المجموع : 11
هُمْ سَادَةُ الحربِ من شِيبٍ وشُبّانِ
هُمْ سَادَةُ الحربِ من شِيبٍ وشُبّانِ / ساروا سِراعاً فما في القومِ من وَانِ
حِيدي جُهَيْنَةُ أو بِيدي مُذَمَّمةً / حُمَّ القضاءُ وخَفَّتْ أُسْدُ خفّانِ
سريّةُ اللهِ ترمي عن يَدَيْ بطلٍ / عالي اللواءِ رفيعِ القَدْرِ والشّانِ
أبا عُبيدَةَ أَوْرِدْها مُظَفَّرَةً / مَوارِدَ النّصرِ تَشفِي كلَّ حَرّانِ
ما للحفِيظَةِ إن جاشَتْ مَراجِلُها / إلا القواضِبُ تُسقَى بالدّمِ القاني
خانت قُريشُ وأمسى عَهدُها كَذِباً / فَبَادِرِ العيرَ وَاضْرِبْ كُلَّ خَوَّانِ
لا يعجبنّ جُناةُ الشرّ إن حَصَدوا / ما يزرعُ الشُّؤْمُ من بَغْيٍ وعُدوانِ
لا تبتئسْ بجرابِ التمرِ يحملُهُ / أولو الحميَّةِ من صَحْبٍ وإخوانِ
أُعجوبةٌ ما لها في الدّهرِ من مَثَلٍ / لكنَّ ربَّكَ ذُو فضلٍ وإحسانِ
إن يَنفدِ الزّادُ أغناكم وزوّدكم / ما ليس يَنفدُ من تقوىً وإيمانِ
كُلُوا من الخَبْطِ نِعمَ الخَبْطُ من أُكُلٍ / لكلّ ذي سَغَبٍ في اللهِ طَيَّانِ
حيّاكُمُ اللهُ من صِيدٍ غَطَارِفَةٍ / يلقون في البؤسِ عيشَ النّاعمِ الهاني
هِيَ النّفوسُ بناها اللهُ من شَممٍ / نِعمَ البناءُ وجَلَّتْ قدرةُ الباني
وأنتَ يا قيسُ فانْحَرْها مُبَارَكةً / تَجنِي بها الحَمْدَ يسْتَعلِي به الجاني
أسديتَها يا ابنَ سعدٍ خيرَ عارفةٍ / جاءَتْ على قَدَرٍ في خيرِ إبّانِ
ما في صَنيعِكَ من بِدْعٍ ولا عَجَبٍ / قَيسٌ ووالدُهُ في الجودِ سِيّانِ
كِلاكُما وسيوفُ اللهِ شاهدةٌ / غَوْثُ اللّهيفِ وَروْحُ البائِسِ العاني
ما أقربَ الحقَّ ممّا يَبتغي عُمَرٌ / لو لم تكنْ لأبٍ للحقِّ صَوَّانِ
يَقضيهِ عنكَ وإن أربيتَ تجعلُهُ / ما تحملُ الأرضُ من إبْلٍ ومن ضَانِ
ما مِثلُ ما قَدَّمَتْ للهِ منك يدٌ / ما قَدَّمَ النّاسُ من هَدْيٍ وقُربانِ
أبا عُبَيْدَةَ لولا أن عزمتَ على / قيسٍ لأَمعنَ قيسٌ أيَّ إمعانِ
يَقولُ إذ رُحتَ تَنهاهُ وتَمنعُهُ / أبا عُبيدَةَ مَهْلاً كيف تنهاني
أنا ابنُ سعدٍ وسعدٌ أنتَ تعرِفُهُ / مَوْلَى العشيرَةِ من قاصٍ ومن دانِ
يَكفي المُهِمَّ إذا ضاقَ الكُفاةُ به / ويُطعِمُ النّاسَ من مَثْنَىً وَوُحدَانِ
أأصنعُ الصُّنْعَ مَحموداً فَيخذِلُني / أبٌ أراه لغيرِي خيرَ مِعوانِ
لا يُبعِدِ اللهُ منه والداً حَدِباً / سمحَ الخلائِقِ أرعاهُ ويرعاني
يا قيسُ إنّ رسولَ اللهِ شاهِدُهُ / فَعَدِّ نَفسَكَ عن وصفٍ وتبيانِ
رَمَتْ جُهَيْنَةُ بالأبْصَارِ من فَزَعٍ / فلم تَجِدْ غيرَ أبطالٍ وفُرسانِ
لاذَتْ بأكنانِها القُصوى ولو قَدرتْ / لاذتْ من الزّاخرِ الطّامِي بأكنانِ
وولّتِ العِيرُ يخشى أن يُحاطَ بها / من الأُلَى هُمْ ذَووها كلُّ شيطانِ
ماذا على القَوْمِ يرضَى البأسُ إن غَضبوا / أن لا يفوزوا بأكفاءٍ وأقرانِ
آبوا بخيرٍ وآبتْ كلُّ طائفةٍ / من الأُلى كَرِهوا الحُسْنَى بِخُسرانِ
للحقِّ سُلطانُهُ فليأتِ مُنكِرُهُ / إنِ اسْتَطاعَ له رَدّاً بِسُلطَانِ
ما حُجَّةُ الشِّركِ والأكوانُ شاهِدَةٌ / بواحدٍ سَرمَدِيِّ المُلكِ دَيّانِ
سُبحانهُ لن يُصيبَ الجاهلونَ على / طُولِ التَّوهُّمِ من ربٍّ لهم ثانِ
طاحَتْ بهم غَمرةٌ ما تَنجَلي وطَغَتْ / على عُقولٍ لهم مَرْضَى وأذهانِ
تلك البراهينُ تترى كلَّ آونةٍ / لو كان ينتفعُ الأعمى بِبرهانِ
أخا جُهَيْنَةَ عُدْ في منظرٍ بَهِجٍ / عَوْدَ امرئٍ مَرِحِ الأعطافِ جَذلانِ
تَمْرٌ وكُسْوَةُ مِعطاءٍ وراحلةٌ / بُشْرَى الصّديقِ وبؤْس الحاسِدِ الشّاني
عَرَفَت قيساً فتى مجدٍ ومكرمةٍ / صدقتَ إنَّكَ ذو علمٍ وعرفانِ
نَبِّئْ جُهَينَةَ واذكرها يداً عظمتْ / فليس في الحقِّ أن تُجزَى بنسيانِ
إذا تدفَّقَ دِينُ المرءِ في دمِهِ / سَرَتْ معانِيهِ في رُوحٍ وجُثمانِ
ما الدينُ يُشرَعُ من صدقٍ ومن وَرَعٍ / كالدينِ يُشرَعُ من زورٍ وبُهتانِ
يا مَنزلَ النَفسِ تَرضاهُ إِلى أَجلٍ
يا مَنزلَ النَفسِ تَرضاهُ إِلى أَجلٍ / مِن الحَياةِ وَتجفوه إِلى حينِ
لا تجزعنَّ لِطُولِ البَينِ إِن جَزعَت / أَطلالُ كلِّ شَجيِّ الرَسم محزونِ
لَسَوفَ تَقضي النَوى مِن بَعدنا عَجَباً / لِمُقفرٍ بِعوادي الدَهرِ مَسكونِ
بَنَيتَ مِن زُخرفِ الدنيا وَباطِلها / فالقَ العَفاءَ وَدَعنِي في حَمى الدينِ
صونوا الذِمامَ فَإِنَّ الحُرَّ مَن صانا
صونوا الذِمامَ فَإِنَّ الحُرَّ مَن صانا / وَجَدِّدوا مِن قَديمِ العَهدِ ما كانا
إِنَّ الأُلى بايَعوا المُختارَ أَوفَدَهُم / فَبايِعوهُم وَزيدوا الناسَ إيمانا
خُذوا الكِتابَ مِنَ الصِدّيقِ وَالتَمِسوا / بَينَ الصُفوفِ أَبا حَفصٍ وَعُثمانا
خَيرُ النَبِيّينَ يُصفيكُم مَوَدَّتَهُ / وَاللَهُ يَشكُرُكُم فَضلاً وَإِحسانا
أَتِلكَ لِلنَشءِ دارٌ نَحنُ نَشهَدُها / أَم نَحنُ نَشهَدُ لِلإِسلامِ إيوانا
طافَ الأَمينُ عَلى ريحِ الجِنانِ بِها / فَزادَها مِن جَلالِ الحَقِّ أَركانا
لَمّا عَطَفتُم عَلى القُرآنِ مِن نُسُكٍ / تَدَفَّقَت جَنَباتُ النيلِ قُرآنا
تِلكَ الجَماعاتُ هَبَّت مِن مَجاثِمِها / تَدعو إِلى اللَهِ شَعباً باتَ وَسنانا
يَشكو العَمى وَكِتابُ اللَهِ في يَدِهِ / يَكادُ يُنكِرُهُ جَهلاً وَنِسيانا
نورٌ تَدَفَّقَ لَولا اللَهُ مُرسِلُهُ / إِذَن لَجاشَت شُعوبُ الأَرضِ عُميانا
إِذا المَمالِكُ مالَت عَن مَناهِجِهِ / كانَت حَضارَتُها زوراً وَبُهتانا
مَن راحَ مِن قَومِنا يُحيي مَراشِدَهُ / أَحيا بِها أُمَماً شَتّى وَأَوطانا
إِن أَنتَ أَطلَقتَ في الآفاقِ حِكمَتَهُ / أَطلَقتَ لِلعِلمِ وَالعِرفانِ طوفانا
وَإِن رَمَيتَ بَني الدُنيا بِقُوَّتِهِ / رَدَّ العُبابَ دَماً وَالأَرضَ بُركانا
يُزجي الأَساطيلَ في الآياتِ ظافِرَةً / وَيَغمُرُ الحَربَ أَبطالاً وَفُرسانا
بَنى الرَسولُ عَلَيهِ أُمَّةً هَدَمَت / أَقوى الشُعوبِ بِهِ عِزّاً وَسُلطانا
إِنَّ الَّذي نَزَّلَ الذِكرَ الحَكيمَ عَلى / رَسولِهِ زادَهُ حِفظاً وَتِبيانا
باقٍ عَلى الدَهرِ لا يَخشى غَوائِلَهُ / وَلا يَخافُ مِنَ الباغينَ عُدوانا
أَلا تَقومُ بِدارِ المُلكِ جَمهَرَةٌ / تَحمي البِناءَ وَتَرعى الأَمرَ وَالشّانا
هُنالِكَ المَرجِعُ الأَعلى يَكونُ لَنا / إِذا التَمَسنا عَلى الخَيراتِ مِعوانا
لا بُدَّ لِلأَمرِ مِن مَسعىً يُحَقِّقُهُ / وَاللَهُ أَكرَمُ مَن يُرجى لِمَسعانا
يا بَعثَةَ الأَمَلِ المُخضَرِّ جانِبُهُ
يا بَعثَةَ الأَمَلِ المُخضَرِّ جانِبُهُ / يَحيا بها الراجِيانِ الشَعبُ وَالوَطَنُ
سيروا إِلى الأُفُقِ الغَربِيِّ عَن أُفُقٍ / أَنتُم أَهِلَّتُهُ تُجلى بِها المِحَنُ
وَحَدِّثوا القَومَ أَنّا أُمَّةٌ عَرَفتَ / مَعنى الحَياةِ فَلا نَومٌ وَلا وَهَنُ
وَأَنَّكُم رُسُلُ الآباءِ موفَدَةٌ / كَيما يُرَدُّ تُراثٌ ثَمَّ مُرتَهَنُ
إِن يَفخَروا أَو يَقولوا أُمَّةٌ لَعِبَت / بِها الأَكُفُّ وَأَشقى جَدَّها الزَمَنُ
فَذَكِّروهُم بِآثارٍ مُبارَكَةٍ / هاموا بِها في شَبابِ الدَهرِ وَاِفتُتِنوا
عودوا إِلى مِصرَ بِالحَظِّ الرَغيبِ غَداً / تَنهَض جُدودُ رِجالٍ طالَما غُبِنوا
رُدّوا عَلَيها حَياةَ المَجدِ غالِيَةً / فَقَد عَنَتها حَياةٌ ما لَها ثَمَنُ
أَرى بِمِصرَ وُلاةً لا خَلاقَ لَهُم
أَرى بِمِصرَ وُلاةً لا خَلاقَ لَهُم / بِئسَ الوُلاةُ وَبِئسَ الناسُ وَالزَمَنُ
لا يَحفَظونَ إِذا جارَت حُكومَتُهُم / أَن يَجأَرَ الشَعبُ أَو يَستَصرِخَ الوَطَنُ
وَلا يُبالونَ إِن أَبدى العَدُوُّ لَهُم / وَجهَ الرِضى مُدِحوا في الناسِ أَم لُعِنوا
أَقولُ لِلقَومِ مَرحى حينَ بَرَّحَ بي / طولُ العُقوقِ وَجاشَ الهَمُّ وَالحَزَنُ
ماذا تُعانونَ مِن عَيشٍ أُتيحَ لَكُم / في صورَةِ المَوتِ لَولا القَبرُ وَالكَفَنُ
هَلّا رَحَمتُم نُفوساً بيعَ أَكرَمُها / بَيعَ الإِماءِ فَبِئسَ البَيعُ وَالثَمَنُ
هُمُ العِدى وَالرَدى لَولا جَرائِرُهُم / لَم تَشقَ مِصرُ وَلَم تَعصِف بِها المِحَنُ
لَو أَنَّهُم شَرَعوا سُبلَ الأَمانِ لَها / ما اِعتَزَّ فيها العِدى يَوماً وَلا أَمِنوا
لا يَهدَأونَ إِذا راموا مَعونَتَهُم / حَتّى تَميدَ القُرى أَو تَرجُفَ المُدُنُ
الشَعبُ مُحتَنَكٌ وَالخَيرُ مُتَّرَكٌ / وَالعَدلُ مُنتَهَكٌ وَالحَقُّ مُمتَهَنُ
تِلكَ البَلِيَّةُ لَم تُبصِر نَظائِرَها / عَينٌ وَلا صافَحَتُ أَترابَها أُذُنُ
تَدَرَّعوا بِقُوى الأَعداءِ وَاِحتَجَبَت / عَنهُم وُجوهُ الهُدى وَالرَأي فَاِفتَتَنوا
لَسَوفَ يَلقَونَ يَوماً لَيسَ تَعصِمُهُم / فيهِ الدُروعُ وَلا تُنجيهِمُ الجُنَنُ
يا مُنذِرَ السوءِ غُضَّ الصَوتَ إِنَّ لَنا
يا مُنذِرَ السوءِ غُضَّ الصَوتَ إِنَّ لَنا / رَبّاً يَرُدُّ الأَذى عَنّا وَيَحيمنا
إِنّا لَجَأنا إِلَيهِ نَستَعينُ بِهِ / عَلى الحَوادِثِ إِذ قامَت تُناوينا
نَرجو مَراحِمَهُ في كُلِّ كارِثَةٍ / تَهُدُّ مِنّا القُوى هَدّاً وَتُعيينا
يا مُنذِرَ السوءِ لا تُحدِث لَنا فَزَعاً / يا مُنذِرَ السوءِ إِنَّ اللَهَ يَكفينا
وَكَيفَ نَخشى مِنَ الأَحداثِ غائِلَةً / وَمُحكَمُ الذِكرِ يُتلى بَينَ أَيدينا
هُوَ السَبيلُ الَّذي تُرجى النَجاةُ بِهِ / فَليَهدَإِ القَومُ إِنَّ اللَهَ مُنجينا
إيهٍ بَني مِصرَ مِن صُمٍّ وَعُميانِ
إيهٍ بَني مِصرَ مِن صُمٍّ وَعُميانِ / ضَجَّ اللَهيفُ وَهَبَّت صَيحَةُ العاني
أَتَصدِفونَ بِأَبصارٍ وَأَفئِدَةٍ / وَتَجمَحونَ بِأَسماعٍ وَأَذهانِ
فُضَّ الكِتابُ فَسالَت مِن صَحائِفِهِ / مَآتِمُ النيلِ تَجري بِالدَمِ القاني
إيماءَةُ المَوتِ في عُنوانِهِ وَضَحَت / وَالمَوتُ أَبلَغُ مَن يُومي بِعُنوانِ
زِنوا الأُمورَ فَإِنَّ الظُلمَ مَهلَكَةٌ / وَأَعدَلُ الناسِ مَن يَقضي بِميزانِ
ماذا تُريدونَ بَعدَ اليَومِ فَاِنتَبِهوا / لا يَقبَل اللَهُ عُذراً بَعدَ تِبيانِ
أَتُؤمِنونَ بِرَبٍّ لا شَريكَ لَهُ / أَم تُؤمِنونَ بِأَصنامٍ وَأَوثانِ
دينٌ مِنَ العارِ لَم تُرفَع قَواعِدُهُ / إِلّا عَلى طاعَةٍ مِنكُم وَإِذعانِ
لا تَعبُدوا الهُبَلَ الأَعلى وَشيعَتَهُ / شَرُّ البَلِيَّةِ كُفرٌ بَعدَ إيمانِ
لا بارَكَ اللَهُ مِنكُم كُلَّ ذي سَفَهٍ / وَلا رَعى اللَهُ مِنهُم كُلَّ خَوّانِ
صَبّوا الرِياءَ عَلى أَخلاقِهِم فَطَغى / حَتّى رَموا قَومَهُم مِنهُ بِطوفانِ
ثُمَّ اِرعَوَت ضَجَّةُ الآذيِّ وَاِنحَسَرَت / بَقِيَّةُ السَيلِ مِن زورٍ وَبُهتانِ
فَاليَومَ هُم كُلُّ ضاحي الكَيدِ مُنجَرِدٍ / بادي الشَناءَةِ وَالبَغضاءِ عُريانِ
لا يَعصِبُ الرَأسَ لِلشَنعاءِ يَفعَلُها / وَلا يُقَنِّعُ يَوماً وَجهَ خِزيانِ
يا صادِقَ العَهدِ فيما تَدَّعي فِئَةٌ / الذِئبُ أَصدَقُ عَهداً مِنكَ لِلضانِ
ما كانَ أَكبَرَ ما أوتيتَ مِن عِظَمٍ / لَو لَم يَغُرَّكَ هَذا الزائِلُ الفاني
مُلكٌ مِنَ الجاهِ لَم يُرفَع لِذي خَطَرٍ / مِنَ المُلوكِ وَلَم يُجمَع لِخاقانِ
وَطاعَةٌ جاوَزَت أولى طَلائِعِها / أَقصى القَرارَةِ مِن روحٍ وَجُثمانِ
عَمياءُ ما خَفَضَت مِصرُ الجَناحَ لَها / مِن بَطشِ فِرعَونَ أَو مِن بَأسِ هامانِ
لَو كُنتَ غَيرَكَ لَم تَقنَع بِمَنزِلَةٍ / لِأُمَّةٍ آمَنتَ مِن غَيرِ بُرهانِ
أَومَأتَ فَاِستَنفَرَت تُدلي بِبَيعَتِها / وَاِستَرسَلَت مِن زُرافاتٍ وَوحدانِ
في جامِحٍ مِن خُطوبِ الدَهرِ ذي حَرَدٍ / صَعبِ المَقادَةِ لا يُلقي بِأَرسانِ
لَوى الشَكائِمَ وَاِستَشرى لِغايَتِهِ / لا بِالذَلولِ وَلا بِالرَيِّثِ الواني
أَيّامَ تَنساكَ أَخّاذاً بِحُجزَتِها / وَبِالمُخَنَّقِ مِن بَغيٍ وَعُدوانِ
يَطَغى عُرامُكَ في جاهِ اِمرِئٍ صَلِفٍ / يُؤذي الأُباةَ وَيَرمي كُلَّ ذي شانِ
كَذي الطَرائِدِ يَرميها إِذا اِنجَفَلَت / بِكُلِّ ضارٍ هَريتِ الشَدقِ طَيّانِ
مَرحى فَتى النيلِ لا ظُلمٌ وَلا جَنَفٌ / جازَيتَ قَومَكَ نِسياناً بِنِسيانِ
ضَجَّت بِلادُكَ تَشكو ما صَنَعتَ بِها / دَعها تَضِجُّ وَتَشكو غَيرَ أَسوانِ
ماذا يُضيرُكَ إِن باتَت مُرَوَّعَةً / وَلهى وَبِتَّ بِلَيلِ الناعِمِ الهاني
إِن كُنتَ جازَيتَ بِالكُفرانِ نِعمَتَها / فَقَد رَمَت كُلَّ ذي نُعمى بِكُفرانِ
لا يَغضَبِ المَجدُ إِنَّ الحُرَّ يَفدَحُهُ / ظُلمُ البَريءِ وَنَصرُ الجارِمِ الجاني
يا سَعدُ إِنَّكَ ذو عِلمٍ وَتَجرِبَةٍ / فَاربَأ بِنَفسِكَ عَن خِزىً وَخُسرانِ
أَسرَفتُ في النُصحِ حَتّى مَلَّني قَلَمٌ / أَرعاهُ في الأَدَبِ العالي وَيَرعاني
يَأبى الضَراعَةَ إِلّا أَن يَدينَ بِها / لِواحِدٍ قاهِرِ السُلطانِ ديَّانِ
خدنُ المروءة لم تُقدَر مراتبه / في حبِّ مصرَ لأترابٍ وَأَخدانِ
حُرُّ المَواقِفِ في الأَقلامِ كابِرُها / عَفُّ الصَحائِفِ في سِرٍّ وَإِعلانِ
لا يَعرِفُ القَومُ هَل يَرمي بِذي شُعَلٍ / مِن مارِجِ الشِعرِ أَم يَرمي بِبُركانِ
يا زاجِرَ الطَيرِ أَمسِك عَن بَوارِحِها / ماذا تَهيجُ سِوى تَنعابِ غِربانِ
لا مَنطِقُ الطَيرِ مِن وَحيِ القَريضِ وَلا / عِندي بَقِيَّةُ عِلمٍ مِن سُلَيمانِ
لَكِنَّ لي نَظَراتٍ ما تُخادِعُني / أَرمي الأُمورَ بِها عَن قَلبِ لُقمانِ
شَمِّر إِزارَكَ إِنَّ الأَمرَ مُنتَظِرُ / وَالدَهرُ وَيحَكَ ذو رَيبٍ وَحِدثانِ
لَتَشرَبَنَّ الأَذى مَلأى مَناقِعُهُ / وَالشَربُ حَولَكَ مِن مُودٍ وَنَشوانِ
لا يُفلِحُ القَومُ تَستَعصي عَمايَتُهُم / عَلى الهُداةِ وَلَو جاءوا بِفُرقانِ
إيهٍ بَني مِصرَ جازَ الأَمرُ غايَتَهُ / وَذاعَ سِرُّ اللَيالي بَعدَ كِتمانِ
دَعوا اللجاجَ وَسُدّوا كُلَّ مُنفَرِجٍ / وَأَجمَعوا الرَأيَ مِن شِيبٍ وَشُبّانِ
هَل تَحمِلونَ لِمِصرٍ في جَوانِحِكُم / إِلّا بَراكينَ أَحقادٍ وَأَضغانِ
يَطغى السِبابُ حَوالَيها لِيُطفِئَها / وَما يَزيدُ لَظاها غَيرَ طُغيانِ
يا قَومَنا هَل رَأَيتُم قَبلَ مِحنَتِكُم / مَن قامَ يُطفِئُ نيراناً بِنيرانِ
مَن لي بِكُلِّ حَثيثِ المَدِّ مُطَّرِدٍ / وَكُلِّ مُندَفِقِ الشُؤبوبِ هَتّانِ
لَو عَظَّموا حُرُماتِ النيلِ ما اِضطَرَمَت / أَحقادُ قَلبٍ بِماءِ النيلِ رَيّانِ
لا مَطلَبَ اليَومَ إِلّا الحَقُّ نُكبِرُهُ / عَن أَن يَهونَ وَأَن يُرمى بِنُقصانِ
قالوا خُذوهُ نُجوماً فَهوَ مُدَّخَرٌ / في مَخلَبِ اللَيثِ يَحميهِ لِإِبّانِ
اللَهُ أَكبَرُ جَدَّ اللاعِبونَ بِنا / وَأَعمَلَ الذَمَّ فينا كُلُّ طَعّانِ
أَما يَرَونَ بَوادينا سِوى نَعَمٍ / وَلا يُصيبونَ مِنّا غَيرَ قِطعانِ
سَيَكشِفُ الجِدُّ عَنهُم كُلَّ غاشِيَةٍ / وَيوقِظُ الحَقُّ مِنهُم كُلَّ وَسنانِ
ضُمّوا القُلوبَ شَبابَ النيلِ وَاِعتَزِموا / لا يَشمِتَنَّ بِكُم ذو البِغضَةِ الشاني
ظَنَّ الظُنونَ بِكُم مَن لَيسَ يَعرِفُكُم / وَالأَمرُ ذو صُوَرٍ شَتّى وَأَلوانِ
أَينَ العُقولُ بِنورِ اللَهِ مُشرِقَةً / أَينَ الذَخائِرُ مِن عِلمٍ وَعِرفانِ
أَينَ الضَمائِرُ وَالأَخلاقُ طاهِرَةً / أَينَ المَواقِفُ تَشفي كُلَّ حَرّانِ
مِصرُ الفَتِيَّةُ إِن هاجَت حَمِيَّتَكُم / كُنتُم لَها خَيرَ أَنصارٍ وَأَعوانِ
الهادِمونَ كَثيرٌ بَينَ أَظهُرِكُم / شُدّوا البِناءَ وَصونوا حُرمَةَ الباني
أَما تَسيلُ نُفوسٌ ريعَ جانِبُها / عَلى جَوانِبَ تَبكيهِ وَأَركانِ
مَدَّ اليَمينَ إِلَيكُم يَستَغيثُ بِكُم / هُبّوا سِراعاً وَمُدّوهُ بِأَيمانِ
أَإِن طَوى العَيشَ آثَرتُم لِأَنفُسِكُم / ما آثَرَ اليَومَ مِن قَبرٍ وَأَكفانِ
أُعيذُكُم مِن وَفاءٍ راحَ يُنكِرُهُ / ما في الجَوانِحِ مِن صَبرٍ وَسَلوانِ
خُذوا السَبيلَ إِلى العَلياءِ وَاِستَبقوا / لِلمَجدِ في كُلِّ مُستَنٍّ وَمَيدانِ
أَدَعوَةُ الحَقِّ أَولى أَن يُصاخَ لَها / أَم دَعوَةٌ خَرَجَت مِن جَوفِ شَيطانِ
اليَومَ آذَنَ بِالآياتِ مُرسِلُها / ماذا تُرَجّونَ مِنهُ بَعدَ إيذانِ
إِن تَعلِقِ اليَومَ بِالأَعناقِ بَيعَتُهُ / يَعلَق بِكُلِّ وَريدٍ نابُ ثُعبانِ
لَو كُنتُ حاشايَ مِمَّن راحَ يَحمِلُها / طارَت بِها الريحُ فَوضَى مُنذُ أَزمانِ
تِربُ الإِساءَةِ لَم يَحمِل لِأُمَّتِهِ / غَيرَ العُقوقِ وَلَم يَهمِم بِإِحسانِ
جَمُّ الأَراجيحِ لِلأَقوامِ يَنصِبُها / يَظُنُّ أَحلامَهُم أَحلامَ صِبيانِ
مَن يَغلِبُ اللَهَ أَو يَرمي خَلائِفَهُ / في العالَمينَ بِكَيدٍ أَو بِخِذلانِ
الرافِعينَ لِواءَ الحَقِّ مُذ عُرِفوا / مِن كُلِّ راضٍ لِوَجهِ اللَهِ غَضبانِ
المانِعينَ حِمى مِصرٍ إِذا فَزِعَت / وَاِستَصرَخَت مِن بَنيها كُلَّ غَيرانِ
مِن كُلِّ مُتلِفِ مالٍ غَيرَ ذي أَسَفٍ / وَكُلِّ باذِلِ نَفسٍ غَيرَ مَنّانِ
عَزَّت بِهِم أُمَّةٌ عَزَّت بِما مَلَكَت / في قُوَّةِ الحَقِّ مِن عِزٍّ وَسُلطانِ
نَأبى المَناصِبَ إِلّا في جَوانِحِها / يَنُصُّها كُلُّ ذي لُبٍّ وَوِجدانِ
ونزدري المالَ إلا أن تفيض به / دقَّاتُ قلبٍ بنجوى الحبِّ رنَّانِ
قَياصِرُ الحَقِّ نَستَولي عَلى سُرُرٍ / مِنَ الجَلالِ وَنَستَعلي بِتيجانِ
لا نَبتَغي غَيرَ دُنيا الأَنبِياءِ وَلا / نَرضى سِوى اللَهِ مِن رَبٍّ لَنا ثانِ
لَنا عَلى كُلِّ قَومٍ يوزَنونَ بِنا / مِلءُ المَوازينِ مِن فَضلٍ وَرُجحانِ
لَم يُؤثِرِ الخُطَّةَ المُثلى طَواعِيَةً / لِلَهِ مَن راحَ يرمينا بِعِصيانِ
رُدّوا المُغيرَ حُماةَ الحَيِّ وَاِحتَرِسوا / إِنَّ السَراحينَ تَخشى كُلَّ يَقظانِ
وَكُلُّ ضَيعَةِ غالٍ حادِثٌ جَلَلٌ / وَلا كَضَيعَةِ أَقوامٍ وَأَوطانِ
جِدّوا إِلى الغايَةِ القُصوى وَلا تَهنوا / إِنَّ الرِجالَ أولو جِدٍّ وَإِمعانِ
دَعوا المَضاجِعَ إِنَّ الرابِضينَ لَكُم / مِلءُ المَراصِدِ مِن إِنسٍ وَجِنّانِ
لا يَسكُنونَ إِذا نَفسُ اِمرِئٍ سَكَنَت / وَلا يَمُرُّ الكَرى مِنهُم بِأَجفانِ
إِن يُبصِروا غِرَّةً لا يُجدِكُم فَزَعٌ / هَل يَرجِعُ الأَمرُ أَعيا بَعدَ إِمكانِ
اللَهُ مِن حَولِكُم يَحمي جَوانِبَكُم / فَجاهِدوا لا تَخافوا كَيدَ إِنسانِ
يا أَيُّها الناسُ إِنَّ اللَهَ يَأمُرُكُم
يا أَيُّها الناسُ إِنَّ اللَهَ يَأمُرُكُم / أَلّا تَكونوا لِأَهلِ الظُلمِ أَعوانا
يا قَومُ إِلّا تُطيعوا اللَهَ أَمطَرَكُم / رِجزاً وَجَلَّلَكُم خِزياً وَخُسرانا
يا قَومِ لا تَنصُروا مَن لَيسَ يَنصُرُهُ / وَلا تَكونوا لِمَن عاداهُ إِخوانا
يَلقى العِدى طاعَةً مِنكُم وَمَسكَنَةً / إِذا اِستَبَدّوا وَيَلقى اللَهُ عِصيانا
إِنّي أَخافُ عَلَيكُم حادِثاً جَلَلاً / لا تَملِكونَ لَهُ رَدّاً إِذا حانا
أَرى لَكُم في بَريدِ الدَهرِ مَألَكَةً / يَموجُ فيها الدَمُ المَسفوحُ عُنوانا
ما عُذرُ قَومٍ تَمادوا في عَمايَتِهِم / لَم يَألُهُم رَبُّهُم نُصحاً وَتِبيانا
لا يَأمُرونَ بِغَيرِ الظُلمِ أَنفُسَهُم / وَاللَهُ يَأمُرُهُم عَدلاً وَإِحسانا
أَتصِدفونَ عَنِ الآياتِ ساطِعَةً / تَجلو العَمى وَتُضيءُ القَلبَ إيمانا
مِلتُم عَنِ النورِ يَمحو كُلَّ داجِيَةٍ / وَاِنصاعَ رائِدُكُم في الأَرضِ حَيرانا
لَمّا ذَهَبتُم سَواماً لا رُعاةَ لَها / سالَت عَلَيكُم فِجاجُ الأَرضِ ذُؤبانا
تَنازَعَتكُم أَكُّفُ الطامِعينَ بِها / فَأَصبَحَ الجَمعُ أَسراباً وَقُطعانا
هَل تَملِكونَ مِنَ الدُنيا لَكُم وَطَناً / أَم تَعرِفونَ بِها عِزّاً وَسُلطانا
اليَومَ يَبكي عَلى الإِسلامِ شاعِرُهُ / وَيَملَأُ الدَهرَ إِعوالاً وَإرنانا
ضَجَّ الكِتابُ وَضَجَّ البَيتُ مِن أَسَفٍ / وَباتَ فيكم رَسولُ اللَهِ غَضبانا
يا أُمَّةَ النيلِ هُبّي اليَومَ وَاِنطَلِقي / أَما تَرَينَ حِمى الإِسلامِ قَد هانا
رِدي الحَياةَ وَعُبّي في مَشارِعِها / إِنّي أَرى النيلَ ذا الأَنهارِ ظَمآنا
خُذي نَصيبَكِ مِن عِزٍّ وَمِن شَرَفٍ / وَوَدِّعي مِن حَياةِ الذُلِّ ما كانا
اللَهُ أَكبَرُ إِنَّ الناسَ قَد دَلَفوا / فَاِستَرسِلي إِثرَهُم شيباً وَشُبّانا
كُلٌّ يَجِدُّ وَراءَ الحَقِّ يَطلُبُهُ / مِن غاصِبٍ سامَهُ خَسفاً وَإِهوانا
عَصرٌ جَديدٌ وَدُنيا لا نُساءُ بِها / وَلا نَذوقُ الَّذي ذُقنا بِدُنيانا
قُلْ للأمين أقم لِلحُرِّ مَأتَمه
قُلْ للأمين أقم لِلحُرِّ مَأتَمه / لا النّيلُ حُرٌّ ولا الدُّستورُ مأمونُ
أَشاهدُ الزُّورِ مَرجُوٌّ لأُمّتِه / والمؤمنُ الصّادقُ الوجدانِ ملعونُ
يُؤذَى بأسوأ ما يُؤذَى الهُداةُ بهِ / من فِتيةٍ كلّهم نَشوانُ مفتونُ
الحمدُ لله هذا ما أعدَّ لنا / شيخُ الزّغاليلِ والمغبونُ مغبونُ
قل للأُلى رقدوا والعدل يقظانُ
قل للأُلى رقدوا والعدل يقظانُ / طار الكرى واستبان الأمرُ والشّانُ
ماذا ظننتم بها من قُوّةٍ صَدَقتْ / فللحوادثِ إقرارٌ وإذعانُ
تعلّموا الصّدقَ والإيمانَ وارْتدِعوا / إن كان يُعْجِبُكم صِدقٌ وإيمانُ
تكشّفَ العارضُ المرجوُّ وانقشعت / آمالكم فهي آلامٌ وأشجانُ
لولا الجهالةُ ما حَيّاهُ مُختَبِلٌ / يرجو المحالَ ولا استسقاه ظمآنُ
كلُّ السّحابِ جَهامٌ إن هُمُ انتظروا / رِيَّ الغليلِ وكلُّ السَّعْيِ خُسرانُ
زَفُّوا البشائرَ للصِّبيان ما برحوا / حتّى دروا أنّهم في القوم صبيانُ
ماذا على مصرَ من همٍّ يُؤرّقُهم / إن بات عنهم أذاها وَهْوَ وَسْنانُ
ما مرَّ للحكم طيفٌ في وساوِسهم / إلا وَعاودَهم شَوقٌ وتَحنانُ
سلا المحبُّونَ فابتلَّتْ جوانحُهم / وما لهم عنه طولَ الدهرِ سُلوانُ
في كل جارحةٍ همٌّ يُطالعه / من كل جانحةٍ للغيظِ بُركانُ
يا قيسُ ويَحكَ ليلى عنك في شُغُلٍ / وأنت يا قيسُ صَبُّ القلب ولهانُ
وارحمتا لكَ ضاعت في الغرام سُدىً / دُموعُ عينٍ لها سَحٌّ وتهتانُ
لو في يدي رُقْيَةٌ أشفِي الصّريعَ بها / إذن شفيتُك إنّ النّاسَ إخوانُ
قومٌ مضى عهدُهم وانفضَّ مَلعبُهم / لا كان ذلك من عهدٍ ولا كانوا
يَغيظُهم بعد أن زالوا بباطلهم / ألا يكونَ لغير الحقِّ سلطانُ
ما الحكمُ دستورُه عَدلٌ ومرحمةٌ / كالحكم دستورُه ظلمٌ وطُغيانُ
ما غرّهم بابن محمودٍ أما علموا / أنّ الرئيس لمجدِ النّيلِ عُنوانُ
ظنّوا الظنون ولجّوا في عَمايتهم / وفي الحوادث للأقوامِ تِبيانُ
العدلُ مرماه والميزانُ في يده / إن جار مُحتكِمٌ أو مال ميزانُ
كاسٍ من الشرف العالي يُهيّجُه / مَن يدّعِي المجدَ زُوراً وهو عُريانُ
ما زاده الحكمُ جاهاً إذ تقلَّدَهُ / الجاهُ مُنبسِطٌ والذّكر رنّانُ
هي الكنانةُ تدعوه فيُدرِكُها / والخطبُ مُعترِكٌ والشّعبُ حيرانُ
تهوِي سفينتُها غرقَى فيرفعُها / يجري بها وعوادي الدّهر طُوفانُ
شيخُ السّياسةِ لا شيخُ الأُلى جَهِلوا / إنّ السياسةَ أنواعٌ وألوانُ
أُصليهمُ اللَّوْمَ ناراً ثم يمنعني / أَنْ ليس للقومِ ألبابٌ وأذهانُ
لا الحقُّ في رأيهم حقٌّ تدين له / شُمُّ الجباهِ ولا البُهتانُ بهتانُ
القومُ مَوْتَى فإن كانت لهم صُحُفٌ / فإنّما هي أجداثٌ وأكفانُ
أَلستَ تُبصِرُها سُوداً مُذمَّمةً / نُكْداً يُجلِّلُها خِزيٌ وخِذلانُ
يَعافُها كلُّ ذي لُبٍّ وتَمقُتُها / من جِلّةِ القومِ أبصارٌ وآذانُ
يظلُّ يرقُبُ حُكمَ اللهِ في يدهِ / إن مسَّها من ذوي الألبابِ إنسانُ
خرائبُ الشُّؤمِ ما تنفكُّ ناعقةً / تبكي بأرجائها بُومٌ وغِربانُ
زال العَمَى فإذا المعبودُ مِلْهَيَةٌ / من الدُّمَى وإذا المحسود شيطانُ
سِرْ يا مُحمّدُ لا تُشغلك ضجّتُهم / هل يُشغِلُ اللّيثَ أن تهتاجَ جِرذانُ
إنّا نَعُدُّكَ للجُلىَّ وأنت لها / كُفْءٌ إذا قلَّ أكفاءٌ وأقرانُ
ابنِ الحياةَ لشعبٍ هان جانبُهُ / إذ كلُّ شعبٍ له في العزّ بُنيانُ
الزرعُ حولك ذاوٍ والثّرى يَبِسٌ / والعبقريّةُ أنهارٌ وخُلجانُ
كم دفّق العلم فيّاض البيانِ له / من العُقوق وسوءِ الصّنعِ سجّانُ
يا مُنصِفَ الشّعبِ مّمن كان يظلمه / أنصِفْ قُوىً غَالَها ظُلمٌ وعُدوانُ
قُوى البلادِ تُعينُ العاملينَ بها / وما لها من وُلاةِ الأمرِ أعوانُ
هم عاقبونا بحرمانٍ وإن ضَمِنوا / رِزقَ الأُلىَ لم نَهُنْ يوماً كما هانوا
لا أكفُرُ اللهَ بعضُ البُؤسِ مَنقبةٌ / للفاضلينَ وبعضُ الرزقِ حرمانُ
الحكمُ عند ذوي الألبابِ أَربعةٌ / عزمٌ وحزمٌ ومعروف وإحسانُ
صونوا الذِّمامَ فإن الحُرَّ من صانا
صونوا الذِّمامَ فإن الحُرَّ من صانا / وجدِّدوا من قديمِ العهدِ ما كانا
إنّ الأُلى بايعوا المُختارَ أوفدَهم / فَبَايُعوهم وزِيدوا النَّاس إيمانا
خذوا الكتابَ من الصِّدِّيق والتمسوا / بين الصُّفوفِ أبا حفصٍ وعُثمانا
خيرُ النبيّينَ يُصفيكم مودَّتَهُ / واللهُ يشكركم فضلاً وإحسانا
أتِلْكَ للنشءِ دارٌ نحن نشهدها / أم نحن نشهدُ للإِسلام إيوانا
طافَ الأمينُ على رِيح الجنانِ بها / فزادها من جلالِ الحقِّ أركانا
لمّا عطفتم على القُرآنِ من نُسُكٍ / تدفَّقتْ جَنَباتُ النِّيل قُرآنا
تلك الجماعاتُ هَبّتْ من مَجاثِمها / تدعو إلى الله شعباً باتَ وسنانا
يشكو العَمى وكتابُ اللهِ في يده / يكاد يُنكره جهلاً ونِسيانا
نورٌ تدفّقَ لولا الله مُرسلُه / إذنْ لجاشتْ شُعوبُ الأرض عُميانا
إذا الممالك مالت عن مَناهجِهِ / كانت حضارتُها زُوراً وبُهتانا
مَن راحَ من قومِنا يُحيي مَراشده / أحيا بها أمماً شتَّى وأوطانا
إن أنتَ أطلقت في الآفاقِ حكمته / أطلقتَ للعلمِ والعرفانِ طُوفانا
وإن رميتَ بَنِي الدنيا بقُوَّتهِ / ردَّ العُبابَ دماً والأرضَ بُركانا
يُزجي الأساطيلَ في الآياتِ ظافرةً / ويغمرُ الحربَ أبطالاً وفرسانا
بَنَى الرسولُ عليه أمّةً هدمتْ / أقوى الشُّعوبِ به عزّاً وسلطانا
إنّ الذي نَزّلَ الذكرَ الحكيم على / رسولِه زاده حِفظاً وتِبيانا
باقٍ على الدَّهرِ لا يخشَى غَوائلَهُ / ولا يخافُ من البَّاغين عُدوانا
ألاَ تقومُ بدار المُلكِ جمهرةٌ / تحمي البناءَ وترعى الأمرَ والشَّانا
هنالك المرجعُ الأعلى يكون لنا / إذا التمسنا على الخيراتِ مِعوانا
لابدُّ للأمر من مَسْعىً يُحقّقهُ / واللهُ أكرمُ مَن يُرجى لمسعانا