المجموع : 3
بُشراكِ أَيَّتُها الدُّنيا وبُشرانا
بُشراكِ أَيَّتُها الدُّنيا وبُشرانا / أَحياكِ بالعدْلِ منْ بالأَمْنِ أَحْيانا
لعَلَّ آمالنا فِي اللهِ قَدْ صدَقَتْ / وصِدْقَ موعِدِهِ بالفتحِ قَدْ آنا
وعودةً تمتري عفواً وعافيةً / ودعوةً تقتضي صفحاً وغفرانا
تنسَّمي ريحَ رَوْحِ اللهِ مُنشِئةً / غُيوثَ رحمتِهِ سَحّاً وتَهتانا
واستَقبِلي زَهْرَةَ العقبى مُنوِّرَةً / بالنُّورِ فِي رَوْضَةٍ تَهتزُّ رِضْوانا
لَتورِقَنْ شجرُ الدُّنيا لَنَا وَرِقاً / بسعدِها وتُريقُ الأرْضُ عِقيانا
وتعبقُ الأَرْضُ من مسكٍ وغاليةٍ / وتُمطرُ المُزْنُ ياقوتاً ومرجانا
وقُلْ لِمنْ قَدْ أَضَلَّ الشمسَ طالِعةً / لا تَسْرِ من بعدِها فِي لَيلِ حَيرانا
ويا غريباً شريداً عن مواطنِهِ / لِتَهنكَ الأرضُ أُلّافاً وأَوْطانا
ويا مَرُوعَ الضُّحى يُزْجي ظَعائِنَهُ / عَرِّسْ بجوَزِ الفلا أمْناً وإِيمانا
هاتِيكَ شَمسُ الهُدى فِي بُرْجِ أَسعُدِها / وَدِينُنا مُشرِقٌ فِي عِزِّ دُنيانا
ودَوْحَةُ اللهِ زَكَّى غَرْسَها فزَكَتْ / أُكْلاً وظِلّاً وأَشْجاراً وأَغصانا
أوشِكْ بِهَا نِعمةً راقَتْ لِتُحييَنا / نُعمى ويُثمِرَ ذَاكَ الحُسنُ إِحسانا
خلافَةُ اللهِ فِي مثوى نُبوَّتِهِ / وحِفظهُ قَدْ تَولَّى من تَولّانا
ودَولةٌ سبقتْ آمالَنا كَرَماً / كَأَنَّ مَا قَدْ تمنَّينا تمنَّانا
ودَعوةٌ أعلنَ الدَّاعي فأَسْمعَها / من قَصْرِ قُرْطُبةٍ أَقصى خُراسانا
وبَيعةٌ عَرَفَ الإِسلامُ آيتَها / فلم يَخِرُّوا لَهَا صُمّاً وعُميانا
كادَتْ تُحرِّكُ للأَشجارِ ألسِنةً / تَدْعو وتَخرِقُ للأَحجارِ آذانا
للقاسِمِ القائِمِ الهادي الَّذِي هُديَتْ / إِلَيْهِ طاعتُنا سِرّاً وَإِعْلانا
وابن الَّذِي كُتِبتْ فِي اللَّوْحِ طاعَتُهُ / وَوُدُّ قرباهُ عندَ اللهِ قُربانا
إِمامُنا وابنُ مَنْ أَمَّ الإِلهُ بِهِ / أَهلَ السماءِ ومَنْ فِي أَرْضِهِ دانا
تِلْكَ المَنابِرُ لَمْ تثْبتْ قواعِدُها / حَتَّى تحلَّينَ مِنْ ذكراهُ تيجانا
بلِ الكتائِبُ لم تُنشرْ صحائفُها / حَتَّى رأَتْهُ لِفتحِ اللهِ عُنوانا
مقلَّداً نصلَ هَذَا السيفِ مِنْ يَمَنٍ / فِي السَّلمِ والحَرْبِ تمكيناً وإِمكانا
نصيحةٌ عَمَّتِ الدُّنيا وَساكِنَها / نُوراً وأَضرمَتِ الأَعداءُ نِيرانا
فأَصبحَ المُنذِرُ المَنصورُ واليَنا / والقاسِمُ المَلكُ المأْمونُ مَولانا
من بعدِ فترَةِ أَزْمَانٍ مَطَلْنَ بِهِ / وَدِدْنَ أَلّا نُسمِّيهنَّ أَزْمانا
يُمناهُ فِي قائِمِ السيفِ المُقامِ لَهُ / فِي العَدْلِ والقِسطِ عندَ اللهِ ميزانا
رَدَّ الإِلهُ إِلَيْهِ حقَّ والدِهِ / فكُلُّ حَقٍّ بِهِ ردٌّ لمَنْ كَانَا
أَحْيا بِهِ لابنِ يَحيى حَقَّ أَوَّلِهِ / فِي نُصْرَةِ الحَقِّ إِقراراً وإِذْعانا
حُكماً بما نطقت فِيهِ وَمَا صدقت / شهادة الله تنزيلاً وفرقانا
وَأُسْوَةً برَسُولِ اللهِ والِدِهِ / فيمنْ تخَيَّرَ أنصاراً وجيرانا
فَحَسْبُ مُؤْثِرِ هَذَا الحُكمِ مَعدِلَةً / وَحَسبُ ناصِرِ هَذَا الدِّينِ بُرْهانا
فَتى نَماهُ إِلَى نَصرِ الهُدى نَسبٌ / لَوْ قُدِّرَ البدْرُ ليلَ التِّمِّ لازدانا
مِنَ الَّذِينَ وَفتْ للهِ بَيْعَتُهُمْ / فأَخلصوا العهدَ إِيماناً وأَيمانا
باعوا نُفوسَهُمُ من ربِّهِمْ فَجُزُوا / خُلْدَ الثَّناءِ وخُلدَ الفوزِ أَثْمَانا
فأَشرَقَتْ سُبُلُ الدنيا بهدْيِهِمُ / والأَرْضُ قَدْ شَرِقَت كُفراً وأَوْثانا
تَلقى شبابَهُمُ فِي السَّلمِ إِنْ نَطقوا / شِيباً وشيبَهُمُ فِي الحَرْبِ شُبَّانا
همُ المُلبُّونَ والأَبصارُ ناكِصَةٌ / نَبِيَّهُمْ يَومَ نادى يَا لَقَحطانا
والمُطْلِعُونَ نُجومَ المُلكِ إِذْ أفلتْ / والكافِلونَ بعِزِّ الحقِّ إِذْ هانا
لَهم مَدى السبقِ فِي بَدْرٍ وَفِي أُحُدِ / وَآلِ حَرْبٍ وحِزْبَيْ قَيسِ عَيلانا
وفي تَبوكَ و أَوْطاسٍ و مُصطَلقٍ / ومَنْ عَصى اللهَ من أَبناءِ عَدْنانا
لهُم بَرَاءةُ والأَنفالُ إِذ خُتِمَتْ / والنِّصفُ قِسمُهُمُ من آلِ عِمْرانا
ويومَ صِفِّينَ لَمْ تَخْذُلْ سُيوفُكُمُ / آلَ الرَّسُولِ بِهِ يَا آلَ هَمْدانا
فَليَهْنِكُمْ نصرُ من أَهْدى الهُدى لكمُ / ونَصرُ أبنائِهِ منْ بعدِهِ الآنا
سَعيَ الَّذِينَ هُمُ آوَوْا وهُم نصروا / وأَنجبوا ناصِراً للدِّينِ آوانا
أَسْرى إِلَى الرَّوْعِ فِي تأْمين رَوْعَتنا / وساوَرَ المَوتَ فِي تمهيدِ مَحيانا
وأَتعبَ الخَيلَ إِيثاراً لِرَاحَتِنا / وفرَّقَ المالَ إِكْراماً لمَثوانا
كَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ الوَغى وَطَناً / وَلا سِوانا لما يَحوِيهِ خُزَّانا
سَيفاً ولَكنْ عَلَى الأَعداءِ مُحتكِماً / بَحراً ولكن إِلَى الظَّمآنِ ظَمآنا
أعطى الرَّغائِبَ حَتَّى كادَ يُوهِمُنا / لَوْ سائِلٌ سَالنا منه لأعطانا
وساجَلَ الدَّهْرَ حَتَّى لَمْ تَدَعْ يدُهُ / فِي الجودِ كُفءاً ولا فِي الحرْبِ أقرانا
إِذا المراتِبُ جالت فِي أَعِنَّتِها / وجَرَّرَتْ خُطَطُ العلياءِ أَرسانا
فاضْمُمْ إِليكَ أَقاصِيهِنَّ مُذْعِنةً / حقّاً لِسَعيِكَ لا بغياً وعُدوَانا
فَكم ضَربْتَ عليها من قِداحِ وغىً / بالبيضِ والسُّمرِ ضَرَّاباً وطَعَّانا
وكم سَبقتَ إِليها واحتوَيتَ لَهَا / مَدىً جَعلتَ إِليها الصِّدْقَ ميدانا
رياسَتينِ كَمِثلِ الشعرَيَينِ سَناً / وكالرَّبيعَيْنِ روحاناً وريحانا
وتاجَ نصرٍ وإِعظامٍ وتكرِمَةٍ / حَلّاكَها من بأَمْنِ الأَرْضِ حَلّانا
فإِن ولَدْتَ لَهَا أَقمارَ مَمْلَكَةٍ / أَسباطَ مَلحمَةٍ أُسْداً وفُرْسانا
فقد خَلعْتَ عَلَى يحيى حِجابَتها / مَحفوفَةً منكَ إِعْزازاً وسُلطانا
ثُمَّ احتوى حَكَمٌ مثنى وَزارَتِها / فَفُزْتُمُ بالعلا مثنىً وَوِحْدانا
كلٌّ حَباكُم أَميرُ المؤمنين بِهِ / كما بقربكُمُ الرَّحْمنُ حابانا
مَزِيَّةٌ جالتِ الدُّنيا فما وَجَدَتْ / سِواكُمُ لِنفوسِ المُلكِ أَبدانا
وهِمَّةٌ لَكَ يَا منصورُ مَا هَدَأَتْ / حَتَّى رأَتْكَ لِعَينِ الدِّينِ إِنسانا
فَهدَّمَتْ بك بُنيانَ العِدى فَرَقاً / وشيَّدَتْ لَكَ فَوْقَ النجمِ بُنيانا
يُنسي بناءَكمُ صَنعَاءَ بلْ إِرَماً / ذاتَ العِمادِ وسِنداداً وغُمْدانا
والأَبْلقَ الفرْدَ والأَبْراجَ من أَجَأٍ / والسَّيلَحِينَ وسدّاً كَانَ مَا كَانَا
بنِسبةٍ من رسولِ اللهِ شدَّ بِهَا / ربُّ العُلا للهدى والدِّين أَرْكانا
صِهراً يكادُ وَقَدْ لاحَتْ معالِمُهُ / يَشدُو بِهِ الدَّهْرُ إِفصاحاً وتِبيانا
جزاءُ رَبِّكَ بالحُسنى لذي حُرَمٍ / أَضْحى عَلَى حُرَم الإِسلامِ غَيرانا
وحفظُ مَنْ لَمْ يَزَلْ بالعدلِ يحفظنا / ورَعْيُ من لَمْ يزل بالبرِّ يَرعانا
وَصِدْقُ مَا قَدْ عهدْتُم فِي كَرائِمكمْ / إِنْ لَمْ يُمَلَّكْنَ أَكْفاءً فأَكفانا
فَلْتَهْنِكمْ نِعمةٌ يحيا السُّرورُ بِهَا / وغبطةٌ حانَ فِيهَا يومُ مَنْ حانا
ففازَ بالعِزِّ من نادى بِبَيْعَتِكُمْ / وبَاءَ بالخِزْيِ هَيَّانُ بنُ بَيَّانا
شَوْقٌ شديدٌ ووصلٌ من حَبيبَيْنِ
شَوْقٌ شديدٌ ووصلٌ من حَبيبَيْنِ / فلَيْتَ شِعْرِيَ مَا خَطْبُ العَذُولَيْنِ
وليت شِعْرِيَ إِذْ لاما وشِعْرَهُما / أَفِي السُّوَيدَاءُ من قَلْبِي ومن عَيْنِي
وهل أُمَكّنُ من أُذْنَيَّ عَذْلَهُما / فِيهَا إِذَا قامَ عُذْرِي فِي العِذارَيْنِ
وَقَدْ تَعَبَّدَنِي ربُّ الهوى فَبِهِ / أَعوذُ من مُشْرِكٍ فِيهِ إِلهَيْنِ
وَلَيْسَ ذنبِيَ عندَ العاذِلينَ سِوى / أَنِّي أُرى فِي رِضاهُ ثانيَ اثْنَيْنِ
وكم طَلَبْتُ بِهَا الأَيَّامَ مجتهداً / طِلابَ ربِّ نَفيسِ الدَّيْنِ بالدَّيْنِ
وكم بَذَلْتُ لَهَا فِي الشَّوْقِ مكتئِباً / غُروبَ جفنَيْنِ مَا تشكُو من الأَيْنِ
بدمعِ عينٍ أَبى مَا فِي الضميرِ لَهُ / حَتَّى يُصَيِّرَهُ دمعاً بلا عَيْنِ
ما كُفْرُ نُعْماكَ من شأْني فَيَثْنِيني
ما كُفْرُ نُعْماكَ من شأْني فَيَثْنِيني / عَمَّنْ توالى لنصرِ الملكِ والدّينِ
ولا ثنائي وشُكري بالوفاءِ بما / أولَيْتَني دونَ بذْلِ النفسِ يكفيني
حَقٌّ على النَّفْسِ أن تَبْلى ولو فَنِيتْ / في شكرِ أيسرِ ما أضحيتَ تُوليني
ها إنَّها نعمةٌ ما زالَ كوكَبُها / إليكَ في ظُلُماتِ الخطبِ يَهْدِيني
تَبْأَى بجوهَرِ وُدٍّ غيرِ مُبْتذَلٍ / عِندي وجوهرِ حَمْدٍ غيرِ مكنونِ
وحبذا النأي عن أهلي وعن وطني / من كل بر وبحر منك يُدنيني
وموقفٍ للنَّوى أغلَيْتُ مُتَّأَدِي / فيه وأرخَصْتُ دمعَ الأَعينِ العِينِ
من كلِّ نافِرةٍ ذَلَّتْ لِقَودِ يَدِي / في ثِنْي ما يَدُكَ العلياءُ تَحْبُوني
والحِذْرُ يخفقُ في أحشاءِ والهةٍ / تُرَدِّدُ الشَجوَ في أحشاءِ مَحزونِ
أجاهِدُ الصَّبْرَ عنها وَهيَ غافِلةٌ / عن لَوْعَةٍ في الحشا منها تُناجِيني
يا هَذِهِ كيفَ أُعْطِي الشَّوقَ طاعَتَهُ / وهذهِ طاعَةُ المَنصُورِ تَدْعُوني
شُدِيّ عَلَيَّ نِجادَ السيفِ أجْعَلُهُ / ضجيعَ جنبٍ نبا عن مَضْجَعِ الهُونِ
رَضِيتُ منها وشيكَ الشَّوقِ لي عِوَضاً / وقُلْتُ فيها للَوْعاتِ الأسى بِيني
فإن تَشُجَّ تباريحُ الهوى كَبِدِي / فقد تَعَوَّضتُ قُرْباً منكَ يأْسُرني
وإن يُمِتْ موقفُ التوديعِ مُصْطَبَرِي / فَأَحْرِ لي بدُنُوٍّ منك يُحْيِيِني
أو أفْرَطَ الحَظُّ من نُعماكَ منقلَبٌ / من الوفاءِ بحَظٍّ فيكَ مغْبونِ
وخازنٌ عنكَ نفِسي في هواجِرها / وليس جُودُكَ عن كَفِّي بمخزونِ
وأيُّ ظِلٍّ سوى نعماكَ يُلْحِفُني / أو وِردِ ماء سوى جدواكَ يُرْوِيني
وحاشَ للخيلِ أن تُزْهى عَلَيَّ بها / والبِيضِ والسُّمْرِ أن تَحظى بها دُوني
ورُبَّما كنتُ أمضى في مكارِهِها / قدماً وأثْبَتَ في أهوالِها الجُونِ
من كلِّ أبيضَ ماضي الَغربِ ذي شطبٍ / وكلِّ لَدْنٍ طرير الخد مسنونِ
كذاك شأوي مُفدَّىً في رضاك إذا / سَعَيْتُ فيهِ فلا ساعٍ يُبارِيني
لكن سهامٌ من الأقدارِ ما بَرِحَتْ / على مَراصِدِ ذاك الماء تَرْميني
يَحْمِلنَ للرَّوْعِ أُسداً في فوارِسِها / تَمْدُّ للطَّعْنِ أمثالَ الثَّعابِينِ
والبِيضُ تحت ظِلالِ النَّقْعِ لامعَةٌ / تَغَلغُلَ الماء في ظِلِّ الرَّياحِينِ
حتَّى يَجُوزوا لكَ الأرض التي اعترفتْ / بمُلكِ آبائكَ الشُّمِّ العَرانِينَ
حيثُ اسْتَبَوْا فارِساً والرُّوم واعْتَورُوا / رِقَّ الأساوِرِ منهم والدَّهاقِينِ