المجموع : 6
بُشرى البَرِيَّةِ قاصيها وَدانيها
بُشرى البَرِيَّةِ قاصيها وَدانيها / حاطَ الخِلافَةَ بِالدُستورِ حاميها
لَمّا رَآها بِلا رُكنٍ تَدارَكَها / بَعدَ الخَليفَةِ بِالشورى وَناديها
وَبِالأَبِيّينَ مِن قَومٍ أَماتَهُمُ / بُعدُ الدِيارِ وَأَحياهُم تَدانيها
حَنّوا إِلَيها كَما حَنَّت لَهُم زَمَناً / وَأَوشَكَ البَينُ يُبليهُم وَيُبليها
مُشَتَّتينَ عَلى الغَبراءِ تَحسَبُهُم / رَحّالَةَ البَدوِ هاموا في فَيافيها
لا يَقرُبُ اليَأسُ في البَأساءِ أَنفُسَهُم / وَالنَفسُ إِن قَنَطَت فَاليَأسُ مُرديها
أَسدى إِلَينا أَميرَ المُؤمِنينَ يَداً / جَلَّت كَما جَلَّ في الأَملاكِ مُسديها
بَيضاءَ ما شابَها لِلأَبرِياءِ دَمٌ / وَلا تَكَدَّرَ بِالآثامِ صافيها
وَلَيسَ مُستَعظَماً فَضلٌ وَلا كَرَمٌ / مِن صاحِبِ السِكَّةِ الكُبرى وَمُنشيها
إِنَّ النَدى وَالرِضى فيهِ وَأُسرَتِهِ / وَاللَهُ لِلخَيرِ هاديهِ وَهاديها
قَومٌ عَلى الحُبِّ وَالإِخلاصِ قَد مَلَكوا / وَحَسبُ نَفسِكَ إِخلاصٌ يُزَكّيها
إِذا الخَلائِفُ مِن بَيتِ الهُدى حُمِدَت / أَعلى الخَواقينَ مِن عُثمانَ ماضيها
خِلافَةُ اللَهِ في أَحضانِ دَولَتِهِم / شابَ الزَمانُ وَما شابَت نَواصيها
دُروعُها تَحتَمي في النائِباتِ بِهِم / مِن رُمحِ طاعِنِها أَو سَهمِ راميها
الرَأيُ رَأيُ أَميرِ المُؤمِنينَ إِذا / حارَت رِجالٌ وَضَلَّت في مَرائيها
وَإِنَّما هِيَ شورى اللَهِ جاءَ بِها / كِتابُهُ الحَقُّ يُعليها وَيُغليها
حَقَنتَ عِندَ مُناداةِ الجُيوشِ بِها / دَمَ البَرِيَّةِ إِرضاءً لِباريها
وَلَو مُنِعَت أُريقَت لِلعِبادِ دِماً / وَطاحَ مِن مُهَجِ الأَجنادِ غاليها
وَمَن يَسُس دَولَةً قَد سُستَها زَمَناً / تَهُن عَلَيهِ مِنَ الدُنيا عَواديها
أَتى ثَلاثونَ حَولاً لَم تَذُق سِنَةً / وَلا اِستَخَفَّكَ لِلَذّاتِ داعيها
مُسَهَّدَ الجَفنِ مَكدودَ الفُؤادِ بِما / يُضني القُلوبَ شَجِيَّ النَفسِ عانيها
تَكادُ مِن صُحبَةِ الدُنيا وَخِبرَتِها / تُسيءُ ظَنَّكَ بِالدُنيا وَما فيها
أَما تَرى المُلكَ في عُرسٍ وَفي فَرَحٍ / بِدَولَةِ الرَأيِ وَالشورى وَأَهليها
لَمّا اِستَعَدَّ لَها الأَقوامُ جِئتَ بِها / كَالماءِ عِندَ غَليلِ النَفسِ صاديها
فَضلٌ لِذاتِكَ في أَعناقِنا وَيَدٌ / عِندَ الرَعِيَّةِ مِن أَسنى أَياديها
خِلافَةُ اللَهِ جَرَّ الذَيلَ حاضِرُها / بِما مَنَحتَ وَهَزَّ العِطفَ باديها
طارَت قَناها سُروراً عَن مَراكِزِها / وَأَلقَتِ الغِمدَ إِعجاباً مَواضيها
هَبَّ النَسيمُ عَلى مَقدونيا بَرداً / مِن بَعدِ ما عَصَفَت جَمراً سَوافيها
تَغلي بِساكِنِها ضِغناً وَنائِرَةً / عَلى الصُدورِ إِذا ثارَت دَواعيها
عاثَت عَصائِبُ فيها كَالذِئابِ عَدَت / عَلى الأَقاطيعِ لَمّا نامَ راعيها
خَلا لَها مِن رُسومِ الحُكمِ دارِسُها / وَغَرَّها مِن طُلولِ المُلكِ باليها
فَسامَرَ الشَرَّ في الأَجبالِ رائِحُها / وَصَبَّحَ السَهلَ بِالعِدوانِ غاديها
مَظلومَةٌ في جِوارِ الخَوفِ ظالِمَةٌ / وَالنَفسُ مُؤذِيَةٌ مَن راحَ يُؤذيها
رَثَت لَها وَبَكَت مِن رِقَّةٍ فُوَلٌ / كَالبومِ يَبكي رُبوعاً عَزَّ باكيها
أَعلامُ مَملَكَةٍ في الغَربِ خائِفَةٌ / لِآلِ عُثمانَ كادَ الدَهرُ يَطويها
لَمّا مُلِئنا قُنوطاً مِن سَلامَتِها / تَوَثَّبَت أُسُدُ الآجامِ تَحميها
مِن كُلِّ مُستَبسِلٍ يَرمي بِمُهجَتِهِ / في الهَولِ إِن هِيَ جاشَت لا يُراعيها
كَأَنَّها وَسَلامُ المُلكِ يَطلُبُها / أَمانَةٌ عِندَ ذي عَهدٍ يُؤَدّيها
الدينُ لِلَّهِ مَن شاءَ الإِلَهُ هَدى / لِكُلِّ نَفسٍ هَوىً في الدينِ داعيها
ما كانَ مُختَلِفُ الأَديانِ داعِيَةً / إِلى اِختِلافِ البَرايا أَو تَعاديها
الكُتبُ وَالرُسلُ وَالأَديانُ قاطِبَةً / خَزائِنُ الحِكمَةِ الكُبرى لِواعيها
مَحَبَّةُ اللَهِ أَصلٌ في مَراشِدِها / وَخَشيَةُ اللَهِ أُسٌّ في مَبانيها
وَكُلُّ خَيرٍ يُلَقّى في أَوامِرِها / وَكُلُّ شَرٍّ يُوَقّى في نَواهيها
تَسامُحُ النَفسِ مَعنىً مِن مُروءَتِها / بَلِ المُروءَةُ في أَسمى مَعانيها
تَخَلَّقِ الصَفحَ تَسعَد في الحَياةِ بِهِ / فَالنَفسُ يُسعِدُها خُلقٌ وَيُشقيها
اللَهُ يَعلَمُ ما نَفسي بِجاهِلَةٍ / مَن أَهلُ خِلَّتِها مِمَّن يُعاديها
لَئِن غَدَوتُ إِلى الإِحسانِ أَصرُفُها / فَإِنَّ ذَلِكَ أَجرى مِن مَعاليها
وَالنَفسُ إِن كَبُرَت رَقَّت لِحاسِدِها / وَاِستَغفَرَت كَرَماً مِنها لِشانيها
يا شَعبَ عُثمانَ مِن تُركٍ وَمِن عَرَبٍ / حَيّاكَ مَن يَبعَثُ المَوتى وَيُحييها
صَبَرتَ لِلحَقِّ حينَ النَفسُ جازِعَةٌ / وَاللَهُ بِالصَبرِ عِندَ الحَقِّ موصيها
نِلتَ الَّذي لَم يَنَلهُ بِالقَنا أَحَدٌ / فَاِهتِف لِأَنوَرِها وَاِحمِد نَيازيها
ما بَينَ آمالِكَ اللائي ظَفِرتَ بِها / وَبَينَ مِصرَ مَعانٍ أَنتَ تَدريها
أُنبِئتُ أَنَّ سُلَيمانَ الزَمانِ وَمَن
أُنبِئتُ أَنَّ سُلَيمانَ الزَمانِ وَمَن / أَصبى الطُيورَ فَناجَتهُ وَناجاها
أَعطى بَلابِلَهُ يَوماً يُؤَدِّبُها / لِحُرمَةٍ عِندَهُ لِلبومِ يَرعاها
وَاِشتاقَ يَوماً مِنَ الأَيّامِ رُؤيَتَها / فَأَقبَلَت وَهيَ أَعصى الطَيرِ أَفواها
أَصابَها العِيُّ حَتّى لا اِقتِدارَ لَها / بِأَن تَبُثَّ نَبِيَّ اللَهِ شَكواها
فَنالَ سَيِّدَها مِن دائِها غَضَبٌ / وَوَدَّ لَو أَنَّهُ بِالذَبحِ داواها
فَجاءَهُ الهُدهُدُ المَعهودُ مُعتَذِراً / عَنها يَقولُ لِمَولاهُ وَمَولاها
بَلابِلُ اللَهِ لا تَخرَس وَلا وُلِدَت / خُرساً وَلَكِنَّ بومَ الشُؤمِ رَبّاها
أَعطى البَرِيَّةَ إِذ أَعطاكَ باريها
أَعطى البَرِيَّةَ إِذ أَعطاكَ باريها / فَهَل يُهَنّيكَ شِعري أَم يُهَنّيها
أَنتَ البَرِيَّةُ فَاِهنَأ وَهيَ أَنتَ فَمَن / دَعاكَ يَوماً لِتَهنا فَهوَ داعيها
عيدُ السَماءِ وَعيدُ الأَرضِ بَينَهُما / عيدُ الخَلائِقِ قاصيها وَدانيها
فَبارَكَ اللَهُ فيها يَومَ مَولِدِها / وَيَومَ يَرجو بِها الآمالَ راجيها
وَيَومَ تُشرِقُ حَولَ العَرشِ صِبيَتُها / كَهالَةٍ زانَتِ الدُنيا دَراريها
إِنَّ العِنايَةَ لَمّا جامَلَت وَعَدَت / أَلّا تَكُفَّ وَأَن تَترى أَياديها
بِكُلِّ عالٍ مِنَ الأَنجالِ تَحسَبُهُ / مِنَ الفَراقِدِ لَو هَشَّت لِرائيها
يَقومُ بِالعَهدِ عَن أَوفى الجُدودِ بِهِ / عَن والِدٍ أَبلَجِ الذِمّاتِ عاليها
وَيَأخُذُ المَجدَ عَن مِصرٍ وَصاحِبِها / عَنِ السَراةِ الأَعالي مِن مَواليها
الناهِضينَ عَلى كُرسِيِّ سُؤدُدِها / وَالقابِضينَ عَلى تاجَي مَعاليها
وَالساهِرينَ عَلى النيلِ الحَفِيِّ بِها / وَكَأسها وَحُمَيّاها وَساقَيها
مَولايَ لِلنَفسِ أَن تُبدي بَشائِرَها / بِما رُزِقتَ وَأَن تَهدي تَهانيها
الشَمسُ قَدراً بَلِ الجَوزاءُ مَنزِلَةً / بَلِ الثُرَيّا بَلِ الدُنيا وَما فيها
أُمُّ البَنينَ إِذا الأَوطانُ أَعوَزَها / مُدَبِّرٌ حازِمٌ أَو قَلَّ حاميها
مِنَ الإِناثِ سِوى أَنَّ الزَمانَ لَها / عَبدٌ وَأَنَّ المَلا خُدّامُ ناديها
وَأَنَّها سِرُّ عَبّاسٍ وَبِضعَتُهُ / فَهيَ الفَضيلَةُ مالي لا أُسَمّيها
أَغَرُّ يَستَقبِلُ العَصرُ السَلامَ بِهِ / وَتُشرِقُ الأَرضُ ما شاءَت لَياليها
عالي الأَريكَةِ بَينَ الجالِسينَ لَهُ / مِنَ المَفاخِرِ عاليها وَغاليها
عَبّاسُ عِش لِنُفوسٍ أَنتَ طِلبَتُها / وَأَنتَ كُلُّ مُرادٍ مِن تَناجيها
تُبدي الرَجاءَ وَتَدعوهُ لِيَصدُقَها / وَاللَهُ أَصدَقُ وَعداً وَهوَ كافيها
رأيت قومي يذم بعض
رأيت قومي يذم بعض / بعضا إذا غابت الوجوه
وإن تلاقوا ففي تصاف / كأن هذا لذا أخوه
كريمهم لا يسُدُّ سمعا / ووغدهم لا يُسدّ فوه
وكلهم عاقل حكيم / وغيره الجاهل السفيه
وذا ابن من مات عن كثير / وذا ابن من قد سما أبوه
وذا بإسلامه مدل / وذا بعصيانه يتيه
وكلهم قائم بمبدا / ومبدأ الكل ضيعوه
فمذ بدا لي أن قد تساوى / في ذلك الغمر والنبيه
وليس من بينهم نزيه / ولا أنا الواحد النزيه
جعلت هذا مرآة هذا / أنظر فيها ولا أفوه
يا أيها الرجل المغتاب صاحبه
يا أيها الرجل المغتاب صاحبه / لم ينس فضلى ولكن قد تناساه
تسبني حسدا والحلم من شيمي / فلا أسبك لكن سبك الله
ولا أسميك خوفا من مقالتهم / قد ظنه في الورى شيئا فسماه
سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها
سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها / واستخبروا الراح هل مسّت ثناياها
باتت على الروض تسقيني بصافية / لا للسُّلاف ولا للورد رياها
ما ضر لوجعلت كأسي مراشفها / ولو سقتني بصافٍ من حمياها
هيفاء كالبان يلتف النسيم بها / وينثنى فيه تحت الوشى عِطفاها
حديثها السحر إلا أنه نغم / جرت على فم داود فغنّاها
حمامةُ الأيك من بالشجو طارحها / ومَن وراءَ الدجى بالشوق ناجاها
ألقت إلى الليل جيدا نافرا ورمت / إليه أذنا وحارت فيه عيناها
وعادها الشوق للأَحباب فانبعثت / تبكي وتهتف أحيانا بشكواها
يا جارة الأيك أيام الهوى ذهبت / كالحلم آها لآيام الهوى آها