المجموع : 5
خذ ما استطعت من الدنيا و أهليها
خذ ما استطعت من الدنيا و أهليها / لكن تعلّم قليلا كيف تعطيها
كم وردة طيبها حتّى لسارقها / لا دمنه خبثها حتّى لساقيها
أكان في الكون نور تستضيء به / لو السماء طوت عنّا دراريها
أو كان في الأرض أزهار لها أرج / لو كانت الأرض لا تبدي أقاحيها ؟
إن الطيور الدمى سيّان في نظري / و الورق إن حبست هذي أغانيها
إن كانت النفس لا تبدو محاسنها / في اليسر صار غناها من مخازيها
يا عابد المال قل لي هل وجدت به / روحا تؤانسك أو روحا تؤاسيها
حتامَ يا صاحِ تخفيه و تضمره / كأنّما هو سوءات تواريها ؟
و تحرم النفس لذات لها خلقت / و لم تصاحبك يا هذا لتؤذيها
أنظر إلى الماء إنّ البذل شيمته / يأتي الحقول فيرويها و يحميها
فما تعكّر إلاّ و هوم منحبس / و النفس كالماء تحكيه و يحكيها
ألسجن للماء يؤذيه و يفسده / و السجن للنفس يؤذيها و يضنيها
و انظر إلى النار إنّ الفتك عادتها / لكنّ عادتها الشنعاء ترديها
تفني القرى و المغاني ضاحكة / لجهلها أنّ ما تفنيه يفنيها
أرسلت قولي تمثيلا و تشبيها / لعلّ في القول تذكيرا و تنبيها
لا شيء يدرك في الدنيا بلا تعب / من اشتهى الخمر فليزرع دواليهال
صبرا على هجرنا إن كان يرضيها
صبرا على هجرنا إن كان يرضيها / غير المليحة مملول تجنّيها
فالوصل أجمله ما كان بعد نوى / و الشمس بعد الدّجى أشهى لرائيها
أسلمت للسّهد طرفي و الضّنى بدني / إنّ الصبابة لا يرجى تلاقيها
إنّ النساء إذا أمرضن نفس فتى / فليس غير تدانيهنّ يشفيها
فاحذر من الحبّ إنّ الريح خفيت / لولا غرام عظيم مختف فيهعا
يمضي الصفاء و يبقى بعده أثر / في النفس يؤلمها طورا و يشجيها
مرّت ليال بنا كان أجملها / تمّت فما شانها إلاّ تلاشيها
تلك اللّيالي أرجو تذكّرها / خوف العناء و لا أخشى تناسيها
أصبو إليها و أصبو كلّما ذكرن / عندي اشتياقا إلى مصر و أهليها
أرض سماء سواها دونها شرفا / فلا سماء و لا أرض تحاكيها
رقّت حواشيها و اخضرّ جانبها / و أجمل الأرض ما رقت حواشيها
كأنّ أهرامها الأطواد باذخة / هذي إلى جنبها الأخرى تساميها
و نيلها العذب ما أحلى مناظره / و الشّمس تكسوه تبرا في تواريها
كأنّها كعبة حجّ الأنام لها / لولا التقى قلت فيها جلّ بانيها
و ما أحيلى الجواري الماخرات به / تقلّ من أإرضه أحلى جواريها
من كلّ الوجه يغرينا تبسّمها / إن نجتديها و يثنينا تثنيها
و ناهد حجبت عن كلّ ذي بصر / حشاشتي خدرها و القلب ناديها
فقي كلّ جارحة منّي لها أثر / " و الدار صاحبها أدرى بما فيها "
و في الكواكب جزء من محاسنها / و في الجآذر جزء من معانيها
يمّميتها و نجوم الأفق تلحظني / في السير شذرا كأنّي من أعاديها
كادت تساقط غيظا عندما علمت / أنّي أؤم التي بالنفس أفديها
أسرى إليها و جنح اللّيل مضطرب / كأنّه مشفق أن لا ألاقيها
و الشوق يدفعني و الخوف يدفعني / هذا إليها و هذا عن مغانيها
أطوي الدّياجي و تطويني على جزع / تخشى افتضاحي و أخشى الصّبح يطويهعا
فما بلغت مغاني من شغف بها / إلاّ وقد بلغت نفسي تراقيها
هناك ألقيت رحلي و انتحيت إلى / خود يرى الدّمية الحسناء رائيها
بيض ترائبها سود ذوابيها / زجّ حواجبها كحل مآقيها
نهودها من ثنايا الثوب بارزة / كأنّها تشتكي ممّا بولريها
و الثوب قد ضاق عن إخفائها فنبا / عنها فيا ليتني برد لأحميها
و تحت ذلك خصر يستقلّ به / دعص ترجرج حتّى كاد يلفيها
قامت تصافحني و الرّدف يمنعها / و الوجد يدفعها و القدّ يثنيها
دهشت حتّى كأنّي قطّ لم أرها / و كدت و الله أنسى أن أحيّيها
باتت تكلّمني منها لواحظها / بما تكنّ و أجفاني تناجيها
حتّى بدا الفجر و اعتلّت نسائمه / و كاد ينشر أسراري و يفشيها
بكت دموعا و أبكتني الدموع دما / ورحت أكتم أشياء و تبديها
كأنّها شعرت في بعدنال أبدا / فأكثرت من وداعي عند واديها
فما تعزّت بأن الدّهر يجمعنا / يوما و لا فرحت أنّي أمنيها
تقول و الدمع مثل الطلّ منتثر / على خدود خشيت الدّمع يدميها
و الهف نفسي على أنس بلا كدر / ترى تنال من الدنيا أمانيها ؟
فقلت صبرا على كيد الزمان لنا / فكلّ حافر بئر واقع فيها
يا جنّة قبلما حلّت بها قدمي
يا جنّة قبلما حلّت بها قدمي / أحببتها قصّة و اشتقت زاويها
كانت لها صورة في النفس حائرة / مثل القصيدة لم تنسج قوافيها
وددت لو أنّها تمّت فيبصرها / غيري و تسكره مثلي معانيها
و كيف تكمل في ذهني و لم أرها / و ما لصورتها شيء يحاكيها ؟
و أيّما نغمة أدّى عذوبتها / كلام راو و لا شاد يغنّيها
أأنشق العطر لم أهبط خمائلها ؟ / و أشرب السحر لم أسمع قماريها ؟
و تصعد النفس منّي للسماء و لا / حبال نور تدلّت من دراريها ؟
كانت سعادة نفسي في تصوّرها / و النفس يسعدها وهم و يشقيها
بالوهم توجد دنيا لا وجود لها / و تنطوي عنك دنيا أنت رائيها
فكم ظمئت و في روحي جداولها / و كم رويت و غيري في سواقيها
قد كنت من قبل مثل الناس كلّهم / أقول إنّ إله الكون باريها
حتّى نظرت إليها في جلالتها / فصار كلّ يقيني أنّه فيها !
لمّا رأيت الجمال الحقّ أدركني / زهد بكلّ جمال كان تمويها
كأنّما الحور مرّت في شواطئها / في ليلة طفلة رقّت حواشيها
ففي الرمال سناء من تضاحكها / و في المياه أريج من أغانيها
أتيتها بشباب ضاع أكثره / و غيّبته اللّيالي في مطاويها
فاسترجع الحبّ قلبي فهو مغتبط / و عادت الروح خضراء أمانيها
سئلت ما راق نفسي من محاسنها ؟ / فقلت للناس : باديها و خافيها
و ما حببت من الأشجار ؟ قلت لهم : / إنّي افتتنت بكاسيها و عاريها
و ما هويت من الأزهار ؟ قلت لهم : / ألحبّ عندي لناميها و ذاويها
قالوا : و ما تتمنّى ؟ قلت مبتدرا : / يا ليتني طائر أو زهرة فيها
فربّ أنشودة من بلبل غرد / حوت حكاية حبّ خفت أحكيها
وربّ روح كروحي في بنفسجة / و سنى أطلّت على روحي تناجيها
وربّ قطره ماء لا غناء بها / شاهدت مصرع دنيا في تلاشيها
كلّ الذي لاح في أرضها حسن / و أحسن الكلّ في عيني أهاليها
إلاّ ذوو السحن السوداء واعجبا / أجنّة و ذباب في نواحيها ؟
إنّي ليكبت روحي أن ألاحظهم / بمقلة أبصرت فيها غوانيها
دع المساويء في الدنيا فما برحت / فيها محاسن تنسينا مساويها
كم حاول اللّيل أن يطوي كواكبه / فكان ينشرها من حيث يطويها
واذكر أكارم قوم عنصرهم / و أشبهوا بسجاياهم أقاحيها
بني بلادي ! و فيكم من خمائلها / جمالها و التّسامي من روابيها
تسلّت النفس عن أحبابها بكم / لولاكم لم يكن شيء يسلّيها
أكرمتموني فشكرا غير منقطع / دوام شكرك للنعماء يبقيها
يا أيّها الشعر أسعفني فأرثيه
يا أيّها الشعر أسعفني فأرثيه / و يا دموع أعينيني فأبكيه
بحثت لي عن معزّ يوم مصرعه / فلم أجد غير محزون أعزّيه
و ما سألت امرءا فيما تفجّعه / إلاّ و جاوب - " إنّي من محبّيه "
كأنّما كلّ إنسان أضاع أخا / أو انطوت فجأة دنيا أمانيه
فذا أساه لهيب في أضالعه / و ذا أساه دموع في مآقيه
فهل درى أيّ سهم في قلوب رمى / لما نعاه إلى الأسماع ناعيه ؟
يا شاعر الحسن هذا الروض قد طلعت / فيه الرياحين و افترّت أقاحيه
و شاع " أيّار " عطرا في جوانبه / و نضرة و اخضرارا في روابيه
فأين شعرك يسري من نسائمه ؟ / و أين سحرك يجري في سواقيه ؟
هجرته فامّحت منه بشاشته / مات الهوى فيه لمّا مات شادية
أغنى عن الدّرّ في القيعان مختبئا / درّ يساقطه الحدّدا من فيه
و كان للسحر تأثيره فأبطله / بالسحر يجري حلالا في قوافيه
بلاغة " المتنبّي " في مدائحه / و دمع " خنساء صخر " في مراثيه
لا يعذّب الشعر إلاّ حين ينظمه / أو حين ينشده أو حين يرونه
و يا طبيبا يداوي الناس مع علل / داء الأسى اليوم فيهم من يداويه ؟
أمسى الذي كان يشجينا و يطربنا / لا شيء يطربه لا شيء يشجيه
لقد تساوى لديه شدو ساجعة / و صوت نائحة في الحيّ تبكيه
صارت لياليه نوما غير منقطع / و لم تكن هكذا قبلا لياليه
قد كان نبراسنا في المعضلات إذا / ما ليلها جنّ واربدّت نواصيه
فمن لنا في غد إن أزمة عرضت / و ليس فينا أخو حزم يضاهيه
من للحزين يواسيه و يسعده / و للمريض يداويه فيشفيه
يا قائد القوم إن تسأل فإنّهم / باتوا حيارى كإسرائيل في التيه
لمّا رأوك مسجّى بينهم علموا / ما العيش غير أخاييل و تمويه
يا رزق قلبي عليك اليوم منفطر / و كلّ قلب كقلبي في تشطّيه
لم يحو نعشك جسما لا حراك به / بل أنت آمالنا موضوعة فيه
غدا يواريك عن أبصارنا جدث / لكنّ فضلك لا شيء يواريه
أنشودة في ضميري كم أواريها
أنشودة في ضميري كم أواريها / و ما شقائي إلاّ أن أغنّيها
ولّى الشتاء و نفسي في كآبتها / و استضحك الصّيف إلاّ في نواحيها
كأنّها زهرة في الظّلّ ثابته / لانور يغمرها لا ماء يسقيها
كأنّها الحرب في قلبي زلالها / و بعض أهلي أقوام تعانيها
حكاية أتقلّى حين أسمعها / و يأكل الحزن قلبي حين أرويها
وا رحمتاه لأوربا فما فتكت / أفعى بأفعى كأهليها بأهليها
لم يبق غير الضواري في خلائقها / و من حضارتها إلاّ مخازيها
كانت تعدّ الدواهي في مصانعها / لغيرها فأصابتها دواهيها
و كلّ طابخ سمّ سوف يأكله / و كلّ حافر بئر واقع فيها
لو دام أيمانا لم تنطلق سقر / بدورها و الأفاعي في مغانيها
لكن أكبّت على الآلات تعبّدها / و تستعين بها من دون باريها
فصار مالكها عبدا لسلطتها / و صار كلّ لاضعيف من أضاحيها
وصارأنسانها للحلب آونة / و الذّبح مثل المواشي في مراعيها
يا نفس سرّي و يا أنشودتي انطلقي / من علّم الصمت إنّ الصمت يؤذيها
أيشرق الأفق لم يطلق كواكبه / و تجمل الأرض لم تخرج أقاحيها
أليوم يوم القوافي تهفين بها / لا يشرب النالس خمرا لم تصبّيها
هذا هو العيد قد لاحت مواكبه / يا قلب هلّل لها يا شعر حيّيها