القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 39
هُنِّيتَ هُنِّيتَ بالإقدام والظَفَر
هُنِّيتَ هُنِّيتَ بالإقدام والظَفَر / فاسلم ودُم سالماً بالعزِّ وافتَخِر
زلزلتَ بالسيف أركاناً مشيدة / تكاد تلحق بعد العين بالأثر
أنت المنيب إلى الله العزيز به / والمتّقي منه في أمنٍ وفي خطر
بطشتَ بطش شديد البأس منتقم / من بعد ما كنت قد بالغت في النذر
إنَّ الخوارج عن أمر أمرت به / جاءت إليك لعمري غير مفتقر
هم عاهدوك على أن لا تُمَدَّ لهم / يدٌ إلى شجر عَدْواً ولا عشر
ولا ينالون منها غير ما ملكت / أيمانهم بعدما يودى من العُشُرِ
لو أنهم صدقوك القول يومئذٍ / قبلت بالعفو عنهم عذر معتذر
كفى بما كانَ منك اليوم تبصره / لو يعقلون لذي سمع وذي بصر
لبَّتك أبناء نجد إذ دعوتهم / فأقبلت زمراً تأوي إلى زمر
جاءت إليك كأسْدِ الغاب عادية / على أعاديك تحمي البيض بالسمر
تهون دونك منهم أنفسُ كَرُمَتْ / في عزّةِ الموت أو في لُجَّة الخطر
كأنما تنتضيها من عزائمهم / صوارماً طبعوها آفة العمر
والحرب قائمة منهم على قدم / والنقع يكحل عين الشمس بالحور
وللمدافع إرعاد وزمجرة / ترمي جهنَّمُها الطاغين بالشرر
إذا قضى الحتف من أبطالها وطراً / ففي سليمان منها لذة الوطر
بغلمة كسيوف الهند مصقلة / ما شيب منها صفاء الود بالكدر
لا ينزلون على كرهٍ بمنزلة / ولا يضامون في بدو وفي حضر
وكم جمعت وشجّعت الرجال وكم / علّمتها الحرب بعد الجبن والخور
نفخت فيهم فقاموا يهرعون إلى / حرب تشبّ بنار من لظى سقر
علّمتهم كيف يمضي السيف شفرته / وليس يغني حذار الموت عن قدر
سرت بهم نفحات منك تبعثهم / إلى الشجاعة بعث النادر الحذر
وأنت وحدك فيهم عسكر لجب / سود الوقائع من راياتك الحمر
وأنت بالله لا بالجيش منتصر / فيا لمستنصر بالله منتصر
قد أفلح الناس باديها وحاضرها / من آمرٍ بالذي تهوى ومؤتمر
وأنت هادٍ لها في كل مشتَوَرٍ / وأنتَ مقدامُها في كل مشتجر
ورُبَّ أمرٍ مهول من عظائمه / أنْ ليس تفعله بالصارم الذكر
وإنّك العضب راع العين منتظراً / من صنعة الله لا من صنعة البشر
ترقّ للناس ما تصفو ضمائرها / برقّةٍ كنسيم الروض في السحر
والغلّ يكمن من تلك الخوارج في / قلوبها ككمون النار في الحجر
عادوا فَعُدت إلى ما كنت تفعله / في حالك من ظلام النقع معتكر
والخيل تفعل بالقتلى سنابكها / لعب الصوالج يوم الروع بالأكر
وقمت تخطب في حد الحسام على / منابر الهام بالآيات والسور
والسيف أصدق ما تنبيك لهجته / بموجز من لسان الحال مختصر
دانوا لأمرك بعد الذل وامتثلوا / وكان عفوك عنهم عفو مقتدر
كم من يدٍ لهم طولى تطول على / سمر العوالي رماها الله بالقصر
ومنذ عادوا فقد عادوا لمهلكة / لِما نُهوا عنه من بغيٍ ومن وطر
في كل عام لهم حرب ومعترك / وموعد للمنايا غير منتظر
وهم متى شئت كانوا منك يومئذ / لدى المنيّة بين الناب والظفر
لا يبلغ الشر منهم مثل مبلغه / في عامهم ذلك الماضي ولم يثر
قابلتهم بجنود أمطَرَتْ بدمٍ / كما يصوب مصاب المزن بالمطر
وربَّ أحمقَ معروفٍ لشهرته / وافاك من قومه الأعجام في نفر
لا يعرفون وجوه الموت ترهقهم / ذلاً وتوسعهم طرداً إلى الغرر
أخزاهم الله في الأدبار إذ ذبحوا / قبل الخلائف ذبح الشاة والبقر
وفرّ قائدهم من خوفه هرباً / حتَّى تحجَّب بالحيطان والجدر
ليت المنيّة غالته بمهلكة / وقد أصيبَ لحاهُ الله من دير
إن الأباعد لم يوثَقْ بخدمتهم / هم العدوُّ فكن منهم على حذر
أبْعِدْ عن العسكر المنصور منزلهم / فشرّهم غير مأمون من الضرر
لا يصلح الجاهل المغرور في نظر / إلاَّ إذا كانَ مصروفاً عن النظر
المفسدون بأرض ينزلون بها / والبارزون بقبح الفعل والصور
لله درك لم تسبق بما فعلت / منك العزائم في ماض من العصر
بعثت للبصرة الفيحاء تحفظها / بصارم البأس من أحداثها الغير
طهّرتها من فساد كانَ يكنفها / ولم تدع باغياً فيها ولم تذر
وصنتها عن شرار الناس قاطبة / صون الجنين لدى الإنفاق بالبدر
فعَلْتَ فَعْلاتك اللاّتي فَعَلْتَ بها / تبقى مع الدهر في الأخبار والسير
يا نائباً غابَ عنِّي الصّبر مُذْ بانا
يا نائباً غابَ عنِّي الصّبر مُذْ بانا / هلاّ سألتَ عن المشتاق ما عانى
ما راق في عينه شيء يروق لها / ولا اصطفى غير من صافيت إخوانا
ولا إذا غرَّدت ورقاء في فنن / أملَت عليَّ من الأوراق أشجانا
وصرت في حال من لا يبتغي بدلاً / بالأهل أهلاً وبالجيران جيرانا
ما زلت أخضِلُ أجفاني بأدمعها / إذا تذكَّرتُ أوطاراً وأوطانا
أشدّهم في الوغى بأساً وأكرمهم / كفًّا وأعظمهمُ في قدره شانا
خليفة الله في الأقطار محترم / إنَّ العزيز عزيز حيث ما كانا
فلا كنامق والٍ للعراق ولا / كمثل عبد العزيز اليوم سلطانا
فلو وزنت ملوك الأرض قاطبة / لزادهم في الندى والبأس رحجانا
أراعها ما رأته من عزائمه / فأذعنت لمليك الأرض إذعانا
ولم يربه ركوب البحر من خطر / لما تنقل بلداناً فبلدانا
كالشمس إذ تملأ الدنيا أشعتها / لا تستطيع لها الأقطار كتمانا
قد صان مملكة الإسلام أجمعها / فصانه الله حِفظاً مثلما صانا
وما ادّعى الفخر مجدٌ في صنائعه / إلاَّ أقام عل ما قال برهانا
الله يكلأه مما يحاذره / وزاده الله بعد الأمن إيمانا
وهل يبالي بشيءٍ أو يحاذر من / أمرٍ ويرهب أمثالاً وأقرانا
من كانَ مستنصراً بالله متخذاً / حزب الملائك أجناداً وأعوانا
رأت من الملك السامي جلالته / فطأطأت أرؤساً منها وتيجانا
أبدت خضوعاً وقرّت أعيناً وجلت / عن القلوب من الأضغان أدرانا
صافى فصوفي حتَّى لم تجد أحداً / إلاَّ ويوليه بالنعماء شكرانا
صلب على الخصم لو تلقى الخطوب به / في نارها طول هذا الدهر ما لانا
يقضي النهار بأحكام يُدَبّرها / رأياً ويتلو بجنح الليل قرآنا
وأظهرت بالعراق العدل رأفته / من بعد ما مُلِئت ظلماً وعدوانا
فانقادت الناس عن أمرٍ لطاعته / طوع القياد فلا تأباه عصيانا
نعم الرجال رجال يحدقون به / كانوا لدولته الغَرّاء أركانا
كم أحرقت شهبه للماردين فما / أبقَتْ على الأرض للباغين شيطانا
رأت له معجزات الفخر فاختلقت / مذاهباً في معاليه وأديانا
فأجمعت أممُ الإفرنج واتَّفَقَت / على محبَّته شيباً وولدانا
بينا تراهم أسودَ الحرب إذ وُجِدوا / يحلّقون بجوّ الفخر عُقبانا
يقاتلون العدى صَفًّا فتحسبهم / في يوم معترك الأعداء بنيانا
فالبصرةَ الآن في خفضٍ وفي دعةٍ / وكلّ خير أتاها من سليمانا
أجاد فيما يراه من سياستها / فزان ما كانَ قبل اليوم قد شانا
وكيفَ أسلو أحبَّاءً مُنِيت بهم / وما وجدت لهذا القلب سلوانا
يا شدَّ ما راعني يوم الفراق ضحًى / ودَّعْتُ فيه من الغادين أظعانا
ولا يميل إذَنْ إلاَّ إلى شرف / ذو اللبّ متّخذ الأَشراف أخدانا
ولا سمعت بشيء من مناقبه / إلاَّ انثنيت بما أسمعت نشوانا
تَتَبَّعوا المجد حتَّى قال قائلهم / أحْيَتْ ملوكُ بني عثمان عثمانا
فأطلقت ألْسُنَ الدنيا مدائِحُه / وأسْمعت مَن بها سرًّا وإعلانا
جمعت منها قلوباً قلَّما اجتمعت / محبَّة فيك ساداتٍ وأَعيانا
وإنْ تلفَّظت في نطق وفي قلم / قرّطت من دور الأَلفاظ آذانا
لقد حكيت وما فاتتك فاتنة / قسّ الفصاحة أو ناظرت سحبانا
أحْسَنْتَ في كلِّ ما دبّرْت من حكم / جُزِيتَ عن ذلك الإِحسان إحسانا
فمن كمالك عن رأي ومعرفة / وضعت للعدل والإِنصاف ميزانا
فضل من الله أُوتينا الكمال به / فضلتَ غيرك معروفاً وعرفانا
لله درّك بين الناس من فطن / حيّرت في ذهنك الوقَّاد أذهانا
حلم به تترك النيران باردةً / وعزمة تترك الأَمواه نيرانا
لا تُنزلُ الجود إلاَّ في منازله / وما عزّ عندك من شيء وما هانا
أبصرت أشياءَ لا تخفى منافعها / كأن الأَوائل عنها الدهر عميانا
والناس من ذلك التنظيف يومئذٍ / كأنَّما انتشقت روحاً وريحانا
سقيتنا الماء عذباً ما به رنق / فأصبح الظَّامئ العطشان ريَّانا
ولم تدع وجميع الناس تملأه / ممَّا يزيد بمرضى البحر بحرانا
صحت بك البصرة الفجار من مرض / أضرَّ بالناس أرواحاً وأبدانا
من بعدما كانَ الأَمراض قد صبغت / منها الوجوه بصبغ الموت ألوانا
من ذا الَّذي ينكر الأَشياء حينئذٍ / وقد قلبت من الأَبدان أعيانا
يا دوحة المجد نزكو في مغارسها / أصلاً وفرعاً وأغصاناً وقضبانا
على جبينك خَطَّ المجدُ أسطُرَه / وكم قرأت لذاك الخطّ عنوانا
ويا لك الله إن حرَّزت من رجل / يمثّل السحر ألفاظاً وتبيانا
تجنى ثمار المعالي من رسائله / حتَّى غدت عن رياض الفضل بستانا
ومذ بدا وجهك الزَّاهي لأعيننا / جلا عن البصرة الفيحاء أحزانا
وفي قدومك ما تمَّ السرور به / وربَّما غابت الأَقمار أحيانا
إنْ جئتَ آل سُلمى أو مغانيها
إنْ جئتَ آل سُلمى أو مغانيها / فاحفظ فؤادك واحْذَر من غوانيها
تلك المغاني معاني الحسن لائحة / منها لعينك فاشرح لي معانيها
معالم كلَّما استسقت معاهدها / وبلاً من الدمْع باتَ الوبل يسقيها
منازل وقف العاني بها فشكا / ما يشتكي من صروف الدهر عافيها
واحبس بها الركب أن تقضي حقوق ثرًى / على المتيَّم حقٌّ أنْ يؤدِّيها
قف بي أصبّ بها دمعاً أشيبَ دماً / فإنَّما أنا صبّ الدَّار عانيها
ويلاه من كبد حرَّى أضرَّ بها / منع الأَحبَّة شرب الرَّاح من فيها
لي مهجة والقدود السمر ما برحت / تميتها والصبا النجديّ يُحييها
يأتي إليك هواها بالصبا سحراً / فهل عرفت الهوى من أينَ يأتيها
فما لهاتفة تشجي الخليّ جوًى / وما رماها بسهم البين راميها
لله ما فعلت بي في تفنُّنها / ورقاءُ في الدوح تشجيني وأشجيها
وهيَّج البرق لمَّا لاح وامضه / لواعجاً في هوى ميٍّ أُعانيها
فعبَّرت عبرات الدمع حين جرتْ / عن صبوةٍ بتُّ أخفيها وأُبديها
يا برقُ سلِّم على حيٍّ بذي سَلَمٍ / وجُز بأحياء ميثاء وحيِّيها
حيِّ حياة المعنَّى في مواصلهم / كانوا منى النفس لو نالت أمانيها
قد طالَ عهدي بأحباب شغفت بها / ولا أرى طول هذا العهد ينسيها
ما للملامة تغريني ولي أُذُنٌ / تملّها وأرى العذَّال تمليها
يا عاذلي كلَّما أبصرتَ حال شجٍ / فخلّه فهو مشغوف وخلِّيها
فلا تعذب أُخيَّ اليوم مهجته / فإنَّ ما لقيت في الحبِّ يكفيها
لا تلحني فتزيد القلب صبوته / وربَّما جرح العشَّاق آسيها
أقولُ للبرق إذا لاحتْ لوامعه / يحكي تبسُّم ذات الخال تشبيها
بالله كرِّر أحاديث العُذَيب فما / بغيرها غلَّة الأَشواق ترويها
وارفق بمهجة مشتاق بقد رديت / وكلّ نفس هواها كانَ مردتيها
ويا نسيماً سرى من أرض كاظمة / يروي أحاديث نشر عن روابيها
احْمِلْ إلى الموصل الحدبا تحيَّتنا / واقرأ السَّلام على من قد سما فيها
وإنَّما هو عبد الله عالِمُها / ومقتداها ومهديها وهاديها
الفاضل الفرد فيهم في فضائله / لا يستطيعُ حسودٌ أن يواريها
من عصبة برئت من كلِّ منقصةٍ / من الورى فتعالى الله باريها
منهم تبَلَّجَ صُبح الفضل وابتهجت / رياضه فزها بالحقِّ زاهيها
علاهم سقم أكباد الحسود كما / تشقى صدور المعالي في عواليها
فلتفخر الموصل الحدباء إنَّ لكم / نهاية الفخر قاصيها ودانيها
وللفضائل أهلٌ في الورى أبداً / وما برحتم مدى الأيام أهليها
صحف البلاغة قد أصبحت ناشرها / من بعد ما كادَ هذا الدهر يطويها
جزيت عن بنت فكر قد بعثت بها / إلى محبِّيك تهديها فتهديها
فلو نجازيك عن معشار قيمتها / جوزيت إذ ذاكَ بالدُّنيا وما فيها
ما روضة من رياض الحزن باكرها / غيث فأضحكها إذ باتَ يبكيها
يوماً تضرَّج فيها الورد وجنته / حتَّى تبسَّمَ من عُجْبٍ أقاحيها
أبهى وأبهجَ من نظم نظمت به / زُهْرَ الكواكب نظماً في قوافيها
بيوت فضل حَوَت من كلِّ نادرةٍ / أحكَمَتْ في يدك الطولى مبانيها
رقَّتْ إلى أنْ تخيَّلْنا النسيم سرى / منها ولم يسر إلاَّ من نواحيها
تملى على السمع أحياناً فتملأه / لئالئاً ومعانيها لئاليها
كأنَّما طلعة الأَقمار ومطلعها / والأَنجم الزهر أمستْ من قوافيها
كم أسكرتنا ولم نسق كؤوس طلًى / وإنَّما الخمر معنًى من معانيها
مصوغة من دموع العين صافية / ما زال ظاهرها يبدو كخافيها
من مظهر السحر من بادي رويّته / بصورة الشعر تخييلاً وتمويها
رويّة كلَّما نادتْ بمعجزةٍ / من البلاغة جاءتها تلبِّيها
كم أبْهَر العينَ حُسناً من سنى كلمٍ / بدا وتورية فيها تورِّيها
وكيف نأتي لها يوماً بثانية / وأنتَ يا واحد الآحاد منشيها
لا زلتَ ما طلعتْ شمس وما غربتْ / مطالعاً لشموس المجد حاويها
للهِ دَرّ أبي داود من رجلٍ
للهِ دَرّ أبي داود من رجلٍ / يَسْتَنزل العُصْمَ من مُستَعْصَم القُلَلِ
لو رامَ قلع الجبال الشمِّ ما تركت / عزائمٌ فيه يوم الرَّوع من جَبَل
له من الله في سِلْمٍ ومُعْتَرَك / بأسُ الحديد وجُود العارض الهطل
شيخٌ حماها بفتيان إذا زأروا / تخوَّفتْهم أُسودُ الغيل بالغِيل
حفَّتْ به من بني نجد أُغَيْلِمَةٌ / أعدَّهم لنزول الحادث الجلل
إذا دعاهم أبو داود يومئذٍ / جاؤوا إليه بلا مَهلٍ على عجل
المدْرِكونَ بعون الله ما طلبوا / والفائزون بما يرجون من أَمل
كم فتكةٍ لسليمان بهم فتكَتْ / وما تقول بفتكِ الفارس البطل
لقد قضى اللهُ بالنصر العزيزِ له / فيما قضاه من التقدير في الأَزل
واللهُ أعطاهُ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ / الصدقَ بالقولِ والإِخلاص بالعمل
جاءَ الصريخُ إليه يستجير به / مستنجداً منه بالخطّية الذيل
فجهَّز الجيشَ والظلماءُ عاكفةٌ / والرعد والبرق ذو ومض وذو زجل
سرى إلى القوم في ليلٍ يَضِلُّ به / سِربُ القطا وجبان القوم في الكلل
بحيث لا يهتدي الهادي بلا سُبُلاً / يَهديهم الرأيُ منها أوضحَ السبل
فوارسٌ بلَغَتْ مجدٌ بهم شرفاً / يسمو وفي غير طعن الرُّمح لم ينل
فأدْرَكتْ من عِداكم كلَّ ما طلَبَتْ / فصار يُضربُ فيها اليوم بالمثل
وصبَّحتهم ببيض الهند عاديةً / فأصْبحَتْ وهي حمرُ الحلّ والحلل
قتلٌ وأسرٌ وإطلاقٌ يُمَنُّ به / على العدوِّ وإرسال بلا رَسل
فكان عيدٌ من الأَعياد سُرَّ به / أهلُ الحفيظة من حافٍ ومنتعل
إذ يُحشَرُ الناس في ذاكَ النهار ضحًى / والخيل قد أقْبَلَتْ بالشاء والإِبل
هذا هو الفخر لا كأسٌ تُدار على / شرب ولا نغمُ الأَوتار بالغزل
فليهنك الظفرُ العالي الَّذي انقلبت / به أعاديك بعد الخزي بالفشل
وقُرَّ عَيناً فدتك الناس في ولد / يحيي المناقب من آبائك الأوَل
فأرَّخوه وقالوا يومَ مولده / يَقُرُّ عَينَ سليمان الزهير علي
حُيِّيتَ من قادم حَلَّ السُّرورُ به
حُيِّيتَ من قادم حَلَّ السُّرورُ به / وما له عن مَقام العزِّ تأخيرُ
إنَّ الشدائدَ والأهوال قد ذَهَبَت / وللخطوب استحالات وتغيير
أرَتْك صِدْقَ مَوَدَّات الرجال بها / وبانَ عِندَك صِدْقُ القولِ والزُّورُ
ولم تجدْ كسليمان لديك أخاً / عليك منه جميل الصنع مقصور
شكراً لأفعاله الحُسنى فإنَّ له / يداً عليك وذاك الفعل مشكور
لقد وفى لك واسترضى المشير فما / أبقى قصوراً ولا في الباع تقصير
إنَّ المشيرَ أعزَّ الله دولته / برّ رحيمٌ لديه الذنب مغفور
كأنّني بك مغمورٌ بنِعْمَتِه / وأنْت ملحوظ عين السعد منظور
أهدى إليك سلاماً من سعادته / لطُّف فيه إشارات وتفسير
فسوف يغنيك من سلطانه نظرٌ / وإنَّما نَظَرُ السلطان إكسير
قد كانَ ما كانَ والأقدار جاريةٌ / ولا يفيد مع الأقدار تدبير
حسب الفتى من قضاء الله معذرة / والمرء فيما قضاه الله معذور
وابشِرْ بما سوف تحظى من عنايته / وأنتَ منه بما يُرضيك مسرور
والنصر فيك له والخير أجمعه / وإنَّما أنتَ يا منصور منصور
اليوم أصبحَ فيك الوقتُ منتظماً
اليوم أصبحَ فيك الوقتُ منتظماً / وهوَّنَ الله أمراً كانَ قد عَظُما
أمست عمانُ وأنت الشهم سيدها / لا يُستباح لها في الحادثات حمى
مدت إليها يد الجاني فما ظفرت / إلاَّ بما أعقب الخسران والندما
من بعد ما هاج شراً من مكانته / وكاد يوقد في أطرافها ضرما
تمسكاً بحبال الشمس من طمع / ومورداً من سراب لا يبلّ ظما
فلم يُوَفَّقْ إلى نجح يؤمِّله / والمرء إنْ فقد التوفيق أو عدما
لم يهده الرأي إلاَّ للضلال ولا / يزيده عدم التوفيق غير عمى
أضلَّ مسعاه تركي في غوايته / كأنه اختار عن وجدانه العدما
نصحته وبذلتَ النصح تنذره / مستعملاً بالنذير السيف والقلما
فما ارعوى لك عن وهم توهمه / كأنَّ في أُذْنِه عن ناصح صمما
أرادَ في زعمه أنْ يستطيل على / عمان قهراً فلم يظفر بما زعما
وكان غايته الحرمان يومئذٍ / ولو أطاعك واسترضاك ما حرما
خيَّرته قبل هذا اليوم في نعم / ولم يكن ثمَّ ممن يشكر النعما
وجاء يطلب مُلكاً منك ليس له / فقيل خصمان في إرثِ العُلى اختصما
حتَّى إذا كانَ لا يصغي إلى حكم / حكمتما الصارم الهندي بينكما
قضى لك السيف فيما قد قضى ومضى / فيا له حَككَمٌ عدلٌ إذا حكما
وما تجاوزت الإنصاف شفرته / وما أضلَّ بمظلوم وإن ظُلِما
وقالت الناس باديها وحاضرها / ما جار سالم في حكم ولا ظلما
أنزلَته من منيعات الحصون ولو / تركت تركي رهين الحصن مات ظما
أراد مستعصماً فيه ومعتصماً / وما رأى في منيع الحصن معتصما
ولم يجد سلَّما يرقى السماء به / ولو رمى نفسه في البحر لالتُقما
وإنَّه قبل إعطاء الأمان له / ما استشعر الموت حتَّى استشعر الندما
وغرَّه مَن دعاه في خيانته / فجاءها عقبات الموت واقتحما
أذقته العفو حُلواً عن جنايته / وكان عفوك عمَّن قد جنى كراما
عفَوْت عنه ولكن عفوَ مقتدرٍ / والعفو أقرب للتقوى كما عُلما
وما هتكت وأيم الله حرمته / وكان عندك حتَّى زال محترما
وربما لامك اللّوام عن سَفَهٍ / وقد يلومك بين الناس من لؤما
أما وربِّك لو أربى طغى وبغى / وما عفا مثلما تعفو بل انتقما
رحمته ولو استولى عليك لما / أبقى عليك ولم يلحق بمن رحما
أراد ربُّك أنْ تعفو بقدرته / ليظهر الفضل والتمييز بينكما
والله يَعْلَمُ والدنيا بأجمعها / لو نال من سالمٍ تركي لما سلما
لا زال يولي جميلاً من صنائعه / وهكذا كرم الشهم الَّذي كرما
من سيّدٍ بالغٍ رشد الشيوخ نُهىً / رضيع ثدي المعالي قبل أن فطما
تبارك الله ما أبهى سناه فتىً / كالنجم يهدي سبيل الرشد مذ نجما
الثابت الجأش في سِلْم ومعترك / في موطن الفخر قد أرسى له قدما
الباسم الثغر والهيجاء عابسة / والسيف يقطر من هام الكماة دما
فمن صدور العوالي ما يرى وصباً / ومن نفوس المعالي ما شفى سقما
تساهما هو والجد السعيد بما / حازاه من كرم الأخلاق واقتسما
ويا له ولد أعنيه من ولدٍ / أحيى له ذكره الماضي وإنْ قدما
تحفُّه من عمان سادةٌ نجبٌ / تسمو لهم في سماوات العلاء سما
يحمون سيّدهم من كلّ نازلة / بفيصل يغلق الهامات والقمما
ولم يكن غيره الحامي لحوزتها / إذا ادلهمّ من الأخطار ما دهما
تبيت لا كملوك الهند تكلأها / ترعى الأسود وهم يرعونها غنما
لولا وجودك هذا الداء ما حسما / وذلك الصدع لولا أنت ما التأما
لطف من الله فيك الله أظهره / من بعد ما كانَ سر اللطف مكتتما
وافت إلينا فوافت بالسرور كما / ندعو من الله فيها فاغرين فما
سرَّت بها البصرة الفيحاء وابتهجت / منها النفوس وأنف الصند قد رغما
بشارة عمَّت الدنيا مسرّتها / واهتز منها العلى والمجد وابتسما
قد يَسَّرَ الله أمراً أنت فعله / وإن لله في تقديره حِكَما
لا زلت بالجود والإحسان مبتدراً / كالغيث حيث همى والبحر حيث طمى
فمن مزاياك ما تكسو النجوم سناً / ومن عطاياك ما قد يخجل الديما
ولم أزل كلماتي فيك أنظمها / كما تتابع قطر المزن وانسجما
يا ابن المخيزيم وافَتنا رسائلكم
يا ابن المخيزيم وافَتنا رسائلكم / مشحونةً بضروب الفضل والأدَبِ
جاءت بأعذب ألفاظٍ منظمة / حتَّى لقد خلتها ضرباً من الضرب
زَهَتْ بأوصاف من تعنيه وابتهجت / كما زهت كأسها الصبهاءُ بالحَبب
عَلَّلْتمونا بكتْبٍ منكُم وَرَدتْ / وربَّما نَفَعَ التعليلُ بالكُتبِ
فيها من الشوق أضعافٌ مضاعفةٌ / تطوي جوانح مشتاقٍ على لهب
وربَّما عَرَضَتْ باللّطفِ واعترضت / دعابة هي بين الجدّ واللعب
قضيتُ من حُسْن ما أبْدَعْته عجباً / وأنتَ تقضي على الإحسان بالعجب
فنحن ممّا انتشينا من عذوبتها / ببنتِ فكرك نلهو لا ابنةِ العنب
فأطربتنا وهزَّتنا فصاحتها / فلا بَرِحَتْ مدى الأيام في طرب
أمَّا النقيبان أعلى الله قدرهما / في الخافقين ونالا أرفع الرتب
الطاهران النجيبان اللّذان هما / من خَير أمٍّ زكَتْ أعراقُها وأب
دامَ السَّعيد لديكم في سعادته / وسالم سالماً من حادث النوب
إنَّ الكويت حماها الله قد بلغت / باليوسْفين مكان السَّبْعة الشُّهب
تالله ما سمعت أذُني ولا بصرت / عَيْني بعزِّهما في سائرِ العرب
فيوسُف بن صَبيح طيب عنصره / أذكى من المسك إنْ يعبق وإنْ يطبِ
ويوسُف البَدر في سعدٍ وفي شرف / بدر الأماجد لم يغرب ولم يغب
فخر الأكارم والأمجاد قاطبة / وآفة الفضّة البيضاء والذهب
من كلِّ من بسطت في الجود راحته / صوب المكارم من أيديه في وَصب
لولا أمورٌ أعاقتنا عوائقها / جِئْنا إليكم ولو حَبْواً على الرّكب
خُذْ بالمسرَّة واغنم لذَّةَ الطَّرَبِ
خُذْ بالمسرَّة واغنم لذَّةَ الطَّرَبِ / وزوِّج ابنَ سماءٍ بابنةِ العنب
واشرب على نغم الأوتار صافية / مذابة من لجين الكأس من ذهب
ولا تضع فرصةً جاد الزمان بها / ساعات أنسك بين المجد واللعب
أما ترى الروض قد حاكت مطارفه / أيدي الربيع وجادتها يد السحب
والورد قد ظهرت بالحسف شوكته / وخضب وجنتاه من دم كذب
وزان ما راق دمع الطل حين بدا / تبسّم الأقحوان الغض عن شنب
والراح منعشة الأرواح إن مزجت / صاغ المزاج لها تاجاً من الحبب
وإن بدت وظلام الليل معتكر / رمت شياطين هم المرء بالشهب
داو بها كلَّ ما تشكوه من وصب / ففي المدامة ما يشفي من الوصب
ودُر بحيث ترى الأقداح دائرة / فإنها لمدار الأنس كالقطب
يعود ما فات من عهد الشباب بها / يشبّ فيها معاطيها ولم يشب
يمجُّ منها فمّ الإبراق رائقة / تخالها إنها صيغت من اللهب
في جنة راق للأبصار رونقها / وأدمعُ المزن ما تنفك في صبب
والوُرق تملي من الأوراق ما خطبت / على منابر غصن الدوح من خطب
وما برحت لأيام مضت طرباً / داعي المسرة والأفراح يهتف بي
حتَّى إذا العيد وافانا بغُرَّتِه / أقَرَّ شوال عيني في أبي رجب
بالسيد العلويّ الهاشميّ لنا / فوز يؤمَّل من قَصْدٍ ومن أرب
أحيت مكارمه ما كنت أعْرِفُها / من الأوائل في الماضي من الحقب
الله ألهمه فهماً ومعرفة / وحسن خلقٍ وحلماً غير مكتسب
إنِّي أباهي به الأشراف أجمعها / بذلك النسب العالي الَّذي حسب
فداؤه كل ممقوت بشانئه / فلا إلى حسب يعزى ولا نسب
هو السعيد الَّذي يشقى العدو به / من ذا يعاديه في الدنيا ولم يخب
لما دعاه وليّ الأمر منتدباً / أجابه وأراه خير منتدب
دعاه مستنصراً في عسكر لجب / وقد ينوب مناب العسكر اللجب
فسار مستصحب التوفيق يومئذٍ / فسار أكرمَ مصحوبٍ ومصطحب
وصار تدبيره يغني عساكره / عن الكتائب بالأقلام والكتب
كم كربة نفّست للجيش همته / فحقّه أنّ يسمى كاشف الكرب
دعا إلى طاعة السلطان فاجتمعت / له القبائل من بعد ومن قرب
لقد أجابته وانقادت لطاعته / ولو دعاها سوى علياه لم تجب
أراعهم ما أراهم من مكارمه / وجاء من بره المعروف بالعجب
تلك المزايا لأجدادٍ له سلفت / فأعقب الله ما للمجد من عقب
من سادة شرّف الله الوجود بهم / قد أوْرِثوها علاءً من أبٍ فأب
فلم تجد من لسان غير منطلق / ولا فؤاداً إليهم غير منجذب
فلا تقسهم بقوم دونهم شرفاً / يوماً وكيف يقاس الرأس بالذنب
لقد كفى العسكر المنصور نائبة / تجثو لها نوب الدنيا على الركب
وقوّمت كل معوَجٍّ صوارمه / وسكنت منذ وافى كلّ مضطرب
وأسعد الله مولانا الفريق به / فكان ثابت سعد غير منقلب
وكان أعظم أسباب الفتوح له / فيا له سبب ناهيك من سبب
أما وربك لولاه لما خمدت / نار لها غير فعل النار بالحطب
دهياء تفغر فاهاً لا سبيل إلى / ترك ابتلاع سراة القوم بالنوب
المطمعين بنيل المجد أنفسهم / لا يسأمون من الإقدام في الطلب
وكان خيراً لهم لو أنهم رجعوا / عن غيّهم بعد ذاك الجهد والنصب
بَغوا لما نزغ الشيطان بينهم / والبغي يسلم أهليه إلى العطب
حتَّى إذا دبّروا للحرب أمرهم / وهم عن الرأي والتدبير في حجب
فأقبلت برجال لا عداد لها / وحيّر الترك ما لاقت من العرب
لله درك ماذا أنتَ فاعله / بذلت نفسك فوق المال والنشب
والحرب قائمة والنار موْقدة / يقول منها جَبانُ القوم واحَربي
يساقط الموت من أبطالها جثثاً / كما يساقط جذع النخل بالرطب
برزت فيهم بروز السيف منصلتاً / من غمده وأخذت القوم بالرعب
كففت أيديهم عن ما تمد له / فما استفادوا سوى الخذلان في الغلب
وشتت الله ممن قد طغى وبغى / جمع الخوارج بين القتل والهرب
ودمّر الله في أقدامهم فئة / فكان أعدى إلى أخرى من الجرب
تعبتم فأرحتم بعدها أمماً / كم راحة يجتنيها المرء من تعب
وعم فضلك ذاك القطر أجمعه / يا حسن ما أصبحت في مربع خصب
رأس الأكابر والأشراف من مضر / صدر الرئاسة فخر السادة النجب
ليهنك النصر والفتح المبين وما / بلغت من جانب السلطان من أرب
لئن حباك بنيشان تُسرُّ به / بطالع لقران السعد لم يغب
هذا المشير أعزّ الله دولته / أبانَ فضلك إعلاناً لكلّ غبي
وخذ إليك بقيت الدهر قافية / تلوح منك عليها بهجة الأدب
الدِّين أصْبَح منصوراً بتأييد
الدِّين أصْبَح منصوراً بتأييد / الحمد لله في أيَّام محمودِ
إذ سلَّ من مرهفات الله بيض ظبا / فشيَّد الدِّين فيها أي تشييد
واستملك الملك عن رأي يسدّده / بحدٍّ سيفٍ وفضل غير محدود
سدّ الثغور وتمهيد الأُمور به / فالملك ما بين تسديد وتمهيد
أيَّام دولته الفراء تحسبها / خالاً على وجنات الخرد الغيد
الدهر يرهب من ماضي عزائمه / والبحر يطلب منه ساحة الجود
روت معاليه عن سعد وما عدلت / بالعدل إذ ذاك عن حكم ابن مسعود
رمى ولم يَرْم عن قوسٍ ولا وتر
رمى ولم يَرْم عن قوسٍ ولا وتر / بما بعينيه من غَنْج ومن حَوَر
مؤنَّث الطَّرف ما زالت لواحظه / تسطو وتفتك فتك الصَّارم الذكر
مهفهفُ القدِّ معسول اللّمى غنج / أقضي ولم أقضِ منه في الهوى وطري
ما لي بمقلة أحوى الطرف من قبلٍ / مؤيّد بجنود الحسن منتصر
يعطو إليَّ بجيد الظبي ملتفتاً / تلفُّتَ الظبي من خوفٍ ومن حذر
وكلَّما ماسَ قلت الغصن حرَّكه / ريح الصبا وهو في أوراقه الخضر
عجبت ممَّن قسا والعهد كانَ به / أرَقّ من نسمات الروض في السحر
أشكو إليه صباباتٍ أُكابدها / كأَنَّما رحتُ أشكوها إلى حجر
نيران خدَّيك ها قد أحرقت كبدي / يا جنَّةً أنا منها اليوم في سفر
إنْ لم تكن بوصالٍ منك تسعفني / فلا أقلّ من الإِسعاف بالنظر
جد لي بطيفك واسمح إن بخلت به / إنِّي لأقنع بعد العين بالأَثر
واذكر ليالينا الأولى ظفرت بها / والدهر يعجب والأيام من ظفري
تلذُّ لي أنت في سمعي وفي بصري / وما ألذّك في سمعي وفي بصري
حيث المسرَّة أفلاكٌ تدورُ بنا / والشَّمس تشرقُ ليلاً في يد القمر
في روضةٍ فَوَّفَتْ أيدي الرَّبيع لها / ما أبدعَ القطر من وشيٍ ومن حبر
والطّلّ في وجنات الزهر يومئذٍ / ما بين منتظم منه ومنتثر
ومن أحبُّ كما أهواه معتنقي / ومرشفي السّكَّر المصريّ في السكر
إذا تبسَّم أبصرنا بمبسمه / ما أودع الله في الياقوت من درر
أخاف العيون صباح الغرق تنظره / حتَّى تعوَّذ بالأَصداغ والطرر
أَطِلْ حديثك في قدٍّ فتنت به / وإنْ ذكرت حديث الخصْر فاختصر
يقولُ لي في تثنِّيه مفاخرةً / البانُ من شجري والورد من ثمري
يا قاتل الله غزلان الصَّريم فما / أبقَتْ وقد نفرت صبراً لمصطبر
وما لأعينهنَّ النّجل حين رَنَتْ / أصَبْنَ قلبي وما الجاني سوى نظري
وقفت منهن والأَشجان تلعب بي / في موقف الربع بين الخوف والخطر
وبي من النافر النائي بجانبه / صبابة تعلق الأَجفان بالسهر
عهدي بها ورداء الوصل يجمعنا / والوصل يذهب طول اللَّيل بالقصر
لو يرقب الواشي يخشى من تطلّعه / ما أوْلَعَ الدهر بالتبديل والغير
تركتني ولكم مثلي تركت لقًى / فريسةً بين الخطب والظفر
هيَّجت أشجان قلبي فانتدبت لها / بكل منتدب للشجوِ مبتدر
إنَّ السَّلامة في سلمان من كدرٍ / يجني عليَّ ومن همِّي ومن فكري
يَسُرُّ نفسي ويقضي لي مآربها / بنائلٍ من ندى كفَّيه منهمر
تالله ما أبصرت عيناي طلعته / إلاَّ وأَيْقَنْتُ أنِّي بالنّوال حري
توقُع الرَّوض ما تسديه غادية / أناخ كلكلها ليلاً بذي بقر
إذا استقلت تراءى من مخايلها / مبشّر الوارد الظَّمآن بالغدر
أصبحتُ من يده البيضاء في دَعَةٍ / وحسن أنظاره في منظرٍ نضر
كأَنَّما أنا من لألاء غرَّته / في روضةٍ باكرتها المزن بالمطر
تهُبُّ منه رياح اللّطف عاطرة / من طيِّبٍ عطرٍ عن طيّب عطر
أمْعِنْ بدقَّة معنى ذاته نظراً / وانظر بعينيك واستغن عن الخبر
أغَظْتُ في مدحه قوماً بقافيةٍ / عن المقيمِ تجوب الأرض في سفر
وحاسداً قصرت أيدي المنال به / كمفلس الحيِّ رامَ اللّعب بالبَدرِ
تسُرُّ قوماً وأقواماً تغيظهم / والشُّهب ترمي ظلام اللَّيل بالشرر
كالرَّاح تسري إلى الأَرواح نشوتها / فالرُّوح في خفَّةٍ والجسم في خدر
هم الذين أراشوني بنائلهم / لولاهمُ الآن لم أنهض ولم أطر
المطلقون لساني بالثناء على / تلك الشمائل بعد العيِّ والحصر
بيض تضيء بنو الله أوجهُهُم / في حندسٍ من ظلام الخطب معتكر
النافعون إذا عاد الزَّمان على / بنيه في السَّاعة الخشناء بالضَّرر
تقوى على أزمات الكون أنفسهم / وليس تقوى عليها أنفسُ البشر
فيا لك الله سادات إذا افتخرت / كانت هي المفخر الأَسنى لمفتخر
لا تذكر الناسَ في شيءٍ إذا ذكروا / كاليمِّ يقذف بالأَلواح والدسر
يا أيُّها الدهر يأتينا بهم نسقاً / هل جئت منهم بمعنى غير مبتكر
ويا معاني المعالي من شمائلهم / لقد برزت لنا في أحسن الصُّور
دع ما تقول البرايا في مناقبهم / فكيف قولك بالآيات والسُّور
سرٌّ من الله إلاَّ أنَّ نورهم / في الخافقين وما صبحٌ بمستتر
عَلَوا على الناس إعلاناً فقلتُ لهم / بالله أُقسم لا بالركن والحجر
لأنتم النفر العافون من مضر / بوركتم نِفر السَّادات من نفر
أنتم لنا وَزَرٌ من كلِّ نائبةٍ / ونِعْمَ مدَّخرٌ أنتم لمدّخر
مولاي أصبحتُ والأيام مقبلة / وأنت في عنفوان العزّ والعمر
إنِّي لأرقبُ وعداً منك منتظراً / ووعد غيرك عندي غير منظر
فاسلمْ ودمْ في سرورٍ لا فناء له / باقٍ على أبَدِ الأَزمان والعصر
طَهِّر فؤادك بالرَّاحات تطهيرا
طَهِّر فؤادك بالرَّاحات تطهيرا / ودمْ على نَهْبِكَ اللَّذَّات مَسرورا
بادر إلى أخذ صفو العيش مبتهجاً / فما أَوَدُّ لوقت الأُنس تأخيرا
فالوقت راقَ وقد راقت مَسَرَّتهُ / واليومَ أصبَحَ طيَّ الزهر منشورا
أما ترى الوُرْقَ بالأَوراق صادحة / كأَنَّها ضربت بالرُّوح صنطيرا
والبرق مثل انقضاض الصقر وامضه / تخاله من غراب اللَّيل مذعورا
يبدو فتحسبه في جنحِ داجيةٍ / بكفِّ حام حساماً لاحَ مشهورا
وربَّ ليلةِ أُنسٍ بتُّ أسهَرها / مستَّراً بظلام اللَّيل تستيرا
غصبت فيها الهنا من كأس غانيةٍ / فطاعني الدهر مغصوباً ومجبورا
مزجت بالرِّيق صرفاً من معتقة / فصرت من تلكما الخمرين مخمورا
وبتُّ ملتثماً وجنات ذي حور / وباتَ يلثم ليث الغيل يعفورا
فالواشي يعذلني والوجد يعذرني / والصَّبُّ غزال معذولاً ومعذورا
وعنبَر اللَّيل ما ولَّت عساكره / حتَّى رأى من جيوش الصبح كافورا
لله أحوى إذا صالت لواحظه / أمسى بصارمها المشتاق منذورا
إذا تجلى بأنوار الجبين على / عشَّاقه دكَّ من أحشائهم طورا
كأَنَّ صورته للعينِ إذ جُلِيَتْ / من فضةٍ قُدِّرت بالحسن تقديرا
قد خطَّ في خدِّه لامُ العذار به / مِسكاً فأصبَحَ تخطيطاً وتحريرا
يا أيُّها الرَّشأ المغري بناظره / قد عاد هاروتُ من جفنيك مسحورا
لقد نصرت على كسر القلوب به / ما لي أرى طرفك المنصور مكسورا
عهدي وعهدك لا زال اختلافهما / كانا كحظّي منسيًّا ومذكورا
صفا لي العيش مخضرًّا جوانبه / فما وَجَدْتُ بحمد الله تكديرا
لِمَ لا أُسَرُّ بأيَّام الهنا وأنا / إنْ سُرَّ محمود يوماً كنت مسرورا
هو المشار إذا أمَّت حوادثها / وأحسَنُ الرأي ما استخلصته شورى
الله ألهمَهُ في كلِّ معرفةٍ / فهماً وعلماً وأخلاقاً وتدبيرا
بالسَّعي لا بالمنى والعجز أدركها / قد ضلَّ من ظلَّ بالآمال مغرورا
هذا الإِمام شهاب الدِّين ثاقبه / أزال في نور صبح الحقِّ ديجورا
كم ملحدٍ هو بالبرهان أفحمه / من ينصر الله يوماً كانَ منصورا
إنَّ الشَّريعة باهت في بطل / حامي حماها وباني حولها سورا
لو لامست حجر الصمَّاء راحته / تفجَّرَتْ بزلال الماء تفجيرا
سعى إلى المجد في سيفٍ وفي قلمٍ / وعانقَ البيضَ حتَّى عانق الحورا
لو صُوِّر المجد تصويراً على رجلٍ / ما كانَ إلاّكَ أوصافاً وتصويرا
وكم نَثَرت على الأَسماع درّ فمٍ / فكان ذيالك المنثور منثورا
فأنتَ أدْرَكُ من فيها غوامضها / وأنتَ أفصَحُ أهل العلم تقريرا
حجَّت لبيتك أعل العلم أجمعُهُم / فكان حجّهمُ إذ ذاك مبرورا
لقد زهتْ بك دار العلم حيث غدت / داراً تفاخر في سكَّانها دورا
غمرتنا بأياديك الَّتي سلفت / لا زلت في نعماء الله مغمورا
أرى اجتماع الغنى لي والكمال إذا / رأيتني منك ملحوظاً ومنظورا
وإنْ أنختُ لدى علياك راحلتي / كنتُ الأَمير وكان الدهر مأمورا
ليهنك اليوم أبناءٌ لهم نسب / أضحى على جبهة الأيام مسطورا
إنَّ الرُّواة الَّتي تروي مناقبهم / عنهُمْ رَوَت خبراً بالمجد مأثورا
اليوم إنْ كنتَ مولانا مطهِّرهم / فالله طهَّرهم من قبل تطهيرا
متى أرى هذه الأيامَ مُسْعِفَةً
متى أرى هذه الأيامَ مُسْعِفَةً / والدَّهْرُ يُنجزُ وَعداً غَيرَ مَوعُودِ
والنفس تقضي بمطلوبٍ له وطراً / يَنوبُ عن كلِّ مفقودٍ بموجود
ألقى خطوب اللَّيالي وهي عابسةٌ / كما تَصادَمَ جلمودٌ بجلمودِ
فما أطعتُ الهوى فيما يرادُ به / ولا تطرَّيت بين الناي والعود
ولا ركنتُ إلى صهباءَ صافيةً / قديمة العصرِ من عصرِ العناقيدِ
إنِّي لأنْزَعُ مشتاقاً إلى وطني / والنوق تنزع بي شوقاً إلى البيد
وطالما قَذَفَتْ بي في مفاوزها / أخْفافُ تلك المطايا الضمَّر القود
لئِنْ ظفرتُ بمحمودٍ وإخوته / ظَفِرْت من هذه الدُّنيا بمقصودي
بيضُ الوُجوه كأمثال البدور سَناً / يطلُعْنَ في أُفْقِ تَعظيمٍ وتمجيد
تروي شمائلُهم ما كانَ والدُهم / يرويه من كرم الأَخلاق والجود
فيا له والدٌ عزَّ النَّظير له / وجاءَ منه لعمري خير مولود
من طيِّبٍ طابَ في الأَنجاب محتده / كما يطيبُ عبيرُ الند والعود
إذا ذكرتُ أياديه الَّتي سَلَفَتْ / جاذبتُ بالمدح أطراف الأَناشيد
قَلَّدْتُ جيدَ القوافي في مدايحه / ما لا يُقَلَّدُ جيد الخرَّدِ الغيد
يغرِّد الطرب النشوان حينئذٍ / فيها بأحسن تغريدٍ وترديد
أبو الخصيب خصيب في مكارمه / ومنزل السعد لا يشقى بمسعود
لا تصدر الناس إلاَّ عنه في جدة / ونائل من ندى كفَّيه مورود
تدعو له بمسرَّات يفوزُ بها / ليس الدُّعاءُ له يوماً بمردود
يزيدني شكره فضلاً ومكرمة / كأَنَّني قلتُ يا نعماءهُ زيدي
يرجو المُؤَمِّل فيه ما يُؤمّله / بابُ الرَّجاء لديه غير مسدود
تجري محنَّته في قلبِ عارفه / لفضله مثل مجرى الماء في العود
فكلَّما سرتُ مشتاقاً لزورته / وجدتُ مسرايَ محموداً لمحمودِ
وإنْ أتَتْهُ القوافي الغرّ أتْحَفَها / بشاهدٍ من معاليه ومشهود
تلك المكارم تروى عن أبٍ فأبٍ / من الأَكارم عن آبائه الصِّيد
لله درّك ما أنداك من رجلٍ / بيضٌ أياديك في أيَّامنا السُّود
ليهنك العيد إذا وافاك مبتهجاً / بطلعةٍ منك زانَتْ بهجة العيد
في الأَربِعاء لخمسٍ كُنَّ من صَفَرٍ
في الأَربِعاء لخمسٍ كُنَّ من صَفَرٍ / بَدْرُ المَسَرَّةِ شاهَدْنا مطالِعَهُ
أَرَّخْتُ طالِعَ داودٍ بمولِدِه / وكانتِ الشَّمسُ بالجوزاء طالِعَهُ
مَدَحْتُ ابنَ الفَدَّاغ نظمي
مَدَحْتُ ابنَ الفَدَّاغ نظمي / فخابَ في مَدْحِه النظامُ
وجئتهُ والنهار ولَّى / وكادَ أن يهجمَ الظَّلام
فساءهُ عندها مجيئي / كأَنَّما جاءهُ الحِمام
أقمتُ في دارِه طويلاً / فلا كلام ولا سلام
وضارَ عمداً يصُدُّ عنِّي / أهكذا تفعلُ الكرام
لمَّا رأيناهُ وهُوَ مُغضٍ / وما بدا منه لي ابتسام
مَزَّقْتُ إذ قمتُ صحف شعري / وسرَّني منهمُ القيام
ومن يكنْ وجههُ عَبوساً / عليَّ إكرامه حرام
ولا أرجّي ندى بخيلٍ / لوَ انَّ في كفِّه الغمام
فكان كالبحر وهو ملحٌ / لم يُرْوَ من مائه أوام
رأى لساني إذنْ كليلاً / وما دَرى أنَّه حسام
ولا أُداري ولا أُماري / وليسَ في ذمَّتي الأثام
فلا تلمني على فعالي / عليك في ذلك الملام
وغادةٍ لو بروحي بعتُ رؤيتَها
وغادةٍ لو بروحي بعتُ رؤيتَها / لكنْتُ والله فيها غيرَ مغبونِ
ما البَدر والغصن أحلى من شمائلها / كأَنَّها من بَناتِ الحُور والعينِ
ما غابَ بَدْرُ دُجًى منكم ولا غربا
ما غابَ بَدْرُ دُجًى منكم ولا غربا / إلاَّ وأَشْرقَ بدرٌ كانَ مُحتجبا
لا ينزع الله مجداً كانَ مُعطيَه / آل النبيّ ولا فضلاً ولا أدبا
الكاشفون ظلام الخطب ما برحوا / بيض الوجوه وإنْ صالوا فبيض ظبا
من كلّ أَبلَجَ يزهو بهجةً وسناً / تخاله بضياء الصُّبح منتقبا
قد أنفَقوا في سبيل الله ما ملكوا / واستَسْهلوا في طِلاب العزّ ما صَعبا
هم الجبال اشمخرَّتْ رفعةً وعُلًى / هم الجبال وأَمَّا غيرهم فربا
أبناء جدٍّ فما تدنو نفوسهُم / من الدنيَّة لا جدًّا ولا لعبا
عارون من كلّ ما يزري ملابسه / يكسوهم الحُسن أبراداً لهم قُشُبا
ومُنْيَةً قد حثَثْناها فتحسبها / نجائباً لا وجًى تشكو ولا لغبا
إلى عليٍّ عليِّ القدر مرجعها / نقيبُ أَشرافٍ غرّ السَّادة النُّجبا
الواهب المال جمًّا غير مكترثٍ / والمستقلّ مع الإِكثار ما وهبا
يريك وفر العطايا من مكارمه / يوم النوال وإنْ عاديتَه العطبا
قد شرَّف الله فرعاً للنبيّ سما / إلى السَّماء إلى أنْ طاولَ الشُّهبا
لِمْ لَمْ يُشرَّف على الدُّنيا بأجمعها / من كانَ أشرف هذي الكائنات إبا
هذا هو المُجد مجدٌ غير مكتسب / وإنَّما هو ميراثٌ أباً فأبا
من راح يحكيهم بين الورى نشباً / فليس يحكيهم بين الورى نسبا
أنتُم رؤوس بني الدُّنيا وسادتها / إنْ عُدَّ رأسُ سواكم لاغتدى ذنبا
لكم خوارق عادات متى ظهرت / على العوالم كادتْ تخرق الحجبا
رقَّتْ شمائِلُكَ اللاّتي ترقُّ لنا / حتَّى كأَنَّك مخلوق نسيم صبا
وفيك والدَّهر يخشى من حوادثه / ويرتجى رهباً إذ ذاك أو رغبا
صلابةٌ قطّ ما لانتْ لحادثةٍ / وقد تلين خطوب الدَّهر ما صلبا
وعزمةٍ مثل ورْي الزّند لو لمست / مَوْجاً من اليمّ أضحى موجه لهبا
تجنَّب البخل بالطَّبع الكريم كما / تجنَّب الهجر والفحشاء واجتنبا
فنال ما نالَ آباءٌ له سلفت / ندبٌ إلى الشَّرف الأَعلى قد انتدبا
إنْ كانَ آباؤه بالجود قد ذهَبوا / فقد أعاد بهذا الجود ما ذهَبا
فانظر لأيديه إنْ جادتْ أنامله / بالصيّب الهامل الهامي ترى عجبا
أينَ الكواكبُ من تلك المناقب إذ / تزهو كما زَهَتْ بالقطر زهر رُبا
تلك المزايا كنظم العقد لو تُلِيَتْ / على الرَّواسي لهزَّت عطفها طَرَبا
يرضى العلاء متى يرضى على أحدٍ / ويغضب الدَّهر أحياناً إذا غضبا
قد بلَّغت نعم العافين أنعمه / فلم تدعْ لهُمُ في غيره إرَبا
يقول نائلُه الوافي لوافده / قد فازَ جالب آمالي بما جلبا
أكرِمْ بسيّد قومٍ لا يزال له / مكارمٌ تركت ما حاز منتهبا
نَوْءُ السَّحائب منهلٌّ على يده / فلا فقدنا به الأَنواء والسُّحبا
الكاسب الحمد في جود وبذل ندًى / يرى لكل امرئٍ في الدَّهر ما كسبا
نهزُّ غصناً رطيباً كلّ آونةٍ / يساقط الذَّهب الإِبريز لا الرّطبا
فما وجدتُ إلى أيَّامه سبباً / إلاَّ وجدتُ إلى نيل الغنى سببا
وحبَّذا القرم في أيَّام دولته / حَلَبْتُ ضرع مرام قطُّ ما حلبا
بمثله كانت الأَيَّام توعدنا / فحانَ ميعاد ذاك الوعد واقتربا
حتَّى أجابته إذ نادى مآربه / بمنصب لو دعاه غيره لأبى
موفَّق للمعالي ما ابتغى طلباً / إلاَّ وأدرك بالتَّوفيق ما طلبا
سبَّاق غايات قومٍ لا لحاق له / وكم جرى إثره من سابقٌ فكبى
مذْ كنتَ أَنْتَ نقيباً سيِّداً سنداً / أوْضَحتَ آثار تلك السَّادة النُّقبا
أَضْحكتَ بعد بكاء المجد طلعته / وقد تبسَّم مجدٌ بعد ما انتحب
أحيَيْتَ ما ماتَ من فضلٍ ومن أدبٍ / فلتفتخر في معاني مدحك الأدبا
يا آل بيت رسول الله إنَّ لكم / عليَّ فضلاً حباني الجاه والنشبا
وأيدياً أوْجَبتْ شكري لأنعمها / فاليوم أقضي لكم بالمدح ما وجبا
ناحَتْ مُطَوَّقَةٌ في البان تُزْعِجُني
ناحَتْ مُطَوَّقَةٌ في البان تُزْعِجُني / بما تُهَيِّجُ من وَجْدي وأشجاني
كأَنَّما هي إذ تشدو على فَنَن / تشدو بذكر أُصَيْحابي وجيراني
يا وُرْقُ مالكِ لا إلفٌ أُصِبتِ به / ولا تناءَيْتِ عن دار وأوطان
فإنْ بكيتِ كما أبكي على سكن / فأَينَ منك همول المدمع القاني
إنِّي لفي نارِ وجدٍ لا خمود لها / وأنتِ حَشْوَ جنانٍ ذات أفنان
وفي الحشاشة ما ألقاه من ظمأٍ / إلى غرير بماء الحُسن ريَّان
إذا جنى الطّرف منِّي عنده نظراً / أَماتَني طرفُهُ الجاني وأحياني
كنَّا وكان وأيَّامي بذي سَلَمٍ / بيضٌ وقد صارَمَتْني منذ أزمان
فهلْ يُبَلُّ غليلُ الوجد بعدهم / من مُغْرَمٍ دَنفٍ يا سعد ظمآن
يا سَعْدُ لا الوعدُ بالقاصي أرِقت له / ولا اصطباري بعد النأي بالداني
ولستُ أَنْفَكُّ والأَحشاء ظامئة / وإنْ سَقَتْها بوبل الدَّمع أجفاني
أصبو إذا سَجَعَتْ في البان ساجعةٌ / وقد أُراعُ لذكر البين والبان
عِشْتَ الزمان بخفض العيش منْتَصِباً
عِشْتَ الزمان بخفض العيش منْتَصِباً / لا علَّةً تشتكي فيه ولا وَصَبا
والحمد لله شكراناً لنعمته / أقْضي به من حقوق الشكر ما وجبا
فاليوم ألبَسَك الرحمن عافيةً / تبقى ورَدَّ عليك الله ما سلبا
من بعد ما مرض برحٍ أصبتَ به / وكنتَ لاقيتَ مما تشتكي نصبا
وكم شربتَ دواءً كنتَ تكرَهُهُ / فكان عافيةً فيه لمن شربا
وقد ظهرتَ ظهورَ الصُّبح منبلجاً / فطالما كنتَ قبل اليوم محتجبا
تَفديك روحي وأمِّي في الورى وأبي / فإنَّما أنت خيرُ المنجيين أبا
لي فيك مولاي عن بدر الدجى عِوَضٌ / إن لاح بدر الدجى عني وإن غربا
يا بَدْرَ تِمٍّ بأٌفق المجد مطلعه / من قال إنَّك بَدْرُ التِمِّ ما كذبا
إن رُمْتُ منك مراماً نلت غايته / وإن طلبتُ منىً أدرَكْتُها طلبا
وإن هَزَزْتُك للجدوى هززتُ فتًى / أجني به الفضَّةَ البيضاء والذهبا
يا أكرمَ النَّاس في فضلٍ وفي كرمٍ / ومن رآك رأى من فضلك العجبا
لم يَدَّخِرْ في النَّدى مالاً ولا نشباً / إنَّ المكارم لا تُبقي له نشبا
هب لي رضاك وأتْحِفْني به كرماً / فأنت أكرمُ من أعطى ومن وهبا
ما زلتُ إن لم أجِدْ لي للغنى سبباً / وجدتَ لي أَنْتَ في نيل الغنى شببا
يَرِقُّ فيك ثنائي بالقريض كما / تنفَّسَتْ في رياض الحُزن ريحُ صَبا
والشعر يرتاح أن يُثنى عليك به / وإن دعاه سواكم للثناء أبى
فخراً أبا مصطفى في العيش صفوته / فقد تكدَّرَ عيشي فيك واضطربا
لما انقلبتَ كما نبغي بعافية / بنعمةِ الله قد أصْبَحَت منقلبا
وقلتُ يوم سروري يا مؤرِّخَه / يومٌ به البؤسُ عن سلمان قد ذهبا
سفينةٌ صُنِعَت بالهند إذ صُنِعَتْ
سفينةٌ صُنِعَت بالهند إذ صُنِعَتْ / أهدى السّفائن في سَيْرٍ وأجراها
طوع الهواء متى تجري جرت معه / وما تخالف مسراه مسراها
جاءَت من البحر تجري فيه أَرَّخَها / سفينةُ البحر باسم الله مجراها
ما مات من بعد عبد الواحد الجودُ
ما مات من بعد عبد الواحد الجودُ / وفي بَنيه النجيبُ الشَّهمُ محمودُ
ولا فقدنا من الدُّنيا مكارمه / وفي ذراريه ذاك الفضل موجود
والفرع كالأَصل إنْ تزكُ مغارسُه / زكا وأَثمر في أوراقه العود
لا ينزع الله هذا السّرّ من رجلٍ / فيه السَّعادة والمسعود مسعود
قد بارك الله في آل المبارك مذْ / كانوا فمولودهم للخير مولود
مطهَّرونَ فلا رجسٌ يدَنِّسُهُمْ / ولا يلمُّ بهم للإِثم تفنيد
تأوي إليهم بنو الحاجات راغبة / والمنهل العذب بين النَّاس مورود
وما أرى غيرهم فيمن يناظرهم / من يُسأل الخير أو تطوى له البيد
نزلتُ فيهم على رَحبٍ أُسَرُّ به / ولي بهم أملٌ بالبرّ موعود
إنْ طوَّقوني بطَوقٍ من مكارمهم / فإنَّهم وثنائي الطَّوق والجيد
تُزانُ غرُّ القوافي كلَّما ذكروا / بما تُزان وتزهو الخرَّدُ الغيد
يا من إذا عُدَّتْ الأَنجاب حينئذٍ / فأَوَّل النَّاس في الأَنجاب معدود
يا ابن الَّذي كنت أرجوه وأمدحه / وشاهدٌ لي أياديه ومشهود
ولا يُرَدُّ مقالي في مدائحه / وفي الأَقاويل مقبول ومردود
ورثت أخلاقَه اللاّتي سَموْتَ بها / وشِدْتَ ما شاده آباؤك الصّيد
سَلَكْتَ كلَّ سبيلٍ كانَ يسلكه / فكلُّ فعلك يا محمود محمودُ
أبو الخصيب أراك الخصبَ منك له / وأَنْتَ ظلٌّ إليه اليوم ممدود
أغظتَ كلَّ حَسودٍ أَنْتَ تعرفه / وكلُّ ذي نعمةٍ لا شكَّ محسود
الله أبقاك عمَّن قد مضى خَلَفاً / ولي بمدحك تغريد وترديد
وعشتَ بالأُنس طول الدَّهر في رغدٍ / ولا يسوؤك طول الدَّهر تنكيد

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025