المجموع : 5
لُبنانُ روضُ الهوى والفنِّ لُبنانُ
لُبنانُ روضُ الهوى والفنِّ لُبنانُ / الأرضُ مسكٌ وهمسُ الدوحِ الحانُ
هل الحِسانُ على العهدِ الذي زعمت / وهل رِفاقُ شبابي مثلَما كانوا
أين الصبا أين أوتاري وبهجتُها / طوت بساط لياليهنَّ أزمان
أرنو لها اليومَ والذكرى تُؤرِّقني / كما تنبَّه بعد الْحُلمِ وسنان
هبني رجعتُ إلى الأوتارِ رَّنتَها / فهل لَشرْخِ الصبا واللهوِ رُجْعان
لا الكأس كأسٌ إذا طاف الحباب بها / بعد الشبابِ ولا الريحانُ ريحان
ما للخميلةِ هل طارت بلابلُها / وصَوَّحتْ بعد طول الزَهْوِ أفنانُ
وهَل رياضُ الهوى ولَّت بشاشتُها / وغادرْت ضاحك النُوَّارِ غُدرانُ
كم مدّ غصنٌ بها عيناً مشرَّدةً / إلى قدودِ العذارى وهُو حيرانُ
لقد رأى البانَ لا تسعَى به قدمٌ / فيا لدَهْشتِه لمّا مشى البَانُ
غِيدٌ لها من شذَى لُبنانَ نفحتُه / ومن مجانيه تُفَّاحٌ ورمَّانُ
من نَبْعِه خُلِقَتْ ما بالُها صرفتْ / سِرْبَ الشفاه الحيارَى وهو ظمآنُ
عينان أسكرتا شعري فإن عَثَرَتْ / به السبيلُ فعذراً فهو نشوانُ
وطلعةٌ كخدودِ الزهرِ غازلها / من الأصائِل أطيافٌ وألوانُ
من الملائِك إلاَّ أنها بشرٌ / وأنَّ نظرتَها البَهماءِ شَيْطَانُ
للّه أيامُنا الأولَى التي سلفتْ / وللصبابةِ مَيْدانٌ ومَيدانُ
والحبُّ كالطير رَفَّافٌ على فَنَنٍ / له إلى الإِلْفِ تغريدٌ وتَحنانُ
هيمانُ والماءُ في لُبنانَ عن كَثبِ / لكنّه بسوَى الأمواهِ هيمانُ
بدت له جارةُ الوادي الخصيبِ ضُحاً / كلُّ الأحبةِ في لُبنانَ جيرانُ
فأرسل العينَ في صمتٍ بلاغتُه / بكلِّ ما قال في دنياه سَحْبانُ
وللعيُونِ أحاديثٌ بلا كلِمِ / وكم لها في الهَوى شرحٌ وتبيانُ
والحبُّ سِرٌّ من الفِرْدوسِ نَبْعَتُهُ / وخيرُ ما يحفَظُ الأسرارَ كتمانُ
رنا لها فتمادتْ في تَدلُّلها / العينُ غاضبةٌ والقلبُ جذْلانُ
وغطَّتِ الوجهَ بالمِنْديلِ في خَفَرٍ / كما تَوارَى وراءَ الشكِّ إيمانُ
وأعرضتْ وإباءُ الغِيدِ لُعْبَتُها / فكلّما اشتدّ عُنْفاً فهو إذعانُ
إنَّ العذارَى حماك اللّهُ أحْجِيَةٌ / بها النفورُ رضاًن والحقُّ نُكْرانُ
هَزَزْتُ أوتارَ شعري حول شُرْفَتِها / كما ترنّم بالأسحارِ رُعْيانُ
شعرٌ من اللّه تلحيناً وتهْيئَةً / لا النَّايُ نايٌ ولا العِيدانُ عِيدانُ
إذا شدا أنصتتْ أُذْنُ الوجودِ له / وللوجودِ كما للناس آذانُ
شدا لها فرأى ليلُ الهوى عَجَباً / ولْهى يجاذبُها الأشواقَ ولهانُ
رَيّا حوت فتنةَ الدنيا غلائلُها / يضمُّها شاعرٌ للغِيد صَدْيَانُ
لانتْ لشعري كما لانتْ معاطفُها / والشعرُ سحرٌ له بحرٌ وأوزانُ
فتنتُها حينما همّتْ لتفتِنَني / والشعرُ للخفراتِ البِيضِ فتّانُ
سلاحُها لحظُها الماضي وأسلحتي / فَنٌّ يجرِّدُه للغزوِ فَنّانُ
كان الشبابُ شفيعي في نضارتِه / الزهرُ مؤتلِقٌ والعودُ فَيْنان
ماذا إذا لمحتني اليومَ في كِبرى / ومِلءُ بُرْدَيَّ أسقامٌ وأَشجانُ
طويتُ من صَفَحاتِ الدهرِ أكثرَها / وَعرَّقتني تصاريفٌ وحِدْثانُ
إني كتابٌ إلى الأجيال تقرؤهُ / له التغنِّي بمجدِ العُرْبِ عُنوانُ
مجدٌ على الدهرِ مذ كانت أوائلُه / ودولةٌ لبني الفُصحى وسُلطَانُ
صَوَارِمٌ ريعت الدنيا لوثبتِها / وحطِّمتْ صَوْلَجاناتٌ وتيجانُ
الناسُ عندهُمُ أبناءُ واحدةٍ / فليس في الأرض ساداتٌ وعُبْدانُ
تراكضوا فوقَ خيلٍ من عزائمهم / لهم من الحقِّ أَسْيافٌ وخُرْصانُ
وكلّما هدموا لِلشركِ باذخةً / أُقيم للدينِ والقِسْطاسِ بُنيانُ
في السلم إن حكموا كانوا ملائكةً / وفي لَظى الحرب تحتَ النقْعِ جِنَّانُ
أقلامُهم سايرتْ أَسيافَ صولتهِم / للسيفِ فتحٌ وللأقلامِ عِرفانُ
فأين مِن شرعِهم روما وما تركت / وأين من علمهم فُرْسٌ ويونانُ
كانوا أساتذةَ الآفاقِ كم نهِلتْ / من فيضِهم أممٌ ظَمْأَى وبُلدانُ
كانوا يداً ضمّت الدنيا أصابُعها / ففرّقتْها حَزازاتٌ وأضغان
تنمرّ الغربُ واحمَّرت مخالبُه / وأرهفت نابَها للفتكِ ذُؤبانُ
ثاراتُ طارقٍ الأولى تُؤَرِّقُهم / وما لما تتركُ الثاراتُ نسيانُ
تيقّظ الليثُ ليثُ الشرقِ محتدماً / فارتجَّ منه الشرى واهتزَّ خَفَّانُ
غضبانَ ردَّ إلى اليافوخِ عُفْرَتَه / وَمَنْ يصاولُ ليثاً وهو غضبانُ
لقد حَميْنا أُباةَ الضيمِ حَوْزَتَنا / من أن تُباحَن ودِنَّاهُم كما دانُوا
بني العروبةِ إنَّ اللّه يجمعُنا / فلا يفرِّقُنا في الأرضِ إنسانُ
لنا بها وطنٌ حرٌّ نلوذُ به / إذا تناءتْ مسافاتٌ وأوْطَانُ
غدا الصليبُ هلالاً في توحُّدِنا / وجمّع القومَ إنجيلٌ وقرآنُ
ولم نبالِ فُروقاً شَتَّتْ أُمماً / عدنانُ غسّانُ أو غسّانُ عدنان
أواصرُ الدَّمِ والتاريخِ تَجمعُنا / وكلُّنا في رِحابِ الشرقِ إخوانُ
قلبي وفيضُ دموعي كلّما خطرتْ / ذكرىَ فِلَسْطين خَفَّاقٌ وهتَّانُ
لقد أعاد بها التاريخُ أنْدلُساً / أخرى وطاف بها للشرِّ طوفانُ
ميراثُنا في فتى حِطّينَ أين مضى / وهل نهايتُنا يُتْمٌ وحِرمانُ
ردّوا تراثَ أبينا ما لكم صِلَةٌ / به ولا لكمُ في أمرِنا شانُ
مصيبةٌ برمِ الصبرُ الجميلُ بها / وعزّ فيها على السُلْوانِ سلوَانُ
بني فلسطين كونوا أُمَّةً ويداً / قد يختفي في ظِلالِ الوردِ ثُعبانُ
وكيف يأمَنُ رُعيانٌ وإن جَهِدوا / إذا تردَّى ثيابَ الشَاءِ سِرْحانُ
ومصرُ والنيلُ ماذا اليوْمَ خطبُهما / فقد سَرى بحديثِ النيلِ رُكْبانُ
كنانةُ اللّه حصنُ الشرقِ تحرسُهُ / شِيبٌ خِفافٌ إلى الْجُلَّى وشُبَّانُ
أَبَوْا على القسر أن يرضَوْا معاهدةً / بكل حرفٍ بها قيدٌ وسَجَانُ
وكم مَشَوْا للقاء الموتِ في جَذَلٍ / والموتُ منكمشُ الأظفارِ خَزْيانُ
لكل جسمٍ شرايينٌ يعيشُ بها / ومصرُ للشرقِ والإسلامِ شِرْيانُ
بني العروبة مدّوا للعلوم يداً / فلن تُقامَ بغيرِ العلمِ أركانُ
جمعتُمُ لشبابِ الشرقِ مؤتمراً / بمثله تزدهي الفصحى وتزدانُ
فقرِّبوا نهجَهم فالروحُ واحدةٌ / وكلُّهم في مجالِ السبقِ أقرانُ
لا تبتغوا غيرَ إتقانِ وتجربةٍ / فقيمةُ الناسِ تجريبٌ وإتقانُ
وحبِّبوا لغةَ العُرْبِ الفصاحِ لهم / فإنّ خِذْلانَها للشرقِ خِذْلانُ
قولوا لهم إنّها عُنوانُ وَحْدَتِهمْ / وإنَّهم حولَها جندٌ وأعوانُ
وكمِّلوهم بأخلاقٍ ومَرْحَمةٍ / فإنّما المرءُ أخلاقٌ ووِجْدانُ
يا نَسْمَة رنّحتْ أعطافَ وادينا
يا نَسْمَة رنّحتْ أعطافَ وادينا / قِفي نُحيِّيك أو عوجي فحيِّينا
مرَّتْ مع الصبح نَشْوَى في تكسُّرها / كأنَّما سُقِيتْ من كفِّ ساقينا
أرختْ غدائرَها أخلاطَ نافِجةٍ / وأرسلتْ ذيلَها ورداً ونِسْرينا
كأنّها روضةٌ في الأفقِ سابحةٌ / تمجُّ أنفاسُ مَسْراها الرياحينا
هبَّتْ بنا من جنوبِ النيلِ ضاحكةً / فيها من الشوقِ والآمالِ ما فينا
إنّا على العهدِ لا بعدٌ يحوِّلنا / عن الودادِن ولا الأيامُ تُنْسينا
أثرتِ يا نسمَة السودانِ لاعجةً / وهِجْتِ عُشَّ الهَوى لو كنتِ تدرينا
وسرت كالحلم في أجفان غانية / ونشوة الشوق في نجوى المحبينا
ويحي على خافقٍ في الصدر محتبسٍ / يكاد يطفر شوْقاً حين تسرينا
مرّت به سنواتٌ ما بها أَرَجٌ / من المُنَى فتمنّى لو تمرّينا
نبّهتِ في مصرَ قُمْريَّاً بِمُعشبةٍ / من الرياض كوجهِ البِكْر تلوينا
فراح في دَوْحِهِ والعودُ في يده / يردّد الصوتَ قُدْسيا فيشْجينا
صوتٌ من اللّه تأليفاً وتهيئةً / ومن حفيفِ غصونِ الروْضِ تلحينا
يَطيرُ من فَنَنٍ ناءٍ إلى فَنَنٍ / ويبعَثُ الشدْوَ والنجوَى أفانينا
يا شاديَ الدَوْحِ هل وعدٌ يقربُنا / من الحبيبِ فإنَّ البعدَ يُقْصينا
تشابهت نَزَعاتٌ من طبائعنا / لما التقتْ خَطَراتٌ من أمانينا
فجَاءَ شعريَ أنّاتٍ مُنَغَّمةً / وجاء شعرُك غَمْرَ الدمع محزونا
شعرٌ صَدَحنا به طبعاً وموهِبَةً / وجاشَ بالصدرِ إلهاماً وتلقينا
والنَّفسُ إنْ لم تكنْ بالشعرِ شاعرةً / ظنَّتْه كلَّ كلامٍ جاء موزونا
تعزّ يا طيرُ فالأيامُ مقبلةٌ / ما أضيقَ العيشَ لو عزّ المُعَزّونا
خُذِ الحياةَ بإيمانٍ وفلسفةٍ / فربّ شرٍّ غدا بالخيرِ مقرونا
فَكمْ وزنّا فما أجدتْ موازنةٌ / في صَفْحةِ الغيبِ ما يُعْيي الموازينا
الكون كوَّنه الرحمنُ من قِدَمٍ / فهل تريدُ له يا طيرُ تكوينا
إن المْنَى لا تُواتى من يهيمُ بها / كالغيدِ ما هجَرتْ إلاّ الملحّينا
تبكي وبينَ يديْكَ الزهرُ من عَجَبٍ / والأرضُ تبراً وروْضاتُ الهَوى غِينا
والماءُ يسبَحُ جذْلانَ الغديرِ إلى / منابتِ العُشْبِ يُحييها فيُحيينا
والزهرُ ينظرُ مفتوناً إلى قَبَسٍ / يُطِلُّ بين ثنايا السحْبِ مفتونا
قد حزْتَ مُلْكَ سليمانٍ ودولتَه / لكَ الرياحُ بما تختارُ يجرينا
ما أجملَ الكونَ لو صحّتْ بصائرُنا / وكيف نُبْصِرُ حُسْنَ الشيءِ باكينا
اللّه قد خلق الدنيا ليُسعدنا / ونحن نملؤُها حُزناً وتأبينا
إن جُزْتَ يوماً إلى السودانِ فارْع له / مودّةً كصفاءِ الدرِّ مكنونا
عهدٌ له قد رَعَيْنَاهُ بأعيُنِنا / وعُرْوةٌ قد عقدناها بأيدينا
ظِلُّ العُروبةِ والقرآنِ يجَمعُنا / وسَلْسَلُ النيل يُرويهم ويُروينا
أشعّ في غَلَسِ الأيام حاضرُنا / وضاء في ظُلْمةِ التاريخِ ماضينا
مجدٌ على الدهر فاسألْ مَن تشاءُ به / عَمْراً إذا شئتَ أو إنْ شئتَ آمونا
تركتُ مِصْرَ وفي قلبي وقاطرتي / مراجلٌ بلهيبِ النار يَغْلينا
سِرْنا معا فُبخارُ النار يدفَعُها / إلى اللقاء ونارُ الشوقِ تُزجينا
تَشقُّ جامحةً غُلْبَ الرياضِ بنا / كالبرقِ شقَّ السحاب الحُفَّلَ الجونا
وللخمائِل في ثوب الدجَى حَذَرٌ / كأنّها تتوقَّى عينَ رائينا
كأنهنّ العَذارَى خِفْن عاذلةً / فما تعرّضْنَ إلاَّ حيثُ يمضينا
وللقُرَى بين أضْغاثِ الكَرَى شَبَحٌ / كالسرِّ بين حنايا الليلِ مدفونا
نستبعدُ القُرْبَ من شوقٍ ومن كَلَفِ / ونستحث وإنْ كنَّا مُجدّينا
وكم سألْنا وفي الأفْواهِ جَابتُنا / وفي السؤالِ عَزاءٌ للمشوقينا
وكم وكم ملَّ حادينا لجاجتنا / وما علينا إذا ما ملَّ حادينا
حتَّى إذا ما بدتْ أَسْوانُ عن كَثبٍ / غنّى بحمدِ السُّرَى والليلُ سارينا
وما شجانيَّ إلاّ صوتُ باخرةٍ / تستعجلُ الركبَ إِيذانا وتأذينا
لها ترانيمُ إنْ سارتْ مُهَمْهَمةً / كالشعرِ يُتْبعُ بالتحريكِ تسكينا
يا حسنَها جنَّةً في الماء سابحةً / تلقى النَّعيمَ بها والحورَ والعينا
مرَّتْ تهادَى فأمواجٌ تُعانقها / حيناًن وتلثِمُ من أذيالها حينا
والنَّخلُ قد غَيبتْ في اليمِّ أكثرَها / وأظهرتْ سَعَفاًَ أحْوى وعُرْجونا
ما لابنةِ القَفْرِ والأمواه تسكُنُها / وهل يجاورُ ضَبُّ الحرَّة النونا
سِرْ أيُّها النيلُ في أمْنٍ وفي دَعَةٍ / وزادك اللّه إعزازاً وتمكينا
أنْتَ الكتابُ كتابُ الدهر أسطرُهُ / وَعَتْ حوادثَ هذا الكون تدوينا
فكم مُلوكٍ على الشَطْينِ قد نزلوا / كانوا فراعينَ أو كانوا سلاطينا
فُنونُهم كنّ للأيام مُعْجِزةً / وحُكمهم كان للدنيا قوانينا
مرّوا كأشرطةِ السّيما وما تركوا / إلا حُطاماً من الذكرى يُؤَسِّينا
إنا قرأنا الليالي من عواقِبها / فصار ما يُضحكُ الأغْرارَ يُبكينا
ثم انتقلنا إلى الصحراءِ تُوسِعُنا / بُعْداً ونُوسعُها صبراً وتهوينا
كأنّها أملُ المأفون أطلقهُ / فراح يخترق الأجواءَ مأفونا
والرملُ يزخَرُ في هَوْلٍ وفي سَعَةٍ / كالبحرِ يزخَرُ بالأمواج مشحونا
تُطلُّ من حَوْلها الكُثبانُ ناعسةً / يمدُدْنَ طَرْفاً كليلاً سفينا
وكم سَرابٍ بعيدٍ راح يخدَعُنا / فقلت حتى هُنا نلقى المُرائينا
أرضٌ من النوم والأحلام قد خُلِقتْ / فهل لها نبأٌ عند ابن سيرينا
كأنما بسط الرحمنُ رُقْعتَها / من قبل أن يخلُقَ الأمواهَ والطينا
تسلَّبَتْ من حُلِيِّ النَبْتِ آنفةً / وزُيِّنت بجلالِ اللّه تزيينا
صمْتٌ وسحرٌ وإرهابٌ وبعدُ مدىً / ماذا تكونين قولي ما تكونينا
صحراءُ فيكِ خَبيئاً سرُّ عِزَّتِنا / فأفصحي عن مكانِ السرِّ واهدينا
إنّا بنو العُربِ يا صحراءُ كم نَحتت / من صخركِ الصلْدِ أخلاقاً أوالينا
عزّوا وعزتّ بهم أخلاقُ أمّتهِم / في الأرضِن لمّا أعزّوا الْخُلقَ والدّينا
مِنَصّة الحكم زانوها ملائكة / وجَذْوَة الحرب شبّوها شياطينا
كانوا رُعاةَ جِمالٍ قبلَ نهضتِهم / وبعدها مَلأوا الآفاق تمدينا
إن كَبّرتْ بأقاصي الصين مِئْذَنةٌ / سمعتَ في الغربِ تهليلَ المصلّينَا
قف يا قِطارُ فقد أوهى تصبُّرنا / طولُ السفارِ وقد أكْدَتْ قوافينا
وقد بدتْ صفحةُ الْخُرْطوم مُشْرقةً / كما تجلَّى جلالُ النورِ في سينا
جئنا إليها وفي أكبادنا ظمأٌ / يكاد يقتُلُنا لولا تلاقينا
جئنا إليها فمن دار إلى وطنٍ / ومن منازِل أهلينا لأهلينا
يا ساقيَ الحيِّ جدّد نَشْوَةً سلفتْ / وأنت بالجَنَباتِ الحُمُرِ تسقينا
واصدَحْ بنونيةٍ لما هتفتُ بها / تشرّق السمع شوقي وابنُ زيدونا
وأحْكِم اللحنَ يا ساقي وغنِّ لنا / إنَّا محيّوكِ يا سلمى فحيينا
تألَّقَ النصْرُ فاهتزّتْ عَوَالينا
تألَّقَ النصْرُ فاهتزّتْ عَوَالينا / واستَقْبَلتْ مَوْكِبَ البُشْرَى قَوافِينَا
غَنّى لَنا السَّيْفُ في الأعناقِ أغْنيةً / عَزَّتْ على الأيكِ إيقاعاً وتلْحِينَا
هَزَّتْهُ كَفٌّ من الفُولاذِ قَبْضتُهَا / في الهَوْلِ ما عَرَفَتْ رِفْقاً ولا لِينَا
من صَخْرِ خُوفُو لها دُونَ الْوَرى عَضَلٌ / جرى به دَمُ عَدْنانٍ شَرايينا
نفسي فِدَى الفارِسِ المصرِيّ إن خطَرَتْ / به المواكِبُ أو خَاضَ الميادينَا
تلقَاهُ في السِلْمِ ماءً رفَّ سلسَلُهُ / وفي الحُروبِ إذا ما ثَارَ أَتُّونَا
يرى الدِّماءَ عقيقاً سَالَ جَامِدُهُ / ويحسَبُ النقْعَ فيها مِسْكَ دارِينا
ما بَيْنِ عمرو ومينا زانَهُ نَسَبٌ / فمن كآبائِهِ عُرْباً فَراعِينَا
سَلْ مِصْرَ عنهم سَلِ التاريخَ إنَّ بهِ / سِرّاً من المجدِ لا يَنْفَكُّ مكْنُونَا
سُيُوفُهم كُنَّ للطغيَانِ ماحِقَةً / وعدْلُهُمْ كانَ للدنيا مَوازِينَا
وجيْشُهُمْ هزَّتِ الدُّنيا كتائِبُهُ / وحكمهُمْ مَلأَ الآفاقَ تمدِينَا
إنَّا بَني الأُسْدِ أمضَى مِخْلباً ويداً / لَدَى الصِّراعِ وأحْمَى الناسِ عِرْنينَا
إذا دَعَا الحقُّ لبَّتْهُ جحافِلُنا / وإن سَطَا الجَوْرُ ردَّتهُ مَواضِينا
عِشْنَا أعِزَّاءَ مِلءَ الأرضِ ما لمسَتْ / جِبَاهُنَا تُرْبَهَا إلاَّ مُصِلّينَا
لا ينْزِلُ النصرُ إلاَّ فوْقَ رايتنا / ولا تمسُّ الظُّبَا إلاّ نَواصِينَا
ألَيْسَ من أُحْجِياتِ الدَّهْرِ قُبَّرةٌ / رَعْنَاءُ تَزْحَمُ في الوَكْرِ الشَواهينَا
وتائِهٌ مالَهُ دَارٌ ولاَ وطنٌ / يسْطُو على دارِنا قَسْراً ويُقْصِينَا
فيا جبالُ اقذفي الأحجارَ من حُمَمٍ / ويا سَمَاءُ امْطِري مُهْلاً وغِسْلينَا
ويا كواكبُ آنَ الرَّجْمُ فانطلقي / ما أنتِ إنْ أنتِ لم تَرْمِ الشياطينا
ويا بحارُ اجْعَلي الماءَ الأُجَاجَ دَماً / إذا عَلَتْ رَايةٌ يَوْماً لصهيونَا
العَهْدُ عِنْدهُمُ خُلْفٌ ومجحدَةٌ / فما رأيناهُمُ إلاّ مُرَائينَا
ما ذَلِكَ السمُّ في الآبارِ ويْلكُمُ / وَمَنْ نُحارِبُ جُنْداً أم ثَعابينَا
مَرْحَى بدولتهِمْ ماتت لمولدِها / فكانَ ميلادُها حُزْناً وتأبينَا
جاءوا مُهَنِّينَ أرْسالاً على عَجلٍ / فحينمَا نطَقُوا كانُوا مُعزِّينا
وآضَ تَصفِيقُهُمْ نَوْحاً ومندَبةً / وأصبحَ البِشْرُ تقطيباً وتَغْصِينَا
رِوايةٌ ما أقامُوا سَبْكَ حَبْكَتِها / ولا أجَادُوا لها لَفْظاً وتلقِينَا
قد حيَّرتْنَا أمأساةٌ أَمهزلَةٌ / فالسُّخْفُ يُضْحِكُنا والجهلُ يُبكينَا
أهْلاً بِها دوْلةً ضاقَ الفضاءُ بها / فَتْحاً وغَزْواً وإِعْزازاً وتمكينَا
لها قوانينُ من عَدْلٍ ومَرْحَمَةٍ / قد نَفَّذُوا بعْضَها في دَيْرِ يا سينَا
أسْطُولُها يملأُ البحر المحيطَ دَماً / وجيشُهَا يملأُ الآطَامَ تَحصينَا
نفسي فِدَاءُ فلسطينٍ وما لَقِيتْ / وهل يناجي الهوى إلاّ فِلسْطينا
نفسي فِدَاءٌ لأُولَى القبلتين غدتْ / نَهْباً يُزاحِمُ فيه الذئبُ تِنِّينَا
قلبُ العروبَةِ إن تَطعنْهُ زِعنِفَةٌ / كُنَّا لها ولأشقاهَا طَواعينَا
وقلعَةُ الشرقِ إن مُسَّتْ جوانِبُها / خُضْنَا لها جُثثَ القتْلَى مَجَانينَا
وأسْطُرٌ من تَواريخٍ مُخَلَّدةٍ / كانت لمجدِ بَني الفُصْحَى عَنَاوينَا
فقبِّلُوا تُرْبَ حطِّينٍ فإنَّ بهِ / دَمَ البُطُولةِ مِنْ أيام حطينَا
أرْضٌ بذَلْنَا بهَا الأرواحَ غاليةً / داعين للّهِ فيها أو مُلَبّينَا
ومسجِدٌ نزلَ المختارُ ساحتَه / نمُوتُ فيه ونحْيَا مُسْتميتينَا
أنرتَضِي أنْ نَرى مِيراثَنا بَدَداً / وتكتفي بدموعٍ في مآقِينَا
ما قيمةُ النَّفسِ إن هانَتْ لطائفةٍ / اللّه صَوَّرَ فيها الذُّلَّ والهُونَا
وما نقولُ لأبطالٍ لنا سَلَفوا / إذا تَهدَّم ما كانُوا يَشيدونَا
وما نقولُ لعمرٍو حينَ يسأَلُنا / إن لم نُجِبْ قبلَهُ بالسيفِ غازِينَا
أتلكَ أندَلُسٌ أُخْرى فقد نبشَتْ / من حقدِ ساداتِهمْ ما كان مدفُونَا
سُحْقاً لسكِّينِ فرديناند كم ذَبحتْ / واليومَ تشحَذُ أمريكا السكاكينَا
قد شرَّدُوا العُرْبَ واستاقُوا حرائِرَهُمْ / فأينَ فِتيانُنا أيْنَ المحامُونا
من كُلِّ عَادٍ له في الشرِّ فلسفةٌ / أسرارُها عند مُوشَى وابن غُرْيونا
لا يَعْرِفُ الرُّزْءَ في أهلٍ ولا ولدٍ / ولا يرى غيرَ جمعِ المالِ قانونَا
الألفُ تصبِحُ في كفَّيهِ بين رِباً / وبينَ ما لستُ أدريهِ ملايينَا
إن كان يحميهمُ المالُ الذي جمعُوا / فإنَّ خالقَ هذا المال يَحمينَا
قالوا أسُودٌ فقُلنَا في الجحورِ نَعَمْ / فإن خرجتُمْ يَعُدْ كُوهينُ كُوهينَا
بني العُرُوبة هذا اليومُ يومُكُمُ / سيرُوا إلى الموتِ إنّ الموتَ يُحيينَا
وخلفُوا للعُلا والمجدِ خالدةً / تبقى حديثَ اللَّيالي في ذَرَارينا
لقد صَدِئْنا ودُون الغِمدِ منفسَحٌ / فجرِّدُوا حَدَّ مَاضينا لآتينَا
وقَرِّبُوهُمْ قرابيناً مُحَوَّرةً / للسيفِ إن يَرْضَ هاتيكَ القرابينَا
ماذا إذا مَا فَقدنا إرْثَ أُمَّتِنَا / وما الذي بعدَهُ يبقى بأيْدِينَا
ذُودُوا كما يدفَعُ الضِّرغَامُ في غضبٍ / عن العرينِ أُبَاةً شَمريينَا
لا ترهَبُوا القومَ في مالٍ وفي عددٍ / إن الفقاقيعَ تطْفُو ثم يَمْضينَا
إن لم تَصونُوا فَلِسْطِيناً وجبهتها / ضاعت عُرُوبتُنا وانفضَّ نَادينَا
فإنَّ للشرقِ أعْدَاءً ذوِي إحَنٍ / اللّهُ يكفيهِ نجواهُمْ ويكفينَا
لهُمْ سِهامٌ خفياتٌ مسممةٌ / من السياسة تَرْميهِ وتَرْمينَا
كم نمقوا صُوَراً شتَّى وكَمْ خلَقُوا / للغدْرِ والفتكِ أشكالاً أفَانينَا
يا جَيْش مِصْرَ ولا آلوكَ تهنئةً / حققْتَ ظَنَّ الليالي والمُنَى فينَا
وصَلْتَ آخِرَ عُلْيانا بأوَّلِهَا / فما أواخِرُنَا إلاَّ أوالينَا
أعَدْتَها وثبةً بدريَّةً صرعَتْ / دُهَاةَ جيشِ يهوذا والدَّهاقينَا
شجاعَةٌ مزَّقتْ أحلامَ ساستِهمْ / وعلَّمتْ مُترفيهِم كيفَ يصْحُونَا
تسيرُ من ظَفَرٍ حُلْوٍ إلى ظفرٍ / مُبَارَكَ الفتحِ والرّاياتِ ميمُونَا
فيكَ الملائِكُ أجْنَأدٌ مُسوَّمَةٌ / أعْلامُها تتهادَى حَوْلَ جِبْرينَا
وفيكَ من مُهجَاتِ النيلِ ناشئَةٌ / فيها مَطامِحُنا فيها أَمَانينَا
يمشون للموتِ في شوقٍ وفي جَذَلٍ / لأنَّهُمْ في ظِلال اللّهِ يمشُونَا
إن شَكَّ في عَزمةِ المضرِيّ مُخْتَبَلٌ / فبيْن فِتْيانِنا يلْقى البَراهينَا
لا يستطيعُ خَيالٌ وصْفَ جُرْأتِهمْ / ويعجزُ الشعرُ تصويراً وتَلْوينَا
هُمُ رياحينُ مصرٍ نَضْرَةً وشذاً / لا أذْبَلَ اللّهُ هاتيكَ الرياحينَا
صانَ الإلَهُ لجيشِ الشرقِ عزَّتَهُ / وصَانَ أبطالَهُ الغُرَّ الميامينا
يا ساريَ الشِّعْرِ يَطْوِي الْجَوَّ في آنِ
يا ساريَ الشِّعْرِ يَطْوِي الْجَوَّ في آنِ / وَيَمْلأُ الأُفْقَ تَغْريداً بأَلْحاني
يَخْتالُ في بُرْدَةِ الفُصْحَى وتُسْعِدُهُ / بَدَائِعُ الْحُسْنِ من آياتِ عَدْنان
سِرْ أَيُّها الشِّعرُ واركَبْ كلَّ ناجيَةٍ / من الرِّياحِ فقد أُلْقَتْ بأَرْسَان
سِرْ بالرِّياضِ وخُذ مِنْها نَضارَتها / ونَاغ ما شِئْتَ مِنْ وَرْدٍ ورَيْحان
الكَوْنُ أُذْنٌ لِمَا تُلْقِيه وَاعِيةٌ / فامْلأْ مَدَاهُ بصَوْتٍ مِنْكَ رَنَّان
وَبَلِّغِ الأَرْضَ أنَّا في حِمَى مَلِكٍ / صَوْبُ الْحَيَا ونَدَى كَفَّيْهِ سِيّان
وَإِنْ تَزُرْ كَعْبَةَ الآمالِ مُشْرِقَةً / مِنْ عابِدينَ فطُفء مِنها بأَرْكان
وقِفْ وأَطْرِقْ خُشُوعاً أنتَ في قُدُسٍ / ضافي المَهَابةِ عالي الشَّأْوِ وَالشَّانِ
قَصْرٌ بَناهُ بُناةُ المَجْدِ مِن هِمَمٍ / فَلَمْ يُطاوِلْ عُلاهُ أَيُّ بُنْيان
فأَيْنَ كِسْرَى وَما أَعْلَى مَشَارِفَهُ / في بُهْرَة المُلْكِ مِنْ صَرْحٍ وإِيوان
أَساسُهُ عَزَماتٌ جَلَّ خالِقُهَا / لا ما يَرَى الناسُ من صَخْرٍ وصَوّان
يُطِلّ مِنْهُ عَلَى آمالنا مَلِكٌ / يُزْهَى به الشعْبُ في سِرّ وإعْلان
في وَجْهِهِ قَسَمات قَدْ دَلَلْنَ عَلَى / ما ضَمَّهُ القَلْبُ مِنْ نُبْلٍ وإِيمان
يابْنَ الأُلَى بَعَثُوا مِصْراً لِنَهْضتِها / وَأيقَظوا من بَنيها كُلَّ وَسْنان
وأرْسَلُوها إِلَى العَلْياءِ فانْطَلَقتْ / تَعْدُو إِلَى الْمَجْدِ في جدٍّ وإمْعانِ
كأنَّها تَبتغِي في الشَّمْسِ حاجَتَها / أو أنّها أوْدِعَتْ سِرّاً لكَيْوان
آثارُهُمْ في ضِفافِ النِّيلِ ماثِلةٌ / أبْقَى عَلى الدَّهْرِ مِنْ رَضْوَى وثَهلان
كأنَّها وهْيَ في الوَادِي قد انْتَثَرتْ / عِقْدٌ تَنَاثَرَ عَنْ دُرٍّ وَعِقْيان
جاءُوا بما عَزَّ في الآذانِ مَسْمَعُهُ / عَنِ المُلوكِ ولم تُبْصِرْهُ عَينان
في باحَةِ السِّلْمِ كانُوا رَحْمةً وهدىً / وفي الكَريهةِ كانوا أُسْدَ خَفّان
قد حاوَلُوا الصَّعْبَ حَتَّى ذَلَّ شامِسُهُ / ومالَ بالرَّأْسِ عَنْ يُسْرٍ وإمْكان
غَفْراً فُؤَادُ أَبا الفارُوقِ إِن عَجَزَتْ / عَنْ عَدِّ آلائِكَ الغَرَّاءِ أوْزاني
حَاولْتُ تَصْوِيرَها جُهْدِي فما اتَّسَعَتْ / لِبَعْضِ ذلكَ أَلْواحي وأَلْواني
والبحرُ تُبْصِرُ جُزْءَا حَوْلَ ساحِلِهِ / ولَيْسَ في دَرْكِهِ طَوْقٌ لإِنسان
في كُلِّ يَوْمٍ لكُمْ في مِصْر عارِفَةٌ / في طَيِّها مِنْ نَدَاكُمْ أَلْفُ بُرْهان
نَشَرْتَ فيها رُبُوعَ العِلْمِ زاهِرةً / جَلاَلَةُ المُلْكِ في عِلْمٍ وعِرْفان
غرَسْتَهُ دَوْحَةً غَنَّاءَ وَارِفَةً / قَريبَةَ المُتَمَنَّى ذَاتَ أَفْنان
وساسَنا منكَ رأْيٌ زانَهُ خُلُقٌ / قد صاغَهُ اللّهُ من رِفْقٍ وإِحْسان
الدِّين زاهٍ وَوَجْهُ المُلْكِ مُؤْتَلِقٌ / كالرَّوْضِ جادَ ثَراهُ صَوْرُ هَتَّانِ
رَدَدتَ لِلُّغَةِ الفُصْحى بَشَاشَتَها / مِن بَعْدِ أَنْ هَجَرتها مُنْذُ أَزْمان
قد ذَكَّرَتْها أيادِيكَ التي عَظُمَتْ / مَنَازِلَ العِزِّ في دَاراتِ قَحْطان
أَوْلَيْتَها مَجْمَعاً طابَتْ مَشارِعُهُ / وَبَلَّ منهُ صَداهُ كلُّ صَدْيان
أعادَ في مِصْرَ عَهْداً للرَّشيدِ مضَى / أيامَ أشْرَقَتِ الدُّنْيا بِبَغْدان
سَعَتْ لِساحَتِكَ الدُّنْيا ويَمَّمَها / جَهابِذُ القَوْمِ مِنْ قاصٍ ومِنْ داني
هَذِي الإِذاعَةُ يا مولايَ قد نَطَقَتْ / بما بَذَلْتَ بإِفْصَاحٍ وتِبْيان
مِنْ قَبْلها سارَ سَيْرَ الشمسِ ذكْرُكمُ / يَطْوِي الْجِواءَ بأقْطارٍ وبُلْدانِ
أنشَأْتَها جَنةً غَنَّتْ بلاَبِلُها / وغَرّدَتْ بين أوراقٍ وأَغْصانِ
فيها الثَّقافاتُ ألوانٌ مُنَوَّعَةٌ / تُزْجَى إِلى الشَّعبِ من آنٍ إلى آن
قد أصْبَحَتْ مَنْهلاً يَسْعَى لِطالِبِه / فاعجبْ إِلى مَنْهلٍ يَسْعَى لِظَمْآن
عِشْ لِلْبِلادِ أبا الفَارُوق نُورَ هُدىً / وأَعْلِ رايَتَها في كُلِّ مَيْدان
وعاشَ فاروقُ للدنْيا يُجَمِّلُها / ويَزْدَهِي بمُحَيَّاهُ الْجديدان
لما دَعوْهُ أَمِيراً للصعِيدِ سَمَا / بِهِ الصَّعيد وأضْحَى جِدَّ جَذْلان
لا زالَ زِينَةَ عَهْدٍ طابَ مَوْرِدُهُ / مُجَمَّلٍ بِجَلاَلِ المُلْكِ مُزْدَان
رُدّا شَبَابِي وَرُدّا عهدَ زيدانِ
رُدّا شَبَابِي وَرُدّا عهدَ زيدانِ / ومِنْ روَائعِ ما أَمْلاَهُ زيداني
قرأتهُ ورياضُ العُمْرِ وارفةً / فكانَ منهُ ومن سنِّي شبابَان
في ضوءِ خافقةٍ في الريف شعلتها / كالسِّر ما بينَ إعلانٍ وكِتْمَانِ
بدت بها زُمُرُ الأبطالِ ماثلةً / تطوي القرونَ لألقاهَا وتلقاني
من كلِّ ما شَادَ للإسلام مملكةً / أبقى على الدهرِ من رضوى وثهْلانِ
للعرب بالضادِ إيمانٌ يوحّدهم / كانوا لعدنانِ أو كانُوا لغسّانِ
ما خطّ زيدانُ أسطاراً على صحفٍ / لكن جلا صُوَراً من صُنْعِ فَنّانِ
قد كانَ أوّل مرتادٍ لأمته / والخلدُ في هذه الدنيا لَهُ ثَانِي