يا حاملَ الكأس ناوِلْني مُشَعشَعةً
يا حاملَ الكأس ناوِلْني مُشَعشَعةً / لم تَقْرِ همّاً ولا بُخلاً بواديها
أحسِرْ بها غَيْهَبَ الأحزانِ عن فِكَري / فكم ليالٍ بها زيّدتُ وارِيها
لَم أدرِ لمّا اِمتطتها كفّ حاملها / أَحلّتِ الكأسَ أم خَدَّي مُعاطِيها
وَعائبٍ لمشيبي وَهو لابِسُهُ / ولم يَعِبْ حُلّةً في النّاسِ كاسيها
لم يدر أنّ مشيبَ الرّأس من فكري / لَم يَسْرِ رَكْبُ مشيبٍ في نواحيها
أَليسَ ينقص يوماً في ذُراً لهمُ / ماءُ الشّباب غزيرٌ في عَزاليها
وما الفناءُ بموقوفٍ على حَدَثٍ / وَالنّابُ في الذَّوْدِ أغْنى من حواشيها
وعاذلٍ من صنيعٍ قد تدرّعه / وليسَ يَشفِي مِنَ الأمراضِ شاكيها
طويتُ كشحَيَّ عنه ثمّ قلتُ له / ما العيشُ إنْ جَنَحَتْ نفسِي لِلاحيها
دَعْني أنَلْ من زماني بعضَ لَذَّتِهِ / فقد وثِقْتُ بأنّ الدّهرَ يَفْرِيها
وكيف آنسُ بالدُّنيا ولستُ أرى / إلّا اِمرءاً قد تعرّى من عَواريها
كأنّها غُصّةٌ حلّتْ بِمَبْلَعِها / أوْ كالقَذاةِ أقامتْ في مآقِيها
نَصبوا إليها بآمالٍ مُخَيَّبَةٍ / كَأنّنا ما نرى عُقْبى أمانِيها
في وَحشةِ الدّار ممّنْ كان يسكنها / كُلُّ اِعتبارٍ لمن قد ظلّ يأويها
لا تكذِبنَّ فما قلبي لها وطنٌ / وقد رأيتُ طُلولاً من مَغانيها
كم قد ركبتُ إلى العلياءِ ظهرَ فَلاً / تضلّ فيه قَطاةٌ عن مَجاثيها
وَقفرةٍ تُنكرُ الأنْس الوحوش بها / ولا يُرجّي ورودَ الماءِ صاديها
إذا تراخَتْ رِكابي عن مَهامِهِها / رَكِبتُ فيها اِعتزاماً لا يُباليها
هانَت عليَّ مَخوفاتُ الخطوبِ فما / أَثْنِي يمينيَ عن قُصْوى مَراقيها
كَأنّما قَد نعَى الدّنيا مُخَلَّدُها / أَوْ في يديَّ أمانٌ من لياليها
وَمنْ تَكنْ نفسُهُ لم يَمْلَها جَزَعٌ / فزجرُ مُهْرِك في الهيجاءِ ماليها
وإنْ تكن لم تَذَرْ كُثْرَ الأنامِ لها / قُلّاً فَشِلوُ هَزيلِ الجَنْبِ كافيها
نَفسي تُنازِعُني حالاً يضيق لها / عَرضُ البلادِ فمن لي مِن تقاضيها
لقد دَعَتْ سامعاً لم تَكْدَ دعوتُهُ / وطالبتْ بعظيمٍ مَنْ يُؤاتيها
أَقلِل لَديَّ بِأَنباءِ الزّمانِ فما / أهابُ نفسي لأنّي لا أُرَجِّيها
لا تَجتَنِ العِزَّ إلّا من حدائِقِهِ / فكم رياضٍ عِراضٍ خاب جانيها
ما عزّ من ذلَّ في تطلابِ عِزَّتِهِ / مجاوِرُ النّارِ من قُرٍّ كصاليها
إنَّ المعالِيَ لا تُعطيك صَهْوَتَها / وما سَعَتْ لك رِجلٌ في مساعيها
لم تَنتَهِزْ ما دنا من فرعِ دَوْحتِها / فكيف تسمو إلى ما في أقاصيها