المجموع : 3
ماذا تريد من الدنيا تعانيها
ماذا تريد من الدنيا تعانيها / أما ترى كيف تفنيها عواديها
غدارة ما وفت عهداً وإن وعدت / خانت وإن سالمت فالحرب توريها
ما خالصتك وإن لانت ملامسها / ولا اطمأن إلى صدق مصافيها
سحر ومكر وأحزان نضارتها / فاحذر إذا خالست مكراً وتمويها
وانفر فديتك عنها أنها فتن / وإن دعتك وإن زانت دعاويها
كذابة في دعاويها منافقة / والشاهدات على قولي معانيها
تريك حسناً وتحت الحسن مهلكة / يا عاشقيها أما بانت مساويها
نسعى إليها على علم بسيرتها / ونستقر وإن ساءت مساعيها
أم عقوق وبئس الأم تحضننا / على غذاء سموم من أفاعيها
بئس القرار ولا ننفك نألفها / ما أعجب النفس تهوى من يعاديها
تنافس الناس فيها وهي ساحرة / بهم وهمهم أن يهلكوا فيها
يجنون منها على مقدار شهوتهم / وما جنوه ذعاف من مجانيها
من الذي لم ترعه من طوارقها / وأي نفس من البلوى تفاديها
كل البرية موتور لما فتكت / لا ثار يؤخذ لا أنصار تكفيها
تروعهم روعة للحسن مدهشة / وهي الحبائل تبديها وتخفيها
ما أغفل الناس فيها عن معائبها / وإنما راقهم منها ملاهيها
وللبصائر حكم في تقلبها / بأن عيشتها فيها سترديها
غول تغول أشكالاً حقيقتها / مكراً ولا يرعوي عنها مدانيها
نجري إلى غاية فيها فتصرعنا / لا بد من صرع جار في مجاريها
وإن داراً إلى حد نصاحبها / من أحزم الأمر إنا لا نصافيها
أنيَّ نصافي التي آباءنا طحنت / والآن تطحننا الانياب في فيها
أنستقر على لهو بلا ثقة / ولا أمان ولا نفس تعافيها
ما سالمت من نأى عنها وحاربها / ولا تسالم قطعاً من يداجيها
لا ترحم الطفل تردى عنه والده / ولا الثكالى ولو سالت مآقيها
لم تهدء الدور من نوح وصارخة / ولا المقابر من مستودع فيها
نمر بالطرق والايتام تملأها / ولا نفكر فيمن كان يؤويها
ونرسل الطرف والأبواب مغلقة / والدور فارغة والدهر يبليها
أين الذين غنوا فيها مقرهم / أظنهم في طباق الأرض تطويها
أين الذين عهدنا أين مكثهم / أين القرون لمن تبقى مغانيها
أين الحميم الذي كنا نخالطه / أين الأحبة نبكيها ونرثيها
أين الملوك ومن كانت تطوف بها / أو من ينازعها أو من يداريها
أين الأباعد أين الجار ما فعلت / بهم بنات الليالي في تقاضيها
لو أمكن القوم نطق كان نطقهم / ريب المنون جرت فينا عواديها
عظامهم نخرت بل حال حائلها / تربا لدى الريح تذروها عوافيها
لا شبر في الأرض إلا من رفاتهم / فخل رجلك رفقاً في مواطيها
نبني القصور وذاك الطين من جسد / بال ونحرث أرضاً مزقوا فيها
عواتق الناس لا ترتاح آونة / من النعوش ولا يرتاح ناعيها
ما بين غارة صبح تحت ممسية / يراقب الناس إذ نادى مناديها
تغدو وتمسي على الأرواح حاصدة / لا ينتهي الحصد أو تفنى بواقيها
ونحن في أثرهم ننحو مصيرهم / وجوعة اللحد تدعونا ونقريها
والعين جامدة والنفس لاهية / والزاد ذنب إلى عقبى نوافيها
ونهمة النفس فيما تشتهيه طغت / على الأزمة والآمال تطغيها
ما هكذا عمل الأكيَاس فانتبهوا / من غفلة وعمايات نواتيها
حقاً ولا سلك الأبرار مسلكها / ساروا خماصاً من الدنيا وما فيها
شدوا الحيازيم صبراً عن زخارفها / إذ كل ما زخترفته من مخازيها
لا تحسن الظن فيها أنها ملئت / غدراً ولا تتبعوها في دعاويها
فالكيس الحر من يقوى بعفوتها / على السلوك إلى دار تنافيها
تدعو حذاراً وتزهو من ملابسها / تذللاً لجهول ليس يدريها
والمدركون لمعناها رأوا أجلاً / ينعى الركون إليها في دواهيها
فشمروا الذيل واستاقوا نفوسهم / سوق القلاص سراعاً عن مراعيها
تعرضت لهم فاستبصروا جنفا / عنها سوى بلغة في ربهم فيها
ماذا يريدون منها وهي شاهرة / سيف الملاحم لا ترثي لأهليها
دست شباك هلاك تحت زخرفها / فما تورط فيها غير باغيها
تخفي الدسائس خدعاً في بشاشتها / لكنه بان للابصار خافيها
لم ينج منها سوى المستبصرين بها / ولا توهق فيها غير غاويها
تأثلوا صالح الأعمال وامتثلوا / بغضاً ولم يستقيموا نحو تاليها
وكان من شأنهم أن لا تغرهم / نضارة حشوها الحيات تغريها
فروا إلى اللّه من دنيا تجارتها / خسر وغم وآفات تصاليها
رأوا يقيناً بأن اللّه حقرها / فنابذوها ولم يصغوا لداعيها
وحاربوا النفس والشيطان واجتنبوا / ذل الحياة لري من سواقيها
تلكم هموم رجال نحو ضرتها / ليست غضارة دنياهم تناويها
أزكى بضاعتهم منها قناعتهم / على الكفاء وأن تبقى لأهليها
تلك البضاعة لا الأموال تجمعها / وعن قريب إلى الوراث تلقيها
تشقى بمكسبها والخصم يأكلها / صفواً يمتع نفساً ما يمنيها
دفنت من بعد اخراج الدفين لهم / وصار دفنك للأعداء ترفيها
وصرت في القبر مرهوناً بمأثمها / وفات نفسك في العقبى تلافيها
أعدد جوابك في حين الحساب إذا / نوقشت كيف أتت أو كيف تجريها
ما تبتغي من حطام أصله تعب / والمنتهى حسرة لا حد يقصيها
كم تخزن المال لا تعطى حقائقه / تلك المخازن ملأى من مكاويها
ماذا تريد بجمر عشت تركمه / جحيمه باشتداد الحرص تذكيها
هلا نجوت سليماً من معاطبها / فالنفس ميسور هذا العيش يكفيها
قرص وطمر وشكر فهي مملكة / عظيمة ملك كسرى لا يوازيها
هي السلامة لا كي الجباه بما / كنزت لا تتوخى فيه تنزيها
ارفق بنفسك لا تقوى على سقر / وافزع إلى اللّه من ذنب سيخزيها
ارحم عظامك أن تصلى بزفرتها / وخز البعوضة لو فكرت يؤذيها
ألا يهولك ما قدمت من خطأ / إن الذنوب ديون سوف توفيها
بادر إلى توبة تمحو الذنوب بها / فما سوى أوبة الاخلاص ماحيها
بادر لأوبة نفس كلما أدكرت / قبح الخطيئة نار الخوف تشويها
وحقق الصبر واعزم عزم مصطبر / في حربك النفس تغنيها وتطويها
واركب مطايا الليالي في العبادة لا / تنم على غفلة المغرور تقضيها
لطالما شحنتها منك منقصة / شغلاً بدنياك عن عقبى ستنهيها
يمر عمرك لا حسنى بها رمق / تجديك نفعاً ولا شنعاء تنفيها
ولا هوى يعقب الأهوال تدفعه / ولا مراشد تأتيها وتحويها
تمضي لياليك صفراً منك من حسن / وبالفظائع والحوبات تزجيها
جلال ربك لا تخشى وسطوته / وأخذة العدل حتماً أنت لاقيها
لزمت فعل معاصيه برحمته / أنعمة اللّه بالكفران تجزيها
تغذوك نعماه يا بطال نامية / بغير حولك فضلاً منه يوليها
وأنت تقوى ملياً في مساخطه / بنعمة منه لا مخلوق يحصيها
فافرغ الدمع إن الذنب منطبق / يا غمة ليس غير التوب يجليها
من مقلة ملأ العصيان ساحتها / دعها من الخوف منصباً عزاليا
عساك تغسل أدرانا بها اتسخت / صحيفة طالما اسودت نواحيها
واندب حياتك فالحدباء باركة / بعتبة الباب لا تردى براقيها
حامت عليك المنايا وهي واقعة / كيف الأمان ورأس الروح في فيها
لا تبعد الموت وارقبه باهبته / واهبة الموت بالتقوى توفيها
خذ فسحة العمر من أيدي بطالته / إن الأماني والتسويف يرديها
إن المنية لا تقدير يمنعها / لها جياد إلى الغايات تجريها
الوالدين ونسل الظهر قد أخذت / وأنت من فعلها فيهم تفاديها
كم قد دفنت وكم ترجو لتدفنه / وأنت نفسك بالآمال تغريها
كلا ستهجم عند الحد غايتها / فليس يفديك شاكيها وباكيها
فكر إذا قعقعت في الصدر حشرجة / هل أنت بالمال تلك الحال تكفيها
والروح تنساب من أقصى اكنتها / والعين شاخصة والكرب يعميها
ملقى صريعاً وعزرائيل ينزعها / وغصة النزع والحلقوم تلويها
تلك المصارع لا توقى بمقدرة / ولا يحاول أن يوقى ملاقيها
لا بد منها ولا أحكام تكشفها / وإنما الشأن في إحسان تاليها
قد بين اللّه للتقوى مراشدها / لم يخف عنك هداها من مناهيها
فاثبت على خطة التقوى تفز أبداً / لا تلق نفسك تهوي في مهاويها
لا تستخفنك الدنيا بزهرتها / فاخسر الناس في أخراه هاويها
فقد تبين منها فوز تاركها / كما تبين منها خسر غاويها
وارغب إلى اللّه في إحسان خاتمة / تلقى بها اللّه والرضوان يؤتيها
فإنما بالخواتيم الأمور عسى ال / رب الكريم بفضل منه يسديها
منازل النفس لا تُدرى حقائقها
منازل النفس لا تُدرى حقائقها / واخطأ الزعمَ منَ قد قالَ يُدريها
العين تُدرك إلا ذاتَها نظراً / والكف تقبض إلا معصماً فيها
يباعد النفس عن إدراكها مَلَقٌ / والنفس مغرورة ممن يداجيها
إن التملق للالباب يجبهها / مثل الغشاوة للأبصار يُعميها
قد أخلص الحب من أهداك عيبك لا / مُطرٍ مداج على العوراء تمويها
واعقل الناس من أبدى تواضعَه / من نفسه لانتقاد الخِل ما فيها
والحمق في سد باب الانتقاد بما / للنفس من عنفوان في دعاويها
رأيت ما لا ترى في النفس لو سمعَتْ / مغتابها وقَلَت خلاّ يدانيها
ورب رأي عدو فيك أجمل من / ذي خلة قارض للنفس يغريها
فغض طرفك اكباراً لو انكشفت / لك السرائر عن أشياء تطويها
ولتعذرنهمُ من حيث تُنصفهم / في رأيهم فيك من آراءَ تخفيها
وانبذ غرورك بالنفس التي عجبت / بغير شيء واقلع من تماديها
وأسعد الناس حظاً من فضيلته / ذو الانتقاد إلى التفضيل يهديها
ومن رأى نفسه مَرءىً رآه بهِ / سواه فالنفس في أسنى مقاليها
لا يجتلي النور إلا من مشارقه
لا يجتلي النور إلا من مشارقه / ويجتني الدر إلا من مجانيه
إذا تولى كمال عنصراً كملت / فروعه وسرت فيه معانيه
ومن تكن نفسه بحراً فلا عجب / أن يجتني الجوهر المكنون من فيه
أصل تجسم من نور الكمال فمن / إشراق أوله إشراق تاليه
حسب الملوك بني سلطان من حسب / أن تحسب الشمس ركناً من مبانيه
أبقوا لأعقابهم ما ليس تدركه / سيارة الشهب من مجد وتنزيه
رمى حمود مراميهم فما انفلتت / أكرومة لم تقيدها معاليه
أقيمُ في حمده نفسي وأقعدها / جل القضية حمد لست أحصيه