ألقاكَ في عالم الذكرى وتلقاني
ألقاكَ في عالم الذكرى وتلقاني / رغمَ الفِراق بهذا العالم الفاني
أرنو إلى وجهكَ الضَّاحي فيشرقُ لي / عن صفحتي مَرِحٍ في الخُلد جذلانِ
وأجتلي لَمَحَاتِ العبقرِيّةِ في / عينينِ حَدَّثتا عن رُوحِ فنَّانِ
لأنتَ حيٌّ برغم الموت أسمَعُهُ / كعهده وأراهُ مِلء وجداني
عذبُ البيان سَرِيُّ اللفظ مازَجَهُ / ما في طباعكَ من حُسْن وإِحسانِ
يُذكِي الشيوخَ بأحلام الشبابِ وكم / أذكى بحكمتهم أحلامَ شُبَّانِ
أُصْغي إليكَ عميقَ الفكر ملتمعاً / في منطقٍ جهوريِّ الصّوت رنّانِ
كالغيث يلمعُ في الآفاق بارقُهُ / وفي الثَّرَى مِنه زهرٌ فوق أفنانِ
عفُّ الضمير حَوَى الدنيا بنظرته / فلم ترُعْهُ بأشكال وألوانِ
مُقيَّدٌ بعريقٍ من خلائقه / لا خوفَ بطشٍ ولا زُلفَى لسلطانِ
كالنهر يقتلع الأسدادَ منطلقاً / حراً ويجري حبيساً بين شطآنِ
يُعطِي الحياة لأقوامٍ وينشرها / شتّى روائعَ في حقلٍ وبستانِ
تمثَّلَ الحقّ يرمي كلَّ شائبةٍ / عنه ويُغرِقُ فيه كلّ بهتانِ
حامي القضاء وراعي العَدْل في بلد / لا يأمن العدلُ فيه سطوةَ الجاني
ورافعُ الصّرح لاستقلاله عَجَباً / صُنعُ السماء تُرَى أم صُنعُ إِنسانِ
صبري أحقّاً طواكَ الموتُ كيف وما / هذي المواكبُ من قاصٍ ومن داني
كالأمس ضَجَّتْ فهل أسمَعْتَ هاتفها / صدى هُتافكَ في جنّات رضوانِ
قُمْ بشِّر الحقَّ واخطبْ في كتائبه / يا صاحبَ الخلد هذا يومُك الثاني
يا واهبَ الثورة الكبرى يَفَاعَتَهُ / حين الشبابُ رُؤى غيدٍ وألحانِ
وصاحِبَ العهدِ لم يطرحْ أمانتهُ / كهلاً يُصاول عن أهلٍ وأوطانِ
وقفٌ على مصرَ هذا القلبُ مُتّقِداً / بحبها مَنْ لهذا المدْنَفِ العاني
قد استبدّتْ به حتى استبدّ به / عادي الرّدى وهو لا واهٍ ولا واني
يا للشهيد صريعاً ملءَ حومتهِ / سيفاً خضيباً وجُرْحاً من دمٍ قاني
هذي الصحائفُ من مجدٍ ومن شرف / هيهاتَ يُسلمها دهرٌ لنسيانِ
ذخائرُ الوطن الغالي يُرَتِّلُها / على مسامع أجيالٍ وأزمانِ
فيها أغانٍ لعشّاقٍ قد افتقدوا / أوطانهم وأناشيدٌ لفرسانِ
أحرارُ مملكةٍ أَرْسَوْا دعائمها / على أساسٍ من الشُّورى وأركانِ
لم يَرْهَبُوا سَوطَ جلَّادٍ ولا حَفِلوا / بسيف باغٍ ولا أصفاد سجّانِ
ولا أقاموا على ذُلٍّ وإِنْ ذهبوا / على دموع وآلامٍ وأشجانِ
همو البُنَاةُ وإِنْ لم يذكروا يَدهُمْ / فيمَا يَرى الجيلُ من مرفوعِ بنيانِ
لا تسألنّ الضحايا عن مآثرهم / وسائلِ الأثرَ الباقي مَنِ الباني
ذكراكَ ما سنحت للفكر أو عبرت / بالقلب إِلَّا وهاجت نار أحزانِ
فزِعتُ منها إِلى الأوهام أسألها / أأربعونَ مَضَتْ أم مرّ عامانِ
قد أذهل الخطبُ شعري عن شوارده / وأُنسِيَتْ كلماتي شدْوَ أوزاني
فجئتُ أُجريهِ دمعاً في يدي رجُلٍ / قد صاغه اللّه من حقٍّ وإِيمانِ
هذا الذي باركتْ مصرٌ زعامته / وقبّلتْ جُرْحَها في قلبه الحاني