القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : يوسُف النَّبْهاني الكل
المجموع : 9
ما الشامُ مَقصِدُنا كَلّا وَلا حَلَب
ما الشامُ مَقصِدُنا كَلّا وَلا حَلَب / لَكِن لِمَكَّةَ مِنّا ترحلُ النُجُبُ
أُمُّ القُرى لَستُ أَنسى إِذ تُقَرِّبُني / وَالدَمعُ مِن فَرحي في حِجرِها صَبَبُ
مَنَّت عَلَيَّ بِوَصلٍ كَالخَيالِ مَضى / يَهُزُّني كُلَّما اِستَحضَرتُهُ الطَرَبُ
ما العُمرُ إِلّا أويقاتٌ ذَهَبنَ بِها / صُفر سِواها وَهُنَّ الخالِصُ الذَهَبُ
لَو لَم يَكُن غَير بَعثِ المُصطَفى سَبَبٌ / لِمَجدِها لَكَفاها ذَلِكَ السَبَبُ
فاقَت جَميعَ بِلادِ اللَّهِ تَكرِمَةً / بِهِ وَفاقَت بِهِ سُكّانَها العربُ
شَمسُ الهُدى كُلُّ نُورٍ مِنهُ مُقتَبَسٌ / لَكِنَّهُ لِلمَعالي كُلّها قُطُبُ
بِنَفسِهِ فاقَ في الفَضلِ الوَرى وَلَهُ / في أَصلِهِ نَسَبٌ ما مِثلُهُ نَسَبُ
ما جارَ يَوماً زَماني فَاِستَجَرتُ بِهِ / إِلّا أَتى النَصرُ وَاِنزاحَت بِهِ الكُرَبُ
لا تَرجُ خَلقاً سِواهُ لِلنَدى أَبَداً / فَعِندَ هَذا المُرَجّى يَنتَهي الطَلَبُ
يا لَيتَني لِلحِجاز بالِغ
يا لَيتَني لِلحِجاز بالِغ / وَفيهِ عَيشي يا سَعدُ سائِغ
يُمحى ظَلامي بِنُورِ بَدرٍ / في طَيبَة الطَيِّبينَ بازِغ
مُحَمَّدٌ سَيِّدُ البَرايا / أَفضَلُ فَردٍ في الخَلقِ نابِغ
خاتِمُ رُسلِ الإِلَهِ زَينٌ / لَهُم لَهُ اللَّهُ خَيرُ صائِغ
قَد مُلِئَ الكَونُ مِن هُداهُ / وَكانَ مِن قَبل ذاكَ فارِغ
أَتى بِدينٍ يَهدي وَيُردي / لِكُلِّ دينٍ بِالحَقِّ دامِغ
تِرياقُ تَوحيدِهِ حَياةٌ / لِمَن لَهُ الشِركُ شَرُّ لادِغ
وَهوَ لعَمري حِصنٌ حَصينٌ / مِن كُلِّ ناز وَكُلِّ نازِغ
حَقّاً رَأى اللَّه في سُراهُ / لِلعَرشِ ما طَرفُهُ بِزائِغ
وَعادَ في لَيلَةٍ قَريراً / عَلَيهِ فَضلُ الرَحمَنِ سابغ
لِلمُصطَفى مِلَّةٌ دانَت لَها المِلَلُ
لِلمُصطَفى مِلَّةٌ دانَت لَها المِلَلُ / وَشرعُهُ أَشرَقَت مِن نورِهِ السُبُلُ
مُستَفعِلُن فاعِلُن مُستَفعِلُن فعلٌ / بَحرٌ بَسيطٌ بِهِ بَحرُ الوَرى وَشَلُ
هوايَ طيبةُ لا بيضاءُ عطبولُ
هوايَ طيبةُ لا بيضاءُ عطبولُ / وَمُنيَتي عينُها الزرقاءُ لا النيلُ
عَذراءُ جلّت عنِ التشبيبِ إذ جُليت / هامَت بِها الخلق جيلاً بعده جيلُ
كلُّ المحاسِن جزءٌ من محاسنها / إِجمالُها بجمالِ الكون تفصيلُ
فَما سعادُ إِذا قيسَت ببَهجتها / وكلُّ أَمثالها إلّا تماثيلُ
ما كنتُ أسألُ لولاها الركائبَ عن / سلعٍ وَلا كانَ لي بالجزع مسؤولُ
مَتى أَراها بطرفٍ ظلَّ يكحلهُ / مِن تربةِ البيدِ ميلٌ بعده ميلُ
حتّى إِذا ظهَرت آيُ البشير له / رَوى أحاديثهُ للناس مكحولُ
تقولُ نفَسي غداً أو لا فبعد غدٍ / يا نفسُ يكفيك هذا القال والقيلُ
إِن قرّبوا فبلا قولٍ ولا عملٍ / أَو أبعدوكِ فما للقولِ محصولُ
إِذا دخلتِ حِماهم فاِدخُليه مَتى / شاؤوا وَإلّا فمنكِ الحبُّ مدخولُ
سيلي جَوىً واِسألي تقريبهم كرماً / فربَّ سائلةٍ يرجى لها السولُ
وَحمّلي البرقَ حاجاتٍ يبلّغُها / عربَ النقا حيثُ ربع الأنس مأهولُ
يا برقُ واِسر إلى سلعٍ بجاريةٍ / مِنها على الرأسِ حلوُ القطرِ محمولُ
وَاِسق الحِمى نهَلاً من بعده عللٌ / قد كنتُ أَسقيهِ لولا الدمع معلولُ
الحمدُ للَّه عَيني في غنىً ولها / كنزانِ مِن دمعها الياقوت واللولو
يا برقُ أشبهتَ ثغرَ الحبّ مُبتسماً / هَل منكَ يا برقُ للأعتاب تقبيلُ
يا برقُ واِشرح لِسادتي وإِن علموا / مَعنى المُعنّى وما بالشرحِ تطويلُ
قُل نازحٌ في بلاد الشامِ حاجتهُ / مِنكم قبولٌ فَقولا أنت مقبولُ
صَبٌّ سَرى الحبّ في أجزاءِ طينته / مُذ كانَ وهو عليه الدهر مجبولُ
يهمُّ بالسيرِ والأقدارُ تقعدهُ / كأنّما هي كبلٌ وهو مكبولُ
في قلبهِ جمرةٌ لولا العيون بها / جَفّت لَكان جرى في شأنها النيلُ
حليفُ فقرٍ لعربِ المُنحنى وله / دينٌ على أغنياء الجزع ممطولُ
يَهوى الحجازَ وتُصبيه معالِمهُ / شَوقاً لأهليهِ والبيد المجاهيلُ
تُرضيه رَضوى ويَحلو بالعذيبِ له / نحوَ المدينة إرقالٌ وترسيلُ
إِن يَجعلوا شخصَها بالبعد محتجباً / عنهُ فتَمثالها في القلب مجعولُ
أَستغفرُ اللَّه مِن قولٍ أُخيّلهُ / صِدقاً ومعناه بالتحقيق تخييلُ
كأنّه النحوُ أقوالٌ مجرّدةٌ / قامَت بأنفُسها تلك الأقاويلُ
لا تجحدِ الحقَّ يا هذا فأنت فتىً / كسلانُ عندك تسويفٌ وتسويلُ
هذي البحارُ وهَذي البيدُ ما برِحَت / تَجري بها السفنُ والنوقُ المراسيلُ
لَو كنتَ تَقوى بتَقوى اللَّه طرت ولم / يُحوِجك فُلكٌ ولم تعوزك شمليلُ
لَكن بركتَ بأثقالِ الذنوبِ وهل / بِمِثلها لجناحِ المرءِ تثقيلُ
عَليكَ بالصدقِ في حبِّ الحبيبِ فما / بِغيرهِ لكَ تحصيلٌ وتوصيلُ
محمَّدٌ خيرُ خلق اللَّه أفضلهم / لديهِ سيّان مفضالٌ ومفضولُ
أَصلُ النبيّين قِدماً وهو خاتمُهم / فمنهُ للكلّ إجمالٌ وتجميلُ
حَقيقةُ الفضلِ عنه لا مجازَ لها / أمّا سواهُ فَتشبيهٌ وتمثيلُ
كلُّ الفضائلِ منه فُصّلت فلهُ / على البريّةِ بالتفصيل تفضيلُ
وَدينهُ الحقُّ مفتاحُ الفلاح فما / بِدونهِ بابهُ المقفول مدخولُ
لا جرحَ يلحقُ مَخلوقاً يعدّله / وَما لِمجروحهِ في الخلق تعديلُ
لَم يجحدِ اللَّهَ لم يجحد نبوّته / إلّا عمٍ عن طريقِ الرشد ضلّيلُ
فَكلُّ ذرّاتِ كلّ الخلق شاهدةٌ / أَن لا إله سوى الرحمن مقبولُ
وَأَنّ أحمدَ خيرُ الرسلِ رحمتهُ / لِلعالمينَ ففيها الكلُّ مشمولُ
مِن نورهِ خلقَ اللَّه الورى فسرى / لآدمٍ وبعبدِ اللَّه موصولُ
نعمَ الظهورُ البطونُ الحاملاتُ له / يا حبّذا حاملٌ منهم ومحمولُ
كَم مِن دلائلَ جاءَت في نبوّتهِ / إنَّ النهارَ لِشمسِ الأفق مدلولُ
الإنسُ والجنّ والأملاك شاهدةٌ / بِها وتَوراةُ موسى والأناجيلُ
كَم معجزاتٍ له جاءَ البعيرُ بها / وَالظبيُ والضبّ والسرحان والفيلُ
وَكالعناكبِ قد فازت بنصرتهِ / وُرقُ الحمائمِ والطير الأبابيلُ
وَالشمسُ رُدّت وشقّ البدر حين بدا / بدرٌ له بظلال الغيمِ تظليلُ
وَالجذعُ حنّ وجاءت نحوه شجرٌ / تسعى وَسيفُ جريدِ النخل مصقولُ
وَعِلمُه الغيبَ من مولاهُ مطّردٌ / مثل الدعاءِ ومهما شاء مفعولُ
لَم تخرجِ السحبُ يوماً عن إشارتهِ / غيثٌ وصحوٌ وتكثيرٌ وتقليلُ
بِالبرءِ سقمٌ وبالموتِ الحياة بهِ / وَالعكسُ بالعكس تنكيرٌ وتكميلُ
كَفى المئينَ كَفى الآلاف من يدهِ / مدٌّ من القوت مشروبٌ ومأكولُ
كفُّ الحَصى في حنينٍ منه كان به / كيوم بدرٍ لجيش الكفر تنكيلُ
أَبو دُجانة نالَ السيفَ في أحدٍ / وكم بهِ كان مجروحٌ ومقتولُ
في الخندقِ الصخرُ مثل الرملِ صار لهُ / مِن بعدِ أن عجزت عنه المعاويلُ
شَفى بتفلتهِ عينَي أبي حسنٍ / في خيبرٍ فكأنّ التفل تكحيلُ
أَشارَ في الفتحِ للأصنامِ فاِنتَكَست / بِالحقّ قد بطلت تلك الأباطيلُ
وَفي تبوكَ عيونُ الرومِ منه جرَت / جَريَ المذاكي وجيشُ الشرك مخذولُ
كِتابهُ مُعجزٌ للخلق قد خَضَعت / لهُ الأقاويلُ منهم والمقاويلُ
قُرآنُ أحمدَ في التقصيرِ عنهُ حكى / زبورَ داودَ توراةٌ وإنجيلُ
فَكَم تضمّن مِن آلاف مُعجزةٍ / تَفسيرُها ما له في الناس تأويلُ
كلُّ العلومِ له فيه به اِجتَمعت / وَمنهُ للناسِ منقولٌ ومعقولُ
بهِ الشرائعُ والأديانُ قد نُسخت / فَما على غيره للناس تعويلُ
لَو كانَ مِن عندِ غير اللَّهِ لاِختلفوا / فيهِ وَوافاه تبديدٌ وتبديلُ
بِالحقِّ مُنزلهُ المولى وحافظه / مِن أينَ مِن أينَ تأتيه الأباطيلُ
هوَ الكريمُ الّذي للكتبِ قاطبةً / مِن نورِ جَدواه تنويرٌ وتأويلُ
هوَ القديمُ بمعناهُ الحديثُ أتى / وَمِنهما الشرعُ تفريعٌ وتأصيلُ
لكنَّه بِالتحدّي مُعجزٌ وله / دونَ الأحاديث ترثيبٌ وترتيلُ
لا ينزلُ الريبُ يوماً حول ساحتهِ / لأنّه مِن لَدُن مولاه تنزيلُ
وَكَم له آيةٌ غرّاء واضحةٌ / لدينهِ غررٌ منها وتحجيلُ
سَرى إلى العرشِ بعد القدسِ ثمّ أتى / إِلى البطاحِ وسترُ الليل مسدولُ
أَكرِم بها رِحلةً كان الدليل بها / عَلى الطريقِ أمينُ اللَّه جبريلُ
حتّى أَتى السدرةَ العلياءَ قال هنا / عَن غيركَ البابُ يا مقبول مقفولُ
وَزجّ بالمُصطفى في النورِ مُنفرداً / حتّى رَأى ربّه والكيف مجهولُ
وَنال مِن قسمةِ التقريبِ سهمَ رضىً / بقابِ قوسَين هذا السهم موصولُ
مَرقىً رَقاه على متنِ البراقِ علا / كلَّ الأنامِ به في شرحه طولُ
وَمنصبٌ ليلةَ المعراجِ خصّ به / كلُّ الورى عنه معدولٌ ومعزولُ
لا يعلمُ الناسُ في الدنيا حقيقتهُ / فَالعقلُ عنها بحبلِ العجز معقولُ
وَفي القيامةِ تَبدو شمسُ رُتبته / كأنّها فوقَ هامِ الخلق إكليلُ
يجرُّ في الحشرِ ذَيلاً من سيادتهِ / بِفضلهِ كلُّ خلق اللَّه مشمولُ
حيثُ الشفاعةُ لا تَرضى سواهُ ولا / يَقوى لِخطبَتها الغرّ البهاليلُ
قَد أحجَم الرسلُ حتّى قال قائلهُم / في ظلِّ أحمدَ يا كلّ الورى قيلوا
يُرى هنالكَ مَشغولاً بأمّتهِ / وَالكلُّ بالنفسِ عن كلّ مشاغيلُ
مَقامهُ ثمَّ مَحمودٌ وفي يدهِ / فوقَ الجميعِ لواءُ الحمد محمولُ
هذا هوَ الجودُ ضيفُ اللَّه خصّ بهِ / محمّدٌ ولكلِّ الخلق تطفيلُ
اللَّه أرسلهُ والشركُ مُشتركٌ / فيهِ الأنامُ وللتوحيد توحيلُ
فأصبحَ الشركُ في أشراكِ حكمتهِ / كالوحشِ وهو بحبلِ الذلّ محبولُ
وَحلّ في الأرضِ دينُ اللَّه محترماً / وَعمّها منه تحريمٌ وتحليلُ
قَد خاصمَ الناسَ حيناً ثمّ حاكَمهم / إِلى السيوفِ وحكم السيف مقبولُ
فَفازَ بالحقِّ حُكماً غير منتقضٍ / لَهُ بِصفحةِ هذا الدهر تسجيلُ
في سادةٍ هاجَروا للَّه شارَكهم / بِالنصرِ أنصارهُ الشمُّ الرآبيلُ
كِلا الفريقينِ أبطالٌ ضراغمةٌ / لا يعصِمُ الأسدَ من غاراتهم غيلُ
في السلمِ خدُامه في الحربِ أسهمهُ / سُيوفهُ وقناهُ والسرابيلُ
نِعمَ السلاحُ الّذي رأسُ الضلالِ به / وَسيفهُ العضبُ مفلوقٌ ومفلولُ
قَد أجفلَ الناسُ مِن عربٍ ومن عجمٍ / مِنهم وما فيهمُ في الحرب إجفيلُ
نِعالُهم أينَما حلّوا أوِ اِرتَحلوا / عَلى رؤوسِ أَعاديهم أكاليلُ
في كلِّ يومٍ يُرى مِنهم هنا وهنا / لِلدّينِ والشرك تجديدٌ وتجديلُ
همُ الهداةُ فإِن ضلّت بهم فئةٌ / فقَد يغصُّ بعذبِ الماء مغلولُ
بئسَ الشقيُّ شقيٌّ كان قمستهُ / مِن معدنِ الرشدِ إغواءٌ وتضليلُ
كلٌّ عُدولٌ وكلٌّ عادلونَ وما / فيهِم فتىً عن طريقِ الحقّ معدولُ
لكنّهم دَرجاتٌ بعضُها عليَت / وَالبعضُ أَعلى وما فيهنّ تسفيلُ
أَعلاهمُ الخلفاءُ الراشدون على / ترتيبهم وَسواهم فيه تفصيلُ
كالشمسِ في الأفقِ الأعلى أبو حسنٍ / ومِن معاويةٍ في الأرض قنديلُ
أكرِم بأصحابهِ أكرم بعترتهِ / نورانِ منهُ فَموصولٌ ومفضولُ
مِنهم شموسُ ضياً منهم بدور علاً / منهم نجوم هدىً منهم قناديلُ
عدوُّ قومٍ عدوُّ الآخرين فلا / يخدعكَ مَن عندهُ للبعض تبجيلُ
فَأحببِ الكلَّ تُجعل يا فتى معهُم / إنّ المحبَّ معَ الأحباب مجعولُ
يا سيّدَ الرسلِ يا مَن لا يزال بهِ / لكلّ صعبٍ بإذن اللَّه تسهيلُ
أَشكو إليكَ زَماني شاكراً نعماً / ما عندَ مثلي لها لولاك تأهيلُ
فَقَد بُليتُ بعصرٍ كلّه فتنٌ / فيهِ أخو الحقّ مغلوبٌ ومغلولُ
عَصرٌ على الخيرِ صالَ الشرّ فيه ولا / تهوينَ إلّا علاه فيه تهويلُ
هذا الزمانُ الّذي بيّنت شدّتهُ / فكلُّ ما قلتَ فيه اليوم مفعولُ
الدّينُ فيه بحكمِ الجمرِ قابضهُ / بنارِ دنياه بين الناس مشعولُ
لولا نجومُ هدىً من شمسكَ اِقتبسوا / أنوارَهم عمّت الدنيا الأضاليلُ
بِوعدكَ الصدق لا تنفكُّ طائفةٌ / منّا على الحقّ مهما كان تبديلُ
أَنتَ الحبيبُ إليكَ الأمرُ أجمعهُ / مِنَ المُهيمن في الدارين موكولُ
فاِنظُر لأمّتك الغرّاء قَد لَعِبت / بِها عراقيلُ تتلوها عراقيلُ
كَم قابَلتها بِما تَخشى فراعنةٌ / وكَم لَها مِن شرارِ الناس قابيلُ
مَهما أساءَت فَلن ترضى إساءتها / حسبُ المُسيء من الإحسان تقليلُ
عَجّل بقهرِ أَعاديها فليس لها / في الخلقِ غيركَ يا مأمون مأمولُ
وَكُن لَها وزراً ممّا ألمّ بها / فَقَد كَفاها على الأوزار تنكيلُ
وَاِعطِف عليّ فإنّي مُذنبٌ وجلٌ / في الخيرِ لا عاملٌ منّي ومعمولُ
وَاِخلَع عليّ وأَهلي للرضا حللاً / أَجملتُ قولي ولا تخفى التفاصيلُ
لا تَنسني يومَ نزعِ الروح من جسَدي / وَيومَ أُسألُ إنّي عنك مسؤولُ
سهّل شَدائدَ أيّام القيامة لي / فإنَّ عقدَ اِصطباري ثمّ محلولُ
ما لي سواكَ كَفيلٌ يوم يطلُبني / أَهلُ الديونِ فقل لي أنت مكفولُ
وحاصِلُ الأمرِ أنّي طامعٌ برضى / ربّي وإن قلّ بي للخيرِ تحصيلُ
إنّي اِلتجأتُ إِلى مقبولِ حضرتهِ / وكلُّ مَن عاذَ بالمقبول مقبولُ
كَم خائِفٍ حصلَ التأمين منك له / وَآمنٍ كانَ منه فيك تأميلُ
أَتاكَ كَعبٌ وقد جلّت جنايتهُ / وَكادَ يَغتالهُ من ذنبه غولُ
وَقامَ ينشدُ لَم تملل مدائحهُ / غيرُ الكريم لديه المدح مملولُ
فآبَ بالبُردةِ الحسناءِ مُشتملاً / وَعادَ وهو ببردِ العفو مشمولُ
وَلستُ مِثلاً لهُ لكنّ حالتهُ / لَها بحالةِ هذا العبد تمثيلُ
إِن كانَ متبولَ قلبٍ يوم أنشدكم / بانَت سعادُ فقلبي اليوم متبولُ
ورُبّ سُبّاقِ فضلٍ عارَضوه بها / أَنا الأخير بهم غرٌّ ذهاليلُ
خاضوا بمدحكَ هذا البحرَ ما بلغوا / كَعباً فَعادوا لهم بالعجز تخجيلُ
إِن وَازَنتها وما وازَت قصائدُهم / فربَّما وازنَ الدرّ المثاقيلُ
وَللقريضِ تَفاعيلٌ توازنهُ / هيَ القريضُ وهاتيك التفاعيلُ
أَستغفرُ اللَّه كلٌّ قد أجادَ وهم / كلٌّ رؤوسٌ لهم بالفوز تكليلُ
لَكن لكعبكَ يا خيرَ الأنام على / رُؤوسِنا ثابتٌ فضلٌ وتفضيلُ
عليكَ أزكى صلاةِ اللَّه وهيَ لنا / مِسكُ الختامِ بها للخير تكميلُ
ما الشامُ مَقصدُنا كلّا ولا حلَبُ
ما الشامُ مَقصدُنا كلّا ولا حلَبُ / لَكن لمكّة منّا ترحلُ النجُبُ
أمُّ القرى لستُ أَنسى إذ تقرّبني / وَالدمعُ من فرَحي في حجرها صببُ
منّت عليّ بِوصلٍ كالخيال مَضى / يهزُّني كلّما اِستحضرته الطربُ
ما العمرُ إلّا أُويقاتٌ ذهبنَ بها / صُفرٌ سِواها وهنّ الخالص الذهبُ
لَو لَم يَكن غير بعثِ المُصطفى سببٌ / لِمَجدها لكفاها ذلك السببُ
فاقَت جميعَ بلاد اللَّه تكرمةً / بهِ وَفاقت به سكّانَها العربُ
شمسُ الهُدى كلّ نورٍ منه مقتبسٌ / لكنّهُ للمعالي كلّها قطبُ
ما جارَ يَوماً زَماني فاِستجرتُ به / إلّا أَتى النصرُ واِنزاحت به الكربُ
لا ترجُ خُلقاً سواه للندى أبداً / فعندَ هذا المرجّى يَنتهي الطلبُ
يا لَيتَني لِلحجازِ بالِغ
يا لَيتَني لِلحجازِ بالِغ / وفيهِ عَيشي يا سعدُ سائِغ
يُمحى ظَلامي بنورِ بدرٍ / في طيبة الطيّبين بازِغ
محمّدٌ سيّد البرايا / أفضل فردٍ في الخلق نابِغ
خاتمُ رسلِ الإله زينٌ / لَهُم له اللَّه خير صائِغ
قَد ملِئ الكونُ من هداهُ / وَكانَ من قبل ذاك فارِغ
أَتى بدينٍ يهدي ويردي / لكلِّ دينٍ بالحقّ دامِغ
تِرياقُ توحيدهِ حياةٌ / لِمَن له الشرك شرُّ لادِغ
وَهوَ لعمري حِصنٌ حَصينٌ / مِن كلّ نازٍ وكلّ نازِغ
حقّاً رأى اللَّه في سراهُ / لِلعرشِ ما طرفهُ بزائِغ
وَعادَ في ليلةٍ قريراً / عليهِ فضلُ الرحمنِ سابِغ
لِلمُصطفى نُصبَت في المجدِ راياتُ
لِلمُصطفى نُصبَت في المجدِ راياتُ / مِن تحتِها الخلقُ أحياءٌ وأمواتُ
روحُ الوجودِ ممدُّ الخلق قاطبةً / لو زالَ لحظة عينٍ عنهمُ ماتوا
لا تعجبنّ لكفّارٍ به جهلوا / أَما بأَرواحهم منهم جهالاتُ
نورُ الوَرى في جميعِ الكائنات سرى / مِصباحها وهيَ للمصباح مشكاةُ
سَقى جميعَ البرايا نور فطرتهم / فَنوّعته لدَيها القابليّاتُ
لا غروَ أَن صارَ ناراً بالجحودِ فقد / تُغيّر الوصفَ في الشيء اِستحالاتُ
مثالهُ الماءُ أنواعَ النباتِ سَقى / الحلوُ منها ومنها الحنظليّاتُ
صفاتهُ في العلا ما مثلها صفةٌ / وَذاتهُ في الورى ما مثلها ذاتُ
لهُ المَعاريجُ في الدنيا لها خضَعت / كلُّ المَعالي وفي الأخرى الشفاعاتُ
أَبعدَ ما عبرَ العرشَ العظيم علاً / تَفي بوصفِ معاليه العباراتُ
ماذا أقولُ بهِ مِن بعد ما وَردت / في مدحهِ مِن كلامِ اللَّه آياتُ
وَكلُّ أمداحِنا مَهما علَت وغلت / فإنّما هيَ أخبارٌ صحيحاتُ
نَحكي بها حالةً من فضلهِ ثَبتت / بِقدرِ ما ساعدت منه العناياتُ
وَخيرُ أوصافهِ عبدُ الإله وإن / تمّت لديهِ على الخلق السياداتُ
لِلمُصطَفى ملّةٌ دانت لها المللُ
لِلمُصطَفى ملّةٌ دانت لها المللُ / وشرعهُ أَشرقَت من نوره السبلُ
مُستفعلن فاعِلن مستفعلن فعلُ / بحرٌ بسيطٌ به بحرُ الورى وشلُ
الحمدُ للَّهِ حمداً أَستعدُّ بهِ
الحمدُ للَّهِ حمداً أَستعدُّ بهِ / لِنُصرةِ الحقّ كي أَحظى بمطلبهِ
بكَ اِستعنتُ إِلهي عاجِزاً فأعن / أَبغي رِضاكَ فَأَسعفني بِأطيبهِ
فَإن تُعِن ثَعلباً يَسطو على أسدٍ / أَو تخذل اللّيثَ لا يَقوى لثعلبهِ
وَإنّني عالِمٌ ضَعفي ولا عملٌ / عِندي يفيدُ ولا علمٌ أصولُ بهِ
وَرأسُ ماليَ جاهُ المصطفى فبهِ / أَدعوكَ يا ربِّ أيّدني له وبهِ
وَاِرحَم بهِ علماءَ الدين قاطبةً / مِن أهلِ سنّته ساهٍ ومنتبهِ
لَولاهمُ ما علِمنا ما بعثتَ بهِ / خيرَ الوَرى وعَجزنا عن تطلّبهِ
مِنهُم أبو الحسنِ السبكيّ ناصرهُ / سَقاهُ غيث الرضى الهامي بِصيّبهِ
أَهدى شِفاءُ سقامٍ في زيارتهِ / شَفى صدورَ جميعِ المؤمنين بهِ
وَرُبّ غِرٍّ غويّ ذمّهُ حَسداً / بهِ غرورٌ وقاحِ الوجه أصلبهِ
ساءَت خلائقهُ ضلّت طرائقهُ / قَد تاهَ بالتيهِ في تيهاء سبسبهِ
فَقالَ ما قالَ في السبكيّ مِن سَفهٍ / قُبحاً لهُ مِن سفيهِ القول أكذبهِ
أَوفى الجدالَ بغيرِ الحقّ مُختلقاً / ما شاءَ مِن كَذبٍ وهو الخليق بهِ
وَقالَ مُفتخراً بالزورِ مَذهبُنا / تَركُ الجدالِ وتأنيب لطالبهِ
فَاِنظر أَكاذيبهُ واِعجب لحالتهِ / مِنَ التناقضِ هذا بعض أعجبهِ
يا أيّها الجاحدُ الحقَّ المبينَ أفق / قَد طال نومكَ يا نومان فاِنتبهِ
أَهلكتَ نَفسك فاِرحمها وذَر بِدَعاً / بِها بُليتَ ودَع قولاً شقيت بهِ
لَم تجعلِ المُصطفى أهلاً لزائرهِ / بِشدّهِ الرَحل أو من يستغيث بهِ
وَكَم رحلتَ إلى أمرٍ بهِ أربٌ / مِن أمردين ودُنيا قد عنيت بهِ
وَفي المَساجدِ لا كلّ الأمورِ أتى / ذاكَ الحديثُ الّذي قِدماً سمعت بهِ
وَالإستغاثةُ مَعناها تشفّعنا / بِهِ إلى اللَّه فيما نرتجيه بهِ
وَما بذلِكَ مِن بَأسٍ ومن حرجٍ / إلّا لَدى ميّتٍ من لسعةِ الشُبَهِ
هوَ الشفيعُ لمولاه وسيّدهِ / في كلِّ حالٍ مغيث المستغيث بهِ
هوَ الحبيبُ فمَن يا قوم يمنعهُ / فَضلاً حباهُ إله العالمين بهِ
وَاللَّهِ واللَّهِ لولا اللَّهُ يضللُ مَن / يشاءُ مِن خلقهِ فيما يريد بهِ
ما كانَ يوجدُ ذو عقلٍ فيمنع ذا / مِن أهلِ ملّتهِ أو يستريب بهِ
وَأنتَ يا أيّها الإنسان ما لك لا / تُحقّق الأمرَ كي تُهدى لأصوبهِ
ها أَنتَ تزعمُ أنّ اللّه في جهةٍ / وَلا تُبالي بِتشبيهٍ ضللتَ بهِ
مِن أينَ جئتَ بذا هذا إمامكَ لم / يَقُلهُ أحمدُ حاشا أن يقول بهِ
وَسَل أبا الفرجِ الجوزيّ تابعهُ / يُنبيكَ بِالحقِّ فاِعلَم واِعملنّ بهِ
وَتَزعمُ اللَّه بالذاتِ اِستقرّ على / عَرشٍ فتُلحق أوصافَ الحدوث بهِ
وَبالتوسّلِ لا ترضى وتمنعهُ / تَقولُ ذلك فعلُ المشركين بهِ
نَزّهتَ ربّك عن شركٍ بزعمِكَهُ / وَلَم تنزّههُ عن شبهٍ وعن شبهِ
لَقَد وَقعتَ منَ الإشراكِ في شركٍ / مِن حيثُ شئتَ خَلاصاً منه بؤت بهِ
أَمّا الطلاقُ ثَلاثاً فالمخالفُ في / وُقوعهِ ساقِطٌ في نفس مذهبهِ
تُريدُ تنصرهُ في حكمِ مسألةٍ / أَخطا وخالفَ كلّ المسلمين بهِ
وَذاكَ أعظمُ بُرهانٍ بأنّك لم / تَستَحي من باطلٍ مهما أسأتَ بهِ
أَمّا الكلامُ بِأوصافِ الإله علا / عنِ الحَوادثِ طرّاً أَن تحلّ بهِ
فَذاكَ مَوضعهُ علم الكلام فمن / أَرادهُ فَليُراجعه يجدهُ بهِ
كَفاكِ يا نفسُ مَع هذا الخطاب كفى / عودي لصاحبهِ فهو الحريّ بهِ
وَكلُّ ما قلتُ في هذا يناسبهُ / وَهَكذا ذاكَ فيما لا يُخصُّ بهِ
تَحزّبا وغدا السبكيُّ مُنفرداً / كِلاهُما ذو اِعتداءٍ في تحزّبهِ
كِلاهُما قَد حَشا أشعارهُ سَفهاً / عليهِ زوراً وَأبدى حشوَ مذهبهِ
كِلاهُما خَلَفٌ من بعد صاحبهِ / كِلاهما مُتعدٍّ في تصحّبهِ
لَكن بينهما فرقاً بهِ اِفترقا / مَعَ اِتّفاقِهما فيما يعاب بهِ
فَالحنبليُّ لَه عذرٌ بنصرتهِ / لِشيخهِ بأباطيلٍ تليقُ بهِ
أَمّا اليمانيُّ فالمعذورُ لائمهُ / لأنّه مُخطئٌ في خلط مشربهِ
لَم يأتِ ذاكَ غَريباً في القياس نعم / هَذا اليمانيُّ قَد وافى بأغربهِ
إِن كانَ يا يافعٌ عارٌ عليك بذا / فَباِبن أسعدَ فخرٌ تفخرين بهِ
وَما تعجّبتُ مِن شَيءٍ كنسبتهِ / لِلشافعيِّ اِفتراءً في تذَبذبهِ
يَوماً يمانٍ إذا لاقيتَ ذا يمنٍ / وَإِن تجِد حشو شاميّ تدين بهِ
إِن شافعيّاً فهذا الحشو جئت بهِ / مِن أينَ فلتُرهِ حتّى نقول بهِ
هَل قالهُ الشافعي في الأمّ ليس بهِ / أَو في الرِسالةِ أَو من أين جئت بهِ
أَشيخُ شيرازَ أبداهُ وحقّقهُ / في نصٍّ تنبيهه أو في مهذّبهِ
أَوِ الإمام الغزالي قال ذلك أو / إِمامنا الأشعريّ الحبر قال بهِ
أَو قالهُ الفخرُ يوماً في مطالبهِ / أَو الجوينيُّ في إرشاد مطلبهِ
في فِقههِم ذكروهُ أو عقائدهم / جَميعُهم ذمّهُ مع مَن يقول بهِ
إذاً فقل أنا حشويٌّ بدون حياً / وَاِبرأ منَ الشافعي أنتَ الدعيّ بهِ
لَو كانَ حَقّاً حفظت الشافعيّ ولم / تَسؤهُ وَيحكَ في أعلام مذهبهِ
وَإِذا سَفِهتَ على السبكيّ تابعه / سُؤتَ الإمامَ وكلّ المقتدين بهِ
بَل سؤتَ بالإفكِ ممّا قد أتيت بهِ / خيرَ الأنامِ وكل المؤمنين بهِ
لَقَد كَذَبت وشرُّ القول أكذبهُ / إِذ قلتَ للشيخِ مِن عُجبٍ عرفت بهِ
فَاِبرز وَرُدّ تَرى واللَّه أجوبةً / مثلَ الصواعقِ تُردي مَن تمرّ بهِ
عَقلاً ونقلاً وآياتٍ مفصّلةً / مِن كلِّ أروعَ شهم القلب منتبهِ
ماضي الجَنانِ كَحدّ السيف فكرتهُ / يُريكَ نَظماً ونثراً في تأدّبهِ
وَقّاد ذهنٍ إذا جالت قريحتهُ / يَكادُ يُخشى عليه من تلهّبهِ
وَغيرَ ذلكَ ممّا قلته بطراً / اللَّه حَسبُكُ فيما قَد بجحتَ بهِ
لَو كانَ فِكركَ مثلَ السيفِ حدّتهُ / لكنتَ جاهدتَ شَيطاناً غويت بهِ
أَو كانَ ذِهنكَ يا مغرور متّقداً / كَما زعمتَ وتَخشى من تلهّبهِ
لَكانَ يُحرقُ حَشواً في الفؤاد بهِ / خرابهُ فيقيه من مخرّبهِ
أَمّا مذمّتكَ السبكيَّ فهيَ له / شَهادةٌ بكمالٍ حين فهتَ بهِ
لَو كنتَ تَعلمهُ ما قلتَ ذاك بهِ / شَعرتَ فيهِ ولكن ما شعرت بهِ
أَلا اِستحيتَ منَ المختار فيه وفي / آبائهِ وهم أنصارُ موكبهِ
آباؤهُ نصروهُ في كتائبهم / وَهوَ النصيرُ بكتبٍ حبّبته بهِ
لَو لَم يَكُن منهُ في نصر النبيّ سوى / شفائهِ لَكفى أكرِم به وبهِ
وَلاِبن تيميةٍ للمصطفى خدمٌ / لكنّه لم يوفّق في تأدّبهِ
يَقول كالمُشركين المستغيث بهِ / وَقَد عَصى زائرٌ يسعى ليثربهِ
أُفٍّ لذلك ذنباً لا أكفّرهُ / بهِ وَإِن قيلَ بَل خِزيٌ لمذنبهِ
لَكن له حسناتٌ جمّةٌ فبها / أَسبابُ عفوٍ وصفوٍ من مسبّبهِ
مِنها جَوابٌ على التثليثِ ردّ بهِ / أَكرِم بهِ مِن صحيحِ القول معجبهِ
لَم ينهجِ الرافضي منهاجَ سنّتهِ / وَلو رآهُ أراه قبح مذهبهِ
في بابهِ ما لهُ مثلٌ وواجبهُ / حسنُ اِختصارٍ فحسّن رأي موجبهِ
يَسّر إِلهي سنّيّاً يُخلّصهُ / مِن مذهبِ الحشوِ كَي يحظى بطيّبهِ
وَاِنظُر لما قالهُ السبكيُّ فيه تفز / بِأصدقِ القولِ أحلاه وأعذبهِ
إنّ الروافضَ قَومٌ لا خلاق لهم / مِن أجهلِ الناس في علمٍ وأكذبهِ
وَالناسُ في غنية عَن ردِّ إِفكهم / لِهجنةِ الرفضِ واِستقباح مذهبهِ
وَاِبن المُطهّرِ لم تطهر خلائقهُ / داعٍ إلى الرفضِ غالٍ في تعصّبهِ
لَقَد تقوّلَ في الصحبِ الكِرام ولم / يَستحيِ ممّا اِفتراهُ غير منجبهِ
وَلابن تيميةٍ ردٌّ عليه وفى / بِمقصدِ الردّ واِستيفاء أضربهِ
لَكنّهُ خلطَ الحقّ المبين بما / يَشوبهُ كدرٌ في صفو مشربهِ
يُحاوِلُ الحشوَ أنّى كان فهو له / حَثيثُ سَيرٍ بشرقٍ أو بمغربهِ
يَرى حوادثَ لا مَبدا لأوّلها / في اللَّه سُبحانهُ عمّا يظنّ بهِ
لَو كانَ حيّاً يرى قولي ويسمعهُ / رَددتُ ما قال ردّاً غير مشتبهِ
كَما رددتُ عليه في الطلاق وفي / تَركِ الزيارةِ أقفو أثر سبسبهِ
وَبعدهُ لا أرى للردِّ فائدةً / هَذا وَجَوهرهُ ممّا أضنّ بهِ
وَالردُّ يَحسنُ في حالَين واحدة / لِقطع خصمٍ قويٍّ في تغلّبهِ
وَحالةٍ لاِنتفاعِ الناس حيث بهِ / هُدىً وربحٌ لديهم في تكسّبهِ
وَليسَ لِلناسِ في علمِ الكلام هدىً / بَل بِدعةٌ وضلالٌ في تطلّبهِ
وَلي يدٌ فيه لولا ضعفُ سامعهِ / جَعلتُ نظمَ بسيطي في مهذّبهِ
نَعَم لقَد صدَق السبكيّ فيه نعم / حَكى الحقيقةَ لم يعبث بمنصبهِ
مِن أصدقِ الناسِ أَتقاهُم وأعلمهم / فَلا عفا اللَّه يوماً عن مكذّبهِ
كُتب اِبن تيميةٍ بالحشوِ شاهدةٌ / عليهِ فيما حَشاها مِن تَمَذهبهِ
ما خالفَ المذهبَ السنّيّ قيلَ له / حشو وقولُ اِعتزالٍ لا نقول بهِ
فَالحشوُ نَقلٌ لهُ والإعتزال له / عَقلٌ وكلٌّ لسنِّيٍّ بلا شبهِ
فَتلكَ أَلقابهم صارت معرّفةً / فَلفظُها الآنَ وصفٌ لا يذمّ بهِ
هَذا اِصطلاحهُم الحشويّ عندهم / ذو سنّةٍ جامدٌ في كلِّ مُشتبهِ
حَشا عَقيدتهُ حشواً يُخلُّ بما / قَد صحّ للَّه من وصفٍ يليق بهِ
فَفرقةُ الحشوِ قَومٌ قد يصاحبهم / في الحقِّ سوءُ اِعتقاداتٍ نعوذ بهِ
أَمِنهم مشبّهةٌ منهم مجسّمةٌ / لا قدّسَ اللَّه قوماً قائلين بهِ
أَمّا اِبن تيميةٍ فيهم فذو جهةٍ / بِها فأنّبه واِشكُر من مؤنّبهِ
وَذاك كافٍ بهِ في ذمّ بدعتهِ / إِذ لم يرد لَفظها فاِطرحهُ واِرمِ بهِ
وَنزّهِ اللَّه عن شبهٍ وعن جهةٍ / بِالغيبِ آمن وَصُنه في تغيّبهِ
إِذ يَستحيلُ على خلّاقِنا جهةٌ / وَالمُستحيلُ محالٌ أَن ندين بهِ
نَعَم تعقّلُ مَوجودٍ بلا جهةٍ / صَعبٌ لغيرِ نبيهِ القومِ فاِنتبهِ
فَما أتى في كلامِ الشرعِ مُشتبهاً / لِحكمةِ الفهمِ قد جاءَ النبيُّ بهِ
وَواردُ اللفظِ إن أدّى بظاهرهِ / مَعنى الحدوثِ سَعينا في تجنّبهِ
وَفيهِ سِرٌّ لغيرِ اللَّه ما اِنكَشفت / أَستارُه أَو صفيٍّ قد حباهُ بهِ
وَثمَّ معنى لذاكَ اللفظ محتملٌ / بَعضُ الأئمّةِ منّا فسّروه بهِ
وَقصدُهم واحدٌ تنزيهُ خالقنا / تَفويضُ ما جاءَ أو تأويل مشتبهِ
كلُّ الجِهاتِ علا منها ولا جهةٌ / تَحويهُ قد جلّ عن أينٍ وعن شبهِ
وهذهِ الأرضُ فاِنظرها تجد كرةً / وَفوقها العلوُ والعرشُ المحيط بهِ
وَاللَّه من فوقهِ فوق الجميع بلا / كَيفٍ وشبهٍ تَعالى في تحجّبهِ
وَفي السَماءِ وفي الأرضِ الإله أتى / في الذكرِ إنّي بَريءٌ من مكذّبهِ
ما بالُنا نحن نسعى في تباعدهِ / وَهوَ القريب وننأى مع تقرّبهِ
أَيهربُ العبدُ مِن تقريب سيّدهِ / وَسيّدُ العبدِ يَدنو حين مهربهِ
اِفرض سوى اللَّه من كلّ الورى عدماً / وَهَكذا كان معدوماً بغيهبهِ
ما كنتَ مُعتقداً في اللَّه إذ عُدِمت / كلُّ الخلائقِ فهوَ الآن فاِرض بهِ
سُبحانهُ مِن إلهٍ ليس يحملهُ / عَرشٌ بلِ العرشُ محمولٌ له وبهِ
لَو اِستقرّ على عرشٍ لكان بهِ / لِلعرشِ حاجةُ محتاجٍ لمركبهِ
لَكن عليهِ اِستوى لا كيفَ نعلمهُ / للاِستواء أوِ القهر المراد بهِ
قَد جاءَ إتيانهُ للعبد هرولةً / وَالحبُّ وَالقربُ منه مع تقرّبهِ
وَالعلوُ والفوق أيضاً والنزول أتى / وَالضحكُ مع غضَبٍ ويلٌ لمغضبهِ
وَقَد تعجّب من أشياءَ قد وردت / كَما يليقُ به معنى تعجّبهِ
وَهكذا كلّ لفظٍ موهمٍ شبهاً / فَوِّضهُ للّه أو أوّل بلا شبهِ
وَأسلمُ الأمرِ تسليمٌ يُجانِبهُ / مَعنى الحدوث كما يرضى الإله بهِ
هَذا هوَ المذهبُ المأثور عن سلفٍ / أَهلُ التصوّف كلٌّ قائلون بهِ
وَهو المرجّح عند الأشعريِّ ولا / يَأباهُ منّا جميع المقتدين بهِ
وَالماتُريديّ تَفويضٌ عقيدتهُ / وَإن يُؤوّل فلا قطعٌ لديه بهِ
مَن رامَ أَن يدرك الخلّاق فهو إذن / في غيرِ مَطمعهِ قافٍ لأشعبهِ
إِذ ليسَ يَدريه لا جنٌّ ولا ملكٌ / وَلا نبيٌّ قريبٌ من مقرّبهِ
وَحاصلُ الأمرِ أنّا مؤمنون بهِ / معَ الكمالِ وتنزيهٍ يليق بهِ
هَذي عقيدُتنا في اللَّه خالقنا / لم نحشُ لَم نَعتزل فيما ندين بهِ
وَلا نُكفّرهم لكن نُبدّعهم / في الدينِ إِذ أخطؤوا في بعض أضربهِ
إِخوانُنا أَسلموا للَّه واِجتهدوا / الحقَّ شاؤوا فضلّوا في تشعّبهِ
مَع كونهم من فحولِ العلم قد زلقوا / ببعضِ ما دقَّ في الأذهان من شبهِ
وَربّ شَخصٍ ضعيفِ الفهم سيق إلى / صوبِ الصوابِ فلم يبرح يقول بهِ
الأمرُ للَّه مَن يهديهِ نال هدىً / وَمَن أضلّ فقد حلّ الضلال بهِ
وَلَم نُخطّئهم في كلّ مسألةٍ / فَكم كلامٍ لهم فازوا بأصوبهِ
وَفي الفروعِ وباقي الدين مَذهبهم / كَغيرهم وافقوا الشرعَ الشريف بهِ
وَكُتبهم في سوى مَعنى عقائدهم / بحورُ علمٍ فَرِد منها لأعذبهِ
لَكن إذا كنتُ لم تُدرك دَسائسهم / دَع ما يُريبك تفلح في تجنّبهِ
وَاللَّه يَرحمُنا طرّاً فرحمتهُ / هيَ العمادُ لكلّ المؤمنين بهِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025