المجموع : 12
راق الزَمان وَقَد رَقّت سَجاياهُ
راق الزَمان وَقَد رَقّت سَجاياهُ / وَالبشر أَسفر بِالبُشرى مَحيّاهُ
وَالقَلب قَد شاقه صَفوُ الوُجود كَما / جَلى العُيون تَجلّى حسنُ مرآه
اللَه أَكبر ما أَبهى تَناوُلَنا / كَأس السُرور وَما أَحلى حميّاه
فَجَمعُنا آنسٌ وَالصَدر منشرحٌ / وَكلنا فاخر بِالمَجد تيّاه
بَين المنى وَالتَهاني كُلنا فَرِحٌ / يَضمنا كنفٌ نسمو بعلياه
يقلُّنا من وَطيد الأَمن منبسطٌ / يُظلُّنا شاملٌ وَالعز وَالجاه
فقم بنا نغتنم فالدَهر مبتسمٌ / وَالعَصر وَالمصر صفو النصر حَيّاه
فَاليَوم عيد جلوس الشَهم ذي المنن ال / قصوى الخديويّ أَعلا شَأنه اللَه
ذاك الخديو الَّذي مصرٌ بِهِ عرفت / أَمنَ الجَناب لِما يَرعى رَعاياه
بِالحَزم في عَزمه أَجرى الأُمور كَما / يُسابق الجدّ ما توحي نَواياه
برقةٍ وَاعتدالٍ في حكومته / لا عدل تبكي وَلا ظلم فتخشاه
للدين حكمٌ عليه نافذٌ أبَداً / وَحكمه نافذ في أَمر دُنياه
فَحبذاك خديوينا الجَليل لَقَد / بَرَّا بِنا جدُّه فينا وَجَدواه
فَهَنِّ مصرَ وَمن فيها بعيد عُلاً / أَعاده اللَه في عز وَأَبقاه
وَدام ما دامَت الدُنيا وَبهجتُها / كَما يَشاء مِن الدُنيا وَيَهواه
يا حُسنَ ليلٍ ضجيعي أغيدٌ ولَهُ
يا حُسنَ ليلٍ ضجيعي أغيدٌ ولَهُ / عزُّ الملوك ولي ذلُّ المماليكِ
حتى إذا رقَّ لي راق الزمانُ به / وقلت يا ليلتي عاشت مواليك
وبتُّ إذ بات يوليني أفوز به / سلطانَ حسن ارتضى بعضَ الصعاليك
عَين دَعاها الهَوى نَبَّهَها
عَين دَعاها الهَوى نَبَّهَها / نَفس شجاها الجَوى دلَّهَها
وَالوَرق تَشدو عَلى أَغصانِها / وَمَن سَقى الراح لي موّهَها
كَأَنَّها النُور تهدى للصفا / لَو يُنصف الخَمر من شبَّهها
يا حَبَّذا من جلى كاساتها / أَضحكها بَعدما قهقهها
طف نَحوي بِالكَأس لي وَاسقني / فَقَد صفت وَالهَوى وَجَّهها
أَعزُّ عيشٍ وَأَهنا ما نعمتَ به
أَعزُّ عيشٍ وَأَهنا ما نعمتَ به / ممّا تزيّنه الدُنيا وَما فيها
مدامةٌ لا تَرى إِلا تموُّجَها / في عَقل شاربها أَو كفّ ساقيها
أَولا فرايةُ عزٍّ أَنتَ رافعُها / أَولا فدَولةُ ملكٍ أَنتَ حاميها
هذا هوَ العُمر لا ما قيل في كتبٍ / فاغنم حياتك لا تجهل فتفنيها
وَلا تخف زلةً فاللَهُ غافرُها / بِالعَفو كافلُها بالفضل كافيها
تذكرتْ مهجتي من كانَ يؤويها
تذكرتْ مهجتي من كانَ يؤويها / فَأَرسلت أَعيني بِالدَمع ترثيها
لَولا الدُموعُ تَلافَت ما استشاط بها / جابت مديدَ النَوى من لوعةٍ فيها
هم جيرتي بالحمى قَد كُنتُ جارهمُ / يا حسنَها مدّةً سرّت مباديها
أَلفتُهم وَالهَوى تحلو مناهلُه / للواردين فترويهم صوافيها
حَيث الصبا رَوضة وَالأنس نضرتها / وَالغيد أَغصانُها وَالقَلبُ شاديها
أَيام وَصل هيَ الأَعيادُ من زَمَني / وَلَيلة القَدر قَد كانتَ لَياليها
آها لها مدّةً راقت فما بَقيت / إِلا الأَحاديثُ عَنها نحنُ نَرويها
سَمحت بِالرُوح لَو عادَت أَوائلُها / وَحبذا إن أَكُن بِالرُوح أُرضيها
أَو ليتَها لَم تَكُن إِذ كانَ يَعقبُها / نارُ الفراق عَلى الأَحشاء تبريها
كَم أستردّ الليالي وَهيَ تمنعني / وَكَم أُروّع عَنها وَالمُنى فيها
ما كانَ يُقنعنا مِنها تَواصلُنا / حَتّى قَنعنا بذكرانا تُمنّيها
يا دَهرنا حَيث كانَ البين منحتماً / فَلِم تؤلفُ أَحباباً فَتشجيها
ما لي وَللعيد لا خلٌّ أُنادمُه / وَلا خَليلةُ صدقٍ قَد أُناجيها
وَكَم أُضاحكُ وَالأَحشاءُ باكيةٌ / في حَسرةٍ غَير أَنّ الحَزم يُخفيها
وَاللَه لَولا الأَماني ما صبرتُ عَلى / مرّ الحَياة وَلا صاحبتُ أَهليها
لَكنها عللتني في النَوى زَمَناً / فيا لَها مُهجةً أَبقت أَمانيها
فَأَسهر الجون إِن طالَت وَإِن قصرت / بعبرة عبرة للدَهر أَبكيها
وَقَد جَفاني الكَرى حَتّى جَفَوتُ فَلو / وَاصلتُه لرأَيتُ الحب تشبيها
أَو كُنت أَقضي حَياتي بعدهم حلُماً / لا خَير في مدّة باليَأس أَقضيها
بَينا أَنا في رياض الحُسن أَنظرُها
بَينا أَنا في رياض الحُسن أَنظرُها / إِذا أَنا نائياً عَنها أُفكرها
حَبيبة لفؤادي لا أَطيق لَها / بُعداً وَلكنني للوصل أَهجرها
رَحلت عَنها وفي الأَحشاء بي فكرٌ / أَحتالُ أكتمُها وَالحالُ تُظهرها
وَلا تسل ما بقلبي إِذ أُودّعُهم / في ساعة لَيس لي عزمٌ أُعبرها
فَرُبّ قائلةٍ لي وَهيَ باكيةٌ / هَل بَعد يَومك هذي الدار تذكرها
فَقُلتُ إِني بحبل اللَه معتصمٌ / عندي الظنون وَمَولانا يقدّرها
وَسرت وَالبيد قرطاسٌ أَنا قلمٌ / الدَمع يُملي وَكفُّ السَير يَسطرها
وَقُلت يا وَصلةً وَاللَه يحفظها / وَنعمةً لا أَزال الدَهرَ أَشكرها
أَعاد هَذا النَوى قُرباً مفرّقنا / فَكَم عَلينا لَهُ نعمى يُكرّرها
جَواهرُ المَجد صونُ العَرض أَغلاها
جَواهرُ المَجد صونُ العَرض أَغلاها / وَرتبةُ الجد عِندَ النَفس أَعلاها
وَغايةُ الفَوز في الأَيام محمدةٌ / إِذا فَني وَبها في الدَهر أَبقاها
وَصَفوةُ العَيش في نَيلِ القَناعةِ لَو / تَيسّرت لمرجّيها فصافاها
وَالنَفس قَد خابَ من دسَّى لطافتها / وَأَفلح المرء فيها حَيث ذكاها
وَإن أَعدى العِدا من ظل يضحكها / وَإن أَوفى صَديق كان أَبكاها
لَو أَن أَضيع أَوقات الرجال سُدى / أَيام صَفو تسيء الخَتم حسناها
وَإن أنحس أَيام لنا سلفت / بها شرين الهَوى غَيّاً وَبعناها
وَالنَفس إن صلحت فَالناس كلهم / أَحبابها وَمَتى تفسد فأعداها
وَربما جهلت حيناً وإن علمت / بأن مسعدها بالغيّ أَشقاها
وَالنَفس لَوّامة تنهى وَقد هُديت / كأن مرشدها في الحَزم أَغواها
وَالنَفس أَمّارة بالسوء طاعتها / سهلٌ وَلكنها صعب قضاياها
وَالنَفس قَد أُلهمت معنى الفجور كما / قَد أُلهمت رشدَها الناجي وَتَقواها
وَالنَفس إن شرفت كانت مَلائكة / أَربابها وَارتضى الرحمن مسعاها
وَالنَفس إن خَبثت كانت مراتبها / دُون البهيمة واللذات مرعاها
فاطلب بها شرفاً تضحى بهِ ملكاً / في صُورة الأنس وَالإِنسان فحواها
وَاقصد بتنزيهك الأَخلاق ما وَصلت / لَهُ النُفوس الَّتي المَولى تَولاها
وَاقصد بقوّة عدل ضعف ظالمة / يموت بالذل من بالعز أَحياها
وَادفع بجلب الرضا آلام غاضبة / فكل ما يغضب الديان أَرضاها
وَصُن حياتك عن مَوت اليَقين فَما / تَصفو بَغير مبادى الحَق عُقباها
وَخف وَساوسَ شَيطان الهَوى فَلَكَم / تَجني الوساوس في تخريب مأواها
وَاحذر مدى الدَهر إغراء المحال وَكُن / معززاً بجلال الزهد تيّاها
إن النفوس وإن أَكدى تنقُّلُها / فَلَيسَ تُبقي أَمانيها مناياها
كذا النَصيحة مهما عز سامعها / فَأَمرُها عند عقب الأَمر أَحلاها
فَكمل النفس كَي تَرقى الكَمال بها / فَإنما أَنتَ بعض الترب لَولاها
وَاستعمل السمع والأبصار في حكم / فَكَم حقائق تبدو في خَفاياها
فيم التذلل فيما أَنتَ تاركُه / وَقد رَأَيت مع الأَمثال أَشباها
هوّن عليك فخير العَيش ما نعمت / بهِ الخَواطر في الدُنيا وَأَرضاها
ما العَيش في نعم كالعير في بشم / تبغي المَراعي وَما تَرعاه أَفناها
فَالنَفس في فاقة ما دمتَ في طَمعٍ / فَإِن قنعت فبعض الكل أَغناها
إن عشت فالرزق مكفولٌ وَغايةُ ما / تخشى الرموس وَيَوماً أَنتَ تَغشاها
فارفق بنفسك واطلب حسنَ راحتِها / وَذر غرورَ الأَماني وَاتَّق الله
وَلَستُ أَنهاك عن نَيل الفَخار إِذا / أَعملت فيما اقتضاه المالَ وَالجاها
ما أَحسن النَفس إِن صانَت مكارمَها / مع حفظها دينها تدبير دُنياها
وَلَست تُدرك مَعنى النَفس إن غفلت / وَلَست تجهل إِن أَدركت مَعناها
وَقَد يَهولك أَمر في عَواقبه / من بعدما راقنا في العَين مبداها
إِياك تَهوي بك الآمال عن حذر / فَقد تحيد عَن المَغنى مَطاياها
فَمن غدا في الهَوى راحَت عزيمته / وفاته من حَياة الخلد أَهناها
وَمَن يَكُن بدؤه هينٌ وَغايتُه / مَوتٌ فَما صَفوة فيها تَمناها
يا رَوضة القبر حيَّى اللَه نازلةً
يا رَوضة القبر حيَّى اللَه نازلةً / فيها وجاد رضى الرحمن مغناها
عليك منا سلامُ اللَه ما طلعت / شمسٌ وأسفر بدرٌ عن محيّاها
أمست بحيك أضيافٌ مكرمةٌ / فاكرم منازلها وانعَمْ بلقياها
وقل لزوارها فيما تؤرخه / نجيبةٌ فاز عندَ اللَه مثواها
ابدأ بنفسك فاظهر كنهَ خافيها
ابدأ بنفسك فاظهر كنهَ خافيها / فالآن تستيقظ الأيام غافيها
نعى التلغرافُ لا دقّت سنابكُه / أرضَ القلوبِ فقد أَردى بواديها
قيل الفراقُ فما أغنت مجمجمةٌ / في الصدر إلا ترقت عن تراقيها
عمَّ المصاب فضجّت كلُّ باكية / وكلُّ باك تُفدّيه ويَفديها
عزَّ الفقيد فهان الدمعُ وارتفعت / أصوات خافضة الأعناق تبكيها
فاسودَّ وجه الضحى مما ألمَّ به / وابيضَّ فرعُ الدجى من هول داهيها
ضجَّ الوجود فقال الناس قاطبة / أشُقَّت الأرض أم مُدَّت أقاصيها
يا صاحبيَّ وأوقاتُ السرور مضت / أيامها وقضى بالحتف ماضيها
يا صاحبيَّ وقد مد الزمان يداً / شلت يدُ المجد فانجابت أياديها
يا صاحبي وقد عادى الهنا فئةً / يفيئها كم أقال الدهر راجيها
يا صاحبي وخير العمر ما سلفت / أوقاته وقصيُّ الدار دانيها
ما لي أَرى صورة الدنيا وزينتها / تغيرت لا كما كنّا نرجيها
ما لي أَرى الزُّهرَ صرعى في مطالعها / ترنو بأعين مفجوعٍ دراريها
ما لي أَرى الشُّمَّ لم تشمخ بواذخُها / كأنما اجتثها القهارُ بانيها
ما لي أَرى كلَّ شيء في الوجود غدا / لا يؤنس النفسَ حتى في تخليها
ما لي أَرى المحفل الموقور جانبُه / زالت معانيه إذ مالت مبانيها
ما لي أَرى الجحفل المرهوب حومتُه / مدت إليه يد الدنيا تماديها
نعم أَرى رجلاً تحيى به أممٌ / إذ مات ماتت وإن عاشت بواكيها
نعم أَرى جبلاً كانت تقرُّ به / أَرضُ الوجود تردَّى في مهاويها
نعم أَرى قمراً كنا ننير به / ليلَ الخطوب إذا ما جنّ داجيها
نعم أَرى سيداً كان الزَمان به / أَوقات أنس يروق النفس ناديها
نعم أَرى بطلاً يحمي النزيلَ به / بالموت ضيم فمن للحي يحميها
نعم أَرى بحرَ من يأتمُّ باحتَه / فيرتوي من نفوس الناس صاديها
نعم أَرى ماجداً ضنَّ البقاءُ به / عَلى الليالي فخانتها مساعيها
نعم أَرى بارعاً مات الكلام لما / قد مات فاطَّرَحَ الأقوال منشيها
فقاصِ أو دانِ ما تهوى وتحذره / فالأرض سيان قاصيها ودانيها
وأصبر لدنياك إن جدت وإن هزلت / فالآنَ سافلُها ساوى أعاليها
واخضع لما تقتضي الاقدار كيف جرت / فلست دافعها إن رام راميها
فلا حياةٌ ولا موتٌ تؤمِّل ذي / أو تتقي ذاك سيان عواديها
ولا سرورٌ ولا حزنٌ فقد فُقِدا / لا النفس تلهو ولا الدُنيا تمنيها
كيف الحياة بلا يأسٍ ولا أملٍ / خلِّي الحياةَ التي طابت لأهليها
ويح الوجود ققد أودى به عدمٌ / ويل الليالي فقد ولت صواليها
فقل عفاءٌ على الدنيا وساكنها / ما أقرب الحال من تحويل حاليها
تبكي البواكي وتبكي الباكياتُ على / دهرٍ تولى لها قد كان يوليها
كم دون هاتكة الأستار خاشعة ال / أبصار خافية الأسرار تبديها
كم بين بهرة جمع من عيون شجىً / قد أوقف الحزن للبلوى مجاريها
كم مهجة مزَّقت طوقَ النهى جزعاً / كم أنفس ذهَبَت تترى أمانيها
كم منطق أعجمت إعرابه نوبٌ / تجري العبارات والعبرات ترويها
شُقَّت قلوبٌ كما شقت جيوبُهمُ / وبُلِّغت أنفسٌ مرقى ترقيها
ترى المدامع تروي كلَّ صادية / وكلَّ صاد فتظميه وتظميها
سالت بأودية الوجنات هامرةً / من العيون وهوجُ الوجد يزجيها
أنفاسها صعدت أكبادها فجرت / دمعاً ففجّر مبكاها مآقيها
تردمت إثره الأفراح فانبعثت / بموته حسرةٌ تبقى ونفنيها
وبعثرت لوعة الأحشاء حين ثَوى / وضل رشدُ رجالٍ غاب هاديها
نبِّه أخا الرشد عيناً في حجاب هوى / فما حقيقتها ما أنتَ راميها
وانظر لمبدئك الفاني وغايته / يهون عندك باقيها وفانيها
وارجع لنشئتك الأولى بتبصرة / تهديك للنشئة الأخرى مباديها
وافْقَهْ هِيُولَى وجودٍ كم تَناوبها / من صورةٍ لا يكاد الدهر يبقيها
وليس في عِلْم كنهِ الأمر من طمعٍ / وإن تفنَّنتَ تمويهاً وتوجيها
طوراً تَسُرُّ الفتى دنياه خادعةً / وقد أكنَّت له حُزناً أَوانيها
وتارةً يجمع الأحباب زخرفُها / كيما تفرقهم عقبى تلقِّيها
فمن جهالةِ ذي الآمال صحبتُهُ / جونَ الليالي التي يغتال ساجيها
لو أن نفساً درت ماذا أكنَّ غدٌ / مابات يدفعها للغيِّ غاويها
أو كنت ناظرَ سرِّ الغيب شاهدَه / غطت مظاهر حسناها مساويها
نلهو ونطرب والآمال تندبُنا / ويهدم الجد ما بالجد تبنيها
نهوى ونضحك والأعمار باكيةٌ / على ليالٍ ستبلينا ونبليها
نزهى ونمرح تيهاً في ميادنها / لغاية كلُّنا يخشى تدانيها
فاعجب لعيس على جهل يسير بها / ساري القضاء وحادي الموت حاديها
كتائبٌ تتهادى في تنقُّلها / لم تدرعقبى رحيلٍ في تهاديها
من التراب ابتدت تسعى فتنزل في / دارِ الفنا ثم تجفوها لداعيها
وجودُنا طرفاه بينَنا عدمٌ / لكنها أنفسٌ شتّى مساعيها
فما توقف هذا الركب عن سفرٍ / إلا على حاجة للدهر يقضيها
وما يروق اللقا إلا ليعقبه / مُرُّ الفراق لغايات سيجزيها
ما أبعد الصفوَ في الدُنيا بلا كدرٍ / وما أغر المنى فيما تعانيها
إن الحياة مجالٌ للهموم فمن / يخشى المصائب فليحذر نواحيها
ترضيك ساعاتُها حينا إذا غفلت / حتى إذا انتبهت عادت بعاديها
ويستهيجك زوراً حسنُ منظرِها / حتى إذا انكشفت راعت مخابيها
وللنفوس بإخوان الصفا طربٌ / وإنما صفوُها بالأُنس ناعيها
وللقلوب مع الأحباب ملعبةٌ / تهوى اللقا وتعاديها أعاديها
وكم تُرَوَّحُ أرواحٌ بِخِلِّ وفاً / والبينُ يغدرُها فيمن يوفّيها
تقر عيناك بالأحباب غافيةً / عن عين دنياك إن حلت عواديها
سيان في نظرةٍ أَمعنتَ رائقةٍ / من التداني وروعٍ من تنائيها
سيان إن أقبلت أو أدبرت فلقد / ولّت أوائلها الحسنى ويكفيها
سيان إن جادت الدُنيا وإن بخلت / ما دامت الغاية القصوى تَخلّيها
سيان إن جمعت أو فرّقت وصفت / أو كدّرت فقليلٌ ما تصافيها
سيان إن حاربت أو سالمت فلها / صدرٌ تعوَّد ما يردي فيرضيها
سيان إن آنست أو أوحشت فلقد / أبان سيرتَها فينا تواليها
سيان إن أسرعت أو أبطأت نِسَمٌ / فالعمر غايتُها والموت لاقيها
سيان إن ودعت أو سلمت أممٌ / فإنما غصّةُ الدنيا لراجيها
سيان والت وولت قاربَت بَعُدت / فلا سبيل لحي أن يُحييها
سيان والت علينا أو لنا وقضت / قد استوى اليوم مقضيها وقاضيها
وهل كدنياك دارٌ قد يحذّرنا / حُلولُها برحيلٍ عن مغانيها
دار الأسى كلّما صافيتَها كَدُرَت / وكلما رمتَها ناءت دوانيها
تاللَه لولا انحلالٌ وانعقادُك ما / نالت بسائطُها تركيبَ زاهيها
شاهت وجوهٌ وحلّت ثَمّةَ انعقدت / أُخرى ليبدو لنا معنى تجلّيها
مظاهرٌ تتوالى والحقيقةُ لا / تفنى ولو فَنيت يوماً فتاليها
وظاهرُ الوجه غيرُ الكنهِ تشهدُه / أبصارنا ولقد تخفى معانيها
لولا التغير ما راقتك رائقةٌ / عن الحياة ولا ألهى تجلّيها
لولا التحول في الأحوال ما بلغت / بنا العوالم تحسيناً وتشويها
لولا التبدل ما آلت لنا عُصُرٌ / تتيه فيمن مضى من قبلنا تيها
لولا حياةٌ وموتٌ سابقينِ لنا / لم يَزهُ زاهٍ ولم يحزن معزّيها
لولا تداولها الأيام ما سمحت / ولا استردت ولا غرّت مواليها
لولا عبور الألى ولّوا لما وصلت / بنا المطايا إلى المغنى وواديها
قومٌ على إثر قومٍ لا سبيل إلى / نيلِ البقاء وإن جدت أمانيها
دارٌ متى حلها قومٌ تُقرِّبُهم / لغيرها وهي تَهوَى من يوافيها
كأنما الناس في الدنيا وإن فرحوا / أشكالهم في خيالات مرائيها
هذا يحذّر ذا ممّا ألمَّ به / وذاكَ يُنذر هذا من تجنّيها
والكل فيها بتغرير المنى دَنِفٌ / يهوى الحياةَ وإن عادت عواديها
يا ويحَ مرشدها يهتاج غاويها / وويلَ غافلها يبكيه غافيها
لا الكأس سائغةٌ في كف دائرة / ولا العيون ترى من ذاك يسقيها
تاللَه لو عرف الصلد الجليد هدىً / ما دام حيناً عَلى دنيا يواخيها
ماذا الَّذي ترك الأصواتَ خاشعةً / وصيّرَ الأعينَ الحُمَّى تجاريها
ماذا الذي مزق الأصوات صادعةً / ماذا الَّذي غير الدُنيا ويشنيها
مازلزلت أرضنا مازال عالمنا / ما شُقّقت من سما الدنيا مبانيها
ما عُطِّلت حركاتُ الدور ما سكنت / للخافقين رياشٌ من خوافيها
ما حل منطقة الأفلاك موجدُها / ما رتَّق الفتقَ في الأكوان مبديها
ماذاك إلا مصاب قد ألمَّ بها / فزال باذخها وانهاض راسيها
قالوا لقد مات شاهينٌ فقلتُ لهم / اليوم قد ماتت الدنيا وما فيها
فعز ما شئت من مجدٍ ومن شرفٍ / فإنَّ خالي المنى نافاه حاليها
وذر دموعك تجري في الثرى بدمٍ / فالآن أرخص سوق الموت غاليها
مات الجلالُ ومات الجد فاجتمعا / في حفرة تزدهي الدنيا بآويها
عَزِّ العيونَ فلا واللَه ما نظرت / وليس تنظر مثل اليوم تَمْرِيها
عزِّ المحافل فيمن كان بهجتَها / عزِّ الجحافل مات الآن حاميها
ماتَ ابنُ كنجٍ فلا سيفٌ ولا قلمٌ / اللَه يرحمها ماتت معاليها
مات ابن كنج فلا صفوٌ نحاببه / صروف دنيا وإن جارت نعاديها
مات ابن كنج فلا بيضٌ نقلدها / وليس سمرٌ تُعالينا عواليها
مات ابن كنج فلا يأسٌ ولا أملٌ / ولا أمانيُّ نفسٍ لا نعانيها
مات ابن كنج فلا ذوقٌ ولا أدبٌ / فخلِّها يشغل الألباب خاليها
مات ابن كنج فلا همٌّ ولا هممٌ / إلا وعكس قضاياها يساويها
مات ابن كنج فلا رشدٌ ولا حكمٌ / إلا وأَثْبَتَ خطبٌ ما ينافيها
مات ابن كنج فلا لطفٌ ولا شممٌ / ولا أيادٍ تمد الناس أيديها
يا سيداً لم تدع للناس مكرمةً / إلا وعنك رواها اليوم راويها
يا واحداً لم تُبَعْ في الناس مأثرةٌ / إلا وكنت بقد الروح تشريها
يا ماجداً طالما اعتزت بمدحته / أبياتُنا وتناهت في تباهيها
ذا المنطق العذب والصدر الرحيب عَلى / ما يثبت الدهر أحوالاً ويمحوها
أبكيك ما بقيت روحٌ مرددةٌ / في جسم ذي لوعةٍ والعمرُ يشقيها
أبكيك حتى ألاقي ما لقيتَ فما / أَنساك ما نسى الأحبابَ ناسيها
يا سيدي وعزيزي كيف راقك أن / ترى الجماهير صرعى لا تُحيّيها
طال اغترابُك دأبَ الشمس في شرف / الشرقُ يصبحها والغربُ يمسيها
ثم انقضت غربةُ المحيا إلى وطن / آثاره راحةُ البلوى تُعفّيها
واستؤنفت غربةٌ أخرى يطول بها / عمرُ البِعاد إلى نشرٍ ليطويها
فاعجب لها غربةً في أوبةٍ قُضيت / وافزع لساعةِ لُقيا كنت ترجوها
كان اغترابٌ وكان العود منتظراً / وصدعةُ البين مأمولاً تلاقيها
فما على الدهر لو أبقى لنا أمداً / من اللقا فأراح الروح راثيها
لكنها قِسَمٌ جاءت بها حِكَمٌ / ما بيننا ليس إلا اللَه يدريها
فاعذر فديتك من تدري محبتَه / واحفظ عهودي فإني عنكَ واعيها
تلك الحقوق سنبقيها وإن فنيت / أو متَّ عنها فإني عنك أحييها
ستزدهي بك آثارٌ مكرمةٌ / العمر كاتبها والدهر قاريها
وتعتلي بك أبياتٌ مشيدةٌ / من القريض وإن خانت قوافيها
عليك مني سلامُ اللَه ما حللت / جون الليالي وما شابت نواصيها
عليك مني سلامُ اللَه ما بقيت / أحزانُ نفسي وما أبكى تأسيها
فاغنم نعيم خلودٍ لا فناءَ له / برحمة اللَه إن اللَه موليها
وانعم بها جنة قالت مؤرخة / شاهين في جنةٍ نعمَ البقا فيها
لما جفاني وصدَّ عني
لما جفاني وصدَّ عني / وهان أمر الهَوى لديه
زجرت عند الفؤاد حَتّى / أطرت ثم ارتمى عليه
هذي مواقيت أنسي واجتلا طربي
هذي مواقيت أنسي واجتلا طربي / بين الأحبة قد كنا نحييها
واليوم لا مؤنس إلا تذكرها / فالقلب يذكرها والعين تبكيها
لا تفرحنَّ ولا تحزن لطارئةٍ
لا تفرحنَّ ولا تحزن لطارئةٍ / فالأمر مبدؤُه تتلوه عُقباهُ
ولا تَخف مدلهمّاً من تصرُّفِها / فلن يَكُون سِوى ما قَدر اللَهُ