سَقى دِمَشقَ وَأَياماً مَضَت فيها
سَقى دِمَشقَ وَأَياماً مَضَت فيها / مَواطِرُ السحب ساريها وَغاديها
مِن كُلِّ أَدهم صهّالٍ له شيَةٌ / صَفراء يسترها طوراً وَيُبديها
وَلا يَزال جَنينُ النَبت تُرضعه / حَوامِلُ المزن في أَحشا أَراضيها
فَما قضى حبّه قَلبي لنيربها / وَلا قَضى نحبه وَذي لواديها
وَلا تسليتُ عَن سلسال ربوتها / وَلا نَسيتُ بِبَيتي جار جاريها
كَأَنَّ أَنهارَها ماضي ظُبىً حُشيَت / خَناجِراً مِن لجينٍ في حَواشيها
فَلا سَقى اللَهُ أَشواقي بِرؤيَتها / ان راقَ عَيني شيء بَعدَ فَقديها
واهاً لَها حينَ حلّى الغَيث عاطلها / مكلّلاً واِكتَسى الأَوراق عاريها
وَحاكَ في الأَرض صَوبُ المزّن مخمله / يُنيرُها بغواديه وَيُسديها
ديباجة لَم تدع حسناً مفوَّفها / إِلّا أَتاه وَلا أَبقى موشّيها
تَرنو اليك بعين النَور ضاحِكة / إِذ باتَ عين من الوسميّ تَبكيها
وَالدوح رَيّا لَها رَيّاً قَد اِكتملت / شَبابها حينَما شابَت نَواصيها
نَشوى يُغنّى لَها وَرقُ الحما / م عَلى أَوراقها وَيَدُ الأَنواء تسقيها
صَفا لَها الشرب فاخضرَّت أَسافلها / حَتّى ضَفا الظل وابيضَّت أَعاليها
وَصفّق النهر وَالاَغصان قَد رَقَصَت / فَنقَّطته بدرٍّ مِن تراقيها
كَأَنَّما رَقصها أَوهى قَلائدها / وَخانَها النَظمُ فاِنثالَت لآليها
وَأَعين الماء قَد أَجرَت سَواقيها / وَالأَعين النجل قَد جارَت سَواقيها
وَقابل الغصنَ غُصنٌ مثله وَشَدت / أَقمارُها فأَجابتها قَماريها
فللحاظ وَللأسماع ما اَقترحت / مِن وجه شاذنِها أَو صَوت شاديها
إِذا العَزيمة عَن فَرطِ الغَرامِ ثَنَت / قَلباً تَثنّى لَها غصنٌ فيثنيها
ريمٌ إِذا جَلَبَت حَيناً لواحظه / لِلنفس حَيّا بخديه فيُحييها
جنايةٌ طرفه المحوّر جاء بِها / وَراس عارضه المخضرّ آسيها
يقبلُّ الكأس خجلى كُلَّما شَربت / في ماءِ فيهِ فَقاسته بِما فيها
أَشتاق عيشي بِها قِدماً وَتُذكرني / أَياميَ السود بيضاً مِن لَياليها
وَنَحنُ في جنّة لا ذاق ساكنها / بأساً وَلا عرفت بُؤساً مَغانيها
سَماء دوح تردّ الشمس صاغرةً / عَنّا وَتبدي نُجوماً في نَواحيها
تَرى البدور بها في كُلِّ ناحية / مَمدودة لِلنُجوم الزُهر أَيديها
إِذا الغُصونُ هززناها لنيل جنى / صارَت كَواكِبُها حًصبا أَراضيها
مِن كُلِّ صَفراء مثل الماء يانعة / تَخالها جمر نارٍ في تَلظّيها
لَذيذة الطَعمِ تَحلو عِندَ آكلِها / بَهيَّة اللَون تحلى عند رائيها
يا لَيتَ شِعري عَلى بعد أَذاكرتي / عصابة لَستُ طولَ الدهر ناسيها
عِندي أَحاديث وَجد بَعد بعدهم / أَظلَّ أَجحدها وَالعَينُ تَرويها
كَم لي بها صاحب عِندي له نَعمٌ / كَثيرَةٌ وَأَيادٍ ما أُؤَديها
فارَقتُه غير مختار فَصاحَبَني / صَبابة منه تُخفيني وَأُخفيها
رَضيتُ بالكتبِ بعد القرب فاِنقطعت / حَتّى رَضيتُ سَلاماً في حواشيها
إِن يعلُني غَيرُ ذي فَضل فَلا عَجَبٌ / يَسمو عَلى سابِقاتِ الخَيلِ هابيها
وَالماء تَعلوهُ أَقذاءٌ وَها زَحلٌ / أَخفى الكَواكِب نوراً وَهوَ عاليها
لَو كانَ جَدّ بِجَدٍّ ما تَقدّمني / عِصابَةٌ قَصَّرَت عَنّي مَساعيها
ما في خُموليَ مِن عارٍ عَلى أَدَبي / بَل ذاك عارٌ عَلى الدنيا وَأَهليها