القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 4
مَن سامعٌ قصةً لي كنت شاهدها
مَن سامعٌ قصةً لي كنت شاهدها / على الربا الخضر من جنّات لبنان
فقد رأيت غلاماً صيغ منفرداً / بالحسن يصبو إليه كل إنسان
البدر يبدو حقيراً عند طلعته / والشمس تعنو لوجهٍ منه نوراني
في عينه حور في ثغره شنب / يفترّ عن عقد دّرٍ وسط مرجان
إذا رنا ناظراً يرنو بساحرة / أو انثنى ينثني عن عطف نشوان
عليه ثوب بديع النسج طرته / من صبغة المجد قد زينت بألوان
في جانب منه تلقى الدرّ منتظماً / والدرّ منتثراً في الجانب الثاني
وللعواطف في أثنائه صور / جادت بها ريشة في كفّ فنّان
تفاوح الطيب من أردانه عبقاً / كما تفاوح أزهار ببستان
تستخلص النفس من فحوى ملامحه / أن الغرام الذي يخفيه روحاني
يبكي وألحان موسيقاه مشجيةٌ / تهفو بأفئدة منّا وآذان
يبكي وأنغام موسيقاه مطربةٌ / نهتزّ منهنّ أرواح بأبدان
يبكي فيرفض عقد الدمع منتثراً / بغير وزن وأحيانا بميزان
لمّا أراني جلال الحسن ممتزجاً / بروعة الحزن أشجاني فأبكاني
فقمت بين إناس حوله وقفوا / مستعبرين وكلٌ نحوه ران
وكلّهم وقفوا مستسلمين إلى / تنهّدات وآهات وإرنان
حتى سألت عن الباكي وقصته / فقيل هذا هو الشعر ابن جبران
أبوه جبران أفناه الردى فغدا / من بعده رهن يتم حلف أشجان
فقلت لم يفنّ جبران بميتته / من خلّف ابناً كهذا ليس بالفاني
بل أصبحت بابنه ذكره خالدة / ما دام لبنان مأهولا بإنسان
إني أرى روح جبران مرفرفةً / على الربا الخضر من جنات لبنان
هي المواطن أدنيها وتُقصيني
هي المواطن أدنيها وتُقصيني / مثل الحوادث أبلوها وتُبليني
قد طال شكواي من دهر أكابده / أما أصادف حرّاً فيه يُشكيني
كأنني في بلادي إذ نزلت بها / نزلت منها ببيت غيرِ مسكون
حتى متى أنا في البلدان مغترب / نوائب الدهر بالأنياب تُدميني
فتارةً في المَوامي فوق مُوَقرةٍ / وتارةً في الطوَامي فوق مشحون
كم أغرقتني الليالي في مصائبها / فعُمت فيهنّ من صبري بدُلفين
أنا ابن دجلة معروفاً بها أدبي / وإن يك الماء منها ليس يُرويني
قد كنت بلبلها الغِرّيد أنشدها / أشجى الأناشيد في أشجى التلاحين
حيث الغُصون أقَلّتني مكلَّلَةً / بالورد ما بين أزهار البساتين
فبينما كنت فيها صادحاً طرباً / أستنشق الطيب من نفح الرياحين
إذ حلّ فيها غراب كان يُوحِشُني / وكان تَنعا به بالبين يؤذيني
حتى غدَوْت طريداً للغراب بها / وما غدوت طريداً للشواهين
فطِرت غير مُبالٍ عند ذاك بما / تركت من نرجس فيها ونسرين
ويل لبغداد مما سوف تذكره / عنّي وعنها الليالي في الدواوين
لقد سَقيت بفيض الدمع أربُعها / على جوانب وادٍ ليس يَسقيني
ما كنت أحسب أني مذ بكَيت بها / قومي بكيت على من سوف يُبكيني
أفي المروءة أن يَعتزّ جاهلها / وإن أكون بها في قبضة الهُون
وأن يعيش بها الطُرطُور ذا شَمَم / وأن أسام بعيشي جدع عِرنيني
تالله ما كان هذا قطّ من شِيمي / ولا الحياة على النكراء من ديني
ولست أبذُل عرضي كي أعيش به / ولو تأدّمت زَقّوماً بغسلين
أغنت خشونة عيشي في ذُرا شرفي / عما أرى بخسيس العيش من لين
عاهدت نفسيَ والأيام شاهدة / أن لا أقِرَّ على جَوْر السلاطين
ولا أصادق كذاباً ولو مَلِكاً / ولا أخالطَ أخوان الشياطين
أما الحياة فشيء لا قرار له / يحيا بها المرء مَوْقوتاً إلى حين
سِيَانِ عندي أجاء الموت مُخْتَرِماً / من قبل عشرين أم من بعد تسعين
ما بالسنين يقاس العمر عندي بل / بما له في المعالي من تحاسين
لو عشت ستين عاماً لاستعضت بها / ستين مكْرُمةً بل دون ستين
فإنما أطول الأعمار أجمعها / للمَكْرُمات من الأبكار والعُون
إن اللئيم دفين قبل ميتتِهِ / وما الكريم وإن أودى بمدفون
وليس مَن عاش في ذُلٍّ بمغتَبَط / ولا الذي مات في عزّ بمغبون
ما كنت أحسَب بغداداً تُحَلّئني / عن ماء دجلتها يوماً وتُظميني
حتى تقلد فيها الأمر زعنفةٌ / من الأُناس بأخلاق السراحين
ما ضرّني غير أني اليوم مِن عرب / لا يغضبون لأمرٍ ليس يُرضيني
تالله ما ضاع حقّي هكذا أبداً / لو كنت من عجم صُهْب العَثانين
علام أمكُث في بغداد مصطبراً / على الضراعة في بُحبوحة الهُون
لأجعلنّ إلى بيروت هُنتَسَبي / لعلّ بيروت بعد اليوم تُؤويني
خابت ببغداد آمال أؤمّلها / فهل تخيب إذا استذرت بصِنّين
فليت سورّية الوَطفاء مُزنتها / عن العراق وعن واديه تُغنيني
قد كان في الشام للأيام مذ زمن / ذنب محَته الليالي في فلسطين
إذ كان فيها النشاشيبي يسعفني / وكنت فيها خليلاً للسكاكيني
وكان فيها ابن جبر لا يُقصر في / جبر انكسار غريب الدار محزون
إن كان في القدس لي صحب غطارفة / فكم ببيروت من غُرٍّ ميامين
يا قوم إن العدى قد هاجموا الوطنا
يا قوم إن العدى قد هاجموا الوطنا / فانضُوا الصوارم واحموا الأهل والسكَنا
واستنفروا لعدوّ الله كل فتىً / ممن نأى في أقاصي أرضكم ودنا
واستنهضوا من بني الإسلام قاطبةً / من يسكُن البدو والأريافُ والمُدُنا
واستقتلوا في سبيل الذَود عن وطن / به تقيمون دين الله والسُننا
واستلئموا للعدى بالصبر واتخذوا / صدق العزائم في تدميرهم جُنَنا
واستنكفوا في الوغى أن تلبسوا أبداً / عار الهزيمة حتى تلبَسوا الكفنا
إن لم تموتوا كرماً في مواطنكم / مِتِّم أذلاء فيها مِيتة الجُبَنا
لا عذر للمسلمين اليوم إن وَهَنُوا / في هوشة ذلّ فيها كل مَن وَهَنا
ولا حياة لهم من بَعدُ أن جَبُنوا / كلاّ وأي حياة للذي جَبُنا
عار على المسلمين اليوم أنهم / لم ينقذوا مصر أو لم ينقذوا عدنا
قل للحسينين في مصر رويدكما / قد خُنتما الله والإسلام والوطنا
شايعتما الإنكَليز اليوم عن سَفَهٍ / تالله ما كان هذا منكما حسنا
قد بِعتَما الدين بالدنيا مجازفة / فكنتما في البرايا شّر مَن غُبِنا
لا تفرحا بالوسامَين اللذين هما / طَوقا إسارة مصر فيكما اقترنا
قد مَثّلا منكما للناس قاطبةً / عِجلاً أضلّ الورى من قبل أو وثنا
ما ازدان صدراكما شيئاً بحَملهما / بل أصبحا في كلا صدريكما دَرَنا
إن الحميّة لم تنظر بمُقلتها / إلى وسامَيكما إلاّ بكت حَزَنا
ما كان أغلاهما إذ قد غدت لهما / خزائن النيل في أيدي العدى ثمنا
ستندمان ولا يُجديكما أبداً / أن تَقرعا السنّ أو أن تقبضا الذقَنَا
هذي جيوش بني التوحيد زاحفة / على العدى وعلى من ضلّ مفتتنا
لتُرسلّنّ عليكم كل راعدة / تهمى الدماء وتَمريها ظُبيٌ وقَنا
حتى تعود إلى مصر كرامتها / ويطهر النيل من ماءٍ به أجِنا
لا زلت يا وطن الإسلام منتصراً / بالجيش يزحف من أبنائك الأمنا
يَرُدّ عنك يد الأعداء خاسرةً / ويكشف الغَمّ عن أُفقَيك والمِحنا
سعدَيك من وطن جلّت مفاخره / عن الزوال فلا تَخشى بلىً وفنا
تالله إن معاليك التي سَلَفَت / تُعيي الفصاحة والتبيان واللَسنا
كم قد أقمت على الأيام من شرف / لنا وأنبَتَ من نبع العلاء غُصُنا
إنا نحبّك حبّاً لا انتهاء له / يستغرق الأرض والأكوان والزمنا
نَفديك منا بأرواح مطهّرة / أخلصن لله فيك السرّ والعّلّنا
إذا دهتك من الأيام داهية / فلا رعى الله عيناً تألف الوَسَنا
وإن فتنت بإحدى المزعجات نُرِق / منّا الدماء إلى أن نُخمد الفِتَنا
فقرّ عيناً وطِب نفساً وعش أبداً / وفُز بما شئت من حمد وطيب ثنا
ورب مستصحب لي قال يُخبرني / إن العدوّ إلى أرض العراق دنا
فقلت دع عنك هذا إنه خبرٌ / سواه يَبعث في أحشائي الشَجَنا
إن صحّ أن العدوّ اليوم مقترب / إلى العراق فقد أكدى وقد أفنا
إن العراق لعمر الله مسبعة / تَواثبُ الأسد فيه من هنا وهنا
دون الوصول إليه كلّ مُشعِلَة / شعواء تترك وجه الشمس مَكتمنا
فإن فيه رجالاً من بني مضر / إذا تحارب لا تستشفع الهُدَنا
قوم لَقاح أبَوْا أن يخضعُوا أبداً / إلى الملوك وإن أعطَوهم المُؤَنا
تحمَّلوا كل عبءٍ في حياتهم / إلا الصَغار وإلا الضيم والمِننا
لو أن أُمّاتهم مَنّت على أحد / منهم بألبانها لم يشربوا اللبنا
هم المغاوير إن صالوا بمَلحَمة / فلا يرون لهم غير المَنون مُنى
بَنْوا فأعلَوْا بناء المجد فارتفعوا / به على كل مَن قد شاده وبنى
فكيف تقعد عن حرب العدى فئة / أبت سوى العز مأوىً والعلا وُكَنا
أصبحت أعذل نوّاباً وأعيانا
أصبحت أعذل نوّاباً وأعيانا / عذلاً كنارٍ تلظّت في شراغانا
قصر أطلّ على البسفور مرتفعاً / إليه يشخص طرف العقل حيرانا
ذو زخرف يبهج العين التي نظرت / حتى تراه لها نوراً وإنسانا
راقت مبانيه اتقاناً وهندسةً / مستوقفاً صنعها من مرّ عجلانا
كل القصور عبيد وهو سيّدها / إذ كان أكرمها صنعاً وبنيانا
يمشي المهندس فيه وهو ينظره / مشي المقيّد يستقصيه امعانا
يضمّ كفّيه للإبطَين منبهراً / مقلّباً في الأعالي منه أجفانا
عرش به تعرف الناس الجلالة إذ / لاح الجمال على مبناه ألوانا
لو كان عرشاً لبلقيس لما خضعت / للأمر حين أتاها من سليمانا
فيه الحوادث أمست وهي ناطقة / بألسٍ دلعتها فيه نيرانا
فلو رأيت وقد شبّ الحريق به / والريح دلعتها فيه نيرانا
فلو رأيت وقد شبّ الحريق به / والريح تصفق للنيران أردانا
رأيت ملكاً كبيراً ثمّ محترقاً / يديب منه لهيب النار عقيانا
طالت به ألسن للنار تلحسه / لحساً يدكّ قوى البنيان إيهانا
يا درة في ضفاف البحر ضيّعها / قوم وكان بها البسفور مزدانا
كم قد أضاءت بوجه البحر مشرقة / ورصّعت من رءوس الهضب تيجانا
يا أيها القصر مذ أمسيت محترقاً / أبكيت في البحر أسماكاً وحيتانا
لم يبق منك لهيب النار باقية / ولا لدي القوم أبقى عنك سلوانا
معاول من شواط النار هادمةٌ / يا للعجائب كالأطواد جدرانا
قمنا أمامك والنيران صائلة / تدكّ منك على الأركان أركانا
كم هدة لك بين النار تُفزِعنا / حتى نخالك منها صرت بركانا
يهتزّ فيك لهيب حين نُبصره / نهتزّ بالحزن أرواحاً وأبدانا
فأنت تملأ صدر الجوّ أدخنةً / ونحن نملأ صدر الأرض أحزانا
ما أشرف القوم لو كانت مدامعهم / مطافئاً لك تجري الدمع غدرانا
ويل لمرتئسٍ قد قام مجتهداً / يسعى بجعلك للنواب ديوانا
حتى إذا كنت للنواب مجتمَعاً / بانت عواقب ذاك السعي خسرانا
للنار فيك حسيس كنت أحسبه / صحكاً على مَن بسوء الرأي أبكانا
أشكو إلى الله قلباً لا يطاوعني / أن لا أكون على الأوطان غيرانا
يا قوم أن بصدر الشعر موجدةً / لا يستطيع لها ستراً وكتمانا
ما بال نوابنا أمسوا نوائبنا / إذ لا يبالون مكروهاً تغشّانا
أما كفى أنهم لم يعملوا عملاً / حتى أرادوا اجتماعاً في شراغانا
هم يطلُبون قصوراً ينعمون بها / ونحن نطلب للأوطان عمرانا
ليس الجلوس ببهو القصر مفخرةً / لمن هم اليوم أشقى الناس أوطانا
قد ضيّعوا الحزم حتى أنهم ندموا / على الذي كان منهم بعد ما كانا
يعيش ذو الحزم مسروراً ومغتبطاً / وتارك الحزم لا ينفكّ ندمانا
وأحزم الناس من أن نام بات له / طرف على حدثان الدهر يقظانا
أين الطريق إلى العلياء نسلُكها / فإننا لم نزل يا قوم عميانا
لا الشعب يخلع أثواب الخمول ولا / نوّابه يلبسون الصدق قمصانا
الناس تسعى لدينا نحن نهملها / ما أسعد الناس في الدنيا وأشقانا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025