرض الهِند لَيسَ له / سوى تفكُّره خِلٌّ يطارحُهُ
لَعَلَّ رُحماكَ من بَلواهُ تُنقذُه / وَيُصبح البينُ قد بانَت بوارحُهُ
فاِشفَع فدَيتُكَ في عَبدٍ تكاءَدَهُ / من الحوادِثِ ما أَعياهُ جامِحُهُ
يَرجو شفاعَتَكَ العُظمى إذا شَهِدت / بما جَناه على عَمدٍ جوارحُهُ
وَسل إِلهكَ يَعفو عَن جَرائمِهِ / قبلَ السؤالَ فَلا تَبدو قبائحُهُ
أَنتَ الشَهيدُ عَلَينا وَالشَفيعُ لنا / فمن شفعتَ له تُستر فضائحُهُ
وَلي مطالِبُ شَتّى أَنتَ مُنجحُها / فَضلاً إِذا أَعيت الراجي مناجِحُهُ
عَلَيكَ من صَلواتِ اللَه أَشرَفها / ومن تحيَّاته ما طابَ فائحُهُ
والآلِ والصَحب ما غَنَّت مطوَّقَةٌ / ولاحَ من بارق الجَرعاء لائحُهُ
وافى إليكَ بكأسِ الرّاحِ يَرتاحُ
وافى إليكَ بكأسِ الرّاحِ يَرتاحُ / كأَنَّه في ظَلام اللَّيل مصباحُ
ساقٍ لعشَّاقِه من جُنح طُرَّته / وضوءِ غرَّته لَيلٌ وإِصباحُ
لَم تَدرِ حين يُدير الراحَ مُبتَسِماً / من ثغره العَذب أَم من كأَسِه الراحُ
أَمسى النَدامى نَشاوى من لَواحِظه / كأَنَّ أَحداقَه للخَمر أَقداحُ
إِن راحَ يَرتاحُ من ماءِ الشَباب فَلي / قَلبٌ عليه بنارِ الوَجدِ يَلتاحُ
أَما تَرى عاشِقيه من هُيامِهمُ / غدوا عليه بوجدٍ مثل ما راحوا
طَووا على سِرِّ شكواهُ ضمائرَهم / وَلَو أَباحَ لهم شَكواهُ ما باحوا
أَمّا الصَبوحُ فقد لاحَت لوائحُهُ / رقَّ الظَلامُ وَجَيبُ الأفق مُنصاحُ
وَفاحَ عَرفُ الصبا عند الصَباح شذاً / كأَنَّهُ بأَريج المِسكِ نضَّاحُ
وَصاحَ بالقوم شادٍ هاجَه طَرَبٌ / وَبُلبل في فروع الدَوح صيّاحُ
فاِمسَح من النَوم جَفناً زانَه كحَلٌ / وحمّل الكفَّ كأَساً زانَه راحُ
وأَحي بالراح أَشباحاً معطَّلةً / فإنَّما هي للأَشباح أَرواحُ
أَما تَرى العودَ قد رَنَّت مثالِثُه / له بألسِنة الأوتار إِفصاحُ
تَشدو بِهِ قينةٌ غَرّاءُ آنسةٌ / كأَنَّ مِضرَبَها للأُنس مفتاحُ
يَرتاحُ في حِجرها من صَوتها طَرَباً / كأَنَّه غُصُنٌ في الرَوض مرتاحُ
وَالصبح قد لاحَ تَجلو اللَيلَ طلعتهُ / كأَنَّما اللَيلُ وَعدٌ وهو إِنجاحُ
وَساحَ يَملأ آفاقَ السَماءِ سَنىً / وغصَّ للأَرض من أَضوائِهِ ساحُ
وَالرَوضُ قد نَفحت رَيّا نوافحهِ / وَهبَّ منها على الأَرواح أَرواحُ
قم فاِسقنيها على ورد الخُدودِ فقد / زها وَفاحَ بها وَردٌ وتُفّاحُ
لا يُلهينَّك حزنٌ بانَ عن فَرحٍ / فإنَّما الدَهرُ أَفراح وأَتراحُ
سَقياً لعصرٍ مَضى بالسَفح من إِضم / إِذِ الزَمانُ بما أَهواه سَمّاحُ
وإِذ دواعي الهوى للَّهوِ داعيةٌ / وَالقَلبُ في راحَةٍ وَالعَيشُ رَحراحُ
وَالنَفسُ من غير شُغل الحبِّ فارغَةٌ / والأنسُ تُملأ من راحاتِه الراحُ
أَيّامَ لا مَشربي مرٌّ مذاقته / كلّا وَلا وردُه المَعسولُ ضَحضاحُ
لا تعجبنَّ لجَفني إِذ بكاهُ دماً / فإنَّه من قَليب القَلبِ يَمتاحُ
وافى وأفقُ الدُجى بالزُهد متَّشح
وافى وأفقُ الدُجى بالزُهد متَّشح / وَالصُبحُ قد كادَ للأَبصار يتَّضحُ
وَالبَدرُ يرفلُ في ظلمائِهِ مَرحاً / وضرَّةُ البَدر عِندي زانَها المرحُ
مهفهفٌ تَستَخِفُّ الراحُ راحتَهُ / وَيُثقلُ السُكرَ عِطفيه فيَرتَنِحُ
بدا يَطوفُ بها حَمراءَ ساطعةً / في جَبهَة اللَيل من لألائِها وضَحُ
فاِطرح زنادَك لا تستَورِه قَبَساً / لا يقدحِ الزندَ من في كفِّه القَدَحُ
وافى بها أُسرةً في المجد راسيةً / لا يستفزُّهم حُزنٌ ولا فرحُ
لهم من الراحِ في الأَفراح مُغتَبَقٌ / ومن دماء العِدى في البأس مُصطَبحُ
هُمُ سِمامُ العِدى إِن غارَةٌ عَرضت / وَهم غَمام النَدى والفَضل إِن سَمحوا
تُخفي وجوهُهمُ الأَقمارَ إِن سَفَروا / وَتُخجِلُ السحبَ أَيديهم إِذا مَنَحوا
مالوا إِلى فُرص اللَذّات من أُمَمٍ / ولم يَميلوا عن العَليا ولا جَنَحوا
وَباتَ يمنحُني من دَنِّه مِنحاً / كانَت أَمانيَّ نَفسي وَالهَوى مِنحُ
وَذاتِ حُسنٍ إذا مِيطت بَراقعُها / فالشَمسُ داهِشَةٌ وَالبَدرُ مُفتَضِحُ
عاتَبتُها بعدما مالَ الحَديثُ بها / عَتباً يمازجُه من دَلِّها مُلَحُ
فأَعرضت ثمّ لانَت بعد قَسوتِها / حتّى إِذا لَم يَكُن للوَصلِ مُطَّرَحُ
أَغضَت وأَرضَت بما أَهوى وعفَّتُنا / تأبى لنا مأثماً في الحُبِّ يُجتَرَحُ
فَلَم نَزل لابِسي ثَوب العَفاف إِلى / أَن كادَ يظهرُ في فرع الدُجى جَلحُ
قامَت وقُمتُ وفي أَثوابنا أَرَجٌ / من الوِصالِ وفي أَكبادِنا قُرحُ
ما أَصعَبَ الحبَّ من خَطبٍ وأَبرَحَه / بذي العَفاف وإِن أخفى الَّذي يَضحُ
بالفَتح والنَصر هَذا السَيرُ وَالسفرُ
بالفَتح والنَصر هَذا السَيرُ وَالسفرُ / وَسرتَ يصحبُك الإقبالُ والظَفرُ
فَسِر بيُمنٍ فَعينُ اللّه ناظرَةٌ / إِليك ما اِرتدَّ طرفٌ أَو سما نظرُ
عليك من واقياتِ اللَه سابغةٌ / تقيكَ بأساً فلا خَوفٌ ولا حذرُ
مؤَيَّداً بجنودٍ من ملائكهِ / وحفظهُ لك مِمّا تَتَّقي وَزَرُ
ولا بَرحتَ مدى الأَيّام في شَرَفٍ / مُستَبشِراً بعُلاك الدَهرُ والبشرُ
وحاز ملكُك وجهَ الأَرض أَجمعها / واِستسلَمَت لِظُباكَ البدوُ والحضَرُ
وملَّكتكَ ملوكَ الأَرض قاطبةٌ / أَغاقَها إِن هُمُ غابوا وإن حضروا
ودمتَ ما دامَت الدنيا بمنزلةٍ / لم يرقَها النيّرانُ الشَمسُ والقَمَرُ
يا أَيُّها الملكُ المسعودُ طالعُه / لا زالَ يُسعِدُكَ التَدبيرُ والقَدرُ
أَنتَ الَّذي باِسمه السامي وطلعتِه / نالَ المُنى المدركان السمعُ والبصرُ
ما قيلَ هَذا شَهِنشاهُ الملوك بدا / سميُّ ثالثِ أَهل الذكر إِن ذُكروا
إِن رمت نولاً لمن أَمَّلت زَورتَه / وَهوَ الإمامُ الرِضا والسيِّدُ القمرُ
فقد أَتى مُفصِحاً تاريخُ زَورته / نول الرِضا وهو تاريخ له خطرُ
فصمِّم العَزمَ فيما قد قصدت له / فَما عليك بجاه المُصطَفى خطرُ
أَرَبَّةَ الخِدر ذاتَ الرَيط والخُمُرِ
أَرَبَّةَ الخِدر ذاتَ الرَيط والخُمُرِ / إليكِ عنّي فما التَشبيبُ من وطري
في كُلِّ قامة عَسّالٍ تُأوِّدهُ / كفّايَ لي غنيَةٌ عن قدِّك النَضرِ
طويتُ عن كُلِّ أَمر يُستَلَذُّ به / كشحاً وأَغضيتُ عن وَردٍ وعن صَدَرِ
غَنيتُ بالمجد لا أَبغي سواهُ هوىً / في هزَّة السُمر ما يُغني عن السُمُرِ
وَما أَسِفتُ عَلى عَصرٍ قضيتُ به / عيشَ الشَبيبة في فَسحٍ من العُمُرِ
إِلّا لفرقة إِخوان أَلفتُهُمُ / من كُلِّ أَصيدَ مثل الصارم الذَكَرِ
طُهر المآزِرِ مذ نيطَت تمائمُهم / نالوا من المَجد ما نالوا من الظفرِ
شادوا قِبابَ المَعالي من بيوتهمُ / واِستوطنوا ذِروة العَلياء من مُضرِ
كَم فيهمُ من كَريمٍ زانَه شَمَمُ / تُغنيك غُرَّته عن طَلعةِ القَمرِ
سَقى الحَيا ربعَ أنسٍ ضمَّ شملَهمُ / ولا عدا سوحَهُ مُستعذَب المطرِ
يا للرجال لِصبٍّ بالعُلى قمنٍ / يُمسي وَيُصبحُ من دهر على غَرَرِ
لَو أَنصفتني اللَيالي حزتُ مُطَّلَبي / ولم أَبت حِلفَ وَجدٍ عاقر الوَطرِ
الآن أحرز آمالي وأدرِكُها / بماجِدٍ غير ذي مَنٍّ ولا ضَجرِ
مُسدَّدِ الرأي لم يعبأ بحادثَةٍ / وَلَم تخنه يدُ الأَيّام وَالغيَرِ
بَدرٌ يَلوح بأفق الدَست مُحتَبياً / ليثٌ يَصولُ بباع غير ذي قصَرِ
كَم مهمهٍ جُبتُه بالسيف مشتَمِلاً / والعزم يكحلُ جَفن العين بالسَهرِ
في لَيلة قد أَضَلَّتني غياهبُها / حَتّى اِهتَديتُ إِلى بَيتٍ من الشَعَرِ
بطلعَةٍ كضياءِ الشَمس غُرَّتُها / وَنفحةٍ حملتها نسمةُ السحرِ
فظَلتُ وَاللَيلُ تُغريني كواكبُهُ / أُراقِبُ الصبحَ من خَوفٍ ومن حذَرِ
وَفي الكَنائِس مَن هام الفؤادُ بها / تَرنو إِليَّ بطرفٍ طامحِ النَظرِ
فأَقبلت وتجارَينا معانَقةً / كأَنَّنا قد تَلاقينا على قَدَرِ
حَتّى بدت غرَّةُ الإِصباح واضحَةً / وَطُرَّة اللَيل قد شابَت من الكِبَرِ
ثمّ اِنثَنينا وَلَم يُدنِس مضاجعَنا / إِلّا بَقايا شذاً من ريحها العَطِرِ
فاِستعجلَت تُحكمُ الزُنّارَ عقدَتَه / وَتسحبُ الذيل من خَوفٍ عَلى الأثرِ
واِستقبلت ديرَ رُهبانٍ قد اِعتكَفوا / يُزَمزِمون بأَلحانٍ من الزُبُرِ
يا ابنَ النَبيِّ دُعاءً قد كشفتُ له / عن وجه لا واجِمٍ عيّاً ولا حَصِرِ
إِليكَ لَولاكَ لم أَصعَد نشوز رُبىً / وَلَم أُواصِل سُرى الإِدلاج بالبُكرِ
كَم نعمةٍ لك لا تُحصى مآثرُها / نَفعاً أَنافَت على العَرّاصَة الهُمُرِ
وَكَم ليَ اليوم في جَدواكَ من أَمَلٍ / أَثقَلتُ فيه قَرى المهرِيَّة الصعُرِ
كَم فيك من نِعمٍ تُرجى ومن نِقمٍ / تُخشى الغداةَ ومن نفعٍ ومن ضَرَرِ
أَنتَ الَّذي خُلقت للتاجِ لِمَّتُهُ / وكفُّه لطوال السُمر والبُتُرِ
ووقفَةٍ لك فلَّت كلَّ مُنصِلتٍ / وَالسمرُ ما بين منآدٍ وَمُنكسِرِ
سررتَ كلَّ صديق في مواقفها / ما كادَ يسأل حتّى سُرَّ بالخَبَرِ
وَلَيلَةٍ من عَجاج النَقع حالِكةٍ / جلوتَها منكَ بالأَوضاح والغُدرِ
ما إِن قَدحتَ زناداً يومَ ملحمةٍ / إِلّا وأَتبعتَ فيه القَدح بالشَرَرِ
شهِدتُ فيك سَجايا قد سمِعتُ بها / فَفزتُ منها بملء السَمع والبَصرِ
فاِنعَمَ بعيدِكَ في عزٍّ وفي دَعَةٍ / وَالدَهرُ يفترُّ عن أَيامك الزُهُرِ
وَخذ إليكَ عَروساً طالما حُجِبت / زُفَّت إليكَ وقد صيغت من الدُرَرِ
واِسلَم عَلى رُتب العَلياءِ مُرتَقياً / مُسدَّدَ العَزم في بَدوٍ وفي حضرِ
وافتكَ وَالزُهر في روض الدُجى زَهَرُ
وافتكَ وَالزُهر في روض الدُجى زَهَرُ / وَالفجر نَهرٌ على الظَلماء منفجرُ
فأَقبلت هي وَالصبحُ المُنيرُ مَعاً / حتّى تحيَّر في ضوأيهما النَظرُ
وأَسفرَت عن سَنى وجه أَبانَ لنا / بدرَ التَمام ولكن ليلُه الشَعَرُ
غَرّاء لَولا اِتضاحُ الفَرق لاحَ لنا / ما شَكَّ ذو بصرٍ في أَنَّها القَمَرُ
إِن تجلُ غرَّتَها فالصبحُ متَّضحٌ / أَو تُرخِ طرَّتها فالليلُ مُعتكِرُ
هنديَّةٌ فعلت منها اللِحاظُ بنا / ما لَيسَ تفعلهُ الهنديَّةُ البُتُرُ
حَوراءُ ما بَرِحت من سحر مُقلتها / تَسبي العقول بطرفٍ زانه حَوَرُ
تُديرُ من ثَغرها راحاً معتَّقةً / كأَنَّما ثغرُها للراح مُعتَصرُ
هَيفاءُ مائسةُ الأَعطافِ ما خطرت / إلّا وَكان لنا من عشقها خَطَرُ
لَم تَخشَ ثأراً بما أَردت لواحظُها / دمُ المحبّين في شَرع الهَوى هَدَرُ
كانَت لَيالي الهوى من مَصلها غُرراً / حَتّى تَناءَت فأَمسى دونها غَرَرُ
يا ربَّةَ الحسنِ مَهلاً قد أَسأت بِنا / ما لي عَلى كُلِّ هَذا البين مُصطَبرُ
أَما لِقُربِك من وَعدٍ أُسرّ به / حتّامَ لا وَطَنٌ يَدنو ولا وَطرُ
نأيت هجراً فَلا وَصلٌ ولا سَبَبٌ / وَبنتِ داراً فَلا عَينٌ ولا أَثَرُ
إن تُعتبي لا تُحيليني عَلى قَدرٍ / ما كُلُّ هَذا الجفا يَجري به القَدَرُ
فاِقضِ الَّذي شئت من صدٍّ ومن بعدٍ / ذَنبُ الحَبيب عَلى الحالينِ مُغتَفَرُ
كَم عاذِلٍ ظَلَّ يَلحوني فَقُلتُ له / حظّي هَواها وَحَظُّ العاذلِ الحجَرُ
فَقال عشقُك هَذا كلُّه عبَثٌ / فَقُلتُ عذلُكَ هَذا كلُّه هَذَرُ
يا لائمي غيرُ سَمعي للمَلامِ فَلي / حبّ تَوازَرَ فيه السَمعُ والبَصَرُ
إِن كانَ لي من هواها لا بليتَ به / وِزرٌ فَلي من عَليٍّ في العُلى وَزَرُ
الماجِدُ النَدسُ السامي برتبته / أَبو الحسين السريُّ الصارم الذكرُ
الموسويُّ الَّذي واست مكارِمُه / عفاته وهمى من كفِّه المطرُ
مهذَّبٌ نالَ من أَسنى العُلى رُتباً / قد رامَها قبله قَومٌ فما قدروا
فضمَّ شملَ المَعالي يافِعاً وحَوى / من المحامد ما لم يَحوِهِ بَشرُ
إِن ساد آباؤُهُ قِدماً فبينهما / فَرقٌ كَما اِفترق الأَشجار وَالثمرُ
يولي الجَزيلَ ولا يَمنُن بكَثرته / وَيوسعُ الضَيفَ إن قَلّوا وإن كثروا
اِسمَع مدائحَهُ واِنظر إِليه تَجِد / وَصفاً تَطابَق فيه الخُبر والخَبرُ
ما رامَ حصرَ مَعاليه أَخو لَسَنٍ / إِلّا اِعتَرى نُطقَه من دونها حَصَرُ
وَما عَسى يبلغُ المُطري مديحَ فَتىً / مطوَّل المدح في عَلياه مختصرُ
ما مُهدياً ليَ نظماً خلتُه دُرَراً / يشنِّفُ السَمعَ لا بل دونها الدُرَرُ
قلَّدتَني مِنَناً لا أَستَطيع لها / شُكراً ولو ساعدتني البَدوُ والحضرُ
فَخُذ إِليك عَروساً بتُّ أَنظمُها / لَيلاً فيحسد لَيلي عندَها السَحرُ
تُثني عليك كَما أثني لشكر يَدٍ / عَلى الحَيا من رياض نشرُها العطرُ
ولا برِحتَ مَدى الأَيّام في دَعةٍ / يمدُّك المُسعِدان السَعدُ والعُمُرُ
أَليَّةً باِنعطافِ القامةِ النَضِرَة
أَليَّةً باِنعطافِ القامةِ النَضِرَة / وَنَظرَةٍ لاِختطاف العَقلِ مُنتظِرَه
وَغرَّةٍ كضياءِ الصُبحِ مشرقةٌ / وَطُرَّةٍ كظَلام اللَيلِ مُعتكرَه
ما مالَ قَلبي المعنّى بعدَ فُرقتها / عنها لمعرفةٍ كلّا ولا نَكِرَه
ظنَّت سلوّي فَراحَت وهي عاتِبَةٌ / وَلَو درَت لأتَتني وهي مُعتذِرَه
إِن تَعتَبن فَلَها العُتبى وإن نقمت / منّي على غير ذَنبٍ فَهي مُقتَدِرَه
أَما وَعَهدِ الهوى ما ساءَها خُلقي / ولا تنمَّرتُ من أَخلاقِها النَمِرَه
لكن كتمتُ عَن الواشينَ بي وَبها / محبَّةً هي في الأَحشاءِ مُستَتِرَه
فأَرجفوا أَنَّني سالٍ وما عَلِموا / بأَنَّ نارَ الهوى في القَلب مُستَعِرَه
هَيهات أَينَ من السُلوان مكتئِبٌ / قد ملَّه لَيلُه من طولِ ما سَهِرَه
أَنفاسُه بزفير الشَوقِ صاعدةٌ / لكنَّ أَدمعَه بالوَجدِ منحَدرَه
آهٍ لأَيّام وصلٍ بالحِمى سَلَفَت / إِذ كنتُ من طيبها في جنّةٍ خَضِرَه
أَيّامَ لا صفو عيشي بالنَوى كَدِرٌ / ولا نجومُ سماءِ الوَصلِ مُنكدِرَه
حيث الصَبابةُ باللَذّات آمرةٌ / وَالنَفسُ طوعاً لما تهواهُ مُؤتمِرَه
ما عَنَّ لي ذكرُها في كُلِّ آونةٍ / إِلّا وَلي كَبِدٌ بالوَجدِ مُنفَطِرَه
ولا تذكَّرتُ ذاكَ الشَمل مُجتَمِعاً / إِلّا اِستَهَلَّت دُموعي وهي مُنتَثِرَه
وما عَلى دون هَذا الخَطب مُصطَبَرٌ / لكنَّ نَفسي عَلى الحالات مُصطَبِرَه
باللَه يا صاحبي قُل للصَبا سَحَراً / إِذا أَتَت وهي من أَنفاسِها عَطِرَه
هَل عَهدُ سُعدى كَما قد كان أَم خَفَرت / عهدَ الأَحِبَّة تلك الغادة الخَفِرَه
وَهَل تراها بطيبِ الوَصل جابرَةً / منّا قُلوباً بطول الهَجرِ مُنكسِرَه
أَما كَفى البين لا دارَت دوائرهُ / نَوى الحُباب وتلك الخطَّة الخطرَه
حَتّى قَضى بنَوى الأَحباب كلِّهم / فَلَم أَزَل بعدهم في عيشةٍ كدِرَه
إِخوانُ صدقٍ كأَنَّ اللَهَ أَطلعَهُم / كَواكِباً في سماءِ المجد مُزدَهِرَه
منهم حسينٌ أَدام اللَهُ بهجَتَه / وَصانَه ربُّه عن كلِّ ما حذِرَه
الهاشميُّ الَّذي جلَّت مكارمُه / عن كلِّ حَصرٍ فراحت غير مُنحصِرَه
وَالحاتميُّ الَّذي أَضحَت عوارفُه / لمُغتَفي نَيله كالسُحبِ منهمِرَه
جنابُهُ كعبةٌ للفَضلِ ما بَرِحت / لها الوفودُ من الآفاقِ مُتعمِرَه
وَكفُّه كم كَفَت باليُسر إِذ وَكَفَت / بمستهلِّ الندى ذا عُسرةٍ عَسِرَه
قَرَّت به أَعينُ الراجينَ حين رأت / من راحَتَيهِ عيونَ الجود مُنفجِرَه
هو الهمامُ الَّذي أَعلَته همَّتهُ / مراتباً لذُرا الأَفلاكِ مُحتَقِرَه
وَهو النَسيبُ الَّذي يَروي مناقبَهُ / عن نِسبة بصَميم المَجدِ مُشتَهِرَه
لَو شاهَدَت فخرَه الزاكي عشيرَته / أَضحَت على جُملة الأَسلافِ مُفتَخِرَه
له خَلائقُ لو مَرَّ النَسيمُ بها / أَغنته عَن نَفَحات الرَوضَةِ النَضِرَه
إِذا تأَمَّلتِ الأَبصارُ رُتبتَه / أَو البصائرُ عادت وهي مُنبهرَه
ما أَطنبت فكرتي في نعت شيمَتِهِ / إِلّا وكانَت عَلى الإِطناب مُختَصِرَه
يا سَيِّداً لم تَزَل طولَ المدى مِقَتي / عليه دونَ جميع الخلقِ مُقتَصِرَه
وافت قصيدتُك الغَرّاءُ حاسرةً / للعتبِ وَجهاً وَبالإحسانِ مُعتَجِرَه
فَقُلتُ أَهلاً بها شُكراً لمُنشِئها / بِكراً أَتَت لجميل العَتبِ مُبتَكِرَه
أَوردتُها حين جاءَت تَشتَكي ظمأ / منّي مَناهلَ ودٍّ عذبة خَصِرَه
فَلَم أَرَ العُذرَ إِلّا الاعتراف بما / عدَّتهُ ذنباً فكن لا زلتَ مُغتفِرَه
أَمّا الوِدادُ فَلا وَاللَه ما برحَت / راياتهُ في صَميم القَلب مُنتشِرَه
حاشا لمثليَ في دَعوى محبَّتِه / أَن يبخسَ الودَّ من يَهواهُ أَو يَتِرَه
فكن عل ثِقَةٍ منّي فلست تَرى / إلّا عهودَ ودادٍ غيرَ مُنَبتِرَه
وَخذ إليكَ عَروساً حَليُها دُرَرٌ / لها نَحورُ الغَواني الغيدِ مُفتقِرَه
مذ اِلتزمتُ بها كسر الرويِّ غدت / بِالانكسارِ على الحسّادِ منتصِرَه
واِسلم ودُم راقياً في عزَّةٍ رُتباً / من دونها أَنفسُ الأَعداءِ مُنقهِرَه
أَلَيلَةُ الحَشرِ لا بَل يَومُ عاشور
أَلَيلَةُ الحَشرِ لا بَل يَومُ عاشور / وَنَفخَةُ الصُّورِ لا بل نفثُ مصدورِ
يَومٌ بِه اِهتَزَّ عَرشُ اللَه من حَزَنٍ / على دَمٍ لرَسول اللَه مَهدورِ
يَومٌ بِهِ كُسفت شَمسُ العُلى أَسَفاً / وأَصبح الدين فيه كاسِفَ النورِ
يَومٌ به ذهبت أَبناءُ فاطِمَةٍ / للبَين ما بين مَقتولٍ ومأسورِ
فأَيُّ دَمعٍ عليه غيرُ مُنهمِلٍ / وأَيُّ قَلبٍ عليه غَيرُ مَفطورِ
وَلَوعَةٍ لا تَزال الدَهرَ مُسعرَةً / بين الجوانح ناراً ذات تَسعيرِ
لرزءِ أَبلجَ في صَمّاء ساحته / من نبعة المجد والغرِّ المَشاهيرِ
مَولىً قَضَى اللَه تنويهاً بإمرته / فَراحَ يَقضي عليه كُلُّ مأمورِ
لِلَّه مُلقىً عَلى البَوغاء مُطَّرحاً / كاسٍ من الحَمد عارٍ غيرُ مَستورِ
قَضى على ظَمأ ما بلَّ غلَّتَه / إلّا بكلِّ أَبَلِّ الحَدِّ مأثورِ
يا وَقعَةَ الطَفِّ خلَّدتِ القلوب أَسىً / كأَنَّما كُلّ يَومٍ يوم عاشورِ
يا وَقعةَ الطفِّ أَبكيتِ الجفونَ دماً / ورُعتِ كلَّ فؤادٍ غيرِ مذعورِ
يا وقعةَ الطفِّ كَم أَضرَمتِ نارَ جوىً / في كُلِّ قَلبٍ من الأَحزان مَسجورِ
يا وَقعةَ الطفِّ كَم أَخفَيتِ من قَمرٍ / وكم غمرتِ أَبيّاً غيرَ مَغمورِ
يا وَقعةَ الطفِّ هَل تَدرين أَيُّ فَتىً / أَوقعتِه رهنَ تَعقيرٍ وَتَعفيرِ
يا وَقعةَ الطفِّ هَل تَدرين أَيّ دمٍ / أَرقته بين خُلف القَوم والزورِ
لا كانَ يومكِ في الأَيام إِنَّ له / في كُلِّ قلب لجرحاً غير مَسبورِ
كَم مِن فَتىً فيك صبحُ المجد غرَّتهُ / أَضحى يُحكمُ فيه كُلُّ مَغرورِ
وَكَم رؤوسٍ وأَجسامٍ هنالِك قَد / أَصبَحنَ ما بين مَرفوعٍ وَمَجرورِ
لَهفي عليهم وقد شالَت نعامتُهم / وأَوطنوا ربعَ قَفرٍ غير مَعمورِ
فقل لمن رامَ صَبراً عن رزيَّتهم / إِليكِ عنّي فَما صَبري بمَقدورِ
أَيذخُر الحزنُ عن أَبناءِ فاطمةٍ / يَوماً وَهَل مِنهُم أولى بمَذخورِ
مَهما نسيتُ فَلا أَنسى الحسينَ لَقىً / تَحنو عليه رُبى الآكام والقورِ
معفَّراً في مَوامي البيدِ مُنجدِلاً / يَزورُه الوَحشُ من سيدٍ وَيَعفورِ
تَبكي عليه السَماواتُ العُلى حَزَناً / وَالأَرضُ تكسوهُ ثوباً غيرَ مَزرورِ
يا حسرةً لِغَريب الدارِ مُضطَهدٍ / يَلقى العِدى بعَديد منه مَكثورِ
يَحمي الوَطيسَ مَتى وافاه مُنتَصِراً / عليهم بخَميسٍ غيرِ مَنصورِ
حتىّ إِذا لم يكن من دونِه وَزَرٌ / شَفى الضغائنَ منه كُلُّ مَوزورِ
فأَين عينُ رَسولِ اللَه ترمقُه / لقىً على جانبٍ للبين مَهجورِ
وأَين عَينُ عليٍّ منه تَلحَظُه / مَقهور كلِّ شقيِّ الجدِّ مَقهورِ
وأَين فاطمةُ الزَهراء تنظرُهُ / وأَهلهُ بين مَذبوحٍ وَمَنحورِ
يا غَيرَةَ اللَه والأَملاكِ قاطبةً / لفادحٍ من خُطوب الدَهر مَنكورِ
تُسبى بَناتُ رَسولِ اللَه حاسِرةً / كأَنَّهُنَّ سبايا قوم سابورِ
من كُلِّ طاهرة الأَذيال ظاهرةٍ / تَرمي العِدى بعيونٍ نَحوها صورِ
من الفواطم في الأَغلال خاشعةً / يُحدى بهنَّ على الأَقتاب والكورِ
يَنعَينَ يا جدُّ نال القَوم وِترَهُم / منّا وأوقع فينا كُلُّ محذورِ
يا جدُّ صال الأَعادي في بنيك وقد / ثَوى الحسينُ ثَلاثاً غير مقبورِ
وأودع الرأسُ منه رأَسَ عالية / وأوطئ الجسم منه كلَّ مِحضيرِ
هَذا الحسين قتيلاً رهنَ مصرعه / يَبكي له كُلُّ تَهليل وَتَكبيرِ
هَذا الحسينُ ثَوى بالطفِّ منفرداً / تَسفي عليه سَوافي التُرب والمورِ
هذي بناتُكَ للأَشهاد بارِزَة / يُشهرنَ بين الأَعادي أَيَّ تَشهيرِ
آهٍ لرزئكُمُ في الدَهرِ من خَبَرٍ / باقٍ على صَفحات الدهر مَسطورِ
تَبَّت يَدُ ابنِ زيادٍ من غويِّ هوىً / وَمارقٍ في غِمار الكُفرِ مَغمورِ
أَرضى يَزيدَ بسُخط اللّه مجتَرئاً / وبرَّ منه زنيماً غير مَبرورِ
فَهَل تَرى حيم أَمَّ الغيَّ كان رأى / دمَ الحسين عليه غَيرَ مَحظورِ
أَتيتَ يا ابن زيادٍ كلَّ فادحةٍ / بُوِّئتَ منها بسعيٍ غيرِ مَشكورِ
بَني أُميّةَ هبُّوا لا أبا لكمُ / فَطالبُ الوتر منكم غيرُ موتورِ
نسيتُمُ أَم تَناسيتم جنايتَكم / فَتلك واللَه ذَنبٌ غيرُ مَغفورِ
خاصمتمُ اللَه في أَبناءِ خيرِته / هَل يخصمُ اللَه إلّا كُلُّ مَدحورِ
وَرُعتمُ بالرَدى قَلبَ ابنِ فاطمة / وَما رَعيتم ذِماماً جدَّ مَخفورِ
أَبكَيتم جَفنَ خير المُرسَلينَ دماً / وَرحتم بين مَغبوطٍ وَمَسرورِ
إليكمُ يا بَني الزَهراءِ مرثيةً / أَصاخَ سَمعاً إليها كُلُّ مَوقورِ
تجدَّد الحزنُ بالبيت العَتيق بكم / وَيحطمُ الوَجدُ منها جانبَ الطورِ
عليكمُ صلواتُ اللَه ما هطلَت / سحبٌ وشقَّ وميضٌ قَلبَ دَيجورِ
أَما تَرى الصُبحَ قد لاحَت بشائرُهُ
أَما تَرى الصُبحَ قد لاحَت بشائرُهُ / وَصبَّحتكَ من الساقي أَشائرُهُ
وَاللَيلُ قد جنحت لِلغَربِ أَنجمُهُ / كَما تَساقطَ من رَوضٍ أَزاهِرُهُ
وَالطيرُ قام خَطيباً في حدائِقه / فَهَزَّ عِطفيه واِهتزَّت منابرُهُ
وَالوردُ عطَّر أَذيالَ الصبا سَحَراً / لَمّا تأَرَّج في الأَكمام عاطِرهُ
فاِنهَض إلى شَمسِ راحٍ من يَدي قَمرٍ / يُديرها وَهو ساجي الطَرف ساحرهُ
تُغنيك عن فَلَقِ الإِصباح غُرَّتُه / وَعن دُجى اللَيلة الليلا غدائِرُهُ
كأَنَّه حين يَثني غصنَ قامَتِه / شُدَّت على نَقوى رَملٍ مآزِرُهُ
لَو باهَت الشَمسُ منه الوَجهَ لاِنبهرَت / مِن نوره وهو باهي الحُسنِ باهرُهُ
يَجلو الكؤوسَ فَلا يُدرى أَخمرتُهُ / تَسبي عقولَ النَدامى أَم محاجرهُ
من كأسِه وَثَناياه لنا حَبَبٌ / تَطفو على رائقي خمرٍ جواهرُهُ
لا تنظرَن لجنونِ العاشقينَ به / واِنظر لما قد جَنت فيهم نواظرهُ
ما هَمَّ عاشِقَه عذرٌ وَلا عَذَلٌ / سيّان عاذلهُ فيه وَعاذرُهُ
ما سحرُ هاروت إلّا فِعلُ ناظره / وَلا سيوفُ الرَدى إلّا بواتِرُهُ
كَم شَنَّ مِن فتنٍ للصبِّ فاتنةٍ / وَشبَّ حرَّ جوىً في القلب فاترهُ
وَكَم حلا مَورِدٌ منه لعاشقِه / لكنَّه ربَّما سُقَّت مَرائرُهُ
سَل مُقلَتي إِن تَسل عن ليل طُرَّته / فَلَيسَ يجهلُ طيبَ اللَيل سامرُهُ
مهفهفٌ ما ثَنى عِطفاً على كَفَلٍ / إِلّا ثَنى السوءَ عَن عِطفيه ناظرُهُ
من زارَه في ظلام اللَيلِ مُستَتِراً / ما شَكَّ في أَنَّ بدرَ التمِّ زائرُهُ
لا تأمننَّ اِنكساراً من لَواحظِه / فَكَم قَتيلٍ لها ما ثارَ ثائرُهُ
وإِن أَراكَ اِعتدالاً رمحُ قامتِه / فَطالَما جار في العُشّاق جائرهُ
كَم مُغرمٍ منه قد أَضحى على خطرٍ / لَمّا ترنَّح يَحكي الغصنَ خاطرُهُ
لَم أَنسَ لَيلةَ أنسٍ بتُّ مغتبقاً / من ثغره صِرفَ راحٍ جلَّ عاصرُهُ
وَرحتُ مُصطَبحاً أخرى مشَعشَعةً / لو ذاقها الدهرُ ما دارَت دوائرُهُ
يُديرها ببنانٍ كادَ مِعصمُها / يَسيلُ من تَرفٍ لَولا أساورُهُ
باكرتُها لهنيِّ العيش مُبتَكِراً / وَفقاً لما قيل أَهنى العيش باكرُهُ
من مستَهلِّ دموعي يومَ فرقته
من مستَهلِّ دموعي يومَ فرقته / أَمطَرتُ سُحباً غِزاراً فهي تنهمرُ
ومن لهيبِ ضُلوعي في محبَّته / أَوقدتُ في الحَيِّ ناراً فهي تَستعرُ
وَكَم كَتَمتُ وُلوعي خوف شُهرته / فَزادَ فيه اِشتهارا وَالهوى عبَرُ
وَغادَةٍ من بَناتِ الهند قد برزَت
وَغادَةٍ من بَناتِ الهند قد برزَت / في زيِّها بين أَسجافٍ وأَستارِ
فَقُلتُ لَمّا سرت في اللاذِ مائِسةً / يا حبّذا السير بل يا حبَّذا الساري