يا للعَزائِم يَثني مِن مَواضيها
يا للعَزائِم يَثني مِن مَواضيها / أَنَّ الكِفاياتِ يُقضى بِالهَوى فيها
وَللمَواهِب بِالأَغراض يَقتُلها / مَن يَستَمدُّ حَياةً مِن أَياديها
وَللجُهود بِأَعشى الرأي يُطفِئُها / ماضٍ عَلى ضوئِها سارٍ بِهاديها
وَللنوابغ يَقضي في مَواهبهم / بِما يَشاءُ هَواهُ غَيرُ قاضِيها
جادُوا بِأَعمارهم حَتّى لِجاحدهم / إِنّ المَواهِبَ سلمٌ في أَعاديها
كَالشَمس تقبسُ مِنها عَينُ عابدِها / وَتُرسلُ النُورَ في أَجفانِ شانيها
وَالنَفسُ إِن مُلِئَت بِالود فاضَ عَلى / جَدبِ البِلادِ خلوفٌ مِن هَواميها
لا يَدَّعِ العَدلَ قَومٌ في عَدالَتهم / صَرعى الكِفاياتِ تَشكُو ظُلمَ أَهلِيها
وَلا المُساواةَ وَالأَفهامُ لَو وَزِنَت / مَع الغَباوَةِ فيهم لا تُساويها
وَلا الحَضارة من تَجزي نَوابِغَهُم / وَحشيةً تَسكُنُ البَيداء وَالتِّيها
إِذا البِلادُ تَخلَّت عَن حياطَتِها / يَدُ النُبوغِ تَداعَت مِن صَياصيها
دَعِ الحَديثَ عَن القِسطاسِ في عُصَبٍ / ما سوَّدت بَينَها إِلّا مُرائِيها
سُوقُ النِفاقِ بهم شَتّى بَضائِعُها / تُزجى لِمَن يشتري إِفكاً وَتَمويها
أَرخصتُمُ غالِيَ الأَخلاقِ في بَلَد / لَم تَغلُ قيمَتُهُ إِلّا بِغاليها
يا رُبَّ نَفسٍ أَضاءَ الطهرُ صَفحتَها / أَفسَدتُموها فَزَلَّت في مَهاويها
وَكَم قُلوبٍ كَساها الحُسنُ نضرَتَه / دَنَّستُموها فَعادَ الحُسنُ تَشويها
أَغلقتُمُ سُبلَ الأَرزاقِ لَم تَدَعوا / لِفاضِل الخُلقِ سَعياً في نَواحيها
مَدارِسٌ تَغرِسُ الأَخلاقَ في نَشإٍ / وَمُغلَقُ الرزقِ بَعدَ الغَرس يُذويها
لا تلح طالِبَ رِزقٍ في نَقائِصِهِ / إِنَّ الضَروراتِ مِن أَقوى دَواعيها
ما أَطهَرَ الخُلُقَ المصريَّ لَو طَهُرَت / تِلكَ الرِياساتُ مِن أَهواءِ مُوحيها
يا آخِذينَ بِقَتلِ النَفس قاتَلها / قَتلى المَواهِبِ لَم يُسمَع لِشاكيها
كَم لِلنُبوغِ دِماءٌ بَينكُم سُفِكَت / باسم المَآرب لا باسمِ اللَهِ مُجريها
هَلا اِقتَصَصتم لَها مِن ظُلم سافِكِها / وَقلَّ فيما جَناهُ قَتلُ جانيها
أولى الوَرى بِقصاصٍ مِنهُ ذو غَرَضٍ / يَخشى المَواهِبَ تُخفيهِ فَيُخفيها
مِلءُ المَناصِب مُنهومون قَد جَعَلوا / مِن دُونِها سدَّ ذِي القَرنين يَحميها
عَلى مَناعَةِ ذاكَ السَدِّ تَنفُذه / عِصابَةٌ تَتَواصى في حَواشيها
مِن كُل أَخرَق تَنسلُّ الحُظوظُ بِهِ / إِلى المَراتِبِ يَسمُو في مَراقيها
خابي القُوى عَبقَريُّ الجَهل يُثقلُه / عبءُ الرِياسة إِذ يَدعوه داعيها
يا حافِرين تُرابَ الأَرض عَن حَجَرٍ / أَو جُثةٍ في ظَلامِ الأَرضِ يطويها
وَمُنفِقين مِن الأَموال أَنفسَها / في البَحث عَن خِرَق لَم يُغنِ باليها
مُستَبشِرين بِما يَلقَونَ مِن تُحفٍ / لِلقَوم أَو خَزفاتٍ مِن أَوانيها
وَرافِعين مِن البُنيان شاهِقَه / فيهِ الذَخائِرُ قَد صُفَّت لِرائِيها
هَلّا عَرَفتُم لِمصرٍ فَضلَ حاضِرِها / يا عارِفين لِمصرٍ فَضلَ ماضيها
إِنَّ العُصورَ الَّتي جادَت بِمَن سَلَفُوا / عَلى الحَضارَةِ لَم تَبخَل أَياديها
ذُخرُ المَواهِبِ في أَحيائِكُم تُحَفٌ / بَذَّت مَتاحِفَكُم وَصفاً وَتَشبيها
ما إِن يُقالُ لَها لِلّهِ صانِعُها / لَكِن يُقالُ تَعالى اللَهُ باريها
هَبوا النَوابِغَ مَوتى فَاِجعَلوا لَهُمُ / حَظَّ النَواويس أَكرَمتُم مَثاويها
جَعَلتُم الحَيَّ يَرجو حَظَّ مَيِّتِكُم / فَحَظُّ أَحيائِكُم في مصر يُشقيها
أَيُحرَمُ النَحلُ غَضَّ الزَهرِ يَلفِظُهُ / شهداً وَقَد شَبعت مِنهُ أَفاعيها
وَيُقتَل الرَوضُ ذُو الأَثمارِ مِن ظَمَإٍ / وَالماءُ يروي مواتاً مِن فَيافيها
مَن يَقتل الجُهدَ يَقتل فيهِ أُمَّتَه / وَأُمَّةُ الجُهدِ تُحييه فَيُحييها
إِنّ الشُعوبَ إِذا ماتَت مَواهِبُها / نُقاضَةٌ أَعوَزَتها كَفُّ بانِيها