المجموع : 4
حَسبُ القَوافي وَحَسبي حينَ أُلقيها
حَسبُ القَوافي وَحَسبي حينَ أُلقيها / أَنّي إِلى ساحَةِ الفاروقِ أُهديها
لاهُمَّ هَب لي بَياناً أَستَعينُ بِهِ / عَلى قَضاءِ حُقوقٍ نامَ قاضيها
قَد نازَعَتنِيَ نَفسي أَن أَوَفّيها / وَلَيسَ في طَوقِ مِثلي أَن يُوَفّيها
فَمُر سَرِيَّ المَعاني أَن يُواتِيَني / فيها فَإِنّي ضَعيفُ الحالِ واهيها
مَولى المُغيرَةِ لا جادَتكَ غادِيَةٌ / مِن رَحمَةِ اللَهِ ما جادَت غَواديها
مَزَّقتَ مِنهُ أَديماً حَشوُهُ هِمَمٌ / في ذِمَّةِ اللَهِ عاليها وَماضيها
طَعَنتَ خاصِرَةَ الفاروقِ مُنتَقِماً / مِنَ الحَنيفَةِ في أَعلى مَجاليها
فَأَصبَحَت دَولَةُ الإِسلامِ حائِرَةً / تَشكو الوَجيعَةَ لَمّا ماتَ آسيها
مَضى وَخَلَّفَها كَالطَودِ راسِخَةً / وَزانَ بِالعَدلِ وَالتَقوى مَغانيها
تَنبو المَعاوِلُ عَنها وَهيَ قائِمَةٌ / وَالهادِمونَ كَثيرٌ في نَواحيها
حَتّى إِذا ما تَوَلّاها مُهَدِّمُها / صاح الزَوالُ بِها فَاِندَكَّ عاليها
واهاً عَلى دَولَةٍ بِالأَمسِ قَد مَلَأَت / جَوانِبَ الشَرقِ رَغداً مِن أَياديها
كَم ظَلَّلَتها وَحاطَتها بِأَجنِحَةٍ / عَن أَعيُنِ الدَهرِ قَد كانَت تُواريها
مِنَ العِنايَةِ قَد ريشَت قَوادِمُها / وَمِن صَميمِ التُقى ريشَت خَوافيها
وَاللَهِ ما غالَها قِدماً وَكادَ لَها / وَاِجتَثَّ دَوحَتَها إِلّا مَواليها
لَو أَنَّها في صَميمِ العُربِ قَد بَقِيَت / لَما نَعاها عَلى الأَيّامِ ناعيها
يا لَيتَهُم سَمِعوا ما قالَهُ عُمَرٌ / وَالروحُ قَد بَلَغَت مِنهُ تَراقيها
لا تُكثِروا مِن مَواليكُم فَإِنَّ لَهُم / مَطامِعاً بَسَماتُ الضَعفِ تُخفيها
رَأَيتَ في الدينِ آراءً مُوَفَّقَةً / فَأَنزَلَ اللَهُ قُرآناً يُزَكّيها
وَكُنتَ أَوَّلَ مَن قَرَّت بِصُحبَتِهِ / عَينُ الحَنيفَةِ وَاِجتازَت أَمانيها
قَد كُنتَ أَعدى أَعاديها فَصِرتَ لَها / بِنِعمَةِ اللَهِ حِصناً مِن أَعاديها
خَرَجتَ تَبغي أَذاها في مُحَمَّدِها / وَلِلحَنيفَةِ جَبّارٌ يُواليها
فَلَم تَكَد تَسمَعُ الآياتِ بالِغَةً / حَتّى اِنكَفَأتَ تُناوي مَن يُناويها
سَمِعتَ سورَةَ طَهَ مِن مُرَتِّلِها / فَزَلزَلَت نِيَّةً قَد كُنتَ تَنويها
وَقُلتَ فيها مَقالاً لا يُطاوِلُهُ / قَولُ المُحِبِّ الَّذي قَد باتَ يُطريها
وَيَومَ أَسلَمتَ عَزَّ الحَقُّ وَاِرتَفَعَت / عَن كاهِلِ الدينِ أَثقالٌ يُعانيها
وَصاحَ فيهِ بِلالٌ صَيحَةً خَشَعَت / لَها القُلوبُ وَلَبَّت أَمرَ باريها
فَأَنتَ في زَمَنِ المُختارِ مُنجِدُها / وَأَنتَ في زَمَنِ الصِدّيقِ مُنجيها
كَمِ اِستَراكَ رَسولُ اللَهِ مُغتَبِطاً / بِحِكمَةٍ لَكَ عِندَ الرَأيِ يُلفيها
وَمَوقِفٍ لَكَ بَعدَ المُصطَفى اِفتَرَقَت / فيهِ الصَحابَةُ لَمّا غابَ هاديها
بايَعتَ فيهِ أَبا بَكرٍ فَبايَعَهُ / عَلى الخِلافَةِ قاصيها وَدانيها
وَأُطفِئَت فِتنَةٌ لَولاكَ لَاِستَعَرَت / بَينَ القَبائِلَ وَاِنسابَت أَفاعيها
باتَ النَبِيُّ مُسَجّىً في حَظيرَتِهِ / وَأَنتَ مُستَعِرُ الأَحشاءِ داميها
تَهيمُ بَينَ عَجيجِ الناسِ في دَهَشٍ / مِن نَبأَةٍ قَد سَرى في الأَرضِ ساريها
تَصيحُ مَن قالَ نَفسُ المُصطَفى قُبِضَت / عَلَوتُ هامَتَهُ بِالسَيفِ أَبريها
أَنساكَ حُبُّكَ طَهَ أَنَّهُ بَشَرٌ / يُجري عَلَيهِ شُؤونَ الكَونِ مُجريها
وَأَنَّهُ وارِدٌ لا بُدَّ مَورِدَهُ / مِنَ المَنِيَّةِ لا يُعفيهِ ساقيها
نَسيتَ في حَقِّ طَهَ آيَةً نَزَلَت / وَقَد يُذَكَّرُ بِالآياتِ ناسيها
ذَهِلتَ يَوماً فَكانَت فِتنَةٌ عَمَمٌ / وَثابَ رُشدُكَ فَاِنجابَت دَياجيها
فَلِلسَقيفَةِ يَومٌ أَنتَ صاحِبُهُ / فيهِ الخِلافَةُ قَد شيدَت أَواسيها
مَدَّت لَها الأَوسُ كَفّاً كَي تَناوَلَها / فَمَدَّتِ الخَزرَجُ الأَيدي تُباريها
وَظنَّ كُلُّ فَريقٍ أَنَّ صاحِبَهُم / أَولى بِها وَأَتى الشَحناءَ آتيها
حَتّى اِنبَرَيتَ لَهُم فَاِرتَدَّ طامِعُهُم / عَنها وَأَخّى أَبو بَكرٍ أَواخيها
وَقَولَةٍ لِعَلِيٍّ قالَها عُمَرٌ / أَكرِم بِسامِعِها أَعظِم بِمُلقيها
حَرَقتُ دارَكَ لا أُبقي عَلَيكَ بِها / إِن لَم تُبايِع وَبِنتُ المُصطَفى فيها
ما كانَ غَيرُ أَبي حَفصٍ يَفوهُ بِها / أَمامَ فارِسِ عَدنانٍ وَحاميها
كِلاهُما في سَبيلِ الحَقِّ عَزمَتُهُ / لا تَنثَني أَو يَكونَ الحَقُّ ثانيها
فَاِذكُرهُما وَتَرَحَّم كُلَّما ذَكَروا / أَعاظِماً أُلِّهوا في الكَونِ تَأليها
كَم خِفتَ في اللَهِ مَضعوفاً دَعاكَ بِهِ / وَكَم أَخَفتَ قَوِيّاً يَنثَني تيها
وَفي حَديثِ فَتى غَسّانَ مَوعِظَةٌ / لِكُلِّ ذي نَغرَةٍ يَأبى تَناسيها
فَما القَوِيُّ قَوِيّاً رَغمَ عِزَّتِهِ / عِندَ الخُصومَةِ وَالفاروقُ قاضيها
وَما الضَعيفُ ضَعيفاً بَعدَ حُجَّتِهِ / وَإِن تَخاصَمَ واليها وَراعيها
وَما أَقَلتَ أَبا سُفيانَ حينَ طَوى / عَنكَ الهَدِيَّةَ مُعتَزّاً بِمُهديها
لَم يُغنِ عَنهُ وَقَد حاسَبتَهُ حَسَبٌ / وَلا مُعاوِيَةٌ بِالشامِ يَجبيها
قَيَّدتَ مِنهُ جَليلاً شابَ مَفرِقُهُ / في عِزَّةٍ لَيسَ مِن عِزٍّ يُدانيها
قَد نَوَّهوا بِاِسمِهِ في جاهِلِيَّتِهِ / وَزادَهُ سَيِّدُ الكَونَينِ تَنويها
في فَتحِ مَكَّةَ كانَت دارُهُ حَرَماً / قَد أَمَّنَ اللَهُ بَعدَ البَيتِ غاشيها
وَكُلُّ ذَلِكَ لَم يَشفَع لَدى عُمَرٍ / في هَفوَةٍ لِأَبي سُفيانَ يَأتيها
تَاللَهِ لَو فَعَلَ الخَطّابُ فَعلَتَهُ / لَما تَرَخَّصَ فيها أَو يُجازيها
فَلا الحَسابَةُ في حَقٍّ يُجامِلُها / وَلا القَرابَةُ في بُطلٍ يُحابيها
وَتِلكَ قُوَّةُ نَفسٍ لَو أَرادَ بِها / شُمَّ الجِبالِ لَما قَرَّت رَواسيها
سَل قاهِرَ الفُرسِ وَالرومانِ هَل شَفَعَت / لَهُ الفُتوحُ وَهَل أَغنى تَواليها
غَزى فَأَبلى وَخَيلُ اللَهِ قَد عُقِدَت / بِاليُمنِ وَالنَصرِ وَالبُشرى نَواصيها
يَرمي الأَعادي بِآراءٍ مُسَدَّدَةٍ / وَبِالفَوارِسِ قَد سالَت مَذاكيها
ما واقَعَ الرومَ إِلّا فَرَّ قارِحُها / وَلا رَمى الفُرسَ إِلّا طاشَ راميها
وَلَم يَجُز بَلدَةً إِلّا سَمِعتَ بِها / اللَهُ أَكبَرُ تَدوي في نَواحيها
عِشرونَ مَوقِعَةً مَرَّت مُحَجَّلَةً / مِن بَعدِ عَشرٍ بَنانُ الفَتحِ تُحصيها
وَخالِدٌ في سَبيلِ اللَهِ موقِدُها / وَخالِدٌ في سَبيلِ اللَهِ صاليها
أَتاهُ أَمرُ أَبي حَفصٍ فَقَبَّلَهُ / كَما يُقَبِّلُ آيَ اللَهِ تاليها
وَاِستَقبَلَ العَزلَ في إِبّانِ سَطوَتِهِ / وَمجدِهِ مُستَريحَ النَفسِ هاديها
فَاِعجَب لِسَيِّدِ مَخزومٍ وَفارِسِها / يَومَ النِزالِ إِذا نادى مُناديها
يَقودُهُ حَبَشِيٌّ في عِمامَتِهِ / وَلا تُحَرِّكُ مَخزومٌ عَواليها
أَلقى القِيادَ إِلى الجَرّاحِ مُمتَثِلاً / وَعِزَّةُ النَفسِ لَم تُجرَح حَواشيها
وَاِنضَمَّ لِلجُندِ يَمشي تَحتَ رايَتِهِ / وَبِالحَياةِ إِذا مالَت يُفَدّيها
وَما عَرَتهُ شُكوكٌ في خَليفَتِهِ / وَلا اِرتَضى إِمرَةَ الجَرّاحِ تَمويها
فَخالِدٌ كانَ يَدري أَنَّ صاحِبَهُ / قَد وَجَّهَ النَفسَ نَحوَ اللَهِ تَوجيها
فَما يُعالِجُ مِن قَولٍ وَلا عَمَلٍ / إِلّا أَرادَ بِهِ لِلناسِ تَرفيها
لِذاكَ أَوصى بِأَولادٍ لَهُ عُمَراً / لَمّا دَعاهُ إِلى الفِردَوسِ داعيها
وَما نَهى عُمَرٌ في يَومِ مَصرَعِهِ / نِساءَ مَخزومَ أَن تَبكي بَواكيها
وَقيلَ خالَفتَ يا فاروقُ صاحِبَنا / فيهِ وَقَد كانَ أَعطى القَوسَ باريها
فَقالَ خِفتُ اِفتِتانِ المُسلِمينَ بِهِ / وَفِتنَةُ النَفسِ أَعيَت مَن يُداويها
هَبوهُ أَخطَأَ في تَأويلِ مَقصِدِهِ / وَأَنَّها سَقطَةٌ في عَينِ ناعيها
فَلَن تَعيبَ حَصيفَ الرَأيِ زَلَّتُهُ / حَتّى يَعيبَ سُيوفَ الهِندِ نابيها
تَاللَهِ لَم يَتَّبِع في اِبنِ الوَليدِ هَوىً / وَلا شَفى غُلَّةً في الصَدرِ يَطويها
لَكِنَّهُ قَد رَأى رَأياً فَأَتبَعَهُ / عَزيمَةً مِنهُ لَم تُثلَم مَواضيها
لَم يَرعَ في طاعَةِ المَولى خُؤولَتَهُ / وَلا رَعى غَيرَها فيما يُنافيها
وَما أَصابَ اِبنَهُ وَالسَوطُ يَأخُذُهُ / لَدَيهِ مِن رَأفَةٍ في الحَدِّ يُبديها
إِنَّ الَّذي بَرَأَ الفاروقَ نَزَّهَهُ / عَنِ النَقائِصِ وَالأَغراضِ تَنزيها
فَذاكَ خُلقٌ مِنَ الفِردَوسِ طينَتُهُ / اللَهُ أَودَعَ فيها ما يُنَقّيها
لا الكِبرُ يَسكُنُها لا الظُلمُ يَصحَبُها / لا الحِقدُ يَعرِفُها لا الحِرصِ يُغويها
شاطَرتَ داهِيَةَ السُوّاسِ ثَروَتَهُ / وَلَم تَخَفهُ بِمِصرٍ وَهوَ واليها
وَأَنتَ تَعرِفُ عَمراً في حَواضِرِها / وَلَستَ تَجهَلُ عَمراً في بَواديها
لَم تُنبِتِ الأَرضُ كَاِبنِ العاصِ داهِيَةً / يَرمي الخُطوبَ بِرَأيٍ لَيسَ يُخطيها
فَلَم يُرِغ حيلَةً فيما أَمَرتَ بِهِ / وَقامَ عَمرٌو إِلى الأَجمالِ يُزجيها
وَلَم تُقِل عامِلاً مِنها وَقَد كَثُرَت / أَموالُهُ وَفَشا في الأَرضِ فاشيها
وَما وَقى اِبنُكَ عَبدُ اللَهِ أَينُقَهُ / لَمّا اِطَّلَعتَ عَلَيها في مَراعيها
ها في حِماهُ وَهيَ سارِحَةٌ / مِثلَ القُصورِ قَدِ اِهتَزَّت أَعاليها
فَقُلتَ ما كانَ عَبدُ اللَهِ يُشبِعُها / لَو لَم يَكُن وَلَدي أَو كانَ يُرويها
قَدِ اِستَعانَ بِجاهي في تِجارَتِهِ / وَباتَ بِاِسمِ أَبي حَفصٍ يُنَمّيها
رُدّوا النِياقَ لِبَيتِ المالِ إِنَّ لَهُ / حَقَّ الزِيادَةِ فيها قَبلَ شاريها
وَهَذِهِ خُطَّةٌ لِلَّهِ واضِعُها / رَدَّت حُقوقاً فَأَغنَت مُستَميحيها
ما الاِشتِراكِيَّةُ المَنشودُ جانِبُها / بَينَ الوَرى غَيرَ مَبنىً مِن مَبانيها
فَإِن نَكُن نَحنُ أَهليها وَمَنبِتَها / فَإِنَّهُم عَرَفوها قَبلَ أَهليها
جَنى الجَمالُ عَلى نَصرٍ فَغَرَّبَهُ / عَنِ المَدينَةِ تَبكيهِ وَيَبكيها
وَكَم رَمَت قَسِماتُ الحُسنِ صاحِبَها / وَأَتعَبَت قَصَباتُ السَبقِ حاويها
وَزَهرَةُ الرَوضِ لَولا حُسنُ رَونَقِها / لَما اِستَطالَت عَلَيها كَفُّ جانيها
كانَت لَهُ لِمَّةٌ فَينانَةٌ عَجَبٌ / عَلى جَبينٍ خَليقٍ أَن يُحَلّيها
وَكانَ أَنّى مَشى مالَت عَقائِلُها / شَوقاً إِلَيهِ وَكادَ الحُسنُ يَسبيها
هَتَفنَ تَحتَ اللَيالي بِاِسمِهِ شَغَفاً / وَلِلحِسانِ تَمَنٍّ في لَياليها
جَزَزتَ لِمَّتَهُ لَمّا أُتيتَ بِهِ / فَفاقَ عاطِلُها في الحُسنِ حاليها
فَصِحتَ فيهِ تَحَوَّل عَن مَدينَتِهِم / فَإِنَّها فِتنَةٌ أَخشى تَماديها
وَفِتنَةُ الحُسنِ إِن هَبَّت نَوافِحُها / كَفِتنَةِ الحَربِ إِن هَبَّت سَواقيها
وَراعَ صاحِبَ كِسرى أَن رَأى عُمَراً / بَينَ الرَعِيَّةِ عُطلاً وَهوَ راعيها
وَعَهدُهُ بِمُلوكِ الفُرسِ أَنَّ لَها / سوراً مِنَ الجُندِ وَالأَحراسِ يَحميها
رَآهُ مُستَغرِقاً في نَومِهِ فَرَأى / فيهِ الجَلالَةَ في أَسمى مَعانيها
فَوقَ الثَرى تَحتَ ظِلِّ الدَوحِ مُشتَمِلاً / بِبُردَةٍ كادَ طولُ العَهدِ يُبليها
فَهانَ في عَينِهِ ما كانَ يَكبُرُهُ / مِنَ الأَكاسِرِ وَالدُنيا بِأَيديها
وَقالَ قَولَةَ حَقٍّ أَصبَحَت مَثَلاً / وَأَصبَحَ الجيلُ بَعدَ الجيلِ يَرويها
أَمِنتَ لَمّا أَقَمتَ العَدلَ بَينَهُمُ / فَنِمتُ نَومَ قَريرِ العَينِ هانيها
يا رافِعاً رايَةَ الشورى وَحارِسَها / جَزاكَ رَبُّكَ خَيراً عَن مُحِبّيها
لَم يُلهِكَ النَزعُ عَن تَأييدِ دَولَتِها / وَلِلمَنِيَّةِ آلامٌ تُعانيها
لَم أَنسَ أَمرَكَ لِلمِقدادِ يَحمِلُهُ / إِلى الجَماعَةِ إِنذاراً وَتَنبيها
إِن ظَلَّ بَعدَ ثَلاثٍ رَأيُها شُعَباً / فَجَرِّدِ السَيفَ وَاِضرِب في هَواديها
فَاِعجَب لِقُوَّةِ نَفسٍ لَيسَ يَصرِفُها / طَعمُ المَنِيَّةِ مُرّاً عَن مَراميها
دَرى عَميدُ بَني الشورى بِمَوضِعِها / فَعاشَ ما عاشَ يَبنيها وَيُعليها
وَما اِستَبَدَّ بِرَأيٍ في حُكومَتِهِ / إِنَّ الحُكومَةَ تُغري مُستَبِدّيها
رَأيُ الجَماعَةِ لا تَشقى البِلادُ بِهِ / رَغمَ الخِلافِ وَرَأيُ الفَردِ يُسقيها
يا مَن صَدَفتَ عَنِ الدُنيا وَزينَتِها / فَلَم يَغُرَّكَ مِن دُنياكَ مُغريها
ماذا رَأَيتَ بِبابِ الشامِ حينَ رَأَوا / أَن يُلبِسوكَ مِنَ الأَثوابِ زاهيها
وَيُركِبوكَ عَلى البِرذَونِ تَقدُمُهُ / خَيلٌ مُطَهَّمَةٌ تَحلو مَرائيها
مَشى فَهَملَجَ مُختالاً بِراكِبِهِ / وَفي البَراذينِ ما تُزهى بِعاليها
فَصِحتَ يا قَومُ كادَ الزَهوُ يَقتُلُني / وَداخَلَتنِيَ حالٌ لَستُ أَدريها
وَكادَ يَصبو إِلى دُنياكُمُ عُمَرٌ / وَيَرتَضي بَيعَ باقيهِ بِفانيها
رُدّوا رِكابي فَلا أَبغي بِهِ بَدَلاً / رُدّوا ثِيابي فَحَسبي اليَومَ باليها
وَمَن رَآهُ أَمامَ القِدرِ مُنبَطِحاً / وَالنارُ تَأخُذُ مِنهُ وَهوَ يُذكيها
وَقَد تَخَلَّلَ في أَثناءِ لِحيَتِهِ / مِنها الدُخانُ وَفوهٌ غابَ في فيها
رَأى هُناكَ أَميرَ المُؤمِنينَ عَلى / حالٍ تَروعُ لَعَمرُ اللَهِ رائيها
يَستَقبِلُ النارَ خَوفَ النارِ في غَدِهِ / وَالعَينُ مِن خَشيَةٍ سالَت مَآقيها
إِن جاعَ في شِدَّةٍ قَومٌ شَرِكتَهُمُ / في الجوعِ أَو تَنجَلي عَنهُم غَواشيها
جوعُ الخَليفَةِ وَالدُنيا بِقَبضَتِهِ / في الزُهدِ مَنزِلَةٌ سُبحانَ موليها
فَمَن يُباري أَبا حَفصٍ وَسيرَتَهُ / أَو مَن يُحاوِلُ لِلفاروقِ تَشبيها
يَومَ اِشتَهَت زَوجُهُ الحَلوى فَقالَ لَها / مِن أَينَ لي ثَمَنُ الحَلوى فَأَشريها
لا تَمتَطي شَهَواتِ النَفسِ جامِحَةً / فَكِسرَةُ الخُبزِ عَن حَلواكِ تَجزيها
وَهَل يَفي بَيتُ مالِ المُسلِمينَ بِما / توحي إِلَيكِ إِذا طاوَعتِ موحيها
قالَت لَكَ اللَهُ إِنّي لَستُ أَرزَؤُهُ / مالاً لِحاجَةِ نَفسٍ كُنتُ أَبغيها
لَكِن أُجَنِّبُ شَيئاً مِن وَظيفَتِنا / في كُلِّ يَومٍ عَلى حالٍ أُسَوّيها
حَتّى إِذا ما مَلَكنا ما يُكافِئُها / شَرَيتُها ثُمَّ إِنّي لا أُثَنّيها
قالَ اِذهَبي وَاِعلَمي إِن كُنتِ جاهِلَةً / أَنَّ القَناعَةَ تُغني نَفسَ كاسيها
وَأَقبَلَت بَعدَ خَمسٍ وَهيَ حامِلَةٌ / دُرَيهِماتٍ لِتَقضي مِن تَشَهّيها
فَقالَ نَبَّهتِ مِنّي غافِلاً فَدَعي / هَذي الدَراهِمَ إِذ لا حَقَّ لي فيها
وَيلي عَلى عُمَرٍ يَرضى بِموفِيَةٍ / عَلى الكَفافِ وَيَنهى مُستَزيديها
ما زادَ عَن قوتِنا فَالمُسلِمونَ بِهِ / أَولى فَقومي لِبَيتِ المالِ رُدّيها
كَذاكَ أَخلاقُهُ كانَت وَما عُهِدَت / بَعدَ النُبُوَّةِ أَخلاقٌ تُحاكيها
في الجاهِلِيَّةِ وَالإِسلامِ هَيبَتُهُ / تَثني الخُطوبَ فَلا تَعدو عَواديها
في طَيِّ شِدَّتِهِ أَسرارُ مَرحَمَةٍ / لِلعالَمينَ وَلَكِن لَيسَ يُفشيها
وَبَينَ جَنبَيهِ في أَوفى صَرامَتِهِ / فُؤادُ والِدَةٍ تَرعى ذَراريها
أَغنَت عَنِ الصارِمِ المَصقولِ دِرَّتُهُ / فَكَم أَخافَت غَوِيَّ النَفسِ عاتيها
كانَت لَهُ كَعَصا موسى لِصاحِبِها / لا يَنزِلُ البُطلُ مُجتازاً بِواديها
أَخافَ حَتّى الذَراري في مَلاعِبِها / وَراعَ حَتّى الغَواني في مَلاهيها
أَرَيتَ تِلكَ الَّتي لِلَّهِ قَد نَدَرَت / أُنشودَةً لِرَسولِ اللَهِ تُهديها
قالَت نَذَرتُ لَئِن عادَ النَبِيُّ لَنا / مِن غَزوَةٍ لَعَلى دُفّي أُغَنّيها
وَيَمَّمَت حَضرَةَ الهادي وَقَد مَلَأَت / أَنوارُ طَلعَتِهِ أَرجاءَ ناديها
وَاِستَأذَنَت وَمَشَت بِالدُفِّ وَاِندَفَعَت / تُشجى بِأَلحانِها ما شاءَ مُشجيها
وَالمُصطَفى وَأَبو بَكرٍ بِجانِبِهِ / لا يُنكِرانِ عَلَيها مِن أَغانيها
حَتّى إِذا لاحَ مِن بُعدٍ لَها عُمَرٌ / خارَت قُواها وَكادَ الخَوفُ يُرديها
وَخَبَّأَت دُفَّها في ثَوبِها فَرَقاً / مِنهُ وَوَدَّت لَوَ اِنَّ الأَرضَ تَطويها
قَد كانَ حِلمُ رَسولِ اللَهِ يُؤنِسُها / فَجاءَ بَطشُ أَبي حَفصٍ يُخَشّيها
فَقالَ مَهبِطُ وَحيِ اللَهِ مُبتَسِماً / وَفي اِبتِسامَتِهِ مَعنىً يُواسيها
قَد فَرَّ شَيطانُها لَمّا رَأى عُمَراً / إِنَّ الشَياطينَ تَخشى بَأسَ مُخزيها
وَفِتيَةٍ وَلِعوا بِالراحِ فَاِنتَبَذوا / لَهُم مَكاناً وَجَدّوا في تَعاطيها
ظَهَرتَ حائِطَهُم لَمّا عَلِمتَ بِهِم / وَاللَيلُ مُعتَكِرُ الأَرجاءِ ساجيها
حَتّى تَبَيَّنتَهُم وَالخَمرُ قَد أَخَذَت / تَعلو ذُؤابَةَ ساقيها وَحاسيها
سَفَّهتَ آراءَهُم فيها فَما لَبِثوا / أَن أَوسَعوكَ عَلى ما جِئتَ تَسفيها
وَرُمتَ تَفقيهَهُم في دينِهِم فَإِذا / بِالشَربِ قَد بَرَعوا الفاروقَ تَفقيها
قالوا مَكانَكَ قَد جِئنا بِواحِدَةٍ / وَجِئتَنا بِثَلاثٍ لا تُباليها
فَأتِ البُيوتَ مِنَ الأَبوابِ يا عُمَرٌ / فَقَد يُزَنُّ مِنَ الحيطانِ آتيها
وَاِستَأذِنِ الناسَ أَن تَغشى بُيوتَهُمُ / وَلا تُلِمَّ بِدارٍ أَو تُحَيّيها
وَلا تَجَسَّس فَهَذي الآيُ قَد نَزَلَت / بِالنَهيِ عَنهُ فَلَم تَذكُر نَواهيها
فَعُدتَ عَنهُم وَقَد أَكبَرتَ حُجَّتَهُم / لَمّا رَأَيتَ كِتابَ اللَهِ يُمليها
وَما أَنِفتَ وَإِن كانوا عَلى حَرَجٍ / مِن أَن يَحُجَّكَ بِالآياتِ عاصيها
وَسَرحَةٍ في سَماءِ السَرحِ قَد رَفَعَت / بِبَيعَةِ المُصطَفى مِن رَأسِها تيها
أَزَلتَها حينَ غالَوا في الطَوافِ بِها / وَكانَ تَطوافُهُم لِلدينَ تَشويها
هَذي مَناقِبُهُ في عَهدِ دَولَتِهِ / لِلشاهِدينَ وَلِلأَعقابِ أَحكيها
في كُلِّ واحِدَةٍ مِنهُنَّ نابِلَةٌ / مِنَ الطَبائِعِ تَغذو نَفسَ واعيها
لَعَلَّ في أُمَّةِ الإِسلامِ نابِتَةً / تَجلو لِحاضِرِها مِرآةَ ماضيها
حَتّى تَرى بَعضَ ما شادَت أَوائِلُها / مِنَ الصُروحِ وَما عاناهُ بانيها
وَحَسبُها أَن تَرى ما كانَ مِن عُمَرٍ / حَتّى يُنَبِّهَ مِنها عَينَ غافيها
يا لَيلَةً أَلهَمَتني ما أَتيهُ بِهِ
يا لَيلَةً أَلهَمَتني ما أَتيهُ بِهِ / عَلى حُماةِ القَوافي أَينَما تاهوا
إِنّي أَرى عَجَباً يَدعو إِلى عَجَبٍ / الدَهرُ أَضمَرَهُ وَالعيدُ أَفشاهُ
هَل ذاكَ ما وَعَدَ الرَحمَنُ صَفوَتَهُ / رَوضٌ وَحورٌ وَوِلدانٌ وَأَمواهُ
أَمِ الحَديقَةُ ذاتُ الوَشيِ قَد حَلِيَت / في مَنظَرٍ يَستَعيدُ الطَرفُ مَرآهُ
أَرى المَصابيحَ فيها وَهيَ مُشرِقَةٌ / كَأَنَّها النَورُ وَالوَسمِيُّ حَيّاهُ
أَو إِنَّما هِيَ أَلفاظٌ مُدَبَّجَةٌ / وَكُلُّ لَفظٍ تَجَلّى فيهِ مَعناهُ
أَرى عَلَيها قُلوبَ القَومِ حائِمَةً / كَالطَيرِ لاحَ لَهُ وِردٌ فَوافاهُ
أَرى بَني مِصرَ تَحتَ اللَيلِ قَد نَسَلوا / إِلى سُعودٍ بِهِ ضاحٍ مُحَيّاهُ
أَرى عَلى الأَرضِ حَلياً قَد نَسيتُ بِهِ / حَليَ السَماءِ وَحُسناً لَستُ أَنساهُ
أَرى أَريكَةَ عَبّاسٍ تَحُفُّ بِها / وِقايَةُ اللَهِ وَالإِقبالُ وَالجاهُ
أَرى سُمُوُّ خِديوينا وَقَد بُسِطَت / بِالعَدلِ وَالبَذلِ يُمناهُ وَيُسراهُ
قُل لِلأُلي جَعَلوا لِلشِعرِ جائِزَةً / فيمَ الخِلافُ أَلَم يُرشِدكُمُ اللَهُ
إِنّي فَتَحتُ لَها صَدراً تَليقُ بِهِ / إِن لَم تُحَلّوهُ فَالرَحمَنُ حَلّاهُ
لَم أَخشَ مِن أَحَدٍ في الشِعرِ يَسبِقُني / إِلّا فَتىً ما لَهُ في السَبقِ إِلّاهُ
ذاكَ الَّذي حَكَمَت فينا يَراعَتُهُ / وَأَكرَمَ اللَهُ وَالعَبّاسُ مَثواهُ
كَم مَرَّ بي فيكِ عَيشٌ لَستُ أَذكُرُهُ
كَم مَرَّ بي فيكِ عَيشٌ لَستُ أَذكُرُهُ / وَمَرَّ بي فيكِ عَيشٌ لَستُ أَنساهُ
وَدَّعتُ فيكِ بَقايا ما عَلِقتُ بِهِ / مِنَ الشَبابِ وَما وَدَّعتُ ذِكراهُ
أَهفو إِلَيهِ عَلى ما أَقرَحَت كَبِدي / مِنَ التَباريحِ أولاهُ وَأُخراهُ
لَبِستُهُ وَدُموعُ العَينِ طَيِّعَةٌ / وَالنَفسُ جَيّاشَةٌ وَالقَلبُ أَوّاهُ
فَكانَ عَوني عَلى وَجدٍ أُكابِدُهُ / وَمُرِّ عَيشٍ عَلى العِلّاتِ أَلقاهُ
إِن خانَ وُدّي صَديقٌ كُنتُ أَصحَبُهُ / أَو خانَ عَهدي حَبيبٌ كُنتُ أَهواهُ
قَد أَرخَصَ الدَمعَ يَنبوعُ الغَناءِ بِهِ / وا لَهفَتي وَنُضوبُ الشَيبِ أَغلاهُ
كَم رَوَّحَ الدَمعُ عَن قَلبي وَكَم غَسَلَت / مِنهُ السَوابِقُ حُزناً في حَناياهُ
لَم أَدرِ ما يَدُهُ حَتّى تَرَشَّفَهُ / فَمُ المَشيبِ عَلى رَغمي فَأَفناهُ
قالوا تَحَرَّرتَ مِن قَيدِ المِلاحِ فَعِش / حُرّاً فَفي الأَسرِ ذُلٌّ كُنتَ تَأباهُ
فَقُلتُ يا لَيتَهُ دامَت صَرامَتُهُ / ما كانَ أَرفَقُهُ عِندي وَأَحناهُ
بُدِّلتُ مِنهُ بِقَيدٍ لَستُ أُفلَتُهُ / وَكَيفَ أُفلَتُ قَيداً صاغَهُ اللَهُ
أَسرى الصَبابَةِ أَحياءٌ وَإِن جَهِدوا / أَمّا المَشيبُ فَفي الأَمواتِ أَسراهُ
يا عابِدَ اللَهِ نَم في هَذا القَبرِ مُغتَبِطاً
يا عابِدَ اللَهِ نَم في هَذا القَبرِ مُغتَبِطاً / ماكُنتَ عَن ذِكرِ رَبِّ العَرشِ بِاللاهي
يا رَحمَةَ اللَهِ هَذا قَبرُهُ فَقِفي / وَآنِسي روحَهُ يا رَحمَةَ اللَهِ