المجموع : 4
دعني مِنَ العذلِ يا مَنْ باتَ يلحاني
دعني مِنَ العذلِ يا مَنْ باتَ يلحاني / فليس عذلُكَ مِن دأْبي ولا شاني
هيهاتَ يسمعُ منكَ العذلَ مكتئبٌ / مقسمٌ بينَ أفكارٍ وأشجانِ
القلبُ قلبي إذا ما شفَّني وَلَهٌ / والدمعُ دمعيَ والأحزانُ أحزاني
ما كنتُ لولا بِعادُ الحيَّ ذا جَزَعٍ / أَذري الدموعَ على نُؤْي وأوطانِ
بانَ الأحبَّةُ عن تلكَ الديارِ فقد / وزَّعتُه بينَ أطلالٍ وخُلانِ
مَرادُ لهوِ الصَّبا أقوتْ معالِمُه / بعدَ النضارةِ مِن أهلٍ وجيرانِ
ما كنتُ لولا النوى والبينُ أسأل / أطلالاً عفتْ من أحبّاءٍ وسكّانِ
لولاكِ يا ظبيةَ الوعساءِ لم أجُبِ / الظلامَ بينَ أهاضيبٍ وكثبانِ
ولا تركتُ المطايا في أزِمَّتِها / تحكي الأزمَّةَ في بيدٍ وغيظانِ
تَخُبُّ في الهَجْلِ كالارسانِ معنِقةً / مِن فوقِهنَّ مهازيلٌ كأرسانِ
أضناهمُ الوجدُ والاِرقالُ فوق مَطا / المطيَّ يا بؤسَ أجمالٍ وركبانِ
جفوا لذيذَ الحشايا في غوارِبها / فبدَّلوها بأحلاسٍ وكيرانِ
مالي وللريحِ بعدَ البعدِ ما نفحتْ / عليَّ بالطيبِ من نُعمٍ ونُعمانِ
مرَّتْ عليه وقد جرَّتْ ذلاذِلَها / فطابَ ما فيه مِن شيحٍ وحَوْذانِ
قد كنتُ أعهدُها عنها تُخَبَّرُني / بما أُحِبُّ وبالأسرارِ تلقاني
عَرْفٌ عَرَفْتُ به الأرواحَ تُتحَفُني / عن مُنحنى الجِزعِ أو عن ظبيةِ البانِ
طالَ الزمانُ فهبَّت بعدَ آونةٍ / نحوي فأنكرتُها مِن بعدِ عِرفاني
حالَ التفرُّقُ ما بيني وبينَهمُ / والموتُ والبعدُ بعدَ القربِ سِيّانِ
سقَى زمانَ التداني كلُّ مُنبعِقٍ / مُتْعَنْجرِ الودَقِ هامي المزنِ هتّانِ
أوقاتُ لهوٍ حميداتٌ سَعِدْتُ بها / بفاترِ الجفنِ ساجي اللحظِ فتّانِ
نأى فأدناهُ منّي الذكرُ حينَ نأى / نفسي الفداُ لذاكَ النازحِ الداني
صفا بهِ العيشُ حيناً ثمَّ كدَّره / بِعادُه عن محبًّ صبرُه فاني
فعادَ لمّا تمادَى البعدُ وانفصمتْ / عُرى الوصالِ بقلبٍ منه حرّانِ
قد كانَ يَسكَرُ مِن ريقٍ له عَطِرٍ / وقهوةٍ بينَ ناياتٍ وعيدانِ
فهل يُفيقُ فتىً يُمسي ويُصبحُ بينَ / العاشقينَ له في الوجدِ سُكرانِ
مشرَّدُ النومِ أجرى البينُ أدمعه / كأنّما فاضَ مِن عينيهِ عينانِ
يبكي إذا غرَّدتْ ورقاءُ مِن طربٍ / قبلَ الصباحِ على أعطافِ أغصانِ
تَهِيجُ بالنوحِ أشجاناً محرَّقةً / لقلبِ صبًّ إلى الحنّانِ حنّانِ
باتتْ تؤجَّجُ بالتغريدِ نارَ هوىً / تضرَّمتْ في فؤاد المغرمِ العاني
للهِ ماذا على الباناتِ يُذْكِرُني / الأهواءَ مِن طيبِ أسجاعٍ وألحانِ
بانوا وبانَ لذيذُ العيشِ مذ بانوا
بانوا وبانَ لذيذُ العيشِ مذ بانوا / فلي وللدمعِ مِن بعدَ النوى شانُ
للّهِ كم غادَروا في الربعِ بعدَهمُ / مضنىً له مِن أتيِّ الدمعِ غُدْرنُ
يشتاقُ نُعماً ونعماناً وبغيتُه / على تنائيهما نُعْمُ ونُعمانُ
هيهاتَ مالي وقد سارت مودِّعَةً / قلبٌ إلى أبرُقِ الحنّانِ حَنّانُ
لا خيرَ في الربعِ تُصبيني ملاعبُه / حسناً إذا لم يكنْ في الربعِ سكّانُ
ما الدارُ مِن بعدِها داري ولو ملأتْ / عَيني رُواءٌ ولا الأوطانُ أوطانُ
قد كنتُ أصبو اليها وهي آهلَةٌ / بها وجيرانُ ذاكَ الحيِّ جيرانُ
سقَّى زمانَ التلاقي صيِّبٌ غَدِقٌ / مزمجرُ الرعدِ داني السحبِ هتّانُ
زمانَ أنسٍ قطعناهُ بعرصتِها / والدهرُ مبتسِمٌ والوقتُ جذلانُ
والغانياتُ إذا ما شئتُ ساعدَني / منهنَّ حسنٌ على وجدي واِحسانُ
فيهنَّ حاليةٌ بالحسن خاليةٌ / مما اغتدى منهُ قلبي وهو ملآنُ
كأنَّما غازلَتْني مِن لواحِظها / عندَ التغازلِ آرامٌ وغِزلانُ
مِنَ البدورِ اللواتي قد كَمُلْنَ فما / يَطرأ عليهنَّ كالأقمارِ نقصانُ
هيفُ القدودِ إذا مالَ الدلالُ بها / وسُكُره غارَفي أوطانهِ البانُ
مِن كلِّ دعجاءَ قنواءِ اللثامِ لها / لحظٌ بقلبيَ فتاكُ وفتانُ
حلَّتْ بنجدٍ فأضحى وهو مِن أرَبي / اِذا اطّبى الناسَ أوطانٌ وبلدانُ
سارتْ بها سَحَراً عن أرضِ كاظمةٍ / نجائبٌ ثُوِّرتْ عنها وأظعانُ
كأنِّها وَهْيَ في الأرسانِ ناحلةً / وقد ترامتْ تؤمُّ الجِزعَ أرسانُ
وفي البُرِينَ وقد راحتْ على عجلٍ / تسابقُ الريحَ في الموماةِ ظِلمانُ
تنكبتْ قُلَلَ الأعلامِ مِن أجاً / وشاقَها دونَه سَلْعٌ وعُفانُ
ثمَّ انبرتْ تتهادى في أزمَّتِها / لم يُثنِها دونَه رمْثٌ وحَوْذانُ
يا هندُ لم أنسَ يوَم البينِ موقفنا / والتربَ مِن عبراتي وهو ريّانُ
والعيشُ مُحْدَجةٌ تبغي الرحيلَ وما / طارتْ ولا ذعِرَتْ لليلِ غرِيانُ
وموقفُ البينِ لا ينساه ذو شَجَنٍ / حرانُ مِن وَلَهِ التفريقِ حيرانُ
أحباَبنا أن أطالَ الليلُ شقَّتَهُ / وحالَ دونكمُ بيدٌ وغِطانُ
لا تبعثوا لي سلاماً في النسيمِ فلي / قلبٌ كما عَهِدَ الأحبابُ غيرانُ
يبيتُ بينَ ضلوعي كلّما نفحتْ / صباً تمر عليكم وهو خَشيانُ
وفي الخدورِ التي صانتْ جمالكَمُ / عنِ النواظرِ قُضبانٌ وكُثبانُ
أمسْت تَحُفُّ بها والظعنُ سائرةٌ / بيضٌ مجرَّدَةٌ تَدْمَى وخِرصانُ
يا صاحبيَّ ولولا الوجدُ ما حفزتْ / عَنْسي على الأينِ للحاديَن ألحانُ
قد كانَ للطيفِ لودامتْ زيارتُهُ / نحوى إذا نمتُ اِلمامٌ وغشيانُ
أيامَ كانَ أحبائي الذين نأوا / على عهودِ الوفا مثلي كما كانوا
ما خنتُ عهدَهمُ كلاّ ولا خطرتْ / ليَ الخيانةُ في بالٍ ولا خانوا
واليومُ أصبحَ حظي وهو بعدَهمُ / مِن طولِ وصلِهمُ مَطْلٌ وليّانُ
ما مرَّ في خَلَدي للراحلينَ وقد / مَلُّوا ومالوا على الِعلاّتِ سُلوانُ
ولا لذكرِ لياليَّ التي ذهبتْ / حميدةً بأهَيْلِ الحيِّ نِسيانُ
أعائدٌ ليَ أيامٌ نعِمتُ بها
أعائدٌ ليَ أيامٌ نعِمتُ بها / بالرقمتينِ وأهلُ البانِ ما بانوا
أيامَ كنا وكانَ الربعُ يجمعُنا / ولم نقل اِننا كنّا ولا كانوا
في لذةٍ مِن وصالٍ لا يُنغَّصُه / بينٌ ولا كاشحٌ يُغريهِ شنآنُ
فهل معيدٌ لنا أيامَهنَّ كما / كنّا على الجِزعِ لا خُنّا ولا خانوا
لا خيرَ في كاشحٍ يسعى ليمنعَني / فرباً نعمتُ به والوقتُ جَذْلانُ
قطعتُ أطيبَهُ بالرقمتينِ ولي / في الربعِ والغيدِ أوطارٌ وأوطانُ
خاطبتُ بعدَكمُ الأطلالَ والدَّمَنا
خاطبتُ بعدَكمُ الأطلالَ والدَّمَنا / وتلكَ حالةُ مَنْ بالبينِ قد غُبِنا
نَشَدتُ بعدَكمُ قلبي وطالَ بكم / مدى النوى فنَشَدتُ القلبُ والوَسَنا
أحبابَنا أن رأيتمْ مَنْ قضى أسفاً / بعدَ الفراقِ على أحبابهِ فاَنا
عوضتموني وقد سارتْ ركائُبكمْ / يومَ الفراقِ بيومِ الملتقى حَزَنا
أجاهلياً غدا وجدي القديمُ بكم / حتى تعبَّدَ من أوثانِكمْ وثنا
نَصَّبتُمْ لقتيلِ الوجدِ بينكمُ / أصنامَ حُسنٍ غدتْ ما بينكمْ فِتَنا
وكلَّما ثُوَّرتْ للبينِ عيسكمُ / ثارتْ نوازعُ وجدٍ قلَّما سَكَنا
وندَّ دمعي تلكَ العيسُ سائرةٌ / عن الربوعِ وقِدْماً طالما خُزِنا
أرخصتُه بعدما بِنتمْ على دِمَنٍ / لم يبقَ للدمعِ مِن بعدِ النوى ثمنا
وقالَ قومٌ أذاعَ السرَّ بعدهمُ / وكنتُ لولا النوى في الحبَّ مؤتَمنا
جيرانَنا حبذا أيامُ كاظمةٍ / زمانَ لم يَفْطُنِ البينُ المشتُّ بِنا
قد كانَ قُرْبُكمُ مِن كلَّ نائبةٍ / تنوبُ في الوجدِ مِن قبلِ النوى جُنَنا
وكانَ في الربعِ لي مِن أهلِه وطرٌ / هجرتُ مِن أجلِه الخُلاّنَ والوطنا
تَيمَّنَني فيه غِزلانٌ لواحظُها / أعرنَ آرامَ نجدٍ ذلكَ العَيَنا
مرابعٌ كنتُ منها في بُلَهْنِيَةٍ / مِنَ الوصالِ وهذا الدهرُ ما فطنا
فحين بانوا وأمستْ وَهْيَ خاليةٌ / مِن كلِّ بدرٍ رمى قلبي غداةَ رَنا
وقفتُ فيها فأضحى في مرابِعها / سرِّي بدمعي الذي أجريتُه عَلَنا
وقلتُ في هذه كانتْ جآذِرُهمْ / تُصميننا بظُبى ألحاظِها وهُنا
سقى محلَّهمُ دمعي فاِنَّ له / سحابَ دمعٍ به قد خَجَّلَ المُزُنا
اِذا تقشَّعَ عنه عارضٌ هَتِنُ / عنِ الربوعِ حباه عارضاً هَتِنا
يا غائبينَ لئن جادَ الزمانُ بكم / بعد الفراقِ تقلَّدنا له المِنَنا
فكم أقلَّتْ ظهورُ الناجياتِ بكم / مِن منظرٍ حسنٍ لم يولني حَسَنا
وشاقَني كلُّ لَدْنِ القدِّ مائهُ / يحكي الغصونَ اعتدالاً والقنا اللُّدُنا
ولا مني فيهمُ قومٌ فقلتُ لهم / ما للوائمِ في أحبابِنا ولَنا
هَبْنا الحمامُ نرى حُبَّ القدودِ لنا / رأياً كما تألفُ الهتّافَةُ الغُصُنا
حمائمٌ سجعتْ في البانِ صادحةً / شوقاً وما فارقتْ اِلفاً ولا سَكَنا
فكيف بي والنياقُ الهوجُ مَحدَجةٌ / والقومُ قد قرَّبوا للرحلةِ الظُعُنا
يا عاذليَّ لقد عَنفَّتُما رجلاً / لم يُعطِ للومِ في أحبابهِ أُذنا
هذا الحِمى فدعاني في مرابعِه / أجُرُّ للهو في ساحاتِه الرَّسنَا
علَّلتماني به والدارُ نائيةٌ / وبالأحبَّةِ من بعدِ النوى زمنا
وأينُقٍ ذكرتْ أرضَ الحِمى فَغَدَتْ / هِيماً تجاذبُني نحوَ الحِمى العُرُنا
غدتْ عِجافاً وقد أودى الذميل ُبها / مِن بعدِما كنَّ في أرسانِها بُدُنا
أحدو لها بقريضي وهي جانحةٌ / تؤمُّ مِن هضباتِ المنحنى حَضَنا
سوابحاً في بحارِ الآلِ تحسبُها / فيه تَهاوى بركبانِ الهوى سُفُنا
شعراً إذا لغبتْ أضحى يُعلِّلُها / به لسانُ فتِّى فاقَ الورى لَسَنا
مِن كلِّ قافيةٍ أمستْ منزَّهةً / عن أن تصاحبَ لا عيّا ولا لَكَنا
شوارداً في بلادِ الّلهِ سائرةً / اِذا القريضُ على عِلاّتِه قَطَنا
بها تَمايلُ أعطافُ الكريمِ اِذا / ما هِيجَ يوما ويوماً تجلبُ الاِحَنا
فيها وفيها واِنْ أمستْ مبّرأةً / من كلَّ ما دنسٍ في غيرِها وخَنا
لم تُلقِ يوماً إلى غيري لها بيدٍ / لما رأتْهُ بماً لا تشتهي قَمنَا
ولا رأتْ عنده لطفَ القريضِ ولا / أدَّتْ لدعواه لا فرضاً ولا سُنَنا
عوازفٌ عن أُناسٍ عندَهمُ / منهنَّ إلا ادِّعاءٌ زائدٌ وعَنا
مناهمُ منه ما أصبحتُ أنظِمُهُ / فالقومُ في غُمَّةٍ من حسرةٍ ومُنى