القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 5
بعد الصّباحِ الّذي ودَّعتُكُم فيهِ
بعد الصّباحِ الّذي ودَّعتُكُم فيهِ / لم أَلْقَ للدَّهْرِ صُبْحاً في لَياليهِ
قد كان أَوَّلَ صُبْحٍ بعْدَ عَهْدِكمُ / مضَى ولم تَكْتَحلْ عَيْني بثانيه
فالدَّهرُ بعْدَكمُ لَيْلٌ أُلابِسُه / والعَيشُ دُونكمُ هَمٌّ أُقاسيه
قد كِدْتُ أخْتِمُ طَرْفي وَحْشةً لكُمُ / عن كلِّ خَلْقٍ من الدُّنْيا أُلاقيه
لكنّما يتَلقّاني خيالُكمُ / في النّاسِ من كُلِّ مَنْ باللّحْظِ أَرميه
قد صَوَّر الوهْمُ في عَيْني مِثالَكمُ / من طُول ما أَنا بالذِّكْرَى أُراعيه
فكُلُّ ناظرِ إنسانٍ أُقابلُه / أَرَى خيالَكُمُ من ناظري فيه
يَلومني في هوى الأحبابِ كُلُّ فتىً / سَهْمُ الصّبابةِ يُصْميني ويُخْطيه
يَعيبُني في الهوَى بَغْياً ويَعذُلني / وإنَّما يَبْتليني مَنْ يُعافيه
تَكْليفُك الصّبَّ صَبْراً عن أَحِبّته / قولٌ يُعنّيهِ فيما ليس يَعْنيه
أَقِلَّ من عذَلٍ تَلْقَى المشَوقَ بهِ / فقَلبُه بسهامِ اللّوْمِ تَرْميه
والمرءُ مثْلُ نفوذِ السّهْمِ من يَدِه / إلى القلوبِ نُفوذُ السّهْمِ مِن فِيه
دَعْ عنك قلبي فإنَّ الحُبَّ آمِرُه / أَضعافَ ما أَنت بالتّثْريبِ ناهيه
إنّي لأشكرُ إلْفي في تَباعُدهِ / وطالما كنتُ أَشكو في تَدانيه
إذا أَعَلَّنيَ الأشواقُ عَلّلَني / منه خيالٌ يُسرّي الهَمَّ ساريه
يُزهَى على البُعدِ طَرْفي حينَ يَطْرُقه / من عندِ أَحبابهِ طَيْفٌ يُوافيه
كما زهَتْ أَصفهانٌ إذْ ألَمَّ بها / مُؤيّدُ المُلْكِ فاهتزَّتْ من التيه
كعارضِ يَسْبِقُ الإيماضَ وابلُهُ / إذا تَعرّضَ للمعروف راجيه
ويَكْشِفُ الهَوْلَ في الهَيْجا إذا شَرَعتْ / يَمينُهُ ماضياً فيها يَمانيه
ماضٍ على سَنَنِ التحقيقِ يَنْصُرُه / فلا يُرَى عنده سُوقٌ لِتَمْويه
في كَفِّه قَلمٌ تَلْقاهُ مُنْصَلتاً / يَجْري القَضاءُ مُجدّاً في مَجاريه
إذا انْثنَى ساجِداً نحْوَ الكتابِ له / يوماً فلا مَلِكٌ إلاّ ويَحكيه
وإنْ بدا غائصاً في بَحْرِ أنْمُله / ألْقَى إلى الطِّرْسِ من أسْنَى لآليه
يا مَنْ تَوحَّدَ في الدُّنْيا برُتْبتِه / منَ الجَلالِ فلا خُلْقٌ مُدانيه
سِواكَ مَنْ باتَ حَرْبُ الدَّهرِ تُقْلقُه / إذا دهَتْه وسِلْمُ الدّهرِ يُطْغيه
أنت الّذي لم يَنَلْ نَقْصاً بعُطْلَتِه / من حيثُ ما زادَهُ فَخْراً تَحلِّيه
فمَنْ يُبلِّغُها السُّلطانَ مَاْلُكَةً / يَسْعى بها مِن مَواليه مُواليه
بحيثُ يَعْقِدُ منه تاجَهُ قَسَماً / يَظلُّ في الصِّدقِ خافيهِ كباديه
لأنتَ حقّقْتَ من تَثْبيتِ دَوْلتِه / ما لم تكُنْ تَقْدِرُ الأحلامُ تَحْكيه
ما المُلْكُ يَومئذٍ لولا مؤيدهُ / إلاّ بعُرْضةِ مَن قد جاء يَبْغيه
غابٌ أُصيبَ أبو شِبلَيْهِ فاخْتلَفا / فاستأْسدَ الذّئبُ حتّى كادَ يأْويه
فلو تأخَّر عن تأييدهِ نَفَساً / لكان مِن ذاك ما أعْيا تَلافيه
برأيهِ قام يَحْميهِ ورايته / وكان عاليه أمضَى مِنْ عَواليه
حتّى إذا تَمَّ الفَتْحُ من يَدِه / للمُلْكِ أصْغَى إلى ما قالَ واشيه
وكان كالمُنتضي للحَرْبِ صارِمَه / فإذْ تقَضَّتْ رأى إغْمادَ ماضيه
إنْ نَفَّذوا دونَه أَمراً فلا عَجَبٌ / مَنْ يُعْملُ السّيفَ حيثُ السَّوطُ يَكْفيه
هذا زَمانٌ على ما فيه مِن كَدَرٍ / يَحكي انْقِلابُ لَياليه بأهْليه
غديرَ ماءٍ تَراءى في أسافِلِه / خَيالُ قَومٍ قيام في أعاليه
فالرِّجْلُ تُبصَرُ مَرْفوعاً أَخامِصُها / والرّأسُ يُوجَدُ مَنْكوساً نَواصيه
هذا على أنّ أَمراً غيْرَ مُحتَسَبٍ / كأنّنا بكَ في ذا الدَّهْرِ تُبديه
صابِرْ زمانَكَ تَعْبُرْ عنكَ شِدَّتُه / وأَمهلِ الرَّنْقَ يَخْلُصْ منه صافيه
فاللّيلُ إنْ أَنت لم تَعجَلْ وإنْ مطَلَتْ / ظَلْماؤه فلَهُ صُبْحٌ يُجلِّيه
لو أَمكنَ الدّهرَ أَن يَبقَى على نَسَقٍ / ما زال باديه حتّى جاءَ تاليه
فانْهَضْ إلى الأملِ المطلوبِ مُعْتزماً / نُهوضُ مثْلك يَقْرُبْ منكَ قاصيه
ولا تَقولَنَّ إنَّ الدَّهرَ مُضْطَرِبٌ / فكيف فيه بمَقْصودٍ يُسَوّيه
فالقوسُ مُذْ لم تزَلْ في خَلْقِها عِوَجٌ / والسَّهْمُ يَمضي سديداً في مَراميه
يأبَى ضِياءُ شهابِ الدّينِ حينَ بدا / ألا يُضيءَ سَبيلَ الرُّشْدِ هَاديه
وإنّما هو نُورُ اللهِ يُشْعِلُه / أنَّى بأفواهها الحُسّادُ تُطْفِيه
فِدىً عِداهُ لعَلْياهُ وقَلَّ له / كلُّ البَرِيَّةِ طُرّاً لو تُفَدِّيه
سَعْوا على مَجْدِه من كُلِّ ذي حَسَدٍ / يَظلُّ يَنْشُرهُ بَغْياً ويَطْويه
ما كان يَخفَى عليه اليومَ مَوْضِعُه / لو كان بالأمسِ أمضَى العزْمَ مُمْضيه
إنْ كان في الدَّهْرِ خَوْفٌ من تَقلُّبِه / فما لذي الحَزْمِ يُغْضي عَن أعاديه
وإنّما مَثَلُ الباغي وصاحبِه / كالنّارِ والشّمْعِ يُبْقيها لِتُفْنيه
بَقِيتَ يا ابْنَ نظامِ المُلْكِ تَخْلُفُه / في مَجْدِه ومَعاليه فتُحيِيه
ودُمْتَ والإخوةُ الزُّهْرُ الكرامُ معاً / كالبَدْرِ والشُّهْبِ يَعْنيها وتَعْنيه
في طُولِ عُمْرٍ لكمْ مُدَّتْ أواخِرُه / وظلِّ مُلْكٍ بكمْ شُدَّتْ أواخيه
ولا عدا المَرقَد المَسْعود سَاكِنُه / وَفْدٌ من المَلأ الأعلَى يُحَييه
يَأْتيهِ من صلَواتِ اللهِ في مَدَدٍ / تَتْلو رَوائحَهُ منها غَواديه
أصبحتُمُ دَوحة المجدِ الّتي شَرُفَتْ / حقيقةً لا بتَمْثيلٍ وتَشْبيه
أنتمْ فُروعٌ سَما في الأُفْقِ ناضرها / وذاكَ أصْلٌ رَسا في التُّرْبِ زاكيه
فَدُمْتُمُ بَعْدَهُ تُوجَدْ مَكارِمُه / مَدى الزّمانِ ولا تُفْقَدْ مَعاليه
حتّى يكونَ أبوكمْ آيةً نُسِخَتْ / لَفْظاً وما نُسِجَتْ منه معانيه
نِثارُ مِثْلي إذا ما جاءَ يُهْديهِ
نِثارُ مِثْلي إذا ما جاءَ يُهْديهِ / فألْفُ راوٍ له في القومِ يَرْويهِ
إن لم يكُنْ هو نَثْر الدُّر من يدِه / فإنّما هو نَثْرُ الدُّرِّ مِن فيه
دُرٌّ له الدَّهْرَ أَسماعُ الوَرى صَدَفٌ / والفكْرُ منّي له بَحْرٌ يُرَبيّه
مكنونُ يَمٍّ إذا ما مجَّه طَفِقتْ / تجلو الدُّجى بتلاليها لآليه
واللَّيلُ يَشْهَدُ أَنّ الغُرَّ من دُرَري / أَغْلَى وأَسْرَى وأَهْدَى مِن دَراريه
لمّا همَمْتُ بنَظْمٍ ما دَرى قَلَمي / في الكَفِّ ماذا على القِرطاسِ أُمْليه
وقال دُرّي لِمَنْ أَصبَحْتَ تَقْصِدُ بي / غداً وماذا الذي أمسَيْتَ تَنْويه
فقلتُ مْجِلِسَ عزِّ الدّينِ فاستَبَقَتْ / شَوقاً إلى مَدْحِ عُلْياهُ قَوافيه
فما رأَيتُ ولا قَبْلي رأَى أَحَدٌ / كحُسْنها وهْيَ تَبْهَى وَسْطَ نَاديه
وما على خاطري من مَدْحِه كَلَفٌ / ما دام ناظمُ أَلفاظي مَعانيه
لمّا تَنظَّم عِقْدٌ منه نِيطَ عُلاً / يجِيدِ مَجْدٍ تُحَلِّيهِ مَساعيه
العِقْدُ حَلاّهُ فَضْلاً جِيدُ لابسِه / لا الجِيدُ حلاّهُ حُسْناً عِقْدُ مُهْديه
مَجْدٌ لدولةِ مَولَى النّاسِ قاطبة / أَدناهُ منه لصِدْقِ النُّصحِ مُدْنيه
كُلٌّ من النّاس قد أَضحَى مُهنِّئَهُ / بما مِنَ المُلْكِ وَلاّه مُوليّه
بُشرَى لإقْليمنا أَن قد غدا وإلى / أقلامِنا مُسْنداً عِزّاً تُواليه
أَقلامُه السُّودُ آثاراً إذا سطَرَتْ / في الطِّرْسِ والبيضُ آثاراً تُجاريه
وَقَلَّ أعمالُ خُوزِسْتانَ مَنزلةً / عن أَنْ يكونَ بها تُهدي تَهانيه
لكنّنا إنّنا نَعْني بتَهْنئةٍ / نُفوسَنا حيثُ أَقْبَلْنا نُهنِّيه
فمُؤْذِنٌ بصلاحِ النّاسِ قد عَلِموا / إذا همُ أَصبحوا ممّن يُراعيه
ما الخُوزُ إلاّ كغاب غابَ ضَيْغَمُه / فثارَ شِبْلٌ له غَضْبانُ يَحْميه
عَرينُ مُلْكٍ مَنيعاً كان آوِنةً / عِزّاً بكَوْنِ أَبي أَشبالِه فيه
فقام شِبْلٌ له مُستأسِدٌ حَمِسٌ / أَضحَى مكانَ أَبيه اليومَ يَأْويه
غَضَنْفَرٌ ظَفِرٌ أَضحَى له ظُفُرٌ / بَراهُ من نابتِ الآجامِ باريه
ما غابَ عن غابِه يوماً لصَيْدِ عُلاً / وناب عن نابِه سَيفٌ يُعَرّيه
إلاّ وصادَ به حَمْداً وشاد به / مَجداً وزاد به عَدّاً مَساعيه
يا مَن زِمامُ الزّمانِ الصّعْبِ في يَدِه / فكيف ما شاء أَنْ يَمْشي يُمشِّيه
ما النّاسُ إلاّ رميمٌ أنت باعِثُه / والمُلْكُ إلاّ ذَماءٌ أنت مُبْقيه
كَنَّوْا أباك أبا عيسى فأنت إذَن / عيسى إذا حقّقَ المَعْنَى مُكَنّيه
واليومَ سُكّانُ خُوزِسْتانَ كلُّهمُ / مَوْتَى يَقيناً وكُلٌّ أنت مُحييه
كَعازَرٍ ألْفُ ألْفٍ مَيّتون بها / كُلٌّ يُؤَمِّلُ عَدْلاً منك يُحْييه
فصَدِّقِ الجِدَّ في مَعْنىً رآك له / أهْلاً وحَقِّقْ له ما كان يَعْنيه
تُعَدُّ إعجازَ دينٍ قد دُعيتَ له / عزّاً فأوسَعْتَ إعزازاً لأَهْليه
يا مَنْ نَداهُ إلى الإفْضالِ أسْبَقُ من / سُؤالِ عافيهِ أو تَأميلِ راجيه
قَرينُه الجُودُ حتّى ما يُفارِقُه / كأنّما جُودُه ظِلٌّ يُماشيه
لمّا أظلَّتْ ديارَ الخُوزِ رأيتَه / قُرباً ونَبأهم عنه مُنَبِّيه
تَوقّفَ العارِضُ الهَطّالُ مُنتظراً / وُرُودَ موكبه العالي مَراقيه
حتّى إذا عَمّتِ البُشْرى وقيل لقد / حَلّتْ مَواكبُه حَلَّتْ عَزاليه
قال السّحابُ وما حَقٌّ لذي كرَمٍ / إلاّ وذو كَرَمٍ في الخَلْقِ يَقْضيه
هو الّذي عَلَّمتْني الجودَ أنملُه / فكيف مَعْ قُرْبِه أرضَى بسَبْقيه
ما إنْ أرى أدَباً منّي تَقَدَّمَه / وقد بدا لي وَميضٌ مِن تَدانيه
بلْ لم أُرِدْ وَصلَكمْ من بَعْدِ هَجْرِكمُ / لمّا حدا شَطْرَ خُوزِستانَ حاديه
إلاّ لأَقصِدَ إكراماً لمَوْرِده / لَثْمي ثرىً طَرْفُه بالنَّعلِ واطيه
والِ الجميلَ إذا أَوْلَيْتَ تَحْظَ به / فليس تُوليهِ إلاّ مَن تُواليه
كم ظَهْرِ أَرْضٍ منَ التقّبيل أُحْرَمُه / بظَهْرِ كَفٍّ منَ الوُفّادِ يُدْنيه
تُبدي التَّواضُعَ للزّوّارِ من كرَمٍ / طَبْعاً فتَزْدَادُ عُظْماً حينَ تُبديه
ولو رأَى في الكَرى ما نِلّتُه أَحَدٌ / لَهَزَّ ما عاشَ عِطْفُيْهِ منَ التِّيه
يا ماجداً نال غاياتِ العُلا وقَضَى / باريه أَلاّ يُرَى خَلْقٌ يُباريه
لمّا أَبَى اللهُ إلاّ أَن يُمَلِّكَه / ما قَصَّر النّاسُ طُرّاً عن تَمَنّيه
قال العِدا حَسَداً هذا نهايتُه / فقلتُ لا تَغْلَطوا هذا مَباديه
مَلِكٌ أَغَرُّ من الأملاكِ ذو هِمَمٍ / إلى المَحامدِ يَدعو الدَّهْرَ داعيه
قد أصبحَ اليومَ خُوزِسْتانُ جِيدَ عُلاً / بِعِقْدِ أَيّامهِ أَضحَى يُحَلّيه
من أَجلِ نومِ الرَّعايا آمنينَ به / لا يَكْحَلُ العَيْنَ غُمْضاً في لياليه
راعٍ لنا العَدْلُ والإحسانُ سيرتُه / لذلكَ اللهُ طولَ الدَّهرِ راعيه
ومُشْتري الشُّكْرِ بالإنعامِ نائلُه / والشُّكرُ أَشْرفُ ما الإنسانُ يَشْريه
فأعطِ يا صَدْرُ إدراري وخُذْ دُرَري / يا خَيْرَ آخذِ مَرْضيٍّ ومُعْطيه
واسْمَعْ جَميلَ ثناءٍ عن خُلوصِ هَوىً / على لسانِ جَناني فيكَ يُلْقيه
ألا فَقلِّدْ حُساماً مَن تُصادِقُه / منها وطَوِّقْ حُساماً مَنْ تُعاديه
لازلْتَ تَلْبَسُ أَعياداً وتَخْلَعُها / وتَنْشُرُ الدَّهْرَ في النُّعْمَى وتَطْويه
حتّى يَصِحَّ اعْتقادُ النّاسِ كُلِّهمُ / أَنّ الزّمانَ جَديدٌ أَنت مُبْلِيه
مُصاحِباً إخوةً أَصبحتَ مجدَهمُ / كُلٌّ بكلٍّ يَهُزُّ العِطْفَ من تِيه
ودام ظلُّ أَثيرِ الدّينِ يَجْمَعُكمْ / فما رأَتْ مَلِكاً عيَنْي تُساميه
بدْرٌ وأَنجمُ لَيْلٍ حوله زُهُرٌ / يَجْرونُ في فَلَكٍ جَمٍ معاليه
في نعمةٍ ونعيمٍ وادِعينَ معاً / ما دام لَيْلٌ له صُبْحٌ يُجَلِّيه
وما بدا فَرقَدٌ في الأُفْقِ مُشْتَهرٌ / لفَرقدٍ آخَرٍ كُفْؤاً يُواخيه
شِبْتُ أَنا والتحَى حبيبي
شِبْتُ أَنا والتحَى حبيبي / حتّى برَغْمي سلَوْتُ عنْهُ
فابيضَّ ذاك السّوادُ منّي / واسودَّ ذاك البياضُ مِنْه
وُقّيتَ ما فيكَ أَتَّقيهِ
وُقّيتَ ما فيكَ أَتَّقيهِ / ونِلْتَ ما النَّفْسُ تَرتَجيهِ
وأُعْمِيَتْ عنك عَيْنُ دَهرٍ / خُطوبُه تَنْتقي بَنيه
وزادكَ اللهُ كُلَّ فَضْلٍ / يَفُتُّ أَكبادَ حاسديه
ونِلْتَ من صَفْوِ كُلِّ عِزٍّ / ما مثْلُ عُلْياكَ يَقْتَضيه
ولا تَزلْ حيث كنتَ غَيْثاً / يَمْطُرُ بالسّعْدِ شائميه
يا راحلاً والفؤادُ منّي / يَظلُّ أَدْنَى مُسايريه
وَدِدْتُ لو كنتُ حيثُ قلبي / فكنتُ من بَعْضِ حَاضريه
وأين مِمّا أَوَدُّ دَهْري / وأَين ما الحُرُّ يَشْتَهيه
أَقْعدَني عن ذُراكَ حتّى / حُرِمْتُ ما عَمَّ زائريه
صَومٌ أتاني وفِيَّ ضَعْفٌ / من مَرَضٍ كنتُ أَشْتَكيه
والصّومُ يُرخي القَوِيَّ أَيضاً / فكيف حالُ الضَّعيفِ فيه
كان المُنَى إذ تَقَضَّى ما عَهِدْناهُ
كان المُنَى إذ تَقَضَّى ما عَهِدْناهُ / لو كنتَ تَذكُرُهُ أو كنتَ تَنْساهُ
فلو تَذكَّرتَه ناجَيْتَ صاحبَه / ولو تَناسَيْتَه ما ذُقتَ بَلْواهُ
وكيف يَنْسى هوَى الأحبابِ ذو كَلَفٍ / لم يَطْرِفِ العَيْنَ إلاّ هاجَ ذِكْراه
مُغرَى الجفونِ بطَيْفِ الغادرين به / فلو سلا قَلْبُه لم تَسْلُ عَيْناه
هو الخيالُ الّذي يَسْري لموعدِه / فيُقْمرُ اللّيلُ للسّاري بمَسْراه
في البِيِد بُعْدٌ وفي أحبابِنا بَخَلٌ / فمَن هَداهُ ومَن يا قومُ أهْداه
سَرَى إلى سرِّ ليلٍ في جَوانحه / إذا ابتغَتْهُ عُيونُ القوم أخْفاه
أمالَهُ النّوم في ثِنْيَيْ حمائلهِ / ووسَّدَتْه يداً إحْدى مَطاياه
من بَعْدِ كُلِّ يَمانٍ كان يَشْهَرهُ / بما يشاءُ مَن بعَيْنَيْه ويُمْناه
وقَلَّ في حَرْبِ مَنْ تَلْقاهُ فكْرتُه / فيما به من هوَى مَن ليس يَلْقاه
لو كان بالدَّهرِ ما بيَ منه أعجَزَني / حتّى تَسُدَّ به الأسماعَ شَكْواه
وإنّما من رزايا الدَّهرِ واحدةٌ / أنْ يأنفِ الحُرُّ من شَكْوى رزاياه
لعلّ أُخْرَى اللّيالي أن تُساعِفَنا / فليس كُلُّ صُبابِ النَّيْل أُولاه
إنَّ الزّمانَ على ما فيهِ من نُوَبٍ / تَمُرُّ مَرّاً على الإنسانِ حالاه
فكم يَخافُ الفتى مَن كان يَأْملُه / وكم يُرجّي الفتَى مَن كان يَخْشاه
ما فاتَني قَطُّ أَدْنَى الأمرِ أَقْصدُه / إلاّ وأَدركتُ بعدَ الصّبْرِ أَعْلاه
مَخائلُ المجدِ فيما سرْتُ أَطْلُبُه / بها سلا القلْبُ عمّا بِتُّ أَهْواه
وبالأميرِ ولَثْمي للعُلا يَدَهُ / عن الحبيبِ ولَثْمي للهوَى فاه
لم يُبْقِ في القلبِ تَقْبيلي أَناملَه / هَوًى لثَغْرٍ وإن طابَتْ ثَناياه
ذاك البَنانُ الّذي أدنَى مَواهِبه / يُطبِّقُ الدّينَ والدُّنيا بنُعْماه
لثَمْتُه ونظَمْتُ القولَ أَمدَحُه / ولم أَكنْ لأُجيدَ المَدْحَ لَولاه
وإنّما هو بحرٌ غاصَ فيه فَمي / فجاء بالدُّرِّ منه ثُمَّ أَهْداه
للهِ أَنت بهاءَ المُلْكِ مِن مَلكٍ / له من الفخرِ أَقْصاهُ وأَدْناه
لو لم يَرِثْ كُلَّ هذا المجدِ أَوَّلُه / كَفاه من ذاك ما نالَتْه كَفّاه
واليُمنُ أَجمَعُ موصولٌ بيُمْناهُ / واليُسرُ أَجمَعُ مأمولٌ بيُسْراه
والدّهرُ ثُلْمتُه في أَخْذِ مُدَّتِه / والمُلْكُ مَفْخرُه في خَطِّ طُغْراه
يأتي الكتابُ به والعِزُّ طَيَّبَه / حتّى كأنَّ الّذي أَملاهُ أَعْداه
إذا بدا من بَعيدٍ فالخُطا قُبَلٌ / إليه في الأرضِ والأقدامُ أَفواه
لابُدَّ مِن أَن تَخِرَّ الهامُ ساجدةً / إن لم تكُنْ مِن مُطيعيهِ فقَتْلاه
لمّا دُعيتَ بهاءَ المُلْكِ كنتَ له / فَخْراً على كُلِّ مَلْكٍ كان باهاه
ومُذْ دُعيتَ ظهيرَ الدّينِ صار حِمىً / إذا تَعرَّضَ للباغي تَحاشاه
ومُذْ دُعيتَ كمالَ الدّولةِ اعتدلَتْ / برَأْيكَ المُنْتَضَى في الخَطْبِ سَيْفاه
ومُذْ دُعيتَ جمالَ الملّةِ ابْتَهَجَتْ / بوَجْهِك المُدَّعي للبَدْرِ مَرْآه
أَلقابُ مَجدٍ كسَتْ عُلياكَ مَنْطقَها / صدْقاً فجاء كأَنَّ اللهَ أَوْحاه
وحُسْنُ لَفْظٍ على ما لا خفاءَ به / لكنَّ أَحسنَ منه حُسْنُ مَعْناه
لقد حلَلْتَ من السُّلطانِ مَنزلةً / تَناولتْ من رفيعِ المَجْدِ أَقْصاه
حمَيْتَ دولتَه فاعتزَّ جانبُها / وذُدْتَ عن مُلْكه فاشتدَّ رُكْناه
وبَركَيارُقُ فيك اليومَ مُلْتَمِسٌ / ما في أَبيكَ رأَى قِدْماً مَلِكْشاه
فدُمْتُما مثلما داما على نَسَقٍ / ولا تَزولا كما زالا بعُقْباه
ولا سعَى فيكما بالبَغْيِ ذو حَسدٍ / إلاّ وردَّ عليه اللهُ مَسْعاه
ولا عدا المَرْقَدَ المَغْبوطَ ساكنُه / مُضاعفٌ من صَلاةِ اللهِ يَغْشاه
وأَنت أحيَيْتَ من أَخلاقِ سُؤْدَدِه / وقد مضَى ما على التَّحقيقِ أَحْياه
لقد فقَدْناهُ مَعْدوماً مُقارِنُه / وجئْتَنا فكأنّا ما فَقدْناه
نازعْتَه الشَّبْهَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ / حتّى لَما زِدْتَنا لو كنتَ إيّاه
ولا يُعَدُّ نظامُ المُلكِ مُنْقَطِعاً / ما دام مثْلُك فينا من بَقاياه
خُلقْتَ بينَ بَنيهِ الغُرِّ واسطةً / من حَوْلها الدُّرُّ ملْءَ العِقْدِ يَزْهاه
كلٌّ نَفيسٌ فليس الفَرقُ بينكما / إلاّ بأنّك فَرْدٌ وهْيَ أَشْباه
ونَسألُ اللهَ جَمْعَ الشَّمْلِ بينكمُ / فذاك أَشْرَفُ شَمْلٍ يَجْمَعُ الله
فزاد نعمةَ مَوْلانا وضاعفَها / لدينِ كُلِّ فتىً منّا ودُنْياه
وَلْيَهْنِه العِيدُ أَعني الدّهْرَ أَجمعَهُ / وقد تَساوى به في الحُسْن وَقْتاه
ولم نَخُصَّ له يوماً بتَهْنئةٍ / أَيّامُه كلُّها مِمّا نُهنّاه
أَعيادُ عامكَ يا عبد الرّحيم أَتَتْ / بعِدَّةِ اسْمِك فيما قد حَسِبْناه
أَمّا وقد سَعدت عَيْني بطَلْعتهِ / وأدركَ القَلْبُ منها ما تَمنّاه
فلا طلبْتَ سواه بعدَ رُؤْيته / لا يَحْسُنُ العَبْدُ إلاّ عند مَوْلاه

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025