خَلُّوا السجُوفَ تُذِعْ مَجْلَى مُحَيَّاها
خَلُّوا السجُوفَ تُذِعْ مَجْلَى مُحَيَّاها / وتَنْشُرُ المسكَ من أنفاسِ رَيَاها
عقيلةٌ في جلال المُلْكِ ناعمةٌ / النبلُ يحرُسُها واللَهُ يَرْعاها
ودُرَّةٌ لم تَرَ الأصدافُ مُشْبههَا / بينَ الكُنوز الغَوالي من خباياها
وزهرة ما رأى النيل الوفي لها / بين الأزاهر في واديه أشباها
ترنو إليها نجومُ الأفْقِ مُعْجَبَةً / تَوَدُّ لو قَبَسَتْ من نورِ مرْآها
كأنَّما قَطَراتُ المزْنِ صافيةً / فوقَ الخمائلِ طُهْرٌ في سجاياها
أميرةَ النيلِ والأيامُ مُسْعِدة / بلغتِ من ذِرْوةِ العلياءِ أقصاهَا
إنْ يسطَعِ الصبح قلنا الصبح أشبههَا / أو يسطع المسكُ قُلنا المسكُ حاكاها
مجدٌ تمنَّتْ سماءُ الأفْقِ لو ظَفِرتْ / بلمحةٍ من ثُرَيَاه ثُريَاهَا
ونفسُ طاهرةِ الجدَّينِ يَسَّرَها / ربُّ البَريَّةِ للحُسنَى وزَكَاها
اليُسْرُ يختالُ تيهاً حَوْلَ يُسْراها / واليُمْنُ يجري يميناً حَوْلَ يُمناها
نَمَتْ بظلِّ فؤادٍ خيرِ مَنْ وَجَدَتْ / بظِله زُمرُ الآمالِ مَثْواها
أحيتْ له مصرُ ذِكْراً خُطَّ من ذَهَبٍ / على جَبينِ الليالي حينَ أَحْياها
وكان عُنْوانَها الغالي الذي اتجَهَتْ / إليه باسطةَ الأيدِي فأعلاها
أميرةَ النيلِ غَنَّى الشعْرُ من طَرَبٍ / في ليلةٍ غَنَتِ الدنيا بِبُشْراها
طافتْ كُئوسُ التهاني وهي مُتْرَعةٌ / من المُنَى فانتشينا من حُمَيَاها
تجمَعَ الأنسُ حتى لم يَدَعْ أملاً / للنفسِ تَبْعَثُ شوقاً خَلْفَه واها
في ليلةٍ من سوادِ العينِ قد خُلِقَتْ / جَلَّ الذي من سوادِ العينِ جَلاَّها
يخالها الفجر فجراً حين يَطْرُقُها / فيختفي من حَياءٍ في ثناياها
كأَنَها بَسَماتُ الغِيدِ قد ملأَتْ / بالحبِّ والبِشْرِ أحداقاً وأفواها
كانت يداً من أيادي الدهر أرسلها / بيضاءَ مُشْرِقةَ النُعْمَى وأسْداها
هنا زِفافٌ وفي الأفلاكِ هاتفةٌ / من الملائِك تدعو ربَّها اللَه
لها أناشيدُ في الأسماعِ ساحرةٌ / لو كنَّ من لُغَةِ الدنيا رَوَيْناهَا
لكنها نَفحاتُ اللَهِ خَصَّ بها / من البرِيَّة أنْقاها وأصْفاها
فوزيةٌ دُرَةُ التاجِ التي لمعتْ / فوقَ الجبينِ فحيَّتْه وحيَاها
شعُوب مصْرَ تُفدِّيها ولو نطقتْ / للنيلِ ألسنةٌ فُصْحٌ لفدَاها
أميرةَ النيلِ غَنَّى الشعرُ من طَرَبٍ / لولا قِرانُك ما غَنَى ولا فاها
إنَي وألحانَ شعري صُنْعُ بيتِكُمُ / فكم من الفضلِ أولاني وأولاها
لولا مدائحُكم ما كان لي قَلَمٌ / يوماً على الأيْكِ وابنِ الأيك تيَّاها
تأَلَقي بَسْمةً زَهْراءَ مُشْرِقَةً / بأرضِ إيرانَ أنتِ اليومَ دُنياها
كوني بها قُرَةً للعينِ غاليةً / فأنتِ أكرمُ من لاقتْه عَيناها
ومثِّلي مصرَ والشَأوَ الذي بلغَتْ / فأنتِ أصْدَقُ بُرهانٍ لدَعْواها
لقد قطفنا لكِ الأزهارَ باسمةً / وفي عقودٍ من الفصْحَى نظمناها
وقد جمعنا من الألحانِ أُغْنِيةً / لو يفهمُ الطيرُ معناها لغنَّاها
ولم نَدعْ من رموزِ السحْر سانحةً / طافت بمعنى العُلا إلاَ لمحناها
قد ذكَرَتْنا لياليكِ التي سَطَعَتْ / أفراحَ قَطْرِ النَّدَى والعزَّ والجاها
عُرْسُ الأمانِّي أحيا كلَّ ذي أملٍ / وطافَ بالغُلَّةِ الظَمْأَى فروَّاهَا
وليلةٌ ظَفِرَ الشَّعْبُ الوَفيُّ بها / وكم على الدهرِ مَشْغُوفاً تمنَّاها
في كلِّ بيتٍ أغاريدٌ مُرَدَّدَةٌ / سَرَت فجاوز نجْمُ الليل مَسْراها
وكلُّ روضٍ يُرَجِّي لو سعتْ قَدَمٌ / به ليُهْدِي من الأزهارِ أذْكَاها
وكم تمنَى الربيعُ النَضْرُ لو سَعِدَتْ / بحلَّةِ العُرْسِ كَفَاهُ فَوَشَاها
البِشْرُ يضحكُ والدنيا مُصَفِّقةٌ / يهتَزُّ من نَشْوة الأفراحِ عِطْفاها
يا ابن الأماجدِ من إيرانَ نلتَ يَداً / أصفى من الكوكب الدُرِّيِّ أمْواها
بَنيْتمُ الملكَ فوقَ الشمسِ من هِمَمٍ / شمَاءَ مَنْ خَلَقَ الأطوادَ أرْساها
لم يَتَّخذْ من مَنارٍ يستضيءُ به / لدَى الشدائِد إلاَّ العَزْمَ والشاها
جلالة كم تَغَنَى البُحتُريُّ بها / وكم تَرَنَّمَ مِهْيارٌ بِذكْراها
ودولةٌ للعُلا والسبقِ حاضِرُها / وللخلودِ وللإبداعِ أولاها
لنا صِلاتٌ قديماتٌ مُحَبَّبةٌ / لخدمةِ الدينِ والفُصْحَى عقدناها
ثقافةُ الفُرْسِ قد كانت ثقافَتنا / في كلِّ ناحيةٍ عنهم أخذناها
تأَلَقَتْ في بني العباسِ آونةً / ما كانَ في أعْصُرِ التاريخِ أزْهاها
فاروقُ كم لكَ عندَ النيلِ من مِنَنٍ / كصفحةِ الشمسِ بيضٍ ليس ينساها
وصلْتَ مِصْرَ بإيرانٍ كما اتصلتْ / فرائدُ العِقْد أغلاها بأغلاها
مصرُ المَجيدةُ تُزْهَى في حِمَى ملكٍ / لولاه لم تُشْرِق الدنيا ولولاها
سعَى إلى المجد نهَاضاً فأنهضها / للَهِ والحقِّ مَسْعاه ومسعاها
في كلِّ نفسٍ له ذِكْرَى مُخلَدةٌ / وصورةٌ من جلالٍ في حناياها
شمائلُ السلَفِ الأطهار شِيمتُهُ / لمَا تجلَّت بفاروقٍ عَرَفناها
سَجيَّةٌ من فؤادٍ فيه قد رَسَخَتْ / إذا دعتْ للعُلا والمجد لبَاها
في ساحةِ الجيش حَيَّتْه فوارسُه / وفي المساجدِ حَيَّاه مصلاَها
له أياد على الأيامِ سابغةٌ / في كلِّ جيدٍ من الأيام نُعْماها
يا أُسْرَةَ المُلْكِ صاغ الشعْرُ تهنئةً / من حبَّةِ القلب معناها ومبناها
أهدَى الوفاءَ جميلاً حِين أرسلها / وأرسل الوُدَ محْضاً حين أهداها
لا زال مُلْكُكُمُ جَمَاً بشائرُه / ونال من بَسَماتِ الدَهرِ أسْناها
وعاش للنيلِ ربُّ النيلِ سَيِّدُه / وللرعيَّةِ والآمالِ مولاها