القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : حسن الطّويراني الكل
المجموع : 12
راق الزَمان وَقَد رَقّت سَجاياهُ
راق الزَمان وَقَد رَقّت سَجاياهُ / وَالبشر أَسفر بِالبُشرى مَحيّاهُ
وَالقَلب قَد شاقه صَفوُ الوُجود كَما / جَلى العُيون تَجلّى حسنُ مرآه
اللَه أَكبر ما أَبهى تَناوُلَنا / كَأس السُرور وَما أَحلى حميّاه
فَجَمعُنا آنسٌ وَالصَدر منشرحٌ / وَكلنا فاخر بِالمَجد تيّاه
بَين المنى وَالتَهاني كُلنا فَرِحٌ / يَضمنا كنفٌ نسمو بعلياه
يقلُّنا من وَطيد الأَمن منبسطٌ / يُظلُّنا شاملٌ وَالعز وَالجاه
فقم بنا نغتنم فالدَهر مبتسمٌ / وَالعَصر وَالمصر صفو النصر حَيّاه
فَاليَوم عيد جلوس الشَهم ذي المنن ال / قصوى الخديويّ أَعلا شَأنه اللَه
ذاك الخديو الَّذي مصرٌ بِهِ عرفت / أَمنَ الجَناب لِما يَرعى رَعاياه
بِالحَزم في عَزمه أَجرى الأُمور كَما / يُسابق الجدّ ما توحي نَواياه
برقةٍ وَاعتدالٍ في حكومته / لا عدل تبكي وَلا ظلم فتخشاه
للدين حكمٌ عليه نافذٌ أبَداً / وَحكمه نافذ في أَمر دُنياه
فَحبذاك خديوينا الجَليل لَقَد / بَرَّا بِنا جدُّه فينا وَجَدواه
فَهَنِّ مصرَ وَمن فيها بعيد عُلاً / أَعاده اللَه في عز وَأَبقاه
وَدام ما دامَت الدُنيا وَبهجتُها / كَما يَشاء مِن الدُنيا وَيَهواه
يا حُسنَ ليلٍ ضجيعي أغيدٌ ولَهُ
يا حُسنَ ليلٍ ضجيعي أغيدٌ ولَهُ / عزُّ الملوك ولي ذلُّ المماليكِ
حتى إذا رقَّ لي راق الزمانُ به / وقلت يا ليلتي عاشت مواليك
وبتُّ إذ بات يوليني أفوز به / سلطانَ حسن ارتضى بعضَ الصعاليك
عَين دَعاها الهَوى نَبَّهَها
عَين دَعاها الهَوى نَبَّهَها / نَفس شجاها الجَوى دلَّهَها
وَالوَرق تَشدو عَلى أَغصانِها / وَمَن سَقى الراح لي موّهَها
كَأَنَّها النُور تهدى للصفا / لَو يُنصف الخَمر من شبَّهها
يا حَبَّذا من جلى كاساتها / أَضحكها بَعدما قهقهها
طف نَحوي بِالكَأس لي وَاسقني / فَقَد صفت وَالهَوى وَجَّهها
أَعزُّ عيشٍ وَأَهنا ما نعمتَ به
أَعزُّ عيشٍ وَأَهنا ما نعمتَ به / ممّا تزيّنه الدُنيا وَما فيها
مدامةٌ لا تَرى إِلا تموُّجَها / في عَقل شاربها أَو كفّ ساقيها
أَولا فرايةُ عزٍّ أَنتَ رافعُها / أَولا فدَولةُ ملكٍ أَنتَ حاميها
هذا هوَ العُمر لا ما قيل في كتبٍ / فاغنم حياتك لا تجهل فتفنيها
وَلا تخف زلةً فاللَهُ غافرُها / بِالعَفو كافلُها بالفضل كافيها
تذكرتْ مهجتي من كانَ يؤويها
تذكرتْ مهجتي من كانَ يؤويها / فَأَرسلت أَعيني بِالدَمع ترثيها
لَولا الدُموعُ تَلافَت ما استشاط بها / جابت مديدَ النَوى من لوعةٍ فيها
هم جيرتي بالحمى قَد كُنتُ جارهمُ / يا حسنَها مدّةً سرّت مباديها
أَلفتُهم وَالهَوى تحلو مناهلُه / للواردين فترويهم صوافيها
حَيث الصبا رَوضة وَالأنس نضرتها / وَالغيد أَغصانُها وَالقَلبُ شاديها
أَيام وَصل هيَ الأَعيادُ من زَمَني / وَلَيلة القَدر قَد كانتَ لَياليها
آها لها مدّةً راقت فما بَقيت / إِلا الأَحاديثُ عَنها نحنُ نَرويها
سَمحت بِالرُوح لَو عادَت أَوائلُها / وَحبذا إن أَكُن بِالرُوح أُرضيها
أَو ليتَها لَم تَكُن إِذ كانَ يَعقبُها / نارُ الفراق عَلى الأَحشاء تبريها
كَم أستردّ الليالي وَهيَ تمنعني / وَكَم أُروّع عَنها وَالمُنى فيها
ما كانَ يُقنعنا مِنها تَواصلُنا / حَتّى قَنعنا بذكرانا تُمنّيها
يا دَهرنا حَيث كانَ البين منحتماً / فَلِم تؤلفُ أَحباباً فَتشجيها
ما لي وَللعيد لا خلٌّ أُنادمُه / وَلا خَليلةُ صدقٍ قَد أُناجيها
وَكَم أُضاحكُ وَالأَحشاءُ باكيةٌ / في حَسرةٍ غَير أَنّ الحَزم يُخفيها
وَاللَه لَولا الأَماني ما صبرتُ عَلى / مرّ الحَياة وَلا صاحبتُ أَهليها
لَكنها عللتني في النَوى زَمَناً / فيا لَها مُهجةً أَبقت أَمانيها
فَأَسهر الجون إِن طالَت وَإِن قصرت / بعبرة عبرة للدَهر أَبكيها
وَقَد جَفاني الكَرى حَتّى جَفَوتُ فَلو / وَاصلتُه لرأَيتُ الحب تشبيها
أَو كُنت أَقضي حَياتي بعدهم حلُماً / لا خَير في مدّة باليَأس أَقضيها
بَينا أَنا في رياض الحُسن أَنظرُها
بَينا أَنا في رياض الحُسن أَنظرُها / إِذا أَنا نائياً عَنها أُفكرها
حَبيبة لفؤادي لا أَطيق لَها / بُعداً وَلكنني للوصل أَهجرها
رَحلت عَنها وفي الأَحشاء بي فكرٌ / أَحتالُ أكتمُها وَالحالُ تُظهرها
وَلا تسل ما بقلبي إِذ أُودّعُهم / في ساعة لَيس لي عزمٌ أُعبرها
فَرُبّ قائلةٍ لي وَهيَ باكيةٌ / هَل بَعد يَومك هذي الدار تذكرها
فَقُلتُ إِني بحبل اللَه معتصمٌ / عندي الظنون وَمَولانا يقدّرها
وَسرت وَالبيد قرطاسٌ أَنا قلمٌ / الدَمع يُملي وَكفُّ السَير يَسطرها
وَقُلت يا وَصلةً وَاللَه يحفظها / وَنعمةً لا أَزال الدَهرَ أَشكرها
أَعاد هَذا النَوى قُرباً مفرّقنا / فَكَم عَلينا لَهُ نعمى يُكرّرها
جَواهرُ المَجد صونُ العَرض أَغلاها
جَواهرُ المَجد صونُ العَرض أَغلاها / وَرتبةُ الجد عِندَ النَفس أَعلاها
وَغايةُ الفَوز في الأَيام محمدةٌ / إِذا فَني وَبها في الدَهر أَبقاها
وَصَفوةُ العَيش في نَيلِ القَناعةِ لَو / تَيسّرت لمرجّيها فصافاها
وَالنَفس قَد خابَ من دسَّى لطافتها / وَأَفلح المرء فيها حَيث ذكاها
وَإن أَعدى العِدا من ظل يضحكها / وَإن أَوفى صَديق كان أَبكاها
لَو أَن أَضيع أَوقات الرجال سُدى / أَيام صَفو تسيء الخَتم حسناها
وَإن أنحس أَيام لنا سلفت / بها شرين الهَوى غَيّاً وَبعناها
وَالنَفس إن صلحت فَالناس كلهم / أَحبابها وَمَتى تفسد فأعداها
وَربما جهلت حيناً وإن علمت / بأن مسعدها بالغيّ أَشقاها
وَالنَفس لَوّامة تنهى وَقد هُديت / كأن مرشدها في الحَزم أَغواها
وَالنَفس أَمّارة بالسوء طاعتها / سهلٌ وَلكنها صعب قضاياها
وَالنَفس قَد أُلهمت معنى الفجور كما / قَد أُلهمت رشدَها الناجي وَتَقواها
وَالنَفس إن شرفت كانت مَلائكة / أَربابها وَارتضى الرحمن مسعاها
وَالنَفس إن خَبثت كانت مراتبها / دُون البهيمة واللذات مرعاها
فاطلب بها شرفاً تضحى بهِ ملكاً / في صُورة الأنس وَالإِنسان فحواها
وَاقصد بتنزيهك الأَخلاق ما وَصلت / لَهُ النُفوس الَّتي المَولى تَولاها
وَاقصد بقوّة عدل ضعف ظالمة / يموت بالذل من بالعز أَحياها
وَادفع بجلب الرضا آلام غاضبة / فكل ما يغضب الديان أَرضاها
وَصُن حياتك عن مَوت اليَقين فَما / تَصفو بَغير مبادى الحَق عُقباها
وَخف وَساوسَ شَيطان الهَوى فَلَكَم / تَجني الوساوس في تخريب مأواها
وَاحذر مدى الدَهر إغراء المحال وَكُن / معززاً بجلال الزهد تيّاها
إن النفوس وإن أَكدى تنقُّلُها / فَلَيسَ تُبقي أَمانيها مناياها
كذا النَصيحة مهما عز سامعها / فَأَمرُها عند عقب الأَمر أَحلاها
فَكمل النفس كَي تَرقى الكَمال بها / فَإنما أَنتَ بعض الترب لَولاها
وَاستعمل السمع والأبصار في حكم / فَكَم حقائق تبدو في خَفاياها
فيم التذلل فيما أَنتَ تاركُه / وَقد رَأَيت مع الأَمثال أَشباها
هوّن عليك فخير العَيش ما نعمت / بهِ الخَواطر في الدُنيا وَأَرضاها
ما العَيش في نعم كالعير في بشم / تبغي المَراعي وَما تَرعاه أَفناها
فَالنَفس في فاقة ما دمتَ في طَمعٍ / فَإِن قنعت فبعض الكل أَغناها
إن عشت فالرزق مكفولٌ وَغايةُ ما / تخشى الرموس وَيَوماً أَنتَ تَغشاها
فارفق بنفسك واطلب حسنَ راحتِها / وَذر غرورَ الأَماني وَاتَّق الله
وَلَستُ أَنهاك عن نَيل الفَخار إِذا / أَعملت فيما اقتضاه المالَ وَالجاها
ما أَحسن النَفس إِن صانَت مكارمَها / مع حفظها دينها تدبير دُنياها
وَلَست تُدرك مَعنى النَفس إن غفلت / وَلَست تجهل إِن أَدركت مَعناها
وَقَد يَهولك أَمر في عَواقبه / من بعدما راقنا في العَين مبداها
إِياك تَهوي بك الآمال عن حذر / فَقد تحيد عَن المَغنى مَطاياها
فَمن غدا في الهَوى راحَت عزيمته / وفاته من حَياة الخلد أَهناها
وَمَن يَكُن بدؤه هينٌ وَغايتُه / مَوتٌ فَما صَفوة فيها تَمناها
يا رَوضة القبر حيَّى اللَه نازلةً
يا رَوضة القبر حيَّى اللَه نازلةً / فيها وجاد رضى الرحمن مغناها
عليك منا سلامُ اللَه ما طلعت / شمسٌ وأسفر بدرٌ عن محيّاها
أمست بحيك أضيافٌ مكرمةٌ / فاكرم منازلها وانعَمْ بلقياها
وقل لزوارها فيما تؤرخه / نجيبةٌ فاز عندَ اللَه مثواها
ابدأ بنفسك فاظهر كنهَ خافيها
ابدأ بنفسك فاظهر كنهَ خافيها / فالآن تستيقظ الأيام غافيها
نعى التلغرافُ لا دقّت سنابكُه / أرضَ القلوبِ فقد أَردى بواديها
قيل الفراقُ فما أغنت مجمجمةٌ / في الصدر إلا ترقت عن تراقيها
عمَّ المصاب فضجّت كلُّ باكية / وكلُّ باك تُفدّيه ويَفديها
عزَّ الفقيد فهان الدمعُ وارتفعت / أصوات خافضة الأعناق تبكيها
فاسودَّ وجه الضحى مما ألمَّ به / وابيضَّ فرعُ الدجى من هول داهيها
ضجَّ الوجود فقال الناس قاطبة / أشُقَّت الأرض أم مُدَّت أقاصيها
يا صاحبيَّ وأوقاتُ السرور مضت / أيامها وقضى بالحتف ماضيها
يا صاحبيَّ وقد مد الزمان يداً / شلت يدُ المجد فانجابت أياديها
يا صاحبي وقد عادى الهنا فئةً / يفيئها كم أقال الدهر راجيها
يا صاحبي وخير العمر ما سلفت / أوقاته وقصيُّ الدار دانيها
ما لي أَرى صورة الدنيا وزينتها / تغيرت لا كما كنّا نرجيها
ما لي أَرى الزُّهرَ صرعى في مطالعها / ترنو بأعين مفجوعٍ دراريها
ما لي أَرى الشُّمَّ لم تشمخ بواذخُها / كأنما اجتثها القهارُ بانيها
ما لي أَرى كلَّ شيء في الوجود غدا / لا يؤنس النفسَ حتى في تخليها
ما لي أَرى المحفل الموقور جانبُه / زالت معانيه إذ مالت مبانيها
ما لي أَرى الجحفل المرهوب حومتُه / مدت إليه يد الدنيا تماديها
نعم أَرى رجلاً تحيى به أممٌ / إذ مات ماتت وإن عاشت بواكيها
نعم أَرى جبلاً كانت تقرُّ به / أَرضُ الوجود تردَّى في مهاويها
نعم أَرى قمراً كنا ننير به / ليلَ الخطوب إذا ما جنّ داجيها
نعم أَرى سيداً كان الزَمان به / أَوقات أنس يروق النفس ناديها
نعم أَرى بطلاً يحمي النزيلَ به / بالموت ضيم فمن للحي يحميها
نعم أَرى بحرَ من يأتمُّ باحتَه / فيرتوي من نفوس الناس صاديها
نعم أَرى ماجداً ضنَّ البقاءُ به / عَلى الليالي فخانتها مساعيها
نعم أَرى بارعاً مات الكلام لما / قد مات فاطَّرَحَ الأقوال منشيها
فقاصِ أو دانِ ما تهوى وتحذره / فالأرض سيان قاصيها ودانيها
وأصبر لدنياك إن جدت وإن هزلت / فالآنَ سافلُها ساوى أعاليها
واخضع لما تقتضي الاقدار كيف جرت / فلست دافعها إن رام راميها
فلا حياةٌ ولا موتٌ تؤمِّل ذي / أو تتقي ذاك سيان عواديها
ولا سرورٌ ولا حزنٌ فقد فُقِدا / لا النفس تلهو ولا الدُنيا تمنيها
كيف الحياة بلا يأسٍ ولا أملٍ / خلِّي الحياةَ التي طابت لأهليها
ويح الوجود ققد أودى به عدمٌ / ويل الليالي فقد ولت صواليها
فقل عفاءٌ على الدنيا وساكنها / ما أقرب الحال من تحويل حاليها
تبكي البواكي وتبكي الباكياتُ على / دهرٍ تولى لها قد كان يوليها
كم دون هاتكة الأستار خاشعة ال / أبصار خافية الأسرار تبديها
كم بين بهرة جمع من عيون شجىً / قد أوقف الحزن للبلوى مجاريها
كم مهجة مزَّقت طوقَ النهى جزعاً / كم أنفس ذهَبَت تترى أمانيها
كم منطق أعجمت إعرابه نوبٌ / تجري العبارات والعبرات ترويها
شُقَّت قلوبٌ كما شقت جيوبُهمُ / وبُلِّغت أنفسٌ مرقى ترقيها
ترى المدامع تروي كلَّ صادية / وكلَّ صاد فتظميه وتظميها
سالت بأودية الوجنات هامرةً / من العيون وهوجُ الوجد يزجيها
أنفاسها صعدت أكبادها فجرت / دمعاً ففجّر مبكاها مآقيها
تردمت إثره الأفراح فانبعثت / بموته حسرةٌ تبقى ونفنيها
وبعثرت لوعة الأحشاء حين ثَوى / وضل رشدُ رجالٍ غاب هاديها
نبِّه أخا الرشد عيناً في حجاب هوى / فما حقيقتها ما أنتَ راميها
وانظر لمبدئك الفاني وغايته / يهون عندك باقيها وفانيها
وارجع لنشئتك الأولى بتبصرة / تهديك للنشئة الأخرى مباديها
وافْقَهْ هِيُولَى وجودٍ كم تَناوبها / من صورةٍ لا يكاد الدهر يبقيها
وليس في عِلْم كنهِ الأمر من طمعٍ / وإن تفنَّنتَ تمويهاً وتوجيها
طوراً تَسُرُّ الفتى دنياه خادعةً / وقد أكنَّت له حُزناً أَوانيها
وتارةً يجمع الأحباب زخرفُها / كيما تفرقهم عقبى تلقِّيها
فمن جهالةِ ذي الآمال صحبتُهُ / جونَ الليالي التي يغتال ساجيها
لو أن نفساً درت ماذا أكنَّ غدٌ / مابات يدفعها للغيِّ غاويها
أو كنت ناظرَ سرِّ الغيب شاهدَه / غطت مظاهر حسناها مساويها
نلهو ونطرب والآمال تندبُنا / ويهدم الجد ما بالجد تبنيها
نهوى ونضحك والأعمار باكيةٌ / على ليالٍ ستبلينا ونبليها
نزهى ونمرح تيهاً في ميادنها / لغاية كلُّنا يخشى تدانيها
فاعجب لعيس على جهل يسير بها / ساري القضاء وحادي الموت حاديها
كتائبٌ تتهادى في تنقُّلها / لم تدرعقبى رحيلٍ في تهاديها
من التراب ابتدت تسعى فتنزل في / دارِ الفنا ثم تجفوها لداعيها
وجودُنا طرفاه بينَنا عدمٌ / لكنها أنفسٌ شتّى مساعيها
فما توقف هذا الركب عن سفرٍ / إلا على حاجة للدهر يقضيها
وما يروق اللقا إلا ليعقبه / مُرُّ الفراق لغايات سيجزيها
ما أبعد الصفوَ في الدُنيا بلا كدرٍ / وما أغر المنى فيما تعانيها
إن الحياة مجالٌ للهموم فمن / يخشى المصائب فليحذر نواحيها
ترضيك ساعاتُها حينا إذا غفلت / حتى إذا انتبهت عادت بعاديها
ويستهيجك زوراً حسنُ منظرِها / حتى إذا انكشفت راعت مخابيها
وللنفوس بإخوان الصفا طربٌ / وإنما صفوُها بالأُنس ناعيها
وللقلوب مع الأحباب ملعبةٌ / تهوى اللقا وتعاديها أعاديها
وكم تُرَوَّحُ أرواحٌ بِخِلِّ وفاً / والبينُ يغدرُها فيمن يوفّيها
تقر عيناك بالأحباب غافيةً / عن عين دنياك إن حلت عواديها
سيان في نظرةٍ أَمعنتَ رائقةٍ / من التداني وروعٍ من تنائيها
سيان إن أقبلت أو أدبرت فلقد / ولّت أوائلها الحسنى ويكفيها
سيان إن جادت الدُنيا وإن بخلت / ما دامت الغاية القصوى تَخلّيها
سيان إن جمعت أو فرّقت وصفت / أو كدّرت فقليلٌ ما تصافيها
سيان إن حاربت أو سالمت فلها / صدرٌ تعوَّد ما يردي فيرضيها
سيان إن آنست أو أوحشت فلقد / أبان سيرتَها فينا تواليها
سيان إن أسرعت أو أبطأت نِسَمٌ / فالعمر غايتُها والموت لاقيها
سيان إن ودعت أو سلمت أممٌ / فإنما غصّةُ الدنيا لراجيها
سيان والت وولت قاربَت بَعُدت / فلا سبيل لحي أن يُحييها
سيان والت علينا أو لنا وقضت / قد استوى اليوم مقضيها وقاضيها
وهل كدنياك دارٌ قد يحذّرنا / حُلولُها برحيلٍ عن مغانيها
دار الأسى كلّما صافيتَها كَدُرَت / وكلما رمتَها ناءت دوانيها
تاللَه لولا انحلالٌ وانعقادُك ما / نالت بسائطُها تركيبَ زاهيها
شاهت وجوهٌ وحلّت ثَمّةَ انعقدت / أُخرى ليبدو لنا معنى تجلّيها
مظاهرٌ تتوالى والحقيقةُ لا / تفنى ولو فَنيت يوماً فتاليها
وظاهرُ الوجه غيرُ الكنهِ تشهدُه / أبصارنا ولقد تخفى معانيها
لولا التغير ما راقتك رائقةٌ / عن الحياة ولا ألهى تجلّيها
لولا التحول في الأحوال ما بلغت / بنا العوالم تحسيناً وتشويها
لولا التبدل ما آلت لنا عُصُرٌ / تتيه فيمن مضى من قبلنا تيها
لولا حياةٌ وموتٌ سابقينِ لنا / لم يَزهُ زاهٍ ولم يحزن معزّيها
لولا تداولها الأيام ما سمحت / ولا استردت ولا غرّت مواليها
لولا عبور الألى ولّوا لما وصلت / بنا المطايا إلى المغنى وواديها
قومٌ على إثر قومٍ لا سبيل إلى / نيلِ البقاء وإن جدت أمانيها
دارٌ متى حلها قومٌ تُقرِّبُهم / لغيرها وهي تَهوَى من يوافيها
كأنما الناس في الدنيا وإن فرحوا / أشكالهم في خيالات مرائيها
هذا يحذّر ذا ممّا ألمَّ به / وذاكَ يُنذر هذا من تجنّيها
والكل فيها بتغرير المنى دَنِفٌ / يهوى الحياةَ وإن عادت عواديها
يا ويحَ مرشدها يهتاج غاويها / وويلَ غافلها يبكيه غافيها
لا الكأس سائغةٌ في كف دائرة / ولا العيون ترى من ذاك يسقيها
تاللَه لو عرف الصلد الجليد هدىً / ما دام حيناً عَلى دنيا يواخيها
ماذا الَّذي ترك الأصواتَ خاشعةً / وصيّرَ الأعينَ الحُمَّى تجاريها
ماذا الذي مزق الأصوات صادعةً / ماذا الَّذي غير الدُنيا ويشنيها
مازلزلت أرضنا مازال عالمنا / ما شُقّقت من سما الدنيا مبانيها
ما عُطِّلت حركاتُ الدور ما سكنت / للخافقين رياشٌ من خوافيها
ما حل منطقة الأفلاك موجدُها / ما رتَّق الفتقَ في الأكوان مبديها
ماذاك إلا مصاب قد ألمَّ بها / فزال باذخها وانهاض راسيها
قالوا لقد مات شاهينٌ فقلتُ لهم / اليوم قد ماتت الدنيا وما فيها
فعز ما شئت من مجدٍ ومن شرفٍ / فإنَّ خالي المنى نافاه حاليها
وذر دموعك تجري في الثرى بدمٍ / فالآن أرخص سوق الموت غاليها
مات الجلالُ ومات الجد فاجتمعا / في حفرة تزدهي الدنيا بآويها
عَزِّ العيونَ فلا واللَه ما نظرت / وليس تنظر مثل اليوم تَمْرِيها
عزِّ المحافل فيمن كان بهجتَها / عزِّ الجحافل مات الآن حاميها
ماتَ ابنُ كنجٍ فلا سيفٌ ولا قلمٌ / اللَه يرحمها ماتت معاليها
مات ابن كنج فلا صفوٌ نحاببه / صروف دنيا وإن جارت نعاديها
مات ابن كنج فلا بيضٌ نقلدها / وليس سمرٌ تُعالينا عواليها
مات ابن كنج فلا يأسٌ ولا أملٌ / ولا أمانيُّ نفسٍ لا نعانيها
مات ابن كنج فلا ذوقٌ ولا أدبٌ / فخلِّها يشغل الألباب خاليها
مات ابن كنج فلا همٌّ ولا هممٌ / إلا وعكس قضاياها يساويها
مات ابن كنج فلا رشدٌ ولا حكمٌ / إلا وأَثْبَتَ خطبٌ ما ينافيها
مات ابن كنج فلا لطفٌ ولا شممٌ / ولا أيادٍ تمد الناس أيديها
يا سيداً لم تدع للناس مكرمةً / إلا وعنك رواها اليوم راويها
يا واحداً لم تُبَعْ في الناس مأثرةٌ / إلا وكنت بقد الروح تشريها
يا ماجداً طالما اعتزت بمدحته / أبياتُنا وتناهت في تباهيها
ذا المنطق العذب والصدر الرحيب عَلى / ما يثبت الدهر أحوالاً ويمحوها
أبكيك ما بقيت روحٌ مرددةٌ / في جسم ذي لوعةٍ والعمرُ يشقيها
أبكيك حتى ألاقي ما لقيتَ فما / أَنساك ما نسى الأحبابَ ناسيها
يا سيدي وعزيزي كيف راقك أن / ترى الجماهير صرعى لا تُحيّيها
طال اغترابُك دأبَ الشمس في شرف / الشرقُ يصبحها والغربُ يمسيها
ثم انقضت غربةُ المحيا إلى وطن / آثاره راحةُ البلوى تُعفّيها
واستؤنفت غربةٌ أخرى يطول بها / عمرُ البِعاد إلى نشرٍ ليطويها
فاعجب لها غربةً في أوبةٍ قُضيت / وافزع لساعةِ لُقيا كنت ترجوها
كان اغترابٌ وكان العود منتظراً / وصدعةُ البين مأمولاً تلاقيها
فما على الدهر لو أبقى لنا أمداً / من اللقا فأراح الروح راثيها
لكنها قِسَمٌ جاءت بها حِكَمٌ / ما بيننا ليس إلا اللَه يدريها
فاعذر فديتك من تدري محبتَه / واحفظ عهودي فإني عنكَ واعيها
تلك الحقوق سنبقيها وإن فنيت / أو متَّ عنها فإني عنك أحييها
ستزدهي بك آثارٌ مكرمةٌ / العمر كاتبها والدهر قاريها
وتعتلي بك أبياتٌ مشيدةٌ / من القريض وإن خانت قوافيها
عليك مني سلامُ اللَه ما حللت / جون الليالي وما شابت نواصيها
عليك مني سلامُ اللَه ما بقيت / أحزانُ نفسي وما أبكى تأسيها
فاغنم نعيم خلودٍ لا فناءَ له / برحمة اللَه إن اللَه موليها
وانعم بها جنة قالت مؤرخة / شاهين في جنةٍ نعمَ البقا فيها
لما جفاني وصدَّ عني
لما جفاني وصدَّ عني / وهان أمر الهَوى لديه
زجرت عند الفؤاد حَتّى / أطرت ثم ارتمى عليه
هذي مواقيت أنسي واجتلا طربي
هذي مواقيت أنسي واجتلا طربي / بين الأحبة قد كنا نحييها
واليوم لا مؤنس إلا تذكرها / فالقلب يذكرها والعين تبكيها
لا تفرحنَّ ولا تحزن لطارئةٍ
لا تفرحنَّ ولا تحزن لطارئةٍ / فالأمر مبدؤُه تتلوه عُقباهُ
ولا تَخف مدلهمّاً من تصرُّفِها / فلن يَكُون سِوى ما قَدر اللَهُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025