المجموع : 9
ما الشامُ مَقصِدُنا كَلّا وَلا حَلَب
ما الشامُ مَقصِدُنا كَلّا وَلا حَلَب / لَكِن لِمَكَّةَ مِنّا ترحلُ النُجُبُ
أُمُّ القُرى لَستُ أَنسى إِذ تُقَرِّبُني / وَالدَمعُ مِن فَرحي في حِجرِها صَبَبُ
مَنَّت عَلَيَّ بِوَصلٍ كَالخَيالِ مَضى / يَهُزُّني كُلَّما اِستَحضَرتُهُ الطَرَبُ
ما العُمرُ إِلّا أويقاتٌ ذَهَبنَ بِها / صُفر سِواها وَهُنَّ الخالِصُ الذَهَبُ
لَو لَم يَكُن غَير بَعثِ المُصطَفى سَبَبٌ / لِمَجدِها لَكَفاها ذَلِكَ السَبَبُ
فاقَت جَميعَ بِلادِ اللَّهِ تَكرِمَةً / بِهِ وَفاقَت بِهِ سُكّانَها العربُ
شَمسُ الهُدى كُلُّ نُورٍ مِنهُ مُقتَبَسٌ / لَكِنَّهُ لِلمَعالي كُلّها قُطُبُ
بِنَفسِهِ فاقَ في الفَضلِ الوَرى وَلَهُ / في أَصلِهِ نَسَبٌ ما مِثلُهُ نَسَبُ
ما جارَ يَوماً زَماني فَاِستَجَرتُ بِهِ / إِلّا أَتى النَصرُ وَاِنزاحَت بِهِ الكُرَبُ
لا تَرجُ خَلقاً سِواهُ لِلنَدى أَبَداً / فَعِندَ هَذا المُرَجّى يَنتَهي الطَلَبُ
يا لَيتَني لِلحِجاز بالِغ
يا لَيتَني لِلحِجاز بالِغ / وَفيهِ عَيشي يا سَعدُ سائِغ
يُمحى ظَلامي بِنُورِ بَدرٍ / في طَيبَة الطَيِّبينَ بازِغ
مُحَمَّدٌ سَيِّدُ البَرايا / أَفضَلُ فَردٍ في الخَلقِ نابِغ
خاتِمُ رُسلِ الإِلَهِ زَينٌ / لَهُم لَهُ اللَّهُ خَيرُ صائِغ
قَد مُلِئَ الكَونُ مِن هُداهُ / وَكانَ مِن قَبل ذاكَ فارِغ
أَتى بِدينٍ يَهدي وَيُردي / لِكُلِّ دينٍ بِالحَقِّ دامِغ
تِرياقُ تَوحيدِهِ حَياةٌ / لِمَن لَهُ الشِركُ شَرُّ لادِغ
وَهوَ لعَمري حِصنٌ حَصينٌ / مِن كُلِّ ناز وَكُلِّ نازِغ
حَقّاً رَأى اللَّه في سُراهُ / لِلعَرشِ ما طَرفُهُ بِزائِغ
وَعادَ في لَيلَةٍ قَريراً / عَلَيهِ فَضلُ الرَحمَنِ سابغ
لِلمُصطَفى مِلَّةٌ دانَت لَها المِلَلُ
لِلمُصطَفى مِلَّةٌ دانَت لَها المِلَلُ / وَشرعُهُ أَشرَقَت مِن نورِهِ السُبُلُ
مُستَفعِلُن فاعِلُن مُستَفعِلُن فعلٌ / بَحرٌ بَسيطٌ بِهِ بَحرُ الوَرى وَشَلُ
هوايَ طيبةُ لا بيضاءُ عطبولُ
هوايَ طيبةُ لا بيضاءُ عطبولُ / وَمُنيَتي عينُها الزرقاءُ لا النيلُ
عَذراءُ جلّت عنِ التشبيبِ إذ جُليت / هامَت بِها الخلق جيلاً بعده جيلُ
كلُّ المحاسِن جزءٌ من محاسنها / إِجمالُها بجمالِ الكون تفصيلُ
فَما سعادُ إِذا قيسَت ببَهجتها / وكلُّ أَمثالها إلّا تماثيلُ
ما كنتُ أسألُ لولاها الركائبَ عن / سلعٍ وَلا كانَ لي بالجزع مسؤولُ
مَتى أَراها بطرفٍ ظلَّ يكحلهُ / مِن تربةِ البيدِ ميلٌ بعده ميلُ
حتّى إِذا ظهَرت آيُ البشير له / رَوى أحاديثهُ للناس مكحولُ
تقولُ نفَسي غداً أو لا فبعد غدٍ / يا نفسُ يكفيك هذا القال والقيلُ
إِن قرّبوا فبلا قولٍ ولا عملٍ / أَو أبعدوكِ فما للقولِ محصولُ
إِذا دخلتِ حِماهم فاِدخُليه مَتى / شاؤوا وَإلّا فمنكِ الحبُّ مدخولُ
سيلي جَوىً واِسألي تقريبهم كرماً / فربَّ سائلةٍ يرجى لها السولُ
وَحمّلي البرقَ حاجاتٍ يبلّغُها / عربَ النقا حيثُ ربع الأنس مأهولُ
يا برقُ واِسر إلى سلعٍ بجاريةٍ / مِنها على الرأسِ حلوُ القطرِ محمولُ
وَاِسق الحِمى نهَلاً من بعده عللٌ / قد كنتُ أَسقيهِ لولا الدمع معلولُ
الحمدُ للَّه عَيني في غنىً ولها / كنزانِ مِن دمعها الياقوت واللولو
يا برقُ أشبهتَ ثغرَ الحبّ مُبتسماً / هَل منكَ يا برقُ للأعتاب تقبيلُ
يا برقُ واِشرح لِسادتي وإِن علموا / مَعنى المُعنّى وما بالشرحِ تطويلُ
قُل نازحٌ في بلاد الشامِ حاجتهُ / مِنكم قبولٌ فَقولا أنت مقبولُ
صَبٌّ سَرى الحبّ في أجزاءِ طينته / مُذ كانَ وهو عليه الدهر مجبولُ
يهمُّ بالسيرِ والأقدارُ تقعدهُ / كأنّما هي كبلٌ وهو مكبولُ
في قلبهِ جمرةٌ لولا العيون بها / جَفّت لَكان جرى في شأنها النيلُ
حليفُ فقرٍ لعربِ المُنحنى وله / دينٌ على أغنياء الجزع ممطولُ
يَهوى الحجازَ وتُصبيه معالِمهُ / شَوقاً لأهليهِ والبيد المجاهيلُ
تُرضيه رَضوى ويَحلو بالعذيبِ له / نحوَ المدينة إرقالٌ وترسيلُ
إِن يَجعلوا شخصَها بالبعد محتجباً / عنهُ فتَمثالها في القلب مجعولُ
أَستغفرُ اللَّه مِن قولٍ أُخيّلهُ / صِدقاً ومعناه بالتحقيق تخييلُ
كأنّه النحوُ أقوالٌ مجرّدةٌ / قامَت بأنفُسها تلك الأقاويلُ
لا تجحدِ الحقَّ يا هذا فأنت فتىً / كسلانُ عندك تسويفٌ وتسويلُ
هذي البحارُ وهَذي البيدُ ما برِحَت / تَجري بها السفنُ والنوقُ المراسيلُ
لَو كنتَ تَقوى بتَقوى اللَّه طرت ولم / يُحوِجك فُلكٌ ولم تعوزك شمليلُ
لَكن بركتَ بأثقالِ الذنوبِ وهل / بِمِثلها لجناحِ المرءِ تثقيلُ
عَليكَ بالصدقِ في حبِّ الحبيبِ فما / بِغيرهِ لكَ تحصيلٌ وتوصيلُ
محمَّدٌ خيرُ خلق اللَّه أفضلهم / لديهِ سيّان مفضالٌ ومفضولُ
أَصلُ النبيّين قِدماً وهو خاتمُهم / فمنهُ للكلّ إجمالٌ وتجميلُ
حَقيقةُ الفضلِ عنه لا مجازَ لها / أمّا سواهُ فَتشبيهٌ وتمثيلُ
كلُّ الفضائلِ منه فُصّلت فلهُ / على البريّةِ بالتفصيل تفضيلُ
وَدينهُ الحقُّ مفتاحُ الفلاح فما / بِدونهِ بابهُ المقفول مدخولُ
لا جرحَ يلحقُ مَخلوقاً يعدّله / وَما لِمجروحهِ في الخلق تعديلُ
لَم يجحدِ اللَّهَ لم يجحد نبوّته / إلّا عمٍ عن طريقِ الرشد ضلّيلُ
فَكلُّ ذرّاتِ كلّ الخلق شاهدةٌ / أَن لا إله سوى الرحمن مقبولُ
وَأَنّ أحمدَ خيرُ الرسلِ رحمتهُ / لِلعالمينَ ففيها الكلُّ مشمولُ
مِن نورهِ خلقَ اللَّه الورى فسرى / لآدمٍ وبعبدِ اللَّه موصولُ
نعمَ الظهورُ البطونُ الحاملاتُ له / يا حبّذا حاملٌ منهم ومحمولُ
كَم مِن دلائلَ جاءَت في نبوّتهِ / إنَّ النهارَ لِشمسِ الأفق مدلولُ
الإنسُ والجنّ والأملاك شاهدةٌ / بِها وتَوراةُ موسى والأناجيلُ
كَم معجزاتٍ له جاءَ البعيرُ بها / وَالظبيُ والضبّ والسرحان والفيلُ
وَكالعناكبِ قد فازت بنصرتهِ / وُرقُ الحمائمِ والطير الأبابيلُ
وَالشمسُ رُدّت وشقّ البدر حين بدا / بدرٌ له بظلال الغيمِ تظليلُ
وَالجذعُ حنّ وجاءت نحوه شجرٌ / تسعى وَسيفُ جريدِ النخل مصقولُ
وَعِلمُه الغيبَ من مولاهُ مطّردٌ / مثل الدعاءِ ومهما شاء مفعولُ
لَم تخرجِ السحبُ يوماً عن إشارتهِ / غيثٌ وصحوٌ وتكثيرٌ وتقليلُ
بِالبرءِ سقمٌ وبالموتِ الحياة بهِ / وَالعكسُ بالعكس تنكيرٌ وتكميلُ
كَفى المئينَ كَفى الآلاف من يدهِ / مدٌّ من القوت مشروبٌ ومأكولُ
كفُّ الحَصى في حنينٍ منه كان به / كيوم بدرٍ لجيش الكفر تنكيلُ
أَبو دُجانة نالَ السيفَ في أحدٍ / وكم بهِ كان مجروحٌ ومقتولُ
في الخندقِ الصخرُ مثل الرملِ صار لهُ / مِن بعدِ أن عجزت عنه المعاويلُ
شَفى بتفلتهِ عينَي أبي حسنٍ / في خيبرٍ فكأنّ التفل تكحيلُ
أَشارَ في الفتحِ للأصنامِ فاِنتَكَست / بِالحقّ قد بطلت تلك الأباطيلُ
وَفي تبوكَ عيونُ الرومِ منه جرَت / جَريَ المذاكي وجيشُ الشرك مخذولُ
كِتابهُ مُعجزٌ للخلق قد خَضَعت / لهُ الأقاويلُ منهم والمقاويلُ
قُرآنُ أحمدَ في التقصيرِ عنهُ حكى / زبورَ داودَ توراةٌ وإنجيلُ
فَكَم تضمّن مِن آلاف مُعجزةٍ / تَفسيرُها ما له في الناس تأويلُ
كلُّ العلومِ له فيه به اِجتَمعت / وَمنهُ للناسِ منقولٌ ومعقولُ
بهِ الشرائعُ والأديانُ قد نُسخت / فَما على غيره للناس تعويلُ
لَو كانَ مِن عندِ غير اللَّهِ لاِختلفوا / فيهِ وَوافاه تبديدٌ وتبديلُ
بِالحقِّ مُنزلهُ المولى وحافظه / مِن أينَ مِن أينَ تأتيه الأباطيلُ
هوَ الكريمُ الّذي للكتبِ قاطبةً / مِن نورِ جَدواه تنويرٌ وتأويلُ
هوَ القديمُ بمعناهُ الحديثُ أتى / وَمِنهما الشرعُ تفريعٌ وتأصيلُ
لكنَّه بِالتحدّي مُعجزٌ وله / دونَ الأحاديث ترثيبٌ وترتيلُ
لا ينزلُ الريبُ يوماً حول ساحتهِ / لأنّه مِن لَدُن مولاه تنزيلُ
وَكَم له آيةٌ غرّاء واضحةٌ / لدينهِ غررٌ منها وتحجيلُ
سَرى إلى العرشِ بعد القدسِ ثمّ أتى / إِلى البطاحِ وسترُ الليل مسدولُ
أَكرِم بها رِحلةً كان الدليل بها / عَلى الطريقِ أمينُ اللَّه جبريلُ
حتّى أَتى السدرةَ العلياءَ قال هنا / عَن غيركَ البابُ يا مقبول مقفولُ
وَزجّ بالمُصطفى في النورِ مُنفرداً / حتّى رَأى ربّه والكيف مجهولُ
وَنال مِن قسمةِ التقريبِ سهمَ رضىً / بقابِ قوسَين هذا السهم موصولُ
مَرقىً رَقاه على متنِ البراقِ علا / كلَّ الأنامِ به في شرحه طولُ
وَمنصبٌ ليلةَ المعراجِ خصّ به / كلُّ الورى عنه معدولٌ ومعزولُ
لا يعلمُ الناسُ في الدنيا حقيقتهُ / فَالعقلُ عنها بحبلِ العجز معقولُ
وَفي القيامةِ تَبدو شمسُ رُتبته / كأنّها فوقَ هامِ الخلق إكليلُ
يجرُّ في الحشرِ ذَيلاً من سيادتهِ / بِفضلهِ كلُّ خلق اللَّه مشمولُ
حيثُ الشفاعةُ لا تَرضى سواهُ ولا / يَقوى لِخطبَتها الغرّ البهاليلُ
قَد أحجَم الرسلُ حتّى قال قائلهُم / في ظلِّ أحمدَ يا كلّ الورى قيلوا
يُرى هنالكَ مَشغولاً بأمّتهِ / وَالكلُّ بالنفسِ عن كلّ مشاغيلُ
مَقامهُ ثمَّ مَحمودٌ وفي يدهِ / فوقَ الجميعِ لواءُ الحمد محمولُ
هذا هوَ الجودُ ضيفُ اللَّه خصّ بهِ / محمّدٌ ولكلِّ الخلق تطفيلُ
اللَّه أرسلهُ والشركُ مُشتركٌ / فيهِ الأنامُ وللتوحيد توحيلُ
فأصبحَ الشركُ في أشراكِ حكمتهِ / كالوحشِ وهو بحبلِ الذلّ محبولُ
وَحلّ في الأرضِ دينُ اللَّه محترماً / وَعمّها منه تحريمٌ وتحليلُ
قَد خاصمَ الناسَ حيناً ثمّ حاكَمهم / إِلى السيوفِ وحكم السيف مقبولُ
فَفازَ بالحقِّ حُكماً غير منتقضٍ / لَهُ بِصفحةِ هذا الدهر تسجيلُ
في سادةٍ هاجَروا للَّه شارَكهم / بِالنصرِ أنصارهُ الشمُّ الرآبيلُ
كِلا الفريقينِ أبطالٌ ضراغمةٌ / لا يعصِمُ الأسدَ من غاراتهم غيلُ
في السلمِ خدُامه في الحربِ أسهمهُ / سُيوفهُ وقناهُ والسرابيلُ
نِعمَ السلاحُ الّذي رأسُ الضلالِ به / وَسيفهُ العضبُ مفلوقٌ ومفلولُ
قَد أجفلَ الناسُ مِن عربٍ ومن عجمٍ / مِنهم وما فيهمُ في الحرب إجفيلُ
نِعالُهم أينَما حلّوا أوِ اِرتَحلوا / عَلى رؤوسِ أَعاديهم أكاليلُ
في كلِّ يومٍ يُرى مِنهم هنا وهنا / لِلدّينِ والشرك تجديدٌ وتجديلُ
همُ الهداةُ فإِن ضلّت بهم فئةٌ / فقَد يغصُّ بعذبِ الماء مغلولُ
بئسَ الشقيُّ شقيٌّ كان قمستهُ / مِن معدنِ الرشدِ إغواءٌ وتضليلُ
كلٌّ عُدولٌ وكلٌّ عادلونَ وما / فيهِم فتىً عن طريقِ الحقّ معدولُ
لكنّهم دَرجاتٌ بعضُها عليَت / وَالبعضُ أَعلى وما فيهنّ تسفيلُ
أَعلاهمُ الخلفاءُ الراشدون على / ترتيبهم وَسواهم فيه تفصيلُ
كالشمسِ في الأفقِ الأعلى أبو حسنٍ / ومِن معاويةٍ في الأرض قنديلُ
أكرِم بأصحابهِ أكرم بعترتهِ / نورانِ منهُ فَموصولٌ ومفضولُ
مِنهم شموسُ ضياً منهم بدور علاً / منهم نجوم هدىً منهم قناديلُ
عدوُّ قومٍ عدوُّ الآخرين فلا / يخدعكَ مَن عندهُ للبعض تبجيلُ
فَأحببِ الكلَّ تُجعل يا فتى معهُم / إنّ المحبَّ معَ الأحباب مجعولُ
يا سيّدَ الرسلِ يا مَن لا يزال بهِ / لكلّ صعبٍ بإذن اللَّه تسهيلُ
أَشكو إليكَ زَماني شاكراً نعماً / ما عندَ مثلي لها لولاك تأهيلُ
فَقَد بُليتُ بعصرٍ كلّه فتنٌ / فيهِ أخو الحقّ مغلوبٌ ومغلولُ
عَصرٌ على الخيرِ صالَ الشرّ فيه ولا / تهوينَ إلّا علاه فيه تهويلُ
هذا الزمانُ الّذي بيّنت شدّتهُ / فكلُّ ما قلتَ فيه اليوم مفعولُ
الدّينُ فيه بحكمِ الجمرِ قابضهُ / بنارِ دنياه بين الناس مشعولُ
لولا نجومُ هدىً من شمسكَ اِقتبسوا / أنوارَهم عمّت الدنيا الأضاليلُ
بِوعدكَ الصدق لا تنفكُّ طائفةٌ / منّا على الحقّ مهما كان تبديلُ
أَنتَ الحبيبُ إليكَ الأمرُ أجمعهُ / مِنَ المُهيمن في الدارين موكولُ
فاِنظُر لأمّتك الغرّاء قَد لَعِبت / بِها عراقيلُ تتلوها عراقيلُ
كَم قابَلتها بِما تَخشى فراعنةٌ / وكَم لَها مِن شرارِ الناس قابيلُ
مَهما أساءَت فَلن ترضى إساءتها / حسبُ المُسيء من الإحسان تقليلُ
عَجّل بقهرِ أَعاديها فليس لها / في الخلقِ غيركَ يا مأمون مأمولُ
وَكُن لَها وزراً ممّا ألمّ بها / فَقَد كَفاها على الأوزار تنكيلُ
وَاِعطِف عليّ فإنّي مُذنبٌ وجلٌ / في الخيرِ لا عاملٌ منّي ومعمولُ
وَاِخلَع عليّ وأَهلي للرضا حللاً / أَجملتُ قولي ولا تخفى التفاصيلُ
لا تَنسني يومَ نزعِ الروح من جسَدي / وَيومَ أُسألُ إنّي عنك مسؤولُ
سهّل شَدائدَ أيّام القيامة لي / فإنَّ عقدَ اِصطباري ثمّ محلولُ
ما لي سواكَ كَفيلٌ يوم يطلُبني / أَهلُ الديونِ فقل لي أنت مكفولُ
وحاصِلُ الأمرِ أنّي طامعٌ برضى / ربّي وإن قلّ بي للخيرِ تحصيلُ
إنّي اِلتجأتُ إِلى مقبولِ حضرتهِ / وكلُّ مَن عاذَ بالمقبول مقبولُ
كَم خائِفٍ حصلَ التأمين منك له / وَآمنٍ كانَ منه فيك تأميلُ
أَتاكَ كَعبٌ وقد جلّت جنايتهُ / وَكادَ يَغتالهُ من ذنبه غولُ
وَقامَ ينشدُ لَم تملل مدائحهُ / غيرُ الكريم لديه المدح مملولُ
فآبَ بالبُردةِ الحسناءِ مُشتملاً / وَعادَ وهو ببردِ العفو مشمولُ
وَلستُ مِثلاً لهُ لكنّ حالتهُ / لَها بحالةِ هذا العبد تمثيلُ
إِن كانَ متبولَ قلبٍ يوم أنشدكم / بانَت سعادُ فقلبي اليوم متبولُ
ورُبّ سُبّاقِ فضلٍ عارَضوه بها / أَنا الأخير بهم غرٌّ ذهاليلُ
خاضوا بمدحكَ هذا البحرَ ما بلغوا / كَعباً فَعادوا لهم بالعجز تخجيلُ
إِن وَازَنتها وما وازَت قصائدُهم / فربَّما وازنَ الدرّ المثاقيلُ
وَللقريضِ تَفاعيلٌ توازنهُ / هيَ القريضُ وهاتيك التفاعيلُ
أَستغفرُ اللَّه كلٌّ قد أجادَ وهم / كلٌّ رؤوسٌ لهم بالفوز تكليلُ
لَكن لكعبكَ يا خيرَ الأنام على / رُؤوسِنا ثابتٌ فضلٌ وتفضيلُ
عليكَ أزكى صلاةِ اللَّه وهيَ لنا / مِسكُ الختامِ بها للخير تكميلُ
ما الشامُ مَقصدُنا كلّا ولا حلَبُ
ما الشامُ مَقصدُنا كلّا ولا حلَبُ / لَكن لمكّة منّا ترحلُ النجُبُ
أمُّ القرى لستُ أَنسى إذ تقرّبني / وَالدمعُ من فرَحي في حجرها صببُ
منّت عليّ بِوصلٍ كالخيال مَضى / يهزُّني كلّما اِستحضرته الطربُ
ما العمرُ إلّا أُويقاتٌ ذهبنَ بها / صُفرٌ سِواها وهنّ الخالص الذهبُ
لَو لَم يَكن غير بعثِ المُصطفى سببٌ / لِمَجدها لكفاها ذلك السببُ
فاقَت جميعَ بلاد اللَّه تكرمةً / بهِ وَفاقت به سكّانَها العربُ
شمسُ الهُدى كلّ نورٍ منه مقتبسٌ / لكنّهُ للمعالي كلّها قطبُ
ما جارَ يَوماً زَماني فاِستجرتُ به / إلّا أَتى النصرُ واِنزاحت به الكربُ
لا ترجُ خُلقاً سواه للندى أبداً / فعندَ هذا المرجّى يَنتهي الطلبُ
يا لَيتَني لِلحجازِ بالِغ
يا لَيتَني لِلحجازِ بالِغ / وفيهِ عَيشي يا سعدُ سائِغ
يُمحى ظَلامي بنورِ بدرٍ / في طيبة الطيّبين بازِغ
محمّدٌ سيّد البرايا / أفضل فردٍ في الخلق نابِغ
خاتمُ رسلِ الإله زينٌ / لَهُم له اللَّه خير صائِغ
قَد ملِئ الكونُ من هداهُ / وَكانَ من قبل ذاك فارِغ
أَتى بدينٍ يهدي ويردي / لكلِّ دينٍ بالحقّ دامِغ
تِرياقُ توحيدهِ حياةٌ / لِمَن له الشرك شرُّ لادِغ
وَهوَ لعمري حِصنٌ حَصينٌ / مِن كلّ نازٍ وكلّ نازِغ
حقّاً رأى اللَّه في سراهُ / لِلعرشِ ما طرفهُ بزائِغ
وَعادَ في ليلةٍ قريراً / عليهِ فضلُ الرحمنِ سابِغ
لِلمُصطفى نُصبَت في المجدِ راياتُ
لِلمُصطفى نُصبَت في المجدِ راياتُ / مِن تحتِها الخلقُ أحياءٌ وأمواتُ
روحُ الوجودِ ممدُّ الخلق قاطبةً / لو زالَ لحظة عينٍ عنهمُ ماتوا
لا تعجبنّ لكفّارٍ به جهلوا / أَما بأَرواحهم منهم جهالاتُ
نورُ الوَرى في جميعِ الكائنات سرى / مِصباحها وهيَ للمصباح مشكاةُ
سَقى جميعَ البرايا نور فطرتهم / فَنوّعته لدَيها القابليّاتُ
لا غروَ أَن صارَ ناراً بالجحودِ فقد / تُغيّر الوصفَ في الشيء اِستحالاتُ
مثالهُ الماءُ أنواعَ النباتِ سَقى / الحلوُ منها ومنها الحنظليّاتُ
صفاتهُ في العلا ما مثلها صفةٌ / وَذاتهُ في الورى ما مثلها ذاتُ
لهُ المَعاريجُ في الدنيا لها خضَعت / كلُّ المَعالي وفي الأخرى الشفاعاتُ
أَبعدَ ما عبرَ العرشَ العظيم علاً / تَفي بوصفِ معاليه العباراتُ
ماذا أقولُ بهِ مِن بعد ما وَردت / في مدحهِ مِن كلامِ اللَّه آياتُ
وَكلُّ أمداحِنا مَهما علَت وغلت / فإنّما هيَ أخبارٌ صحيحاتُ
نَحكي بها حالةً من فضلهِ ثَبتت / بِقدرِ ما ساعدت منه العناياتُ
وَخيرُ أوصافهِ عبدُ الإله وإن / تمّت لديهِ على الخلق السياداتُ
لِلمُصطَفى ملّةٌ دانت لها المللُ
لِلمُصطَفى ملّةٌ دانت لها المللُ / وشرعهُ أَشرقَت من نوره السبلُ
مُستفعلن فاعِلن مستفعلن فعلُ / بحرٌ بسيطٌ به بحرُ الورى وشلُ
الحمدُ للَّهِ حمداً أَستعدُّ بهِ
الحمدُ للَّهِ حمداً أَستعدُّ بهِ / لِنُصرةِ الحقّ كي أَحظى بمطلبهِ
بكَ اِستعنتُ إِلهي عاجِزاً فأعن / أَبغي رِضاكَ فَأَسعفني بِأطيبهِ
فَإن تُعِن ثَعلباً يَسطو على أسدٍ / أَو تخذل اللّيثَ لا يَقوى لثعلبهِ
وَإنّني عالِمٌ ضَعفي ولا عملٌ / عِندي يفيدُ ولا علمٌ أصولُ بهِ
وَرأسُ ماليَ جاهُ المصطفى فبهِ / أَدعوكَ يا ربِّ أيّدني له وبهِ
وَاِرحَم بهِ علماءَ الدين قاطبةً / مِن أهلِ سنّته ساهٍ ومنتبهِ
لَولاهمُ ما علِمنا ما بعثتَ بهِ / خيرَ الوَرى وعَجزنا عن تطلّبهِ
مِنهُم أبو الحسنِ السبكيّ ناصرهُ / سَقاهُ غيث الرضى الهامي بِصيّبهِ
أَهدى شِفاءُ سقامٍ في زيارتهِ / شَفى صدورَ جميعِ المؤمنين بهِ
وَرُبّ غِرٍّ غويّ ذمّهُ حَسداً / بهِ غرورٌ وقاحِ الوجه أصلبهِ
ساءَت خلائقهُ ضلّت طرائقهُ / قَد تاهَ بالتيهِ في تيهاء سبسبهِ
فَقالَ ما قالَ في السبكيّ مِن سَفهٍ / قُبحاً لهُ مِن سفيهِ القول أكذبهِ
أَوفى الجدالَ بغيرِ الحقّ مُختلقاً / ما شاءَ مِن كَذبٍ وهو الخليق بهِ
وَقالَ مُفتخراً بالزورِ مَذهبُنا / تَركُ الجدالِ وتأنيب لطالبهِ
فَاِنظر أَكاذيبهُ واِعجب لحالتهِ / مِنَ التناقضِ هذا بعض أعجبهِ
يا أيّها الجاحدُ الحقَّ المبينَ أفق / قَد طال نومكَ يا نومان فاِنتبهِ
أَهلكتَ نَفسك فاِرحمها وذَر بِدَعاً / بِها بُليتَ ودَع قولاً شقيت بهِ
لَم تجعلِ المُصطفى أهلاً لزائرهِ / بِشدّهِ الرَحل أو من يستغيث بهِ
وَكَم رحلتَ إلى أمرٍ بهِ أربٌ / مِن أمردين ودُنيا قد عنيت بهِ
وَفي المَساجدِ لا كلّ الأمورِ أتى / ذاكَ الحديثُ الّذي قِدماً سمعت بهِ
وَالإستغاثةُ مَعناها تشفّعنا / بِهِ إلى اللَّه فيما نرتجيه بهِ
وَما بذلِكَ مِن بَأسٍ ومن حرجٍ / إلّا لَدى ميّتٍ من لسعةِ الشُبَهِ
هوَ الشفيعُ لمولاه وسيّدهِ / في كلِّ حالٍ مغيث المستغيث بهِ
هوَ الحبيبُ فمَن يا قوم يمنعهُ / فَضلاً حباهُ إله العالمين بهِ
وَاللَّهِ واللَّهِ لولا اللَّهُ يضللُ مَن / يشاءُ مِن خلقهِ فيما يريد بهِ
ما كانَ يوجدُ ذو عقلٍ فيمنع ذا / مِن أهلِ ملّتهِ أو يستريب بهِ
وَأنتَ يا أيّها الإنسان ما لك لا / تُحقّق الأمرَ كي تُهدى لأصوبهِ
ها أَنتَ تزعمُ أنّ اللّه في جهةٍ / وَلا تُبالي بِتشبيهٍ ضللتَ بهِ
مِن أينَ جئتَ بذا هذا إمامكَ لم / يَقُلهُ أحمدُ حاشا أن يقول بهِ
وَسَل أبا الفرجِ الجوزيّ تابعهُ / يُنبيكَ بِالحقِّ فاِعلَم واِعملنّ بهِ
وَتَزعمُ اللَّه بالذاتِ اِستقرّ على / عَرشٍ فتُلحق أوصافَ الحدوث بهِ
وَبالتوسّلِ لا ترضى وتمنعهُ / تَقولُ ذلك فعلُ المشركين بهِ
نَزّهتَ ربّك عن شركٍ بزعمِكَهُ / وَلَم تنزّههُ عن شبهٍ وعن شبهِ
لَقَد وَقعتَ منَ الإشراكِ في شركٍ / مِن حيثُ شئتَ خَلاصاً منه بؤت بهِ
أَمّا الطلاقُ ثَلاثاً فالمخالفُ في / وُقوعهِ ساقِطٌ في نفس مذهبهِ
تُريدُ تنصرهُ في حكمِ مسألةٍ / أَخطا وخالفَ كلّ المسلمين بهِ
وَذاكَ أعظمُ بُرهانٍ بأنّك لم / تَستَحي من باطلٍ مهما أسأتَ بهِ
أَمّا الكلامُ بِأوصافِ الإله علا / عنِ الحَوادثِ طرّاً أَن تحلّ بهِ
فَذاكَ مَوضعهُ علم الكلام فمن / أَرادهُ فَليُراجعه يجدهُ بهِ
كَفاكِ يا نفسُ مَع هذا الخطاب كفى / عودي لصاحبهِ فهو الحريّ بهِ
وَكلُّ ما قلتُ في هذا يناسبهُ / وَهَكذا ذاكَ فيما لا يُخصُّ بهِ
تَحزّبا وغدا السبكيُّ مُنفرداً / كِلاهُما ذو اِعتداءٍ في تحزّبهِ
كِلاهُما قَد حَشا أشعارهُ سَفهاً / عليهِ زوراً وَأبدى حشوَ مذهبهِ
كِلاهُما خَلَفٌ من بعد صاحبهِ / كِلاهما مُتعدٍّ في تصحّبهِ
لَكن بينهما فرقاً بهِ اِفترقا / مَعَ اِتّفاقِهما فيما يعاب بهِ
فَالحنبليُّ لَه عذرٌ بنصرتهِ / لِشيخهِ بأباطيلٍ تليقُ بهِ
أَمّا اليمانيُّ فالمعذورُ لائمهُ / لأنّه مُخطئٌ في خلط مشربهِ
لَم يأتِ ذاكَ غَريباً في القياس نعم / هَذا اليمانيُّ قَد وافى بأغربهِ
إِن كانَ يا يافعٌ عارٌ عليك بذا / فَباِبن أسعدَ فخرٌ تفخرين بهِ
وَما تعجّبتُ مِن شَيءٍ كنسبتهِ / لِلشافعيِّ اِفتراءً في تذَبذبهِ
يَوماً يمانٍ إذا لاقيتَ ذا يمنٍ / وَإِن تجِد حشو شاميّ تدين بهِ
إِن شافعيّاً فهذا الحشو جئت بهِ / مِن أينَ فلتُرهِ حتّى نقول بهِ
هَل قالهُ الشافعي في الأمّ ليس بهِ / أَو في الرِسالةِ أَو من أين جئت بهِ
أَشيخُ شيرازَ أبداهُ وحقّقهُ / في نصٍّ تنبيهه أو في مهذّبهِ
أَوِ الإمام الغزالي قال ذلك أو / إِمامنا الأشعريّ الحبر قال بهِ
أَو قالهُ الفخرُ يوماً في مطالبهِ / أَو الجوينيُّ في إرشاد مطلبهِ
في فِقههِم ذكروهُ أو عقائدهم / جَميعُهم ذمّهُ مع مَن يقول بهِ
إذاً فقل أنا حشويٌّ بدون حياً / وَاِبرأ منَ الشافعي أنتَ الدعيّ بهِ
لَو كانَ حَقّاً حفظت الشافعيّ ولم / تَسؤهُ وَيحكَ في أعلام مذهبهِ
وَإِذا سَفِهتَ على السبكيّ تابعه / سُؤتَ الإمامَ وكلّ المقتدين بهِ
بَل سؤتَ بالإفكِ ممّا قد أتيت بهِ / خيرَ الأنامِ وكل المؤمنين بهِ
لَقَد كَذَبت وشرُّ القول أكذبهُ / إِذ قلتَ للشيخِ مِن عُجبٍ عرفت بهِ
فَاِبرز وَرُدّ تَرى واللَّه أجوبةً / مثلَ الصواعقِ تُردي مَن تمرّ بهِ
عَقلاً ونقلاً وآياتٍ مفصّلةً / مِن كلِّ أروعَ شهم القلب منتبهِ
ماضي الجَنانِ كَحدّ السيف فكرتهُ / يُريكَ نَظماً ونثراً في تأدّبهِ
وَقّاد ذهنٍ إذا جالت قريحتهُ / يَكادُ يُخشى عليه من تلهّبهِ
وَغيرَ ذلكَ ممّا قلته بطراً / اللَّه حَسبُكُ فيما قَد بجحتَ بهِ
لَو كانَ فِكركَ مثلَ السيفِ حدّتهُ / لكنتَ جاهدتَ شَيطاناً غويت بهِ
أَو كانَ ذِهنكَ يا مغرور متّقداً / كَما زعمتَ وتَخشى من تلهّبهِ
لَكانَ يُحرقُ حَشواً في الفؤاد بهِ / خرابهُ فيقيه من مخرّبهِ
أَمّا مذمّتكَ السبكيَّ فهيَ له / شَهادةٌ بكمالٍ حين فهتَ بهِ
لَو كنتَ تَعلمهُ ما قلتَ ذاك بهِ / شَعرتَ فيهِ ولكن ما شعرت بهِ
أَلا اِستحيتَ منَ المختار فيه وفي / آبائهِ وهم أنصارُ موكبهِ
آباؤهُ نصروهُ في كتائبهم / وَهوَ النصيرُ بكتبٍ حبّبته بهِ
لَو لَم يَكُن منهُ في نصر النبيّ سوى / شفائهِ لَكفى أكرِم به وبهِ
وَلاِبن تيميةٍ للمصطفى خدمٌ / لكنّه لم يوفّق في تأدّبهِ
يَقول كالمُشركين المستغيث بهِ / وَقَد عَصى زائرٌ يسعى ليثربهِ
أُفٍّ لذلك ذنباً لا أكفّرهُ / بهِ وَإِن قيلَ بَل خِزيٌ لمذنبهِ
لَكن له حسناتٌ جمّةٌ فبها / أَسبابُ عفوٍ وصفوٍ من مسبّبهِ
مِنها جَوابٌ على التثليثِ ردّ بهِ / أَكرِم بهِ مِن صحيحِ القول معجبهِ
لَم ينهجِ الرافضي منهاجَ سنّتهِ / وَلو رآهُ أراه قبح مذهبهِ
في بابهِ ما لهُ مثلٌ وواجبهُ / حسنُ اِختصارٍ فحسّن رأي موجبهِ
يَسّر إِلهي سنّيّاً يُخلّصهُ / مِن مذهبِ الحشوِ كَي يحظى بطيّبهِ
وَاِنظُر لما قالهُ السبكيُّ فيه تفز / بِأصدقِ القولِ أحلاه وأعذبهِ
إنّ الروافضَ قَومٌ لا خلاق لهم / مِن أجهلِ الناس في علمٍ وأكذبهِ
وَالناسُ في غنية عَن ردِّ إِفكهم / لِهجنةِ الرفضِ واِستقباح مذهبهِ
وَاِبن المُطهّرِ لم تطهر خلائقهُ / داعٍ إلى الرفضِ غالٍ في تعصّبهِ
لَقَد تقوّلَ في الصحبِ الكِرام ولم / يَستحيِ ممّا اِفتراهُ غير منجبهِ
وَلابن تيميةٍ ردٌّ عليه وفى / بِمقصدِ الردّ واِستيفاء أضربهِ
لَكنّهُ خلطَ الحقّ المبين بما / يَشوبهُ كدرٌ في صفو مشربهِ
يُحاوِلُ الحشوَ أنّى كان فهو له / حَثيثُ سَيرٍ بشرقٍ أو بمغربهِ
يَرى حوادثَ لا مَبدا لأوّلها / في اللَّه سُبحانهُ عمّا يظنّ بهِ
لَو كانَ حيّاً يرى قولي ويسمعهُ / رَددتُ ما قال ردّاً غير مشتبهِ
كَما رددتُ عليه في الطلاق وفي / تَركِ الزيارةِ أقفو أثر سبسبهِ
وَبعدهُ لا أرى للردِّ فائدةً / هَذا وَجَوهرهُ ممّا أضنّ بهِ
وَالردُّ يَحسنُ في حالَين واحدة / لِقطع خصمٍ قويٍّ في تغلّبهِ
وَحالةٍ لاِنتفاعِ الناس حيث بهِ / هُدىً وربحٌ لديهم في تكسّبهِ
وَليسَ لِلناسِ في علمِ الكلام هدىً / بَل بِدعةٌ وضلالٌ في تطلّبهِ
وَلي يدٌ فيه لولا ضعفُ سامعهِ / جَعلتُ نظمَ بسيطي في مهذّبهِ
نَعَم لقَد صدَق السبكيّ فيه نعم / حَكى الحقيقةَ لم يعبث بمنصبهِ
مِن أصدقِ الناسِ أَتقاهُم وأعلمهم / فَلا عفا اللَّه يوماً عن مكذّبهِ
كُتب اِبن تيميةٍ بالحشوِ شاهدةٌ / عليهِ فيما حَشاها مِن تَمَذهبهِ
ما خالفَ المذهبَ السنّيّ قيلَ له / حشو وقولُ اِعتزالٍ لا نقول بهِ
فَالحشوُ نَقلٌ لهُ والإعتزال له / عَقلٌ وكلٌّ لسنِّيٍّ بلا شبهِ
فَتلكَ أَلقابهم صارت معرّفةً / فَلفظُها الآنَ وصفٌ لا يذمّ بهِ
هَذا اِصطلاحهُم الحشويّ عندهم / ذو سنّةٍ جامدٌ في كلِّ مُشتبهِ
حَشا عَقيدتهُ حشواً يُخلُّ بما / قَد صحّ للَّه من وصفٍ يليق بهِ
فَفرقةُ الحشوِ قَومٌ قد يصاحبهم / في الحقِّ سوءُ اِعتقاداتٍ نعوذ بهِ
أَمِنهم مشبّهةٌ منهم مجسّمةٌ / لا قدّسَ اللَّه قوماً قائلين بهِ
أَمّا اِبن تيميةٍ فيهم فذو جهةٍ / بِها فأنّبه واِشكُر من مؤنّبهِ
وَذاك كافٍ بهِ في ذمّ بدعتهِ / إِذ لم يرد لَفظها فاِطرحهُ واِرمِ بهِ
وَنزّهِ اللَّه عن شبهٍ وعن جهةٍ / بِالغيبِ آمن وَصُنه في تغيّبهِ
إِذ يَستحيلُ على خلّاقِنا جهةٌ / وَالمُستحيلُ محالٌ أَن ندين بهِ
نَعَم تعقّلُ مَوجودٍ بلا جهةٍ / صَعبٌ لغيرِ نبيهِ القومِ فاِنتبهِ
فَما أتى في كلامِ الشرعِ مُشتبهاً / لِحكمةِ الفهمِ قد جاءَ النبيُّ بهِ
وَواردُ اللفظِ إن أدّى بظاهرهِ / مَعنى الحدوثِ سَعينا في تجنّبهِ
وَفيهِ سِرٌّ لغيرِ اللَّه ما اِنكَشفت / أَستارُه أَو صفيٍّ قد حباهُ بهِ
وَثمَّ معنى لذاكَ اللفظ محتملٌ / بَعضُ الأئمّةِ منّا فسّروه بهِ
وَقصدُهم واحدٌ تنزيهُ خالقنا / تَفويضُ ما جاءَ أو تأويل مشتبهِ
كلُّ الجِهاتِ علا منها ولا جهةٌ / تَحويهُ قد جلّ عن أينٍ وعن شبهِ
وهذهِ الأرضُ فاِنظرها تجد كرةً / وَفوقها العلوُ والعرشُ المحيط بهِ
وَاللَّه من فوقهِ فوق الجميع بلا / كَيفٍ وشبهٍ تَعالى في تحجّبهِ
وَفي السَماءِ وفي الأرضِ الإله أتى / في الذكرِ إنّي بَريءٌ من مكذّبهِ
ما بالُنا نحن نسعى في تباعدهِ / وَهوَ القريب وننأى مع تقرّبهِ
أَيهربُ العبدُ مِن تقريب سيّدهِ / وَسيّدُ العبدِ يَدنو حين مهربهِ
اِفرض سوى اللَّه من كلّ الورى عدماً / وَهَكذا كان معدوماً بغيهبهِ
ما كنتَ مُعتقداً في اللَّه إذ عُدِمت / كلُّ الخلائقِ فهوَ الآن فاِرض بهِ
سُبحانهُ مِن إلهٍ ليس يحملهُ / عَرشٌ بلِ العرشُ محمولٌ له وبهِ
لَو اِستقرّ على عرشٍ لكان بهِ / لِلعرشِ حاجةُ محتاجٍ لمركبهِ
لَكن عليهِ اِستوى لا كيفَ نعلمهُ / للاِستواء أوِ القهر المراد بهِ
قَد جاءَ إتيانهُ للعبد هرولةً / وَالحبُّ وَالقربُ منه مع تقرّبهِ
وَالعلوُ والفوق أيضاً والنزول أتى / وَالضحكُ مع غضَبٍ ويلٌ لمغضبهِ
وَقَد تعجّب من أشياءَ قد وردت / كَما يليقُ به معنى تعجّبهِ
وَهكذا كلّ لفظٍ موهمٍ شبهاً / فَوِّضهُ للّه أو أوّل بلا شبهِ
وَأسلمُ الأمرِ تسليمٌ يُجانِبهُ / مَعنى الحدوث كما يرضى الإله بهِ
هَذا هوَ المذهبُ المأثور عن سلفٍ / أَهلُ التصوّف كلٌّ قائلون بهِ
وَهو المرجّح عند الأشعريِّ ولا / يَأباهُ منّا جميع المقتدين بهِ
وَالماتُريديّ تَفويضٌ عقيدتهُ / وَإن يُؤوّل فلا قطعٌ لديه بهِ
مَن رامَ أَن يدرك الخلّاق فهو إذن / في غيرِ مَطمعهِ قافٍ لأشعبهِ
إِذ ليسَ يَدريه لا جنٌّ ولا ملكٌ / وَلا نبيٌّ قريبٌ من مقرّبهِ
وَحاصلُ الأمرِ أنّا مؤمنون بهِ / معَ الكمالِ وتنزيهٍ يليق بهِ
هَذي عقيدُتنا في اللَّه خالقنا / لم نحشُ لَم نَعتزل فيما ندين بهِ
وَلا نُكفّرهم لكن نُبدّعهم / في الدينِ إِذ أخطؤوا في بعض أضربهِ
إِخوانُنا أَسلموا للَّه واِجتهدوا / الحقَّ شاؤوا فضلّوا في تشعّبهِ
مَع كونهم من فحولِ العلم قد زلقوا / ببعضِ ما دقَّ في الأذهان من شبهِ
وَربّ شَخصٍ ضعيفِ الفهم سيق إلى / صوبِ الصوابِ فلم يبرح يقول بهِ
الأمرُ للَّه مَن يهديهِ نال هدىً / وَمَن أضلّ فقد حلّ الضلال بهِ
وَلَم نُخطّئهم في كلّ مسألةٍ / فَكم كلامٍ لهم فازوا بأصوبهِ
وَفي الفروعِ وباقي الدين مَذهبهم / كَغيرهم وافقوا الشرعَ الشريف بهِ
وَكُتبهم في سوى مَعنى عقائدهم / بحورُ علمٍ فَرِد منها لأعذبهِ
لَكن إذا كنتُ لم تُدرك دَسائسهم / دَع ما يُريبك تفلح في تجنّبهِ
وَاللَّه يَرحمُنا طرّاً فرحمتهُ / هيَ العمادُ لكلّ المؤمنين بهِ