هل رُقيةٌ يستقيلُ الحُب راقيها
هل رُقيةٌ يستقيلُ الحُب راقيها / فالطّبُ يزعُم أنّ الحُبّ يُعْييها
أشتاقُ غوطةَ داريّا ويُعجبُني / على افتقاريَ أنْ تَغْنى مغانيها
لهفي على شَربةٍ من ماءِ جَوْسِيَةٍ / ونظرةٍ يُدركُ الجولانَ رائيها
ونفحةٍ من صَبا لُبنانَ خالصة / تُميتُ غُلّةَ نفسي أوْ تُداويها
يا دهرُ لا غفلاتُ العيشِ عائدةً / ولا الشبابُ الذي أبليتُه فيها
وقُرحةٌ في سوادِ العينِ كامنةٌ / في كلِّ يوم قَذاةُ الدمعِ تكويها
تَصدى إلى أهْلِ جَيْرُونٍ فتوسعُها / ماءُ الفُراتِ وغيرُ الماءِ يرويها
عسى السيوفُ تقاضي ما مطلت به / فقد رضيت بما تقضي قوافيها
إنْ كنتَ تمنعُ سعداً من مطالبه / فلستَ تمنعُ سَعداً من تمنّيها
للهِ نغمةُ أوتارٍ ومُسمِعَةٌ / باتَتْ تَدُلُّ على شَوقي أغانِيها
وقهوةٌ كشعاعِ الشّمسِ طالعةً / أفنيتُ بالمزجِ فيها ريقَ ساقيها
يا لذةً بيمينِ الدّهرِ أدفعُها / في صدرِهِ وهو من أحشائي يُدْنيها
لو كان يعلم أني عنكَ أخدَعُه / ثنّى أناملَه لي حينَ أثنيها
ما للنّوائب ترميني بأسهُمِها / وعينُ صائدةِ الفرسانِ تكفيها
لو كنتُ أخضعُ في الدُنيا لنائبةٍ / خضعتُ من هجرها أو من تَجنّيها
تستعذبُ الدمعَ عيني في محبّتها / كأنّما تَمتريهِ العينُ منْ فِيْها
حلفتُ بالعيسِ تستوفي أزمتَها / وبالحجيجِ لبيتِ اللهِ تُهديها
لأَشكُرنّ وما شُكْري على مِنَنِ / محمدُ بنُ معزِّ الدينِ يُوليها
لوْلا وقارُكَ تاجَ الملكِ لانهدمتْ / قواعدُ الأرضِ وانهدّت رَواسيها
في دولةٍ أنت أمضى من صوارِمِها / في الروعِ واسمُكَ أبهى من أساميها
جرتْ إلى الغايةِ القُصْوى سوابقُها / فجئتَ أولَها والمجدُ تاليها
إنّ الرعيةَ ما تنفكُ مضمرةً / محبةً لكَ تُبديها وتُخْفيها
إذا تمنّتْ تمنّتْ أنْ تعيشَ لها / يا راكبَ العرشِ باركْ في أمانيها
كشّفتَ عنها غطاءَ المحلِ إذْ قَنَطَتْ / ونالَ رفدَكَ قاصيها ودانِيها
حيثُ الظّنونُ وحيثُ الأرضُ قائمةٌ / وطلعةُ الأفقِ المرجوِّ تَحكيها
فتىً تكونُ علينا والياً حَدِباً / فما تضيعُ أمورٌ أنتَ واليها
للّهِ نذرٌ علينا يومَ تملِكنا / ونعمةٌ وحقوقٌ لا نؤديها
ورايةٌ لكَ كانَ اللهُ ينشُرُها / وكان عندَكَ شاشنكير يطويها
أيامَ تبتدرُ الأتراكَ دعوتُه / وتشرئبُّ إلى أقوالِ غاويها
فما أسفتُ على شيءٍ مضى أسَفي / أنْ لم يذُق حنظلَ الهيجاءِ جانيها
سللتَ عزمَكَ واستلتْ ذخائرَها / فكانَ عزمُكَ أمضى من مَواضيها
كان المُزَعْزَعُ بالإيوانِ رايتُه / قِدْراً وأنتَ بساباطٍ أثافِيها
لولا مكانُكَ يومَ النهرِ لانصدعتْ / صدعَ الزجاجةِ أعيتْ من يُداويها
وقفتَ بالأفقِ الغربيّ مُعترضاً / مواقفَ الأُسدِ لا ترعى مراعيها
في ساعةٍ أعجلَ الخيلينِ ملجمُها / فما أعنتُها إلاّ نواصيها
لا يعدَمُ الرمحُ فيها من يُحطّمُهُ / ولا يُجابُ بغيرِ السيفِ داعيها
علمتَ أنّ يمينَ الصّفوِ تعتقُها / لما رأيتَ شمالَ الغيظِ تسبيها
ومُزنةٍ صاحَ فيها الرعدُ مرتجزاً / فروعَ البرقَ وانحلتْ عَزالِيها
تلك المخائلُ لا تُكدي مؤمِلَها / ولا تُخيب على العلاتِ راجيها
قد كان ظلاً لكم ماتت هواجرُهُ / ونزهةً حُبِسَتْ منها لياليها
حتى تماريتم في قطع أثْلتِهِ / يا للضّغائنِ ما أجْرى تَماريها
ويا لها عِترةً في الرّأيِ ثاقبةً / لو كان يُمكن في الدنيا تَلافيها
إنْ يَسلبِ النعمةَ الغرّاءَ منعمُها / فإنّما أخذَ الأرزاقَ معطيها
أعراض قومك لا تأخذْ بها بدلاً / فما يواليكَ إلاّ من يُوالِيها
بات المُسرُّ لكَ الشحناءَ يَهدمُها / وباتَتِ الرّحمُ البلهاءُ تبنيها
لا تنسَ من شِعبِ بوّانٍ تعقلها / وأنتَ في واسطٍ بالظّنِّ تَرميها
وواسِطٌ كلُّ يومٍ ذرَّ شارقُه / يسيلُ بالأسلِ المذروبِ واديها
فصَبّحْتكُم على الآمالِ قادمةً / كتيبةٌ لا يضلُّ المجدَ هاديها
بنو العمومةِ أيديها إذا غَضِبَتْ / أيديكم وعَواليكم عَواليها
لا تَجهلوا صبرَها والسّمرُ تَظلمُها / ولا بَسالَتَها والبيضُ تُعديها
صُنها عن السَّفهِ المأثورِ وارعَ لها / حقّ المُعيدِ أموراً كِدتَ تُعطيها
فَما عَرَفتُ أموراً أنتَ منكِرُها / ولا ذكرتُ حقوقاً أنتَ ناسيها
وكيفَ تَتْركُها للذئبِ يأكلُها / وقد أراكَ من الضرغامِ تَحميها
خُذها إذا أُنشدَتْ في القومِ من طربٍ / صدورُها عُلِمَتْ منها قَوافيها
يَنسى لها الراكبُ العجلانُ حاجتَه / ويُصبح الحاسدُ الغضبانُ يُطريها